سجلت الساحة على امتداد الأسبوع الجاري حركية على مستوى العلاقة بين تونس والمانحيين الدوليين، ساهم فيها مسؤولون تنفيذيون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، قيس سعيد، ومبعوثون دبلوماسيون من بينهم السفير الأمريكي بتونس، جوي هود، وأكسبتها تصريحات المسؤول الإقليمي بصندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، أواخر الأسبوع بصيص أمل في توصل تونس والصندوق الى اتفاق.
هذه الحركية استرعت انتباه المختصين في الشأن الاقتصادي من بينهم استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، الذي يري في تصريحات أزعور الاخيرة عن الاتفاق المالي المعلق بين تونس وصندوق النقد الدولي والبالغ قيمته 9ر1 مليار دولار "خطوة الى الامام تزيل الجمود الذي آلت اليه المفاوضات منذ اكثر من 3 اشهر لكنها تحتاج الى صدور قرار رسمي من الجهات المانحة قبل سبتمبر 2023 لتلافي تأخر سداد القروض الخارجية.
ويكتسي اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية، قيس سعيد، بنائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فريد بلحاج، رمزية كبيرة خاصة وان العلاقة بين تونس والبنك الدولي شهدت تعليقا مؤقتا إبّان تعبير سعيد عن ضرورة للتصدي للهجرة غير الشرعية الوافدة على تونس من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وانتهى لقاء السفير الأمريكي بتونس جوي هود، يوم2 ماي 2023 مع وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، الى تصريحات هامة وردت عن الوزارة تفيد بان هود عبر "عن استعداد واشنطن تقديم الدعم لتونس ومرافقتها والعمل على إعادة النظر في شروط الموافقة على ملفها بصندوق النقد الدولي والابتعاد عن المقاربة التي تعتبر الذوات البشرية مجرّد أرقام "
واعتبر هود "أن تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيد واضح في هذا السياق" مبديا احترامه للرؤية التي تعوّل على المقدرات الذاتية لتونس وفق مشروع اقتصادي وطني مستقل يحترم الشركاء الدوليين" حسب الوزارة .
ولم تكن الساحة، في منأى عن رسائل داخلية ربما تكتسي ابعاد دولية ألا وهي تصريحات الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، والمتصلة بوجهة موقف سعيد من الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي.
وتسعى وكالة تونس افريقيا للانباء في قراءة جديدة لتحليل المستجدات الاقتصادية على مدار اسبوع الى تسليط الضوء من خلال محاورة الشكندالي، حول محتوى وابعاد الرسائل المشفرة المتبادلة بين تونس والمانحيين الدوليين.
وات: الأسبوع الجاري ميّزته حركية طالت العلاقة بين تونس واهم ركائز التمويل الدولي، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، كيف تقيّمون هذه الخطوة ؟
الشكندالي: أعتقد أنّ نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، يقوم بعمل كبير لمساعدة تونس في أزمتها الحالية، وهذا مهم نظرا للدور الكبير الذي يلعبه البنك الدولي في تمويل المشاريع المدرجة في المخطط الثلاثي 2023-2025، لكن تبقى العلاقة مع صندوق النقد الدولي هي الأهم في الوقت الحاضر، ولها صلة مباشرة بالأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد والرسائل الإيجابية التي نقرؤها من خلال تصريحات بعض المسؤولين المهمين الذين التقوا برئيس الجمهورية لا بد أن تتجسم ببيانات رسمية من طرف دولهم تجسم مدى استعداد هذه البلدان للانخراط في تمويل برنامج الإصلاحات.
