إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الدكتور أحمد القديدي لـ "الصباح": سأترشح لرئاسة الجمهورية وأتوقع انتخابات سابقة لأوانها

 

 

 

تونس - الصباح

ما تعيشه تونس في الظرف الراهن استدعى البحث عن شخصية سياسية ووطنية عايشت تجارب مختلفة لتقدم رؤية مختلفة عن السائد بعيدا عن المناكفات ورمي التهم وتحميل المسؤوليات لهذا الطرف او ذاك، لاسيما ان المرحلة الحالية تحتاج نوعا من الحكمة في تحليل هذا الواقع سياسيا واقتصاديا واعلاميا.

في ظل هذا الوضع المتردي والمشهد المتأزم حاورت "الصباح" الدكتور أحمد القديدي، وهو سياسي وأستاذ جامعي تونسي وسفير تونس السابق في قطر ونائب رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سابقا ورئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس.

القديدي الى جانب تجربته الثرية التي راوحت بين السياسية والاعلام كانت له مجموعة من الاصدارات فهو مؤلف خمسة كتب في حوار الحضارات ومتحصل على وسام الاستقلال والجهورية زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

تحدث عن تجربة الحكم في تونس قبل الثورة وما بعدها وعن وضع البلاد زمن تفشي الكورونا، ووصف المشهد السياسي بـ"السيرك"، كما شدد على ضرورة تغيير النظام السياسي لأنه "مغشوش وملغوم ومفلس"،على حد تعبيره.

وفي حواره لـ "الصباح" تحدث القديدي عن الوضعية السياسية التي جاءت بقيس سعيد رئيس الجمهورية معتبرا انه ظاهرة يتيمة جاء في ظرف انتخابي عقابي للأحزاب التي تحولت الى عصابات، حسب رايه.

كما اعلن الدكتور احمد القديدي عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة قائلا :"ان الرجل السياسي لا يموت إلا بموت طبيعي أما وهو على قيد الحياة فالواجب الوطني يقتضي منه أن يكون جنديا لبلاده في كل الأعمار".

وفي ما يلي نص الحوار:

 

*  دكتور احمد القديدي، في البداية لنتحدث عما يجري في تونس بسبب تفشي غير مسبوق لفيروس كورونا، ماذا تقول في هذا الخصوص؟

-تعاني تونس من الجائحة ككل بلدان العالم لكن الكورونا لدينا هي نتيجة كورونا سياسية ولدت هي الأخرى من تراكم الأوبئة السياسية التي عانت منها بلادنا وأعتقد صادقا إذا قرأنا تاريخ تونس الحديث أن شعبنا ونخبه الحاكمة والمعارضة تحمل "جينات" المصائب المتراكمة منذ الاستقلال عام 1956 وعلينا أن نكون أمناء في قراءة تاريخنا وتداعياته لنحلل جرد الحساب لمرحلة تأسيس الدولة الوطنية على أيدي زعيم ساهم في تحرير الشعب من الاستعمار ومن العروشية والتخلف ولا شك أنه أراد الخير والتقدم لتونس لكنه مع التقدم في العمر وإصابته بأمراض عديدة منذ أواسط السبعينيات (عضوية وعقلية) تحول إلى زعيم أبوي بلا إرادة ذاتية وغرّر به المحيطون به ليقبل التأبيد في الرئاسة ثم تدريجيا تحوّل إلى "أداة" في أياد غير أمينة من أصحاب اللوبيات المتّنفذة بدءا بعائلة بن عمار (البلدية) وعائلة بورقيبة (الساحلية) ودار بين الأسرتين المتنّفذتين صراع "دموي" مرير قادته امرأتان هما وسيلة بن عمار وسعيدة ساسي محدودتا المدارك والثقافة حتى جاء الجنرال زين العابدين بن علي (من المخابرات وليس من الجيش) بدهاء الطامع في السلطة التي تسلل إليها وليس بذكاء الوطني الطامح إلى الحكم فبدأ بن علي بصفته "مطمئن الزعيم على استمرار الدولة ومقاومة الإسلاميين"، وشرع بوسواس من الهادي البكوش الذي كان أحمد بن صالح أعرف الناس به يسميه (الثعلب الذي يجري لنفسه لا لبن علي ولا للوطن) وهو الذي استغل الانقلاب الأبيض على بورقيبة ثم بدأ يهيأ نفسه لأعلى رأس السلطة حتى تفطن له بن علي وعزله (أي تغدى به قبل أن يتعشى به البكوش).

* إلى أي مدى تعتقد أن ما نعيشه اليوم هو امتداد لسياسات خاطئة ساهمت في تفكك الدولة؟

-جوابا على سؤالك هذه الحلقات المتواصلة من تفكك الدولة هي التي أوصلتنا إلى وضع وبائي وسياسي واقتصادي خارج عن السيطرة لأن دولة ما بعد 14 جانفي ورثت كل عوائق السياسات القديمة وأضافت لها العجز الصارخ عن إدارة الأزمة وإدارة الدولة بسبب غياب ثقافة الدولة لدى من حكموا من جانفي 2011 إلى اليوم وبسبب المعوّقات التي وضعها المجلس التأسيسي في دستور 2014 والتي لا تضمن الحقوق للشعب بقدر ما تضمن بقاء الكتل البرلمانية في السلطة. واليوم فإن "التوانسة" وحولنا الجيران والأشقاء مندهشون، في حين يتفشى الوباء بسرعة وبسلالاته الخطيرة لم تعطه النخبة الحاكمة الأولوية وظلت تتناقش - بيزنطيا- في معاني الفصول الدستورية وتتصارع على افتكاك الصلاحيات والمواقع في مناخ متعفن بالفساد والشعبوية والسطحية والارتجال الى أن وصلنا إلى الكارثة.

مثلا، المبالغ الضخمة التي وضعتها السعودية ثم قطر لبناء مستشفى جامعي ثم مدينة طبية في القيروان ولا أحد من الوزراء يعرف لا مكان هذه المشاريع ولا دراساتها بسبب تعاقب الحكومات بسرعة لا تسمح بالتركيز أو التنفيذ و بسبب التطاحن على المواقع.

 

* شاهدناك في أكثر من خروج مصور على "الفايسبوك" تتحدث عن الوضع الصحي الصعب الذي تمر به ولاية القيروان وأنت ابن القيروان؟

-نعم كارثة القيروان رمزية لأن القيروان هي مهد كليات الطب والصيدلة وطب الأطفال والجراحة منذ أكثر من ألف عام فعوض أن نجعلها رمزا لتقدم طبي كبير تفخر به بلادنا حرمتها الحكومات منذ عهد بورقيبة من نصيبها من التنمية والبنية التحتية والتجهيزات الطبية وضربت لك في الجواب السابق مثل التمويلات السعودية والقطرية التي لم تستعمل، مثل المركز القيرواني لمعالجة الأورام الذي أنشأه أبناء القيروان بأموالهم الخاصة وجهزوه بالمليارات وهو لا ينقصه شيء لكنه لم يحصل على ترخيص الحكومة منذ عام ونصف وظل مغلقا هذا دليل قاطع آخر ينضاف الى انعدام المسؤولية بل انعدام الضمير وأنا أنصح أصحابه أن يشرعوا في العمل باحترام كراس الشروط ولا ينتظروا ترخيصا لن يأتي، ألم يقل مشيشي ألغينا التراخيص وعوضناها بكراسات الشروط؟

* كيف تقرأ المشهد السياسي في تونس؟

-أفضل تعبير عن المشهد السياسي التونسي اليوم هو مصطلح "السيرك" من حيث تواجد المهرجين والوحوش المفترسة وأقفاص "الدستور" وتوافد الجمهور المتفرج أي الشعب المسكين الذي لا حول له ولا قوة ولا تأثير على ساحة الفرجة حتى وصل الأمر الى ما شاهدناه مباشرة من مجلس النواب يوم الاربعاء 30 جوان الماضي حين واصلت إحدى الكتل البرلمانية تعطيل النقاش وتصوير النواب وطرد الوزراء وقام احد النواب بضرب رئيسة هذه الكتلة.

أنا أتفهم أن تكون لدى هذه الكتلة إعتراضات على مشروع الاتقاق مع صندوق التنمية القطري لكن المنطق والنظام الداخلي للبرلمان يدعو الكتلة بل يفرض عليها المساهمة في النقاش والعمل على عدم الموافقة ديمقراطيا كما في كل السلط التشريعية في العالم، أما واقع الحال اليوم فهو أن يسود منطق "الباندية" وبتحريض يومي من قنوات إماراتية ولوبيات صهيونية فهو الإمعان في فرجة "السيرك" السياسي والدستوري الذي يورط البلاد في الإنخراط الوقح في أجندات أجنبية معروفة هندسها الرئيس الأمريكي المعزول ترامب وصهره جاريد كوشنير ورئيس الحكومة الإسرائيلية المعزول ناتنياهو في شكل صفقة القرن التي تصفي نهائيا قضية الشعب الفلسطيني.

* ما هو الحل حسب رأيك؟

-منذ عشرة أعوام وأنا أدعو إلى الحل الجذري والحقيقي لأزمات تونس والحمد لله بدأ العديد من السياسيين يقتنعون بالحلول التي أقدمها وهي اساسا، تغيير منظومة الحكم التي أقرها دستور 2014 بتعلة منع الاستبداد الفردي لأن الخلفية التي أملت هذا النظام الهجين هي الخوف من ظهور بورقيبة جديد أو أسوأ منه بن علي جديد لكن الذي اختير كنموذج للحكم هو توزيع السلطات بشكل عشوائي وغير عملي تماما لأنه من ينتخب رئيسا للجمهورية لا يمكنه تنفيذ مشروعه الانتخابي لأنه بلا صلاحيات ويختار له رئيس حكومة لديه كل مقود الدولة وآلياتها دون أن يكون منتخبا، وجرّب الشعب هذا النظام اللقيط مع رؤساء حكومات لديهم جنسيات ثانية كانوا أوفياء لها أكثر من الوفاء لتونس ودار بينهم وبين رؤساء الجمهوريات صراع مشل للتنمية ومعطل لسير دواليب الدولة أي أن مصالح الشعب ضاعت بين (الأرجل).

كذلك تغيير شامل لنمط التنمية الليبرالي المتوحش الذي اختارته كل الحكومات منذ 1956 لندشن عهدا جديدا يحررنا من استعمار صندوق النقد الدولي ومنظومة (بريتن وودس) ومنظومة (وول ستريت) وهما الذراعان اللذان يسيطر بهما الغرب على مقدرات الشعوب المستضعفة ومصيرها. ثم أنا كرست العقد الأخير لدراسة النمط الماليزي والنمط السنغافوري ونمط كوريا الجنوبية للتنمية لأن هذه الدول أصبحت نمورا آسيوية بعد أن كانت في السبعينيات في نفس مستوى تونس بشهادة التقرير السنوي لصندوق الأمم المتحدة للتنمية فأقلعت هذه الدول وبقينا نحن (مكانك سر) واليوم فإن ميزانية تونس تساوي ربع ميزانية (سامسونغ) الكورية إحدى الشركات العملاقة.

* هل أنت مع تغيير النظام السياسي في تونس؟

-نعم وبسرعة لأن هذا النظام مغشوش وملغوم ولا يسمح بأي إنجاز سياسي أو اقتصادي فهو نظام أعلن إفلاسه وعلينا التفكير في نظام رئاسي معدل مع تفعيل أقوى للسلطة التشريعية حتى يقوم البرلمان بدوره الدستوري أي رقابة الحكومة وتشريع القوانين.

فنظام الكتل الحاكمة هو نظام سلطة تشريعية نعطيها سلطة تنفيذية وهذا انحراف خطير لأنه يناقض مبدأ استقلال السلطات الثلاثة عن بعضها وهو سبب ما نحن فيه اليوم من معضلات.

* ماذا عن دعوة الرئيس قيس سعيد إلى العودة إلى دستور 1959؟

-هذا ناديت به أنا منذ 2012 وهو موثق كأحد مطالب الإتحاد الوطني الحر الذي كنت رئيسا فعليا له ثم شاركنا في الائتلاف الحكومي بـ 4 وزراء وقلنا آنذاك أن دستور 59 ليس المسؤول عن الاستبداد بل إن مخالفته هي المسؤولة عن الإستبداد الذي ميز السنوات الأخيرة خاصة من عهد الرئيس بورقيبة وطالب حزبنا منذ 2012 بالرجوع الى دستور 59 مع تعديلات ضرورية لأنه نص قانوني أساسي كان نتيجة طموحات ومطالب شعبنا الذي قاوم الاستعمار والإقطاع والتهميش والقهر بأدوات الدستور الذي أسس دولة الإستقلال.

* في ماذا نجح قيس سعيد وفيما أخفق؟

-ظاهرة السيد قيس سعيد ظاهرة يتيمة في التاريخ السياسي الحديث لتونس فهو جاء بانتخابات عقابية أراد 3 ملايين تونسي من خلالها معاقبة الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة فانتخبوا رجلا من خارج "السيستم"، واليوم بعد سنة ونصف أدرك أغلبية الشعب أن الرئيس رغم حسن النية لا يملك ثقافة الدولة وتذكروا أنه لم يتخذ أي موقف خلال كل حياته كمدرس للقانون في الجامعة ولم يعترض على أي انحراف وهو نفسه نعت نفسه بكونه (رجلا من كوكب آخر) وهو صحيح لأن مجرد استعماله للغة العربية القديمة وتقاليد ملوك الأمويين والعباسيين في بروتوكول المراسلات الحكومية تجعله خارج الكوكب بما في هذا الكوكب من أخطاء.

فبقاء الدولة بلا رأس أو برأس ليست له سلطات تنفيذية أضر بالشعب وضيّع الفرص وأغرقنا في الديون والنقاشات البيزنطية وهو الذي اختار مشيشي رئيسا للحكومة ثم طالب بعزله وعطل عمل الحكومة بما فيها من علل وملل، ولا أرى نجاحا للرجل ولا للحكومة لأن الجميع مع مجلس النواب مسؤولون عن الكوارث الراهنة.

* هل اخطأ الغنوشي عندما صعد الى رئاسة البرلمان؟

-نعم و أنا كنت نصحته أن يظل بعيدا شخصيا عن المناصب فهو مؤسس حركة معارضة دفعت أغلى ثمن في الأرواح والسجون والمنافي خلال حوالي نصف قرن ودوره كمعارض أفضل من دوره كحاكم. أول خطإ مؤسس لفقدان النهضة جزءا من قواعدها كان عندما تشكلت منظومة الحكم عام 2012 فاختار الغنوشي أن يملأ الدولة بالنهضاويين فوقع تعيين حمادي الجبالي رئيسا للحكومة والبحيري وزيرا للعدل والعريض للداخلية ورفيق عبد السلام للخارجية (كل وزارات السيادة مع رئاسة الحكومة) ورأينا أنه مع أول صدمة (إغتيال المرحوم الشهيد بلعيد) انهار حكم النهضة ولم تسترجع أنفاسها وقواعدها إلى اليوم لأن الحكم يهرئ الماسكين به خاصة أن جميعهم لم يمارسوا أية سلطة فعلية غير التنظيم الحزبي الذي عشت معه ومعهم في المنافي بين باريس ولندن على مدى 23 عاما.

* كيف ترى حركة النهضة بعد راشد الغنوشي؟

-اليوم هي مع رئيسها وفيها حركات متمردة على رئاسة الغنوشي الدائمة وسوف نرى في مؤتمر الحركة كيف سيستخلص قادتها الدروس والعبر.

* قلت أن لدينا أحزابا تنطبق عليها كلمة عصابات، ماذا قصدت بذلك؟

-نعم أغلب أحزابنا ومنها الكبيرة والصغيرة تمارس نفس أساليب العصابات الخارجة عن القانون والدستور وليس سلوك الأحزاب في دولة ديمقراطية وأحسن حجج على هذا هو ما سمعناه من تسريبات بين قادتها ومناصريها تذكرنا بتسريبات بين صعاليك المافيات بسبب المؤامرات المحبوكة في الظلام واستعمال الإعلام وحبك الدسائس بين بعضهم البعض وارجعوا إلى تسريبات بعض رؤساء الأحزاب والكتل لتتأكدوا بأن الشعب تحكمه عصابات لا أحزاب في الأغلب.

* في لقائك برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في الدوحة سنة 2014 قدمت له نصيحة حيث دعوته إلى إعادة النظر جذريا في أسباب الضعف من خلال تغيير الخطاب، هل استمع إليك؟ فيما أخطأت النهضة؟ وهل تعتبر أن الحركة حكمت فعليا فهناك اليوم من يحملها مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس هل تتفق مع هذا القول؟

-الكوارث التي تتحمل مسؤوليتها كل الأحزاب التي تداولت على السلطة في تونس ليست مقصورة على النهضة فالجميع يتقاسمون مسؤولية الكارثة الكبرى والأسباب هي ما ذكرته في أجوبتي الأولى من انعدام ثقافة الدولة لدى أغلب من تحمل مسؤوليات الوزارات والبرلمان والشركات الوطنية لكن النهضة تتحمل الجزء الأول من الأخطاء حين أخذت رئاسة الحكومة وكل وزارات السيادة وفي عهدها الأول وضعت منصف المرزوقي في قصر قرطاج فبادر بتعيين عبد الله الكحلاوي وزيرا في ديوانه ثم اكتشف بعد أسبوع أن الكحلاوي المتقاعد من اليونسكو بـ 4000 اورو شهريا هو الذي كان حاضرا في اجتماع مع الغرياني في دار التجمع يوم 10 جانفي مع القادة التجمعيين مع عبير موسي لتأطير وتوجيه الميليشيات التجمعية المسلحة وإنزالها للشوارع فأقال الكحلاوي وتصرف المرزوقي في رئاسة الجمهورية تصرف المنتقم من نظام بورقيبة لا تصرف زعيم مثل نيلسن مانديلا مع الأسف وسلموا في عهده الدكتور الطبيب البغدادي المحمودي الى عصابات ليبية ويقال أنه توفي هناك والله أعلم وهي سابقة كنت نبهتهم الى خطورة القيام بها لأنها حركة غدر إسلاميا وأخلاقيا وسياسيا لم يقم بها بورقيبة أبدا. وأعتقد أن مقتل الاعلاميين الإثنين لو ثبت قتلهما له علاقة بذلك التسليم المشؤوم والتهرب من تلك العملية مضحك من أن (السيد الرئيس) كما قال عدنان منصر كان في الصحراء بلا هاتف، ومن أن السيد حمادي الجبالي نفذ قرارا إتخذه سلفه المرحوم الباجي قايد السبسي! كل هذه الممارسات أسست قاعدة لما بعدها وخاصة تعاقب رؤساء حكومات يحملون جنسيات أوروبية خدموا تلك الجنسيات ولم يخدموا الوطن والله أعلم.

*علاقة تونس بقطر تغيرت بعد الثورة، كيف تقيم هذه العلاقة؟

-لكل عهد جديد نوع جديد من العلاقات الدولية فدولة قطر كانت مع تركيا أول الدول التي أيدت الربيع العربي وخاصة أم الربيع تونس مهما كانت قياداتها ومن الإجحاف اتهام دولة قطر بأنها تدعم النهضة وأنا كنت هنا في الدوحة عندما يستدعى منصف المرزوقي الى قناة الجزيرة وهو ليس نهضويا بل ضدها و كنت أنا أستقبله في مدرج الطائرة أيام التسعينيات والألفية وأوفر له محاضرات في مجالس الشيوخ والمسؤولين ثم تنكر لي بحجة أني قبلت السفارة وهو سيظل حقوقيا لا رجل دولة لأن السياسي مطالب بالنتيجة وأنا يعلم الله كيف خدمت وطني في السفارة وخدمت المنفيين المضطهدين.

الأخطر اليوم هو أننا لم نعتبر وكما قال الإمام علي كرم الله وجهه: "ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار" فالذي يجري تحت قبة البرلمان من مهازل السيرك السياسي طعنة في ظهر الشعب الذي يموت مواطنوه في الشوارع بلا أوكسيجين بخلاف المغرب والجزائر اللتين أديرت فيهما الأزمة بوطنية وحكمة الأولويات حتى ليبيا بعد عشرية من حرب أهلية نجحت بينما تونس أخفقت على جميع الأصعدة وهي منهوبة مسلوبة محكومة بقانون الغاب.

* هل ما تزال لديك رغبة في العمل السياسي؟

-قيل أن الرجل السياسي لا يموت إلا بموت طبيعي أما وهو على قيد الحياة فالواجب الوطني يقتضي منه أن يكون جنديا لبلاده في كل الأعمار والحالات فأنا أرغب في الترشح للرئاسة القادمة وأتوقعها سابقة لأوانها قبل 2024 بمشروع تغيير نمط التنمية وتغيير منظومة الحكم وليس لي حزب لأني أعتبر أن حزبي هو الشعب التونسي إذا ما أراد تغيير المنكر الراهن معي وأن تصبح بلاده في مستوى الدول التي كنا مثلها أي ماليزيا وتركيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية فلدينا مثلهم الطاقات البشرية والطبيعية والكفاءات العالية وهذه القوى أشبه بعازفي أوركسترا ممتازين لكن بلا قائد أوركسترا يضمن عزف سمفونية التنمية والعدالة والتقدم والنصر في معركة المصير بلا نشاز.

 

أجرت الحوار : جهاد الكلبوسي

الدكتور أحمد القديدي لـ "الصباح":  سأترشح لرئاسة الجمهورية وأتوقع انتخابات سابقة لأوانها

 

 

 

تونس - الصباح

ما تعيشه تونس في الظرف الراهن استدعى البحث عن شخصية سياسية ووطنية عايشت تجارب مختلفة لتقدم رؤية مختلفة عن السائد بعيدا عن المناكفات ورمي التهم وتحميل المسؤوليات لهذا الطرف او ذاك، لاسيما ان المرحلة الحالية تحتاج نوعا من الحكمة في تحليل هذا الواقع سياسيا واقتصاديا واعلاميا.

في ظل هذا الوضع المتردي والمشهد المتأزم حاورت "الصباح" الدكتور أحمد القديدي، وهو سياسي وأستاذ جامعي تونسي وسفير تونس السابق في قطر ونائب رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سابقا ورئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس.

القديدي الى جانب تجربته الثرية التي راوحت بين السياسية والاعلام كانت له مجموعة من الاصدارات فهو مؤلف خمسة كتب في حوار الحضارات ومتحصل على وسام الاستقلال والجهورية زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

تحدث عن تجربة الحكم في تونس قبل الثورة وما بعدها وعن وضع البلاد زمن تفشي الكورونا، ووصف المشهد السياسي بـ"السيرك"، كما شدد على ضرورة تغيير النظام السياسي لأنه "مغشوش وملغوم ومفلس"،على حد تعبيره.

وفي حواره لـ "الصباح" تحدث القديدي عن الوضعية السياسية التي جاءت بقيس سعيد رئيس الجمهورية معتبرا انه ظاهرة يتيمة جاء في ظرف انتخابي عقابي للأحزاب التي تحولت الى عصابات، حسب رايه.

كما اعلن الدكتور احمد القديدي عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة قائلا :"ان الرجل السياسي لا يموت إلا بموت طبيعي أما وهو على قيد الحياة فالواجب الوطني يقتضي منه أن يكون جنديا لبلاده في كل الأعمار".

وفي ما يلي نص الحوار:

 

*  دكتور احمد القديدي، في البداية لنتحدث عما يجري في تونس بسبب تفشي غير مسبوق لفيروس كورونا، ماذا تقول في هذا الخصوص؟

-تعاني تونس من الجائحة ككل بلدان العالم لكن الكورونا لدينا هي نتيجة كورونا سياسية ولدت هي الأخرى من تراكم الأوبئة السياسية التي عانت منها بلادنا وأعتقد صادقا إذا قرأنا تاريخ تونس الحديث أن شعبنا ونخبه الحاكمة والمعارضة تحمل "جينات" المصائب المتراكمة منذ الاستقلال عام 1956 وعلينا أن نكون أمناء في قراءة تاريخنا وتداعياته لنحلل جرد الحساب لمرحلة تأسيس الدولة الوطنية على أيدي زعيم ساهم في تحرير الشعب من الاستعمار ومن العروشية والتخلف ولا شك أنه أراد الخير والتقدم لتونس لكنه مع التقدم في العمر وإصابته بأمراض عديدة منذ أواسط السبعينيات (عضوية وعقلية) تحول إلى زعيم أبوي بلا إرادة ذاتية وغرّر به المحيطون به ليقبل التأبيد في الرئاسة ثم تدريجيا تحوّل إلى "أداة" في أياد غير أمينة من أصحاب اللوبيات المتّنفذة بدءا بعائلة بن عمار (البلدية) وعائلة بورقيبة (الساحلية) ودار بين الأسرتين المتنّفذتين صراع "دموي" مرير قادته امرأتان هما وسيلة بن عمار وسعيدة ساسي محدودتا المدارك والثقافة حتى جاء الجنرال زين العابدين بن علي (من المخابرات وليس من الجيش) بدهاء الطامع في السلطة التي تسلل إليها وليس بذكاء الوطني الطامح إلى الحكم فبدأ بن علي بصفته "مطمئن الزعيم على استمرار الدولة ومقاومة الإسلاميين"، وشرع بوسواس من الهادي البكوش الذي كان أحمد بن صالح أعرف الناس به يسميه (الثعلب الذي يجري لنفسه لا لبن علي ولا للوطن) وهو الذي استغل الانقلاب الأبيض على بورقيبة ثم بدأ يهيأ نفسه لأعلى رأس السلطة حتى تفطن له بن علي وعزله (أي تغدى به قبل أن يتعشى به البكوش).

* إلى أي مدى تعتقد أن ما نعيشه اليوم هو امتداد لسياسات خاطئة ساهمت في تفكك الدولة؟

-جوابا على سؤالك هذه الحلقات المتواصلة من تفكك الدولة هي التي أوصلتنا إلى وضع وبائي وسياسي واقتصادي خارج عن السيطرة لأن دولة ما بعد 14 جانفي ورثت كل عوائق السياسات القديمة وأضافت لها العجز الصارخ عن إدارة الأزمة وإدارة الدولة بسبب غياب ثقافة الدولة لدى من حكموا من جانفي 2011 إلى اليوم وبسبب المعوّقات التي وضعها المجلس التأسيسي في دستور 2014 والتي لا تضمن الحقوق للشعب بقدر ما تضمن بقاء الكتل البرلمانية في السلطة. واليوم فإن "التوانسة" وحولنا الجيران والأشقاء مندهشون، في حين يتفشى الوباء بسرعة وبسلالاته الخطيرة لم تعطه النخبة الحاكمة الأولوية وظلت تتناقش - بيزنطيا- في معاني الفصول الدستورية وتتصارع على افتكاك الصلاحيات والمواقع في مناخ متعفن بالفساد والشعبوية والسطحية والارتجال الى أن وصلنا إلى الكارثة.

مثلا، المبالغ الضخمة التي وضعتها السعودية ثم قطر لبناء مستشفى جامعي ثم مدينة طبية في القيروان ولا أحد من الوزراء يعرف لا مكان هذه المشاريع ولا دراساتها بسبب تعاقب الحكومات بسرعة لا تسمح بالتركيز أو التنفيذ و بسبب التطاحن على المواقع.

 

* شاهدناك في أكثر من خروج مصور على "الفايسبوك" تتحدث عن الوضع الصحي الصعب الذي تمر به ولاية القيروان وأنت ابن القيروان؟

-نعم كارثة القيروان رمزية لأن القيروان هي مهد كليات الطب والصيدلة وطب الأطفال والجراحة منذ أكثر من ألف عام فعوض أن نجعلها رمزا لتقدم طبي كبير تفخر به بلادنا حرمتها الحكومات منذ عهد بورقيبة من نصيبها من التنمية والبنية التحتية والتجهيزات الطبية وضربت لك في الجواب السابق مثل التمويلات السعودية والقطرية التي لم تستعمل، مثل المركز القيرواني لمعالجة الأورام الذي أنشأه أبناء القيروان بأموالهم الخاصة وجهزوه بالمليارات وهو لا ينقصه شيء لكنه لم يحصل على ترخيص الحكومة منذ عام ونصف وظل مغلقا هذا دليل قاطع آخر ينضاف الى انعدام المسؤولية بل انعدام الضمير وأنا أنصح أصحابه أن يشرعوا في العمل باحترام كراس الشروط ولا ينتظروا ترخيصا لن يأتي، ألم يقل مشيشي ألغينا التراخيص وعوضناها بكراسات الشروط؟

* كيف تقرأ المشهد السياسي في تونس؟

-أفضل تعبير عن المشهد السياسي التونسي اليوم هو مصطلح "السيرك" من حيث تواجد المهرجين والوحوش المفترسة وأقفاص "الدستور" وتوافد الجمهور المتفرج أي الشعب المسكين الذي لا حول له ولا قوة ولا تأثير على ساحة الفرجة حتى وصل الأمر الى ما شاهدناه مباشرة من مجلس النواب يوم الاربعاء 30 جوان الماضي حين واصلت إحدى الكتل البرلمانية تعطيل النقاش وتصوير النواب وطرد الوزراء وقام احد النواب بضرب رئيسة هذه الكتلة.

أنا أتفهم أن تكون لدى هذه الكتلة إعتراضات على مشروع الاتقاق مع صندوق التنمية القطري لكن المنطق والنظام الداخلي للبرلمان يدعو الكتلة بل يفرض عليها المساهمة في النقاش والعمل على عدم الموافقة ديمقراطيا كما في كل السلط التشريعية في العالم، أما واقع الحال اليوم فهو أن يسود منطق "الباندية" وبتحريض يومي من قنوات إماراتية ولوبيات صهيونية فهو الإمعان في فرجة "السيرك" السياسي والدستوري الذي يورط البلاد في الإنخراط الوقح في أجندات أجنبية معروفة هندسها الرئيس الأمريكي المعزول ترامب وصهره جاريد كوشنير ورئيس الحكومة الإسرائيلية المعزول ناتنياهو في شكل صفقة القرن التي تصفي نهائيا قضية الشعب الفلسطيني.

* ما هو الحل حسب رأيك؟

-منذ عشرة أعوام وأنا أدعو إلى الحل الجذري والحقيقي لأزمات تونس والحمد لله بدأ العديد من السياسيين يقتنعون بالحلول التي أقدمها وهي اساسا، تغيير منظومة الحكم التي أقرها دستور 2014 بتعلة منع الاستبداد الفردي لأن الخلفية التي أملت هذا النظام الهجين هي الخوف من ظهور بورقيبة جديد أو أسوأ منه بن علي جديد لكن الذي اختير كنموذج للحكم هو توزيع السلطات بشكل عشوائي وغير عملي تماما لأنه من ينتخب رئيسا للجمهورية لا يمكنه تنفيذ مشروعه الانتخابي لأنه بلا صلاحيات ويختار له رئيس حكومة لديه كل مقود الدولة وآلياتها دون أن يكون منتخبا، وجرّب الشعب هذا النظام اللقيط مع رؤساء حكومات لديهم جنسيات ثانية كانوا أوفياء لها أكثر من الوفاء لتونس ودار بينهم وبين رؤساء الجمهوريات صراع مشل للتنمية ومعطل لسير دواليب الدولة أي أن مصالح الشعب ضاعت بين (الأرجل).

كذلك تغيير شامل لنمط التنمية الليبرالي المتوحش الذي اختارته كل الحكومات منذ 1956 لندشن عهدا جديدا يحررنا من استعمار صندوق النقد الدولي ومنظومة (بريتن وودس) ومنظومة (وول ستريت) وهما الذراعان اللذان يسيطر بهما الغرب على مقدرات الشعوب المستضعفة ومصيرها. ثم أنا كرست العقد الأخير لدراسة النمط الماليزي والنمط السنغافوري ونمط كوريا الجنوبية للتنمية لأن هذه الدول أصبحت نمورا آسيوية بعد أن كانت في السبعينيات في نفس مستوى تونس بشهادة التقرير السنوي لصندوق الأمم المتحدة للتنمية فأقلعت هذه الدول وبقينا نحن (مكانك سر) واليوم فإن ميزانية تونس تساوي ربع ميزانية (سامسونغ) الكورية إحدى الشركات العملاقة.

* هل أنت مع تغيير النظام السياسي في تونس؟

-نعم وبسرعة لأن هذا النظام مغشوش وملغوم ولا يسمح بأي إنجاز سياسي أو اقتصادي فهو نظام أعلن إفلاسه وعلينا التفكير في نظام رئاسي معدل مع تفعيل أقوى للسلطة التشريعية حتى يقوم البرلمان بدوره الدستوري أي رقابة الحكومة وتشريع القوانين.

فنظام الكتل الحاكمة هو نظام سلطة تشريعية نعطيها سلطة تنفيذية وهذا انحراف خطير لأنه يناقض مبدأ استقلال السلطات الثلاثة عن بعضها وهو سبب ما نحن فيه اليوم من معضلات.

* ماذا عن دعوة الرئيس قيس سعيد إلى العودة إلى دستور 1959؟

-هذا ناديت به أنا منذ 2012 وهو موثق كأحد مطالب الإتحاد الوطني الحر الذي كنت رئيسا فعليا له ثم شاركنا في الائتلاف الحكومي بـ 4 وزراء وقلنا آنذاك أن دستور 59 ليس المسؤول عن الاستبداد بل إن مخالفته هي المسؤولة عن الإستبداد الذي ميز السنوات الأخيرة خاصة من عهد الرئيس بورقيبة وطالب حزبنا منذ 2012 بالرجوع الى دستور 59 مع تعديلات ضرورية لأنه نص قانوني أساسي كان نتيجة طموحات ومطالب شعبنا الذي قاوم الاستعمار والإقطاع والتهميش والقهر بأدوات الدستور الذي أسس دولة الإستقلال.

* في ماذا نجح قيس سعيد وفيما أخفق؟

-ظاهرة السيد قيس سعيد ظاهرة يتيمة في التاريخ السياسي الحديث لتونس فهو جاء بانتخابات عقابية أراد 3 ملايين تونسي من خلالها معاقبة الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة فانتخبوا رجلا من خارج "السيستم"، واليوم بعد سنة ونصف أدرك أغلبية الشعب أن الرئيس رغم حسن النية لا يملك ثقافة الدولة وتذكروا أنه لم يتخذ أي موقف خلال كل حياته كمدرس للقانون في الجامعة ولم يعترض على أي انحراف وهو نفسه نعت نفسه بكونه (رجلا من كوكب آخر) وهو صحيح لأن مجرد استعماله للغة العربية القديمة وتقاليد ملوك الأمويين والعباسيين في بروتوكول المراسلات الحكومية تجعله خارج الكوكب بما في هذا الكوكب من أخطاء.

فبقاء الدولة بلا رأس أو برأس ليست له سلطات تنفيذية أضر بالشعب وضيّع الفرص وأغرقنا في الديون والنقاشات البيزنطية وهو الذي اختار مشيشي رئيسا للحكومة ثم طالب بعزله وعطل عمل الحكومة بما فيها من علل وملل، ولا أرى نجاحا للرجل ولا للحكومة لأن الجميع مع مجلس النواب مسؤولون عن الكوارث الراهنة.

* هل اخطأ الغنوشي عندما صعد الى رئاسة البرلمان؟

-نعم و أنا كنت نصحته أن يظل بعيدا شخصيا عن المناصب فهو مؤسس حركة معارضة دفعت أغلى ثمن في الأرواح والسجون والمنافي خلال حوالي نصف قرن ودوره كمعارض أفضل من دوره كحاكم. أول خطإ مؤسس لفقدان النهضة جزءا من قواعدها كان عندما تشكلت منظومة الحكم عام 2012 فاختار الغنوشي أن يملأ الدولة بالنهضاويين فوقع تعيين حمادي الجبالي رئيسا للحكومة والبحيري وزيرا للعدل والعريض للداخلية ورفيق عبد السلام للخارجية (كل وزارات السيادة مع رئاسة الحكومة) ورأينا أنه مع أول صدمة (إغتيال المرحوم الشهيد بلعيد) انهار حكم النهضة ولم تسترجع أنفاسها وقواعدها إلى اليوم لأن الحكم يهرئ الماسكين به خاصة أن جميعهم لم يمارسوا أية سلطة فعلية غير التنظيم الحزبي الذي عشت معه ومعهم في المنافي بين باريس ولندن على مدى 23 عاما.

* كيف ترى حركة النهضة بعد راشد الغنوشي؟

-اليوم هي مع رئيسها وفيها حركات متمردة على رئاسة الغنوشي الدائمة وسوف نرى في مؤتمر الحركة كيف سيستخلص قادتها الدروس والعبر.

* قلت أن لدينا أحزابا تنطبق عليها كلمة عصابات، ماذا قصدت بذلك؟

-نعم أغلب أحزابنا ومنها الكبيرة والصغيرة تمارس نفس أساليب العصابات الخارجة عن القانون والدستور وليس سلوك الأحزاب في دولة ديمقراطية وأحسن حجج على هذا هو ما سمعناه من تسريبات بين قادتها ومناصريها تذكرنا بتسريبات بين صعاليك المافيات بسبب المؤامرات المحبوكة في الظلام واستعمال الإعلام وحبك الدسائس بين بعضهم البعض وارجعوا إلى تسريبات بعض رؤساء الأحزاب والكتل لتتأكدوا بأن الشعب تحكمه عصابات لا أحزاب في الأغلب.

* في لقائك برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في الدوحة سنة 2014 قدمت له نصيحة حيث دعوته إلى إعادة النظر جذريا في أسباب الضعف من خلال تغيير الخطاب، هل استمع إليك؟ فيما أخطأت النهضة؟ وهل تعتبر أن الحركة حكمت فعليا فهناك اليوم من يحملها مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس هل تتفق مع هذا القول؟

-الكوارث التي تتحمل مسؤوليتها كل الأحزاب التي تداولت على السلطة في تونس ليست مقصورة على النهضة فالجميع يتقاسمون مسؤولية الكارثة الكبرى والأسباب هي ما ذكرته في أجوبتي الأولى من انعدام ثقافة الدولة لدى أغلب من تحمل مسؤوليات الوزارات والبرلمان والشركات الوطنية لكن النهضة تتحمل الجزء الأول من الأخطاء حين أخذت رئاسة الحكومة وكل وزارات السيادة وفي عهدها الأول وضعت منصف المرزوقي في قصر قرطاج فبادر بتعيين عبد الله الكحلاوي وزيرا في ديوانه ثم اكتشف بعد أسبوع أن الكحلاوي المتقاعد من اليونسكو بـ 4000 اورو شهريا هو الذي كان حاضرا في اجتماع مع الغرياني في دار التجمع يوم 10 جانفي مع القادة التجمعيين مع عبير موسي لتأطير وتوجيه الميليشيات التجمعية المسلحة وإنزالها للشوارع فأقال الكحلاوي وتصرف المرزوقي في رئاسة الجمهورية تصرف المنتقم من نظام بورقيبة لا تصرف زعيم مثل نيلسن مانديلا مع الأسف وسلموا في عهده الدكتور الطبيب البغدادي المحمودي الى عصابات ليبية ويقال أنه توفي هناك والله أعلم وهي سابقة كنت نبهتهم الى خطورة القيام بها لأنها حركة غدر إسلاميا وأخلاقيا وسياسيا لم يقم بها بورقيبة أبدا. وأعتقد أن مقتل الاعلاميين الإثنين لو ثبت قتلهما له علاقة بذلك التسليم المشؤوم والتهرب من تلك العملية مضحك من أن (السيد الرئيس) كما قال عدنان منصر كان في الصحراء بلا هاتف، ومن أن السيد حمادي الجبالي نفذ قرارا إتخذه سلفه المرحوم الباجي قايد السبسي! كل هذه الممارسات أسست قاعدة لما بعدها وخاصة تعاقب رؤساء حكومات يحملون جنسيات أوروبية خدموا تلك الجنسيات ولم يخدموا الوطن والله أعلم.

*علاقة تونس بقطر تغيرت بعد الثورة، كيف تقيم هذه العلاقة؟

-لكل عهد جديد نوع جديد من العلاقات الدولية فدولة قطر كانت مع تركيا أول الدول التي أيدت الربيع العربي وخاصة أم الربيع تونس مهما كانت قياداتها ومن الإجحاف اتهام دولة قطر بأنها تدعم النهضة وأنا كنت هنا في الدوحة عندما يستدعى منصف المرزوقي الى قناة الجزيرة وهو ليس نهضويا بل ضدها و كنت أنا أستقبله في مدرج الطائرة أيام التسعينيات والألفية وأوفر له محاضرات في مجالس الشيوخ والمسؤولين ثم تنكر لي بحجة أني قبلت السفارة وهو سيظل حقوقيا لا رجل دولة لأن السياسي مطالب بالنتيجة وأنا يعلم الله كيف خدمت وطني في السفارة وخدمت المنفيين المضطهدين.

الأخطر اليوم هو أننا لم نعتبر وكما قال الإمام علي كرم الله وجهه: "ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار" فالذي يجري تحت قبة البرلمان من مهازل السيرك السياسي طعنة في ظهر الشعب الذي يموت مواطنوه في الشوارع بلا أوكسيجين بخلاف المغرب والجزائر اللتين أديرت فيهما الأزمة بوطنية وحكمة الأولويات حتى ليبيا بعد عشرية من حرب أهلية نجحت بينما تونس أخفقت على جميع الأصعدة وهي منهوبة مسلوبة محكومة بقانون الغاب.

* هل ما تزال لديك رغبة في العمل السياسي؟

-قيل أن الرجل السياسي لا يموت إلا بموت طبيعي أما وهو على قيد الحياة فالواجب الوطني يقتضي منه أن يكون جنديا لبلاده في كل الأعمار والحالات فأنا أرغب في الترشح للرئاسة القادمة وأتوقعها سابقة لأوانها قبل 2024 بمشروع تغيير نمط التنمية وتغيير منظومة الحكم وليس لي حزب لأني أعتبر أن حزبي هو الشعب التونسي إذا ما أراد تغيير المنكر الراهن معي وأن تصبح بلاده في مستوى الدول التي كنا مثلها أي ماليزيا وتركيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية فلدينا مثلهم الطاقات البشرية والطبيعية والكفاءات العالية وهذه القوى أشبه بعازفي أوركسترا ممتازين لكن بلا قائد أوركسترا يضمن عزف سمفونية التنمية والعدالة والتقدم والنصر في معركة المصير بلا نشاز.

 

أجرت الحوار : جهاد الكلبوسي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews