تُطفئ اليوم غرة فيفري 2025، جريدة "الصباح" في نسختها الورقية شمعتها الرابعة والسبعين، منذ تأسيسها على يد المرحوم الحبيب شيخ روحه، وصدور أول نسخة لها بتاريخ 1 فيفري 1951.
تاريخ عريق ومسيرة طويلة وثرية، عرفتها "الصباح"، طيلة أكثر من سبعة عقود متواصلة من الصدور، كان خلالها ولا يزال، العمل الصحفي الجاد والراقي حليفها، والمصداقية واحترام القارئ نبراسا ينير دربها الحافل بالأحداث والقصص والمشاهد المبثوثة بين الصور والسطور..
هي مدرسة، لا شك، وذاكرة تونس الحية، لا جدال، وشاهدة على معظم تفاصيل تاريخ الدولة التونسية الحديثة، وارهاصات المجتمع التونسي والتحولات التي طرأت عليه، قبل الاستقلال، وبعده..
لقد كانت حاضرة في كل مكان وزاوية، حاولت نقل مشاغل الناس والجهات والمناطق، عاصرت كل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد طيلة العقود الماضية..
ورغم بعض العثرات النادرة في أزمنة مختلفة وفي أيام معدودات، احتجبت فيها الجريدة قسرا لا خيارا، وغصبا لا طوعا،.. ورغم الصِّعاب والمِحن ونقص الموارد وارتفاع كلفة الطباعة، ومعرقلات التوزيع والنشر، فمسيرة الصباح مستمرة حتى الآن، وشمعتها مضيئة، لا يمكن إطفاؤها، صامدة، قوية، ومتجددة..
ستظل "الصباح" تطلّ كل يوم، بشمسها الساطعة، لا تغيب، حرّة، بهيّة، شامخة، لا تنحني، كالنخلة الباسقة الضاربة في التاريخ والمتطلعة إلى أفق أرحب في عالم الصحافة والإعلام العصري المتقدم، تواكب المتغيرات، وتتأقلم مع التطورات التي يعرفها القطاع، تدافع بشراسة عن موقعها ومكانها الثابت، لا تتزحزح، متطلعة إلى الرقمنة سبيلا إلى البقاء، وخيارا ضروريا للثبات في مشهد معقّد من التواصل والاتصال والإعلام البديل والمبتكر..
وكأنها تولد من جديد، والهدف طبعا الوصول إلى جمهور جديد من القراء بنفس المبادئ والقيم والثوابت: الموضوعية والمصداقية والدقة في نقل الخبر ومعالجته..
هي مناسبة، نستحضر من خلالها ونتذكّر مسيرة عقود من الإعلام المكتوب، والأقلام الفذة، ممن مرّوا على أركان الجريدة وساهموا في تأثيثها، تركوا بصماتهم، صحفييّن وكتاب، مفكرين ومثقفين، سياسيين ومناضلين، رؤساء تحرير، أثّثوا بأفكارهم صفحات الجريدة، وأثروا بمواقفهم الرأي والرأي المخالف، أناروا درب حرية الرأي والتعبير، ذلك الدرب المحفوف بالمخاطر والمثقّل بالمطبات والأشواك والحُفر.
نقلوا الخبر بتفاصيله الدقيقة وعرّوا الحقيقة.. كتبوا التاريخ، تاريخ الوطن بكل محطاته وتقلباته وفصوله المثيرة، وقضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية..،
استطاعت "الصباح " الصمود والعيش والاستمرار، وقامت بدور طلائعي، لا فقط في الإخبار والنقل والتحقيق، وأيضا في نشر ثقافة لاختلاف وحرية الرأي والتعبير، وتوثيق الأحداث الكبرى التي عاشتها البلاد، ومواكبتها، مثل مرحلة بناء دولة الاستقلال، ثم الصراع البورقيبي اليوسفي، وأحداث جانفي 1978 وجانفي 1981، وتجربة التعاضد وأحداث قفصة، والمحاكمات السياسية والنقابية، ومختلف المحطات الانتخابية، ونهاية فترة حكم بورقيبة، ثم التحولات التي عرفتها البلاد خلال فترة التسعينات، حتى قيام ثورة ديسمبر – جانفي 2011، وارهاصات فترة الانتقال الديمقراطي..
الصفحة الأولى للعدد الأول لجريدة الصباح بتاريخ 1 فيفري 1951
ورغم الأزمات المالية والمضايقات العديدة ومحاولات السطو، المنع والتوظيف، والتطويع، التي عاشتها "الصباح" في مختلف فترات التاريخ السياسي للدولة التونسية، ومطامع الاستيلاء والاستحواذ،.. رفضت "الصباح" الخضوع، واستعصت وقاومت وتحدّت وخيّر أبناؤها، جيلا بعد جيل، السير على نفس منهج معظم أسلافهم، منهج الاستقلالية، واتباع خط تحريري قائم على الموضوعية والحياد والثبات على مبادئ الحرفية والمهنية..
هي أيضا فرصة متجددة للتأمل والتقييم، في ظل واقع صعب سريع ومتغير، يعيشه قطاع الإعلام والصحافة في تونس، والإعلام المكتوب والورقي بصفة خاصة، الذي يكابد للبقاء والتواجد، وفرض نفسه، بالتأقلم والتعايش مع منصات الإعلام المتنوع، ومنافسته، وأيضا مع ثورات الإعلام الرقمي والتحولات التقنية الرهيبة للتواصل الالكتروني، من خلال تطوير جودة المحتوى والرهان على عمق الكلمة المكتوبة والإعلام الحر المسؤول والهادف..
كما ستظل "الصباح" محافظة على هويتها، وخصوصيتها، في ظل اقتراب تنفيذ مشروع إعادة الهيكلة والدمج والإنقاذ بإذن من رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي زار دار الصباح يوم 16 جوان 2023، وكان له دور في إنقاذ الجريدة من براثن الاندثار والاضمحلال وأبعد عنها شبح الغلق، ومن مصير مجهول كان يحفّ بها من كل جانب..
وكان رئيس الدولة مدركا لخطورة الموقف واعيا بمطامع البعض للاستحواذ على الصحيفة والتفويت فيها بالبيع، غير عائبين بمخاطر إنهاء وجودها وتلويث تاريخها، وتصفية عقاراتها، ولبي نداء الصحفيين والعاملين بالدار، وقد قال حينها " إن الصباح هي جزء من التراث الوطني ومن ذاكرة التونسيين، والمطلوب حفظ الذاكرة الوطنية"، وقال أيضا :" الصباح هي جزء من تاريخ تونس ولا مجال لبيع التاريخ.. وإذا فرّطنا فيها فيعني كأننا فرّطنا في متحف باردو".
ومثل ما كانت «الصباح» منطلقا لشرارة الكفاح الوطني ضد المستعمر، حين اختار مناضلون وشخصيات وطنية لمقاومة بالكلمة، على غرار فرحات حشاد، والباهي لدغم، ومصطفى الفيلالي، والحبيب الشطي، والمنجي سليم، وأحمد بن صالح، والشاذلي القليبي، والحبيب بولعراس، ومحمود المستيري، ومحمد المصمودي، والهادي نويرة، وزهير الشلي، والهادي العبيدي، وغيرهم.. فإن "الصباح" ستظل دائما منارة الإعلام الحر، مناصرة للحقوق مدافعة عن الحريات، وفيّة لمبادئ المهنة وأخلاقياتها، ولحق المواطن في المعلومة..
رفيق بن عبد الله
تُطفئ اليوم غرة فيفري 2025، جريدة "الصباح" في نسختها الورقية شمعتها الرابعة والسبعين، منذ تأسيسها على يد المرحوم الحبيب شيخ روحه، وصدور أول نسخة لها بتاريخ 1 فيفري 1951.
تاريخ عريق ومسيرة طويلة وثرية، عرفتها "الصباح"، طيلة أكثر من سبعة عقود متواصلة من الصدور، كان خلالها ولا يزال، العمل الصحفي الجاد والراقي حليفها، والمصداقية واحترام القارئ نبراسا ينير دربها الحافل بالأحداث والقصص والمشاهد المبثوثة بين الصور والسطور..
هي مدرسة، لا شك، وذاكرة تونس الحية، لا جدال، وشاهدة على معظم تفاصيل تاريخ الدولة التونسية الحديثة، وارهاصات المجتمع التونسي والتحولات التي طرأت عليه، قبل الاستقلال، وبعده..
لقد كانت حاضرة في كل مكان وزاوية، حاولت نقل مشاغل الناس والجهات والمناطق، عاصرت كل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد طيلة العقود الماضية..
ورغم بعض العثرات النادرة في أزمنة مختلفة وفي أيام معدودات، احتجبت فيها الجريدة قسرا لا خيارا، وغصبا لا طوعا،.. ورغم الصِّعاب والمِحن ونقص الموارد وارتفاع كلفة الطباعة، ومعرقلات التوزيع والنشر، فمسيرة الصباح مستمرة حتى الآن، وشمعتها مضيئة، لا يمكن إطفاؤها، صامدة، قوية، ومتجددة..
ستظل "الصباح" تطلّ كل يوم، بشمسها الساطعة، لا تغيب، حرّة، بهيّة، شامخة، لا تنحني، كالنخلة الباسقة الضاربة في التاريخ والمتطلعة إلى أفق أرحب في عالم الصحافة والإعلام العصري المتقدم، تواكب المتغيرات، وتتأقلم مع التطورات التي يعرفها القطاع، تدافع بشراسة عن موقعها ومكانها الثابت، لا تتزحزح، متطلعة إلى الرقمنة سبيلا إلى البقاء، وخيارا ضروريا للثبات في مشهد معقّد من التواصل والاتصال والإعلام البديل والمبتكر..
وكأنها تولد من جديد، والهدف طبعا الوصول إلى جمهور جديد من القراء بنفس المبادئ والقيم والثوابت: الموضوعية والمصداقية والدقة في نقل الخبر ومعالجته..
هي مناسبة، نستحضر من خلالها ونتذكّر مسيرة عقود من الإعلام المكتوب، والأقلام الفذة، ممن مرّوا على أركان الجريدة وساهموا في تأثيثها، تركوا بصماتهم، صحفييّن وكتاب، مفكرين ومثقفين، سياسيين ومناضلين، رؤساء تحرير، أثّثوا بأفكارهم صفحات الجريدة، وأثروا بمواقفهم الرأي والرأي المخالف، أناروا درب حرية الرأي والتعبير، ذلك الدرب المحفوف بالمخاطر والمثقّل بالمطبات والأشواك والحُفر.
نقلوا الخبر بتفاصيله الدقيقة وعرّوا الحقيقة.. كتبوا التاريخ، تاريخ الوطن بكل محطاته وتقلباته وفصوله المثيرة، وقضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية..،
استطاعت "الصباح " الصمود والعيش والاستمرار، وقامت بدور طلائعي، لا فقط في الإخبار والنقل والتحقيق، وأيضا في نشر ثقافة لاختلاف وحرية الرأي والتعبير، وتوثيق الأحداث الكبرى التي عاشتها البلاد، ومواكبتها، مثل مرحلة بناء دولة الاستقلال، ثم الصراع البورقيبي اليوسفي، وأحداث جانفي 1978 وجانفي 1981، وتجربة التعاضد وأحداث قفصة، والمحاكمات السياسية والنقابية، ومختلف المحطات الانتخابية، ونهاية فترة حكم بورقيبة، ثم التحولات التي عرفتها البلاد خلال فترة التسعينات، حتى قيام ثورة ديسمبر – جانفي 2011، وارهاصات فترة الانتقال الديمقراطي..
الصفحة الأولى للعدد الأول لجريدة الصباح بتاريخ 1 فيفري 1951
ورغم الأزمات المالية والمضايقات العديدة ومحاولات السطو، المنع والتوظيف، والتطويع، التي عاشتها "الصباح" في مختلف فترات التاريخ السياسي للدولة التونسية، ومطامع الاستيلاء والاستحواذ،.. رفضت "الصباح" الخضوع، واستعصت وقاومت وتحدّت وخيّر أبناؤها، جيلا بعد جيل، السير على نفس منهج معظم أسلافهم، منهج الاستقلالية، واتباع خط تحريري قائم على الموضوعية والحياد والثبات على مبادئ الحرفية والمهنية..
هي أيضا فرصة متجددة للتأمل والتقييم، في ظل واقع صعب سريع ومتغير، يعيشه قطاع الإعلام والصحافة في تونس، والإعلام المكتوب والورقي بصفة خاصة، الذي يكابد للبقاء والتواجد، وفرض نفسه، بالتأقلم والتعايش مع منصات الإعلام المتنوع، ومنافسته، وأيضا مع ثورات الإعلام الرقمي والتحولات التقنية الرهيبة للتواصل الالكتروني، من خلال تطوير جودة المحتوى والرهان على عمق الكلمة المكتوبة والإعلام الحر المسؤول والهادف..
كما ستظل "الصباح" محافظة على هويتها، وخصوصيتها، في ظل اقتراب تنفيذ مشروع إعادة الهيكلة والدمج والإنقاذ بإذن من رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي زار دار الصباح يوم 16 جوان 2023، وكان له دور في إنقاذ الجريدة من براثن الاندثار والاضمحلال وأبعد عنها شبح الغلق، ومن مصير مجهول كان يحفّ بها من كل جانب..
وكان رئيس الدولة مدركا لخطورة الموقف واعيا بمطامع البعض للاستحواذ على الصحيفة والتفويت فيها بالبيع، غير عائبين بمخاطر إنهاء وجودها وتلويث تاريخها، وتصفية عقاراتها، ولبي نداء الصحفيين والعاملين بالدار، وقد قال حينها " إن الصباح هي جزء من التراث الوطني ومن ذاكرة التونسيين، والمطلوب حفظ الذاكرة الوطنية"، وقال أيضا :" الصباح هي جزء من تاريخ تونس ولا مجال لبيع التاريخ.. وإذا فرّطنا فيها فيعني كأننا فرّطنا في متحف باردو".
ومثل ما كانت «الصباح» منطلقا لشرارة الكفاح الوطني ضد المستعمر، حين اختار مناضلون وشخصيات وطنية لمقاومة بالكلمة، على غرار فرحات حشاد، والباهي لدغم، ومصطفى الفيلالي، والحبيب الشطي، والمنجي سليم، وأحمد بن صالح، والشاذلي القليبي، والحبيب بولعراس، ومحمود المستيري، ومحمد المصمودي، والهادي نويرة، وزهير الشلي، والهادي العبيدي، وغيرهم.. فإن "الصباح" ستظل دائما منارة الإعلام الحر، مناصرة للحقوق مدافعة عن الحريات، وفيّة لمبادئ المهنة وأخلاقياتها، ولحق المواطن في المعلومة..