إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بطاقة كتاب: "الشرخ الأوسط: صديقي العربي يستفيق!" للكاتب و الإعلامي د.عماد دبور.. قراءة صادمة للتاريخ العربي تنزع ورقة التوت عن واقع الأمة وأوهامها

بقلم: ريم القمري

تونس - الصباح

في الواقع ليس من السهل، أن نكتب تحديدا عن هذا الكتاب، انه كتاب رغم شدة وضوح أفكاره ،وطرحه إلا أنه كتاب ملغز.

كتاب "الشرخ الأوسط صديقي العربي يستفيق", للكاتب والإعلامي الدكتور عماد دبور ،والصادر عن دار الكتاب التونسية ، والذي جاء في 231 صفحة..

كتاب تحتار في تصنيفه، أو وصفه، فمنذ العتبة الأولى، عتبة العنوان ، نحتار هل هو رواية، أو ربما هو طرح تاريخي، أو ربما هو قراءة تحليلية وسوسيولوجيا للتاريخ، و للحاضر العربي .

إنه في الواقع ،يجمع كل ذلك دون أن يكون،  قابلا للتصنيف ضمن صنف أدبي محدد.

وبالعودة للعنوان ، وقبل أن نبدأ ، في قراءة الكتاب قد نميل إلى تصنيفه ،ضمن مجال الرواية، وستتعزز هذه الفكرة كثيرا في الصفحات الأولى من الكتاب، حيث سنجد أنفسنا ، أمام شخصية "قديم" وهو رجل عربي متأصل ومتجذر في عروبته،  عاش حقبا عربية عديدة، وعاش انتصارات وهزائم عربية كثيرة ، عاصر المتنبي ، والفاطميين ، والروم ، وبين كل حقبة زمنية وأخرى ،كان يغرق في النوم، أو في ما يعرف السبات العميق  ليستفيق في حقبة عربية/ زمنية أخرى ثم يعود للنوم مجدداً .

وعلى امتداد الكتاب سنكتشف، أن العلاقة بين الكاتب أو الراوي أو السارد ، وبين هذه الشخصية "قديم "ستكون العمود الفقري للكتاب ، والمحرك الأساسي لأحداثه. فالقصة، أو الحكاية، هي حوار طويل  بين السارد وهو في الحقيقة  كما سنكتشف ذلك لاحقا ، عماد دبور نفسه وصديقه "قديم" الذي استفاق بعد سبات طويل، ليجد أن الواقع العربي،  قد اختلف اختلافا جذريا ، عما كان عليه الحال قبل نومته الأخيرة، اختلف سياسيا واجتماعيا وثقافيا ، وحتى تكنولوجيا.

وهنا سيأخذ السارد ( عماد  أو عمدة) ،بيد صديقه "قديم" ويسرد على مسامعه التاريخ العربي الحديث، في الفترة التي سبقت سقوط السلطنة العثمانية ( الرجل المريض) ، و نشأة فكرة القومية العربية ، و من بعدها نشأة الجامعة العربية ، وما انجر عن ذلك من ولادة دول عربية جديدة ، لم تكن موجودة ، وإعادة تشكيل ورسم حدود دول عربية أخرى قديمة، في ظل حرب عالمية أولى ، و بروز حركة استعمارية أوروبية تحركها أطماع اقتصادية، وصولا إلى منعرج هام وهو اكتشاف النفط ، والذي سيقلب المعادلة العربية والعالمية ، سيرزح جزء كبير من العالم العربي تحت وطأة الاحتلال الغربي أو الاستعمار أو الحماية المباشرة، ثم يتحرر ليبقي أسير الهيمنة الاستعمارية الغربية بشقيها الغربي والأمريكي، بصفة غير مباشرة، في شكل هيمنة اقتصادية وثقافية.

ايها القارئ  أنها رحلة طويلة ، وعليك أن تنتبه لأنها رحلة مؤلمة وموجعة جدآ ، لذلك في تصدير الكتاب حذر دبور من قراءته و اقتنائه ،بل طلب أن يرميه القراء الذي لا يريد أن يشقى و يتألم من وجع حقيقة التاريخ العربي ، القائم على الدسائس والمؤامرات والخيانات والهزائم والخيبات. والمبني على نظرية المؤامرة.

إنها رحلة تاريخية ،تبحث في جذور التاريخ العربي الحديث،  ابتداء من نشأة فكرة القومية العربية ،مرورا بالاحتلال العثماني وصولا للإستعمار الفرنسي الإنجليزي لكل المنطقة العربية. و نشأة الكيان الإسرائيلي ، الذي زرع في قلب الشرق الأوسط ، و شتات الشعب الفلسطيني لأكثر من ستين سنة ، بمباركة عربية.

نجح دبور في إبراز الحقائق التاريخية ونزع الأقنعة الواحد تلوى الآخر .

أراد أن يعري الجرح والوجع العربي، لذلك كان ربما في حديثه صادما لأنه إختار أن يعري ورقة التوت عن التاريخ العربي الحديث بأسره ، لقد حرص على أن يبرز أن العرب ، هم من يتحملون مسؤولية تخلفهم وتشتتهم. بما فيه ضياع فلسطين.

وإن عرج في حديثه، عن السياسة البريطانية الاستعمارية ،وعن اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة،  وعن كل ما كان يحاك من مؤامرات ، لإحكام السيطرة على المنطقة العربية وعلى ثرواتها.

لكنه في ذات الوقت سلط الضوء على التشذرم العربي، على طمع رؤساء وشيوخ القبائل العرب ،فيما بينهم لاقتسام السلطة، وتحالفهم مع المستعمر البريطاني، والفرنسي لتحقيق هذه المٱرب ، وذلك على حساب شعوبهم وعلى حساب القضية الفلسطينية.

شرح عماد دبور أيضا الحركة الناصرية، ومن ورائها الحركة القومية، وأيضا المد الاشتراكي العربي والفكر اليساري عموما، معرجا على الثورة البولشيفية، وعلى بروز الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية إبان انتصارها في الحرب العالمية الثانية ، والدور الذي أصبحت تلعبه في المنطقة، من تحالفات مع العرب من جهة ، و دعم مطلق للكيان الصهيوني الناشئ.

لم يترك دبور شاردة ولا واردة إلا وتطرق لها، وربطها بما آل إليه مصير الأمة العربية ، وان كان لا يعتقد بوجود أمة عربية متجانسة فعلا ، وركز على فكرة الجامعة العربية التي ولدت كيانا مشوها عاجزا و مشلولا ،كيانا خلقته بريطانيا ليعمق الخلافات العربية ، ويزيد عمق شرخ العلاقات العربية.

ما يشدك في الكتاب هو أن دبور امتلك المقدرة على ان يتحدث في مواضيع عديدة، ومتشابكة، وان كانت كلها مترابطة بشكل ما،  إلا أنه استطاع ، أن ينتقل بسلاسة من إشكالية الى أخرى،  دون أن يضيع الخط الرابط للأحداث .

فليس من السهل أن تتحدث عن تاريخ المنطقة العربية بشرقها الأوسط ، وبمغربها العربي، منذ أواخر الحكم العثماني، وصولا الى ما يسمى بثورات الربيع العربي. وتبقى محافظا على خيط ناظم ورابط، بين كل هذه الأحداث ،في كتاب أراده صاحبه ربما ان يكون جنسا في الكتابة مختلفا.

فلا هو بالرواية ، ولا هو بالبحث ولا هو بالطرح التاريخي الصرف .

إنه كل ذلك، دون ان يكون في شكل محدد.

في الجزء الذي خصصه عماد دبور، للحديث عن ثورات الربيع العربي، وإن كنت أتمنى لو أنه تعمق أكثر في هذا الجزء ، وتحدث أكثر عن حقيقة هذا الربيع، لكننا لمسناغضبه، وخيبته كمثقف وككاتب، حمل مطولا حلم الديمقراطية والحرية.

ربما خيبات التاريخ العربي الحديث، ولعل آخرها الثورة التونسية ،ومن ورائها ثورات الربيع العربي، التي سرقت وتحولت الى وبال على شعوبها، جعلت الكاتب يخلص في النهاية الى فكرة ، مفادها أن ان العرب، هم فقط المسؤولون عن كل هذا الخراب، لأنهم لم يستوعبوا المعنى الحقيقي للحرية والتحرر والديمقراطية ، التى صنعوها على مقاس حكامهم ورؤسائهم وملوكهم.

ولم ينجحوا في بناء دولة حديثة ومتقدمة ، تضاهي الدول الأوروبية ، وظلوا محكومين بين، سلفية فكرية جهادية تارة  وبين ديمقراطية مستوردة ، لم تهيأ لها أرضية فكرية حقيقية.

ومثقف عربي غير قادر على تقديم إضافة حقيقية.

ينتهي الكتاب بعودة صديق عمدة " قديم" للنوم ، بعد أن أثخنته جراح عروبته.

الشرخ الأوسط : كتاب مختلف  شكلا ، يطرح قضايا هامة. ويستحق أن يقرأ ، ربما اكثر من مرة. لعل العرب يستفيقون.

 

بطاقة كتاب: "الشرخ الأوسط: صديقي العربي يستفيق!" للكاتب و الإعلامي د.عماد دبور.. قراءة صادمة للتاريخ العربي تنزع  ورقة التوت عن واقع الأمة وأوهامها

بقلم: ريم القمري

تونس - الصباح

في الواقع ليس من السهل، أن نكتب تحديدا عن هذا الكتاب، انه كتاب رغم شدة وضوح أفكاره ،وطرحه إلا أنه كتاب ملغز.

كتاب "الشرخ الأوسط صديقي العربي يستفيق", للكاتب والإعلامي الدكتور عماد دبور ،والصادر عن دار الكتاب التونسية ، والذي جاء في 231 صفحة..

كتاب تحتار في تصنيفه، أو وصفه، فمنذ العتبة الأولى، عتبة العنوان ، نحتار هل هو رواية، أو ربما هو طرح تاريخي، أو ربما هو قراءة تحليلية وسوسيولوجيا للتاريخ، و للحاضر العربي .

إنه في الواقع ،يجمع كل ذلك دون أن يكون،  قابلا للتصنيف ضمن صنف أدبي محدد.

وبالعودة للعنوان ، وقبل أن نبدأ ، في قراءة الكتاب قد نميل إلى تصنيفه ،ضمن مجال الرواية، وستتعزز هذه الفكرة كثيرا في الصفحات الأولى من الكتاب، حيث سنجد أنفسنا ، أمام شخصية "قديم" وهو رجل عربي متأصل ومتجذر في عروبته،  عاش حقبا عربية عديدة، وعاش انتصارات وهزائم عربية كثيرة ، عاصر المتنبي ، والفاطميين ، والروم ، وبين كل حقبة زمنية وأخرى ،كان يغرق في النوم، أو في ما يعرف السبات العميق  ليستفيق في حقبة عربية/ زمنية أخرى ثم يعود للنوم مجدداً .

وعلى امتداد الكتاب سنكتشف، أن العلاقة بين الكاتب أو الراوي أو السارد ، وبين هذه الشخصية "قديم "ستكون العمود الفقري للكتاب ، والمحرك الأساسي لأحداثه. فالقصة، أو الحكاية، هي حوار طويل  بين السارد وهو في الحقيقة  كما سنكتشف ذلك لاحقا ، عماد دبور نفسه وصديقه "قديم" الذي استفاق بعد سبات طويل، ليجد أن الواقع العربي،  قد اختلف اختلافا جذريا ، عما كان عليه الحال قبل نومته الأخيرة، اختلف سياسيا واجتماعيا وثقافيا ، وحتى تكنولوجيا.

وهنا سيأخذ السارد ( عماد  أو عمدة) ،بيد صديقه "قديم" ويسرد على مسامعه التاريخ العربي الحديث، في الفترة التي سبقت سقوط السلطنة العثمانية ( الرجل المريض) ، و نشأة فكرة القومية العربية ، و من بعدها نشأة الجامعة العربية ، وما انجر عن ذلك من ولادة دول عربية جديدة ، لم تكن موجودة ، وإعادة تشكيل ورسم حدود دول عربية أخرى قديمة، في ظل حرب عالمية أولى ، و بروز حركة استعمارية أوروبية تحركها أطماع اقتصادية، وصولا إلى منعرج هام وهو اكتشاف النفط ، والذي سيقلب المعادلة العربية والعالمية ، سيرزح جزء كبير من العالم العربي تحت وطأة الاحتلال الغربي أو الاستعمار أو الحماية المباشرة، ثم يتحرر ليبقي أسير الهيمنة الاستعمارية الغربية بشقيها الغربي والأمريكي، بصفة غير مباشرة، في شكل هيمنة اقتصادية وثقافية.

ايها القارئ  أنها رحلة طويلة ، وعليك أن تنتبه لأنها رحلة مؤلمة وموجعة جدآ ، لذلك في تصدير الكتاب حذر دبور من قراءته و اقتنائه ،بل طلب أن يرميه القراء الذي لا يريد أن يشقى و يتألم من وجع حقيقة التاريخ العربي ، القائم على الدسائس والمؤامرات والخيانات والهزائم والخيبات. والمبني على نظرية المؤامرة.

إنها رحلة تاريخية ،تبحث في جذور التاريخ العربي الحديث،  ابتداء من نشأة فكرة القومية العربية ،مرورا بالاحتلال العثماني وصولا للإستعمار الفرنسي الإنجليزي لكل المنطقة العربية. و نشأة الكيان الإسرائيلي ، الذي زرع في قلب الشرق الأوسط ، و شتات الشعب الفلسطيني لأكثر من ستين سنة ، بمباركة عربية.

نجح دبور في إبراز الحقائق التاريخية ونزع الأقنعة الواحد تلوى الآخر .

أراد أن يعري الجرح والوجع العربي، لذلك كان ربما في حديثه صادما لأنه إختار أن يعري ورقة التوت عن التاريخ العربي الحديث بأسره ، لقد حرص على أن يبرز أن العرب ، هم من يتحملون مسؤولية تخلفهم وتشتتهم. بما فيه ضياع فلسطين.

وإن عرج في حديثه، عن السياسة البريطانية الاستعمارية ،وعن اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة،  وعن كل ما كان يحاك من مؤامرات ، لإحكام السيطرة على المنطقة العربية وعلى ثرواتها.

لكنه في ذات الوقت سلط الضوء على التشذرم العربي، على طمع رؤساء وشيوخ القبائل العرب ،فيما بينهم لاقتسام السلطة، وتحالفهم مع المستعمر البريطاني، والفرنسي لتحقيق هذه المٱرب ، وذلك على حساب شعوبهم وعلى حساب القضية الفلسطينية.

شرح عماد دبور أيضا الحركة الناصرية، ومن ورائها الحركة القومية، وأيضا المد الاشتراكي العربي والفكر اليساري عموما، معرجا على الثورة البولشيفية، وعلى بروز الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية إبان انتصارها في الحرب العالمية الثانية ، والدور الذي أصبحت تلعبه في المنطقة، من تحالفات مع العرب من جهة ، و دعم مطلق للكيان الصهيوني الناشئ.

لم يترك دبور شاردة ولا واردة إلا وتطرق لها، وربطها بما آل إليه مصير الأمة العربية ، وان كان لا يعتقد بوجود أمة عربية متجانسة فعلا ، وركز على فكرة الجامعة العربية التي ولدت كيانا مشوها عاجزا و مشلولا ،كيانا خلقته بريطانيا ليعمق الخلافات العربية ، ويزيد عمق شرخ العلاقات العربية.

ما يشدك في الكتاب هو أن دبور امتلك المقدرة على ان يتحدث في مواضيع عديدة، ومتشابكة، وان كانت كلها مترابطة بشكل ما،  إلا أنه استطاع ، أن ينتقل بسلاسة من إشكالية الى أخرى،  دون أن يضيع الخط الرابط للأحداث .

فليس من السهل أن تتحدث عن تاريخ المنطقة العربية بشرقها الأوسط ، وبمغربها العربي، منذ أواخر الحكم العثماني، وصولا الى ما يسمى بثورات الربيع العربي. وتبقى محافظا على خيط ناظم ورابط، بين كل هذه الأحداث ،في كتاب أراده صاحبه ربما ان يكون جنسا في الكتابة مختلفا.

فلا هو بالرواية ، ولا هو بالبحث ولا هو بالطرح التاريخي الصرف .

إنه كل ذلك، دون ان يكون في شكل محدد.

في الجزء الذي خصصه عماد دبور، للحديث عن ثورات الربيع العربي، وإن كنت أتمنى لو أنه تعمق أكثر في هذا الجزء ، وتحدث أكثر عن حقيقة هذا الربيع، لكننا لمسناغضبه، وخيبته كمثقف وككاتب، حمل مطولا حلم الديمقراطية والحرية.

ربما خيبات التاريخ العربي الحديث، ولعل آخرها الثورة التونسية ،ومن ورائها ثورات الربيع العربي، التي سرقت وتحولت الى وبال على شعوبها، جعلت الكاتب يخلص في النهاية الى فكرة ، مفادها أن ان العرب، هم فقط المسؤولون عن كل هذا الخراب، لأنهم لم يستوعبوا المعنى الحقيقي للحرية والتحرر والديمقراطية ، التى صنعوها على مقاس حكامهم ورؤسائهم وملوكهم.

ولم ينجحوا في بناء دولة حديثة ومتقدمة ، تضاهي الدول الأوروبية ، وظلوا محكومين بين، سلفية فكرية جهادية تارة  وبين ديمقراطية مستوردة ، لم تهيأ لها أرضية فكرية حقيقية.

ومثقف عربي غير قادر على تقديم إضافة حقيقية.

ينتهي الكتاب بعودة صديق عمدة " قديم" للنوم ، بعد أن أثخنته جراح عروبته.

الشرخ الأوسط : كتاب مختلف  شكلا ، يطرح قضايا هامة. ويستحق أن يقرأ ، ربما اكثر من مرة. لعل العرب يستفيقون.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews