إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"ماذا تبقى من مدينة أريانة وجامعها العتيق؟"

 

 

بقلم: سامي بن بشر (*)

 

لماذا لم تخصص أريانة مكانا مخصصا لزراعة الورود أو إعادة الوردة الأصلية كما وظفت مدينة زغوان النسري لصناعة كعك الورقة؟

ولاية أريانة من الولايات ذات القيمة تاريخيا بحيث يرجع تاريخها إلى العهد الصنهاجي حيث كان الشيخ محرز بن خلف الصديقي المتوفى سنة 413هـ/1022م يقرئ الصبيان بها وبضاحية المرسى.

وكانت تعرف مدينة أريانة بهوائها النقي وبساتينها وزياتينها ولا سيما بمنتزهات رياضة أبي فهر التي لم يبق منها شيئا سوى جزء من حوضه في وسط مدينتي العلوم حاليا، أما ورد أريانة فلم يعد له ذكرا إلا في بعض الأشكال الهندسية في مدخل المنزه السادس والمنزه الثامن أو من خلال مهرجان الورد الذي يقام كل سنة مع بداية فصل الصيف هذا الورد يصفه الباحث منير القصري بكونه "نبتة حجمها صغير أصلها من آسيا الغربية تتميز بشوكها القصير والمعقق ورقاتها ذات 25 تويجات، هذه الوردة هي الأكثر شيوعا في استخراج العطور الشذية ولها استعمالات في شتى التطيب فالموطن الأصلي لورد أريانة هو تركيا ومنه انتقل إلى الأندلس ثم المغرب فتونس حوالي سنة 1637.

وظهر لأول مرة بمنطقة أريانة وخاصة بجهة جعفر من نفس الولاية قبل أن ينتقل إلى صفاقس والقيروان وجربة... ومدينة قفصة" ولها منافع صحية عديدة. وفي مدينة بنزرت أطلقت حملة "أزرع وردة أمام كل بيت تتحول المدينة إلى حديقة" لماذا لا تستغل السلطات المعنية هذه الحملة في مدينة أريانة والقيام بزرع الورود والزياتين في حديقة المستشفى هناك المختص بالأمراض الصدرية، وفي كل المؤسسات الإدارية والتربوية ولا سيما في المنتزهات التي أغلبها مهملة كمنتزه المنزه السادس والممر الصحي بها أو حديقة المنزه التاسع التي احتلته الأكشاك في كل مكان.

لماذا لم تخصص مدينة أريانة مكانا مخصصا لزراعة الورود أو إعادة الوردة الأصلية إلى هذا المكان كما وظفت مدينة زغوان النسري وعدة من المواد الأساسية لصناعة كعك الورقة؟ ولماذا لا تخصص مدينة أريانة إحدى مقراتها التاريخية لجعله فضاء ثقافيا بامتياز يخصص كمكان لجمعية صيانة مدينة أريانة ومركز توثيق حول المدينة؟ وسيما في شأن زراعة الورد وتخصيص جانبا منه لتعليم المهتمين بتقطير الورد في برنامج يكون تابعا للتكوين المهني يستفيد منه الشاب العاطل عن العمل.

للأسف الشديد أغلب معالم مدينة أريانة أهملت أو شوهت أو هدمت كما هو الشأن لأغلب المعالم التي ترجع إلى العهد الحفصي وعلى سبيل المثال جامعها العتيق الذي وقع هدمه تماما بعد الاستقلال بقليل ولم يقع مراعاة قيمته التاريخية كما وقع للعديد من المساجد العتيقة مثل جامع العمران الذي بني في عهد أحمد باشا باي الثاني ومسجد الرصاع بنهج الوصفان قرب سوق النحاس بالمدينة العتيقة الذي كان من المفروض تشريك المعهد الوطني للتراث للإشراف على ترميمه وتوسيعه مع مراعاة شكله الأصلي والغريب في الأمر أنه لم يبق من الجامع شيء من استطواناته الرمانية العتيقة وشكله المتميز الشبيه بجامع الزيتونة إلا مزولة عثر عليها أخيرا كانت في إحدى أركان الجامع، ولم يقع أي تنصيص على القيمة التاريخية للجامع المذكور في لوحة رخامية معلقة على يمين المدخل الرئيسي إلا العبارات التالية:

"بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الحمد لله على بركة الله تعالى وتوفيقه تم بناء جامع المدينة بأريانة يوم الجمعة 11 رمضان المعظم سنة 1389 هجري وأقيمت به أول صلاة مباركة (الظهر) وختم التراويح في سبع وعشرين من رمضان المعظم سنة 1389 الموافق 7 ديسمبر 1969".

