كشفت الأخبار المتداولة مؤخرا والجدل المثار حول زيارة المدير العام للخزينة الفرنسية ورئيس نادي باريس “ايمانوال مولان” إلى تونس وقبلها خبر تحويل أموال من البريد التونسي إلى خزينة الدولة، أن البلاد لا تواجه فقط أزمة الاقتصادية خانقة، لكنها أيضا تدفع فاتورة ضعف الاتصال الحكومي والرئاسي وغياب المعلومة أو تأخرها مما يفتح الباب على مصراعيه للتأويلات والمخاوف المشروعة وللتوظيف والاستثمار السياسي.
وكان لورود خبر زيارة مولان في وسيلة إعلام أجنبية قبل الإعلان عنه من طرف الجهات الرسمية التونسية التي تكتمت على الزيارة، وقعه في تغذية المخاوف حول حقيقة الوضع المالي في البلاد كما تحول إلى حجة إضافية لتثبيت تحاليل وتوقعات بعض المختصين في المجال الاقتصادي ممن تحدثوا عن عجز الدولة عن سداد ديونها واتجاهها قريبا إلى نادي باريس في إشارة لإفلاس الدولة التونسية.
صحيح ان هناك استثمارا سياسيا وحزبيا في الوضع المتأزم للبلاد وربما هناك أحيانا تضخيم وتهويل وتخويف، فحالة الانقسام والصراع السياسي الحاد بين جبهتي 25 جويلية والرافضة لها أصبحت تجيز استعمال كل "الأسلحة" لخوض غمار معركة السلطة بما في ذلك الاستقواء بالأطراف الأجنبية والاستثمار في الأزمة المالية والاقتصادية.
لكن لنتفق قبل كل شي بان الأزمة المالية والاقتصادية أمر واقع وهي تتفاقم بمرور الوقت وتهدد كيان الدولة والسلم الاجتماعي ما في ذلك شك.. ومن ينكرها لا يصح في شانه إلا القول العامي "العزوزة هازها الواد وهي تقول العام صابة".
ولنتفق أيضا أن محاولات الاستثمار في هذه الأزمة من طرف معارضي الرئيس قيس سعيد واللعب على أوتار التخويف وتحفيز هلع التونسيين هي أيضا حقيقة لا غبار عليها.
لكن قبل كل هذا من الضروري الإشارة إلى أن أزمة الخطاب الرسمي التي تتخبط فيها منظومة الرئيس، رئاسة وحكومة، هي "أصل الداء" ومنبع اللغط والتهويل والفزع والإشاعة في الكثير من الأحيان.
ولعلها بمثابة الهدية التي تقدمها منظومة قيس سعيد لخصومها لمزيد تسجيل النقاط والتركيز على حالة العجز والتخبط وقيادة البلاد نحو الهاوية كما يقول ويؤكد معارضو 25 جويلية.
ويفترض أن الحكومة على وعي ودراية بدرجة المخاوف وبما يطرحه معارضوها من حجج وقراءات حول خطورة أزمة المالية العمومية وعجز فريق بودن ومن ورائه الرئيس في إيجاد الحلول وبالتالي يفترض أنها تستشرف مدى خطورة حجب معلومة بحجم زيارة رئيس نادي باريس إلى تونس وعدم مرافقة الزيارة ببيانات وتوضيحات وتطمينات رسمية قبل الزيارة وفي إبانها تجنبا للبلبلة وللتوظيف.
كذلك الشأن فيما يتعلق بموضوع تحويل أموال البريد لخزينة الدولة فالموضوع كان يتطلب أيضا تمهيدا وسياسة اتصالية شفافة واستباقية لتجنب تداعيات مخاوف التونسيين وإمكانية إقدامهم على سحب أموالهم من البريد ومن البنوك خوفا من الإفلاس.
والملاحظ أن خروج وزيرة المالية للتوضيح وتفنيد ما يروج وللتخفيف من وطأة المخاوف لن يكون مجديا بالشكل الكافي بعد كل ما قيل فالأصلح أن تكون الجهات الرسمية مصدر المعلومة في وقتها المطلوب وبالحرفية المطلوبة لا أن تلاحق هي الأخبار والإشاعات لتصحيحها أو تعديلها.
الخطير في الموضوع أن تواصل اعتماد هذا الخطاب والاتصال الحكومي والرسمي المنقوص والأعرج والغائب في أغلب الأحيان قد تكون له انعكاسات وخيمة على البلاد في اتجاه مزيد خلق مناخ من انعدام الثقة والضبابية لدى المواطن.
فللأزمات استراتيجيات اتصالية محكمة، بل ربما الجزء الأهم في إدارة الأزمة لا يقتصر فقط على محاولة إيجاد الحلول لكن أيضا على حسن التعاطي مع المعلومة الرسمية ومع خطاب الطمأنة الاستباقي لا اللاحق .
وإن نجحت سياسة الرئيس "نسبيا" في تجنب الحضور في وسائل الإعلام إبان حملته الانتخابية إلا أن مواصلة اعتبار المهمة الاتصالية وتقديم المعلومة للتونسيين بدقة وشفافية وفي الوقت المناسب، مسألة ثانوية، سيزيد الطين بلة ويعمق الأزمة .
وربما على حكومة بودن الانتباه جيدا لهذا الفقر الاتصالي المدقع وما ينتجه من عقبات ومشاكل لها بالدرجة الأولى ولصورتها أمام الرأي العام، وللبلاد بشكل عام.
م.ي
كشفت الأخبار المتداولة مؤخرا والجدل المثار حول زيارة المدير العام للخزينة الفرنسية ورئيس نادي باريس “ايمانوال مولان” إلى تونس وقبلها خبر تحويل أموال من البريد التونسي إلى خزينة الدولة، أن البلاد لا تواجه فقط أزمة الاقتصادية خانقة، لكنها أيضا تدفع فاتورة ضعف الاتصال الحكومي والرئاسي وغياب المعلومة أو تأخرها مما يفتح الباب على مصراعيه للتأويلات والمخاوف المشروعة وللتوظيف والاستثمار السياسي.
وكان لورود خبر زيارة مولان في وسيلة إعلام أجنبية قبل الإعلان عنه من طرف الجهات الرسمية التونسية التي تكتمت على الزيارة، وقعه في تغذية المخاوف حول حقيقة الوضع المالي في البلاد كما تحول إلى حجة إضافية لتثبيت تحاليل وتوقعات بعض المختصين في المجال الاقتصادي ممن تحدثوا عن عجز الدولة عن سداد ديونها واتجاهها قريبا إلى نادي باريس في إشارة لإفلاس الدولة التونسية.
صحيح ان هناك استثمارا سياسيا وحزبيا في الوضع المتأزم للبلاد وربما هناك أحيانا تضخيم وتهويل وتخويف، فحالة الانقسام والصراع السياسي الحاد بين جبهتي 25 جويلية والرافضة لها أصبحت تجيز استعمال كل "الأسلحة" لخوض غمار معركة السلطة بما في ذلك الاستقواء بالأطراف الأجنبية والاستثمار في الأزمة المالية والاقتصادية.
لكن لنتفق قبل كل شي بان الأزمة المالية والاقتصادية أمر واقع وهي تتفاقم بمرور الوقت وتهدد كيان الدولة والسلم الاجتماعي ما في ذلك شك.. ومن ينكرها لا يصح في شانه إلا القول العامي "العزوزة هازها الواد وهي تقول العام صابة".
ولنتفق أيضا أن محاولات الاستثمار في هذه الأزمة من طرف معارضي الرئيس قيس سعيد واللعب على أوتار التخويف وتحفيز هلع التونسيين هي أيضا حقيقة لا غبار عليها.
لكن قبل كل هذا من الضروري الإشارة إلى أن أزمة الخطاب الرسمي التي تتخبط فيها منظومة الرئيس، رئاسة وحكومة، هي "أصل الداء" ومنبع اللغط والتهويل والفزع والإشاعة في الكثير من الأحيان.
ولعلها بمثابة الهدية التي تقدمها منظومة قيس سعيد لخصومها لمزيد تسجيل النقاط والتركيز على حالة العجز والتخبط وقيادة البلاد نحو الهاوية كما يقول ويؤكد معارضو 25 جويلية.
ويفترض أن الحكومة على وعي ودراية بدرجة المخاوف وبما يطرحه معارضوها من حجج وقراءات حول خطورة أزمة المالية العمومية وعجز فريق بودن ومن ورائه الرئيس في إيجاد الحلول وبالتالي يفترض أنها تستشرف مدى خطورة حجب معلومة بحجم زيارة رئيس نادي باريس إلى تونس وعدم مرافقة الزيارة ببيانات وتوضيحات وتطمينات رسمية قبل الزيارة وفي إبانها تجنبا للبلبلة وللتوظيف.
كذلك الشأن فيما يتعلق بموضوع تحويل أموال البريد لخزينة الدولة فالموضوع كان يتطلب أيضا تمهيدا وسياسة اتصالية شفافة واستباقية لتجنب تداعيات مخاوف التونسيين وإمكانية إقدامهم على سحب أموالهم من البريد ومن البنوك خوفا من الإفلاس.
والملاحظ أن خروج وزيرة المالية للتوضيح وتفنيد ما يروج وللتخفيف من وطأة المخاوف لن يكون مجديا بالشكل الكافي بعد كل ما قيل فالأصلح أن تكون الجهات الرسمية مصدر المعلومة في وقتها المطلوب وبالحرفية المطلوبة لا أن تلاحق هي الأخبار والإشاعات لتصحيحها أو تعديلها.
الخطير في الموضوع أن تواصل اعتماد هذا الخطاب والاتصال الحكومي والرسمي المنقوص والأعرج والغائب في أغلب الأحيان قد تكون له انعكاسات وخيمة على البلاد في اتجاه مزيد خلق مناخ من انعدام الثقة والضبابية لدى المواطن.
فللأزمات استراتيجيات اتصالية محكمة، بل ربما الجزء الأهم في إدارة الأزمة لا يقتصر فقط على محاولة إيجاد الحلول لكن أيضا على حسن التعاطي مع المعلومة الرسمية ومع خطاب الطمأنة الاستباقي لا اللاحق .
وإن نجحت سياسة الرئيس "نسبيا" في تجنب الحضور في وسائل الإعلام إبان حملته الانتخابية إلا أن مواصلة اعتبار المهمة الاتصالية وتقديم المعلومة للتونسيين بدقة وشفافية وفي الوقت المناسب، مسألة ثانوية، سيزيد الطين بلة ويعمق الأزمة .
وربما على حكومة بودن الانتباه جيدا لهذا الفقر الاتصالي المدقع وما ينتجه من عقبات ومشاكل لها بالدرجة الأولى ولصورتها أمام الرأي العام، وللبلاد بشكل عام.