في مشهد عام موحش لـ "جارة قابس" بعد حريق أيام العيد، تحط في بطحاء السوق القديمة قدم الواحة - أو "جنة الأرض" كما وصفها المؤرخ محمد المرزوقي في كتاباته- طيور "جارة". فالحمام لم يهجر موطنه في "البطحاء"ولعّله يشعر بما أصاب أصدقائه من التجار والزائرين للسوق الأشهر في قابس.. الحمام والحناء أو متلازمة "جارة" لم يغادرا المكان .. فأثر الحياة صامد وسواد الحريق يختفي يوما بعد آخر ..
وحسب رصد الخبراء المكلفين بملف الحادثة،التهمت النيران جزءا من "جارة" وتحديدا 30 بالمائة من معالم المكان غير أن المشاهد للسوق بعد الحريق يشعر بوحشة أكبر .. هي روح المكان بأصوات باعته وحماس زائريه وأطفال المدينة المارين من حين لآخر بين ممراته يشاغبون وصدى ضحكاتهم تنافس هديل حمام "جارة" عذوبة .. مشاهد تلاحق ذاكرتنا وتعيد لأذهاننا أصالة المكان ورسوخ ملامحه في هوية "تكاب" القديمة قابس اليوم، بألوان "السجاد" الأمازيغي من دفء الأحمر إلى اشراقة البرتقالي، منسوجات الحرفيين المصنوعة من الحلفاء وسعف النخيل في واحة المليون نخلة.
تقرير حريق سوق جارة كان عملا تطوعيا من أبناء المدينة وكشف بعد المعاينة وبين صفحاته على ضرورة إعادة تهيئة المكان دون المس من معماره التراثي والحفاظ على البعد التاريخي للمكان عبر الاستعانة بفريق مختص يتولى مهمة ترميمه.
وفي ذات التقرير أوصى الخبراء باعتماد تقنيات سلامة حديثة حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث بالسوق فالواقعة الأخيرة ليست الأولى ومن المنتظر أن يتم إزالة الرواقين الأول والثاني بعد عزل الجانب المتضرر من "جارة".
من جهته، أكد ياسين لكحل ممثل المعهد الوطني للتراث فرع قابس على متابعة الهيكل الذي يمثله لوضع سوق جارة وحرصه على المحافظة على معماره الأصلي.
وفي السياق، تقول رباب مباركي مخرجة أصيلة قابس والمسؤولة عن قسم سينما "الأرض" المهتم بالقضايا الحارقة في مدينتها والعالم في حديثها لـ"الصباح" أن المجتمع المدني في قابس فاعل جدا وسارع لطرح المشاكل والبحث عن حلول بعد حريق "جارة" فيما تأخرت الأطر السياسية ولجانها مشددة على أن قوة مقترح الجمعيات في قابس ساهم بشكل كبير في حل جانب من الاشكال وهو فتح حساب لترميم السوق وآخر لمساعدة الحرفين والباعة على خلاص ديونهم وخسائرهم وذلك ببادرة من جمعية دار قابس بالعاصمة. وأردفت محدثتنا في الإطار نفسه بأن السعي للحفاظ على قابس وتاريخها مسألة شاقة وتتطلب مجهودات كبيرة خاصة في ظل الوضع الصعب للمنطقة وتحديدا على مستوى ارتقاع منسوب التلوث مشيرة إلى مساعي المجتمع المدني في المدينة لإدراج واحة قابس ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي لليونسكو وإعداد ملف في الغرض فقابس الواحة الوحيدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتملك مليون نخلة وقد ذكرها عدد من المؤرخين في كتاباتهم وكانت حاضرة في سينما الطيب الوحيشي وتحديدا فيلم "واحة ومصنع".
وعن دور الفنان في لفت الانتباه لقضايا منطقته والتزامه بنقل واقعه، تابعت مخرجة فيلم "حال الزين يا للا" وهو عمل سينمائي يصور معاناة أهل قابس وبحرها من مخلفات المواد الكيمائية، أقرت رباب مباركي بأهمية الصورة كأداة للتغيير والكشف عن أشياء ربما الانسان العادي لا ينتبه لخطورتها قائلة: "المشروع الفني الحامل لقضية يمس أكثر لذلك أحرص على التوليف بين نشاطات المجتمع المدني والتظاهرات الثقافية عملي ضمن فريق مهرجان قابس سينما فن".
حريق سوق "جارة" تزامن مع الدورة الرابعة لقابس سينما فن وحضور عدد من الفنانين التونسيين، الذين قصدوا مكان الحادثة وتحدثوا مع باعتها والتقطوا الصور معبرين عن دعمهم للحرفيين من بينهم الممثل جمال المداني، الذي كان لمبادرته وقع جميل على العاملين بالسوق واستقبلوا قدومه بحفاوة، متناسين الأزمة الأخيرة، التي طالت بضاعتهم وعبّر جمال مداني عن مشاركته لمشاعرهم كما حاول بملكاته المسرحية اضحاك الجميع دون أن يتخلى عن روح الفنان المثقف حيث أكد في حديثه معنا عن رمزية المكان التراثي والثقافي منبها من مثل هذه الوقائع وتأثيرها على موروثنا اللامادي.
الفنانة روضة عبد الله شاركت أهالي مسقط رأسها بقابس مشاعر الحزن على الخسائر التي أصبت سوق "جارة" الناجمة عن الحريق الذي أصابها، وقد التحقت بسوق "الحناء" فور وصولها المدينة للمشاركة في فعاليات قابس سينما فن وكان محمد علي بن جمعة من بين الحاضرين في حملة الترويج لجارة وإعادة ترميمها وشارك الباعة الدعابات .. هند صبري حطت رحالها بقابس يوم أمس وقصدت السوق لمؤازرة أهله ودعمهم فهذا المكان يحتل جزء من ذاكرتها ومن ذاكرة قابس سينما فن الذي تتولى رئاسته الشرفية وكان لثلاث سنوات محطة هامة ورئيسية في فعالياته.
نجلاء قموع
قابس - الصباح
في مشهد عام موحش لـ "جارة قابس" بعد حريق أيام العيد، تحط في بطحاء السوق القديمة قدم الواحة - أو "جنة الأرض" كما وصفها المؤرخ محمد المرزوقي في كتاباته- طيور "جارة". فالحمام لم يهجر موطنه في "البطحاء"ولعّله يشعر بما أصاب أصدقائه من التجار والزائرين للسوق الأشهر في قابس.. الحمام والحناء أو متلازمة "جارة" لم يغادرا المكان .. فأثر الحياة صامد وسواد الحريق يختفي يوما بعد آخر ..
وحسب رصد الخبراء المكلفين بملف الحادثة،التهمت النيران جزءا من "جارة" وتحديدا 30 بالمائة من معالم المكان غير أن المشاهد للسوق بعد الحريق يشعر بوحشة أكبر .. هي روح المكان بأصوات باعته وحماس زائريه وأطفال المدينة المارين من حين لآخر بين ممراته يشاغبون وصدى ضحكاتهم تنافس هديل حمام "جارة" عذوبة .. مشاهد تلاحق ذاكرتنا وتعيد لأذهاننا أصالة المكان ورسوخ ملامحه في هوية "تكاب" القديمة قابس اليوم، بألوان "السجاد" الأمازيغي من دفء الأحمر إلى اشراقة البرتقالي، منسوجات الحرفيين المصنوعة من الحلفاء وسعف النخيل في واحة المليون نخلة.
تقرير حريق سوق جارة كان عملا تطوعيا من أبناء المدينة وكشف بعد المعاينة وبين صفحاته على ضرورة إعادة تهيئة المكان دون المس من معماره التراثي والحفاظ على البعد التاريخي للمكان عبر الاستعانة بفريق مختص يتولى مهمة ترميمه.
وفي ذات التقرير أوصى الخبراء باعتماد تقنيات سلامة حديثة حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث بالسوق فالواقعة الأخيرة ليست الأولى ومن المنتظر أن يتم إزالة الرواقين الأول والثاني بعد عزل الجانب المتضرر من "جارة".