مع غياب تام للمعهد الوطني للتراث في حين يذكر الشيخ محمد بن سلامة قاضي مدينة باردو المتوفى سنة 1850 في كتابه العقد المنضد في أخبار المشير الباشا أحمد الذي حققه أخيرا المرحوم الدكتور أحمد الطويلي أن الإمام البرزلي المتوفى سنة 814 هجري 1411 ميلادية صاحب كتاب "النوازل" الذي تم تحقيه من طرف الدكتور محمد الحبيب الهيلة رحمه الله محدود من الأئمة الخطباء لهذا الجامع ويضيف الشيخ محمد بن سلامة أن في زمن العلامة ابن عبد السلام الهواري خطيب جامع الزيتونة في حدود سنة 1328م صنع منبر جامع الزيتونة ومنبره القديم نقل لجامع أريانة وخطب فيه ابن مرزوق لما قدم لتونس.

ويضيف الأستاذ عيسى البكوش الرئيس الأسبق لبلدية أريانة مجموعة أخرى من الخطباء وأئمة هذا الجامع منهم المشايخ الأجلاء: أحمد اللمسي ومحمد بن الخوجة والطاهر بن سعيد ومحمد الفاضل العبدلي وعبد الله المولهي وأحمد عجال وحامد المهيري ومحمد بوزغيبة وعبد الوهاب بوصارصار ومحمد الخضراوي وقيس بوسالمي ورضا الغويلي، ومن أئمة الخمس بهذا الجامع المقرئ أحمد اليحياوي اضطلع بالإمامة لمدة حوالي أربعين سنة، والمحدود من أهل التقوى والورع.

أما مقام سيدي عمار فقد وقع تشويهه أيضا ووظف لانطلاق عيساويات أريانة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 (*) باحث وحافظ مكتبة

 

 

 

 

 

"ماذا تبقى من مدينة أريانة وجامعها العتيق؟"

 

 

بقلم: سامي بن بشر (*)

 

لماذا لم تخصص أريانة مكانا مخصصا لزراعة الورود أو إعادة الوردة الأصلية كما وظفت مدينة زغوان النسري لصناعة كعك الورقة؟

ولاية أريانة من الولايات ذات القيمة تاريخيا بحيث يرجع تاريخها إلى العهد الصنهاجي حيث كان الشيخ محرز بن خلف الصديقي المتوفى سنة 413هـ/1022م يقرئ الصبيان بها وبضاحية المرسى.

وكانت تعرف مدينة أريانة بهوائها النقي وبساتينها وزياتينها ولا سيما بمنتزهات رياضة أبي فهر التي لم يبق منها شيئا سوى جزء من حوضه في وسط مدينتي العلوم حاليا، أما ورد أريانة فلم يعد له ذكرا إلا في بعض الأشكال الهندسية في مدخل المنزه السادس والمنزه الثامن أو من خلال مهرجان الورد الذي يقام كل سنة مع بداية فصل الصيف هذا الورد يصفه الباحث منير القصري بكونه "نبتة حجمها صغير أصلها من آسيا الغربية تتميز بشوكها القصير والمعقق ورقاتها ذات 25 تويجات، هذه الوردة هي الأكثر شيوعا في استخراج العطور الشذية ولها استعمالات في شتى التطيب فالموطن الأصلي لورد أريانة هو تركيا ومنه انتقل إلى الأندلس ثم المغرب فتونس حوالي سنة 1637.

وظهر لأول مرة بمنطقة أريانة وخاصة بجهة جعفر من نفس الولاية قبل أن ينتقل إلى صفاقس والقيروان وجربة... ومدينة قفصة" ولها منافع صحية عديدة. وفي مدينة بنزرت أطلقت حملة "أزرع وردة أمام كل بيت تتحول المدينة إلى حديقة" لماذا لا تستغل السلطات المعنية هذه الحملة في مدينة أريانة والقيام بزرع الورود والزياتين في حديقة المستشفى هناك المختص بالأمراض الصدرية، وفي كل المؤسسات الإدارية والتربوية ولا سيما في المنتزهات التي أغلبها مهملة كمنتزه المنزه السادس والممر الصحي بها أو حديقة المنزه التاسع التي احتلته الأكشاك في كل مكان.

لماذا لم تخصص مدينة أريانة مكانا مخصصا لزراعة الورود أو إعادة الوردة الأصلية إلى هذا المكان كما وظفت مدينة زغوان النسري وعدة من المواد الأساسية لصناعة كعك الورقة؟ ولماذا لا تخصص مدينة أريانة إحدى مقراتها التاريخية لجعله فضاء ثقافيا بامتياز يخصص كمكان لجمعية صيانة مدينة أريانة ومركز توثيق حول المدينة؟ وسيما في شأن زراعة الورد وتخصيص جانبا منه لتعليم المهتمين بتقطير الورد في برنامج يكون تابعا للتكوين المهني يستفيد منه الشاب العاطل عن العمل.

للأسف الشديد أغلب معالم مدينة أريانة أهملت أو شوهت أو هدمت كما هو الشأن لأغلب المعالم التي ترجع إلى العهد الحفصي وعلى سبيل المثال جامعها العتيق الذي وقع هدمه تماما بعد الاستقلال بقليل ولم يقع مراعاة قيمته التاريخية كما وقع للعديد من المساجد العتيقة مثل جامع العمران الذي بني في عهد أحمد باشا باي الثاني ومسجد الرصاع بنهج الوصفان قرب سوق النحاس بالمدينة العتيقة الذي كان من المفروض تشريك المعهد الوطني للتراث للإشراف على ترميمه وتوسيعه مع مراعاة شكله الأصلي والغريب في الأمر أنه لم يبق من الجامع شيء من استطواناته الرمانية العتيقة وشكله المتميز الشبيه بجامع الزيتونة إلا مزولة عثر عليها أخيرا كانت في إحدى أركان الجامع، ولم يقع أي تنصيص على القيمة التاريخية للجامع المذكور في لوحة رخامية معلقة على يمين المدخل الرئيسي إلا العبارات التالية:

"بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الحمد لله على بركة الله تعالى وتوفيقه تم بناء جامع المدينة بأريانة يوم الجمعة 11 رمضان المعظم سنة 1389 هجري وأقيمت به أول صلاة مباركة (الظهر) وختم التراويح في سبع وعشرين من رمضان المعظم سنة 1389 الموافق 7 ديسمبر 1969".

مع غياب تام للمعهد الوطني للتراث في حين يذكر الشيخ محمد بن سلامة قاضي مدينة باردو المتوفى سنة 1850 في كتابه العقد المنضد في أخبار المشير الباشا أحمد الذي حققه أخيرا المرحوم الدكتور أحمد الطويلي أن الإمام البرزلي المتوفى سنة 814 هجري 1411 ميلادية صاحب كتاب "النوازل" الذي تم تحقيه من طرف الدكتور محمد الحبيب الهيلة رحمه الله محدود من الأئمة الخطباء لهذا الجامع ويضيف الشيخ محمد بن سلامة أن في زمن العلامة ابن عبد السلام الهواري خطيب جامع الزيتونة في حدود سنة 1328م صنع منبر جامع الزيتونة ومنبره القديم نقل لجامع أريانة وخطب فيه ابن مرزوق لما قدم لتونس.

ويضيف الأستاذ عيسى البكوش الرئيس الأسبق لبلدية أريانة مجموعة أخرى من الخطباء وأئمة هذا الجامع منهم المشايخ الأجلاء: أحمد اللمسي ومحمد بن الخوجة والطاهر بن سعيد ومحمد الفاضل العبدلي وعبد الله المولهي وأحمد عجال وحامد المهيري ومحمد بوزغيبة وعبد الوهاب بوصارصار ومحمد الخضراوي وقيس بوسالمي ورضا الغويلي، ومن أئمة الخمس بهذا الجامع المقرئ أحمد اليحياوي اضطلع بالإمامة لمدة حوالي أربعين سنة، والمحدود من أهل التقوى والورع.

أما مقام سيدي عمار فقد وقع تشويهه أيضا ووظف لانطلاق عيساويات أريانة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 (*) باحث وحافظ مكتبة