في قصر بدرالياس pedralies بمدينة برشلونة مرفأ اسبانيا لحوض المتوسط حيث كان يجتمع ملك اسبانيا بمستشاريه والذي بات يحتضن اليوم الأمانة العامة للاتحاد من اجل المتوسط، تم بالأمس إطلاق التقرير الخاص المشترك للاتحاد من أجل المتوسط ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وعرض خطة الطريق المستقبلية للاتحاد في المرحلة القادمة. "الصباح" كانت من بين المؤسسات الإعلامية التي دعيت لمواكبة الحدث الذي كان فرصة لمحاورة الأمين العام للاتحاد السفير ناصر كمال الذي كشف عن جملة التحديات والعراقيل التي تعترض الاتحاد لتحقيق التكامل المطلوب بين ضفتي المتوسط. والسفير ناصر كمال مصري وهو ديبلوماسي مخضرم تحمل عديد المهام ومثل بلاده في واشنطن ويوغسلافيا والبرتغال وتونس وباريس والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وفيما يلي نص الحوار .
*تتحدثون في تقرير الاتحاد عن تحقيق الاندماج بين منطقتين وهما ضفتي المتوسط بشماله وجنوبه فهل يمكن الحديث عن اندماج او تكامل في ظل التناقض الصادم بين منطقتين تتفاوتان اقتصاديا وتجاريا ومعرفيا وثقافيا، وكيف يمكن تطوير هذا الواقع غير المتساوي بين ضفتي المتوسط بكل تحدياته وتناقضاته لا سيما في ظل ما تعرفه بعض دول الجنوب من عدم استقرار ومن صراعات دموية؟
-على مستوى الأمر الواقع اتفق معك ان هناك علاقة بين الاستقرار السياسي وقدرة أي دولة أو منطقة على تحقيق قدر من الاندماج الاقتصادي. وأقول صراحة انه رغم كل القصور الذي رصده التقرير ورغم حالة عدم الاستقرار في عدد من الدول ومنها سوريا وليبيا فهناك تطور ملموس. قد لا يكون الوضع الأمثل ولكن هناك قرارات اتخذت وقد عززتها تطورات النمو المسجل في بعض دول الجنوب. أبقى متفائلا بشأن الآمال والفرص والتطلعات القائمة وما تزخر به المنطقة أيضا.
للتوضيح بشان جذور هذا التقرير يجب الاشارة إلى انه في 2017، اعتمد وزراء خارجية الاتحاد من أجل المتوسط "خارطة طريق بغية تعزيز دور الاتحاد في دفع التعاون الإقليمي والتكامل في منطقة المتوسط. ومن أجل إرشاد صناع السياسات، رأى الاتحاد من أجل المتوسط ضرورة صياغة تقرير مرحلي عن التكامل الإقليمي لرصد الاتجاهات والتطورات الرئيسية بناء على مؤشرات أداء محددة لقياس التقدم المحرز وتحديد المجالات التي تحتاج إلى التحسين. وهذا ما تم وقد كلف الاتحاد من أجل المتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بإعداد العدد الأول من التقرير المرحلي، بدعم مالي من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي. هذه المقدمة لنفهم محتوى التقرير الذي يتناول خمسة مجالات للتكامل الإقليمي ومنها التجارة، والتمويل، والبنية التحتية، وحركة الأفراد، والبحث والتعليم العالي. ويطرح النتائج الرئيسية والتوصيات المتعلقة بالسياسات لكل من هذه المجالات. هذا إذن على مستوى الشكل ولكن على مستوى الأمر الواقع اتفق معك ان هناك علاقة بين الاستقرار السياسي وقدرة أي دولة أو منطقة على تحقيق قدر من الاندماج الاقتصادي. وأقول صراحة انه رغم كل القصور الذي رصده التقرير ورغم حالة عدم الاستقرار في عدد من الدول ومنها سوريا وليبيا فهناك تطور ملموس وهناك الكثير من الآفاق. قد لا يكون الوضع الأمثل ولكن هناك قرارات اتخذت وقد عززتها تطورات النمو المسجل في بعض دول الجنوب. قبل الجائحة كان يفترض ان يكون هذا النمو في حدود 3 درجات لتعميق التطور الصناعي وقدرات ومنجزات دول الجنوب حتى تخترق هذه الدول اقتصاديات الشمال. للأسف كان للجائحة أحكامها. نعم إذا تحقق الاستقرار وتم التعامل مع هذه الازمات سيكون لذلك اثره في تعزيز التكامل الذي نتطلع اليه.لا شك ان الاستقرار السياسي يظل احد العناوين الاساسية للاندماج .
*إلى متى سيظل الاندماج لصالح الشمال على حساب دول الجنوب؟
-الاندماج ليس هدفا في حد ذاته بل هو احد الاهداف لتمكين الجنوب من مزيد التنمية المستدامة اقتصاديا وبشريا. صحيح أن الأرقام تتجه لصالح الشمال ولكن هذا لا يقتصر على منطقة المتوسط بل في كل دول العالم عندما يتعلق الامر بالدول متوسطة النمو والدول المتقدمة ولكن ما يمكن الإشارة له ان الاتحاد الاوروبي يظل المستثمر الاول او الثاني في اغلب دول الجنوب وهو لاعب رئيسي في المنطقة. الميزان التجاري يتجه شمالا والاستثمارات تتجه جنوبا .
*ما المطلوب اليوم حتى يكون الاندماج على قاعدة المساواة والربح المشترك؟
-الانتقال إلى الاقتصاد الرقمي او ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة امر حتمي رغم كل ما يبدو من تداعيات او انعكاسات في المرحلة الأولى لأنه سيفتح المجال للاقتصاديات الكفاءة والتشغيل علما وان هناك نحو 39 مليون مواطن سيقتحمون سوق الشغل لأول مرة في 2022 كما ان نسبة تشغيل المرأة في الجنوب لا تتجاوز 20 بالمائة وبطالة في صفوف النساء في الجنوب ترتفع الى47 بالمائة رغم حصولهن على الشهادات العلمية .
*الحديث عن مستقبل الاتحاد من اجل المتوسط يضعنا أمام مسألة حساسة جدا وهي تتعلق بنظرة دول الجنوب السلبية الى هذا المشروع الذي يعتبره الكثيرون أنه يضع دول الجنوب في دور الحارس والشرطي لمصالح دول الشمال في مواجهة الهجرة غير المشروعة والمخدرات وسفن الموت المتجهة للضفة الاخرى فكيف تردون على ذلك؟
-عندما نتحدث عن إطار الاتحاد من اجل المتوسط ونضعه في اطار اوروبي بحت فهذا مجانب للحقيقة فالاتحاد من اجل المتوسط له خصوصية هامة وهو الإطار الوحيد لتنظيم ودفع العلاقات بين الشمال والجنوب ويجعل رئاسة هذه المؤسسة للمال والجنوب معا. بمعنى أن فكرة التوازن قائمة في اتخاذ القرارات ولكل دولة صوت وهو مؤثر والأمين العام من مواطني دول الجنوب وبالتالي فان إطار العمل خرج عن العلاقة النمطية الراسية شمال جنوب ودخل منطق التوازنات في اتخاذ القرار بشكل متكافئ وعادل. والمشروع الذي أطلق في 2008 لا علاقة له على الاطلاق بما هو قائم اليوم فقد تمت مأسسة عملية برشلونة التي قامت على فكرة لا امن ولا استقرار في المنطقة دون تعاون بين الشمال والجنوب. هل تحقق ذلك طبعا ليس بعد نحن في إطار اورومتوسطي لدفع العلاقات بكل اكثر تكافؤا .
*هل يشكل استهداف صناع القرار في الجنوب تحديا لكم؟
-نحن في إطار المؤسسة التي تجمع صناع القرار في المنطقة وتسمع آراءهم وطلباتهم في مختلف المجالات من البيئة إلى التعليم والمناخ والتشغيل والمرأة وهناك ما أنجز وهناك للأسف ما لم ينجز.
*بعد احد عشر سنة على ولادة هذا الاتحاد هل من انجازات؟
-الاتحاد عمره 11 سنة مرت فيها المنطقة بتحديات غير مسبوقة منذ ما سمي بالربيع العربي بكل ما كان لهذه الفترة من تأثير على الاستقرار الاقتصادي والسياسي للمنطقة. أداء المنظمة يبقي ايجابيا في هذا المناخ وفي إطار تحديات الربيع العربي وما افرزه من انهيار وما حدث في سوريا وليبيا. النافذة الإقليمية التي نعتمدها هي التنمية المستدامة والتنمية البشرية. نركز على الإنسان وتنمية المجتمعات والتعليم والصحة وهذه أولوياتنا .
*وأين صوت المنظمة مما يحدث من انتهاكات عندما يتعلق الامر بالعدوان المتكرر على الفلسطينيين والحال أن فلسطين عضو في هذا الاتحاد ولماذا لم نسمع موقفا او بيانا بعد الفظاعات في غزة؟
-لا اكشف سرا إذا قلت أن المنظمة والمؤسسين تجنبوا الدخول في الأزمات والصراعات وأن هذا كان خيار الدول ذاتها لقناعة أن إقحام الأزمات كان سيؤدي الى أي تقدم في المجالات التي نهتم بها ومنذ البداية كان الاختيار الا يكون الاتحاد من اجل المتوسط اداة في القضايا السياسية العالقة بل جسرا في تعزيز التعاون والتكامل وتخفيف نمو اقتصادي بشري .
*هل أن غياب التكامل جنوب جنوب عرقل جهود الاتحاد؟
-بالتأكيد أي مبادرات في اطار خمسة زايد خمسة تسعى إلى الأشمل، إطار اتفاقية أغادير مهم وكان له دور ايجابي في تحقيق بعض الانجازات وكذلك محاولات الجامعة العربية لإنشاء منطقة حرة ومحاولات الاتحاد الإفريقي نحو سوق افريقية كان يمكن أن تكون الأوسع على مستوى المنطقة. غياب التكامل جنوب جنوب له تأثيره للأسف.
*وماذا عن إمكانية عودة سوريا الى الاتحاد الم يحن الأوان لذلك بعد؟
-قد أفاجئ القارئ إذا قلت ان سوريا من علقت عضويتها في الاتحاد وعندما تقرر سوريا العودة سننظر في ذلك.اعتقد أن دول الاتحاد من اجل المتوسط ستنظر في هذه المسالة ولكن قانونيا فان سوريا من علقت عضويتها واختارت تجميد نشاطها.
*أين تتنزل تونس في الاتحاد من أجل المتوسط؟
-لنا مواعيد قادمة في تونس. وتونس تبقى احد الدول الاكثر انخراطا في الاتحاد من اجل المتوسط وتونس من بين دول الجنوب الاكثر استفادة من مشاريع الاتحاد ومرحبة دوما بتواجد المؤسسة وهي نموذج ناجح للعديد مما يقوم به الاتحاد من اجل المتوسط في المنطقة في البيئة والتوظيف والتشغيل وتمكين المرأة وهناك مشاريع مهمة جارية ومنها تطهير بحيرة بنزرت ومشروع الاقتصاد الأزرق.. لا شك أن الجائحة عطلت الكثير من البرامج ونحن نسعى إلى تدارك ذلك ونستعد لمرحلة ما بعد كورونا. وسأعود إلى زياراتي إلى تونس وأنا حريص على الاستماع للتونسيين من السياسيين والمجتمع المدني فيما يتعلق بخارطة الطريق المستقبلي لعمل الاتحاد.
*ولكن ألا تعتقدون أننا اليوم إزاء تحديات معقدة وتطلعات عالية في منطقة محكومة بالتناقضات على كل المستويات؟
-علينا الاعتراف أن التكامل في منطقة الاتحاد من أجل المتوسط، يتقدم ولكن ببطء ولا يزال أقل من الامكانات المتاحة من حيث القدرات والموارد.
وهو يتقدم التكامل بشكل غير متساو، في جميع مجالات السياسات، ومن ذلك مثلا أن دول غرب البلقان وشمال أفريقيا تتكامل تجاريا بشكل أوثق مع بقية دول الاتحاد من أجل المتوسط في حين أن المبادلات مع سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وإسرائيل تظل أقل بكثير من الإمكانات المتاحة.
لا يزال هناك تحديان مهمان أمام التكامل الإقليمي وهما ضعف البنية التحتية للنقل وتوصيل الطاقة، والافتقار إلى رؤية مشتركة للتنقل البشري كمحرك للابتكار والنمو في المنطقة. وهناك أيضا التغييرات الأخيرة في الاقتصاد العالمي - على وجه الخصوص، التحول الرقمي الذي تسارع في أعقاب جائحة كوفيد-19- وكلها تؤثر على الإنتاج العالمي وعلى قدرة البلدان على اتباع استراتيجيات التكامل الإقليمي القائمة على سياسات التجارة والاستثمار الأجنبي.
اسيا العتروس
جريدة الصباح
في قصر بدرالياس pedralies بمدينة برشلونة مرفأ اسبانيا لحوض المتوسط حيث كان يجتمع ملك اسبانيا بمستشاريه والذي بات يحتضن اليوم الأمانة العامة للاتحاد من اجل المتوسط، تم بالأمس إطلاق التقرير الخاص المشترك للاتحاد من أجل المتوسط ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وعرض خطة الطريق المستقبلية للاتحاد في المرحلة القادمة. "الصباح" كانت من بين المؤسسات الإعلامية التي دعيت لمواكبة الحدث الذي كان فرصة لمحاورة الأمين العام للاتحاد السفير ناصر كمال الذي كشف عن جملة التحديات والعراقيل التي تعترض الاتحاد لتحقيق التكامل المطلوب بين ضفتي المتوسط. والسفير ناصر كمال مصري وهو ديبلوماسي مخضرم تحمل عديد المهام ومثل بلاده في واشنطن ويوغسلافيا والبرتغال وتونس وباريس والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وفيما يلي نص الحوار .
*تتحدثون في تقرير الاتحاد عن تحقيق الاندماج بين منطقتين وهما ضفتي المتوسط بشماله وجنوبه فهل يمكن الحديث عن اندماج او تكامل في ظل التناقض الصادم بين منطقتين تتفاوتان اقتصاديا وتجاريا ومعرفيا وثقافيا، وكيف يمكن تطوير هذا الواقع غير المتساوي بين ضفتي المتوسط بكل تحدياته وتناقضاته لا سيما في ظل ما تعرفه بعض دول الجنوب من عدم استقرار ومن صراعات دموية؟
-على مستوى الأمر الواقع اتفق معك ان هناك علاقة بين الاستقرار السياسي وقدرة أي دولة أو منطقة على تحقيق قدر من الاندماج الاقتصادي. وأقول صراحة انه رغم كل القصور الذي رصده التقرير ورغم حالة عدم الاستقرار في عدد من الدول ومنها سوريا وليبيا فهناك تطور ملموس. قد لا يكون الوضع الأمثل ولكن هناك قرارات اتخذت وقد عززتها تطورات النمو المسجل في بعض دول الجنوب. أبقى متفائلا بشأن الآمال والفرص والتطلعات القائمة وما تزخر به المنطقة أيضا.
للتوضيح بشان جذور هذا التقرير يجب الاشارة إلى انه في 2017، اعتمد وزراء خارجية الاتحاد من أجل المتوسط "خارطة طريق بغية تعزيز دور الاتحاد في دفع التعاون الإقليمي والتكامل في منطقة المتوسط. ومن أجل إرشاد صناع السياسات، رأى الاتحاد من أجل المتوسط ضرورة صياغة تقرير مرحلي عن التكامل الإقليمي لرصد الاتجاهات والتطورات الرئيسية بناء على مؤشرات أداء محددة لقياس التقدم المحرز وتحديد المجالات التي تحتاج إلى التحسين. وهذا ما تم وقد كلف الاتحاد من أجل المتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بإعداد العدد الأول من التقرير المرحلي، بدعم مالي من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي. هذه المقدمة لنفهم محتوى التقرير الذي يتناول خمسة مجالات للتكامل الإقليمي ومنها التجارة، والتمويل، والبنية التحتية، وحركة الأفراد، والبحث والتعليم العالي. ويطرح النتائج الرئيسية والتوصيات المتعلقة بالسياسات لكل من هذه المجالات. هذا إذن على مستوى الشكل ولكن على مستوى الأمر الواقع اتفق معك ان هناك علاقة بين الاستقرار السياسي وقدرة أي دولة أو منطقة على تحقيق قدر من الاندماج الاقتصادي. وأقول صراحة انه رغم كل القصور الذي رصده التقرير ورغم حالة عدم الاستقرار في عدد من الدول ومنها سوريا وليبيا فهناك تطور ملموس وهناك الكثير من الآفاق. قد لا يكون الوضع الأمثل ولكن هناك قرارات اتخذت وقد عززتها تطورات النمو المسجل في بعض دول الجنوب. قبل الجائحة كان يفترض ان يكون هذا النمو في حدود 3 درجات لتعميق التطور الصناعي وقدرات ومنجزات دول الجنوب حتى تخترق هذه الدول اقتصاديات الشمال. للأسف كان للجائحة أحكامها. نعم إذا تحقق الاستقرار وتم التعامل مع هذه الازمات سيكون لذلك اثره في تعزيز التكامل الذي نتطلع اليه.لا شك ان الاستقرار السياسي يظل احد العناوين الاساسية للاندماج .
*إلى متى سيظل الاندماج لصالح الشمال على حساب دول الجنوب؟
-الاندماج ليس هدفا في حد ذاته بل هو احد الاهداف لتمكين الجنوب من مزيد التنمية المستدامة اقتصاديا وبشريا. صحيح أن الأرقام تتجه لصالح الشمال ولكن هذا لا يقتصر على منطقة المتوسط بل في كل دول العالم عندما يتعلق الامر بالدول متوسطة النمو والدول المتقدمة ولكن ما يمكن الإشارة له ان الاتحاد الاوروبي يظل المستثمر الاول او الثاني في اغلب دول الجنوب وهو لاعب رئيسي في المنطقة. الميزان التجاري يتجه شمالا والاستثمارات تتجه جنوبا .
*ما المطلوب اليوم حتى يكون الاندماج على قاعدة المساواة والربح المشترك؟
-الانتقال إلى الاقتصاد الرقمي او ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة امر حتمي رغم كل ما يبدو من تداعيات او انعكاسات في المرحلة الأولى لأنه سيفتح المجال للاقتصاديات الكفاءة والتشغيل علما وان هناك نحو 39 مليون مواطن سيقتحمون سوق الشغل لأول مرة في 2022 كما ان نسبة تشغيل المرأة في الجنوب لا تتجاوز 20 بالمائة وبطالة في صفوف النساء في الجنوب ترتفع الى47 بالمائة رغم حصولهن على الشهادات العلمية .
*الحديث عن مستقبل الاتحاد من اجل المتوسط يضعنا أمام مسألة حساسة جدا وهي تتعلق بنظرة دول الجنوب السلبية الى هذا المشروع الذي يعتبره الكثيرون أنه يضع دول الجنوب في دور الحارس والشرطي لمصالح دول الشمال في مواجهة الهجرة غير المشروعة والمخدرات وسفن الموت المتجهة للضفة الاخرى فكيف تردون على ذلك؟
-عندما نتحدث عن إطار الاتحاد من اجل المتوسط ونضعه في اطار اوروبي بحت فهذا مجانب للحقيقة فالاتحاد من اجل المتوسط له خصوصية هامة وهو الإطار الوحيد لتنظيم ودفع العلاقات بين الشمال والجنوب ويجعل رئاسة هذه المؤسسة للمال والجنوب معا. بمعنى أن فكرة التوازن قائمة في اتخاذ القرارات ولكل دولة صوت وهو مؤثر والأمين العام من مواطني دول الجنوب وبالتالي فان إطار العمل خرج عن العلاقة النمطية الراسية شمال جنوب ودخل منطق التوازنات في اتخاذ القرار بشكل متكافئ وعادل. والمشروع الذي أطلق في 2008 لا علاقة له على الاطلاق بما هو قائم اليوم فقد تمت مأسسة عملية برشلونة التي قامت على فكرة لا امن ولا استقرار في المنطقة دون تعاون بين الشمال والجنوب. هل تحقق ذلك طبعا ليس بعد نحن في إطار اورومتوسطي لدفع العلاقات بكل اكثر تكافؤا .
*هل يشكل استهداف صناع القرار في الجنوب تحديا لكم؟
-نحن في إطار المؤسسة التي تجمع صناع القرار في المنطقة وتسمع آراءهم وطلباتهم في مختلف المجالات من البيئة إلى التعليم والمناخ والتشغيل والمرأة وهناك ما أنجز وهناك للأسف ما لم ينجز.
*بعد احد عشر سنة على ولادة هذا الاتحاد هل من انجازات؟
-الاتحاد عمره 11 سنة مرت فيها المنطقة بتحديات غير مسبوقة منذ ما سمي بالربيع العربي بكل ما كان لهذه الفترة من تأثير على الاستقرار الاقتصادي والسياسي للمنطقة. أداء المنظمة يبقي ايجابيا في هذا المناخ وفي إطار تحديات الربيع العربي وما افرزه من انهيار وما حدث في سوريا وليبيا. النافذة الإقليمية التي نعتمدها هي التنمية المستدامة والتنمية البشرية. نركز على الإنسان وتنمية المجتمعات والتعليم والصحة وهذه أولوياتنا .
*وأين صوت المنظمة مما يحدث من انتهاكات عندما يتعلق الامر بالعدوان المتكرر على الفلسطينيين والحال أن فلسطين عضو في هذا الاتحاد ولماذا لم نسمع موقفا او بيانا بعد الفظاعات في غزة؟
-لا اكشف سرا إذا قلت أن المنظمة والمؤسسين تجنبوا الدخول في الأزمات والصراعات وأن هذا كان خيار الدول ذاتها لقناعة أن إقحام الأزمات كان سيؤدي الى أي تقدم في المجالات التي نهتم بها ومنذ البداية كان الاختيار الا يكون الاتحاد من اجل المتوسط اداة في القضايا السياسية العالقة بل جسرا في تعزيز التعاون والتكامل وتخفيف نمو اقتصادي بشري .
*هل أن غياب التكامل جنوب جنوب عرقل جهود الاتحاد؟
-بالتأكيد أي مبادرات في اطار خمسة زايد خمسة تسعى إلى الأشمل، إطار اتفاقية أغادير مهم وكان له دور ايجابي في تحقيق بعض الانجازات وكذلك محاولات الجامعة العربية لإنشاء منطقة حرة ومحاولات الاتحاد الإفريقي نحو سوق افريقية كان يمكن أن تكون الأوسع على مستوى المنطقة. غياب التكامل جنوب جنوب له تأثيره للأسف.
*وماذا عن إمكانية عودة سوريا الى الاتحاد الم يحن الأوان لذلك بعد؟
-قد أفاجئ القارئ إذا قلت ان سوريا من علقت عضويتها في الاتحاد وعندما تقرر سوريا العودة سننظر في ذلك.اعتقد أن دول الاتحاد من اجل المتوسط ستنظر في هذه المسالة ولكن قانونيا فان سوريا من علقت عضويتها واختارت تجميد نشاطها.
*أين تتنزل تونس في الاتحاد من أجل المتوسط؟
-لنا مواعيد قادمة في تونس. وتونس تبقى احد الدول الاكثر انخراطا في الاتحاد من اجل المتوسط وتونس من بين دول الجنوب الاكثر استفادة من مشاريع الاتحاد ومرحبة دوما بتواجد المؤسسة وهي نموذج ناجح للعديد مما يقوم به الاتحاد من اجل المتوسط في المنطقة في البيئة والتوظيف والتشغيل وتمكين المرأة وهناك مشاريع مهمة جارية ومنها تطهير بحيرة بنزرت ومشروع الاقتصاد الأزرق.. لا شك أن الجائحة عطلت الكثير من البرامج ونحن نسعى إلى تدارك ذلك ونستعد لمرحلة ما بعد كورونا. وسأعود إلى زياراتي إلى تونس وأنا حريص على الاستماع للتونسيين من السياسيين والمجتمع المدني فيما يتعلق بخارطة الطريق المستقبلي لعمل الاتحاد.
*ولكن ألا تعتقدون أننا اليوم إزاء تحديات معقدة وتطلعات عالية في منطقة محكومة بالتناقضات على كل المستويات؟
-علينا الاعتراف أن التكامل في منطقة الاتحاد من أجل المتوسط، يتقدم ولكن ببطء ولا يزال أقل من الامكانات المتاحة من حيث القدرات والموارد.
وهو يتقدم التكامل بشكل غير متساو، في جميع مجالات السياسات، ومن ذلك مثلا أن دول غرب البلقان وشمال أفريقيا تتكامل تجاريا بشكل أوثق مع بقية دول الاتحاد من أجل المتوسط في حين أن المبادلات مع سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وإسرائيل تظل أقل بكثير من الإمكانات المتاحة.
لا يزال هناك تحديان مهمان أمام التكامل الإقليمي وهما ضعف البنية التحتية للنقل وتوصيل الطاقة، والافتقار إلى رؤية مشتركة للتنقل البشري كمحرك للابتكار والنمو في المنطقة. وهناك أيضا التغييرات الأخيرة في الاقتصاد العالمي - على وجه الخصوص، التحول الرقمي الذي تسارع في أعقاب جائحة كوفيد-19- وكلها تؤثر على الإنتاج العالمي وعلى قدرة البلدان على اتباع استراتيجيات التكامل الإقليمي القائمة على سياسات التجارة والاستثمار الأجنبي.