مع كل مرة يلوح فيها الأطباء بالاحتجاج ويضربون عن العمل تطرح فيها المعادلة التالية: هل هم مذنبون فإضرابهم لن يمر دون تداعيات يتحمل وزرها المواطن المسكين خاصة بتأجيل مواعيده التي تمتد على أكثر من 6 أشهر انتظار، أم هم ضحايا منظومة صحية تحتضر منذ سنوات وسط صمت الدولة والحكومات المتعاقبة لأن الصحة ليست أولوية في هذا البلد؟
اليوم أيضا ومع قرار الأطباء الإضراب عن العمل احتجاجا على مماطلة سلطة الإشراف في الاستجابة لمطالبهم، تطرح هذه المعادلة والأسئلة الحارقة، وربما بأكثر حدة الآن، مع تعمق نزيف قطاع الصحة العمومية وتفاقم معاناة المواطن ولا سيما الفئات الضعيفة.
يقول الأطباء وهياكلهم النقابية أنهم اضطروا للتمسك بالإضراب المبرمج لليوم 25 جانفي الجاري، بعد تأجيله سابقا في 3 مناسبات، لأن وزارة الصحة لا تتعامل بجدية مع مطالبهم.
وعادة ما تتداخل في إضراب الأطباء ومطالبهم المسائل المالية من منح وغيرها مع ظروف العمل والوضعية المزرية للمستشفيات العمومية التي يعملون في ظلها ويعرفها الجميع وقد لا تحتاج إلى إثباتات. ولعل ذلك ما يدفع الكثير من أطباء القطاع العام إلى المغادرة باتجاه القطاع الخاص أو إلى خارج البلاد حتى في صفوف أولائك "الوطنيون جدا" فهم يتمسكون بالبقاء ويقاومون الإغراءات ويصمدون لفترة لكنهم في النهاية ينتهون إلى مغادرة المستشفي العمومي والكثير من مستشفياتنا لا سيما في الجهات الداخلية يكاد بعضها يخلو من الأطباء ومن أطباء الاختصاص بالتحديد.
أقسام دون أطباء
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، يعيش المستشفي الجهوي بالقصرين على وقع معضلة غياب الأطباء وهجرتهم الجماعية من المستشفي وحتى الأقسام الجديدة المحدثة في المستشفي منذ فترة والبالغ عددها 5 أقسام شيدت وجهزت لكنها ظلت مغلقة لافتقارها للموارد البشرية وفي مقدمتها أطباء الاختصاص.
وفي زيارته الأخيرة للجهة بمناسبة إحياء يوم الشهيد في جانفي الجاري، أكد وزير الصحة أن المساعي متواصلة لتجهيز هذه الأقسام وتوفير الموارد البشرية الضرورية للعمل بها، مشيرا إلى أن الأطباء لم يقبلوا على المناظرة التي فتحتها وزارة الصحة لانتداب إطارات صحية للعمل بالمناطق الداخلية رغم الحوافز المقدمة لهم. وأن الوزارة بصدد دراسة إمكانية توفير آليات أخرى لتشجيع الأطباء على العمل في الولايات الداخلية.
لكن هل الإشكال يتوقف فقط على توفير التشجيعات للأطباء للعمل بالجهات الداخلية أم أن المعضلة تتعدى ذلك وتتطلب توفير ظروف ووسائل العمل أيضا؟
ظروف العمل
ليس بعيدا عن المستشفي الجهوي بالقصرين ودائما في نطاق الولاية ذاتها وتحديدا في المستشفي المحلي بفوسانة ومنذ حوالي شهر تقريبا أقدم 6 أطباء على تقديم استقالة جماعية وذلك بسبب تردي ظروف العمل داخل المؤسسة.
حيث صرح صلاح منصري وهو أحد الأطباء الملوحين بالاستقالة بأن "تواضع الإمكانيات الموضوعة على ذمة الأطباء لعلاج المرضى وفقدان بعض الأدوية ونقص الأطباء ومشاكل إدارية مع الإدارة دفعتهم إلى تقديم الاستقالة الجماعية".
وفي إضرابهم اليوم يطالب الأطباء بمنحة الجوائح وبمراجعة الأمر عدد 341 لما فيه من تمييز غير مبرر في نظرهم بين أطباء الخط الأول بين طبيب مختص وطبيب عام، لكن تتضمن المطالب أيضا نقاط لها علاقة وطيدة بإصلاح وتعزيز منظومة الصحة العمومية بالموارد البشرية وبالأدوية وغيرها.
وقد صرح أمس الكاتب العام للنقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان بالصحة العمومية نور الدين بن عبد الله إنّ النقابة تطالب "باتخاذ إجراءات وقرارات تصبّ في اتجاه إصلاح المنظومة الطبية وترتقي بالوضعية المهنية للأطباء الذين يهدّد العديد منهم بمغادرة القطاع العام مما قد يخلق أزمة على مستوى الرصيد البشري خاصة في المؤسسات الصحية الداخلية".
ويضيف أن من المطالب ترسيم الأطباء المتعاقدين لأكثر من 3 و4 سنوات، خاصة في الاختصاصات الدقيقة غير المتوفرة بالعدد المطلوب في المستشفيات العمومية في حين يتم استقطابهم بالمئات للعمل في الخارج .
وتجدر الإشارة إلى أنه تم مؤخرا الإعلان عن نجاح حوالي 900 طبيب تونسي سنة 2021 في مناظرة المعادلة لشهائد الدكتوراه في الطب والتخصص بفرنسا، والأرقام مرشحة للارتفاع هذه السنة والسنوات القادمة إذا لم تتوفر الحلول العاجلة لهذا النزيف المخيف الذي يتهدد المنظومة الصحية حيث تشير الإحصائيات أن تونس تملك فقط 1,3 طبيب لكل ألف ساكن، بينما تحتوى فرنسا التي توفر كل التشجيعات لاستقبال الأطباء ،على 3,2 طبيب لكل ألف ساكن.
كما يوجد في تونس 6500 طبيب عام (57 طبيبا على كل 100 آلف ساكن)، و8400 طبيب اختصاص، 3200 منهم يشتغلون في قطاع الصحة العمومية و5200 في القطاع الخاص، ( 72 طبيبا مختصا لكل 100 ألف ساكن).
ولوقف هذا النزيف تطالب نقابة الأطباء بضرورة حل بقية المشاكل بالجملة التي تواجه قطاع الصحة وتنعكس على مستوى قيام الأطباء بواجبهم على غرار نقص التجهيزات والأدوية وطول انتظار المرضى للحصول على مواعيد مع أطباء الاختصاص..
م.ي
تونس-الصباح
مع كل مرة يلوح فيها الأطباء بالاحتجاج ويضربون عن العمل تطرح فيها المعادلة التالية: هل هم مذنبون فإضرابهم لن يمر دون تداعيات يتحمل وزرها المواطن المسكين خاصة بتأجيل مواعيده التي تمتد على أكثر من 6 أشهر انتظار، أم هم ضحايا منظومة صحية تحتضر منذ سنوات وسط صمت الدولة والحكومات المتعاقبة لأن الصحة ليست أولوية في هذا البلد؟
اليوم أيضا ومع قرار الأطباء الإضراب عن العمل احتجاجا على مماطلة سلطة الإشراف في الاستجابة لمطالبهم، تطرح هذه المعادلة والأسئلة الحارقة، وربما بأكثر حدة الآن، مع تعمق نزيف قطاع الصحة العمومية وتفاقم معاناة المواطن ولا سيما الفئات الضعيفة.
يقول الأطباء وهياكلهم النقابية أنهم اضطروا للتمسك بالإضراب المبرمج لليوم 25 جانفي الجاري، بعد تأجيله سابقا في 3 مناسبات، لأن وزارة الصحة لا تتعامل بجدية مع مطالبهم.
وعادة ما تتداخل في إضراب الأطباء ومطالبهم المسائل المالية من منح وغيرها مع ظروف العمل والوضعية المزرية للمستشفيات العمومية التي يعملون في ظلها ويعرفها الجميع وقد لا تحتاج إلى إثباتات. ولعل ذلك ما يدفع الكثير من أطباء القطاع العام إلى المغادرة باتجاه القطاع الخاص أو إلى خارج البلاد حتى في صفوف أولائك "الوطنيون جدا" فهم يتمسكون بالبقاء ويقاومون الإغراءات ويصمدون لفترة لكنهم في النهاية ينتهون إلى مغادرة المستشفي العمومي والكثير من مستشفياتنا لا سيما في الجهات الداخلية يكاد بعضها يخلو من الأطباء ومن أطباء الاختصاص بالتحديد.
أقسام دون أطباء
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، يعيش المستشفي الجهوي بالقصرين على وقع معضلة غياب الأطباء وهجرتهم الجماعية من المستشفي وحتى الأقسام الجديدة المحدثة في المستشفي منذ فترة والبالغ عددها 5 أقسام شيدت وجهزت لكنها ظلت مغلقة لافتقارها للموارد البشرية وفي مقدمتها أطباء الاختصاص.
وفي زيارته الأخيرة للجهة بمناسبة إحياء يوم الشهيد في جانفي الجاري، أكد وزير الصحة أن المساعي متواصلة لتجهيز هذه الأقسام وتوفير الموارد البشرية الضرورية للعمل بها، مشيرا إلى أن الأطباء لم يقبلوا على المناظرة التي فتحتها وزارة الصحة لانتداب إطارات صحية للعمل بالمناطق الداخلية رغم الحوافز المقدمة لهم. وأن الوزارة بصدد دراسة إمكانية توفير آليات أخرى لتشجيع الأطباء على العمل في الولايات الداخلية.
لكن هل الإشكال يتوقف فقط على توفير التشجيعات للأطباء للعمل بالجهات الداخلية أم أن المعضلة تتعدى ذلك وتتطلب توفير ظروف ووسائل العمل أيضا؟
ظروف العمل
ليس بعيدا عن المستشفي الجهوي بالقصرين ودائما في نطاق الولاية ذاتها وتحديدا في المستشفي المحلي بفوسانة ومنذ حوالي شهر تقريبا أقدم 6 أطباء على تقديم استقالة جماعية وذلك بسبب تردي ظروف العمل داخل المؤسسة.
حيث صرح صلاح منصري وهو أحد الأطباء الملوحين بالاستقالة بأن "تواضع الإمكانيات الموضوعة على ذمة الأطباء لعلاج المرضى وفقدان بعض الأدوية ونقص الأطباء ومشاكل إدارية مع الإدارة دفعتهم إلى تقديم الاستقالة الجماعية".
وفي إضرابهم اليوم يطالب الأطباء بمنحة الجوائح وبمراجعة الأمر عدد 341 لما فيه من تمييز غير مبرر في نظرهم بين أطباء الخط الأول بين طبيب مختص وطبيب عام، لكن تتضمن المطالب أيضا نقاط لها علاقة وطيدة بإصلاح وتعزيز منظومة الصحة العمومية بالموارد البشرية وبالأدوية وغيرها.
وقد صرح أمس الكاتب العام للنقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان بالصحة العمومية نور الدين بن عبد الله إنّ النقابة تطالب "باتخاذ إجراءات وقرارات تصبّ في اتجاه إصلاح المنظومة الطبية وترتقي بالوضعية المهنية للأطباء الذين يهدّد العديد منهم بمغادرة القطاع العام مما قد يخلق أزمة على مستوى الرصيد البشري خاصة في المؤسسات الصحية الداخلية".
ويضيف أن من المطالب ترسيم الأطباء المتعاقدين لأكثر من 3 و4 سنوات، خاصة في الاختصاصات الدقيقة غير المتوفرة بالعدد المطلوب في المستشفيات العمومية في حين يتم استقطابهم بالمئات للعمل في الخارج .
وتجدر الإشارة إلى أنه تم مؤخرا الإعلان عن نجاح حوالي 900 طبيب تونسي سنة 2021 في مناظرة المعادلة لشهائد الدكتوراه في الطب والتخصص بفرنسا، والأرقام مرشحة للارتفاع هذه السنة والسنوات القادمة إذا لم تتوفر الحلول العاجلة لهذا النزيف المخيف الذي يتهدد المنظومة الصحية حيث تشير الإحصائيات أن تونس تملك فقط 1,3 طبيب لكل ألف ساكن، بينما تحتوى فرنسا التي توفر كل التشجيعات لاستقبال الأطباء ،على 3,2 طبيب لكل ألف ساكن.
كما يوجد في تونس 6500 طبيب عام (57 طبيبا على كل 100 آلف ساكن)، و8400 طبيب اختصاص، 3200 منهم يشتغلون في قطاع الصحة العمومية و5200 في القطاع الخاص، ( 72 طبيبا مختصا لكل 100 ألف ساكن).
ولوقف هذا النزيف تطالب نقابة الأطباء بضرورة حل بقية المشاكل بالجملة التي تواجه قطاع الصحة وتنعكس على مستوى قيام الأطباء بواجبهم على غرار نقص التجهيزات والأدوية وطول انتظار المرضى للحصول على مواعيد مع أطباء الاختصاص..