تونس -الصباح
سجلت السنة الدراسية الجارية تدعيما لمختلف المؤشرات الدافعة للانقطاع المدرسي ففضلا عما عرفته العودة من هنات وقصور وشغورات واكتظاظ حولت المؤسسة التربوية إلى منفرة للتلميذ وطارد لها.. عرفت السنتان الماضيتان تطورا ملحوظا في احد ابرز المؤشرات التي تقف وراء ارتفاع معدلات الانقطاع والتسرب المدرسي في تونس ودول العالم، وهي تدهور مستوى عيش وتدني دخل الأسرة التونسية والزيادة الملحوظة في نسب الفقر..
وتنبه المنظمة العربية للتربية والثقافة "الألكسو"، إلى أن ارتفاع نسبة الفقر في تونس من 15.5% إلى 21.5% وتخلي الدولة التونسية عن جزء هام من دورها الاجتماعي(توفير النقل للتلاميذ وتقديم الأكلة وتحسين وضعية المدارس..) سيكون احد العوامل التي ستضاعف عدد المنقطعين عن الدراسة خلال السنتين الدراسيتين، الجارية والماضية.. كما سيكون للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لجائحة فيروس كورونا وقعها على التلميذ وخاصة ذلك المنتمي إلى الأطر الأكثر هشاشة..
وزارة التربية تتهرب
ورسميا، تتهرب وزارة التربية من الخوض في مشكل الانقطاع المدرسي إعلاميا، ففضلا عنأنها لم تصدر أي معطيات إحصائية خلال السنتين الماضيتين فيما يهم نسب الانقطاع المدرسي والفئة المهددة أكثر من غيرها، أو فيما يتصل بمدى نجاح برامجها المقررة للحد من هذه الظاهرة على غرار مدرسة الفرصة الثانية.. تتعمد غلق كل أبواب التواصل مع الصحافة والصحفيين حيث لم تجد "الصباح" في مسار سعيها طيلة 4 أيام للحصول على مخرجات آخر ندوة تكوينية عقدتها الوزارة افتتحها الوزير فتحي السلاوتي في مدينة الحمامات وتواصلت لـ 4 أيام حول التّصدي للفشل الدراسي والانقطاع المدرسي تحت عنوان : " تكوين المكونين وتملك الآليات المكوّنة للبرنامج"، إلا المماطلة والتسويف من مكتب الاتصال.. الذي كان يتعلل في كل مرة بعجزه عن الوصول إلىمن يمتلك تلك المعطيات..
ويقول إقبال العزابي الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الأساسي، في نفس السياق أن وزارة التربية تتعمد التعتيم حول ما يتصل بأرقام الانقطاع المدرسي رغم أن من واجبها أن تقدم تحيينا دوريا يشخص هذه الظاهرة وان تشرك مختلف الأطراف في مجابهة هذه المعضلة التي تنخر منظومة التعليم والمجتمع التونسي منذ سنوات.
وندد العزابي باستهانة وزارة التربية بهذه الظاهرة، وتطبيعها مع الأرقام ومع مسالة تسرب معدل 100 ألف تلميذ سنويا من مقاعد الدراسة..
أي جدوى لمدرسة الفرصة الثانية؟
وتساءل إقبال العزابي عن جدوى مدرسة الفرصة الثانية والنتائج التي حققتها إلى حد الآن في علاقة بالمتسربين والمنقطعين، واعتبر أن البرنامج في حد ذاته يستوجب النقد، فالأجدر كان حسب رأيه هو توجه وزارة التربية إلى تحسين مستوى المدارس وظروف التدريس حتى لا تبق كفضاء منفر للتلميذ وتكون إطارا جاذبا له تحتويه وتشجعه على التعلم.
وبالعودة إلىآخر الأرقام الصادرة عن وزارة التربية في اليوم الدراسي الذي انتظم صلب المنظمة العربية للتربية والثقافة "الألكسو"، وتهم نهاية السنة الدراسية 2019-2020 وهي أول سنة كورونا، بلغ عدد التلاميذ المنقطعين 72 ألفا و991 تلميذا 47,2% منهم من المرحلة الثانوية وهو ما يمثل 34 ألفا و460 تلميذا ونحو 43% من المرحلة الإعدادية وهو ما يمثل 31 ألفا و311 تلميذا،أما البقية وعددهم 7220 تلميذا انقطعوا من المرحلة الابتدائية. وتقول نفس الدراسة أن 60% من المتسربين كانوا بصفة تلقائية أما الـ40% البقية فكانوا عبر الرفت من المؤسسات التربوية التي ينتمون لها.
ورغم أن معدلات المنقطعين خلال السنة الدراسية 2019-2020 قد عرف تراجعا ملحوظا مقارنة بمعدلاته في السنة الدراسية التي سبقتها 2018-2019 والذي كان في حدود الـ 92 ألفا و108 تلاميذ تبقى أرقام مفزعة ولابد من بذل جهود مضاعفة للحد منها حسب المنظمة العربية للتربية والثقافة.
ويكشف في تصريح سابق لموقع العربي الجديد مدير عام الدراسات والتخطيط ونظم المعلومات في وزارة التربية بوزيد النصيري، أن 5.2% من مجموع التلاميذ في مختلف المراحل الدراسية يغادرون المؤسسات التعليمية سنوياً، مشيراً إلى أن الوزارة تبذل جهوداً من أجل مكافحة الظاهرة التي يتوقع ارتفاع نسبتها هذا العام.
نفور وانقطاع تلقائي
ويوضح معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل الانقطاع المدرسي "..هو في الأصل انقطاع تلقائي ناتج عن نفور التلميذ من مقاعد الدراسة ومن فضاء لم يعد يجد نفسه داخله. يعاني فيه من صعوبات في التعلم وسوء معاملة وخاصة من الفشل، الأمر الذي يولد عدم ملاءمة للمؤسسات التربوية مع حاجيات وانتظارات التلميذ".
ويعتبر رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل أن عديد المؤشرات الصادرة عن دراسات والمعلنة من قبل أكثر من منظمة وجمعية، على غرار ارتفاع نسب ومعدلات الاستغلال الاقتصادي والاستغلال الجنسي للأطفال (الهيئة الوطنية للاتجار بالبشر) وتطور معدلات الفقر والفقر المدقع وتدني مستوى عيش الأسر التونسية (صندوق النقدي الدولي) وتراجع المستوى الاقتصادي للأولياء (معهد الإحصاء) وتذبذب المنظومة التربوية على امتداد اكثر من سنتين واغلاق المؤسسات التربوية لفترات دون بدائل والتراجع البيداغوجي لمستوى المعلمين (تقرير وتصريحات رسمية) وارتفاع تكلفة التعلم (والحالة المزرية التي أصبحت عليها المدارس والمعاهد وحالة الاكتظاظ والنقص الفادح في الإطارات التربوية.. كلها مؤشرات ودوافع لن تؤدي إلا لمزيد ارتفاع عدد المتسربين والمنقطعين عن الدراسة. وقال معز الشريف في نفس السياق هناك تكتم كبير من قبل وزارة التربية فيما يتعلق بالانقطاع المدرسي لكننا كجمعية نتوقع أن تسجل سنتي الكورونا ارتفاعا في معدلات الانقطاع المدرسي.
غياب منظومة تربوية منصفة
ويرى معز الشريف أن تعاطي وزارة التربية مع الظاهرة لا ينبئ بخير ويعكس ضرب الولوج إلى الحق في التربية وغياب منظومة تربوية منصفة بين مختلف الجهات، حتى أصبح الجهل والفقر أمرا وراثيا، فالعائلات الفقيرة هي التي ينقطع أبناؤها عن الدراسة ويواجهون صعوبات في التعلم والتنقل إلى المدرسة.. ومن هنا يسجل تعطل كلي في السلم الاجتماعية الذي هو المدرسة وضرب لكل البرامج القائمة على التنشئة الاجتماعية المتكافئة بين مختلف الفئات الاجتماعية.
ورسميا أحصت الهياكل الحكومية خلال العودة المدرسية السابقة نحو مليون عائلة فقيرة مكنتها من مساعدات اجتماعية خلال العودة المدرسية، كسبيل إلى مجابهة مشكل الانقطاع المدرسي الذي يهدد أطفال هذه العائلات أكثر من غيرهم بحسب مختصين في الشأن التربوي.
ويقدّر معدل إنفاق الأسر التونسية على تعليم أبنائها بنحو 3.2% من مجموع مؤشر الاستهلاك، بحسب المعهد الوطني للإحصاء. كما يقدّر المعهد الوطني للاستهلاك الكلفة الإجمالية للمستلزمات المدرسية للتلاميذ بين سنة أولى- ابتدائي والثانوية بين 112 ديناراً و165 ديناراً.
مخاطر تفشي الأمية والجهل
وحسب الأرقام الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة، يهدد التسرب المدرسي كل المنطقة العربية التي ارتفعت فيها نسب الأمية نتيجة الحروب واللااستقرار السياسي. وتذكر أن نسب الانقطاع عن التعليم قد تضاعف بنسبة 20% في تونس خلال العشر سنوات الماضية وتعتبر الالكسو أن انخفاض عدد أيام التدريس والاضطرابات في التعليم كانت من ابرز أسباب تخلي التلاميذ عن مقاعد الدراسة وان جائحة كورونا الصحية من شانها أن تفاقم الظاهرة وتزيد من حدتها. وتنبه إلىأن تونس كسائر المجتمعات العربية مهددة بتفشي الأمية والجهل وهو ما يحتم الالتزام الرسمي والمجتمعي بمقاومة ظاهرة الانقطاع والتسرب المدرسي.
ريم سوودي