وات: نعود للتركيز على تصريح السفير الامريكي، جوي هود، عما يمكن وصفه بتبني رؤية الرئاسة التونسية وتفهم مخاوف تونس بشأن الاتفاق مع صندوق النقد ، الى اي مدى يمكن ان تذهب واشطن ؟
الشكندالي: واشنطن متخوفة من انهيار الوضع الاقتصادي والمالي في تونس، فهي تعتبر هذا البلد كبوابة للاستثمار في افريقيا نظرا لموقعها الجيو-استراتيجي المهم، وتتجنب ما قد يحدث من تقارب مع الصين خاصة بعد القمة العربية الصينية وجنوح بعض البلدان العربية للتقارب مع مجموعة "البريكس" بعد طلبهم الانضمام الى هذه المجموعة. لكن لدى الولايات المتحدة الأمريكية قناعة تامة باستحالة الإنقاذ الاقتصادي والمالي لتونس بدون الاصلاحات التي أعلن صندوق النقد الدولي ووافقت عليها تونس في برنامج الإصلاحات، هذه الاخيرة التي تتطلب أرضية ملائمة قد تشمل كذلك الجانب السياسي.
المخاوف التي أعلن عنها رئيس الجمهورية مخاوف مشروعة وهي تتعلق بتداعيات رفع الدعم على السلم الاجتماعي خاصة وأن معدلات التضخم المالي عالية جدا ورفع الدعم يؤدي الى معدلات تضخم أرفع وهو ما لا يمكن للتونسيين تحمله. مراجعة هذا الإصلاح لتخفيف التداعيات الاجتماعية لا يمكن أن يقلق صندوق النقد الدولي وقد كان أعلن عن ذلك في اجتماعات الربيع الماضي علاوة على أن مستوى الأسعار العالمية للبرنت هي أعلى بكثير من فرضية ميزانية الدولة وهو ما يسمح بتأجيل هذا الإصلاح على الأقل لسنة أخرى بدون أن يكون ذلك خرقا للاتفاق التقني الذي حصل في أكتوبر الماضي، ففي كل الأحوال، فإن برنامج الإصلاحات الذي حاز على الموافقة التقنية لا بد أن يحين بما أن كل الفرضيات تغيرت.
وات: حين يرسل الاتحاد العام التونسي للشغل رسالة تتضمن نوعا من المساندة لموقف الرئيس سعيد من الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي، اي صدى يمكن ان تفضي اليه هذه المواقف وخاصة على المستوى الدولي؟
الشكندالي: نعم هناك تصريحات إيجابية صدرت على لسان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، يوم غرة ماي 2023 ، وهو ما يتوافق مع شرط توفر الأرضية الداخلية الملائمة لتنزيل الاصلاحات أي التوافق مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
وبالفعل، لا يمكن تنزيل اصلاح منظومة الدعم وإصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية في غياب انخراط المنظمة الشغيلة في برنامج الإصلاحات وتصريحات الطبوبي توحي بأنه هناك نوعا من التقارب بين المنظمة الشغيلة من ناحية والحكومة ورئاسة الجمهورية من ناحية أخرى، وهو ما من شأنه أن يطمئن الصندوق حول سهولة تنزيل الإصلاحات الاقتصادية. وقد يكون هناك اتفاق بين الحكومة والمنظمة الشغيلة على مراجعة ملف الدعم نحو التأجيل بما ان الوضع الداخلي المتسم بارتفاع معدلات التضخم المالي لا يسمح برفع الدعم على المحروقات ولا على المواد الأساسية والوضع العالمي يجيز تأجيل ذلك على الأقل لسنة 2024 خاصة وأن معدل الأسعار العالمية للنفط هي دون فرضية ميزانية الدولة بكثير مما يعطي أريحية لميزانية الدولة توازي الاتفاق التقني لمبلغ رفع الدعم على المحروقات الذي وقع في أكتوبر2022 .
وات: حين يتحدث، جهاد ازعور، احد اهم المديرين الاقليميين لصندوق النقد الدولي عن امكانية التوصل الى اتفاق مع تونس هل يعني ذلك ان رسائل الشركاء والداخل قد وصلت الى صانعي القرار المالي في العالم؟
الشكندالي: حين تحدّث مدير ادارة صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، جهاد أزعور، عن وشك الانتهاء من ترتيب مالي من شأنه أن يسمح لتونس الحصول على القرض، لعلة يشير الى جدية العرض الإيطالي والذي وعد أن يقدم لتونس مبلغ القسط الأول مع ضمان تطبيق تونس للإصلاحات الاقتصادية المتفق حولها، عندها يتأكد الصندوق من جدية تونس في تنزيل الإصلاحات الاقتصادية وينطلق في تسريح الأقساط المتبقية.
