إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين رافض.. محذر ومؤيد .. هل يكون تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية الحل لإنقاذها..؟

 

 

تونس- الصباح

أعلن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي قبل أيام، وفي معرض رده على تساؤلات النواب خلال جلسة عامة بالبرلمان خصصت لمناقشة مشروع ميزانية الوزارة، أنه سيتم خلال سنة 2024 "تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية بهدف ضمان مصادر أخرى لتمويلها وهو ما يخدم مصلحة المضمونين الاجتماعيين في القطاعين العام والخاص. وقال إن الدولة لن تتخلى عن دورها الاجتماعي، مشددا على ضرورة سن قوانين جديدة تقطع مع الماضي وتجعل من مبادئ ثورة 17 ديسمبر واقعا.."

وأشار إلى أن الإصلاحات المنجزة مكنت صندوق الضمان الاجتماعي من تسجيل تراجع في نسب العجز، مقابل تحسن نسب التوازن بالنسبة لصندوق التأمين على المرض. وأفاد أن “الوزارة تمكنت مؤخرا وبعد عدة سنوات، من خلاص جزء هام من مستحقات صناديق التأمين والمؤسسات الاستشفائية والصيدلية المركزية، كما تمكنت من خلاص جزء من مستحقات 30 مؤسسة استشفائية عمومية ومن مستحقات مسدي الخدمات في القطاع الخاص مما سمح باحترام الآجال التعاقدية، علاوة على تأمين تحويلات مالية هامة للصيدلية المركزية”.

بخصوص توحيد أنظمة التقاعد بين القطاعين العام والخاص، قال أن العمل سيركز خلال السنة القادمة على تقريب هذه الأنظمة لتجاوز الاختلافات بينها.

وكشف أن الوزارة تعمل على دراسة مختلف الفرضيات بهدف صياغة نص قانوني جديد سيحال إلى البرلمان سنة 2024 شرط المحافظة على الحقوق المكتسبة للمتقاعدين وضمان التوازن المالي لأنظمة التقاعد..

وفي ما يهم جرايات التقاعد فسّر الوزير أن الإطار القانوني الحالي لتعديلها يختلف بين القطاعين الخاص والعام، ففي القطاع الخاص وإثر الترفيع في الأجر الأدنى المضمون سنة 2022 تم تعديل جرايات التقاعد بمعدل 26 مليارا شهريا، أما في القطاع العمومي فيتم الترفيع بمناسبة الزيادة في الأجر الأساسي أو المنح الخاضعة للحجز بعنوان التقاعد.

فهل يمكن أن يكون تحويل الصناديق إلى مؤسسات مالية حلاّ مثاليا لتجاوز عجزها المالي نهائيا وتحقيق معادلة بين الموارد والنفقات.. وهل أن كل الصناديق الثلاث معنية بهذا القرار، وكيف يمكن أن يكون التحويل، ووفق أي شروط، ألا تعتبر مخاطرة في حد ذاتها أو "قفزا في الهواء" وفق تعبير أحد قياديي اتحاد الشغل الذي عبر عن رفضه وتخوفه من هذا التمشي. ثم ماهي الجوانب التقنية والقانونية والشكلية اللازم وضعها قبل المرور إلى عملية انتقال مؤسساتي ومالي جديدة..

كل هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها إلى ثلة من الخبراء في الاقتصاد والمتخصصين في مجال القانون الاجتماعي.

علما أننا حاولنا مرات الاتصال بوزارة الشؤون الاجتماعية من أجل استيضاح خطط الوزارة لإصلاح الصناديق الاجتماعية وتنويع مواردها المالية خاصة من زاوية تحويلها إلى مؤسسات مالية، دون الظفر بأي معلومة أو تفسير.

 

ملف من إعداد: رفيق بن عبد الله

عجز مستمر رغم تحسن النتائج المالية

يقدّر العجز المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفق آخر تحيين في النتائج المالية إلى نهاية سنة 2022، ما يناهز 951 مليون دينار مقابل حوالي 598 مليون دينار للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.

أما الصندوق الوطني للتأمين على المرض "الكنام" فهو يعاني بدوره من ديون تجاه الهياكل الصحية العمومية والصيدلية المركزية، ومسدي الخدمات الصحية والمضمونين الاجتماعيين، تقدر بـ2700 مليون دينار، علما أن هذه التعهدات تقلصت بنسبة كبيرة تقارب النصف، مقارنة مع ما كانت عليه نهاية سنة 2021، رغم تحقيقه نظريا فائضا في حدود 1058 مليون دينار إلى حدود نهاية شهر سبتمبر 2023.

تعود أولى عمليات إصلاح الصناديق الاجتماعية إلى بداية التسعينات، حين اعتمد النظام السابق حلولا ترقيعية لتوفير موارد مالية للصندوقين، مثل الرفع في نسب المساهمات للمضمونين الاجتماعيين والمؤجرين، وإعادة النظر في احتساب نسب التقاعد، وفي سنة 1995 تمت مراجعة التشريعات التي تتعلق بالتقاعد المبكر وسنوات العمل في القطاع الخاص.. لكن هذه الإجراءات كان مفعولها محدودا، فرغم انتعاشة موارد الصندوقين، إلا أنه كان على فترة زمنية قصيرة، وسرعان ما عادت حالة العجز المالي مقترنة بانخفاض مستمر في منخرطي الصندوقين مقابل ارتفاع عدد المتقاعدين، وارتفاع نسبة البطالة، مع تحسن ملحوظ في أمل الحياة عند الولادة..

ومع تفاقم أزمة العجز ونقص السيولة وانخفاض الموارد مقابل ارتفاع النفقات، برزت صعوبات هيكلية أخرى أثرت على أداء الصندوقين مثل الطابع التوزيعي لأنظمة التقاعد وتعدد الأنظمة الخصوصية، وتقلص إحداثات الشغل الجديدة، وبروز ظاهرة التهرب من التصريح بكافة الأجراء من دفع المساهمات، وتراكم الديون المتخلدة لدى الدولة والأعراف تجاه الصندوقين..

بعد سنة 2011، أعادت الحكومات السابقة خاصة منها حكومة يوسف الشاهد، فتح ملف عجز الصناديق الاجتماعية، مع تفاقم عجزها المالي، وتم تفعيل اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية المتكونة من أطراف الإنتاج الثلاثة: الحكومة، اتحاد الشغل، اتحاد الصناعة والتجارة. وبعد مفاوضات الإصلاح منذ سنة 2016 وتواصلت حتى سنة 2018، وتوجت بوضع خطط إصلاحية جديدة..

وتركزت خيارات الإصلاح على محورين:

المحور الأول: تعلق بمراجعة المقاييس المعتمدة كالترفيع في سن التقاعد والأجر المرجعي ومردودية سنوات العمل.

المحور الثاني: ويهم تنويع مصادر التمويل إلى جانب المورد القار المتمثل في المساهمات.

أفضت المفاوضات في النهاية إلى الاتفاق على حزمة إجراءات إصلاحية، منها الترفيع في سن التقاعد في القطاع العمومي وإقرار الضريبة الاجتماعية التضامنية التي أقرها قانون مالية 2018، والترفيع في المساهمات الاجتماعية بنسبة 3 بالمائة لمنخرطي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، موزعة بنسبة 1 % على الموظفين، والمشغّل بنسبة 2  %.

رفض الاتحاد العام التونسي للشغل بعض الحلول المقترحة المتعلّقة بالترفيع في مساهمة تقاعد العمال في القطاع الخاصّ وكذلك بجوانب مالية وتقنية تؤدي إلى التخفيض في جرايات التقاعد عبر مراجعة طريقة احتسابها وما يعرف بمردودية السنوات إلى درجة تخفيض جرايات التقاعد وحدّها الأقصى بنسبة يمكن أن تتجاوز الـ10% لمنخرطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.

في حين اعترض ممثلو اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية على أغلب الآليات المقترحة، واعتبرت المنظمة أن الحل يجب أن يكون جذريا أكثر من خلال تنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية (وهو ما يشترك فيه مع اتحاد الشغل) وخاصة عبر الترفيع في عدد المساهمين من العاملين خارج الأطر القانونية، مما يؤدي إلى توسيع قاعدة منخرطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من العاملين في القطاع الموازي.

كما تعلقت أهم اعتراضات منظمة الأعراف أساسا بالترفيع في المساهمات الاجتماعية للعمال بنقطة وللأعراف بنقطتين كما كان الحال بالنسبة إلى منخرطي صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية. كما رفضت منظمة الأعراف الترفيع في سن التقاعد في القطاع الخاص، ممّا حصر تطبيق ذلك الأجراء على القطاع العام والوظيفة العمومية، بالترفيع في سن التقاعد إلى 62 سنة بصفة إجبارية و3 سنوات اختيارية..

محسن حسن خبير الاقتصاد ووزير التجارة الأسبقالأولوية للتوازنات المالية للصناديق.. قبل التفكير في تحويلها إلى مؤسسات مالية

أقرّ الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن في تصريح لـ"الصباح" أن قرار تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية، توجه قد يعني إقرار مرونة في التصرف في الصناديق وهذا أمر مطلوب.. في انتظار توضح رؤية وزارة الإشراف لهذه المسألة.

وقال:" من وجهة نظري هذا التوجه يعني يعني إقرار مرونة في التصرف في الصناديق وهذا أمر مطلوب".

وأقر حسن بوجود تقلص كبير في عجز الصناديق الاجتماعية خاصة في ما يتعلق تعهداتها تجاه المضمونين الاجتماعيين. كما لاحظ أن صندوق التأمين على المرض قام بخلاص الجزء الأكبر من التزاماته تجاه الصيدلية المركزية وكل الشركاء في المنظومة الصحية والمستشفيات العمومية.. وهذا الأمر يؤكد أن الوضعية المالية في الصناديق الاجتماعية بدأت تتحسن..

وقال:"هناك بداية إصلاح حقيقي للصناديق ولدورهم الاجتماعي ولمنظومة التأمين عل المرض رغم انه ما تزال هناك خطوات كبيرة لقطعها في هذا الاتجاه.. وذلك من خلال إعادة النظر في حوكمة الصناديق الاجتماعية حتى من جهة هيئات القيادة ومجالس الإدارة وتغيير مجالس الإدارة وتطعيمها بكفاءات من القطاع الخاص تطوير الرقابة وهذا مهم جدا.."

وأوضح أن التوجه نحو تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية، قد يكون المقصود منه إمكانية أن يكون لها تدخلات في النظام المالي والمصرفي وفي السوق النقدية، وذلك في اتجاهين:

الاتجاه الأول: على مستوى تعبئة الموارد، وتتضمن التدخل في السوق المالية والسوق النقدية والاقتراض مباشرة من المؤسسات المالية أو طرح سندات، وهذا يمكنها من تعبئة موارد مالية لتمويل فجوات في الخزينة.

الاتجاه الثاني: القيام بتوظيفات مالية.

وفسّر حسن في هذا الإطار أن في العقود الماضية كانت الصناديق الاجتماعية تقوم بعمليات توظيف للمدخرات حين يكون لديها فائض مالي، وهذا دورها الأساسي لأنها في نهاية الأمر تلعب دور الوسيط بين النشيطين المساهمين والمتقاعدين، وبالتالي هناك عملية توظيف مالي للمدخرات أو تصرف للمدخرات، فعندما تتحول الى مؤسسات مالية، ييسر أكثر طريقة توظيف الموارد المتاحة وموارد المساهمين من أجراء ومشغلين، أكثر عقلانية تحقيق مردودية أفضل للمساهمين.

وقال: "في فترة ما كانت الصناديق الاجتماعية تقوم بخدمات إسناد قروض لمنخرطيها بشروط ميسرة مثل تمويل اقتناء مساكن أو سيارات.."

وأضاف:" إصلاح الصناديق الاجتماعية ما يزال في بدايته، فكرة تحويلها الى مؤسسات مالية جيدة، لكن يجب أن لا نتسرع في هذا الإجراء، تفاديا للفشل، وأعتقد أن الأفضل العمل بسرعة على تحقيق التوازن المالي،.. والحل الأمثل حسب رأيي ليس في الرفع في المساهمات بل في حسن التصرف والتوظيف الأمثل للمدخرات ومساهمات الأجراء والتحكم في النفقات، كما أن تنويع مصادر التمويل سوق المالية النقدية، وتحقيق مرونة أكثر ولم لا يتم في إطار هذه الاتجاهات الإصلاحية الحكومية العمل على توحيد الصناديق الاجتماعية، وأيضا الأنظمة الاجتماعية بين القطاعين العام والخاص، في اتجاه هدف تحقيق أكثر عدالة اجتماعية.."

اتحاد الشغل يرفض ويدعو إلى الحوار المباشر والصريح ..

عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن موقفه الرافض لتحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية وذلك خلال ندوة صحفية عقدها قسم الحماية الاجتماعية والقطاع غير المنظم بتاريخ 19 ديسمبر الجاري.

ووصف عثمان الجلولي الأمين العام المساعد المسؤول عن قسم الحماية الاجتماعية والقطاع غير المنظم تصريحات وزير الشؤون الاجتماعية بتحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية، والترفيع في سن التقاعد في صندوق الضمان الاجتماعي والتصرف في الممتلكات العقارية للصناديق، بمثابة "المغامرة غير محمودة العواقب"، و"قفز في الهواء"، و"مغالطة" على اعتبار أن الصناديق الاجتماعية لا يمكن أن تتحول إلى مؤسسات مالية، وهي تعاني من عجز مالي يقدر بـ1400 مليون دينار مجتمعة، منها 950 مليون دينار لصندوق الضمان الاجتماعي.

ودعا الأمين العام المساعد وزارة الشؤون الاجتماعية إلى "العودة إلى الحوار المباشر والصريح والشفاف"، لمناقشة كيفية تجاوز مختلف التحديات المطروحة في الحماية الاجتماعية ومن بينها اختلال التوازنات المالية لأنظمة الجرايات في صندوقي التقاعد والحيطة الاجتماعية والضمان الاجتماعي، ونقص السيولة في الصندوق الوطني للتأمين على المرض، والرفع في الأجر الأدنى المضمون، ومراجعة الجرايات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بصفة دورية..

وأوضح أن تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية عملية غير مقبولة، مشددا على أن الاتحاد العام التونسي للشغل حريص على ديمومة هذه المؤسسات واستمرارية خدماتها، رافضا كل التصريحات المطروحة حول الدعوة إلى التفويت في العقارات السكنية التابعة للصناديق، معتبرا ممتلكات الصناديق العقارية ثروة ورصيدا وجب الحفاظ عليه وتنميته وتطويره باعتباره إرثا من حق الأجيال القادمة واحتياطيا ماليا قائم الذات وجب حوكمته والتداول بشأنه بشكل تشاركي..

مهدي بن براهم (أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية): تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية ينطوي على مخاطر

قال مهدي بن براهم أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أن عملية تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية تنطوي على عدة مخاطر، فلا يمكن المرور إلى هذا الإجراء قبل ضمان توازن مالي صلب وتحقيق فائض في المدخرات المالية..

وأوضح أنه لا يمكن الحديث عن التصرف في الأصول إلا في صورة وجود مدخرات يمكن استثمارها لتعبئة مزيد من الموارد المالية.

وبين أن الصناديق الاجتماعية في تونس تعاني اليوم من عجز مالي هيكلي، وإذا ما تم تحويلها إلى مؤسسات مالية فإن هذا الإجراء يمكن تفهّمه إذا كان القصد منه توفير حل قانوني يسمح للصناديق للاقتراض من البنوك، لا أن تقوم هي بدور الإقراض لأنها ليست في وضع يسمح لها بذلك.. كما أن هذا الإجراء يتطلب توفر فائض ايجابي في الأموال لدى الصناديق، وهذا الأمر يطرح تساؤلات بخصوص جدواه وأهدافه، باعتبارها هي في وضع تحتاج فيه إلى سيولة مالية.

وأبرز بن براهم في نفس السياق أن ملف التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية هو بالأساس مشكلة لها أبعاد اجتماعية وتهم جميع الأطراف الاجتماعية المتدخلة فيها (حكومة ونقابات، وأعراف)، والتي يجب أن تتفق على أهداف معينة من أنظمة التقاعد، كاستمرارها في توفير جرايات التقاعد لمنظوريها، مع الاتفاق على نسبها وعلى طرق وآلية محاسبية مختلفة تأخذ بعين الاعتبار اختلاف المساهمات وطرق التصرف في مواردها المالية،..

وأوضح أن الأسلم هو جلوس جميع أطراف الإنتاج الثلاثة المعنية على طاولة المفاوضات والاتفاق على حزمة إصلاحات ثم البحث عن مصادر تمويل جديدة.

وأكد بن براهم أن توحيد الصناديق الاجتماعية والأنظمة التقاعد في القطاعين العام والخاص ليس بالفكرة الجيدة وليست ممكنة، فالقطاع العام له أنظمته الخاصة، والقطاع الخاص له أنظمته الخاصة، في المقابل يمكن في القطاع الخاص توحيد أنظمة التقاعد فيها واختصارها.

وخلص إلى القول بأنه لا توجد حلول سحرية لإصلاح التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية فهو إشكال يؤرق العديد من بلدان العالم، التي أصبحت تبحث عن كيفية تعبئة الموارد عبر تنويع مصادر تمويل جديدة لصناديق التقاعد، فاليوم نحن في مرحلة وصلت فيها الحلول التقليدية السهلة إلى حدودها مثل الترفيع في سن التقاعد الذي لا يمكن أن يتجاوز سن الـ65، كما لا يمكن الترفيع أكثر في نسب المساهمات الموظفة على منخرطي أنظمة التقاعد في العمومي والخاص..

أهم المؤشرات المالية للصناديق الاجتماعية

وضعية الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية:

-        عدد النشطين المنخرطين في نهاية سنة 2022: 768485،

-        عدد المنتفعين بجرايات: 419745 منهم حوالي 40 ألف منتفع بجراية يتيم، وأكثر من 99 ألف جراية ترمل. (تطور بنسبة تقدر بـ10 بالمائة مقارنة بسنة 2018 التي سجلت أكثر من 381 ألف منتفع بجراية

-        عدد القروض الشخصية المسندة خلال سنة 2022: 44436 بتطور يقارب 50 بالمائة عن عدد القروض المسندة خلال 2021 وثلاثة أضعاف ما تم إسناده خلال 2018.

-        حجم مبالغ القروض الشخصية: 116 مليون دينار خلال 2022 بتطوير بحوالي 90 بالمائة عن ما تحقق خلال 2021 وتضاعف بأربع مرات ونصف مقارنة بسنة 2018.

-        النتائج النهائية للصندوق خلال 2022: عجز بـ598 مليون دينار بعد أن كان لا يتجاوز 158 مليون دينار سنة 2021، علما أن العجز كان يفوق 785 مليون دينار سنة 2018.

وضعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

-        عدد المضمونين الاجتماعيين: 22376000 خلال سنة 2022، بزيادة مقدرة بحوالي 25 ألف منخرط مقارنة بسنة 2020

-        عدد المؤجرين النشطين: 179000

-        عدد المنتفعين بجراية: 833000

-        مصاريف الجرايات لكل الأنظمة: 4826 مليون دينار.

-        النتائج النهائية خلال سنة 2022: - 951 مليون دينار (تحسن بـ323 مليون دينار مقارنة بسنة 2021).

توزيع المساهمة الاجتماعية التضامنية على الصندوقين:

-        صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية: 195 مليون دينار

-        صندوق الضمان الاجتماعي: 274 مليون دينار

وضعية الصندوق الوطني للتأمين على المرض:

-        بلغت النتائج المالية النهائية لصندوق التأمين على المرض في نهاية 2022، 1058 مليون دينار محققة تطورا ايجابيا يقارب 90 بالمائة مقارنة بنتائج سنة 2018 وبحوالي 30 مقارنة بالنتائج المحققة خلال سنة 2020.

-        بلغ حجم مبالغ الاشتراكات المقبوضة وغير المحولة من قبل صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية، وصندوق الضمان الاجتماعي إلى صندوق التأمين على المرض إلى حدود 30 سبتمبر 2023، 9109 مليون دينار، موزعة بين 2088 مليون دينار متأتية من صندوق الضمان الاجتماعي، و7021 مليون دينار متأتية من صندوق التقاعد.

-        بلغ الحجم الجملي لتعهدات صندوق التأمين على المرض العالقة بسبب نقص السيولة إلى غاية 30 سبتمبر 2023، حوالي 2700 مليون دينار موزعة كالآتي:

*  الهياكل الصحية العمومية: 1471

* الصيدلية المركزية: 456

*   مصحات الضمان الاجتماعي: 189

*  المضمونون الاجتماعيون: 199

*  مسدو الخدمات الصحية في القطاع الخاص: 379

حافظ العموري (أستاذ قانون الشغل والقانون الاجتماعي الدولي)تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية يدعم دورها الاجتماعي

 

قال أستاذ الجامعة التونسية حافظ العموري والخبير في قوانين الشغل والقانون الاجتماعي الدولي، أن تحويل الصناديق الى مؤسسات مالية اجتماعية ممكن خاصة بعد تحسن وضعها المالي.

وأوضح أن أي إصلاح عميق ودائم للضمان الاجتماعي لا يتم إلا بحزمة من الحلول المتناسقة والمتوازية التي من شأنها أن تحقق التوازن المالي المستدام للصناديق ولا تقلص من المنافع الاجتماعية بل تطورها.. مثمنا البرنامج الإصلاحي الذي شرعت فيه وزارة الشؤون الاجتماعية وبدأت نتائجه تظهر بتحسن الوضعية المالية للصناديق الاجتماعية.

وكشف العموري في حوار مع "الصباح" أن الصناديق الاجتماعية يمكنها إسداء قروض بفائض منخفض للمضمونين الاجتماعيين وبشروط استرجاع ميسرة وهذا التوجه ينمي مداخيلها من مردود استرجاع القروض ويدعم دورها الاجتماعي..

كما استعرض أهم أسباب عجز الصناديق واقترح تصورا شاملا لتجاوز عجزها المالي على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

والعموري هو أيضا أستاذ تعليم عال بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية، شغل سابقا خطة ر.م.ع صندوق الضمان الاجتماعي ووزير التشغيل والتكوين المهني سنة 2014 في فترة حكومة مهدي جمعة.

في ما يلي نص الحوار:

التقاه: رفيق بن عبد الله

*كيف تقيمون الإجراءات الإصلاحية المتخذة في مجال الضمان الاجتماعي ؟

من خلال ما أعلن عنه وزير الشؤون الاجتماعية بمناسبة مناقشة ميزانية الوزارة لسنة 2024 نستنتج عزما على تطبيق إصلاح يحقق التوازن المالي للصناديق ووضع حدّ لتواصل العجز المالي الذي يهدد كل منظومة الضمان بالانهيار لأنه كلما تأخر الوقت يصعب الإصلاح ويصبح عبء التضحيات ثقيلا على كل الأطراف وسنجد أنفسنا تحولنا من الإصلاح الى الإنقاذ بإجراءات مؤلمة للجميع.

ونلاحظ أن هذه الإصلاحات بدأت ومنها ما دخل حيز التنفيذ كشرط موافقة الإدارة على كل تمديد لسن التقاعد من 62 الى 65 سنة في القطاع العمومي الذي كان آليا وهو إجراء صائب ومتناسق مع إجراء التقاعد المبكر في سن57 مع التنفيل لان الإدارات تعمل بفائض من الموظفين قد يصل الى 30%  وهذا من شانه أن يخفف أعباء الأجور على خزينة الدولة ويرفع من نجاعة الخدمات الإدارية وليس كما يدعي البعض انه إملاء من صندوق النقد الدولي.

*برأيك، لماذا لم تقم الحكومات السابقة بإصلاح عميق للضمان الاجتماعي رغم أن عجز الصناديق كان متوقعا ولك دراسة منذ سنة 1990 تنبه من هذا العجز واقترحت حلولا؟

هذا راجع بالخصوص لتهرب جل الحكومات ووزراء الشؤون الاجتماعية السابقين من هذه المسؤولية والاكتفاء بإصلاحات ترقيعية نظرا لحساسية كل إصلاح عميق خلافا للحكومة الحالية التي قطعت مع هذا الخوف والتردد. وهذا يتأكد من البرنامج الإصلاحي الذي شرعت فيه الوزارة وبدأت نتائجه تظهر بتحسن الوضعية المالية لصناديق الضمان الاجتماعي وخلاص جزء هام من مستحقات صندوق التأمين على المرض بما مكنه من خلاص جزء من مستحقات المستشفيات العمومية لديه.

وأتمنى تمكين وزير الشؤون الاجتماعية وغيره من الوزراء الذين لهم برامج إصلاحية جريئة من الوقت الكافي لتحقيقها لان عدم الاستقرار الحكومي ساهم في  الماضي في غياب برامج إصلاحية عميقة.

*هل يندرج ما أعلن عنه وزير الشؤون الاجتماعية من تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية في هذا التمشي الإصلاحي وهل هذا ممكن من الناحية التشريعية والتقنية، وكيف؟

أعتقد أن ما يقصده السيد الوزير ليس تحويل الصناديق الى مؤسسات مالية بمعنى بنوك لأن هذا غير ممكن في إطار القانون الحالي، بل بمؤسسات مالية اجتماعية تسدي قروضا بفائض منخفض للمضمونين الاجتماعيين وبشروط استرجاع ميسرة خاصة أن عددا من هؤلاء لا يتمكنون من الحصول على قروض بنكية بسبب الفوائض المرتفعة والضمانات الكبيرة المطلوبة. وهذا التوجه ينمي مداخيل الصناديق من مردود استرجاع القروض ويدعم دورها الاجتماعي بتمكين مضمونيها من هذه القروض التي تساهم أيضا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية علما أن القروض كانت موجودة ولكنها تقلصت وتوقفت شبه كليا بسبب الصعوبات المالية التي شهدتها الصناديق، والآن بفضل تحسن وضعيتها المالية يمكنها أن تصبح مؤسسات مالية في إطار دورها الاجتماعي.

*هل تتفق مع الرأي القائل بأن الأسلم حاليا التركيز على ضمان التوازنات المالية للصناديق وتطبيق كل قرارات قانون 2019 المتعلق بتنقيح قانون التقاعد، قبل المرور إلى إجراءات أخرى؟

قانون سنة 2019 المتعلق بتنقيح قانون التقاعد يتعلق بالقطاع العمومي واظهر عند تطبيقه عديد النقائص التي تجنب البعض منها التنقيح الأخير الذي اخضع مطلب التمديد بعد 62 سنة الى موافقة المؤجر. وفي كل الحالات هذا القانون حل ترقيعي قد حسن الوضعية المالية للصندوق الوطني للتقاعد لسنتين أو ثلاثة ثم تدهورت من جديد.

*هناك من يقترح توحيد الصناديق في مؤسسة واحدة، مع توحيد الأنظمة الاجتماعية في القطاعين العام والخاص.. هل تؤيدون هذا المقترح؟

توحيد الصناديق في مؤسسة واحدة لا ينفع شيئا ولا يمكن بأي حال حصر المنافع لأنها مرتبطة بنسب مساهمات وبخصوصيات مهنية. بل إن هذا التوحيد سيؤدي الى انهيار منظومة الضمان الاجتماعي لعدة أسباب منها عدم إمكانية توحيد المساهمات لاستحالة قطاعات خاصة دفعها إضافة الى استحالة تحمل صندوق الضمان الاجتماعي كلفة جرايات التقاعد المسداة في القطاع العمومي وطريقة احتسابها وكذلك عدم قدرة صندوق  التامين على المرض على دفع منح مرض وولادة في مستوى تلك التي تتمتع بها أجيرات القطاع العمومي وغيرها من الاستحالات المطلقة.

علما انه لا يمكن توحيد أنظمة الضمان الاجتماعي حتى في نفس القطاع العمومي أو القطاع الخاص وكل صندوق يدير عديد الأنظمة. وبصرف النظر عن هذه العوائق لا وجود لهذه المساواة حسب اطلاعي على أنظمة الضمان الاجتماعي في العالم في أي دولة، بل إن صناديق وأنظمة الضمان الاجتماعي تعد بالعشرات في نفس الدولة.

*وزير الشؤون الاجتماعية أعلن أيضا عن إضافة أنظمة تأمينات اختيارية، هل تريد الصناديق منافسة شركات التامين وهل هذا جائز قانونا؟

اعتقد أن مبادرة إدخال تأمينات تكميلية اختيارية ذكية جدا وستعود بالنفع على الصناديق والمضمونين الاجتماعيين وعائلاتهم ولا شيء في القانون يمنع ذلك، ومن المنتظر أن تكون اختيارية علما أن للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نظام تأمين تقاعد تكميلي اختياري للمؤجرين لفائدة كل أجرائهم الذين تتجاوز أجورهم 6 مرات الأجر الأدنى المضمون يمول بثلثين من طرف المؤجر وثلث من طرف الأجير، لكن مع الأسف ما لا يعرفه جل المؤجرين والأجراء أن مردود هذا النظام للأجراء أرفع بكثير من مردود كل التأمينات الحالية المشابهة التي توفرها شركات التأمين .

ونقترح أن يتوسع التأمين التكميلي للتقاعد لكل الأجراء ويصبح اختياريا للمؤجرين والأجراء على حد سواء لمن لا تتجاوز أجورهم الحد المذكور.

كما نقترح الرفع في عدد شرائح الدخل لأنظمة الضمان الاجتماعي لغير الأجراء والتونسيين بالخارج لتمكين من لهم الإمكانيات المالية اختيار أصناف أعلى للحصول على جرايات أرفع خاصة أن الموازين المالية لهذه الأنظمة غير مختلة، ويبدو أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعتزم وضع نظام تأمين تكميلي اختياري على المرض وتنافس شركات التأمين المحتكرة له حاليا واقعيا.

وكل هذه التأمينات التكميلية هي صيغة من نظام الرسملة الداخلية على مستوى الصناديق بما يحقق المزج بينه وبين النظام التوزيعي الذي مازالت تونس متمسكة به.

*من البرامج الإصلاحية التي أعلنتها الوزارة توحيد سن التقاعد بين القطاع العمومي والقطاع الخاص بـ62 سنة إجباريا وإلى 65 سنة اختياريا فهل هذا حل لاختلال موازين الصناديق؟

أعتقد أن هذا الإصلاح يتطلب دراسة دقيقة من حيث انعكاساته على كل المستويات، فمهنيا عديد القطاعات العمل فيها مرهق وقواعد الصحة والسلامة ليست دائما محترمة خاصة في المؤسسات الصغرى التي تمثل النسبة الكبرى في النسيج الاقتصادي بما يخفض من قدرة إنتاج العاملين فيها حتى قبل بلوغ سن الستين، كما أن عديد المؤسسات تنتظر بلوغ أجرائها سن التقاعد لانتداب شباب مواكب للتطورات التكنولوجية.

كما يمكن أن ينجرّ عن الترفيع إجباريا في سن التقاعد في القطاع الخاص انعكاس على نسبة البطالة بالترفيع فيها خلافا للقطاعين العمومي والعام (منشآت عمومية) حيث الانتدابات فيها في حدها الأدنى ربما للعشر سنوات القادمة لامتصاص العدد الكبير الزائد عن الحاجة بالإحالة على التقاعد بالخصوص.

ونظرا لهذه العوامل وغيرها من الأفضل أن يكون الترفيع في سن التقاعد في القطاع الخاص اختياريا بالاتفاق بين الأجير والمؤجر مع احتساب هذه السنوات في نسبة جراية التقاعد.

*هل تعتبرون أن هذه هي الحلول المثلى للخروج من أزمة العجز المالي التي تعاني منه الصناديق الاجتماعية؟

لا يتم الإصلاح العميق والدائم للضمان الاجتماعي إلا بحزمة من الحلول المتناسقة والمتوازية أو المتواترة التي من شانها أن تحقق التوازن المالي المستدام للصناديق ولا تقلص من المنافع الاجتماعية بل تطورها، وهو ما نستنتجه من برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية المقدم في مجلس النواب بمناسبة مناقشة اعتمادات الوزارة لسنة 2024 من خلال إستراتيجية إصلاح تدريجي ومتزن نظرا للكم الهائل من الإشكاليات المتراكمة على مر السنين والتي أوصلت الصناديق إلى هوة الإفلاس .

*دائما تثار مسألة مبالغ المنح العائلية المجمدة منذ عشرات السنوات ألم يحن الوقت لمراجعتها؟

هذا صحيح ولكن الوضعية المالية لصندوق الضمان الاجتماعي بالرغم من تحسنها ولخزينة الدولة (موظفي الدواة) لا تسمح بذلك حاليا لان الترفيع بدينار واحد سيتكلف بعشرات المليارات. واقترح مراجعة شروط إسناد هذه المنح التي أصبحت تكملة للأجر لتقتصر على أصحاب الأجور الضعيفة، أما المنح التي كانت تدفع لأصحاب الأجور المرتفعة يتم استغلالها للترفيع بها في منح أصحاب الأجور الضعيفة. ويتم  تحديد الحدود الدنيا والقصوى للأجور بعد دراسة معمقة.

*كيف تتصورون الحلول الملائمة لتجاوز أزمة الصناديق الاجتماعية الثلاثة في تونس على المدى القصير والمتوسط والبعيد؟

نقترح الإصلاحات التالية سواء بالتدعيم أو بالإضافة  للبرنامج الإصلاحي للوزارة  تنقسم الى قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد أهمها:

إصلاحات على المدى القصير:

-        مزيد تحسين حوكمة صناديق الضمان الاجتماعي.

-        مزيد تكثيف المراقبة والرفع من نجاعتها في القطاع ا للحد من التهرب.

-        مزيد تحسين نسب استخلاص المساهمات.

-        تحسين وتطوير وتوسيع نظام الإعلام والتواصل داخليا وخارجيا Système d’information مع مصالح تفقدية الشغل والجباية والديوانة: يتعين تمكين مراقبي صندوق الضمان الاجتماعي من الدخول آليا إلى المواقع الالكترونية لإدارات الجباية والديوانة بالنسبة للمؤسسات الخاضعة لرقابتهم باعتبار تداخل وتكامل أعمال الرقابة وخضوع أعوان الصندوق إلى نفس قانون المحافظة على السر المهني وذلك للتثبت والمقارنة بين المعطيات المتوفرة لديهم بشان بعض المؤسسات إضافة إلى التنسيق مع تفقديات الشغل لمدهم عبر بطاقات اتصال الكتروني fiches de liaison بالاخلالات المسجلة في مجال الضمان الاجتماعي خلال زيارات التفقد التي تقوم بها بما يضاعف مجهود الرقابة ويرفع من نجاعتها.

-        حوكمة الإصلاحات المقترحة باعتماد آليات للمتابعة ووضع الإسقاطات والفرضيات الاكتوارية الدقيقة على المدى الطويل.

-        إنشاء مرصد وطني للضمان الاجتماعي: يقوم خاصة باستشعار الأخطار التي تهدد ديمومة التوازنات المالية للصناديق ووضع آليات تعديليه دورية للعوامل التي تضمن هذه التوازنات. وبفضل هذا المرصد تعتمد بلدان كالسويد وعديد البلدان الأخرى أفقا زمنيا استشرافيا للمحافظة على ديمومة التوازن المالي للضمان الاجتماعي يمتد لفترة75 سنة.

إصلاحات على المدى المتوسط

التحول من التمويل المهني (مساهمات مؤجرين وأجراء) إلى التمويل المزدوج بالمزج بين المساهمات المهنية والضرائب الجبائية وشبه الجبائية بداية تحول لتمويل الصناديق بداية من قانون المالية لسنة 2025:

الترفيع في معاليم الجولان (بالنسبة للسيارات الفاخرة) وفي الضرائب على المؤسسات الملوثة واستهلاك السجائر والمشروبات الكحولية (الأنواع الفاخرة) ويبرر هذا الإجراء بالتكاليف العلاجية التي يتحملها الصندوق الوطني للتامين على المرض من جراء حوادث الطرقات ( التي لها صبغة شغلية) بالنسبة لمعلوم الجولان والأمراض الناتجة عن التلوث والاستهلاك بالنسبة للبقية إضافة إلى إمكانية إنشاء ضريبة بسيطة ولو بـ200 مليم على بطاقات شحن الهاتف الجوال والتي مهما تكن منخفضة فان مردودها يكون هاما بحكم ارتفاع الاستهلاك.

-         إنشاء ضريبة القيمة المضافة الاجتماعيةTVA sociale  على السلع الاستهلاكية الكمالية الموردة وهي لا تتعارض مع اتفاقية التجارة العالمية. وهذه الضريبة ساهمت بشكل فعال في تمويل الضمان الاجتماعي ببعض البلدان كألمانيا والسويد. علما أن تونس أحدثت مساهمة اجتماعية تضامنية لتمويل الضمان الاجتماعي تمت مراجعتها في قانون المالية لسنة 2024.

-        الترفيع اضطراريا في المساهمات في القطاع العمومي والعام: الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به جل النسيج الاقتصادي في القطاع الخاص وضعف القدرة الشرائية لأجراء هذا القطاع عوامل تبرر اقتصار مقترحنا على القطاع العمومي والعام أي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بنسبة قصوى 1% على عاتق الموظف و2% على عاتق المؤجر العمومي توزع على سنتين. وفي كل الحالات فان كل ترفيع في المساهمات هو تحويل لجزء من القدرة الشرائية من العاملين إلى المتقاعدين وبالتالي لا يجب أن يتسبب في تحميل جيل العاملين العبء الأكبر من الإصلاح بالرغم من أن نسب المساهمات في تونس في كل أنظمة  الضمان الاجتماعي تأتي في وسط الترتيب العالمي وقابلة للترفيع.

-        العمل على الرفع من نسب التغطية في بعض أنظمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: من الناحية القانونية التغطية الاجتماعية في تونس شاملة لكل العاملين لكن واقعيا مازالت ضعيفة في بعض القطاعات المهنية لعدة عوامل ربما أهمها غياب ثقافة الضمان الاجتماعي بعدم التصريح بالأجراء والأجور أو النقص في التصريح بها حتى في مؤسسات الاقتصاد المنظم بالرغم من أن هذه المساهمات رمزية في عديد الأنظمة.

-        إنشاء صندوق التامين على البطالة ليحل محل صندوق الضمان الاجتماعي ولو جزئيا في تحمل كلفة الإحاطة بالمسرحين لأسباب اقتصادية .

إذ يتكفل حاليا الصندوق بصرف الجرايات للمسرحين من العمل لأسباب اقتصادية ومنحة لمدة السنة الموالية للطرد لتعويض ولو نسبة من الأجر والتكفل بمواصلة التغطية الصحية طيلة هذه المدة إضافة إلى دفع مكافأة نهاية الخدمة في حالة الحكم بها واستحالة التنفيذ على المؤجر. ويتعين تطبيق العقد الاجتماعي الذي نص منذ سنة 2013 على إحداث صندوق تامين على البطالة ليحل محل الصندوق لمدة معينة لإعانة هؤلاء لمدة معينة حتى الحصول على عمل ما لم يبلغوا سن التقاعد.

إصلاحات على المدى الطويل

-        العمل على إدماج الاقتصاد غير المنظم في منظومة الضمان الاجتماعي: يتعين تثبيت المهنيين المتجولين في مقرات معلومة وإنشاء نظام ضمان اجتماعي أكثر مرونة من نظام محدودي الدخل يعتمد فقط على رقم بطاقة التعريف الوطنية مقابل مساهمات جزافية تراعي قدرة العاملين فيه على الدفع ويوفر لهم منفعتين أساسيتين فقط وهما التامين على المرض وجراية شيخوخة أو عجز.

والهدف من ذلك ليس تحسين الموارد المالية للصندوق لان هذا النظام سيكون عاجزا ماليا بحكم رمزية المساهمات بل مقاومة كل أشكال والتهميش الاجتماعي خاصة وأن نسبة من العاملين في هذا القطاع ستتكفل بهم الدولة دون مقابل عند عجزهم عن العمل في إطار برنامج منح العائلات المعوزة بينما هدا النظام يجعلهم أصحاب حق بما يحفظ كرامتهم.

ولذلك نرى انه يتعين إدخالهم في مرحلة أولى في نظام الضمان الاجتماعي دون اشتراط "باتيندة" أو بطاقة مهنية أو غيرها من الشروط المنفرة والاقتصار على رقم بطاقة التعريف الوطنية كرقم ضمان اجتماعي ودفع اشتراكات شهرية عوضا عن الاشتراكات الثلاثية المعتمدة في القطاع المنظم تجنبا لإثقال كاهلهم المالي ثم في مرحلة ثانية يمكن تنظيمهم مهنيا وجبائيا بنفس المرونة.

-        العمل على التخفيض من نسبة البطالة في القطاع المنظم يساهم بصفة مباشرة في الرفع من موارد الضمان الاجتماعي وغير مباشرة بالرفع في معادلة عدد العاملين بالنسبة لعدد المتقاعدين.

-        تأهيل القطاع الصحي العمومي والخاص: ارتفاع  كلفة الأمراض الثقيلة والمزمنة والأدوية والخدمات الصحية في القطاعين العام الخاص تحديات صعبة على صندوق التأمين على المرض التخفيف من انعكاسها المالي السلبي على موازناته خاصة  بتأهيل وتحسين جودة الخدمات والضغط على الكلفة ومراجعة الخارطة الصحية في اتجاه مزيد التوازن الجهوي وترشيد النفقات.

بين رافض.. محذر ومؤيد  .. هل يكون تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية الحل لإنقاذها..؟

 

 

تونس- الصباح

أعلن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي قبل أيام، وفي معرض رده على تساؤلات النواب خلال جلسة عامة بالبرلمان خصصت لمناقشة مشروع ميزانية الوزارة، أنه سيتم خلال سنة 2024 "تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية بهدف ضمان مصادر أخرى لتمويلها وهو ما يخدم مصلحة المضمونين الاجتماعيين في القطاعين العام والخاص. وقال إن الدولة لن تتخلى عن دورها الاجتماعي، مشددا على ضرورة سن قوانين جديدة تقطع مع الماضي وتجعل من مبادئ ثورة 17 ديسمبر واقعا.."

وأشار إلى أن الإصلاحات المنجزة مكنت صندوق الضمان الاجتماعي من تسجيل تراجع في نسب العجز، مقابل تحسن نسب التوازن بالنسبة لصندوق التأمين على المرض. وأفاد أن “الوزارة تمكنت مؤخرا وبعد عدة سنوات، من خلاص جزء هام من مستحقات صناديق التأمين والمؤسسات الاستشفائية والصيدلية المركزية، كما تمكنت من خلاص جزء من مستحقات 30 مؤسسة استشفائية عمومية ومن مستحقات مسدي الخدمات في القطاع الخاص مما سمح باحترام الآجال التعاقدية، علاوة على تأمين تحويلات مالية هامة للصيدلية المركزية”.

بخصوص توحيد أنظمة التقاعد بين القطاعين العام والخاص، قال أن العمل سيركز خلال السنة القادمة على تقريب هذه الأنظمة لتجاوز الاختلافات بينها.

وكشف أن الوزارة تعمل على دراسة مختلف الفرضيات بهدف صياغة نص قانوني جديد سيحال إلى البرلمان سنة 2024 شرط المحافظة على الحقوق المكتسبة للمتقاعدين وضمان التوازن المالي لأنظمة التقاعد..

وفي ما يهم جرايات التقاعد فسّر الوزير أن الإطار القانوني الحالي لتعديلها يختلف بين القطاعين الخاص والعام، ففي القطاع الخاص وإثر الترفيع في الأجر الأدنى المضمون سنة 2022 تم تعديل جرايات التقاعد بمعدل 26 مليارا شهريا، أما في القطاع العمومي فيتم الترفيع بمناسبة الزيادة في الأجر الأساسي أو المنح الخاضعة للحجز بعنوان التقاعد.

فهل يمكن أن يكون تحويل الصناديق إلى مؤسسات مالية حلاّ مثاليا لتجاوز عجزها المالي نهائيا وتحقيق معادلة بين الموارد والنفقات.. وهل أن كل الصناديق الثلاث معنية بهذا القرار، وكيف يمكن أن يكون التحويل، ووفق أي شروط، ألا تعتبر مخاطرة في حد ذاتها أو "قفزا في الهواء" وفق تعبير أحد قياديي اتحاد الشغل الذي عبر عن رفضه وتخوفه من هذا التمشي. ثم ماهي الجوانب التقنية والقانونية والشكلية اللازم وضعها قبل المرور إلى عملية انتقال مؤسساتي ومالي جديدة..

كل هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها إلى ثلة من الخبراء في الاقتصاد والمتخصصين في مجال القانون الاجتماعي.

علما أننا حاولنا مرات الاتصال بوزارة الشؤون الاجتماعية من أجل استيضاح خطط الوزارة لإصلاح الصناديق الاجتماعية وتنويع مواردها المالية خاصة من زاوية تحويلها إلى مؤسسات مالية، دون الظفر بأي معلومة أو تفسير.

 

ملف من إعداد: رفيق بن عبد الله

عجز مستمر رغم تحسن النتائج المالية

يقدّر العجز المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفق آخر تحيين في النتائج المالية إلى نهاية سنة 2022، ما يناهز 951 مليون دينار مقابل حوالي 598 مليون دينار للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.

أما الصندوق الوطني للتأمين على المرض "الكنام" فهو يعاني بدوره من ديون تجاه الهياكل الصحية العمومية والصيدلية المركزية، ومسدي الخدمات الصحية والمضمونين الاجتماعيين، تقدر بـ2700 مليون دينار، علما أن هذه التعهدات تقلصت بنسبة كبيرة تقارب النصف، مقارنة مع ما كانت عليه نهاية سنة 2021، رغم تحقيقه نظريا فائضا في حدود 1058 مليون دينار إلى حدود نهاية شهر سبتمبر 2023.

تعود أولى عمليات إصلاح الصناديق الاجتماعية إلى بداية التسعينات، حين اعتمد النظام السابق حلولا ترقيعية لتوفير موارد مالية للصندوقين، مثل الرفع في نسب المساهمات للمضمونين الاجتماعيين والمؤجرين، وإعادة النظر في احتساب نسب التقاعد، وفي سنة 1995 تمت مراجعة التشريعات التي تتعلق بالتقاعد المبكر وسنوات العمل في القطاع الخاص.. لكن هذه الإجراءات كان مفعولها محدودا، فرغم انتعاشة موارد الصندوقين، إلا أنه كان على فترة زمنية قصيرة، وسرعان ما عادت حالة العجز المالي مقترنة بانخفاض مستمر في منخرطي الصندوقين مقابل ارتفاع عدد المتقاعدين، وارتفاع نسبة البطالة، مع تحسن ملحوظ في أمل الحياة عند الولادة..

ومع تفاقم أزمة العجز ونقص السيولة وانخفاض الموارد مقابل ارتفاع النفقات، برزت صعوبات هيكلية أخرى أثرت على أداء الصندوقين مثل الطابع التوزيعي لأنظمة التقاعد وتعدد الأنظمة الخصوصية، وتقلص إحداثات الشغل الجديدة، وبروز ظاهرة التهرب من التصريح بكافة الأجراء من دفع المساهمات، وتراكم الديون المتخلدة لدى الدولة والأعراف تجاه الصندوقين..

بعد سنة 2011، أعادت الحكومات السابقة خاصة منها حكومة يوسف الشاهد، فتح ملف عجز الصناديق الاجتماعية، مع تفاقم عجزها المالي، وتم تفعيل اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية المتكونة من أطراف الإنتاج الثلاثة: الحكومة، اتحاد الشغل، اتحاد الصناعة والتجارة. وبعد مفاوضات الإصلاح منذ سنة 2016 وتواصلت حتى سنة 2018، وتوجت بوضع خطط إصلاحية جديدة..

وتركزت خيارات الإصلاح على محورين:

المحور الأول: تعلق بمراجعة المقاييس المعتمدة كالترفيع في سن التقاعد والأجر المرجعي ومردودية سنوات العمل.

المحور الثاني: ويهم تنويع مصادر التمويل إلى جانب المورد القار المتمثل في المساهمات.

أفضت المفاوضات في النهاية إلى الاتفاق على حزمة إجراءات إصلاحية، منها الترفيع في سن التقاعد في القطاع العمومي وإقرار الضريبة الاجتماعية التضامنية التي أقرها قانون مالية 2018، والترفيع في المساهمات الاجتماعية بنسبة 3 بالمائة لمنخرطي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، موزعة بنسبة 1 % على الموظفين، والمشغّل بنسبة 2  %.

رفض الاتحاد العام التونسي للشغل بعض الحلول المقترحة المتعلّقة بالترفيع في مساهمة تقاعد العمال في القطاع الخاصّ وكذلك بجوانب مالية وتقنية تؤدي إلى التخفيض في جرايات التقاعد عبر مراجعة طريقة احتسابها وما يعرف بمردودية السنوات إلى درجة تخفيض جرايات التقاعد وحدّها الأقصى بنسبة يمكن أن تتجاوز الـ10% لمنخرطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.

في حين اعترض ممثلو اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية على أغلب الآليات المقترحة، واعتبرت المنظمة أن الحل يجب أن يكون جذريا أكثر من خلال تنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية (وهو ما يشترك فيه مع اتحاد الشغل) وخاصة عبر الترفيع في عدد المساهمين من العاملين خارج الأطر القانونية، مما يؤدي إلى توسيع قاعدة منخرطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من العاملين في القطاع الموازي.

كما تعلقت أهم اعتراضات منظمة الأعراف أساسا بالترفيع في المساهمات الاجتماعية للعمال بنقطة وللأعراف بنقطتين كما كان الحال بالنسبة إلى منخرطي صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية. كما رفضت منظمة الأعراف الترفيع في سن التقاعد في القطاع الخاص، ممّا حصر تطبيق ذلك الأجراء على القطاع العام والوظيفة العمومية، بالترفيع في سن التقاعد إلى 62 سنة بصفة إجبارية و3 سنوات اختيارية..

محسن حسن خبير الاقتصاد ووزير التجارة الأسبقالأولوية للتوازنات المالية للصناديق.. قبل التفكير في تحويلها إلى مؤسسات مالية

أقرّ الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن في تصريح لـ"الصباح" أن قرار تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية، توجه قد يعني إقرار مرونة في التصرف في الصناديق وهذا أمر مطلوب.. في انتظار توضح رؤية وزارة الإشراف لهذه المسألة.

وقال:" من وجهة نظري هذا التوجه يعني يعني إقرار مرونة في التصرف في الصناديق وهذا أمر مطلوب".

وأقر حسن بوجود تقلص كبير في عجز الصناديق الاجتماعية خاصة في ما يتعلق تعهداتها تجاه المضمونين الاجتماعيين. كما لاحظ أن صندوق التأمين على المرض قام بخلاص الجزء الأكبر من التزاماته تجاه الصيدلية المركزية وكل الشركاء في المنظومة الصحية والمستشفيات العمومية.. وهذا الأمر يؤكد أن الوضعية المالية في الصناديق الاجتماعية بدأت تتحسن..

وقال:"هناك بداية إصلاح حقيقي للصناديق ولدورهم الاجتماعي ولمنظومة التأمين عل المرض رغم انه ما تزال هناك خطوات كبيرة لقطعها في هذا الاتجاه.. وذلك من خلال إعادة النظر في حوكمة الصناديق الاجتماعية حتى من جهة هيئات القيادة ومجالس الإدارة وتغيير مجالس الإدارة وتطعيمها بكفاءات من القطاع الخاص تطوير الرقابة وهذا مهم جدا.."

وأوضح أن التوجه نحو تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية، قد يكون المقصود منه إمكانية أن يكون لها تدخلات في النظام المالي والمصرفي وفي السوق النقدية، وذلك في اتجاهين:

الاتجاه الأول: على مستوى تعبئة الموارد، وتتضمن التدخل في السوق المالية والسوق النقدية والاقتراض مباشرة من المؤسسات المالية أو طرح سندات، وهذا يمكنها من تعبئة موارد مالية لتمويل فجوات في الخزينة.

الاتجاه الثاني: القيام بتوظيفات مالية.

وفسّر حسن في هذا الإطار أن في العقود الماضية كانت الصناديق الاجتماعية تقوم بعمليات توظيف للمدخرات حين يكون لديها فائض مالي، وهذا دورها الأساسي لأنها في نهاية الأمر تلعب دور الوسيط بين النشيطين المساهمين والمتقاعدين، وبالتالي هناك عملية توظيف مالي للمدخرات أو تصرف للمدخرات، فعندما تتحول الى مؤسسات مالية، ييسر أكثر طريقة توظيف الموارد المتاحة وموارد المساهمين من أجراء ومشغلين، أكثر عقلانية تحقيق مردودية أفضل للمساهمين.

وقال: "في فترة ما كانت الصناديق الاجتماعية تقوم بخدمات إسناد قروض لمنخرطيها بشروط ميسرة مثل تمويل اقتناء مساكن أو سيارات.."

وأضاف:" إصلاح الصناديق الاجتماعية ما يزال في بدايته، فكرة تحويلها الى مؤسسات مالية جيدة، لكن يجب أن لا نتسرع في هذا الإجراء، تفاديا للفشل، وأعتقد أن الأفضل العمل بسرعة على تحقيق التوازن المالي،.. والحل الأمثل حسب رأيي ليس في الرفع في المساهمات بل في حسن التصرف والتوظيف الأمثل للمدخرات ومساهمات الأجراء والتحكم في النفقات، كما أن تنويع مصادر التمويل سوق المالية النقدية، وتحقيق مرونة أكثر ولم لا يتم في إطار هذه الاتجاهات الإصلاحية الحكومية العمل على توحيد الصناديق الاجتماعية، وأيضا الأنظمة الاجتماعية بين القطاعين العام والخاص، في اتجاه هدف تحقيق أكثر عدالة اجتماعية.."

اتحاد الشغل يرفض ويدعو إلى الحوار المباشر والصريح ..

عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن موقفه الرافض لتحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية وذلك خلال ندوة صحفية عقدها قسم الحماية الاجتماعية والقطاع غير المنظم بتاريخ 19 ديسمبر الجاري.

ووصف عثمان الجلولي الأمين العام المساعد المسؤول عن قسم الحماية الاجتماعية والقطاع غير المنظم تصريحات وزير الشؤون الاجتماعية بتحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية، والترفيع في سن التقاعد في صندوق الضمان الاجتماعي والتصرف في الممتلكات العقارية للصناديق، بمثابة "المغامرة غير محمودة العواقب"، و"قفز في الهواء"، و"مغالطة" على اعتبار أن الصناديق الاجتماعية لا يمكن أن تتحول إلى مؤسسات مالية، وهي تعاني من عجز مالي يقدر بـ1400 مليون دينار مجتمعة، منها 950 مليون دينار لصندوق الضمان الاجتماعي.

ودعا الأمين العام المساعد وزارة الشؤون الاجتماعية إلى "العودة إلى الحوار المباشر والصريح والشفاف"، لمناقشة كيفية تجاوز مختلف التحديات المطروحة في الحماية الاجتماعية ومن بينها اختلال التوازنات المالية لأنظمة الجرايات في صندوقي التقاعد والحيطة الاجتماعية والضمان الاجتماعي، ونقص السيولة في الصندوق الوطني للتأمين على المرض، والرفع في الأجر الأدنى المضمون، ومراجعة الجرايات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بصفة دورية..

وأوضح أن تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية عملية غير مقبولة، مشددا على أن الاتحاد العام التونسي للشغل حريص على ديمومة هذه المؤسسات واستمرارية خدماتها، رافضا كل التصريحات المطروحة حول الدعوة إلى التفويت في العقارات السكنية التابعة للصناديق، معتبرا ممتلكات الصناديق العقارية ثروة ورصيدا وجب الحفاظ عليه وتنميته وتطويره باعتباره إرثا من حق الأجيال القادمة واحتياطيا ماليا قائم الذات وجب حوكمته والتداول بشأنه بشكل تشاركي..

مهدي بن براهم (أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية): تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية ينطوي على مخاطر

قال مهدي بن براهم أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أن عملية تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية تنطوي على عدة مخاطر، فلا يمكن المرور إلى هذا الإجراء قبل ضمان توازن مالي صلب وتحقيق فائض في المدخرات المالية..

وأوضح أنه لا يمكن الحديث عن التصرف في الأصول إلا في صورة وجود مدخرات يمكن استثمارها لتعبئة مزيد من الموارد المالية.

وبين أن الصناديق الاجتماعية في تونس تعاني اليوم من عجز مالي هيكلي، وإذا ما تم تحويلها إلى مؤسسات مالية فإن هذا الإجراء يمكن تفهّمه إذا كان القصد منه توفير حل قانوني يسمح للصناديق للاقتراض من البنوك، لا أن تقوم هي بدور الإقراض لأنها ليست في وضع يسمح لها بذلك.. كما أن هذا الإجراء يتطلب توفر فائض ايجابي في الأموال لدى الصناديق، وهذا الأمر يطرح تساؤلات بخصوص جدواه وأهدافه، باعتبارها هي في وضع تحتاج فيه إلى سيولة مالية.

وأبرز بن براهم في نفس السياق أن ملف التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية هو بالأساس مشكلة لها أبعاد اجتماعية وتهم جميع الأطراف الاجتماعية المتدخلة فيها (حكومة ونقابات، وأعراف)، والتي يجب أن تتفق على أهداف معينة من أنظمة التقاعد، كاستمرارها في توفير جرايات التقاعد لمنظوريها، مع الاتفاق على نسبها وعلى طرق وآلية محاسبية مختلفة تأخذ بعين الاعتبار اختلاف المساهمات وطرق التصرف في مواردها المالية،..

وأوضح أن الأسلم هو جلوس جميع أطراف الإنتاج الثلاثة المعنية على طاولة المفاوضات والاتفاق على حزمة إصلاحات ثم البحث عن مصادر تمويل جديدة.

وأكد بن براهم أن توحيد الصناديق الاجتماعية والأنظمة التقاعد في القطاعين العام والخاص ليس بالفكرة الجيدة وليست ممكنة، فالقطاع العام له أنظمته الخاصة، والقطاع الخاص له أنظمته الخاصة، في المقابل يمكن في القطاع الخاص توحيد أنظمة التقاعد فيها واختصارها.

وخلص إلى القول بأنه لا توجد حلول سحرية لإصلاح التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية فهو إشكال يؤرق العديد من بلدان العالم، التي أصبحت تبحث عن كيفية تعبئة الموارد عبر تنويع مصادر تمويل جديدة لصناديق التقاعد، فاليوم نحن في مرحلة وصلت فيها الحلول التقليدية السهلة إلى حدودها مثل الترفيع في سن التقاعد الذي لا يمكن أن يتجاوز سن الـ65، كما لا يمكن الترفيع أكثر في نسب المساهمات الموظفة على منخرطي أنظمة التقاعد في العمومي والخاص..

أهم المؤشرات المالية للصناديق الاجتماعية

وضعية الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية:

-        عدد النشطين المنخرطين في نهاية سنة 2022: 768485،

-        عدد المنتفعين بجرايات: 419745 منهم حوالي 40 ألف منتفع بجراية يتيم، وأكثر من 99 ألف جراية ترمل. (تطور بنسبة تقدر بـ10 بالمائة مقارنة بسنة 2018 التي سجلت أكثر من 381 ألف منتفع بجراية

-        عدد القروض الشخصية المسندة خلال سنة 2022: 44436 بتطور يقارب 50 بالمائة عن عدد القروض المسندة خلال 2021 وثلاثة أضعاف ما تم إسناده خلال 2018.

-        حجم مبالغ القروض الشخصية: 116 مليون دينار خلال 2022 بتطوير بحوالي 90 بالمائة عن ما تحقق خلال 2021 وتضاعف بأربع مرات ونصف مقارنة بسنة 2018.

-        النتائج النهائية للصندوق خلال 2022: عجز بـ598 مليون دينار بعد أن كان لا يتجاوز 158 مليون دينار سنة 2021، علما أن العجز كان يفوق 785 مليون دينار سنة 2018.

وضعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

-        عدد المضمونين الاجتماعيين: 22376000 خلال سنة 2022، بزيادة مقدرة بحوالي 25 ألف منخرط مقارنة بسنة 2020

-        عدد المؤجرين النشطين: 179000

-        عدد المنتفعين بجراية: 833000

-        مصاريف الجرايات لكل الأنظمة: 4826 مليون دينار.

-        النتائج النهائية خلال سنة 2022: - 951 مليون دينار (تحسن بـ323 مليون دينار مقارنة بسنة 2021).

توزيع المساهمة الاجتماعية التضامنية على الصندوقين:

-        صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية: 195 مليون دينار

-        صندوق الضمان الاجتماعي: 274 مليون دينار

وضعية الصندوق الوطني للتأمين على المرض:

-        بلغت النتائج المالية النهائية لصندوق التأمين على المرض في نهاية 2022، 1058 مليون دينار محققة تطورا ايجابيا يقارب 90 بالمائة مقارنة بنتائج سنة 2018 وبحوالي 30 مقارنة بالنتائج المحققة خلال سنة 2020.

-        بلغ حجم مبالغ الاشتراكات المقبوضة وغير المحولة من قبل صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية، وصندوق الضمان الاجتماعي إلى صندوق التأمين على المرض إلى حدود 30 سبتمبر 2023، 9109 مليون دينار، موزعة بين 2088 مليون دينار متأتية من صندوق الضمان الاجتماعي، و7021 مليون دينار متأتية من صندوق التقاعد.

-        بلغ الحجم الجملي لتعهدات صندوق التأمين على المرض العالقة بسبب نقص السيولة إلى غاية 30 سبتمبر 2023، حوالي 2700 مليون دينار موزعة كالآتي:

*  الهياكل الصحية العمومية: 1471

* الصيدلية المركزية: 456

*   مصحات الضمان الاجتماعي: 189

*  المضمونون الاجتماعيون: 199

*  مسدو الخدمات الصحية في القطاع الخاص: 379

حافظ العموري (أستاذ قانون الشغل والقانون الاجتماعي الدولي)تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية يدعم دورها الاجتماعي

 

قال أستاذ الجامعة التونسية حافظ العموري والخبير في قوانين الشغل والقانون الاجتماعي الدولي، أن تحويل الصناديق الى مؤسسات مالية اجتماعية ممكن خاصة بعد تحسن وضعها المالي.

وأوضح أن أي إصلاح عميق ودائم للضمان الاجتماعي لا يتم إلا بحزمة من الحلول المتناسقة والمتوازية التي من شأنها أن تحقق التوازن المالي المستدام للصناديق ولا تقلص من المنافع الاجتماعية بل تطورها.. مثمنا البرنامج الإصلاحي الذي شرعت فيه وزارة الشؤون الاجتماعية وبدأت نتائجه تظهر بتحسن الوضعية المالية للصناديق الاجتماعية.

وكشف العموري في حوار مع "الصباح" أن الصناديق الاجتماعية يمكنها إسداء قروض بفائض منخفض للمضمونين الاجتماعيين وبشروط استرجاع ميسرة وهذا التوجه ينمي مداخيلها من مردود استرجاع القروض ويدعم دورها الاجتماعي..

كما استعرض أهم أسباب عجز الصناديق واقترح تصورا شاملا لتجاوز عجزها المالي على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

والعموري هو أيضا أستاذ تعليم عال بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية، شغل سابقا خطة ر.م.ع صندوق الضمان الاجتماعي ووزير التشغيل والتكوين المهني سنة 2014 في فترة حكومة مهدي جمعة.

في ما يلي نص الحوار:

التقاه: رفيق بن عبد الله

*كيف تقيمون الإجراءات الإصلاحية المتخذة في مجال الضمان الاجتماعي ؟

من خلال ما أعلن عنه وزير الشؤون الاجتماعية بمناسبة مناقشة ميزانية الوزارة لسنة 2024 نستنتج عزما على تطبيق إصلاح يحقق التوازن المالي للصناديق ووضع حدّ لتواصل العجز المالي الذي يهدد كل منظومة الضمان بالانهيار لأنه كلما تأخر الوقت يصعب الإصلاح ويصبح عبء التضحيات ثقيلا على كل الأطراف وسنجد أنفسنا تحولنا من الإصلاح الى الإنقاذ بإجراءات مؤلمة للجميع.

ونلاحظ أن هذه الإصلاحات بدأت ومنها ما دخل حيز التنفيذ كشرط موافقة الإدارة على كل تمديد لسن التقاعد من 62 الى 65 سنة في القطاع العمومي الذي كان آليا وهو إجراء صائب ومتناسق مع إجراء التقاعد المبكر في سن57 مع التنفيل لان الإدارات تعمل بفائض من الموظفين قد يصل الى 30%  وهذا من شانه أن يخفف أعباء الأجور على خزينة الدولة ويرفع من نجاعة الخدمات الإدارية وليس كما يدعي البعض انه إملاء من صندوق النقد الدولي.

*برأيك، لماذا لم تقم الحكومات السابقة بإصلاح عميق للضمان الاجتماعي رغم أن عجز الصناديق كان متوقعا ولك دراسة منذ سنة 1990 تنبه من هذا العجز واقترحت حلولا؟

هذا راجع بالخصوص لتهرب جل الحكومات ووزراء الشؤون الاجتماعية السابقين من هذه المسؤولية والاكتفاء بإصلاحات ترقيعية نظرا لحساسية كل إصلاح عميق خلافا للحكومة الحالية التي قطعت مع هذا الخوف والتردد. وهذا يتأكد من البرنامج الإصلاحي الذي شرعت فيه الوزارة وبدأت نتائجه تظهر بتحسن الوضعية المالية لصناديق الضمان الاجتماعي وخلاص جزء هام من مستحقات صندوق التأمين على المرض بما مكنه من خلاص جزء من مستحقات المستشفيات العمومية لديه.

وأتمنى تمكين وزير الشؤون الاجتماعية وغيره من الوزراء الذين لهم برامج إصلاحية جريئة من الوقت الكافي لتحقيقها لان عدم الاستقرار الحكومي ساهم في  الماضي في غياب برامج إصلاحية عميقة.

*هل يندرج ما أعلن عنه وزير الشؤون الاجتماعية من تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية في هذا التمشي الإصلاحي وهل هذا ممكن من الناحية التشريعية والتقنية، وكيف؟

أعتقد أن ما يقصده السيد الوزير ليس تحويل الصناديق الى مؤسسات مالية بمعنى بنوك لأن هذا غير ممكن في إطار القانون الحالي، بل بمؤسسات مالية اجتماعية تسدي قروضا بفائض منخفض للمضمونين الاجتماعيين وبشروط استرجاع ميسرة خاصة أن عددا من هؤلاء لا يتمكنون من الحصول على قروض بنكية بسبب الفوائض المرتفعة والضمانات الكبيرة المطلوبة. وهذا التوجه ينمي مداخيل الصناديق من مردود استرجاع القروض ويدعم دورها الاجتماعي بتمكين مضمونيها من هذه القروض التي تساهم أيضا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية علما أن القروض كانت موجودة ولكنها تقلصت وتوقفت شبه كليا بسبب الصعوبات المالية التي شهدتها الصناديق، والآن بفضل تحسن وضعيتها المالية يمكنها أن تصبح مؤسسات مالية في إطار دورها الاجتماعي.

*هل تتفق مع الرأي القائل بأن الأسلم حاليا التركيز على ضمان التوازنات المالية للصناديق وتطبيق كل قرارات قانون 2019 المتعلق بتنقيح قانون التقاعد، قبل المرور إلى إجراءات أخرى؟

قانون سنة 2019 المتعلق بتنقيح قانون التقاعد يتعلق بالقطاع العمومي واظهر عند تطبيقه عديد النقائص التي تجنب البعض منها التنقيح الأخير الذي اخضع مطلب التمديد بعد 62 سنة الى موافقة المؤجر. وفي كل الحالات هذا القانون حل ترقيعي قد حسن الوضعية المالية للصندوق الوطني للتقاعد لسنتين أو ثلاثة ثم تدهورت من جديد.

*هناك من يقترح توحيد الصناديق في مؤسسة واحدة، مع توحيد الأنظمة الاجتماعية في القطاعين العام والخاص.. هل تؤيدون هذا المقترح؟

توحيد الصناديق في مؤسسة واحدة لا ينفع شيئا ولا يمكن بأي حال حصر المنافع لأنها مرتبطة بنسب مساهمات وبخصوصيات مهنية. بل إن هذا التوحيد سيؤدي الى انهيار منظومة الضمان الاجتماعي لعدة أسباب منها عدم إمكانية توحيد المساهمات لاستحالة قطاعات خاصة دفعها إضافة الى استحالة تحمل صندوق الضمان الاجتماعي كلفة جرايات التقاعد المسداة في القطاع العمومي وطريقة احتسابها وكذلك عدم قدرة صندوق  التامين على المرض على دفع منح مرض وولادة في مستوى تلك التي تتمتع بها أجيرات القطاع العمومي وغيرها من الاستحالات المطلقة.

علما انه لا يمكن توحيد أنظمة الضمان الاجتماعي حتى في نفس القطاع العمومي أو القطاع الخاص وكل صندوق يدير عديد الأنظمة. وبصرف النظر عن هذه العوائق لا وجود لهذه المساواة حسب اطلاعي على أنظمة الضمان الاجتماعي في العالم في أي دولة، بل إن صناديق وأنظمة الضمان الاجتماعي تعد بالعشرات في نفس الدولة.

*وزير الشؤون الاجتماعية أعلن أيضا عن إضافة أنظمة تأمينات اختيارية، هل تريد الصناديق منافسة شركات التامين وهل هذا جائز قانونا؟

اعتقد أن مبادرة إدخال تأمينات تكميلية اختيارية ذكية جدا وستعود بالنفع على الصناديق والمضمونين الاجتماعيين وعائلاتهم ولا شيء في القانون يمنع ذلك، ومن المنتظر أن تكون اختيارية علما أن للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نظام تأمين تقاعد تكميلي اختياري للمؤجرين لفائدة كل أجرائهم الذين تتجاوز أجورهم 6 مرات الأجر الأدنى المضمون يمول بثلثين من طرف المؤجر وثلث من طرف الأجير، لكن مع الأسف ما لا يعرفه جل المؤجرين والأجراء أن مردود هذا النظام للأجراء أرفع بكثير من مردود كل التأمينات الحالية المشابهة التي توفرها شركات التأمين .

ونقترح أن يتوسع التأمين التكميلي للتقاعد لكل الأجراء ويصبح اختياريا للمؤجرين والأجراء على حد سواء لمن لا تتجاوز أجورهم الحد المذكور.

كما نقترح الرفع في عدد شرائح الدخل لأنظمة الضمان الاجتماعي لغير الأجراء والتونسيين بالخارج لتمكين من لهم الإمكانيات المالية اختيار أصناف أعلى للحصول على جرايات أرفع خاصة أن الموازين المالية لهذه الأنظمة غير مختلة، ويبدو أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعتزم وضع نظام تأمين تكميلي اختياري على المرض وتنافس شركات التأمين المحتكرة له حاليا واقعيا.

وكل هذه التأمينات التكميلية هي صيغة من نظام الرسملة الداخلية على مستوى الصناديق بما يحقق المزج بينه وبين النظام التوزيعي الذي مازالت تونس متمسكة به.

*من البرامج الإصلاحية التي أعلنتها الوزارة توحيد سن التقاعد بين القطاع العمومي والقطاع الخاص بـ62 سنة إجباريا وإلى 65 سنة اختياريا فهل هذا حل لاختلال موازين الصناديق؟

أعتقد أن هذا الإصلاح يتطلب دراسة دقيقة من حيث انعكاساته على كل المستويات، فمهنيا عديد القطاعات العمل فيها مرهق وقواعد الصحة والسلامة ليست دائما محترمة خاصة في المؤسسات الصغرى التي تمثل النسبة الكبرى في النسيج الاقتصادي بما يخفض من قدرة إنتاج العاملين فيها حتى قبل بلوغ سن الستين، كما أن عديد المؤسسات تنتظر بلوغ أجرائها سن التقاعد لانتداب شباب مواكب للتطورات التكنولوجية.

كما يمكن أن ينجرّ عن الترفيع إجباريا في سن التقاعد في القطاع الخاص انعكاس على نسبة البطالة بالترفيع فيها خلافا للقطاعين العمومي والعام (منشآت عمومية) حيث الانتدابات فيها في حدها الأدنى ربما للعشر سنوات القادمة لامتصاص العدد الكبير الزائد عن الحاجة بالإحالة على التقاعد بالخصوص.

ونظرا لهذه العوامل وغيرها من الأفضل أن يكون الترفيع في سن التقاعد في القطاع الخاص اختياريا بالاتفاق بين الأجير والمؤجر مع احتساب هذه السنوات في نسبة جراية التقاعد.

*هل تعتبرون أن هذه هي الحلول المثلى للخروج من أزمة العجز المالي التي تعاني منه الصناديق الاجتماعية؟

لا يتم الإصلاح العميق والدائم للضمان الاجتماعي إلا بحزمة من الحلول المتناسقة والمتوازية أو المتواترة التي من شانها أن تحقق التوازن المالي المستدام للصناديق ولا تقلص من المنافع الاجتماعية بل تطورها، وهو ما نستنتجه من برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية المقدم في مجلس النواب بمناسبة مناقشة اعتمادات الوزارة لسنة 2024 من خلال إستراتيجية إصلاح تدريجي ومتزن نظرا للكم الهائل من الإشكاليات المتراكمة على مر السنين والتي أوصلت الصناديق إلى هوة الإفلاس .

*دائما تثار مسألة مبالغ المنح العائلية المجمدة منذ عشرات السنوات ألم يحن الوقت لمراجعتها؟

هذا صحيح ولكن الوضعية المالية لصندوق الضمان الاجتماعي بالرغم من تحسنها ولخزينة الدولة (موظفي الدواة) لا تسمح بذلك حاليا لان الترفيع بدينار واحد سيتكلف بعشرات المليارات. واقترح مراجعة شروط إسناد هذه المنح التي أصبحت تكملة للأجر لتقتصر على أصحاب الأجور الضعيفة، أما المنح التي كانت تدفع لأصحاب الأجور المرتفعة يتم استغلالها للترفيع بها في منح أصحاب الأجور الضعيفة. ويتم  تحديد الحدود الدنيا والقصوى للأجور بعد دراسة معمقة.

*كيف تتصورون الحلول الملائمة لتجاوز أزمة الصناديق الاجتماعية الثلاثة في تونس على المدى القصير والمتوسط والبعيد؟

نقترح الإصلاحات التالية سواء بالتدعيم أو بالإضافة  للبرنامج الإصلاحي للوزارة  تنقسم الى قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد أهمها:

إصلاحات على المدى القصير:

-        مزيد تحسين حوكمة صناديق الضمان الاجتماعي.

-        مزيد تكثيف المراقبة والرفع من نجاعتها في القطاع ا للحد من التهرب.

-        مزيد تحسين نسب استخلاص المساهمات.

-        تحسين وتطوير وتوسيع نظام الإعلام والتواصل داخليا وخارجيا Système d’information مع مصالح تفقدية الشغل والجباية والديوانة: يتعين تمكين مراقبي صندوق الضمان الاجتماعي من الدخول آليا إلى المواقع الالكترونية لإدارات الجباية والديوانة بالنسبة للمؤسسات الخاضعة لرقابتهم باعتبار تداخل وتكامل أعمال الرقابة وخضوع أعوان الصندوق إلى نفس قانون المحافظة على السر المهني وذلك للتثبت والمقارنة بين المعطيات المتوفرة لديهم بشان بعض المؤسسات إضافة إلى التنسيق مع تفقديات الشغل لمدهم عبر بطاقات اتصال الكتروني fiches de liaison بالاخلالات المسجلة في مجال الضمان الاجتماعي خلال زيارات التفقد التي تقوم بها بما يضاعف مجهود الرقابة ويرفع من نجاعتها.

-        حوكمة الإصلاحات المقترحة باعتماد آليات للمتابعة ووضع الإسقاطات والفرضيات الاكتوارية الدقيقة على المدى الطويل.

-        إنشاء مرصد وطني للضمان الاجتماعي: يقوم خاصة باستشعار الأخطار التي تهدد ديمومة التوازنات المالية للصناديق ووضع آليات تعديليه دورية للعوامل التي تضمن هذه التوازنات. وبفضل هذا المرصد تعتمد بلدان كالسويد وعديد البلدان الأخرى أفقا زمنيا استشرافيا للمحافظة على ديمومة التوازن المالي للضمان الاجتماعي يمتد لفترة75 سنة.

إصلاحات على المدى المتوسط

التحول من التمويل المهني (مساهمات مؤجرين وأجراء) إلى التمويل المزدوج بالمزج بين المساهمات المهنية والضرائب الجبائية وشبه الجبائية بداية تحول لتمويل الصناديق بداية من قانون المالية لسنة 2025:

الترفيع في معاليم الجولان (بالنسبة للسيارات الفاخرة) وفي الضرائب على المؤسسات الملوثة واستهلاك السجائر والمشروبات الكحولية (الأنواع الفاخرة) ويبرر هذا الإجراء بالتكاليف العلاجية التي يتحملها الصندوق الوطني للتامين على المرض من جراء حوادث الطرقات ( التي لها صبغة شغلية) بالنسبة لمعلوم الجولان والأمراض الناتجة عن التلوث والاستهلاك بالنسبة للبقية إضافة إلى إمكانية إنشاء ضريبة بسيطة ولو بـ200 مليم على بطاقات شحن الهاتف الجوال والتي مهما تكن منخفضة فان مردودها يكون هاما بحكم ارتفاع الاستهلاك.

-         إنشاء ضريبة القيمة المضافة الاجتماعيةTVA sociale  على السلع الاستهلاكية الكمالية الموردة وهي لا تتعارض مع اتفاقية التجارة العالمية. وهذه الضريبة ساهمت بشكل فعال في تمويل الضمان الاجتماعي ببعض البلدان كألمانيا والسويد. علما أن تونس أحدثت مساهمة اجتماعية تضامنية لتمويل الضمان الاجتماعي تمت مراجعتها في قانون المالية لسنة 2024.

-        الترفيع اضطراريا في المساهمات في القطاع العمومي والعام: الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به جل النسيج الاقتصادي في القطاع الخاص وضعف القدرة الشرائية لأجراء هذا القطاع عوامل تبرر اقتصار مقترحنا على القطاع العمومي والعام أي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بنسبة قصوى 1% على عاتق الموظف و2% على عاتق المؤجر العمومي توزع على سنتين. وفي كل الحالات فان كل ترفيع في المساهمات هو تحويل لجزء من القدرة الشرائية من العاملين إلى المتقاعدين وبالتالي لا يجب أن يتسبب في تحميل جيل العاملين العبء الأكبر من الإصلاح بالرغم من أن نسب المساهمات في تونس في كل أنظمة  الضمان الاجتماعي تأتي في وسط الترتيب العالمي وقابلة للترفيع.

-        العمل على الرفع من نسب التغطية في بعض أنظمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: من الناحية القانونية التغطية الاجتماعية في تونس شاملة لكل العاملين لكن واقعيا مازالت ضعيفة في بعض القطاعات المهنية لعدة عوامل ربما أهمها غياب ثقافة الضمان الاجتماعي بعدم التصريح بالأجراء والأجور أو النقص في التصريح بها حتى في مؤسسات الاقتصاد المنظم بالرغم من أن هذه المساهمات رمزية في عديد الأنظمة.

-        إنشاء صندوق التامين على البطالة ليحل محل صندوق الضمان الاجتماعي ولو جزئيا في تحمل كلفة الإحاطة بالمسرحين لأسباب اقتصادية .

إذ يتكفل حاليا الصندوق بصرف الجرايات للمسرحين من العمل لأسباب اقتصادية ومنحة لمدة السنة الموالية للطرد لتعويض ولو نسبة من الأجر والتكفل بمواصلة التغطية الصحية طيلة هذه المدة إضافة إلى دفع مكافأة نهاية الخدمة في حالة الحكم بها واستحالة التنفيذ على المؤجر. ويتعين تطبيق العقد الاجتماعي الذي نص منذ سنة 2013 على إحداث صندوق تامين على البطالة ليحل محل الصندوق لمدة معينة لإعانة هؤلاء لمدة معينة حتى الحصول على عمل ما لم يبلغوا سن التقاعد.

إصلاحات على المدى الطويل

-        العمل على إدماج الاقتصاد غير المنظم في منظومة الضمان الاجتماعي: يتعين تثبيت المهنيين المتجولين في مقرات معلومة وإنشاء نظام ضمان اجتماعي أكثر مرونة من نظام محدودي الدخل يعتمد فقط على رقم بطاقة التعريف الوطنية مقابل مساهمات جزافية تراعي قدرة العاملين فيه على الدفع ويوفر لهم منفعتين أساسيتين فقط وهما التامين على المرض وجراية شيخوخة أو عجز.

والهدف من ذلك ليس تحسين الموارد المالية للصندوق لان هذا النظام سيكون عاجزا ماليا بحكم رمزية المساهمات بل مقاومة كل أشكال والتهميش الاجتماعي خاصة وأن نسبة من العاملين في هذا القطاع ستتكفل بهم الدولة دون مقابل عند عجزهم عن العمل في إطار برنامج منح العائلات المعوزة بينما هدا النظام يجعلهم أصحاب حق بما يحفظ كرامتهم.

ولذلك نرى انه يتعين إدخالهم في مرحلة أولى في نظام الضمان الاجتماعي دون اشتراط "باتيندة" أو بطاقة مهنية أو غيرها من الشروط المنفرة والاقتصار على رقم بطاقة التعريف الوطنية كرقم ضمان اجتماعي ودفع اشتراكات شهرية عوضا عن الاشتراكات الثلاثية المعتمدة في القطاع المنظم تجنبا لإثقال كاهلهم المالي ثم في مرحلة ثانية يمكن تنظيمهم مهنيا وجبائيا بنفس المرونة.

-        العمل على التخفيض من نسبة البطالة في القطاع المنظم يساهم بصفة مباشرة في الرفع من موارد الضمان الاجتماعي وغير مباشرة بالرفع في معادلة عدد العاملين بالنسبة لعدد المتقاعدين.

-        تأهيل القطاع الصحي العمومي والخاص: ارتفاع  كلفة الأمراض الثقيلة والمزمنة والأدوية والخدمات الصحية في القطاعين العام الخاص تحديات صعبة على صندوق التأمين على المرض التخفيف من انعكاسها المالي السلبي على موازناته خاصة  بتأهيل وتحسين جودة الخدمات والضغط على الكلفة ومراجعة الخارطة الصحية في اتجاه مزيد التوازن الجهوي وترشيد النفقات.