إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أعلام من جزيرة الأحــلام... وبدايات المسرح التونسي(3/2)

 

بقلم: فاخــر الرويســـي

 

سليمان بن جمعة...اول ضحية في سبيل التمثيل

 

وتعميما للفائدة وخدمة لتاريخ المسرح وحتى تتكون فكرة لدى المتتبعين لترجمة أبناء جزيرة جربة فانه وجب علينا ان نسلط الأضواء على المسرحي المناضل سليمان بن جمعة الذي قيل في شانه الكثير وروجت في شانه عديد الروايات واكتنفت مسيرته الغموض وحامت حوله الشكوك والعديد من الشبهات.

 

هو سليمان بن عمر بن جمعة التاجر الناجح والمسرحي الفذ وابن عمر وفاطمة بن جمعة. ولد بجزيرة جربة سنة 1875، واستقر مع عائلته بالإسكندرية في نهاية القرن التاسع عشر، والتحق به اخوته الثلاثة الذين امتهنوا معه التجارة ونجحوا في تكوين ثروة محترمة.

 

كان سليمان بن جمعة صديقا لسليمان قرداحي وعدد من رجال المسرح المصريين. وقد ارسلت في شانه المخابرات الفرنسية عدة تقارير الى المقيم العام "ألابتيت"Alapetite تعلمه فيها أنه كان مناصرا للمقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي وباتصال ببعض من المتحمسين للذهاب الى طرابلس الغرب للتطوع في الجيش العثماني، و"مهتما بالسياسة، وأحيانا يحضر اجتماعات تعقد بضاحية خير الدين اين لاحظنا تواجد الصحفي السابق البشير بن احمد الفورتي" .وجاء في هذه التقارير أن " الأمير عمر باشا طوسون ابن العم البكر لخديوي مصر، تولّى أرسال محمد المقدم ليحمل لقريبه وابن بلدته سليمان بن جمعة مبلغا لدعم المقاومة الطرابلسية ضد الاحتلال الإيطالي قدره مائة وخمسون ألف فرنكا لتسليمه لقائد المقاومة بطرابلس سليمان الباروني. وبعد ان انسحب هذا الأخير بقي المبلغ المذكور في حوزة سليمان بن جمعة، الذي تولى إيداع تلك الأموال بعد قدومه لتونس بـ "الكريدي ليوني" Crédit Lyonnais...".

 

لذلك أصرت السلطات الاستعمارية على وضع حد لنشاطه السياسي ودعمه للثوار بعد ان ألصقت به تهمة التحيّل للحصول على أموال والاستيلاء على مبالغ كبيرة وتسلّيمه لجزء هام منها للهلال الأحمر خلال الحرب الإيطالية التركية، وبادرت بإصدار برقية تفتيش ضده. الا انه لم يكتف بالاتصال بعدد من النشيطين السياسيين التونسيين والتجار وأصحاب المشاريع من ابناء جزيرة جربة فحسب، بل تطوّرت علافاته بهم الى حد مشاركتهم في مشاريع تجارية مربحة الى ان القى عليه البوليس الفرنسي القبض بقربص وظل 45 يوما رهن الإيقاف ثم أطلق سراحه لأسباب ظلت مجهولة رغم التقارير الأمنية التي أكّدت مواصلة نشاطه ودعمه للمقاومة الطرابلسية وتسليمه مبالغ مالية متفاوتة لعدد من الأشخاص مدة اقامته بجزيرة جربة والعاصمة.

 

سليمان بن جمعة والأخوين الحجام في "جوق النجمة"

 

جاء في عدد من المراجع ان عددا من التونسيين فكّروا في مطلع القرن في بعث فرقة مسرحية تونسية. ومن خلال ما أورده محمد الحبيب المحامي بجريدة النهضة بتاريخ 22 ماي 1932 فانه " لما شوهد الاقبال العظيم سنة 1908 على فرقة المصري عبد القادر المغربي المشهور بـ"كامل وزوز"، وبعد خلافات نشأت بين أعضائها وانقسامهم الى شقين " فكر السيد البشير الفورتي وجبرائيل أنكيري بالاشتراك مع صاحب البالماريوم في مقاولة فرقة تمثيلية على الحضور لتونس على حسابهم...