واعتقد انه ربما يكون الطرف الفرنسي والجزائري قد قدما ضمانات للانخراط في تمويل برنامج الإصلاحات في تونس والتي تجعل مدير الصندوق لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى يدلى بتصريح فيها الكثير من التفاؤل.
لكنني اقول انه، عمليا، لا يمكن الاعتماد على هذا التصريح خاصة وانه يشبه تصريحات سابقة لمسؤولين سامين في الصندوق ومنهم ما صرحت به مديرته العامة، كريستالينا غورغييفا، في هذا المجال نظرا لما تتسم تصريحاتهم بالدبلوماسية المعهودة ولا يمكن الجزم بجدية هذا التصريح إلا إذا كان مصاحبا ببيان رسمي على موقع الصندوق أو برمجة ملف تونس في جلسة قادمة لمجلس إدارته.
وات: الرسائل هل هي كافية في هذه المرحلة وهل تفي بحاجة تونس الفعلية الى التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ام ان الحكومة والمركزي التونسي لازالا يمتلكان هامشا للمناورة؟
الشكندالي: هامش المناورة، إن صحت فعلا هذه الكلمة، لا بد أن يتوجه نحو التسريع في عقد اتفاق مع الصندوق، فلا بد أن نعي تمام الوعي أن هذا القرض مهم جدا لتونس وذلك لعدة اسباب ساحاول ان اوردها تباعا ، فالمدخرات من العملة الصعبة تتآكل يوم بعد يوم والصعوبات التي وجدتها الحكومة على مستوى تزويد السوق بالمواد الأساسية والبنزين كان نتيجة لذلك وقد تتوسع القائمة في قادم الأشهر إن لم تتوصل الحكومة الى ابرام اتفاق مع الصندوق أو المضي في برنامج بديل.
وبلغة الارقام تراجع حجم المدخرات من العملة الصعبة لدى خزينة البنك المركزي في الثلاثي الأول من هذه السنة بأكثر من 30 يوما حيث استقر في حدود 95 يوما مقابل 125 يوما خلال نفس الفترة من السنة المنقضية حسب بيان البنك المركزي الأخير الى جانب ان العجز التجاري للثلاثي الأول من هذه السنة تفاقم بصورة واضحة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية خاصة العجز الغذائي والعجز الطاقي .
والملفت للانتباه أن 90 في المائة من هذا العجز متأت من مجموعة "البريكس" وخاصة الصين وروسيا وهذا يعني أننا في حاجة لدعم مالي لتغطية العجز التجاري الناجم من هذه المجموعة في حين لا يزال البعض يتحدث عن دعم ميزانية تونس من طرف "البريكس" والامر لا يستقيم اذا ما علمنا ان المجموعة لا تدعم الميزانية بل تمول مشاريع البنية التحتية عبر البنك الآسيوي لتمويل البنية التحتية.
ولو ذهبا بعيدا و افترضنا أن مجموعة "البريكس" ستقدم دعم ماليا لتونس فلن يكون بعملتي الدولار أو اليورو والحال أننا نحتاج الى الاقتراض بهذه العملات لخلاص ديوننا وهو ما يحلينا الى التطرق الى التزامات الدولة التونسية في الخارج.
وتعد الالتزامات المالية لسنة 2023 مهمة للغاية خاصة بداية من شهر اكتوبر مع حلول اجل تسديد القرض الرقاعي بمبلغ 500 مليون يورو وفي نوفمبر مع خلاص أقساط صندوق النقد الدولي بمبلغ 412 مليون دولار وبالتالي لا بد من إيجاد الحل على الأقل قبل نهاية الثلاثي الثالث من هذه السنة بالرغم من الأريحية المالية التي تتمتع بها الحكومة الآن حيث لا توجد أقساط مهمة للاستخلاص القروض الخارجية.
واريد ان اوضح نقطة تتصل بالشان الداخلي، وهي ان السيولة لدى البنوك التونسية تناقصت بحلول 20 افريل 2023، وفق مؤشرات صادرة عن البنك المركزي في 28 افريل 2023، والتي تبرز "تنامي الضغوطات على السيولة النقدية لدى البنوك التي تشهد نقصا بقيمة 15،7 مليار دينار مقابل نقص بنحو 9،8 مليار دينار في 20 افريل 2022"، وهذا يعني استحالة المواصلة في الاقتراض الداخلي قصد تعويض النقص الحاصل في تعبئة الموارد الخارجية .
ويمكن ان تؤدي مواصلة عملية الاقتراض الداخلي علاوة على التداعيات التضخمية الناتجة عن ضخ السيولة في الاقتصاد بدون مقابل نماء للثروة، الى تهديد صلابة النظام النقدي والذي قد ينهار في حالة تواصل توجيه السيولة النقدية الى تمويل نفقات الدولة وما يصحب ذلك من اهتزاز الثقة لدى حرفاء البنوك قد تدفعهم الى سحب مدخراتهم كما وقع في لبنان إبّان الإعلان عن الإفلاس المالي لها.
ويمكن القول انه لدينا احتياجات مالية تناهز 15 مليار دينار لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2023 ، لا بد من توفيرها بالعملة الصعبة وبالتالي ليس لدينا خيار في الوقت الحاضر إلا الحصول على اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي قبل سبتمبر من هذا العام أو المرور فورا الى تنفيذ برنامج إنقاذ مالي لتعبئة الموارد المالية من العملة الصعبة والقائم على ارساء حوكمة جديدة لقطاع الفسفاط تحت مراقبة الجيش الوطني وتشجيع تحويلات التونسيين بالخارج والشركات المصدرة كليا الى جانب معالجة تدفق العملات الصعبة المتداولة في السوق السوداء.
وات
سجلت الساحة على امتداد الأسبوع الجاري حركية على مستوى العلاقة بين تونس والمانحيين الدوليين، ساهم فيها مسؤولون تنفيذيون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، قيس سعيد، ومبعوثون دبلوماسيون من بينهم السفير الأمريكي بتونس، جوي هود، وأكسبتها تصريحات المسؤول الإقليمي بصندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، أواخر الأسبوع بصيص أمل في توصل تونس والصندوق الى اتفاق.
هذه الحركية استرعت انتباه المختصين في الشأن الاقتصادي من بينهم استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، الذي يري في تصريحات أزعور الاخيرة عن الاتفاق المالي المعلق بين تونس وصندوق النقد الدولي والبالغ قيمته 9ر1 مليار دولار "خطوة الى الامام تزيل الجمود الذي آلت اليه المفاوضات منذ اكثر من 3 اشهر لكنها تحتاج الى صدور قرار رسمي من الجهات المانحة قبل سبتمبر 2023 لتلافي تأخر سداد القروض الخارجية.
ويكتسي اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية، قيس سعيد، بنائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فريد بلحاج، رمزية كبيرة خاصة وان العلاقة بين تونس والبنك الدولي شهدت تعليقا مؤقتا إبّان تعبير سعيد عن ضرورة للتصدي للهجرة غير الشرعية الوافدة على تونس من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وانتهى لقاء السفير الأمريكي بتونس جوي هود، يوم2 ماي 2023 مع وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، الى تصريحات هامة وردت عن الوزارة تفيد بان هود عبر "عن استعداد واشنطن تقديم الدعم لتونس ومرافقتها والعمل على إعادة النظر في شروط الموافقة على ملفها بصندوق النقد الدولي والابتعاد عن المقاربة التي تعتبر الذوات البشرية مجرّد أرقام "
واعتبر هود "أن تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيد واضح في هذا السياق" مبديا احترامه للرؤية التي تعوّل على المقدرات الذاتية لتونس وفق مشروع اقتصادي وطني مستقل يحترم الشركاء الدوليين" حسب الوزارة .
ولم تكن الساحة، في منأى عن رسائل داخلية ربما تكتسي ابعاد دولية ألا وهي تصريحات الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، والمتصلة بوجهة موقف سعيد من الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي.
وتسعى وكالة تونس افريقيا للانباء في قراءة جديدة لتحليل المستجدات الاقتصادية على مدار اسبوع الى تسليط الضوء من خلال محاورة الشكندالي، حول محتوى وابعاد الرسائل المشفرة المتبادلة بين تونس والمانحيين الدوليين.
وات: الأسبوع الجاري ميّزته حركية طالت العلاقة بين تونس واهم ركائز التمويل الدولي، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، كيف تقيّمون هذه الخطوة ؟
الشكندالي: أعتقد أنّ نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، يقوم بعمل كبير لمساعدة تونس في أزمتها الحالية، وهذا مهم نظرا للدور الكبير الذي يلعبه البنك الدولي في تمويل المشاريع المدرجة في المخطط الثلاثي 2023-2025، لكن تبقى العلاقة مع صندوق النقد الدولي هي الأهم في الوقت الحاضر، ولها صلة مباشرة بالأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد والرسائل الإيجابية التي نقرؤها من خلال تصريحات بعض المسؤولين المهمين الذين التقوا برئيس الجمهورية لا بد أن تتجسم ببيانات رسمية من طرف دولهم تجسم مدى استعداد هذه البلدان للانخراط في تمويل برنامج الإصلاحات.
وات: نعود للتركيز على تصريح السفير الامريكي، جوي هود، عما يمكن وصفه بتبني رؤية الرئاسة التونسية وتفهم مخاوف تونس بشأن الاتفاق مع صندوق النقد ، الى اي مدى يمكن ان تذهب واشطن ؟
الشكندالي: واشنطن متخوفة من انهيار الوضع الاقتصادي والمالي في تونس، فهي تعتبر هذا البلد كبوابة للاستثمار في افريقيا نظرا لموقعها الجيو-استراتيجي المهم، وتتجنب ما قد يحدث من تقارب مع الصين خاصة بعد القمة العربية الصينية وجنوح بعض البلدان العربية للتقارب مع مجموعة "البريكس" بعد طلبهم الانضمام الى هذه المجموعة. لكن لدى الولايات المتحدة الأمريكية قناعة تامة باستحالة الإنقاذ الاقتصادي والمالي لتونس بدون الاصلاحات التي أعلن صندوق النقد الدولي ووافقت عليها تونس في برنامج الإصلاحات، هذه الاخيرة التي تتطلب أرضية ملائمة قد تشمل كذلك الجانب السياسي.
المخاوف التي أعلن عنها رئيس الجمهورية مخاوف مشروعة وهي تتعلق بتداعيات رفع الدعم على السلم الاجتماعي خاصة وأن معدلات التضخم المالي عالية جدا ورفع الدعم يؤدي الى معدلات تضخم أرفع وهو ما لا يمكن للتونسيين تحمله. مراجعة هذا الإصلاح لتخفيف التداعيات الاجتماعية لا يمكن أن يقلق صندوق النقد الدولي وقد كان أعلن عن ذلك في اجتماعات الربيع الماضي علاوة على أن مستوى الأسعار العالمية للبرنت هي أعلى بكثير من فرضية ميزانية الدولة وهو ما يسمح بتأجيل هذا الإصلاح على الأقل لسنة أخرى بدون أن يكون ذلك خرقا للاتفاق التقني الذي حصل في أكتوبر الماضي، ففي كل الأحوال، فإن برنامج الإصلاحات الذي حاز على الموافقة التقنية لا بد أن يحين بما أن كل الفرضيات تغيرت.
وات: حين يرسل الاتحاد العام التونسي للشغل رسالة تتضمن نوعا من المساندة لموقف الرئيس سعيد من الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي، اي صدى يمكن ان تفضي اليه هذه المواقف وخاصة على المستوى الدولي؟
الشكندالي: نعم هناك تصريحات إيجابية صدرت على لسان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، يوم غرة ماي 2023 ، وهو ما يتوافق مع شرط توفر الأرضية الداخلية الملائمة لتنزيل الاصلاحات أي التوافق مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
وبالفعل، لا يمكن تنزيل اصلاح منظومة الدعم وإصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية في غياب انخراط المنظمة الشغيلة في برنامج الإصلاحات وتصريحات الطبوبي توحي بأنه هناك نوعا من التقارب بين المنظمة الشغيلة من ناحية والحكومة ورئاسة الجمهورية من ناحية أخرى، وهو ما من شأنه أن يطمئن الصندوق حول سهولة تنزيل الإصلاحات الاقتصادية. وقد يكون هناك اتفاق بين الحكومة والمنظمة الشغيلة على مراجعة ملف الدعم نحو التأجيل بما ان الوضع الداخلي المتسم بارتفاع معدلات التضخم المالي لا يسمح برفع الدعم على المحروقات ولا على المواد الأساسية والوضع العالمي يجيز تأجيل ذلك على الأقل لسنة 2024 خاصة وأن معدل الأسعار العالمية للنفط هي دون فرضية ميزانية الدولة بكثير مما يعطي أريحية لميزانية الدولة توازي الاتفاق التقني لمبلغ رفع الدعم على المحروقات الذي وقع في أكتوبر2022 .
وات: حين يتحدث، جهاد ازعور، احد اهم المديرين الاقليميين لصندوق النقد الدولي عن امكانية التوصل الى اتفاق مع تونس هل يعني ذلك ان رسائل الشركاء والداخل قد وصلت الى صانعي القرار المالي في العالم؟
الشكندالي: حين تحدّث مدير ادارة صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، جهاد أزعور، عن وشك الانتهاء من ترتيب مالي من شأنه أن يسمح لتونس الحصول على القرض، لعلة يشير الى جدية العرض الإيطالي والذي وعد أن يقدم لتونس مبلغ القسط الأول مع ضمان تطبيق تونس للإصلاحات الاقتصادية المتفق حولها، عندها يتأكد الصندوق من جدية تونس في تنزيل الإصلاحات الاقتصادية وينطلق في تسريح الأقساط المتبقية.
واعتقد انه ربما يكون الطرف الفرنسي والجزائري قد قدما ضمانات للانخراط في تمويل برنامج الإصلاحات في تونس والتي تجعل مدير الصندوق لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى يدلى بتصريح فيها الكثير من التفاؤل.
لكنني اقول انه، عمليا، لا يمكن الاعتماد على هذا التصريح خاصة وانه يشبه تصريحات سابقة لمسؤولين سامين في الصندوق ومنهم ما صرحت به مديرته العامة، كريستالينا غورغييفا، في هذا المجال نظرا لما تتسم تصريحاتهم بالدبلوماسية المعهودة ولا يمكن الجزم بجدية هذا التصريح إلا إذا كان مصاحبا ببيان رسمي على موقع الصندوق أو برمجة ملف تونس في جلسة قادمة لمجلس إدارته.
وات: الرسائل هل هي كافية في هذه المرحلة وهل تفي بحاجة تونس الفعلية الى التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ام ان الحكومة والمركزي التونسي لازالا يمتلكان هامشا للمناورة؟
الشكندالي: هامش المناورة، إن صحت فعلا هذه الكلمة، لا بد أن يتوجه نحو التسريع في عقد اتفاق مع الصندوق، فلا بد أن نعي تمام الوعي أن هذا القرض مهم جدا لتونس وذلك لعدة اسباب ساحاول ان اوردها تباعا ، فالمدخرات من العملة الصعبة تتآكل يوم بعد يوم والصعوبات التي وجدتها الحكومة على مستوى تزويد السوق بالمواد الأساسية والبنزين كان نتيجة لذلك وقد تتوسع القائمة في قادم الأشهر إن لم تتوصل الحكومة الى ابرام اتفاق مع الصندوق أو المضي في برنامج بديل.
وبلغة الارقام تراجع حجم المدخرات من العملة الصعبة لدى خزينة البنك المركزي في الثلاثي الأول من هذه السنة بأكثر من 30 يوما حيث استقر في حدود 95 يوما مقابل 125 يوما خلال نفس الفترة من السنة المنقضية حسب بيان البنك المركزي الأخير الى جانب ان العجز التجاري للثلاثي الأول من هذه السنة تفاقم بصورة واضحة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية خاصة العجز الغذائي والعجز الطاقي .
والملفت للانتباه أن 90 في المائة من هذا العجز متأت من مجموعة "البريكس" وخاصة الصين وروسيا وهذا يعني أننا في حاجة لدعم مالي لتغطية العجز التجاري الناجم من هذه المجموعة في حين لا يزال البعض يتحدث عن دعم ميزانية تونس من طرف "البريكس" والامر لا يستقيم اذا ما علمنا ان المجموعة لا تدعم الميزانية بل تمول مشاريع البنية التحتية عبر البنك الآسيوي لتمويل البنية التحتية.
ولو ذهبا بعيدا و افترضنا أن مجموعة "البريكس" ستقدم دعم ماليا لتونس فلن يكون بعملتي الدولار أو اليورو والحال أننا نحتاج الى الاقتراض بهذه العملات لخلاص ديوننا وهو ما يحلينا الى التطرق الى التزامات الدولة التونسية في الخارج.
وتعد الالتزامات المالية لسنة 2023 مهمة للغاية خاصة بداية من شهر اكتوبر مع حلول اجل تسديد القرض الرقاعي بمبلغ 500 مليون يورو وفي نوفمبر مع خلاص أقساط صندوق النقد الدولي بمبلغ 412 مليون دولار وبالتالي لا بد من إيجاد الحل على الأقل قبل نهاية الثلاثي الثالث من هذه السنة بالرغم من الأريحية المالية التي تتمتع بها الحكومة الآن حيث لا توجد أقساط مهمة للاستخلاص القروض الخارجية.
واريد ان اوضح نقطة تتصل بالشان الداخلي، وهي ان السيولة لدى البنوك التونسية تناقصت بحلول 20 افريل 2023، وفق مؤشرات صادرة عن البنك المركزي في 28 افريل 2023، والتي تبرز "تنامي الضغوطات على السيولة النقدية لدى البنوك التي تشهد نقصا بقيمة 15،7 مليار دينار مقابل نقص بنحو 9،8 مليار دينار في 20 افريل 2022"، وهذا يعني استحالة المواصلة في الاقتراض الداخلي قصد تعويض النقص الحاصل في تعبئة الموارد الخارجية .
ويمكن ان تؤدي مواصلة عملية الاقتراض الداخلي علاوة على التداعيات التضخمية الناتجة عن ضخ السيولة في الاقتصاد بدون مقابل نماء للثروة، الى تهديد صلابة النظام النقدي والذي قد ينهار في حالة تواصل توجيه السيولة النقدية الى تمويل نفقات الدولة وما يصحب ذلك من اهتزاز الثقة لدى حرفاء البنوك قد تدفعهم الى سحب مدخراتهم كما وقع في لبنان إبّان الإعلان عن الإفلاس المالي لها.
ويمكن القول انه لدينا احتياجات مالية تناهز 15 مليار دينار لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2023 ، لا بد من توفيرها بالعملة الصعبة وبالتالي ليس لدينا خيار في الوقت الحاضر إلا الحصول على اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي قبل سبتمبر من هذا العام أو المرور فورا الى تنفيذ برنامج إنقاذ مالي لتعبئة الموارد المالية من العملة الصعبة والقائم على ارساء حوكمة جديدة لقطاع الفسفاط تحت مراقبة الجيش الوطني وتشجيع تحويلات التونسيين بالخارج والشركات المصدرة كليا الى جانب معالجة تدفق العملات الصعبة المتداولة في السوق السوداء.