*متى تستعيد تونس إشعاعها كواجهة عالمية لتصوير الافلام .. نقطة استفهام يتجاهلها قادة البلاد
مطماطة القديمة - الصباح
يحاول بول أتريديس إنقاذ كوكب "أراكيس" في عمق صحراء، يعيش شعبها في كهوف تحت الأرض، هذه الأحداث تدور في فيلم "ديون" (كثيب) للمخرج دوني فيلنوف عن رواية الكاتب الأمريكي فرانك هربرت الصادرة سنة 1965 وهي من أعمال الخيال العلمي الأكثر مبيعا. "ديون" الفيلم الحديث الانتاج والمتوج بعدد من جوائز أوسكار 2022 يستوحي عوالمه من ثقافاتنا العربية ومن ورقات تاريخنا فتأثر مؤلف الرواية فرانك هربرت بأفكار العلامة عبد الرحمان ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع الحديث وتحديدا فيما يتعلق بهيمنة الامبراطوريات، بنائها وزوالها يشكل جانبا كبيرا من "ديون"، مشاهدتنا لهذا الفيلم أعادت لأذهاننا حياة الأجداد في كهوف "مطماطة" وكأن شعب "أراكيس" بملامحه البدوية وبحثه عن طاقة الحياة وآمنها بين الجبال وكهوفها المخفية يشابه قبيلة "مطماطة"، التي سكنت أرضنا.. من "أثوب" الأمازيغية ومعناها أرض السعادة، أين يكتنز بين ربوعها سر الحياة، "الماء" كما يحدثنا قائد رحلتنا عبد الكريم شوانين ومن هناك كان لـ"الصباح" جولة في "مطماطة القديمة" على بعد 40 كم عن واحة قابس حيث استحوذت علينا مشاهد فيلم "ديون" مجددا ونحن نستمع لكلمات دليلنا عن بيوت القرية البربرية.
رواية هروب قبيلة "مطماطة" من زحف بني هلال إلى الجبال وبناء البيوت المحفورة لا تستهوي الكثيرين من العارفين بتاريخ المنطقة وعن ذلك يجيبنا عبد الكريم شوانين باحتراز قائلا: "البحث عن الماء كان دافع الأمازيع للعيش في جبال مطماطة وهذه القبيلة انتشرت في كامل ربوع شمال افريقيا وإلى اليوم توجد قرية مغربية تدعى مطماطة وبالتالي لا يمكن اعتماد هذه الرواية دون غيرها.
السكينة تعم المكان فمشهد الحفرة الغائرة من بعيد لا يعد بالكثير وكلما تقدمنا في جولتنا نكتشف عالما جديدا وكأننا على كوكب فيلم خيال علمي لصناع سينما هوليود، لكن "الحقيقة" في مطماطة تضاهي خيال السينمائيين جمالا وتعانق السحر فهل نحن على سطح القمر؟ .. ربما هذه الفكرة تبادرت لذهن جورج لوكاس وهو يبحث عن ديكور طبيعي يكون موطنا لبطله "لوك سكاي ووكر" (الممثل مارك هامل) وشرير "حرب النجوم" دارث فيدر فكان كوكب "تاتوين" أين بدأ التصوير في 22 مارس 1976 هناك تجولت "الصباح" في المكان ويدعى فندق "سيدي ادريس" مع مجموعة من السياح محبي سلسلة "حرب النجوم"، أغلبهم كان من الأسيويين وتحديدا اليابانيين فالسياحة ثقافية في بلادنا تستقطب عددا كبيرا من هذه الفئة الشغوفة بالمواقع الأُثرية، المتاحف وأشهر مزار عن السينما في مطماطة القديمة.
على الجدران الصخرية وزعت صورا من كواليس تصوير "حرب النجوم" في أجزائه الأولى، صور نادرة جمعت بين أفيشات من هذه السلسلة، أقنعة الأبطال، أجواء التصوير، الديكور، اكسسورات العمل وأشهر مشاهد "لوك سكاي ووكر".
ليس بعيدا عن فندق سيدي سالم نشاهد عبر جولتنا بيوتا بربرية حافظ الزمن على قرابة 650 بيتا حسب دليلنا السياحي عبد الكريم شوانين، هذه المنازل الأمازيغية وتدعى "حوش" بين أهلها تتميز بفناء كبير يتوسط الغرف المنتشرة بشكل دائري وقد لونت الكتابة البربرية أبوابها، سجادها وسلالمها الخشبية، مسالك ضيقة تقودنا للداخل، بعض هذه الغرف تستخدم في قديم الزمن للنوم وأخرى لتخزين المؤنة واليوم معظم هذه البيوت تفتح أبوابها لزوار مطماطة من السياح.
تدرجات الذهبي تطغى على بيوت مطماطة معانقة طبيعة صحراوية يظن الكثير من سكان العالم أنها ديكور في سلسلة "حرب النجوم" لا مكانا طبيعيا، بيوته موطنا لسكان تونس الأصليين ..يستقبلك أهلها إلى اليوم بمائدة تقليدية قوامها زيت الزيتون، الخبز وكأس الشاي .. دون مقابل تتجلى ملامح كرم أهل الجنوب .. أصول الضيافة متجذرة في عيون وابتسامات الجميع فالسياحة في "مطماطة" كبساطة أهلها وشموخ جبالها.. تحفظ كرامة العاملين وتشرع أبوابها لضيوف يجازون حسن الاستقبال كرما وسخاء.
الأفلام الأولى من "حرب النجوم" للمخرج جورج لوكاس كانت وراء شهرة "مطماطة"، تطاوين، توزر، جربة وغيرها من الأفلام الهوليودية والأجنبية، التي اتخذت من بلادنا موقعا لأحداثها، ساهمت لعقود في فرض بلادنا واجهة لتصوير الأفلام الأجنبية ليخبو هذا السحر كلمّا حلت الفوضى بالبلاد وفقدت مسارها الداعم للسياحة الثقافية ولفكرة الاستثمار في القوى الناعمة والصناعات الثقافية الناشئة.
الصحراء التونسية تشهد على أثر "المريض الانقليزي" للنجم الهوليودي رالف فاينس وهو العمل السينمائي الحائز على أوسكار أفضل فيلم سنة 1996 وعدد من جوائز الغولدنغلوب والبافتا، ومن أفلام المخرج الايطالي فرانكو زفاريللي صور سنة 1977 فيلم "مسيح الناصرة" وفي بداية الثمانيات أحد أفلام ستفين سبيلبرغ "البحث عن الكنز المفقود" وغيرها من الأفلام التي ساهمت في التنمية المحلية لجنوب البلاد ومنها مطماطة وفي السياق يقول عبد الكريم شوانين وهو رئيس جمعية "جبلي" وناشط ثقافي أنه شارك في تصوير فيلم "الذهب الأسود" للمخرج جون جاك أنو والنجم الاسباني أنطونيو بانديرس ضمن كومبارس العمل وعلى غراره الكثيرون من سكان المنطقة مشددا على ذكر ثراء الجنوب التونسي وقدرته على دفع الاقتصاد الثقافي في البلاد إذ تم وضع أسس مشروع ثقافي جاد يعيد أوج وشهرة الصحراء التونسية وتستعيد مكانتها كواجهة لتصوير الأفلام العالمية في شمال افريقيا والمنطقة العربية.
مطماطة والصحراء التونسية نافدة على تونس ولكن ليست الوحيدة فالتنوع الحضاري لبلادنا يشكل استثنائيتها في خارطة الدول القادرة على جذب محبي السياحة الثقافية ومصوري الأعمال السمعية البصرية، المعالم الأثرية والمواقع التاريخية في بلادنا تتصدر قائمة أفضل الواجهات في العالم فمتحف باردو يعتبر الثاني عالميا على مستوى امتلاكه للوحات الفسيفساء الرومانية ويحظى مسرح الجم ومدرج قرطاج بزوار من مختلف القارات الخمس كما مدينة "دقة"، سيدي بوسعيد، المدينة العتيقة، تمغزة جنوب البلاد، كركوان، تكرونة البربرية والقائمة تطول ومع الاضاءة الطبيعة وتداول الفصول الأربعة على بلادنا تبقى النقطة الاستفهام الأكبر تنتظر في اجابة، مبادرة وقرار من الارادة السياسة لتونس والقائمين على وزارتي الثقافة والسياحة.
نجلاء قموع
*متى تستعيد تونس إشعاعها كواجهة عالمية لتصوير الافلام .. نقطة استفهام يتجاهلها قادة البلاد
مطماطة القديمة - الصباح
يحاول بول أتريديس إنقاذ كوكب "أراكيس" في عمق صحراء، يعيش شعبها في كهوف تحت الأرض، هذه الأحداث تدور في فيلم "ديون" (كثيب) للمخرج دوني فيلنوف عن رواية الكاتب الأمريكي فرانك هربرت الصادرة سنة 1965 وهي من أعمال الخيال العلمي الأكثر مبيعا. "ديون" الفيلم الحديث الانتاج والمتوج بعدد من جوائز أوسكار 2022 يستوحي عوالمه من ثقافاتنا العربية ومن ورقات تاريخنا فتأثر مؤلف الرواية فرانك هربرت بأفكار العلامة عبد الرحمان ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع الحديث وتحديدا فيما يتعلق بهيمنة الامبراطوريات، بنائها وزوالها يشكل جانبا كبيرا من "ديون"، مشاهدتنا لهذا الفيلم أعادت لأذهاننا حياة الأجداد في كهوف "مطماطة" وكأن شعب "أراكيس" بملامحه البدوية وبحثه عن طاقة الحياة وآمنها بين الجبال وكهوفها المخفية يشابه قبيلة "مطماطة"، التي سكنت أرضنا.. من "أثوب" الأمازيغية ومعناها أرض السعادة، أين يكتنز بين ربوعها سر الحياة، "الماء" كما يحدثنا قائد رحلتنا عبد الكريم شوانين ومن هناك كان لـ"الصباح" جولة في "مطماطة القديمة" على بعد 40 كم عن واحة قابس حيث استحوذت علينا مشاهد فيلم "ديون" مجددا ونحن نستمع لكلمات دليلنا عن بيوت القرية البربرية.
رواية هروب قبيلة "مطماطة" من زحف بني هلال إلى الجبال وبناء البيوت المحفورة لا تستهوي الكثيرين من العارفين بتاريخ المنطقة وعن ذلك يجيبنا عبد الكريم شوانين باحتراز قائلا: "البحث عن الماء كان دافع الأمازيع للعيش في جبال مطماطة وهذه القبيلة انتشرت في كامل ربوع شمال افريقيا وإلى اليوم توجد قرية مغربية تدعى مطماطة وبالتالي لا يمكن اعتماد هذه الرواية دون غيرها.
السكينة تعم المكان فمشهد الحفرة الغائرة من بعيد لا يعد بالكثير وكلما تقدمنا في جولتنا نكتشف عالما جديدا وكأننا على كوكب فيلم خيال علمي لصناع سينما هوليود، لكن "الحقيقة" في مطماطة تضاهي خيال السينمائيين جمالا وتعانق السحر فهل نحن على سطح القمر؟ .. ربما هذه الفكرة تبادرت لذهن جورج لوكاس وهو يبحث عن ديكور طبيعي يكون موطنا لبطله "لوك سكاي ووكر" (الممثل مارك هامل) وشرير "حرب النجوم" دارث فيدر فكان كوكب "تاتوين" أين بدأ التصوير في 22 مارس 1976 هناك تجولت "الصباح" في المكان ويدعى فندق "سيدي ادريس" مع مجموعة من السياح محبي سلسلة "حرب النجوم"، أغلبهم كان من الأسيويين وتحديدا اليابانيين فالسياحة ثقافية في بلادنا تستقطب عددا كبيرا من هذه الفئة الشغوفة بالمواقع الأُثرية، المتاحف وأشهر مزار عن السينما في مطماطة القديمة.
على الجدران الصخرية وزعت صورا من كواليس تصوير "حرب النجوم" في أجزائه الأولى، صور نادرة جمعت بين أفيشات من هذه السلسلة، أقنعة الأبطال، أجواء التصوير، الديكور، اكسسورات العمل وأشهر مشاهد "لوك سكاي ووكر".
ليس بعيدا عن فندق سيدي سالم نشاهد عبر جولتنا بيوتا بربرية حافظ الزمن على قرابة 650 بيتا حسب دليلنا السياحي عبد الكريم شوانين، هذه المنازل الأمازيغية وتدعى "حوش" بين أهلها تتميز بفناء كبير يتوسط الغرف المنتشرة بشكل دائري وقد لونت الكتابة البربرية أبوابها، سجادها وسلالمها الخشبية، مسالك ضيقة تقودنا للداخل، بعض هذه الغرف تستخدم في قديم الزمن للنوم وأخرى لتخزين المؤنة واليوم معظم هذه البيوت تفتح أبوابها لزوار مطماطة من السياح.
تدرجات الذهبي تطغى على بيوت مطماطة معانقة طبيعة صحراوية يظن الكثير من سكان العالم أنها ديكور في سلسلة "حرب النجوم" لا مكانا طبيعيا، بيوته موطنا لسكان تونس الأصليين ..يستقبلك أهلها إلى اليوم بمائدة تقليدية قوامها زيت الزيتون، الخبز وكأس الشاي .. دون مقابل تتجلى ملامح كرم أهل الجنوب .. أصول الضيافة متجذرة في عيون وابتسامات الجميع فالسياحة في "مطماطة" كبساطة أهلها وشموخ جبالها.. تحفظ كرامة العاملين وتشرع أبوابها لضيوف يجازون حسن الاستقبال كرما وسخاء.
الأفلام الأولى من "حرب النجوم" للمخرج جورج لوكاس كانت وراء شهرة "مطماطة"، تطاوين، توزر، جربة وغيرها من الأفلام الهوليودية والأجنبية، التي اتخذت من بلادنا موقعا لأحداثها، ساهمت لعقود في فرض بلادنا واجهة لتصوير الأفلام الأجنبية ليخبو هذا السحر كلمّا حلت الفوضى بالبلاد وفقدت مسارها الداعم للسياحة الثقافية ولفكرة الاستثمار في القوى الناعمة والصناعات الثقافية الناشئة.
الصحراء التونسية تشهد على أثر "المريض الانقليزي" للنجم الهوليودي رالف فاينس وهو العمل السينمائي الحائز على أوسكار أفضل فيلم سنة 1996 وعدد من جوائز الغولدنغلوب والبافتا، ومن أفلام المخرج الايطالي فرانكو زفاريللي صور سنة 1977 فيلم "مسيح الناصرة" وفي بداية الثمانيات أحد أفلام ستفين سبيلبرغ "البحث عن الكنز المفقود" وغيرها من الأفلام التي ساهمت في التنمية المحلية لجنوب البلاد ومنها مطماطة وفي السياق يقول عبد الكريم شوانين وهو رئيس جمعية "جبلي" وناشط ثقافي أنه شارك في تصوير فيلم "الذهب الأسود" للمخرج جون جاك أنو والنجم الاسباني أنطونيو بانديرس ضمن كومبارس العمل وعلى غراره الكثيرون من سكان المنطقة مشددا على ذكر ثراء الجنوب التونسي وقدرته على دفع الاقتصاد الثقافي في البلاد إذ تم وضع أسس مشروع ثقافي جاد يعيد أوج وشهرة الصحراء التونسية وتستعيد مكانتها كواجهة لتصوير الأفلام العالمية في شمال افريقيا والمنطقة العربية.
مطماطة والصحراء التونسية نافدة على تونس ولكن ليست الوحيدة فالتنوع الحضاري لبلادنا يشكل استثنائيتها في خارطة الدول القادرة على جذب محبي السياحة الثقافية ومصوري الأعمال السمعية البصرية، المعالم الأثرية والمواقع التاريخية في بلادنا تتصدر قائمة أفضل الواجهات في العالم فمتحف باردو يعتبر الثاني عالميا على مستوى امتلاكه للوحات الفسيفساء الرومانية ويحظى مسرح الجم ومدرج قرطاج بزوار من مختلف القارات الخمس كما مدينة "دقة"، سيدي بوسعيد، المدينة العتيقة، تمغزة جنوب البلاد، كركوان، تكرونة البربرية والقائمة تطول ومع الاضاءة الطبيعة وتداول الفصول الأربعة على بلادنا تبقى النقطة الاستفهام الأكبر تنتظر في اجابة، مبادرة وقرار من الارادة السياسة لتونس والقائمين على وزارتي الثقافة والسياحة.