 

" ...سافر جبرائيل أنكيري الذي اتهمه الناس وقتئذ بالجوسسة لصالح فرنسا وهكذا رأيناه يعود الى تونس يوم 28 نوفمبر 1908 ومعه فرقة سليمان قرداحي التي كانت تعمل بالإسكندرية وبدأ عروضه المسرحية بسوسة وصفاقس".

 

ساسي الحجام ".. بدّد ثروته من أجل المسرح.."

 

يقول الأستاذ المنصف شرف الدين أنه استند للتعريف بشخصية ساسي الحجام على مقال لمحمد الصالح المهيدي لم ينشر.

 

 فهو" محمد بالحاج رجب شهر الحجام. وهو من الذين حملوا عبء هذا الفن ردحا طويلا من الزمن.

 

ولد بميدون بجربة ثم هاجر الى تركيا في عمل تجاري يعمل في متجر صالح البربوش التاجر بإسطنبول وهناك كان يتردد على مجالس الإنس والطرب. تزوج بفتاة تركية توسط له فيها علي جبارة التاجر هناك وكان محمد بن الحاج رجب في الإثناء قد استقل بمتجر خاص به ومن هذا الزواج رزق ابنه يحي الذي أصبح فيما بعد أوّل رسّام تونسي واكبر الرسامين اصالة وذياعة صيت والذي عرف بـ "يحي التركي" (1900-1969) الذي بدأت شهرته سنة 1923 عندما عرض إعماله الفنية بمناسبة الصالون التونسي فأهلته نجاحاته للاعتراف بنبوغه وموهبته ولذلك مكنته سلطات الاستعمار الفرنسي من الحصول على منحة لمواصلة دراسته وأنشطته بباريس ثم أصبح بعد عودته رئيسا لـ "مدرسة تونس" L’Ecole de Tunis الشهيرة الى سنة 1969 خلفا للرسام الكبير بيار بوشارل Pierre Boucherle .

 

 عاد إذا مترجمنا الى تونس وكان معه ابنه يحي التركي الذي سمّي "تركيا" لأنه لما قدم وعمره 5 سنوات لم يكن يتكلم سوى التركية، لذا سمّي تركيا على سبيل التغليب وليس الوصف، علما وانه لا تربطه قرابة بزميله الرسام الشهير زبير التركي. وفتح دكان حلاقة بنهج ليون روش Léon Roche (مصطفى مبارك حاليا). توفيت زوجته سنة 1914 ولما قدمت فرقة سليمان قرداحي الى تونس في أواخر سنة 1908 شاهد الحجام جميع عروضها فاشتد ولعه بالمسرح.

 

وعندما تم تكوين الجوق التونسي المصري كان محمد الحجام يعدّ لأفراد الجوق المأكل ليلا ونهارا في محل سكناه مجّانا كما كانت التمارين تجري بمنزله. فقام مالك المحل بقضية عدلية ضده يطلب إخراجه منه لانّ الجيران قد تشكوا من التشويش الحاصل لهم وربح المالك القضية وتم التنفيذ فأصبحت التمارين تجري بالقنصلية الإيطالية بنهج زرقون (لأنّ محمد بن تركية والعادي الأرناؤوط والهادي القديدي كانوا موظفين بالقنصلية). وانجرّت لمحمد الحجام من اجل المسرح نكبات مالية تحمّلها بصدر رحب وأنفق كل ما جمعه من مال بتركيا على المسرح فبدّد ثروته ولم يترك لابنه شيئا لكنه ادخله المدرسة العلوية.

 

وقد لعب محمد الحجام دورا في الحرب الإيطالية الليبية حيث كان يقدم كل أنواع المساعدة الى الضباط الاتراك الذين يمرون بتونس

 

في طريقهم الى ليبيا...توفي محمد الحجام في جويلية 1936".

