رغم فشل تجربة التعاضد بشكل عام في تونس، فانه وفي إطار إصلاح منظومة التعاضد نظم القانون عدد 4 لسنة 1967 والمتعلق بالقانون الأساسي العام للتعاضد، مسألة التعاضديات التي نجح بعضها في الصمود الى اليوم ووفّر مداخيل ومواطن شغل لعشرات العائلات، وقد عرف القانون عدد 4 في فصله الثاني التعاضديات على أنها " شركات ذات رأس مال، ومشتركين قابلين للتغيير، ويقع تكوينها بين أشخاص لهم مصالح مشتركة يتحدون قصد إرضاء حاجياتهم وتحسين أحوالهم المادية والأدبية كما تمارس نشاطاتها بقطاعات مضبوطة بالمخطط الوطني للتنمية".. ويتكون نسيج التعاضديات في تونس من الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية والبالغ عددها 366 تعاونية والوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي ومجموعة أخرى من التعاضديات لا تتوفر بشأنها احصائيات دقيقة ناشطة في القطاعات غير الفلاحية، كالصناعات التقليدية والخدمات والتجارة.
والتعاضدية العمالية بسوق الجملة ببئر القصعة، تتنزل في اطار مجموعة التعاضديات غير الفلاحية ووفق ما تسنى لنا من معطيات حول هذه التعاضدية التي تقوم بدور أساسي في تسيير سوق الجملة، فان عدد العمال المتعاضدين بها يبلغ حوالي 1200 عاملا.. ورغم الدور الهام الموكول لهذه التعاضدية الا انها وانطلاقا من أعمال تحري وتدقيق قمنا بها فإنها تشهد عدة تجاوزات وخروقات باتت تؤثر على المناخ الاجتماعي داخلها وعلى نجاعة الدور بالإضافة الى المشاكل التي يشهدها سوق الجملة بشكل عام والذي انعكس على الأسعار وهي المعضلة التي تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية المنهارة منذ سنوات.
أجور خيالية للمسؤولين!
بتاريخ 28 ديسمبر 2020 وجه العاملون بالتعاضدية شكاية رسمية الى وزير التجارة، بينوا من خلالها ما تشهده التعاضدية من اخلالات ومنها الأجور الخيالية لبعض المسؤولين مقابل الأجور الزهيدة للعمال رغم المشاق اليومية التي يتكبدونها في السوق، حيث تؤكد الشكاية والمثبتة بعدد من الوثائق التي تحصلنا عليها أن احدهم يتقاضى راتبا شهريا في حدود 18 ألف دينار كما يتقاضى أخران أجرا شهريا لا يقل على 6 آلاف دينار و5 آلاف دينار، ويؤكد عدد من العاملين ان هذه الأجور الخيالية لا تنسجم مع الاعمال المنسجمة والتي لا تتجاوز بضع ساعات في اليوم الواحد، عكس ما يبذله العمال الذين ينطلق عملها من الرابعة صباحا الى خدود منتصف النهار وبشكل يومي.
الشكاية أيضا لفتت نظر وزير التجارة الى وجود شبهات فساد وتلاعب ومنها أنه لم يتم تضمين مداخيل نزل الغزالة بتطاوين بالتقارير المالية للتعاضدية التابعة لسوق الجملة، كما تتهم الشكاية مسؤول بالسوق بأنه قام بتشييد مستودع دون طلب عروض وهو امر مخالف للإجراءات القانونية الى جانب اتهامات اخرى.
عمال التعاضدية قاموا أيضا بمراسلة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 1 ديسمبر 2020، يطلبون منه إجراء مهمة رقابة للتصرّف المالي وحسابات التعاضدية ومتابعة التجاوزات التي كان رفعها قبل ذلك فريق الرقابة التابع للهيئة العام للرقابة المالية في 2012 والذي رغم كشفه لعدة خروقات في علاقة بالأجور إلا انه والى اليوم يتواصل انتفاع الاعوان والاداريين بأجور ومنح وامتيازات خيالية.. ويؤكد اغلب العاملين والنقابة الأساسية انهم ورغم طلب توضيحات من الإدارة بشأن هذا الملف الا ان طلبهم تم رفضه وتمت مواجهتهم بسياسة التنكيل والاقتطاع من أجور وتلفيق التهم بدعم من حزب سياسي نافذ داخل مجلس الإدارة التي يقول العاملين ان يخضع لنفوذ أحد الأحزاب.
لماذا توقف عمل الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية؟
ظل العاملون يحاولون الاتصال بكل أجهزة الدولة ومصالحها ذات العلاقة لإيجاد حل لكل التجاوزات التي تحدث داخل التعاضدية، إلا أن كل محاولاتهم لم تجد تجاوبا.. ولكن أكثر ما أثار استغراب العمال هو انطلاق الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية التابعة لوزارة المالية في مهمة تفقد في فيفري الماضي ولكنها توقفت بعد ذلك ولأسباب مجهولة.
رغم انه في أفريل الماضي تعمّد مجلس الإدارة الحالي للتعاضدية الامتناع عن دعوة المتعاضدين لحضور جلسة عامة قصد المداولة في موازنات التعاضدية بعنوان تصرف 2019 و 2020 وهو ما اعتبره العاملون خرقا واضحا لقانون التعاضدية.. خاصة وان بعض المصادر داخل التعاضدية تؤكد انه في 26 أكتوبر 2021 وقع افتقاد 170 ألف دينار من أموال التعاضدية باعتراف مجلس التعاضدية ولكن الى اليوم لم يقع تقديم شكوى في الغرض امام القضاء. كما انه في 2017 تمت إحالة اد المسؤولين على القطب المالي بناء على تقرير الهيئة العامة للرقابة المالية ولكن هذه القضية يتم التكتم عليها ولا أحد يعرف مصيرها.
تنديد منذ عهد سليم بسباس.. ولكن لا شيء تغيّر !
في 5 أكتوبر 2012 راسل وزير المالية آنذاك سليم بسباس وزير التجارة وقتها يؤكد فيها أن إيرادات التعضادية تتأتى بصفة كلية من توظيف اتاوة نسبتها 6 بالمائة على أرقام المعاملات الخام لوكلاء البيع المنتصبين بالسوق، ولكن وزارة المالية اكتشفت وقتها عدم حرص التعاضدية على تتبع الديون المتخلدة لفائدتها لدى وكلاء البيع منذ 2006 ، بالإضافة الى تمكين أعوان إداريين غير متعاضدين من قروض في شكل تسبقات ذات مبالغ هامة دون فوائد مالية للتعاضدية، وكذلك تمكين أعضاء مجلس الإدارة في عدة مناسبات من قروض في شكل تسبقات بدون فوائد مالية وهو ما يعد خرقا للقانون الأساسي للتعاضدية كما اشارت وقتها مراسلة وزير المالية سليم بسباس الى مسألة الأجور الخيالية التي يتقاضاها بعض المسؤولين داخل التعاضدية.
وكل هذه الخروقات والتجاوزات التي تثبتها وثائق ومراسلات رسمية تواصلت كل السنوات الماضية وأثرت كثيرا على المناخ الاجتماعي داخل التعاضدية وهو ما انعكس سلبا على عمل سوق الجملة ببئر القصعة.
سوق الجملة مهدد
يؤكد وكلاء بيع الخضر والغلال ونقابة التعاضدية العمالية بسوق الجملة ببئر القصعة في كل التصريحات الإعلامية السابقة وحتى في لقاءات مع مسؤولين في الدولة أنهم يواجهون يوميا صعوبات بسوق الجملة بسبب تنامي مسالك التوزيع وتزايد المخازن العشوائية ومخازن المحتكرين إلى جانب الانتصاب الفوضوي والتعقيدات الإدارية. كما يشير الوكلاء والعمال أن أغلب الفضاءات التجارية الكبرى لا تتزود من أسواق الجملة بل تتعامل مباشرة مع ما أسموه بالمحتكرين دون وصولات شراء معتبرين أن إدارة الشركة التونسية لأسواق الجملة لا توفر المناخ المناسب سواء للمزودين او لتجار التفصيل بل "تكبدهم خسائر كبيرة بسبب تصرفات لا تليق بسمعة السوق" وذلك خلال جلسة حوارية جمعتهم في أواخر 2018 مع نواب جهة بن عروس، مطالبين بإيجاد الحلول المناسبة لسوق كانت في السابق تحتكم على 80 بالمائة من مسالك التوزيع المنظمة التي باتت في أغلبها غير منظمة.. ورغم مرور سنوات على هذه الجلسة الا ان الوضع وفق أغلب مصادرنا بالسوق لم يتغير بل ازداد سوءا.
منية العرفاوي
تونس – الصباح
رغم فشل تجربة التعاضد بشكل عام في تونس، فانه وفي إطار إصلاح منظومة التعاضد نظم القانون عدد 4 لسنة 1967 والمتعلق بالقانون الأساسي العام للتعاضد، مسألة التعاضديات التي نجح بعضها في الصمود الى اليوم ووفّر مداخيل ومواطن شغل لعشرات العائلات، وقد عرف القانون عدد 4 في فصله الثاني التعاضديات على أنها " شركات ذات رأس مال، ومشتركين قابلين للتغيير، ويقع تكوينها بين أشخاص لهم مصالح مشتركة يتحدون قصد إرضاء حاجياتهم وتحسين أحوالهم المادية والأدبية كما تمارس نشاطاتها بقطاعات مضبوطة بالمخطط الوطني للتنمية".. ويتكون نسيج التعاضديات في تونس من الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية والبالغ عددها 366 تعاونية والوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي ومجموعة أخرى من التعاضديات لا تتوفر بشأنها احصائيات دقيقة ناشطة في القطاعات غير الفلاحية، كالصناعات التقليدية والخدمات والتجارة.
والتعاضدية العمالية بسوق الجملة ببئر القصعة، تتنزل في اطار مجموعة التعاضديات غير الفلاحية ووفق ما تسنى لنا من معطيات حول هذه التعاضدية التي تقوم بدور أساسي في تسيير سوق الجملة، فان عدد العمال المتعاضدين بها يبلغ حوالي 1200 عاملا.. ورغم الدور الهام الموكول لهذه التعاضدية الا انها وانطلاقا من أعمال تحري وتدقيق قمنا بها فإنها تشهد عدة تجاوزات وخروقات باتت تؤثر على المناخ الاجتماعي داخلها وعلى نجاعة الدور بالإضافة الى المشاكل التي يشهدها سوق الجملة بشكل عام والذي انعكس على الأسعار وهي المعضلة التي تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية المنهارة منذ سنوات.
أجور خيالية للمسؤولين!
بتاريخ 28 ديسمبر 2020 وجه العاملون بالتعاضدية شكاية رسمية الى وزير التجارة، بينوا من خلالها ما تشهده التعاضدية من اخلالات ومنها الأجور الخيالية لبعض المسؤولين مقابل الأجور الزهيدة للعمال رغم المشاق اليومية التي يتكبدونها في السوق، حيث تؤكد الشكاية والمثبتة بعدد من الوثائق التي تحصلنا عليها أن احدهم يتقاضى راتبا شهريا في حدود 18 ألف دينار كما يتقاضى أخران أجرا شهريا لا يقل على 6 آلاف دينار و5 آلاف دينار، ويؤكد عدد من العاملين ان هذه الأجور الخيالية لا تنسجم مع الاعمال المنسجمة والتي لا تتجاوز بضع ساعات في اليوم الواحد، عكس ما يبذله العمال الذين ينطلق عملها من الرابعة صباحا الى خدود منتصف النهار وبشكل يومي.
الشكاية أيضا لفتت نظر وزير التجارة الى وجود شبهات فساد وتلاعب ومنها أنه لم يتم تضمين مداخيل نزل الغزالة بتطاوين بالتقارير المالية للتعاضدية التابعة لسوق الجملة، كما تتهم الشكاية مسؤول بالسوق بأنه قام بتشييد مستودع دون طلب عروض وهو امر مخالف للإجراءات القانونية الى جانب اتهامات اخرى.
عمال التعاضدية قاموا أيضا بمراسلة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 1 ديسمبر 2020، يطلبون منه إجراء مهمة رقابة للتصرّف المالي وحسابات التعاضدية ومتابعة التجاوزات التي كان رفعها قبل ذلك فريق الرقابة التابع للهيئة العام للرقابة المالية في 2012 والذي رغم كشفه لعدة خروقات في علاقة بالأجور إلا انه والى اليوم يتواصل انتفاع الاعوان والاداريين بأجور ومنح وامتيازات خيالية.. ويؤكد اغلب العاملين والنقابة الأساسية انهم ورغم طلب توضيحات من الإدارة بشأن هذا الملف الا ان طلبهم تم رفضه وتمت مواجهتهم بسياسة التنكيل والاقتطاع من أجور وتلفيق التهم بدعم من حزب سياسي نافذ داخل مجلس الإدارة التي يقول العاملين ان يخضع لنفوذ أحد الأحزاب.
لماذا توقف عمل الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية؟
ظل العاملون يحاولون الاتصال بكل أجهزة الدولة ومصالحها ذات العلاقة لإيجاد حل لكل التجاوزات التي تحدث داخل التعاضدية، إلا أن كل محاولاتهم لم تجد تجاوبا.. ولكن أكثر ما أثار استغراب العمال هو انطلاق الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية التابعة لوزارة المالية في مهمة تفقد في فيفري الماضي ولكنها توقفت بعد ذلك ولأسباب مجهولة.
رغم انه في أفريل الماضي تعمّد مجلس الإدارة الحالي للتعاضدية الامتناع عن دعوة المتعاضدين لحضور جلسة عامة قصد المداولة في موازنات التعاضدية بعنوان تصرف 2019 و 2020 وهو ما اعتبره العاملون خرقا واضحا لقانون التعاضدية.. خاصة وان بعض المصادر داخل التعاضدية تؤكد انه في 26 أكتوبر 2021 وقع افتقاد 170 ألف دينار من أموال التعاضدية باعتراف مجلس التعاضدية ولكن الى اليوم لم يقع تقديم شكوى في الغرض امام القضاء. كما انه في 2017 تمت إحالة اد المسؤولين على القطب المالي بناء على تقرير الهيئة العامة للرقابة المالية ولكن هذه القضية يتم التكتم عليها ولا أحد يعرف مصيرها.
تنديد منذ عهد سليم بسباس.. ولكن لا شيء تغيّر !
في 5 أكتوبر 2012 راسل وزير المالية آنذاك سليم بسباس وزير التجارة وقتها يؤكد فيها أن إيرادات التعضادية تتأتى بصفة كلية من توظيف اتاوة نسبتها 6 بالمائة على أرقام المعاملات الخام لوكلاء البيع المنتصبين بالسوق، ولكن وزارة المالية اكتشفت وقتها عدم حرص التعاضدية على تتبع الديون المتخلدة لفائدتها لدى وكلاء البيع منذ 2006 ، بالإضافة الى تمكين أعوان إداريين غير متعاضدين من قروض في شكل تسبقات ذات مبالغ هامة دون فوائد مالية للتعاضدية، وكذلك تمكين أعضاء مجلس الإدارة في عدة مناسبات من قروض في شكل تسبقات بدون فوائد مالية وهو ما يعد خرقا للقانون الأساسي للتعاضدية كما اشارت وقتها مراسلة وزير المالية سليم بسباس الى مسألة الأجور الخيالية التي يتقاضاها بعض المسؤولين داخل التعاضدية.
وكل هذه الخروقات والتجاوزات التي تثبتها وثائق ومراسلات رسمية تواصلت كل السنوات الماضية وأثرت كثيرا على المناخ الاجتماعي داخل التعاضدية وهو ما انعكس سلبا على عمل سوق الجملة ببئر القصعة.
سوق الجملة مهدد
يؤكد وكلاء بيع الخضر والغلال ونقابة التعاضدية العمالية بسوق الجملة ببئر القصعة في كل التصريحات الإعلامية السابقة وحتى في لقاءات مع مسؤولين في الدولة أنهم يواجهون يوميا صعوبات بسوق الجملة بسبب تنامي مسالك التوزيع وتزايد المخازن العشوائية ومخازن المحتكرين إلى جانب الانتصاب الفوضوي والتعقيدات الإدارية. كما يشير الوكلاء والعمال أن أغلب الفضاءات التجارية الكبرى لا تتزود من أسواق الجملة بل تتعامل مباشرة مع ما أسموه بالمحتكرين دون وصولات شراء معتبرين أن إدارة الشركة التونسية لأسواق الجملة لا توفر المناخ المناسب سواء للمزودين او لتجار التفصيل بل "تكبدهم خسائر كبيرة بسبب تصرفات لا تليق بسمعة السوق" وذلك خلال جلسة حوارية جمعتهم في أواخر 2018 مع نواب جهة بن عروس، مطالبين بإيجاد الحلول المناسبة لسوق كانت في السابق تحتكم على 80 بالمائة من مسالك التوزيع المنظمة التي باتت في أغلبها غير منظمة.. ورغم مرور سنوات على هذه الجلسة الا ان الوضع وفق أغلب مصادرنا بالسوق لم يتغير بل ازداد سوءا.