من جهته، أكد ياسين لكحل ممثل المعهد الوطني للتراث فرع قابس على متابعة الهيكل الذي يمثله لوضع سوق جارة وحرصه على المحافظة على معماره الأصلي.
وفي السياق، تقول رباب مباركي مخرجة أصيلة قابس والمسؤولة عن قسم سينما "الأرض" المهتم بالقضايا الحارقة في مدينتها والعالم في حديثها لـ"الصباح" أن المجتمع المدني في قابس فاعل جدا وسارع لطرح المشاكل والبحث عن حلول بعد حريق "جارة" فيما تأخرت الأطر السياسية ولجانها مشددة على أن قوة مقترح الجمعيات في قابس ساهم بشكل كبير في حل جانب من الاشكال وهو فتح حساب لترميم السوق وآخر لمساعدة الحرفين والباعة على خلاص ديونهم وخسائرهم وذلك ببادرة من جمعية دار قابس بالعاصمة. وأردفت محدثتنا في الإطار نفسه بأن السعي للحفاظ على قابس وتاريخها مسألة شاقة وتتطلب مجهودات كبيرة خاصة في ظل الوضع الصعب للمنطقة وتحديدا على مستوى ارتقاع منسوب التلوث مشيرة إلى مساعي المجتمع المدني في المدينة لإدراج واحة قابس ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي لليونسكو وإعداد ملف في الغرض فقابس الواحة الوحيدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتملك مليون نخلة وقد ذكرها عدد من المؤرخين في كتاباتهم وكانت حاضرة في سينما الطيب الوحيشي وتحديدا فيلم "واحة ومصنع".
وعن دور الفنان في لفت الانتباه لقضايا منطقته والتزامه بنقل واقعه، تابعت مخرجة فيلم "حال الزين يا للا" وهو عمل سينمائي يصور معاناة أهل قابس وبحرها من مخلفات المواد الكيمائية، أقرت رباب مباركي بأهمية الصورة كأداة للتغيير والكشف عن أشياء ربما الانسان العادي لا ينتبه لخطورتها قائلة: "المشروع الفني الحامل لقضية يمس أكثر لذلك أحرص على التوليف بين نشاطات المجتمع المدني والتظاهرات الثقافية عملي ضمن فريق مهرجان قابس سينما فن".
حريق سوق "جارة" تزامن مع الدورة الرابعة لقابس سينما فن وحضور عدد من الفنانين التونسيين، الذين قصدوا مكان الحادثة وتحدثوا مع باعتها والتقطوا الصور معبرين عن دعمهم للحرفيين من بينهم الممثل جمال المداني، الذي كان لمبادرته وقع جميل على العاملين بالسوق واستقبلوا قدومه بحفاوة، متناسين الأزمة الأخيرة، التي طالت بضاعتهم وعبّر جمال مداني عن مشاركته لمشاعرهم كما حاول بملكاته المسرحية اضحاك الجميع دون أن يتخلى عن روح الفنان المثقف حيث أكد في حديثه معنا عن رمزية المكان التراثي والثقافي منبها من مثل هذه الوقائع وتأثيرها على موروثنا اللامادي.
الفنانة روضة عبد الله شاركت أهالي مسقط رأسها بقابس مشاعر الحزن على الخسائر التي أصبت سوق "جارة" الناجمة عن الحريق الذي أصابها، وقد التحقت بسوق "الحناء" فور وصولها المدينة للمشاركة في فعاليات قابس سينما فن وكان محمد علي بن جمعة من بين الحاضرين في حملة الترويج لجارة وإعادة ترميمها وشارك الباعة الدعابات .. هند صبري حطت رحالها بقابس يوم أمس وقصدت السوق لمؤازرة أهله ودعمهم فهذا المكان يحتل جزء من ذاكرتها ومن ذاكرة قابس سينما فن الذي تتولى رئاسته الشرفية وكان لثلاث سنوات محطة هامة ورئيسية في فعالياته.