 

 

أعلام من جزيرة الأحــلام... وبدايات المسرح التونسي(3/2)

 

بقلم: فاخــر الرويســـي

 

سليمان بن جمعة...اول ضحية في سبيل التمثيل

 

وتعميما للفائدة وخدمة لتاريخ المسرح وحتى تتكون فكرة لدى المتتبعين لترجمة أبناء جزيرة جربة فانه وجب علينا ان نسلط الأضواء على المسرحي المناضل سليمان بن جمعة الذي قيل في شانه الكثير وروجت في شانه عديد الروايات واكتنفت مسيرته الغموض وحامت حوله الشكوك والعديد من الشبهات.

 

هو سليمان بن عمر بن جمعة التاجر الناجح والمسرحي الفذ وابن عمر وفاطمة بن جمعة. ولد بجزيرة جربة سنة 1875، واستقر مع عائلته بالإسكندرية في نهاية القرن التاسع عشر، والتحق به اخوته الثلاثة الذين امتهنوا معه التجارة ونجحوا في تكوين ثروة محترمة.

 

كان سليمان بن جمعة صديقا لسليمان قرداحي وعدد من رجال المسرح المصريين. وقد ارسلت في شانه المخابرات الفرنسية عدة تقارير الى المقيم العام "ألابتيت"Alapetite تعلمه فيها أنه كان مناصرا للمقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي وباتصال ببعض من المتحمسين للذهاب الى طرابلس الغرب للتطوع في الجيش العثماني، و"مهتما بالسياسة، وأحيانا يحضر اجتماعات تعقد بضاحية خير الدين اين لاحظنا تواجد الصحفي السابق البشير بن احمد الفورتي" .وجاء في هذه التقارير أن " الأمير عمر باشا طوسون ابن العم البكر لخديوي مصر، تولّى أرسال محمد المقدم ليحمل لقريبه وابن بلدته سليمان بن جمعة مبلغا لدعم المقاومة الطرابلسية ضد الاحتلال الإيطالي قدره مائة وخمسون ألف فرنكا لتسليمه لقائد المقاومة بطرابلس سليمان الباروني. وبعد ان انسحب هذا الأخير بقي المبلغ المذكور في حوزة سليمان بن جمعة، الذي تولى إيداع تلك الأموال بعد قدومه لتونس بـ "الكريدي ليوني" Crédit Lyonnais...".

 

لذلك أصرت السلطات الاستعمارية على وضع حد لنشاطه السياسي ودعمه للثوار بعد ان ألصقت به تهمة التحيّل للحصول على أموال والاستيلاء على مبالغ كبيرة وتسلّيمه لجزء هام منها للهلال الأحمر خلال الحرب الإيطالية التركية، وبادرت بإصدار برقية تفتيش ضده. الا انه لم يكتف بالاتصال بعدد من النشيطين السياسيين التونسيين والتجار وأصحاب المشاريع من ابناء جزيرة جربة فحسب، بل تطوّرت علافاته بهم الى حد مشاركتهم في مشاريع تجارية مربحة الى ان القى عليه البوليس الفرنسي القبض بقربص وظل 45 يوما رهن الإيقاف ثم أطلق سراحه لأسباب ظلت مجهولة رغم التقارير الأمنية التي أكّدت مواصلة نشاطه ودعمه للمقاومة الطرابلسية وتسليمه مبالغ مالية متفاوتة لعدد من الأشخاص مدة اقامته بجزيرة جربة والعاصمة.

 

سليمان بن جمعة والأخوين الحجام في "جوق النجمة"

 

جاء في عدد من المراجع ان عددا من التونسيين فكّروا في مطلع القرن في بعث فرقة مسرحية تونسية. ومن خلال ما أورده محمد الحبيب المحامي بجريدة النهضة بتاريخ 22 ماي 1932 فانه " لما شوهد الاقبال العظيم سنة 1908 على فرقة المصري عبد القادر المغربي المشهور بـ"كامل وزوز"، وبعد خلافات نشأت بين أعضائها وانقسامهم الى شقين " فكر السيد البشير الفورتي وجبرائيل أنكيري بالاشتراك مع صاحب البالماريوم في مقاولة فرقة تمثيلية على الحضور لتونس على حسابهم...

