هل تغيّرت نظرة المجتمع التونسي للزواج والإنجاب وتأسيس ما يعرف في المخيال الشعبي التونسي بـ "العايلة"؟ وهل أن الهاجس اليوم أضحى التحصيل العلمي والظفر بعمل "لائق" أم أن هناك اكراهات وعوامل أخرى جعلت مؤسسة الزواج مسألة ثانوية بالنسبة لكثيرين؟
أسئلة تٌطرح بشدّة بعد الأرقام والإحصائيات التي قدمها مؤخرا المعهد الوطني للإحصاء: أرقام تعكس إما تغيّرا في العقليات والاختيارات والتوجهات، أم أنها نتاج اكراهات وعوامل أخرى مادية بالأساس.
في هذا الخصوص قدّم مؤخرا مدير عام المعهد الوطني للإحصاء عدنان الأسود جملة من المؤشرات عن تراجع حجم الأسرة التونسية التي كانت تتكون في منتصف التسعينات من خمسة أفراد لتصبح اليوم بمعدل 3.8 فرد.
كما أشار الأسود إلى تراجع مؤشر الخصوبة لدى المرأة التونسية والذي كان في حدود 6 أبناء خلال منتصف السبعينات إلى أقل من طفلين حاليا مع ارتفاع سن الزواج لدى المرأة من 24 سنة في أوائل الثمانينات إلى 30 سنة حاليا.
وأكد الأسود على هامش الندوة الوطنية حول "الأسرة التونسية الآليات الوطنية للمرافقة والحماية" (والتي نظمتها وزارة المرأة السبت الماضي، وذكر بأن المسح العنقودي متعدد المؤشرات الذي قام به المعهد سنة 2023 كشف تراجع عدد الزيجات من حوالي 110 آلاف سنة 2014 إلى 77 ألف زواج خلال السنة الماضية، وتراجع عدد الولادات من 225 ألف ولادة إلى 160 ألف خلال الفترة ذاتها.
كما بين المسح أن 90.6% من النساء الحوامل قد خضعن إلى فحوصات طبية سنة 2023 في حين بلغت هذه النسبة 95.3% سنة 2018.
وتراجعت نسبة إخضاع المواليد لفحوصات طبية مهما كان نوعها من 96.8% إلى 95.4% في الفترة ذاتها، وفق نتائج المسح الذي كشف أيضا بأن 6 من بين 10 مواليد لا يتم إرضاعهم من الثدي خلال الساعة الأولى من الولادة في حين توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة إرضاع الطفل رضاعة طبيعية طيلة 6 أشهر حصرا.
من هذا المنطلق يٌرجع خبراء الاجتماع إلى أن تراجع مؤشرات الإنجاب والخصوبة لدى المرأة فضلا عن تراجع الزيجات مردّه ارتفاع كلفة المعيشة اليوم وتدنّي المقدرة الشرائية التي ما فتئت تتهاوى من سنة إلى أخرى .. وبالتالي أصبح العزوف عن الزواج خيارا بالنسبة للبعض.
وفي هذا الخصوص أوردت الباحثة في علم الاجتماع نجلاء بن سالم في تصريح لـ "الصباح" إن غلاء المعيشة وارتفاع كلفة الطفل الواحد أشرت إلى عزوف الشباب عن الزواج وهو أمر تؤكده الإحصائيات حيث تشير الأرقام إلى تراجع عقود الزواج بنسبة 36 بالمائة وتراجع عدد المواليد بنسبة 28 بالمائة خلال العشرية الأخيرة. وبالتالي فان العزوف عن الزواج أصبح في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة خيارا وليس ضرورة. وأضافت بن سالم أن الاكتفاء بإنجاب طفل أو طفلين بالنسبة للمتزوجين مرده أن سن الزواج بالنسبة للمرأة المتعلمة أصبح يتجاوز الثلاثين وبالتالي فان حياتها المهنية إلى جانب ضغوطات العمل والحياة تفرض عليها الاكتفاء بطفل أو طفلين.
من جانب آخر جدير بالذكر أن الدكتور محمد علي بن زينة أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية كان قد أورد مؤخرا في معرض تصريحاته لـ"موزاييك أف أم" أن تركيبة الأسر التونسية قد تغيرت منذ التسعينات هذا بالتوازي مع تراجع الولادات.
وفسر إن تغير التركيبة سيكون له تأثير واضح على المجتمع التونسي مستقبلا موضحا في معرض حديثه عن أسباب تغير التركيبة أن الأجيال المتعاقبة لم تعش نفس الظروف والمؤثرات قائلا: "نحدد الجيل ديمغرافيا بسنة الولادة لأن مواليد السنة الواحدة يعيشون نفس الظروف، مثلا مواليد فترة الكوفيد سيقع الحديث عنهم مستقبلا كجيل واحد وسيبقى هذا الحدث طاغيا على تلك الفترة".
وتابع محمد علي بن زينة "هناك تغيرات كبيرة في تركيبة المجتمع التونسية من بينها تراجع معدلات الخصوبة لدى المرأة من 6 أبناء في أواسط السبعينات إلى 2 الآن وتأخر سن الزواج.. ويمكن تفسير ذلك بتراجع نسبة الأمية وإقبال الفتيات على الدراسة ودخول المرأة لسوق العمل".
وكشف أن مؤشر نسبة السكان الناشطين مقارنة بغير الناشطين (وهم الأطفال والمسنين) غير مطمئن لأنّ نسبة الناشطين أقل من غير الناشطين وهذا سيكون بيّنا خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2044.
منال حرزي
تونس-الصباح
هل تغيّرت نظرة المجتمع التونسي للزواج والإنجاب وتأسيس ما يعرف في المخيال الشعبي التونسي بـ "العايلة"؟ وهل أن الهاجس اليوم أضحى التحصيل العلمي والظفر بعمل "لائق" أم أن هناك اكراهات وعوامل أخرى جعلت مؤسسة الزواج مسألة ثانوية بالنسبة لكثيرين؟
أسئلة تٌطرح بشدّة بعد الأرقام والإحصائيات التي قدمها مؤخرا المعهد الوطني للإحصاء: أرقام تعكس إما تغيّرا في العقليات والاختيارات والتوجهات، أم أنها نتاج اكراهات وعوامل أخرى مادية بالأساس.
في هذا الخصوص قدّم مؤخرا مدير عام المعهد الوطني للإحصاء عدنان الأسود جملة من المؤشرات عن تراجع حجم الأسرة التونسية التي كانت تتكون في منتصف التسعينات من خمسة أفراد لتصبح اليوم بمعدل 3.8 فرد.
كما أشار الأسود إلى تراجع مؤشر الخصوبة لدى المرأة التونسية والذي كان في حدود 6 أبناء خلال منتصف السبعينات إلى أقل من طفلين حاليا مع ارتفاع سن الزواج لدى المرأة من 24 سنة في أوائل الثمانينات إلى 30 سنة حاليا.
وأكد الأسود على هامش الندوة الوطنية حول "الأسرة التونسية الآليات الوطنية للمرافقة والحماية" (والتي نظمتها وزارة المرأة السبت الماضي، وذكر بأن المسح العنقودي متعدد المؤشرات الذي قام به المعهد سنة 2023 كشف تراجع عدد الزيجات من حوالي 110 آلاف سنة 2014 إلى 77 ألف زواج خلال السنة الماضية، وتراجع عدد الولادات من 225 ألف ولادة إلى 160 ألف خلال الفترة ذاتها.
كما بين المسح أن 90.6% من النساء الحوامل قد خضعن إلى فحوصات طبية سنة 2023 في حين بلغت هذه النسبة 95.3% سنة 2018.
وتراجعت نسبة إخضاع المواليد لفحوصات طبية مهما كان نوعها من 96.8% إلى 95.4% في الفترة ذاتها، وفق نتائج المسح الذي كشف أيضا بأن 6 من بين 10 مواليد لا يتم إرضاعهم من الثدي خلال الساعة الأولى من الولادة في حين توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة إرضاع الطفل رضاعة طبيعية طيلة 6 أشهر حصرا.
من هذا المنطلق يٌرجع خبراء الاجتماع إلى أن تراجع مؤشرات الإنجاب والخصوبة لدى المرأة فضلا عن تراجع الزيجات مردّه ارتفاع كلفة المعيشة اليوم وتدنّي المقدرة الشرائية التي ما فتئت تتهاوى من سنة إلى أخرى .. وبالتالي أصبح العزوف عن الزواج خيارا بالنسبة للبعض.
وفي هذا الخصوص أوردت الباحثة في علم الاجتماع نجلاء بن سالم في تصريح لـ "الصباح" إن غلاء المعيشة وارتفاع كلفة الطفل الواحد أشرت إلى عزوف الشباب عن الزواج وهو أمر تؤكده الإحصائيات حيث تشير الأرقام إلى تراجع عقود الزواج بنسبة 36 بالمائة وتراجع عدد المواليد بنسبة 28 بالمائة خلال العشرية الأخيرة. وبالتالي فان العزوف عن الزواج أصبح في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة خيارا وليس ضرورة. وأضافت بن سالم أن الاكتفاء بإنجاب طفل أو طفلين بالنسبة للمتزوجين مرده أن سن الزواج بالنسبة للمرأة المتعلمة أصبح يتجاوز الثلاثين وبالتالي فان حياتها المهنية إلى جانب ضغوطات العمل والحياة تفرض عليها الاكتفاء بطفل أو طفلين.
من جانب آخر جدير بالذكر أن الدكتور محمد علي بن زينة أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية كان قد أورد مؤخرا في معرض تصريحاته لـ"موزاييك أف أم" أن تركيبة الأسر التونسية قد تغيرت منذ التسعينات هذا بالتوازي مع تراجع الولادات.
وفسر إن تغير التركيبة سيكون له تأثير واضح على المجتمع التونسي مستقبلا موضحا في معرض حديثه عن أسباب تغير التركيبة أن الأجيال المتعاقبة لم تعش نفس الظروف والمؤثرات قائلا: "نحدد الجيل ديمغرافيا بسنة الولادة لأن مواليد السنة الواحدة يعيشون نفس الظروف، مثلا مواليد فترة الكوفيد سيقع الحديث عنهم مستقبلا كجيل واحد وسيبقى هذا الحدث طاغيا على تلك الفترة".
وتابع محمد علي بن زينة "هناك تغيرات كبيرة في تركيبة المجتمع التونسية من بينها تراجع معدلات الخصوبة لدى المرأة من 6 أبناء في أواسط السبعينات إلى 2 الآن وتأخر سن الزواج.. ويمكن تفسير ذلك بتراجع نسبة الأمية وإقبال الفتيات على الدراسة ودخول المرأة لسوق العمل".
وكشف أن مؤشر نسبة السكان الناشطين مقارنة بغير الناشطين (وهم الأطفال والمسنين) غير مطمئن لأنّ نسبة الناشطين أقل من غير الناشطين وهذا سيكون بيّنا خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2044.