لف الغموض خلال الايام القليلة الماضية ملف تونس مع صندوق النقد الدولي ، حيث ارتفعت الاصوات المنادية الى البحث عن موارد مالية جديدة، بسبب تأخر قرارت الصندوق حول قرض بقيمة 4 مليار دولار ، مع اقتراب آجال تسديد دين بقيمة 500 مليون دولار في 24 جويلية القادم ، تزامن مع تراجع رصيد الخزينة العامة للدولة الى 180 مليون دينار فقط بتاريخ يوم امس.
وحذر خبراء الاقتصاد ، أمس من تخلف تونس، عن سداد ديونها خلال الفترات القادمة، بعد ان بلغ رصيد الخزينة العامة للدولة التونسية مستوى 180 مليون دينار ، وهو مبلغ غير كاف لتسديد أول دين لتونس خلال هذه الصائفة، معتبرين ان اللجوء الى استعمال مدخرات المودعين في البنوك لسداد الدين ، من شأنه ان يخلف استياء كبيرا، وأيضا هروب المستثمرين عن بلادنا.
ولمح الخبير المالي نادر حداد ، امس ، في تدوينة على صفحته الرسمية على "الفايسبوك" ، من خطورة تخلف تونس عن سداد دين سيادي بقيمة 500 مليون دولار ، في الوقت الذي تراجع فيه رصيد الخزينة العامة للدولة التونسية والذي يعد أقل بكثير عن المبلغ المطلوب، "ما يعني اما التخلف الجزئي عن سداد الدين السيادي أو المرور إلى استعمال مدخرات المودعين في البنوك، ما سيترتب عنه هروب للمستثمرين" .
الخروج الى البنوك الدولية
ويطالب بعض الخبراء في الشأن الاقتصادي ، بضرورة ان تعمل تونس الى البحث عن موارد مالية جديدة بنسبة فائدة معقولة من بنوك عالمية أخرى ، وذلك بسبب الغموض الذي يرافق ملف تونس مع صندوق النقد الدولي بخصوص القرض الذي طلبته تونس رسميا اثر زيارة وفد رفيع المستوى الى واشنطن في شهر ماي الماضي.
ورغم تطمينات محافظ البنك المركزي مروان العباسي في الفترة الاخيرة حول ايفاء تونس بالتزاماتها بخصوص سداد 3 قروض سيادية الى موفى السنة ، فإن تصريحاته الشهيرة داخل أروقة البرلمان موفى شهر ماي الماضي حول تخوفاته من وقوع "لطخة" ، اعادت المخاوف من جديد حول خطورة تخلف بلادنا عن سداد ديونها وانعكاسات ذلك على الاستثمارات والمستثمرين بشكل عام.
كما بين محافظ البنك المركزي أن تونس لا يزال لديها إمكانية الخروج من الأزمة، مضيفا أن العلاقات مع الجزائر وليبيا ستساعدنا على ذلك لأن لدينا فرص تفاضلية كبرى معها مقارنة بكل البلدان، وفق تعبيره، محذرا من أن الأشهر القادمة ستكون صعبة على الاقتصاد التونسي لكن هناك إمكانية لإيجاد الحلول خاصة إذا توفر الاستقرار السياسي.
ويعتقد الخبراء ،أن تونس عالقة في حلقة مفرغة لا يمكن تحملها، خاصة أن حجم الدَّين العام سيتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يعتقد آخرون أن تحقيق نسبة نمو اقتصادي إيجابي هذا العام أمر صعب للغاية حتى مع الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
ازمة مالية خانقة واتساع دائرة العجز
وتعاني تونس منذ مارس 2020 من تبعات اجراءات الغلق الكلي والجزئي المتخذة من اللجان العلمية ضمن خطة للحد من تفشي وباء كورونا، الا أنه مع نهاية العام 2020، سجلت تونس أسوء انكماش اقتصادي في تاريخها بلغ 9 بالمائة وفق بيانات رسمية حكومية يقابلها خسائر ناهزت 8 مليار دينار ، وانهار جزء من القطاعات الحيوية في البلاد نتيجة الازمة ، وسجل عجز المالية العمومية في البلاد ومستوى الدين العام ارتفاعا حادا في عام 2020 مع تقديرات بارتفاع الدين العام المركزي إلى قرابة 87% من إجمالي الناتج المحلي، فيما قفزت معدلات البطالة إلى 17 ٪ ما زاد في تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية.