 

" ...سافر جبرائيل أنكيري الذي اتهمه الناس وقتئذ بالجوسسة لصالح فرنسا وهكذا رأيناه يعود الى تونس يوم 28 نوفمبر 1908 ومعه فرقة سليمان قرداحي التي كانت تعمل بالإسكندرية وبدأ عروضه المسرحية بسوسة وصفاقس".

 

ساسي الحجام ".. بدّد ثروته من أجل المسرح.."

 

يقول الأستاذ المنصف شرف الدين أنه استند للتعريف بشخصية ساسي الحجام على مقال لمحمد الصالح المهيدي لم ينشر.

 

 فهو" محمد بالحاج رجب شهر الحجام. وهو من الذين حملوا عبء هذا الفن ردحا طويلا من الزمن.

 

ولد بميدون بجربة ثم هاجر الى تركيا في عمل تجاري يعمل في متجر صالح البربوش التاجر بإسطنبول وهناك كان يتردد على مجالس الإنس والطرب. تزوج بفتاة تركية توسط له فيها علي جبارة التاجر هناك وكان محمد بن الحاج رجب في الإثناء قد استقل بمتجر خاص به ومن هذا الزواج رزق ابنه يحي الذي أصبح فيما بعد أوّل رسّام تونسي واكبر الرسامين اصالة وذياعة صيت والذي عرف بـ "يحي التركي" (1900-1969) الذي بدأت شهرته سنة 1923 عندما عرض إعماله الفنية بمناسبة الصالون التونسي فأهلته نجاحاته للاعتراف بنبوغه وموهبته ولذلك مكنته سلطات الاستعمار الفرنسي من الحصول على منحة لمواصلة دراسته وأنشطته بباريس ثم أصبح بعد عودته رئيسا لـ "مدرسة تونس" L’Ecole de Tunis الشهيرة الى سنة 1969 خلفا للرسام الكبير بيار بوشارل Pierre Boucherle .

 

 عاد إذا مترجمنا الى تونس وكان معه ابنه يحي التركي الذي سمّي "تركيا" لأنه لما قدم وعمره 5 سنوات لم يكن يتكلم سوى التركية، لذا سمّي تركيا على سبيل التغليب وليس الوصف، علما وانه لا تربطه قرابة بزميله الرسام الشهير زبير التركي. وفتح دكان حلاقة بنهج ليون روش Léon Roche (مصطفى مبارك حاليا). توفيت زوجته سنة 1914 ولما قدمت فرقة سليمان قرداحي الى تونس في أواخر سنة 1908 شاهد الحجام جميع عروضها فاشتد ولعه بالمسرح.

 

وعندما تم تكوين الجوق التونسي المصري كان محمد الحجام يعدّ لأفراد الجوق المأكل ليلا ونهارا في محل سكناه مجّانا كما كانت التمارين تجري بمنزله. فقام مالك المحل بقضية عدلية ضده يطلب إخراجه منه لانّ الجيران قد تشكوا من التشويش الحاصل لهم وربح المالك القضية وتم التنفيذ فأصبحت التمارين تجري بالقنصلية الإيطالية بنهج زرقون (لأنّ محمد بن تركية والعادي الأرناؤوط والهادي القديدي كانوا موظفين بالقنصلية). وانجرّت لمحمد الحجام من اجل المسرح نكبات مالية تحمّلها بصدر رحب وأنفق كل ما جمعه من مال بتركيا على المسرح فبدّد ثروته ولم يترك لابنه شيئا لكنه ادخله المدرسة العلوية.

 

وقد لعب محمد الحجام دورا في الحرب الإيطالية الليبية حيث كان يقدم كل أنواع المساعدة الى الضباط الاتراك الذين يمرون بتونس

 

في طريقهم الى ليبيا...توفي محمد الحجام في جويلية 1936".

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews