إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بمناسبة اليوم الوطني للباس التقليدي .. بعد سنوات هل سيبقى لنا لباس وطني؟

كانت العمامة في ذلك العهد زيّ التلميذ الزيتوني منذ التحاقه بالدراسة ثم هُجرت، غير أنها كانت إجبارية عند المشاركة في الامتحانات

في أواخر القرن التاسع عشر لا تجد رجلا في الطريق العام إلاّ متعمّما بعمامة صفراء (كشطة مطروزة) أو بيضاء بالنسبة للمنتسبين لأهل العلم أو الوظائف التي تقلّدها خرّيجو جامع الزيتونة، كسلك العدول أو القائمين على شؤون المساجد.

 وكانت العمامة في ذلك العهد زيّ التلميذ الزيتوني منذ التحاقه بالدراسة ثم هُجرت، غير أنها كانت إجبارية عند المشاركة في الامتحانات وكانت هذه ميزة يختلف بها التلميذ الزيتوني بالمقارنة مع التلميذ الصادقي إلى أن وقع إلغاء التعليم الزيتوني على إثر الاستقلال وأصبحنا نشاهد طلبة الکليّة الزيتونية يهجرون الجبّة والعمامة حتى في شهادات الدكتوراه وعوّضوها بالبدلة السوداء على العادة الجاري بها العمل في البلدان الأروبيّة. يقول العلاّمة المؤرّخ وليّ الدين بن خلدون «المغلوب مولع بتقليد الغالب». كما ظهرت هذه الظاهرة أيضا في المساجد حيث أن أغلب الأيمّة الخمس والسدنة أصبحوا يرتدون اللباس الطائفي ومثلهم بعض الأيمّة الخطباء بدعوى أن اللباس التونسي أصبح غير متناول للجميع لارتفاع أسعاره بسبب أصحاب المهن الذين لا يرشدون الحريف متوسط الدخل.

 يمتاز اللباس التونسي بمزيج من التأثيرات الحضارية بربریّة کالبُرنس، وعربية كالجبّة، وعثمانيّة كالقفطان والجوخة والفرّاجة والملوسة، وأندلسيّة كالشاشية مما جعله لباسا متميّزا وأجمل لباس عربي علی الإطلاق. غیر أنّ هذا الموروث اليوم معرّض للاضمحلال شيئا فشيئا بسبب الدُّخلاء على القطاع والرغبة في جمع المال، وباسم الابتكار الذي سبّبه أصبح اللباس الوطني يتشوّه وترتفع أسعاره. ومن القِطَع من هي بصدد الاضمحلال كأنواع من زينة الجبّة كالنوّارات والجليزيّات، والبرنوس بالشرارب وشبكة البرنس وجبّة الشمسّ. حيث أصبح العديد من سوق الشواشية مقاهي. وانتشار نوع من غطاء الرأس يشبه الشاشية بفارق كبير في السعر بينها وبين الشاشية التونسية الأصلية. ومن المؤسف أن نجد العديد من الأسواق في مدينة تونس تنقرض الصناعات التقليدية فيها، كسوق البرانسية وسوق القوافي والبشامقية (الشمق والريحية) وسوق الكناتريّة والشبرلّة وحتى التي ليس لها علاقة باللباس كسوق العطّارين وسوق الفكّة وسوق السرّاجين والكُتبيّة...إلخ

اقتراحنا لدعم هذا القطاع وحمايته من الاندثار:

1/ تشجيع الشباب وغيرهم بتعليم مهن التراث مع منحة تشجيعية من وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة السياحة. وإعادة فتح المدارس التي أغلقت أغلبها كالمرادية بسوق القماش والشمّاعيّة قرب سوق البلاغجيّة...إلخ

2/ جعل هذه المهن من مهن التراث دون الاقتصار على صناعة الفسيفساء والنحت في معهد مهن التراث بباب الخضراء.

3/ تدوين هذه الصناعات في كتب تكون تحت إشراف المعهد الوطني للتراث ووزارة الثقافة ووزارة السياحة ككتاب «السيدة فاطمة بن بشر» وكتاب «البدلات النسائية» تأليف جماعي، الذي أعيد نشره من طرف دار الكتب الوطنية تونس باللغتين عربي/فرنسي.

4/ جعل القِطَع النادرة التي كانت موجودة بمتحف دار بن عبد الله في متحف باردو في جناح خاص باللباس التونسي بمتحف باردو.

5/ الزام وزارة الشؤون الدينية جميع إطارات المساجد بلبس اللباس التونسي ومنع اللباس الطائفي عند قيامهم بالشعائر الدينية، ومنع تعليقه في بيت الصلاة للمصلين.

6/ معاقبة تشويه اللباس التونسي باسم الابتكار.

7/ إعادة إحياء الصناعات التي بصدد الاضمحلال.

8/ إلزام جميع السفراء بلبس الجبة التونسية والبرنس والشاشية عند تسلّم أوراق اعتمادهم من طرف الرؤساء الأجانب، وعن تقبّل المعايدات.

وجاء في منشور صادر عن كتابة الدولة للشؤون الدينية قبل أن تصبح وزارة في نص موجّه إلى الأيمّة الخطباء بخصوص المحافظة على اللباس الوطني ومعارضة اللباس الطائفي: لا يخفي على السادة الهداة والداعين إلى الله ما لمظهرهم الخارجي من ملحوظ أثر على ذاتهم وعلى موعّظيهم مما يدعو إلى تحريضهم على أن يكونوا أكثر عناية بألبستهم وأزيائهم.

وإنّا لندعوهم إلى أن يتولّوا المحافظة على الزيّ التقليدي التونسي المتمثّل في الجبّة والشاشيّة الحمراء أو العمامة والبُرنس إن أمكن مع الحرص على النظافة واللياقة الضامنين لتوفير الهيبة والوقار.وفي ذلك ما يضمن للإمام مفهوم القدوة الحسنة والمثال الذي به يعتبر قولا وسلوكا.وآمل أن يعمل الجميع على تطبيق ما جاء في هذا المنشور من توجيه."

سامي بن بشر

 

 

 

 

بمناسبة اليوم الوطني للباس التقليدي .. بعد سنوات هل سيبقى لنا لباس وطني؟

كانت العمامة في ذلك العهد زيّ التلميذ الزيتوني منذ التحاقه بالدراسة ثم هُجرت، غير أنها كانت إجبارية عند المشاركة في الامتحانات

في أواخر القرن التاسع عشر لا تجد رجلا في الطريق العام إلاّ متعمّما بعمامة صفراء (كشطة مطروزة) أو بيضاء بالنسبة للمنتسبين لأهل العلم أو الوظائف التي تقلّدها خرّيجو جامع الزيتونة، كسلك العدول أو القائمين على شؤون المساجد.

 وكانت العمامة في ذلك العهد زيّ التلميذ الزيتوني منذ التحاقه بالدراسة ثم هُجرت، غير أنها كانت إجبارية عند المشاركة في الامتحانات وكانت هذه ميزة يختلف بها التلميذ الزيتوني بالمقارنة مع التلميذ الصادقي إلى أن وقع إلغاء التعليم الزيتوني على إثر الاستقلال وأصبحنا نشاهد طلبة الکليّة الزيتونية يهجرون الجبّة والعمامة حتى في شهادات الدكتوراه وعوّضوها بالبدلة السوداء على العادة الجاري بها العمل في البلدان الأروبيّة. يقول العلاّمة المؤرّخ وليّ الدين بن خلدون «المغلوب مولع بتقليد الغالب». كما ظهرت هذه الظاهرة أيضا في المساجد حيث أن أغلب الأيمّة الخمس والسدنة أصبحوا يرتدون اللباس الطائفي ومثلهم بعض الأيمّة الخطباء بدعوى أن اللباس التونسي أصبح غير متناول للجميع لارتفاع أسعاره بسبب أصحاب المهن الذين لا يرشدون الحريف متوسط الدخل.

 يمتاز اللباس التونسي بمزيج من التأثيرات الحضارية بربریّة کالبُرنس، وعربية كالجبّة، وعثمانيّة كالقفطان والجوخة والفرّاجة والملوسة، وأندلسيّة كالشاشية مما جعله لباسا متميّزا وأجمل لباس عربي علی الإطلاق. غیر أنّ هذا الموروث اليوم معرّض للاضمحلال شيئا فشيئا بسبب الدُّخلاء على القطاع والرغبة في جمع المال، وباسم الابتكار الذي سبّبه أصبح اللباس الوطني يتشوّه وترتفع أسعاره. ومن القِطَع من هي بصدد الاضمحلال كأنواع من زينة الجبّة كالنوّارات والجليزيّات، والبرنوس بالشرارب وشبكة البرنس وجبّة الشمسّ. حيث أصبح العديد من سوق الشواشية مقاهي. وانتشار نوع من غطاء الرأس يشبه الشاشية بفارق كبير في السعر بينها وبين الشاشية التونسية الأصلية. ومن المؤسف أن نجد العديد من الأسواق في مدينة تونس تنقرض الصناعات التقليدية فيها، كسوق البرانسية وسوق القوافي والبشامقية (الشمق والريحية) وسوق الكناتريّة والشبرلّة وحتى التي ليس لها علاقة باللباس كسوق العطّارين وسوق الفكّة وسوق السرّاجين والكُتبيّة...إلخ

اقتراحنا لدعم هذا القطاع وحمايته من الاندثار:

1/ تشجيع الشباب وغيرهم بتعليم مهن التراث مع منحة تشجيعية من وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة السياحة. وإعادة فتح المدارس التي أغلقت أغلبها كالمرادية بسوق القماش والشمّاعيّة قرب سوق البلاغجيّة...إلخ

2/ جعل هذه المهن من مهن التراث دون الاقتصار على صناعة الفسيفساء والنحت في معهد مهن التراث بباب الخضراء.

3/ تدوين هذه الصناعات في كتب تكون تحت إشراف المعهد الوطني للتراث ووزارة الثقافة ووزارة السياحة ككتاب «السيدة فاطمة بن بشر» وكتاب «البدلات النسائية» تأليف جماعي، الذي أعيد نشره من طرف دار الكتب الوطنية تونس باللغتين عربي/فرنسي.

4/ جعل القِطَع النادرة التي كانت موجودة بمتحف دار بن عبد الله في متحف باردو في جناح خاص باللباس التونسي بمتحف باردو.

5/ الزام وزارة الشؤون الدينية جميع إطارات المساجد بلبس اللباس التونسي ومنع اللباس الطائفي عند قيامهم بالشعائر الدينية، ومنع تعليقه في بيت الصلاة للمصلين.

6/ معاقبة تشويه اللباس التونسي باسم الابتكار.

7/ إعادة إحياء الصناعات التي بصدد الاضمحلال.

8/ إلزام جميع السفراء بلبس الجبة التونسية والبرنس والشاشية عند تسلّم أوراق اعتمادهم من طرف الرؤساء الأجانب، وعن تقبّل المعايدات.

وجاء في منشور صادر عن كتابة الدولة للشؤون الدينية قبل أن تصبح وزارة في نص موجّه إلى الأيمّة الخطباء بخصوص المحافظة على اللباس الوطني ومعارضة اللباس الطائفي: لا يخفي على السادة الهداة والداعين إلى الله ما لمظهرهم الخارجي من ملحوظ أثر على ذاتهم وعلى موعّظيهم مما يدعو إلى تحريضهم على أن يكونوا أكثر عناية بألبستهم وأزيائهم.

وإنّا لندعوهم إلى أن يتولّوا المحافظة على الزيّ التقليدي التونسي المتمثّل في الجبّة والشاشيّة الحمراء أو العمامة والبُرنس إن أمكن مع الحرص على النظافة واللياقة الضامنين لتوفير الهيبة والوقار.وفي ذلك ما يضمن للإمام مفهوم القدوة الحسنة والمثال الذي به يعتبر قولا وسلوكا.وآمل أن يعمل الجميع على تطبيق ما جاء في هذا المنشور من توجيه."

سامي بن بشر