إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خافرة أعالي البحار "سيفاكس" .. الفوج 51 طلائع بحرية عالية الجاهزية في التدخل

-المدرسة التقنية لجيش البر ببنزرت..

  العلم والمعرفة والطموح في أبهى تجلياته

تونس-الصباح

يٌقال أن عالم البحار على جماله الأخاذ وسحره الذي لا يٌقاوم، إلا أنه عالم مليء بالغموض يخفي في أعماقه أسرارا لا يعرف خباياها إلا المغامرين والمكتشفين.. وهكذا هي أيضا خافرة أعالي البحار "سيفاكس" عظيمة وساحرة في تفاصيلها، يكتنفها الغموض ويحوطها من كل جانب.. أما من يروم التعرف عليها وفك شٌفيرات ألغازها واستطلاع ثناياها فإن الأمر يحتاج إلى الكثير والكثير..

على بٌعد بضع أمتار من القاعدة البحرية ببنزرت ترسو خافرة أعالي البحار "سيفاكس" شامخة شموخ العلم التونسي الذي يرفرف فوقها تنتظر استقبال زوارها من الصحفيين ممن يدور بخلدهم عشرات الأسئلة.. فخافرة أعالي البحار "سيفاكس" -التي كانت هذه المرة محور الزيارة التي نظمتها وزارة الدفاع الوطني لفائدة الصحفيين- تبدٌو لناظرها كحقل ألغاز فكثرة الأبواب والسلالم المنتشرة هنا وهناك إلى جانب عظمة الخافرة تجعلك تدرك دقة وخصوصية المهام الموكولة إليها..

وأنت تلجٌ سطح الخافرة الفسيح تدرك لحظتها إلى أنه من غير الممكن أن تستكشف خبايا "سيفاكس" بمفردك فالأمر يحتاج إلى مرافق من طاقم الباخرة، وعدا ذلك فانك ستتوه في ثناياها..

خلية نحل

على متن "سيفاكس" انصرفنا نتجوّل على سطحها نراقب من بعيد طاقمها الذي كان عبارة عن خلية نحل تعمل في انتظام وانسجام تام فلكل دوره ومهامه الموكولة إليه يقوم بها بدقة وبعناية شديدة في مشهد شبيه بعقد اللؤلؤ الذي إن لم تتماسك حبّاته فإنه ينفرط..

وخافرة أعالي البحار "سيفاكس" هي وحدة بحرية من الجيل الجديد على درجة عالية من التطور وذات مهام متعددة ومختلفة وتتمثل بالأساس في الحماية والدفاع عن المصالح البحرية الوطنية، بالإضافة إلى التدخل للبحث والإنقاذ بالبحر والإغاثة والتدخل السريع في إطار التصدي للأعمال غير المشروعة بالبحر.

كما تعنى الخافرة أيضا وفقا لما أدلى به آمرها بتكوين ضباط الصف البحرية ورقباء جيش البحر في إطار تحضيرهم للحياة المهنية بالبحر، كما انه بإمكان الخافرة أيضا إسداء الخدمات للصالح العام على غرار التدخل عند اندلاع حريق والقيام بعمليات إجلاء المصابين وتقديم الإسعافات الأولية.. علما أن الخافرة تضم مدرجا لهبوط الطائرات التي يتم الاستنجاد بها لإجلاء المنكوبين في عرض البحر إلى جانب مصحة متطورة.. ونحن نجول ببصرنا في الخافرة نخمّن ما عساه يكون خلف بعض الأبواب الموصدة يرتفع صوت محرك الخافرة عاليا، قاطعا حبل أفكارنا لتنطلق إثرها "سيفاكس" تشق عباب البحر مغادرة الميناء حتى تلاشى من بعيد جمال مدينة بنزرت وسحرها الفاتن، لتفسح بذلك الخافرة لزوّارها المجال لمواكبة مغامرة من طراز خاص...

"نار.. نار".. يصرخ أحدهم فتعلو صفارات الإنذار مخترقة أرجاء المكان تتخللها دعوات لإغلاق الأبواب والمداخل.. ثم يتصاعد دخان كثيف وفي لمح البصر يعج المكان بفرق إنقاذ سيطرت في ظرف دقائق على الحريق.. لكن تبيّن لاحقا أن الحادث أسفر عن وجود مصاب.. فيتدخل هنا فريق الإسعاف حيث تولى احدهم تقديم الإسعافات اللازمة ليتم في مرحلة أخيرة نقله إلى المصحة التي تتضمنها الخافرة..

