حان الوقت من أجل سياسة ناجعة لقطاع الحبوب تدعم الإنتاج و المنتج التونسي، فإذا الدولة لم تحفز الفلاح عبر تحديد سعر تحفيزي لقبول الحبوب قبل موسم الزراعة في الخريف بهدف تشجيع الفلاح على الإنتاج ودفعه لزراعة مساحات اكبر مع توفير السماد في السوق بالكميات المناسبة لا سيما بعد أزمة السماد التي عرفها العام الماضي، فإننا قد نخسر موسم الزراعات الكبرى وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من تباعية بلادنا للخارج.
و ما قامت به روسيا في السنوات الأخيرة والتي جعلت من الفلاحة والحبوب قطاعا إستراتيجيا فكانت دولة موردة لتصبح بذلك أكبر مصدر للحبوب في العالم يمكن الاستئناس به. وطبعا لا تمتلك تونس نفس الثروات الطبيعية والمساحات الشاسعة للأراضي الخصبة الروسية لكنها قادرة، بفضل سياسة جديدة تقوم على دعم وتحفيز الفلاح، على تقليص التبعية للخارج في مواد ذات أهمية قصوى. وهي فعلا قادرة على التقليص من التباعية.
1600 مليون دينار دعم للحبوب
وتعتبر الحبوب في تونس الغذاء الأكثر أهمية حيث تستهلك البلاد حوالي 3.6 مليون طن منها موزعة كالٱتي: 1.2 مليون طن من مواد القمح الصلب ومثلها من القمح اللين والشعير .
وتقوم الدولة بتورد تقريبا 60 بالمائة من حاجياتها،... حاجيات يمكنها التقليص منها اذا غيرت سياساتها الفلاحية لا سيما المتعلقة بالزراعات الكبرى، إذ يمكنها ان تقتصر على توريد 35 بالمائة فقط في غضون 10 سنوات.
وتحتكر الدولة شراء و توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين من الفلاحين وتحدد كل سنة الأسعار أخذا بعين الاعتبار كلفة الانتاج والأسعار العالمية لهذه المواد.
والملفت للانتباه هو تدخل الدولة في منظومة الحبوب بدعم سعرها في مرحلة التحويل الأولى والثانية وتوفر منتوجاتها بأسعار مدعمة للمستهلكين من فارينة وخبز وسميد ومقرونة وكسكسي.. عبر تدخل صندوق الدعم بميزانية مقدرة بـ1000 مليون دينار سنويا.
كما ان تونس أصبحت تورد الحبوب في السنوات الأخيرة بكميات كبيرة ما جعلها عبئا على الميزان التجاري وميزانية الدولة وميزان الدفوعات حيث تستورد الدولة كامل الاحتياجات من القمح اللين والشعير اي 2.4 مليون طن سنويا ونصف الاحتياجات من القمح الصلب تقريبا أي ما يقدر بـ0.6 مليون طن، حسب الانتاج المحلي .
تهميش الفلاح من قبل الدولة
ويعتبر التوريد لمادة الحبوب ضرورة للدولة لتغذية شعبها، وبما أن المواد كلها مدعمة فكأن الدولة بتوريدها وتدعيمها للحبوب تدعم الفلاحة الأجنبية على حساب الفلاح التونسي، إذ كان من الأجدر تحويل قسط من الدعم ومن تكلفة الشراءات للفلاح ولدعم أمننا الغذائي خاصة إذا علمنا ان الفلاح الأوروبي يتمتع بدعم على كل هكتار زراعة حتى يحافظ على ديمومة انتاجه، فالسيادة الغذائية سيادة استراتيجية للدول وقد تُضحي الدول بجزء من ميزانياتها لتدعم الانتاج، في حين ان العكس حاصل في تونس إذ تعاني الفلاحة وكذلك الفلاح من تهميش الدولة حيث يعتبر الفلاح الحلقة الأضعف رغم انه الركيزة الأولى في خلق الثروة الفلاحية و الغذائية.
ويعتبر اليوم المطلب الاساسي للفلاح هو رفع أسعار الحبوب عند الانتاج حتى يستعيد مردوديته وينكب على خلق الثروة عبر زراعة مساحات اكبر، هذا بالإضافة إلى توفير كل الظروف من بذور واسمدة ، إلى جانب دعمه على مستوى تكلفة الانتاج من أجل ضمان أمننا الغذائي وتحقق السيادة الوطنية الغذائية.
وكانت تونس قد انتجت خلال الموسم الفلاحي 2020/2021 صابة حبوب في حدود 16.5 مليون قنطار اي حوالي 1.6 مليون طن في حين ان حاجاتنا من الحبوب تقارب 4 مليون طن ما يعني ان تونس تورد قرابة 60 بالمائة من حاجياتها.
حنان قيراط