ودفع تردي الأوضاع المالية في تونس ، صندوق النقد الدولي الى دعوة السلطات في تقريره الاخير بضرورة خفض العجز المالي، والانطلاق في حزمة من الإصلاحات المالية العمومية اللازمة، ومنها خفض الأجور والحد من دعم الطاقة وتنفيذ إصلاحات داخل المؤسسات العمومية، وإلغاء الاحتكار، وإزالة العقبات التنظيمية، وتحسين بيئة الأعمال.
وخلقت جائحة كوفيد - 19 ، أزمة مالية في تونس، دفعت بالحكومة الحالية إلى العمل على تعبئة الموارد المالية من السوق العالمية التي تشهد بدورها شحّاً، لأن الأزمة مسّت مختلف دول العالم أيضاً، وبلغ عجز الميزانية نحو 14 في المائة من الناتج الإجمالي المحلّي ، نتيجة تداعيات تفشي كورونا ، ونجحت الحكومة الى حد الآن في تخفيض العجز الى نقطتين بعد تدخل البنك المركزي ، الا ان أزمة سد العجز مازالت متواصلة بسبب الاوضاع العالمية الصعبة.
واختارت الحكومة الجديدة، في الميزانية الجديدة خفض الإنفاق، كما خصصت 7 مليارات دينار كنفقات للتنمية، منها 1.5 فقط مخصصة للمشاريع، ومن ضمن أولوياتها، اطلاق حوار مع المانحين الدوليين ضمن خططها لتعبئة الموارد المالية لدعم ميزانية الدولة، إلى جانب مراجعة الإنفاق العام للدولة، ودعم المؤسسات المتضررة من جائحة كورونا، وإصلاح الإدارة وتعزيز نظام العمل عن بعد.
ديون تجاوزت 25٪ من اجمالي الميزانية
وبلغ حجم الديون الخارجية المستحقة في العام 2021 حوالي 15.5 مليار دينار تونسي، أي حوالي 25% من إجمالي ميزانية الدولة التونسية ،وتوجهت الحكومة الى بعض الجهات المالية الداخلية والدولية للحصول على قروض جديدة يصل حجمها إلى حوالي 18 مليار دينار تونسي لتمويل ميزانية سنة 2021، منها 3 مليار دينار تونسي من السوق الداخلية و9 مليار دينار تونسي من السوق العالمية. وحسب هذه المعطيات ، يتبيّن أن الحكومة التونسية ستسعى عمليا إلى دفع ديونها الخارجية المستحقة من خلال التداين مرّة أخرى، وهو إجراء يؤكد حالة العجز التي تعيشها الحكومات المتعاقبة ، والتي تعتمد على القروض الخارجية لإدارة دواليب الدولة ، وهذا العائق لم تجد له أي حكومة أو جهة سياسية الحل الشافي الذي يجنب بلادنا تبعات الارتهان للجهات المانحة.
وامام الغموض الذي يرافق ملف تونس مع صندوق النقد الدولي، اضطرت الحكومة الى طلب مساعدات مالية في شكل قروض من العديد من الدول، الا انه رغم موافقة البعض ، فإنه الى حد الآن ماتزال الموارد المالية المتحصل عليها غير كافية لإدارة الازمة المالية على المدى القصير، كما ان دعوة صندوق النقد الدولي إلى تقليص أجور القطاع العام، اثار السخط على المستوى الاجتماعي، ولا سيما إذا تزامن مع طلب إلغاء الدعم عن المواد الاساسية والطاقة وبعض الخدمات الاجتماعية الأخرى، التي تعد من الشروط المذكورة في خطة الحكومة المقدمة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض.
يشار الى ان العجز المالي والتدهور الاقتصادي في تونس خلال السنوات الماضية جعل البلاد تنزلق نحو القروض بشكل غير مسبوق، وقد تضاعف إجمالي الدين العام 3 مرات خلال السنوات التسع الأخيرة، ولم تنجح جل الحكومات المتعاقبة التي تداولت على السلطة من ايقاف نزيف التداين الخارجي ، الامر الذي بات يهدد السيادة المالية للبلاد التونسية.
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
لف الغموض خلال الايام القليلة الماضية ملف تونس مع صندوق النقد الدولي ، حيث ارتفعت الاصوات المنادية الى البحث عن موارد مالية جديدة، بسبب تأخر قرارت الصندوق حول قرض بقيمة 4 مليار دولار ، مع اقتراب آجال تسديد دين بقيمة 500 مليون دولار في 24 جويلية القادم ، تزامن مع تراجع رصيد الخزينة العامة للدولة الى 180 مليون دينار فقط بتاريخ يوم امس.
وحذر خبراء الاقتصاد ، أمس من تخلف تونس، عن سداد ديونها خلال الفترات القادمة، بعد ان بلغ رصيد الخزينة العامة للدولة التونسية مستوى 180 مليون دينار ، وهو مبلغ غير كاف لتسديد أول دين لتونس خلال هذه الصائفة، معتبرين ان اللجوء الى استعمال مدخرات المودعين في البنوك لسداد الدين ، من شأنه ان يخلف استياء كبيرا، وأيضا هروب المستثمرين عن بلادنا.
ولمح الخبير المالي نادر حداد ، امس ، في تدوينة على صفحته الرسمية على "الفايسبوك" ، من خطورة تخلف تونس عن سداد دين سيادي بقيمة 500 مليون دولار ، في الوقت الذي تراجع فيه رصيد الخزينة العامة للدولة التونسية والذي يعد أقل بكثير عن المبلغ المطلوب، "ما يعني اما التخلف الجزئي عن سداد الدين السيادي أو المرور إلى استعمال مدخرات المودعين في البنوك، ما سيترتب عنه هروب للمستثمرين" .
الخروج الى البنوك الدولية
ويطالب بعض الخبراء في الشأن الاقتصادي ، بضرورة ان تعمل تونس الى البحث عن موارد مالية جديدة بنسبة فائدة معقولة من بنوك عالمية أخرى ، وذلك بسبب الغموض الذي يرافق ملف تونس مع صندوق النقد الدولي بخصوص القرض الذي طلبته تونس رسميا اثر زيارة وفد رفيع المستوى الى واشنطن في شهر ماي الماضي.
ورغم تطمينات محافظ البنك المركزي مروان العباسي في الفترة الاخيرة حول ايفاء تونس بالتزاماتها بخصوص سداد 3 قروض سيادية الى موفى السنة ، فإن تصريحاته الشهيرة داخل أروقة البرلمان موفى شهر ماي الماضي حول تخوفاته من وقوع "لطخة" ، اعادت المخاوف من جديد حول خطورة تخلف بلادنا عن سداد ديونها وانعكاسات ذلك على الاستثمارات والمستثمرين بشكل عام.
كما بين محافظ البنك المركزي أن تونس لا يزال لديها إمكانية الخروج من الأزمة، مضيفا أن العلاقات مع الجزائر وليبيا ستساعدنا على ذلك لأن لدينا فرص تفاضلية كبرى معها مقارنة بكل البلدان، وفق تعبيره، محذرا من أن الأشهر القادمة ستكون صعبة على الاقتصاد التونسي لكن هناك إمكانية لإيجاد الحلول خاصة إذا توفر الاستقرار السياسي.
ويعتقد الخبراء ،أن تونس عالقة في حلقة مفرغة لا يمكن تحملها، خاصة أن حجم الدَّين العام سيتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يعتقد آخرون أن تحقيق نسبة نمو اقتصادي إيجابي هذا العام أمر صعب للغاية حتى مع الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
ازمة مالية خانقة واتساع دائرة العجز
وتعاني تونس منذ مارس 2020 من تبعات اجراءات الغلق الكلي والجزئي المتخذة من اللجان العلمية ضمن خطة للحد من تفشي وباء كورونا، الا أنه مع نهاية العام 2020، سجلت تونس أسوء انكماش اقتصادي في تاريخها بلغ 9 بالمائة وفق بيانات رسمية حكومية يقابلها خسائر ناهزت 8 مليار دينار ، وانهار جزء من القطاعات الحيوية في البلاد نتيجة الازمة ، وسجل عجز المالية العمومية في البلاد ومستوى الدين العام ارتفاعا حادا في عام 2020 مع تقديرات بارتفاع الدين العام المركزي إلى قرابة 87% من إجمالي الناتج المحلي، فيما قفزت معدلات البطالة إلى 17 ٪ ما زاد في تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية.
ودفع تردي الأوضاع المالية في تونس ، صندوق النقد الدولي الى دعوة السلطات في تقريره الاخير بضرورة خفض العجز المالي، والانطلاق في حزمة من الإصلاحات المالية العمومية اللازمة، ومنها خفض الأجور والحد من دعم الطاقة وتنفيذ إصلاحات داخل المؤسسات العمومية، وإلغاء الاحتكار، وإزالة العقبات التنظيمية، وتحسين بيئة الأعمال.
وخلقت جائحة كوفيد - 19 ، أزمة مالية في تونس، دفعت بالحكومة الحالية إلى العمل على تعبئة الموارد المالية من السوق العالمية التي تشهد بدورها شحّاً، لأن الأزمة مسّت مختلف دول العالم أيضاً، وبلغ عجز الميزانية نحو 14 في المائة من الناتج الإجمالي المحلّي ، نتيجة تداعيات تفشي كورونا ، ونجحت الحكومة الى حد الآن في تخفيض العجز الى نقطتين بعد تدخل البنك المركزي ، الا ان أزمة سد العجز مازالت متواصلة بسبب الاوضاع العالمية الصعبة.
واختارت الحكومة الجديدة، في الميزانية الجديدة خفض الإنفاق، كما خصصت 7 مليارات دينار كنفقات للتنمية، منها 1.5 فقط مخصصة للمشاريع، ومن ضمن أولوياتها، اطلاق حوار مع المانحين الدوليين ضمن خططها لتعبئة الموارد المالية لدعم ميزانية الدولة، إلى جانب مراجعة الإنفاق العام للدولة، ودعم المؤسسات المتضررة من جائحة كورونا، وإصلاح الإدارة وتعزيز نظام العمل عن بعد.
ديون تجاوزت 25٪ من اجمالي الميزانية
وبلغ حجم الديون الخارجية المستحقة في العام 2021 حوالي 15.5 مليار دينار تونسي، أي حوالي 25% من إجمالي ميزانية الدولة التونسية ،وتوجهت الحكومة الى بعض الجهات المالية الداخلية والدولية للحصول على قروض جديدة يصل حجمها إلى حوالي 18 مليار دينار تونسي لتمويل ميزانية سنة 2021، منها 3 مليار دينار تونسي من السوق الداخلية و9 مليار دينار تونسي من السوق العالمية. وحسب هذه المعطيات ، يتبيّن أن الحكومة التونسية ستسعى عمليا إلى دفع ديونها الخارجية المستحقة من خلال التداين مرّة أخرى، وهو إجراء يؤكد حالة العجز التي تعيشها الحكومات المتعاقبة ، والتي تعتمد على القروض الخارجية لإدارة دواليب الدولة ، وهذا العائق لم تجد له أي حكومة أو جهة سياسية الحل الشافي الذي يجنب بلادنا تبعات الارتهان للجهات المانحة.
وامام الغموض الذي يرافق ملف تونس مع صندوق النقد الدولي، اضطرت الحكومة الى طلب مساعدات مالية في شكل قروض من العديد من الدول، الا انه رغم موافقة البعض ، فإنه الى حد الآن ماتزال الموارد المالية المتحصل عليها غير كافية لإدارة الازمة المالية على المدى القصير، كما ان دعوة صندوق النقد الدولي إلى تقليص أجور القطاع العام، اثار السخط على المستوى الاجتماعي، ولا سيما إذا تزامن مع طلب إلغاء الدعم عن المواد الاساسية والطاقة وبعض الخدمات الاجتماعية الأخرى، التي تعد من الشروط المذكورة في خطة الحكومة المقدمة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض.
يشار الى ان العجز المالي والتدهور الاقتصادي في تونس خلال السنوات الماضية جعل البلاد تنزلق نحو القروض بشكل غير مسبوق، وقد تضاعف إجمالي الدين العام 3 مرات خلال السنوات التسع الأخيرة، ولم تنجح جل الحكومات المتعاقبة التي تداولت على السلطة من ايقاف نزيف التداين الخارجي ، الامر الذي بات يهدد السيادة المالية للبلاد التونسية.