صحيح أن المشهد كان في إطار تمرين يحاكي إصابة خلال حريق بمحل المولد الاحتياط، لكن دقة التنفيذ جعلت من السيناريو وكأنه واقع فالجاهزية التي كانت عليها فرق التدخل تجعل الشك يساورك في أن ما تابعته من حيثيات الحريق وعملية إنقاذ المصاب هو مجرد تمرين يحاكي الواقع لا غير...

الفوج 51 لطلائع البحرية..

لم ينته التشويق ولم تنته أيضا التدخلات الدقيقة على متن خافرة أعالي البحار "سيفاكس" بل تواصلت مع الفوج 51 لطلائع البحرية في محاكاة لتمرين يومي يتمثل في تفتيش سفينة غير متعاونة.. والفوج 51 هو فوج عملياتي قتالي تابع لجيش البحر من ابرز مهامه التدخل لفائدة المنشآت الحساسة على طول السواحل التونسية والتدخل في العمليات الخاصة في الجزر هذا بالتوازي مع المساهمة في مكافحة الإرهاب ضمن قوات مشتركة واقتحام وتفتيش السفن غير المتعاونة وفقا لما أدلى به آمر الفوج .

فجأة خيّم الهدوء على أرجاء الخافرة واشرأبت الأعناق إلى عرض البحر تتابع بانتباه عملية محاصرة السفينة المشتبه بها بعد عدم استجابتها للاتصال بما يؤشر إلى عدم تعاونها..

على متن زورق سريع يقوم الفوج 51 لطلائع البحرية بمحاصرة السفينة علما أن العوامل الجوية يومها لم تكن على درجة عالية من الاستقرار إلا أن الفنيات والمهارات العالية للفوج 51 جعلت من الرياح القوية والبحر المضطرب نسبيا مجرد تفصيل بسيط...

من بين أبرز المراحل الدقيقة في عملية اقتحام السفينة المشتبه بها هي الصعود على متنها لتنطلق إثرها عملية تفتيش دقيقة بمعية عنصر الناب.. وأثناء عمليات الاقتحام يصاب احد العناصر فيتم إجلاؤه على متن الجوالة بعد أن خضع لجميع الإسعافات اللازمة أما السفينة التي ثبت تورطها في أعمال مشبوهة فإنها توجه وفقا لآمر الفوج إلى أقرب ميناء عسكري..

انتهت التمارين على متن خافرة أعالي البحار "سيفاكس" لكن ما تبادر إلى الذهن لحظتها هو أن هذا التمرين الذي حظي بانبهار الجميع والذي عكس مهارات فنية عالية من يقظة وجاهزية وسرعة ودقة في التدخل للفوج 51 طلائع بحرية جعلنا نتساءل كيف لو كانت عملية التدخل في عرض البحر ليلا لكنت الجاهزية العالية التي لامسناها عن قرب لدى الفوج إلى جانب المعدات الخصوصية التي عاينّاها عن كثب لهذه الوحدة العمالياتية القتالية تجعلنا على يقين بان هؤلاء الأسود الأشاوس الذين يقفون حصنا منيعا في عرض البحر قادرون على تذليل وتجاوز جميع الصعوبات والمخاطر مهما كان حجمها.

من الخافرة إلى المدرسة..

خافرة أعالي البحار "سيفاكس" لم تكن إلا محطة أولى ضمن برنامج زيارتنا فلا يمكن المرور على مدينة بنزرت دون الولوج إلى واحدة من اعرق المؤسسات التكوينية للعسكريين: المدرسة التقنية لجيش البر ببنزرت..، هذا الصرح المعرفي والتكويني الهام الذي مثل منارة معرفية ذات إشعاع وصيت دولي تروي جدرانه تفاصيل مسيرة معرفية وتكوينية أكثر من مميزة..

ما من زائر تطأ قدماه المكان إلا ويفتتن بسحره وتفاصيله اللافتة، فالمدرسة التقنية لجيش البر تسرّ ناظرها إلى ابعد الحدود..، وتحمله في رحلة إلى عوالم خاصة لها سحرها وبريقها.. فهي آسرة في تفاصيل هندستها المعمارية..، هذه المدرسة التي تعد ضاربة في القدم -بعد أن كانت ثكنة عسكرية لفائدة المستعمر الفرنسي إلى غاية الاستقلال - فحافظت إلى اليوم على طابعها المعماري الذي يحمل في طياته بصمات الايطاليين وأناقتهم.. حتى يٌخيّل لناظرها أن المدرسة عبارة عن تحفة فنية هاربة من كتب التاريخ ..

"الطموح والعلم والمعرفة" ثلاث كلمات تلخص شعار المدرسة التي توفر إمكانيات تعليمية جد ّمتطورة كيف لا والرائد أحلام الدوزي، خبيرة مع بعثة الأمم المتحدة بجمهورية الكونغو الديمقراطية متخصصة في الذخيرة والأسلحة منذ ماي 2021، التي تم تكريمها مؤخرا بمقر منظمة الأمم المتّحدة بنيويورك بمنحها جائزة الرّيادة الأمميّة كأفضل عنصر نسائي في مجال العدالة والإصلاح لسنة 2024 ببعثة الأمم المتّحدة لتحقيق الاستقرار بجمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة،هي خريجة المدرسة وواحدة من إطاراتها..، تكريم يتجاوز في جوهره الرائد أحلام ليطال المدرسة برمتها..

ويتجاوز إشعاع المدرسة بعده المحلي ليطال نجاحات دولية حيث شارك خريجوها وإطاراتها في عدة مهام أممية على غرار نشر سرية تدخّل سريع وفيلق مشاة خفيف بجمهورية إفريقيا الوسطى في إطار حفظ السلام تحت راية الأمم المتحدة...

تكوين متطوّر

توّفر المدرسة التقنية لجيش البر ببنزرت كل مقومات التكوين المتطور فهي مجهزة بقاعات تدريس ذات جودة عالية تواكب المستجدات التكنولوجية الحاصلة. ويقول العميد هشام خليفة في هذا السياق إن المدرسة تستجيب لطموح العسكريين وسعيهم للتكوين المستمر وتطوير مهارتهم التقنية وقدراتهم القتالية لتحقيق التميز.

وتؤمّن المدرسة التقنية لجيش البرّ ببنزرت التكوين والتربصات في الاختصاصات الإدارية والذخيرة والأسلحة والمعدات الدارجة والوقود للعسكريين من مختلف الأصناف التابعين لوزارة الدفاع الوطني والأفراد التابعين للهياكل والمؤسسات الوطنية.

كما تستقبل المدرسة متربصين من الدول الشقيقة والصديقة في إطار التعاون الثنائي وقد استقبلت في السنة التكوينية الحالية 2023 – 2024 عشرين متربّصا من دول إفريقية..

وبالتوازي مع مهامها التكوينية تشارك المدرسة التنقية لجيش البرّ في بنزرت في مهمات حفظ النظام العام كما تساهم في عمليات النجدة وحماية المواطنين من الكوارث والآفات الصحية والطبيعية، علاوة على تأمين المواعيد الوطنية الهامة كالانتخابات.

صحيح أنّنا تعرّفنا على المهام الموكولة للمدرسة وعاينا مدى التطور الموجود الذي يواكب المستجدات الحاصلة لتستقر في الذهن كمنارة معرفية وتكوينية هامة..، كما تعرّفنا أيضا على مقر الورشات التطبيقية حيث يتدرب المتربصون على تصليح المعدات الدارجة واللّحامة والمحركات والتجهيزات الكهربائية..، لكن أكثر ما لامس الوجدان فعلا هو ذلك القسم العسكري الذي دوّى في أرجاء المدرسة لحظة تمرين عسكري رفعت في نهايته راية الوطن عاليا:"اقسم بالله العظيم أن أتفانى في خدمة الوطن والدفاع عن حوزته وحماية مؤسساته الشرعية ومكاسبه من كل خطر أو عدوان داخلي أو خارجي وأن أحترم قوانين الدولة وأقوم بعملي بكل شرف وأمانة في كنف الطاعة والانضباط كي تبقى تونس حرة منيعة أبد الدهر أبد الدهر أبد الدهر"، لتتعالى الأصوات وتمتزج في لحظة ولاء للوطن .. ولا شيء غير الوطن..

منال حرزي

 

 

 

 

 

 

 

 

  خافرة أعالي البحار "سيفاكس" .. الفوج 51 طلائع بحرية عالية الجاهزية في التدخل

-المدرسة التقنية لجيش البر ببنزرت..

  العلم والمعرفة والطموح في أبهى تجلياته

تونس-الصباح

يٌقال أن عالم البحار على جماله الأخاذ وسحره الذي لا يٌقاوم، إلا أنه عالم مليء بالغموض يخفي في أعماقه أسرارا لا يعرف خباياها إلا المغامرين والمكتشفين.. وهكذا هي أيضا خافرة أعالي البحار "سيفاكس" عظيمة وساحرة في تفاصيلها، يكتنفها الغموض ويحوطها من كل جانب.. أما من يروم التعرف عليها وفك شٌفيرات ألغازها واستطلاع ثناياها فإن الأمر يحتاج إلى الكثير والكثير..

على بٌعد بضع أمتار من القاعدة البحرية ببنزرت ترسو خافرة أعالي البحار "سيفاكس" شامخة شموخ العلم التونسي الذي يرفرف فوقها تنتظر استقبال زوارها من الصحفيين ممن يدور بخلدهم عشرات الأسئلة.. فخافرة أعالي البحار "سيفاكس" -التي كانت هذه المرة محور الزيارة التي نظمتها وزارة الدفاع الوطني لفائدة الصحفيين- تبدٌو لناظرها كحقل ألغاز فكثرة الأبواب والسلالم المنتشرة هنا وهناك إلى جانب عظمة الخافرة تجعلك تدرك دقة وخصوصية المهام الموكولة إليها..

وأنت تلجٌ سطح الخافرة الفسيح تدرك لحظتها إلى أنه من غير الممكن أن تستكشف خبايا "سيفاكس" بمفردك فالأمر يحتاج إلى مرافق من طاقم الباخرة، وعدا ذلك فانك ستتوه في ثناياها..

خلية نحل

على متن "سيفاكس" انصرفنا نتجوّل على سطحها نراقب من بعيد طاقمها الذي كان عبارة عن خلية نحل تعمل في انتظام وانسجام تام فلكل دوره ومهامه الموكولة إليه يقوم بها بدقة وبعناية شديدة في مشهد شبيه بعقد اللؤلؤ الذي إن لم تتماسك حبّاته فإنه ينفرط..

وخافرة أعالي البحار "سيفاكس" هي وحدة بحرية من الجيل الجديد على درجة عالية من التطور وذات مهام متعددة ومختلفة وتتمثل بالأساس في الحماية والدفاع عن المصالح البحرية الوطنية، بالإضافة إلى التدخل للبحث والإنقاذ بالبحر والإغاثة والتدخل السريع في إطار التصدي للأعمال غير المشروعة بالبحر.

كما تعنى الخافرة أيضا وفقا لما أدلى به آمرها بتكوين ضباط الصف البحرية ورقباء جيش البحر في إطار تحضيرهم للحياة المهنية بالبحر، كما انه بإمكان الخافرة أيضا إسداء الخدمات للصالح العام على غرار التدخل عند اندلاع حريق والقيام بعمليات إجلاء المصابين وتقديم الإسعافات الأولية.. علما أن الخافرة تضم مدرجا لهبوط الطائرات التي يتم الاستنجاد بها لإجلاء المنكوبين في عرض البحر إلى جانب مصحة متطورة.. ونحن نجول ببصرنا في الخافرة نخمّن ما عساه يكون خلف بعض الأبواب الموصدة يرتفع صوت محرك الخافرة عاليا، قاطعا حبل أفكارنا لتنطلق إثرها "سيفاكس" تشق عباب البحر مغادرة الميناء حتى تلاشى من بعيد جمال مدينة بنزرت وسحرها الفاتن، لتفسح بذلك الخافرة لزوّارها المجال لمواكبة مغامرة من طراز خاص...

"نار.. نار".. يصرخ أحدهم فتعلو صفارات الإنذار مخترقة أرجاء المكان تتخللها دعوات لإغلاق الأبواب والمداخل.. ثم يتصاعد دخان كثيف وفي لمح البصر يعج المكان بفرق إنقاذ سيطرت في ظرف دقائق على الحريق.. لكن تبيّن لاحقا أن الحادث أسفر عن وجود مصاب.. فيتدخل هنا فريق الإسعاف حيث تولى احدهم تقديم الإسعافات اللازمة ليتم في مرحلة أخيرة نقله إلى المصحة التي تتضمنها الخافرة..

صحيح أن المشهد كان في إطار تمرين يحاكي إصابة خلال حريق بمحل المولد الاحتياط، لكن دقة التنفيذ جعلت من السيناريو وكأنه واقع فالجاهزية التي كانت عليها فرق التدخل تجعل الشك يساورك في أن ما تابعته من حيثيات الحريق وعملية إنقاذ المصاب هو مجرد تمرين يحاكي الواقع لا غير...

الفوج 51 لطلائع البحرية..

لم ينته التشويق ولم تنته أيضا التدخلات الدقيقة على متن خافرة أعالي البحار "سيفاكس" بل تواصلت مع الفوج 51 لطلائع البحرية في محاكاة لتمرين يومي يتمثل في تفتيش سفينة غير متعاونة.. والفوج 51 هو فوج عملياتي قتالي تابع لجيش البحر من ابرز مهامه التدخل لفائدة المنشآت الحساسة على طول السواحل التونسية والتدخل في العمليات الخاصة في الجزر هذا بالتوازي مع المساهمة في مكافحة الإرهاب ضمن قوات مشتركة واقتحام وتفتيش السفن غير المتعاونة وفقا لما أدلى به آمر الفوج .

فجأة خيّم الهدوء على أرجاء الخافرة واشرأبت الأعناق إلى عرض البحر تتابع بانتباه عملية محاصرة السفينة المشتبه بها بعد عدم استجابتها للاتصال بما يؤشر إلى عدم تعاونها..

على متن زورق سريع يقوم الفوج 51 لطلائع البحرية بمحاصرة السفينة علما أن العوامل الجوية يومها لم تكن على درجة عالية من الاستقرار إلا أن الفنيات والمهارات العالية للفوج 51 جعلت من الرياح القوية والبحر المضطرب نسبيا مجرد تفصيل بسيط...

من بين أبرز المراحل الدقيقة في عملية اقتحام السفينة المشتبه بها هي الصعود على متنها لتنطلق إثرها عملية تفتيش دقيقة بمعية عنصر الناب.. وأثناء عمليات الاقتحام يصاب احد العناصر فيتم إجلاؤه على متن الجوالة بعد أن خضع لجميع الإسعافات اللازمة أما السفينة التي ثبت تورطها في أعمال مشبوهة فإنها توجه وفقا لآمر الفوج إلى أقرب ميناء عسكري..

انتهت التمارين على متن خافرة أعالي البحار "سيفاكس" لكن ما تبادر إلى الذهن لحظتها هو أن هذا التمرين الذي حظي بانبهار الجميع والذي عكس مهارات فنية عالية من يقظة وجاهزية وسرعة ودقة في التدخل للفوج 51 طلائع بحرية جعلنا نتساءل كيف لو كانت عملية التدخل في عرض البحر ليلا لكنت الجاهزية العالية التي لامسناها عن قرب لدى الفوج إلى جانب المعدات الخصوصية التي عاينّاها عن كثب لهذه الوحدة العمالياتية القتالية تجعلنا على يقين بان هؤلاء الأسود الأشاوس الذين يقفون حصنا منيعا في عرض البحر قادرون على تذليل وتجاوز جميع الصعوبات والمخاطر مهما كان حجمها.

من الخافرة إلى المدرسة..

خافرة أعالي البحار "سيفاكس" لم تكن إلا محطة أولى ضمن برنامج زيارتنا فلا يمكن المرور على مدينة بنزرت دون الولوج إلى واحدة من اعرق المؤسسات التكوينية للعسكريين: المدرسة التقنية لجيش البر ببنزرت..، هذا الصرح المعرفي والتكويني الهام الذي مثل منارة معرفية ذات إشعاع وصيت دولي تروي جدرانه تفاصيل مسيرة معرفية وتكوينية أكثر من مميزة..

ما من زائر تطأ قدماه المكان إلا ويفتتن بسحره وتفاصيله اللافتة، فالمدرسة التقنية لجيش البر تسرّ ناظرها إلى ابعد الحدود..، وتحمله في رحلة إلى عوالم خاصة لها سحرها وبريقها.. فهي آسرة في تفاصيل هندستها المعمارية..، هذه المدرسة التي تعد ضاربة في القدم -بعد أن كانت ثكنة عسكرية لفائدة المستعمر الفرنسي إلى غاية الاستقلال - فحافظت إلى اليوم على طابعها المعماري الذي يحمل في طياته بصمات الايطاليين وأناقتهم.. حتى يٌخيّل لناظرها أن المدرسة عبارة عن تحفة فنية هاربة من كتب التاريخ ..

"الطموح والعلم والمعرفة" ثلاث كلمات تلخص شعار المدرسة التي توفر إمكانيات تعليمية جد ّمتطورة كيف لا والرائد أحلام الدوزي، خبيرة مع بعثة الأمم المتحدة بجمهورية الكونغو الديمقراطية متخصصة في الذخيرة والأسلحة منذ ماي 2021، التي تم تكريمها مؤخرا بمقر منظمة الأمم المتّحدة بنيويورك بمنحها جائزة الرّيادة الأمميّة كأفضل عنصر نسائي في مجال العدالة والإصلاح لسنة 2024 ببعثة الأمم المتّحدة لتحقيق الاستقرار بجمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة،هي خريجة المدرسة وواحدة من إطاراتها..، تكريم يتجاوز في جوهره الرائد أحلام ليطال المدرسة برمتها..

ويتجاوز إشعاع المدرسة بعده المحلي ليطال نجاحات دولية حيث شارك خريجوها وإطاراتها في عدة مهام أممية على غرار نشر سرية تدخّل سريع وفيلق مشاة خفيف بجمهورية إفريقيا الوسطى في إطار حفظ السلام تحت راية الأمم المتحدة...

تكوين متطوّر

توّفر المدرسة التقنية لجيش البر ببنزرت كل مقومات التكوين المتطور فهي مجهزة بقاعات تدريس ذات جودة عالية تواكب المستجدات التكنولوجية الحاصلة. ويقول العميد هشام خليفة في هذا السياق إن المدرسة تستجيب لطموح العسكريين وسعيهم للتكوين المستمر وتطوير مهارتهم التقنية وقدراتهم القتالية لتحقيق التميز.

وتؤمّن المدرسة التقنية لجيش البرّ ببنزرت التكوين والتربصات في الاختصاصات الإدارية والذخيرة والأسلحة والمعدات الدارجة والوقود للعسكريين من مختلف الأصناف التابعين لوزارة الدفاع الوطني والأفراد التابعين للهياكل والمؤسسات الوطنية.

كما تستقبل المدرسة متربصين من الدول الشقيقة والصديقة في إطار التعاون الثنائي وقد استقبلت في السنة التكوينية الحالية 2023 – 2024 عشرين متربّصا من دول إفريقية..

وبالتوازي مع مهامها التكوينية تشارك المدرسة التنقية لجيش البرّ في بنزرت في مهمات حفظ النظام العام كما تساهم في عمليات النجدة وحماية المواطنين من الكوارث والآفات الصحية والطبيعية، علاوة على تأمين المواعيد الوطنية الهامة كالانتخابات.

صحيح أنّنا تعرّفنا على المهام الموكولة للمدرسة وعاينا مدى التطور الموجود الذي يواكب المستجدات الحاصلة لتستقر في الذهن كمنارة معرفية وتكوينية هامة..، كما تعرّفنا أيضا على مقر الورشات التطبيقية حيث يتدرب المتربصون على تصليح المعدات الدارجة واللّحامة والمحركات والتجهيزات الكهربائية..، لكن أكثر ما لامس الوجدان فعلا هو ذلك القسم العسكري الذي دوّى في أرجاء المدرسة لحظة تمرين عسكري رفعت في نهايته راية الوطن عاليا:"اقسم بالله العظيم أن أتفانى في خدمة الوطن والدفاع عن حوزته وحماية مؤسساته الشرعية ومكاسبه من كل خطر أو عدوان داخلي أو خارجي وأن أحترم قوانين الدولة وأقوم بعملي بكل شرف وأمانة في كنف الطاعة والانضباط كي تبقى تونس حرة منيعة أبد الدهر أبد الدهر أبد الدهر"، لتتعالى الأصوات وتمتزج في لحظة ولاء للوطن .. ولا شيء غير الوطن..

منال حرزي

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews