شهر مضى على العودة المدرسية وسط تواصل معركة تكاد تكون شبه يومية بين التلاميذ و"الكراسي" التي وجب تأمينها لحضور الدرس.. بما أن الاكتظاظ الحاصل هذه السنة على مستوى الأقسام تجاوز خطوط التوقعات في ظل وجود فصول تضم أكثر من 46 تلميذا فيما يقدر المعدل العام بين 42 و46 تلميذا داخل القسم الواحد ..
اكتظاظ استنكره تلاميذ وأولياء وحتى إطارات تربوية بما انه ينعكس سلبا على سير العملية التربوية داخل القسم اذ يصعب فعليا إيصال مختلف المعارف والمهارات بسلاسة الى كل التلاميذ..
المسالة متشعبة وتتباين فيها الآراء وتختلف: فهنالك طرح يؤكد أن الاكتظاظ مرده الزيادة في عدد التلاميذ الجدد كل سنة والتي يصعب على سلطة الإشراف مجابهتها عبر توفير العنصر البشري أو البنية التحتية اللازمة على اعتبار أن المسألة تتطلب إمكانيات واعتمادات تتجاوز بكثير الميزانية المرصودة لوزارة التربية..
وهنالك طرح آخر يشير الى أن وزارة التربية اختارت على مضض مسار الاكتظاظ كتمش للتقشف والضغط على العنصر البشري على اعتبار أن الارتفاع في عدد التلاميذ من سنة الى أخرى يقتضي إمكانيات هامة من حيث توفير الإطارات التربوية التي ستتولى التدريس الأمر الذي لا يتماهى مطلقا وإمكانيات وزارة التربية ...
لكن وبعيدا عن الأسباب التي أدت الى "انفجار" الأقسام هذه السنة من حيث الاكتظاظ والتي سنحاول عبر هذه المساحة التطرق إليها يوجه كثيرون أصابع الاتهام الى وزارة التربية -رغم الجهود التي تقوم بها لا سيما على مستوى البنية التحتية- على اعتبار أن ارتفاع عدد التلاميذ الجدد من سنة الى أخرى ليس بالعنصر المفاجئ وكان حريا بسلطة الإشراف الاستعداد للتغيرات الطارئة على الخارطة المدرسية..
ملف من إعداد: منال حرزي
في هذا الخصوص يتساءل اليوم كثيرون وبإلحاح: ماذا قدمت وزارة التربية على مدار السنوات الماضية فيما يتعلق بجانب الاستشراف واستباق الحلول في بعض الإشكاليات المتوقعة التي يمكن القول إنها حالت هذه السنة دون استئناف الدروس بشكل طبيعي؟ وهو تساؤل يستمد مشروعيته في ظل تواصل -للأسف- منذ انطلاق السنة الدراسية معاناة التلاميذ سواء مع "الكراسي" نظرا لعدم توفر العدد المطلوب جراء معضلة الاكتظاظ داخل الصفوف أو بسبب عدم وجود إطارات تربوية تؤمن سير الدرس خاصة في غالبية المناطق الداخلية ..
في هذا الاتجاه يستنكر كثيرون عدم سعي وزارة التربية جديا الى إيجاد حلول لمشكلة الاكتظاظ داخل الأقسام لا سيما وأن سلطة الإشراف توقعت منذ سنة 2019 زيادة في عدد التلاميذ تقدر بمعدل 50 ألف تلميذ سنويا حيث كشفت دراسة أنجزتها الوزارة آنذاك أن عدد التلاميذ سيرتفع خلال العشر سنوات المقبلة بزيادة تقدر بـ500 ألف تلميذ مما يقتضي استثمارات تناهز 1.5 مليار دينار لبناء 550 مؤسسة تربوية جديدة أي بمعدل 50 مؤسسة كل سنة.
وفي سنة 2019 أكد أيضا مدير عام الدراسات والتخطيط ونظم المعلومات بوزارة التربية، بوزيد النصيري في معرض تصريحاته الإعلامية آنذاك أن عدد التلاميذ سيصل خلال سنة 2032 إلى حوالي 2.660.000 تلميذ مشيرا الى أن الخارطة المدرسية لم تعد قادرة على استيعاب هذه الأعداد مؤكدا أنه سيتم إحداث 400 مؤسسة تربوية جديدة (بما يناهز أكثر من 4 آلاف قاعة تدريس). وتؤكد اليوم مصادر من وزارة التربية أن الواقع بعيد كل البعد عن الرقم سالف الذكر نظرا الى أن الاعتمادات المرصودة لا تتناغم مع واقع الحال الذي يتطلب إمكانيات مهولة..
بلغة الأرقام شهدت العودة المدرسية هذه السنة عودة مليونين و356 ألفا و630 تلميذا الى مقاعد الدراسة في كلّ من المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي، أيّ بزيادة تقدّر بـ2.8% مقارنة بالموسم الفارط في حين بلغ عدد فصول الدراسة 90 ألفا و453 فصلا مسجلة زيادة في عدد الفصول تقدر بـ547 فصلا..
في هذا الاتجاه قد تشرح الأرقام سالفة الذكر سبب الاكتظاظ الذي "تفجر" هذه السنة داخل الأقسام وأسباب غياب الكراسي وحتى الطاولات، فمن البديهي أن يٌجابه هذا الازدحام داخل القسم بتكديس التلاميذ داخل الفصل الواحد الى حد يتجاوز الـ45 تلميذا...
ولكن يظل السؤال الذي يطرح هنا بإلحاح: لماذا لم تتفاعل سلطة الإشراف جديا مع هذه التغيرات في الخارطة المدرسية وهي التي استشرفت منذ سنة 2019 زيادة مهولة في عدد التلاميذ الجدد دون إجابة شافية؟ مصحوبا بعدد من الأسئلة من قبيل: ألا يوجد حل لتفادي هذا الاكتظاظ وتسيير العملية التربوية داخل القسم؟
في المقابل تتبنى أطراف أخرى طرحا مغايرا قوامه أن الوضع لن يتغير طالما لم يتم إدخال إصلاحات جوهرية على المنظومة التربوية وهذا لن يتم إلا عبر الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم التي ستتولى وضع قطار الإصلاح على السكة خاصة وأنها تتضمن محاور عدة من شأنها على حد تعبير كثيرين أن تحدث الفارق..
ليس الهدف عبر هذه المساحة توجيه أصابع الاتهام الى طرف بعينه لكننا نروم وضع المعضلة تحت المجهر، معضلة الاكتظاظ داخل الفصول التي تجاوزت هذه السنة كل الخطوط الحمراء مهددة العملية التربوية داخل القسم وفاتحة الأبواب على مصراعيها أمام تنامي آفة الدروس الخصوصية خارج الفضاء المدرسي، بقدر ما يروم أن ينتبه الفاعلون في المنظومة التربوية من وزارة ونقابات ومنظمات مجتمع مدني الى أهمية المسألة وتداعياتها على العملية التربوية داخل القسم حتى يتسنى إنقاذ ما يمكن إنقاذه...
دراسة تؤكد طفرة في عدد التلاميذ ...
من الرهانات والتحديات الكبرى المطروحة على طاولة وزارة التربية هي السيطرة على الطفرة القادمة في عدد التلاميذ الجدد على مدار السنوات القادمة وإيجاد حلول عاجلة لمسألة الاكتظاظ بعيدا عن سياسة الإحداثات والبناءات الجديدة التي تتجاوز بأشواط ميزانية وزارة التربية.. وهي مسالة متوقعة في ظل وجود دراسة أنجزتها سلطة الإشراف سنة 2019 تكشف أن عدد التلاميذ الجدد سيرتفع في العشر سنوات القادمة الى 500 ألف تلميذ جديد مما يتطلب رصد استثمارات تناهز 1,5 مليار دينار لبناء 550 مؤسسة تربوية جديدة أي بمعدل 50 مؤسسة كل سنة ...
في هذا الخصوص وتفاعلا مع الدراسة سالفة الذكر يتبنى رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني طرحا مغايرا حيث يشكك في مصداقية الدراسة التي أعدتها وزارة التربية والتي أشارت الى وجود زيادة في عدد التلاميذ تقدر بـ500 ألف تلميذ على مدار العشرية القادمة وأوضح في تصريح لـ"الصباح" انه يتعين التأكد أولا من مصداقية هذه الدراسة على اعتبار أن نسبة الولادات في تونس تراجعت منذ سنة 2021 لتبلغ حوالي 40 ألف ولادة أي أن نسبة الولادات بصدد التراجع من سنة الى أخرى حسب المعطيات المتوفرة. لكن يرى محدثنا أن الإشكالية التي تقف وراء جملة المشاكل التي تعاني منها المنظومة التربوية على غرار آفة الاكتظاظ مرده أن وزارة الإشراف وعلى امتداد السنوات الأخيرة تعاملت مع مشروع المدرسة كأنه مشروع عادي مستعملة معه سياسات التقشف بسب تراجع الموارد المالية للدولة الذي كان له انعكاس مباشر على ميزانية وزارة التربية وعلى الميزانية المخصصة للأجور وهو ما يعتبره محدثنا خيارا خاطئا وليس جديا.
من جانب آخر وفي تشخيصه لأسباب الاكتظاظ الحاصل الذي فاق التوقعات هذه السنة داخل الفصول أورد رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ أنه مع التدهور الحاصل في أداء المنظومة التربوية ارتفعت جدا نسبة الرسوب الأمر الذي يفسر من وجهة نظره الاكتظاظ الحاصل حاليا في الأقسام...
في هذا الإطار يدعو البيداغوجي المتقاعد فريد السديري في تصريح لـ"الصباح" سلطة الإشراف الى ترشيد جهود المجتمع المدني فيما يتعلق بترميم البنية التحتية للمدارس موضحا ان هذه الجهود يفترض ان تعتمد سلما للتدخل او تدرجا ينطلق من الأسوإ الى السيئ (في علاقة بالمؤسسات التربوية التي تستوجب التدخل) على اعتبار وجود بعض المدارس في معتمديات ولاية جندوبة تفتقر على حد قوله الى ابسط مقومات العيش الكريم ومع ذلك لم يشملها التدخل. من جهة أخرى تطرق محدثنا الى معضلة لا تقل من وجهة نظره أهمية عن مشكل الاكتظاظ تتعلق بالنقص الحاصل في الإطارات التربوية في بعض الولايات الداخلية مشيرا الى انه كان يتعين على الوزارة بالتوازي مع الانتدابات التي قامت بها هذه السنة الاستثمار في انتدابات أخرى (حتى وان لم تسمح الظرفية الاقتصادية بذلك) على اعتبار ان الزيادة في عدد التلاميذ تقتضي وجوبا توفير العنصر البشري اللازم لتأمين العملية التربوية...
توفيق الشابي: الوزارة أعدت قانون الإطار بمفردها فكانت نتيجته الاكتظاظ
تفاعلا مع تنامي معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام هذه السنة وخاصة الأسباب التي تقف وراءها يشير عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي توفيق الشابي في تصريح لـ"الصباح" أن سلطة الإشراف انكبت هذه السنة وحدها على وضع قانون الإطار موضحا أن هذه المسالة يفترض أن تكون محل مشاورات بين وزارة التربية والطرف الاجتماعي.
وفسر عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي أن قانون الإطار يتعلق باحتياجات وزارة التربية من إطارات التدريس وفقا للفصول المتوفرة وترتبط هذه المسالة ببقية الفروع الجامعية. وأضاف الشابي أن قانون الإطار وضعته وزارة التربية بمفردها نتيجة التحركات الاجتماعية التي قام بها المربون السنة الماضية حيث تم إقصاء الجامعة العامة للتعليم الأساسي على حد قوله. وشدد الشابي على أن وزارة التربية، هذه السنة تعمدت، على حد توصيفه، إقصاء الجامعة لتتولى هي إعداد قانون الإطار بهدف الضغط على الانتدابات الأمر الذي نتج عنه استفحال معضلة الاكتظاظ داخل الفصول حيث تلخص المشهد في أقسام مكتظة تتراوح بين 40 و46 تلميذا. أما على مستوى المناطق الداخلية وخاصة الأرياف فقد تفشت ظاهرة نظام الفرق على حد تأكيد محدثنا حيث تتكون الأقسام عادة من مستويين اثنين: السنة الأولى مرحلة ابتدائية وسنة ثانية وهذا يضرب من وجهة نظر الشابي مبدأ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص حيث يتحول فيه المعلم الى آلة بسبب التعسف الذي يطاله أثناء تدريس مستويين مختلفين.
موضحا انه يفترض انه يتم تخصيص حيز زمني يتعلم فيه التلميذ مختلف المعارف ويقدر بـ22 ساعة لكنه نظريا يتحصل على 10 ساعات فقط. ليخلص عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي الى القول بان الغاية الأساسية من اعتماد نظام الفرق هو الضغط على قانون الإطار لاسيما أن الوزارة تجنبت كل أشكال التشغيل الهش وهذا الضغط جعل كلا من الأولياء والمدرسين يتذمرون لان التلاميذ لا يتلقون المحصول المعرفي المطالبين بمعرفته.
فخري السميطي: الاكتظاظ "حل" للوزارة لكنه غير بيداغوجي
في قراءته لظاهرة "انفجار" الأقسام هذه السنة في ظل تزايد عدد التلاميذ بما جعل معظم الفصول تمثل هذه السنة استثناء من حيث الاكتظاظ الحاصل صلبها, يعتبر عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي فخري السميطي في تصريح لـ"الصباح" أن انعكاسات الميزانية المرصودة لوزارة التربية تتجلى في مستويين: الأول يتعلق بالبنية التحتية والثاني يهم الموارد البشرية. فيما يهم المستوى الثاني يشير السميطي الى أن وزارة التربية أو بالأحرى الحكومة أغلقت باب الانتداب أمام العنصر البشري من قيمين وإطارات تربوية وأساتذة ومعلمين وكان نتيجة ذلك تفاقم ظاهرة الاكتظاظ داخل الفصول. واعتبر عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي ان النقص الحاصل على مستوى العنصر البشري يتطلب حلولا على غرار فتح باب التشغيل وهذه مسالة ترتبط بالسياسات والتوجهات العامة وبالتالي فان الحل الأمثل الذي بقي أمام وزارة التربية هو محاولة الضغط على الأقسام – أي عوض تخصيص 6 أقسام ينحصر العدد في أربعة- وبالتالي فإن السياسة المتوخاة هي التقليل من العنصر البشري بسبب غياب الانتداب. أما فيما يتعلق بالبنية التحتية من إحداثات جديدة وشراءات (طاولات وكراس) فيرى محدثنا أن طبيعة الأقسام ذاتها مهترئة وبالتالي فان النقص في البنية التحتية من جهة وفي عدد المؤسسات الجديدة من جهة أخرى زد على ذلك سياسة الارتقاء المعتمدة والتي جعلت عدد التلاميذ مستقرا ساهمت في تدعيم معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام مشيرا الى أن عدد المؤسسات التربوية القليل مع عدد المكلفين بالموارد البشرية (من أساتذة ومعلمين وقيمين) يبقى دون المأمول رغم إقرار وزارة التربية نفسها بان النقص في العنصر البشري يقدر بـ5 آلاف إطار وهو الحل لمجابهة كل هذه التحديات في الاكتظاظ لكنه يظل حلا غير بيداغوجي بما أن العملية التربوية تظل غير مريحة بالمرة.
تجدر الإشارة الى أن وزارة التربية أعلنت خلال بداية السنة الدراسية الجديدة عن انتداب 1670 معلما مرحلة ابتدائية من حاملي إجازة تطبيقية دورة 2023 وتعاقدها مع 793 معلما نائبا.
كما كشفت الوزارة عن تعاقدها مع 5780 مُدرس مرحلة إعدادية وتعليم ثانوي من بينهم 5680 خريج دار المعلمين العليا والأساتذة المبرزين و100 أستاذ نائب.
هذا وقررت الوزارة الترفيع في قيمة مقدار الخلاص الشهري للمدرسين النواب من 750 الى 1250 دينار على 12 شهرا و1500 دينار بداية من سبتمبر 2024 مع ضمان التغطية الاجتماعية وتمتيع المدارس الابتدائية بالشخصية القانونية وتمكينها من التصرف الذاتي لإضفاء المزيد من النجاعة على تسييرها.
مستشار في التوجيه المدرسي: لا بد من الاستثمار في التربية لمجابهة الاكتظاظ
تفاعلا مع معضلة الاكتظاظ داخل الفصول وتداعياتها على سير العملية التربوية داخل القسم يرى المستشار في التوجيه المدرسي توفيق الذهبي في تصريح لـ"الصباح" انه فيما يتعلق بظاهرة الاكتظاظ والظواهر الشبيهة الأخرى والتي من شانها أن تصعب من العملية التربوية وتساهم في تعطيل أداء أمثل للإطار التربوي فإن المسألة أولا لا تعتبر جديدة فهي ضاربة في القدم كما عانت منها المنظومة التربوية منذ عقود فضلا عن أنها تطرح باستمرار سواء من قبل الإطارات التربوية أو النقابات لأنها تصعب من العمل الميداني للمربي علاوة على خلقها لتعقيدات بين الباث والمتقبل .
وأضاف محدثنا أن هذه الإشكالية تفاقمت في السنوات الأخيرة لكن هذا لا يعني إلغاء الأمل في وجود حلول لهذه الظاهرة مشيرا في السياق ذاته أن الوزارة ولئن تعمل جاهدة لتفادي هذا الإشكال إلا أنها لم تستطع التوصل الى حل فعلي للمشكل من شأنه أن يسمح بتجويد العملية التربوية داخل القسم لا سيما أن هنالك قوانين واليات متفق عليها من حيث عدد التلاميذ المسموح به داخل القسم الواحد.
ويكمن الحل من وجهة نظر المستشار في التوجيه المدرسي في ضرورة الاستثمار في التربية لمجابهة معضلة الاكتظاظ وذلك اما عن طريق البناءات والتجهيزات الجديدة او عن طريق فتح باب الانتدابات. وأضاف محدثنا ان الحل الجذري يكمن أيضا في تبني رؤية اصلاح شامل لقطاع التربية قائلا :"نأمل ان تكون الاستشارة الوطنية لإصلاح التربية والتعليم بمثابة اللبنة الأولى في طريق الإصلاح وتبني على محاولات الإصلاح السابقة ".
صيحة فزع أطلقها أولياء وإطارات تربوية وتلاميذ جراء ما وصفوه باستحالة العملية التربوية داخل القسم بسبب تفشي آفة الاكتظاظ على غير المعتاد هذه السنة داخل الأقسام.. داعين سلطة الإشراف وكل الفاعلين في المنظومة التربوية الى ضرورة إيجاد حل بعيدا عن الخطابات التي تؤشر الى أن الأمر رهين تضاعف جهود المجتمع المدني لتوفير قاعات تدريس لاسيما أن الأمر في جانبه يرتبط ارتباطا وثيقا بضرورة توفير العنصر البشري اللازم.
صحيح أن الاكتظاظ داخل الفصول لطالما كان من بين التحديات التي تسجل ككل سنة حضورها بقوة على طاولة سلطة الإشراف لكن الأمر مختلف هذه السنة بما ان الاكتظاظ على حد توصيف كثيرين تجاوز التوقعات وأضحى فعليا يعرقل سير الدرس داخل القسم...
تقول المربية لبنى (معلمة سنة ثانية ابتدائي) أن الوضع هذه السنة في علاقة بالاكتظاظ الحاصل داخل الأقسام أضحى بمثابة الكابوس المزعج مشيرة الى أنها تتكبد عناء في السيطرة على القسم لان طبيعة الفئة التي تدرسها تعتبر حسّاسة بما أن إيصال المعلومة يقتضي حدا أدنى من التركيز يظل للأسف غير متوفر لدى شق كبير من التلاميذ ...
"عوض أن انهمك في شرح الدرس وما تتطلبه المادة من تركيز كلي وهدوء تام.. تضيع الحصة في مفردات من قبيل: يكفي .. سكوت .. غادر القاعة"..
هكذا تحدثت عواطف (الاسم المستعار وهي أستاذة علوم تجريبية) معربة عن حسرتها وأسفها لما آلت إليه الأوضاع داخل القسم بسبب تكدس التلاميذ مشيرة الى أن توقيت الحصة يهدر إما والتلاميذ بصدد جلب الكراسي خاصة إذا كان الدرس يقدم في أحد المخابر.. أو وهي بصدد توبيخ التلاميذ لعدم التزامهم بالهدوء ...
هذه الوضعية التي نقلها بعض الإطارات التربوية جعلت كثيرين يتفهمون لهث فئة هامة من الأولياء وراء الدروس الخصوصية على اعتبار ان هذا الفضاء الموازي يوفر ولو نسبيا ما عجز القسم عن ضمانه من أساسيات لعل أبرزها: عدد محدود من التلاميذ, انضباط تام,, هدوء وهيبة فقدت للأسف في غالبية المؤسسات التربوية ...
في هذا السياق تؤكد السيدة سمية (أم لطفلين) هذا الطرح حيث تشير الى انها اختارت عن مضض تحمل أعباء دروس خصوصية تتجاوز بكثير مقدرتها الشرائية لكنها مضطرة الى ذلك لان المدرسة ببساطة أضحت على حد قولها "لا يعول عليها" فالتلاميذ ينصرفون داخل القسم الى الضحك واللعب محملة في السياق ذاته بعض الإطارات التربوية عدم تحملها المسؤولية وفرض سيطرتها على القسم وبالتالي تحول هذا الفضاء على حد تعبيرها الى فضاء للعب والمرح بدل التركيز والاستفادة وخاصة تلقي مختلف المعارف والمهارات التعليمية...
وأمثال سمية كثيرون فالاكتظاظ الحاصل في الأقسام يعتبر من ابرز الأسباب التي دفعت بالولي الى الهجرة بأعداد غفيرة نحو الدروس الخصوصية على اعتبار ان هاجس الولي الأساسي هو ضمان عنصر الاستفادة الذي يظل للأسف مفقودا داخل القسم بسبب الاكتظاظ...
تفاعلا مع تنامي ظاهرة الاكتظاظ داخل الأقسام هذه السنة يشير رئيس جمعية التضامن بالوسط المدرسي فتحي بن حفظ الله في تصريح لـ"الصباح" أن المسالة بسيطة للغاية على اعتبار أن تفاقم الاكتظاظ مرده نقص حاصل على مستوى الإطارات التربوية على اعتبار أن المدرسة التي تضم 4 معلمين ستحظى بأربعة أقسام فقط وهذا ما ينجر عنه اكتظاظ مهول داخل القسم لاسيما على مستوى الإعداديات والمعاهد الثانوية. وأشار محدثنا أن لهذه الظاهرة تداعيات وانعكاسات وخيمة على سير الدروس وخاصة على مستوى عملية الفهم حيث يصعب إيصال المعلومة وتبليغها وسط فصول تضم أكثر من 42 تلميذا.. داعيا في السياق ذاته الى ضرورة إعادة الهيبة للمعلم من خلال إيفائه جميع حقوقه سواء كانت المادية أو المعنوية موضحا أيضا في هذا الصدد ان الإطار التربوي في المناطق الداخلية يضطر لقطع أكثر من 70 كم من اجل تامين العملية التربوية. ليخلص رئيس جمعية التضامن بالوسط المدرسي الى القول بان معضلة الاكتظاظ تتطلب اتخاذ قرارات سريعة وجريئة للتقليص من حدتها.
تجدر الإشارة الى ان عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة كان قد أشار الى ان اكتظاظ الأقسام أو الفصول يعتبر مشكلة لكن ليس هو وحده مشكلة التعليم في تونس، مشيرا إلى أن هناك إشكالية على مستوى الأداء التعليمي، والتحصيل الأخلاقي والمعرفي، والدروس الخصوصية، والتعليم الخاص الذي أصبح ملاذ الميسورين لإنقاذ أبنائهم الى جانب المتاهة الرقمية وغياب الحياة الثقافية والرياضية في المدرسة وهي كلّها عناصر في منظومة التعليم تنتظر الحلّ من الدولة بالأساس، ولكن بالتكافل مع المجتمع المدني وقطاع الإعلام.
وأضاف الجريدي في معرض تصريحاته لـ"العرب" أن حلّ مشكلة الاكتظاظ وباقي مشاكل المدرسة ليس متوفرا بالكامل حاليا بالنظر للوضع المالي للدولة بعد عشرية من العبث بمقدراتها وصورتها..على حد توصيفه.
وزارة التربية .. استعدادات مبكرة للسنة الدراسية الجديدة لكن..
عدد التلاميذ بلغ مليونا و356 ألفا و630 تلميذا أي بزيادة تقدّر بـ63 ألفا و794 تلميذا مما أفضى إلى ارتفاع عدد الأقسام بـ574 فصلًا.
رغم كل التشكّيات سالفة الذكر والانتقادات التي وجهت لسلطة الإشراف كونها لم تسع الى تطويق إشكالية الاكتظاظ في الأقسام التي ترتبط ارتباطا وثيقا بضرورة توفير إطار بشري للتخفيف من الضغط الحاصل على مستوى الأقسام جدير بالذكر انه ووفقا لما أعلنته سابقا وزارة التربية فان الاستعدادات للعودة المدرسية هذه السنة قد انطلقت بصفة مبكرة (فيفري 2023 ) وذلك من خلال تشكيل لجان فنية وطنية وجهوية ومحلية للإعداد والاستعداد الجيد للعودة المدرسية 2023 -2024 من خلال اعتماد مقاربة تشاركية تفاعلية مع توخي مسار تصعيدي انطلاقا من الجهة صعودا الى المستوى المركزي هذا بالتوازي مع توخي مقومات الحوكمة الرشيدة وحسن التصرف في الموارد المتاحة بشريا وماديا ...
في هذا الخضم نجدد القول إن عدد التلاميذ هذه السنة بلغ مليونا و356 ألفا و630 تلميذا أي بزيادة تقدّر بـ63 ألفا و794 تلميذا، الأمر الذي أفضى بالضرورة إلى ارتفاع عدد الأقسام بـ574 فصلًا وارتفاع عدد الإطار التربوي المشرف هذه السنة بـ707 مدرّسين وفقا لما كان أعلنه في وقت سابق وزير التربية خلال ندوة صحفية خصصت للعودة المدرسية.
وكان من البديهي أمام هذه الزيادة في عدد التلاميذ بناء مؤسسات جديدة وهو ما تم بالفعل حيث شهدت العودة المدرسية هذه السنة إحداث 12 مؤسسة تربوية جديدة تتوزع كالآتي: 7 بالمرحلة الابتدائية و3 بالمرحلتين الإعدادية والثانوية علما أن عدد الإحداثات الجديدة هذه السنة قد تراجع مقارنة بالسنة الدراسية الماضية (2022 -2023 ) حيث بلغ عدد المؤسسات التربوية الجديدة 22 مؤسسة موزعة بين إعداديات ومدارس ابتدائية.
وبخصوص الاستياء والتذمر من تراجع البنية التحتية للمؤسسات التربوية وتدحرجها كل سنة من سيء الى أسوأ أشارت وزارة التربية الى أنها قامت بـ1500 تدخلا لتعهد وصيانة وتوسعة المؤسسات التربوية هذا الى جانب بناء 400 قاعة عادية واقتناء 38 قاعة مسبقة الصنع و26 مجموعة صحية مسبقة الصنع علما انه تم اقتناء 96 قاعة خلال السنة الدراسية الماضية. وينضاف الى القائمة سالفة الذكر مواصلة صرف حوالي 2400 مليون دينار على جملة من مشاريع الإحداث والصيانة والتجهيز.
أما بشان بطء نسق انجاز مشاريع البنية التحتية فقد عزت وزارة التربية ذلك الى تعطل ملفات القروض الخارجية منذ 2017 ورغم ذلك فقد تمكنت الوزارة من استرجاع 1250 مليون دينار من الاتحاد الأوروبي والبنك الإفريقي للتنمية والصندوق العربي للإنشاء والتعمير. وفي علاقة ببقية الإشكاليات الأخرى على غرار معضلة النقل المدرسي فقد وفرت الوزارة هذه السنة 95 حافلة للنقل المدرسي وذلك في إطار مشروع مقاومة الانقطاع المدرسي الى جانب اقتناء 12 عربة لنقل الأكلة المدرسية.
لكن يتضح جليا أنه ما باليد حيلة، إذ أن سلطة الإشراف تقف اليوم عاجزة أمام تزايد عدد التلاميذ الجدد وخاصة أمام توفير بناءات جديدة بما أنّ كلفة التلميذ الواحد ارتفعت لتصل إلى قرابة 3.5 آلاف دينار وفقا لما قاله وزير التربية خلال ندوة العودة المدرسية. ورغم جهود المؤسسات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تتولى ككل سنة إما تشييد مؤسسات جديدة أو إدخال تحسينات عليها لكان الوضع أكثر قتامة..
وآخر هذه الجهود ما تم الإعلان عنه مؤخرا في ولاية المهدية فنقلا عن موقع تونس الإفريقية فان المجتمع المدني بجهة المهدية (مواطنون وجمعيات)، مشاريع في قطاع التربية، بلغت قيمتها 903 آلاف دينار، شملت بناء قاعات درس وحجرات ملابس وقاعات متعدّدة الاختصاصات وعمليات تبليط وتهيئة، وهي تندرج في إطار معاضدة جهود المجتمع المدني للحكومة في النهوض بالمؤسسات التربوية، وفق معطيات وإحصائيات صادرة عن ولاية المهدية.
وناهزت مشاريع أخرى، يجري إنجازها في ذات الإطار، 220 ألف دينار، تراوحت نسبة تقدم انجازها بين 10 و90 بالمائة، وشملت مؤسّسات تربوية بمختلف مناطق الجهة.
وبلغ عدد المشاريع التّي ينتظر أن تنطلق قريبا 21 مشروعا بقيمة جملية قدرت بنحو 868 ألف دينار، أكبرها قيمة مشروع بناء قاعتي تدريس بإحدى مدارس معتمدية قصور الساف بمبلغ 120 ألف دينار، ومن المرتقب أن تتضمن هذه المشاريع بناء قاعات تدريس وقاعات لمديري المدارس والمعلمين، علاوة على بناء ماجل للتزود بمياه الشّرب وصيانة ساحات ومداخل وأسوار بعض المدارس..
ردا على هذا التساؤل تؤكد مصادر مطلعة من الوزارة لـ"الصباح" أن الوزارة ليست غافلة عن هذا المعطى وهي ككل سنة توفر إحداثات وبناءات جديدة ضمن الإمكانيات المتاحة لكن تغطية النقص الحاصل في عدد المؤسسات التربوية تتجاوز بكثير تكلفته مقدرة وزارة التربية وبالتالي فان الوزارة تتحرك ضمن الإمكانيات المتاحة لها. وأضافت المصادر ذاتها انه نظرا للظرفية العامة التي تمر بها المالية العمومية فإن الوزارة فتحت منذ سنوات المجال أمام الخواص ومنظمات المجتمع لمعاضدة مجهود الدولة مثمنا في الإطار نفسه العمل الذي يقوم به كل مكونات المجتمع المدني في إعادة الاعتبار للمدرسة كمصعد اجتماعي مشيرا في الإطار نفسه أن الوزارة بصدد إعداد مشاريع أخرى للتهيئة والصيانة.
تونس-الصباح
شهر مضى على العودة المدرسية وسط تواصل معركة تكاد تكون شبه يومية بين التلاميذ و"الكراسي" التي وجب تأمينها لحضور الدرس.. بما أن الاكتظاظ الحاصل هذه السنة على مستوى الأقسام تجاوز خطوط التوقعات في ظل وجود فصول تضم أكثر من 46 تلميذا فيما يقدر المعدل العام بين 42 و46 تلميذا داخل القسم الواحد ..
اكتظاظ استنكره تلاميذ وأولياء وحتى إطارات تربوية بما انه ينعكس سلبا على سير العملية التربوية داخل القسم اذ يصعب فعليا إيصال مختلف المعارف والمهارات بسلاسة الى كل التلاميذ..
المسالة متشعبة وتتباين فيها الآراء وتختلف: فهنالك طرح يؤكد أن الاكتظاظ مرده الزيادة في عدد التلاميذ الجدد كل سنة والتي يصعب على سلطة الإشراف مجابهتها عبر توفير العنصر البشري أو البنية التحتية اللازمة على اعتبار أن المسألة تتطلب إمكانيات واعتمادات تتجاوز بكثير الميزانية المرصودة لوزارة التربية..
وهنالك طرح آخر يشير الى أن وزارة التربية اختارت على مضض مسار الاكتظاظ كتمش للتقشف والضغط على العنصر البشري على اعتبار أن الارتفاع في عدد التلاميذ من سنة الى أخرى يقتضي إمكانيات هامة من حيث توفير الإطارات التربوية التي ستتولى التدريس الأمر الذي لا يتماهى مطلقا وإمكانيات وزارة التربية ...
لكن وبعيدا عن الأسباب التي أدت الى "انفجار" الأقسام هذه السنة من حيث الاكتظاظ والتي سنحاول عبر هذه المساحة التطرق إليها يوجه كثيرون أصابع الاتهام الى وزارة التربية -رغم الجهود التي تقوم بها لا سيما على مستوى البنية التحتية- على اعتبار أن ارتفاع عدد التلاميذ الجدد من سنة الى أخرى ليس بالعنصر المفاجئ وكان حريا بسلطة الإشراف الاستعداد للتغيرات الطارئة على الخارطة المدرسية..
ملف من إعداد: منال حرزي
في هذا الخصوص يتساءل اليوم كثيرون وبإلحاح: ماذا قدمت وزارة التربية على مدار السنوات الماضية فيما يتعلق بجانب الاستشراف واستباق الحلول في بعض الإشكاليات المتوقعة التي يمكن القول إنها حالت هذه السنة دون استئناف الدروس بشكل طبيعي؟ وهو تساؤل يستمد مشروعيته في ظل تواصل -للأسف- منذ انطلاق السنة الدراسية معاناة التلاميذ سواء مع "الكراسي" نظرا لعدم توفر العدد المطلوب جراء معضلة الاكتظاظ داخل الصفوف أو بسبب عدم وجود إطارات تربوية تؤمن سير الدرس خاصة في غالبية المناطق الداخلية ..
في هذا الاتجاه يستنكر كثيرون عدم سعي وزارة التربية جديا الى إيجاد حلول لمشكلة الاكتظاظ داخل الأقسام لا سيما وأن سلطة الإشراف توقعت منذ سنة 2019 زيادة في عدد التلاميذ تقدر بمعدل 50 ألف تلميذ سنويا حيث كشفت دراسة أنجزتها الوزارة آنذاك أن عدد التلاميذ سيرتفع خلال العشر سنوات المقبلة بزيادة تقدر بـ500 ألف تلميذ مما يقتضي استثمارات تناهز 1.5 مليار دينار لبناء 550 مؤسسة تربوية جديدة أي بمعدل 50 مؤسسة كل سنة.
وفي سنة 2019 أكد أيضا مدير عام الدراسات والتخطيط ونظم المعلومات بوزارة التربية، بوزيد النصيري في معرض تصريحاته الإعلامية آنذاك أن عدد التلاميذ سيصل خلال سنة 2032 إلى حوالي 2.660.000 تلميذ مشيرا الى أن الخارطة المدرسية لم تعد قادرة على استيعاب هذه الأعداد مؤكدا أنه سيتم إحداث 400 مؤسسة تربوية جديدة (بما يناهز أكثر من 4 آلاف قاعة تدريس). وتؤكد اليوم مصادر من وزارة التربية أن الواقع بعيد كل البعد عن الرقم سالف الذكر نظرا الى أن الاعتمادات المرصودة لا تتناغم مع واقع الحال الذي يتطلب إمكانيات مهولة..
بلغة الأرقام شهدت العودة المدرسية هذه السنة عودة مليونين و356 ألفا و630 تلميذا الى مقاعد الدراسة في كلّ من المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي، أيّ بزيادة تقدّر بـ2.8% مقارنة بالموسم الفارط في حين بلغ عدد فصول الدراسة 90 ألفا و453 فصلا مسجلة زيادة في عدد الفصول تقدر بـ547 فصلا..
في هذا الاتجاه قد تشرح الأرقام سالفة الذكر سبب الاكتظاظ الذي "تفجر" هذه السنة داخل الأقسام وأسباب غياب الكراسي وحتى الطاولات، فمن البديهي أن يٌجابه هذا الازدحام داخل القسم بتكديس التلاميذ داخل الفصل الواحد الى حد يتجاوز الـ45 تلميذا...
ولكن يظل السؤال الذي يطرح هنا بإلحاح: لماذا لم تتفاعل سلطة الإشراف جديا مع هذه التغيرات في الخارطة المدرسية وهي التي استشرفت منذ سنة 2019 زيادة مهولة في عدد التلاميذ الجدد دون إجابة شافية؟ مصحوبا بعدد من الأسئلة من قبيل: ألا يوجد حل لتفادي هذا الاكتظاظ وتسيير العملية التربوية داخل القسم؟
في المقابل تتبنى أطراف أخرى طرحا مغايرا قوامه أن الوضع لن يتغير طالما لم يتم إدخال إصلاحات جوهرية على المنظومة التربوية وهذا لن يتم إلا عبر الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم التي ستتولى وضع قطار الإصلاح على السكة خاصة وأنها تتضمن محاور عدة من شأنها على حد تعبير كثيرين أن تحدث الفارق..
ليس الهدف عبر هذه المساحة توجيه أصابع الاتهام الى طرف بعينه لكننا نروم وضع المعضلة تحت المجهر، معضلة الاكتظاظ داخل الفصول التي تجاوزت هذه السنة كل الخطوط الحمراء مهددة العملية التربوية داخل القسم وفاتحة الأبواب على مصراعيها أمام تنامي آفة الدروس الخصوصية خارج الفضاء المدرسي، بقدر ما يروم أن ينتبه الفاعلون في المنظومة التربوية من وزارة ونقابات ومنظمات مجتمع مدني الى أهمية المسألة وتداعياتها على العملية التربوية داخل القسم حتى يتسنى إنقاذ ما يمكن إنقاذه...
دراسة تؤكد طفرة في عدد التلاميذ ...
من الرهانات والتحديات الكبرى المطروحة على طاولة وزارة التربية هي السيطرة على الطفرة القادمة في عدد التلاميذ الجدد على مدار السنوات القادمة وإيجاد حلول عاجلة لمسألة الاكتظاظ بعيدا عن سياسة الإحداثات والبناءات الجديدة التي تتجاوز بأشواط ميزانية وزارة التربية.. وهي مسالة متوقعة في ظل وجود دراسة أنجزتها سلطة الإشراف سنة 2019 تكشف أن عدد التلاميذ الجدد سيرتفع في العشر سنوات القادمة الى 500 ألف تلميذ جديد مما يتطلب رصد استثمارات تناهز 1,5 مليار دينار لبناء 550 مؤسسة تربوية جديدة أي بمعدل 50 مؤسسة كل سنة ...
في هذا الخصوص وتفاعلا مع الدراسة سالفة الذكر يتبنى رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني طرحا مغايرا حيث يشكك في مصداقية الدراسة التي أعدتها وزارة التربية والتي أشارت الى وجود زيادة في عدد التلاميذ تقدر بـ500 ألف تلميذ على مدار العشرية القادمة وأوضح في تصريح لـ"الصباح" انه يتعين التأكد أولا من مصداقية هذه الدراسة على اعتبار أن نسبة الولادات في تونس تراجعت منذ سنة 2021 لتبلغ حوالي 40 ألف ولادة أي أن نسبة الولادات بصدد التراجع من سنة الى أخرى حسب المعطيات المتوفرة. لكن يرى محدثنا أن الإشكالية التي تقف وراء جملة المشاكل التي تعاني منها المنظومة التربوية على غرار آفة الاكتظاظ مرده أن وزارة الإشراف وعلى امتداد السنوات الأخيرة تعاملت مع مشروع المدرسة كأنه مشروع عادي مستعملة معه سياسات التقشف بسب تراجع الموارد المالية للدولة الذي كان له انعكاس مباشر على ميزانية وزارة التربية وعلى الميزانية المخصصة للأجور وهو ما يعتبره محدثنا خيارا خاطئا وليس جديا.
من جانب آخر وفي تشخيصه لأسباب الاكتظاظ الحاصل الذي فاق التوقعات هذه السنة داخل الفصول أورد رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ أنه مع التدهور الحاصل في أداء المنظومة التربوية ارتفعت جدا نسبة الرسوب الأمر الذي يفسر من وجهة نظره الاكتظاظ الحاصل حاليا في الأقسام...
في هذا الإطار يدعو البيداغوجي المتقاعد فريد السديري في تصريح لـ"الصباح" سلطة الإشراف الى ترشيد جهود المجتمع المدني فيما يتعلق بترميم البنية التحتية للمدارس موضحا ان هذه الجهود يفترض ان تعتمد سلما للتدخل او تدرجا ينطلق من الأسوإ الى السيئ (في علاقة بالمؤسسات التربوية التي تستوجب التدخل) على اعتبار وجود بعض المدارس في معتمديات ولاية جندوبة تفتقر على حد قوله الى ابسط مقومات العيش الكريم ومع ذلك لم يشملها التدخل. من جهة أخرى تطرق محدثنا الى معضلة لا تقل من وجهة نظره أهمية عن مشكل الاكتظاظ تتعلق بالنقص الحاصل في الإطارات التربوية في بعض الولايات الداخلية مشيرا الى انه كان يتعين على الوزارة بالتوازي مع الانتدابات التي قامت بها هذه السنة الاستثمار في انتدابات أخرى (حتى وان لم تسمح الظرفية الاقتصادية بذلك) على اعتبار ان الزيادة في عدد التلاميذ تقتضي وجوبا توفير العنصر البشري اللازم لتأمين العملية التربوية...
توفيق الشابي: الوزارة أعدت قانون الإطار بمفردها فكانت نتيجته الاكتظاظ
تفاعلا مع تنامي معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام هذه السنة وخاصة الأسباب التي تقف وراءها يشير عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي توفيق الشابي في تصريح لـ"الصباح" أن سلطة الإشراف انكبت هذه السنة وحدها على وضع قانون الإطار موضحا أن هذه المسالة يفترض أن تكون محل مشاورات بين وزارة التربية والطرف الاجتماعي.
وفسر عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي أن قانون الإطار يتعلق باحتياجات وزارة التربية من إطارات التدريس وفقا للفصول المتوفرة وترتبط هذه المسالة ببقية الفروع الجامعية. وأضاف الشابي أن قانون الإطار وضعته وزارة التربية بمفردها نتيجة التحركات الاجتماعية التي قام بها المربون السنة الماضية حيث تم إقصاء الجامعة العامة للتعليم الأساسي على حد قوله. وشدد الشابي على أن وزارة التربية، هذه السنة تعمدت، على حد توصيفه، إقصاء الجامعة لتتولى هي إعداد قانون الإطار بهدف الضغط على الانتدابات الأمر الذي نتج عنه استفحال معضلة الاكتظاظ داخل الفصول حيث تلخص المشهد في أقسام مكتظة تتراوح بين 40 و46 تلميذا. أما على مستوى المناطق الداخلية وخاصة الأرياف فقد تفشت ظاهرة نظام الفرق على حد تأكيد محدثنا حيث تتكون الأقسام عادة من مستويين اثنين: السنة الأولى مرحلة ابتدائية وسنة ثانية وهذا يضرب من وجهة نظر الشابي مبدأ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص حيث يتحول فيه المعلم الى آلة بسبب التعسف الذي يطاله أثناء تدريس مستويين مختلفين.
موضحا انه يفترض انه يتم تخصيص حيز زمني يتعلم فيه التلميذ مختلف المعارف ويقدر بـ22 ساعة لكنه نظريا يتحصل على 10 ساعات فقط. ليخلص عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي الى القول بان الغاية الأساسية من اعتماد نظام الفرق هو الضغط على قانون الإطار لاسيما أن الوزارة تجنبت كل أشكال التشغيل الهش وهذا الضغط جعل كلا من الأولياء والمدرسين يتذمرون لان التلاميذ لا يتلقون المحصول المعرفي المطالبين بمعرفته.
فخري السميطي: الاكتظاظ "حل" للوزارة لكنه غير بيداغوجي
في قراءته لظاهرة "انفجار" الأقسام هذه السنة في ظل تزايد عدد التلاميذ بما جعل معظم الفصول تمثل هذه السنة استثناء من حيث الاكتظاظ الحاصل صلبها, يعتبر عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي فخري السميطي في تصريح لـ"الصباح" أن انعكاسات الميزانية المرصودة لوزارة التربية تتجلى في مستويين: الأول يتعلق بالبنية التحتية والثاني يهم الموارد البشرية. فيما يهم المستوى الثاني يشير السميطي الى أن وزارة التربية أو بالأحرى الحكومة أغلقت باب الانتداب أمام العنصر البشري من قيمين وإطارات تربوية وأساتذة ومعلمين وكان نتيجة ذلك تفاقم ظاهرة الاكتظاظ داخل الفصول. واعتبر عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي ان النقص الحاصل على مستوى العنصر البشري يتطلب حلولا على غرار فتح باب التشغيل وهذه مسالة ترتبط بالسياسات والتوجهات العامة وبالتالي فان الحل الأمثل الذي بقي أمام وزارة التربية هو محاولة الضغط على الأقسام – أي عوض تخصيص 6 أقسام ينحصر العدد في أربعة- وبالتالي فإن السياسة المتوخاة هي التقليل من العنصر البشري بسبب غياب الانتداب. أما فيما يتعلق بالبنية التحتية من إحداثات جديدة وشراءات (طاولات وكراس) فيرى محدثنا أن طبيعة الأقسام ذاتها مهترئة وبالتالي فان النقص في البنية التحتية من جهة وفي عدد المؤسسات الجديدة من جهة أخرى زد على ذلك سياسة الارتقاء المعتمدة والتي جعلت عدد التلاميذ مستقرا ساهمت في تدعيم معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام مشيرا الى أن عدد المؤسسات التربوية القليل مع عدد المكلفين بالموارد البشرية (من أساتذة ومعلمين وقيمين) يبقى دون المأمول رغم إقرار وزارة التربية نفسها بان النقص في العنصر البشري يقدر بـ5 آلاف إطار وهو الحل لمجابهة كل هذه التحديات في الاكتظاظ لكنه يظل حلا غير بيداغوجي بما أن العملية التربوية تظل غير مريحة بالمرة.
تجدر الإشارة الى أن وزارة التربية أعلنت خلال بداية السنة الدراسية الجديدة عن انتداب 1670 معلما مرحلة ابتدائية من حاملي إجازة تطبيقية دورة 2023 وتعاقدها مع 793 معلما نائبا.
كما كشفت الوزارة عن تعاقدها مع 5780 مُدرس مرحلة إعدادية وتعليم ثانوي من بينهم 5680 خريج دار المعلمين العليا والأساتذة المبرزين و100 أستاذ نائب.
هذا وقررت الوزارة الترفيع في قيمة مقدار الخلاص الشهري للمدرسين النواب من 750 الى 1250 دينار على 12 شهرا و1500 دينار بداية من سبتمبر 2024 مع ضمان التغطية الاجتماعية وتمتيع المدارس الابتدائية بالشخصية القانونية وتمكينها من التصرف الذاتي لإضفاء المزيد من النجاعة على تسييرها.
مستشار في التوجيه المدرسي: لا بد من الاستثمار في التربية لمجابهة الاكتظاظ
تفاعلا مع معضلة الاكتظاظ داخل الفصول وتداعياتها على سير العملية التربوية داخل القسم يرى المستشار في التوجيه المدرسي توفيق الذهبي في تصريح لـ"الصباح" انه فيما يتعلق بظاهرة الاكتظاظ والظواهر الشبيهة الأخرى والتي من شانها أن تصعب من العملية التربوية وتساهم في تعطيل أداء أمثل للإطار التربوي فإن المسألة أولا لا تعتبر جديدة فهي ضاربة في القدم كما عانت منها المنظومة التربوية منذ عقود فضلا عن أنها تطرح باستمرار سواء من قبل الإطارات التربوية أو النقابات لأنها تصعب من العمل الميداني للمربي علاوة على خلقها لتعقيدات بين الباث والمتقبل .
وأضاف محدثنا أن هذه الإشكالية تفاقمت في السنوات الأخيرة لكن هذا لا يعني إلغاء الأمل في وجود حلول لهذه الظاهرة مشيرا في السياق ذاته أن الوزارة ولئن تعمل جاهدة لتفادي هذا الإشكال إلا أنها لم تستطع التوصل الى حل فعلي للمشكل من شأنه أن يسمح بتجويد العملية التربوية داخل القسم لا سيما أن هنالك قوانين واليات متفق عليها من حيث عدد التلاميذ المسموح به داخل القسم الواحد.
ويكمن الحل من وجهة نظر المستشار في التوجيه المدرسي في ضرورة الاستثمار في التربية لمجابهة معضلة الاكتظاظ وذلك اما عن طريق البناءات والتجهيزات الجديدة او عن طريق فتح باب الانتدابات. وأضاف محدثنا ان الحل الجذري يكمن أيضا في تبني رؤية اصلاح شامل لقطاع التربية قائلا :"نأمل ان تكون الاستشارة الوطنية لإصلاح التربية والتعليم بمثابة اللبنة الأولى في طريق الإصلاح وتبني على محاولات الإصلاح السابقة ".
صيحة فزع أطلقها أولياء وإطارات تربوية وتلاميذ جراء ما وصفوه باستحالة العملية التربوية داخل القسم بسبب تفشي آفة الاكتظاظ على غير المعتاد هذه السنة داخل الأقسام.. داعين سلطة الإشراف وكل الفاعلين في المنظومة التربوية الى ضرورة إيجاد حل بعيدا عن الخطابات التي تؤشر الى أن الأمر رهين تضاعف جهود المجتمع المدني لتوفير قاعات تدريس لاسيما أن الأمر في جانبه يرتبط ارتباطا وثيقا بضرورة توفير العنصر البشري اللازم.
صحيح أن الاكتظاظ داخل الفصول لطالما كان من بين التحديات التي تسجل ككل سنة حضورها بقوة على طاولة سلطة الإشراف لكن الأمر مختلف هذه السنة بما ان الاكتظاظ على حد توصيف كثيرين تجاوز التوقعات وأضحى فعليا يعرقل سير الدرس داخل القسم...
تقول المربية لبنى (معلمة سنة ثانية ابتدائي) أن الوضع هذه السنة في علاقة بالاكتظاظ الحاصل داخل الأقسام أضحى بمثابة الكابوس المزعج مشيرة الى أنها تتكبد عناء في السيطرة على القسم لان طبيعة الفئة التي تدرسها تعتبر حسّاسة بما أن إيصال المعلومة يقتضي حدا أدنى من التركيز يظل للأسف غير متوفر لدى شق كبير من التلاميذ ...
"عوض أن انهمك في شرح الدرس وما تتطلبه المادة من تركيز كلي وهدوء تام.. تضيع الحصة في مفردات من قبيل: يكفي .. سكوت .. غادر القاعة"..
هكذا تحدثت عواطف (الاسم المستعار وهي أستاذة علوم تجريبية) معربة عن حسرتها وأسفها لما آلت إليه الأوضاع داخل القسم بسبب تكدس التلاميذ مشيرة الى أن توقيت الحصة يهدر إما والتلاميذ بصدد جلب الكراسي خاصة إذا كان الدرس يقدم في أحد المخابر.. أو وهي بصدد توبيخ التلاميذ لعدم التزامهم بالهدوء ...
هذه الوضعية التي نقلها بعض الإطارات التربوية جعلت كثيرين يتفهمون لهث فئة هامة من الأولياء وراء الدروس الخصوصية على اعتبار ان هذا الفضاء الموازي يوفر ولو نسبيا ما عجز القسم عن ضمانه من أساسيات لعل أبرزها: عدد محدود من التلاميذ, انضباط تام,, هدوء وهيبة فقدت للأسف في غالبية المؤسسات التربوية ...
في هذا السياق تؤكد السيدة سمية (أم لطفلين) هذا الطرح حيث تشير الى انها اختارت عن مضض تحمل أعباء دروس خصوصية تتجاوز بكثير مقدرتها الشرائية لكنها مضطرة الى ذلك لان المدرسة ببساطة أضحت على حد قولها "لا يعول عليها" فالتلاميذ ينصرفون داخل القسم الى الضحك واللعب محملة في السياق ذاته بعض الإطارات التربوية عدم تحملها المسؤولية وفرض سيطرتها على القسم وبالتالي تحول هذا الفضاء على حد تعبيرها الى فضاء للعب والمرح بدل التركيز والاستفادة وخاصة تلقي مختلف المعارف والمهارات التعليمية...
وأمثال سمية كثيرون فالاكتظاظ الحاصل في الأقسام يعتبر من ابرز الأسباب التي دفعت بالولي الى الهجرة بأعداد غفيرة نحو الدروس الخصوصية على اعتبار ان هاجس الولي الأساسي هو ضمان عنصر الاستفادة الذي يظل للأسف مفقودا داخل القسم بسبب الاكتظاظ...
تفاعلا مع تنامي ظاهرة الاكتظاظ داخل الأقسام هذه السنة يشير رئيس جمعية التضامن بالوسط المدرسي فتحي بن حفظ الله في تصريح لـ"الصباح" أن المسالة بسيطة للغاية على اعتبار أن تفاقم الاكتظاظ مرده نقص حاصل على مستوى الإطارات التربوية على اعتبار أن المدرسة التي تضم 4 معلمين ستحظى بأربعة أقسام فقط وهذا ما ينجر عنه اكتظاظ مهول داخل القسم لاسيما على مستوى الإعداديات والمعاهد الثانوية. وأشار محدثنا أن لهذه الظاهرة تداعيات وانعكاسات وخيمة على سير الدروس وخاصة على مستوى عملية الفهم حيث يصعب إيصال المعلومة وتبليغها وسط فصول تضم أكثر من 42 تلميذا.. داعيا في السياق ذاته الى ضرورة إعادة الهيبة للمعلم من خلال إيفائه جميع حقوقه سواء كانت المادية أو المعنوية موضحا أيضا في هذا الصدد ان الإطار التربوي في المناطق الداخلية يضطر لقطع أكثر من 70 كم من اجل تامين العملية التربوية. ليخلص رئيس جمعية التضامن بالوسط المدرسي الى القول بان معضلة الاكتظاظ تتطلب اتخاذ قرارات سريعة وجريئة للتقليص من حدتها.
تجدر الإشارة الى ان عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة كان قد أشار الى ان اكتظاظ الأقسام أو الفصول يعتبر مشكلة لكن ليس هو وحده مشكلة التعليم في تونس، مشيرا إلى أن هناك إشكالية على مستوى الأداء التعليمي، والتحصيل الأخلاقي والمعرفي، والدروس الخصوصية، والتعليم الخاص الذي أصبح ملاذ الميسورين لإنقاذ أبنائهم الى جانب المتاهة الرقمية وغياب الحياة الثقافية والرياضية في المدرسة وهي كلّها عناصر في منظومة التعليم تنتظر الحلّ من الدولة بالأساس، ولكن بالتكافل مع المجتمع المدني وقطاع الإعلام.
وأضاف الجريدي في معرض تصريحاته لـ"العرب" أن حلّ مشكلة الاكتظاظ وباقي مشاكل المدرسة ليس متوفرا بالكامل حاليا بالنظر للوضع المالي للدولة بعد عشرية من العبث بمقدراتها وصورتها..على حد توصيفه.
وزارة التربية .. استعدادات مبكرة للسنة الدراسية الجديدة لكن..
عدد التلاميذ بلغ مليونا و356 ألفا و630 تلميذا أي بزيادة تقدّر بـ63 ألفا و794 تلميذا مما أفضى إلى ارتفاع عدد الأقسام بـ574 فصلًا.
رغم كل التشكّيات سالفة الذكر والانتقادات التي وجهت لسلطة الإشراف كونها لم تسع الى تطويق إشكالية الاكتظاظ في الأقسام التي ترتبط ارتباطا وثيقا بضرورة توفير إطار بشري للتخفيف من الضغط الحاصل على مستوى الأقسام جدير بالذكر انه ووفقا لما أعلنته سابقا وزارة التربية فان الاستعدادات للعودة المدرسية هذه السنة قد انطلقت بصفة مبكرة (فيفري 2023 ) وذلك من خلال تشكيل لجان فنية وطنية وجهوية ومحلية للإعداد والاستعداد الجيد للعودة المدرسية 2023 -2024 من خلال اعتماد مقاربة تشاركية تفاعلية مع توخي مسار تصعيدي انطلاقا من الجهة صعودا الى المستوى المركزي هذا بالتوازي مع توخي مقومات الحوكمة الرشيدة وحسن التصرف في الموارد المتاحة بشريا وماديا ...
في هذا الخضم نجدد القول إن عدد التلاميذ هذه السنة بلغ مليونا و356 ألفا و630 تلميذا أي بزيادة تقدّر بـ63 ألفا و794 تلميذا، الأمر الذي أفضى بالضرورة إلى ارتفاع عدد الأقسام بـ574 فصلًا وارتفاع عدد الإطار التربوي المشرف هذه السنة بـ707 مدرّسين وفقا لما كان أعلنه في وقت سابق وزير التربية خلال ندوة صحفية خصصت للعودة المدرسية.
وكان من البديهي أمام هذه الزيادة في عدد التلاميذ بناء مؤسسات جديدة وهو ما تم بالفعل حيث شهدت العودة المدرسية هذه السنة إحداث 12 مؤسسة تربوية جديدة تتوزع كالآتي: 7 بالمرحلة الابتدائية و3 بالمرحلتين الإعدادية والثانوية علما أن عدد الإحداثات الجديدة هذه السنة قد تراجع مقارنة بالسنة الدراسية الماضية (2022 -2023 ) حيث بلغ عدد المؤسسات التربوية الجديدة 22 مؤسسة موزعة بين إعداديات ومدارس ابتدائية.
وبخصوص الاستياء والتذمر من تراجع البنية التحتية للمؤسسات التربوية وتدحرجها كل سنة من سيء الى أسوأ أشارت وزارة التربية الى أنها قامت بـ1500 تدخلا لتعهد وصيانة وتوسعة المؤسسات التربوية هذا الى جانب بناء 400 قاعة عادية واقتناء 38 قاعة مسبقة الصنع و26 مجموعة صحية مسبقة الصنع علما انه تم اقتناء 96 قاعة خلال السنة الدراسية الماضية. وينضاف الى القائمة سالفة الذكر مواصلة صرف حوالي 2400 مليون دينار على جملة من مشاريع الإحداث والصيانة والتجهيز.
أما بشان بطء نسق انجاز مشاريع البنية التحتية فقد عزت وزارة التربية ذلك الى تعطل ملفات القروض الخارجية منذ 2017 ورغم ذلك فقد تمكنت الوزارة من استرجاع 1250 مليون دينار من الاتحاد الأوروبي والبنك الإفريقي للتنمية والصندوق العربي للإنشاء والتعمير. وفي علاقة ببقية الإشكاليات الأخرى على غرار معضلة النقل المدرسي فقد وفرت الوزارة هذه السنة 95 حافلة للنقل المدرسي وذلك في إطار مشروع مقاومة الانقطاع المدرسي الى جانب اقتناء 12 عربة لنقل الأكلة المدرسية.
لكن يتضح جليا أنه ما باليد حيلة، إذ أن سلطة الإشراف تقف اليوم عاجزة أمام تزايد عدد التلاميذ الجدد وخاصة أمام توفير بناءات جديدة بما أنّ كلفة التلميذ الواحد ارتفعت لتصل إلى قرابة 3.5 آلاف دينار وفقا لما قاله وزير التربية خلال ندوة العودة المدرسية. ورغم جهود المؤسسات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تتولى ككل سنة إما تشييد مؤسسات جديدة أو إدخال تحسينات عليها لكان الوضع أكثر قتامة..
وآخر هذه الجهود ما تم الإعلان عنه مؤخرا في ولاية المهدية فنقلا عن موقع تونس الإفريقية فان المجتمع المدني بجهة المهدية (مواطنون وجمعيات)، مشاريع في قطاع التربية، بلغت قيمتها 903 آلاف دينار، شملت بناء قاعات درس وحجرات ملابس وقاعات متعدّدة الاختصاصات وعمليات تبليط وتهيئة، وهي تندرج في إطار معاضدة جهود المجتمع المدني للحكومة في النهوض بالمؤسسات التربوية، وفق معطيات وإحصائيات صادرة عن ولاية المهدية.
وناهزت مشاريع أخرى، يجري إنجازها في ذات الإطار، 220 ألف دينار، تراوحت نسبة تقدم انجازها بين 10 و90 بالمائة، وشملت مؤسّسات تربوية بمختلف مناطق الجهة.
وبلغ عدد المشاريع التّي ينتظر أن تنطلق قريبا 21 مشروعا بقيمة جملية قدرت بنحو 868 ألف دينار، أكبرها قيمة مشروع بناء قاعتي تدريس بإحدى مدارس معتمدية قصور الساف بمبلغ 120 ألف دينار، ومن المرتقب أن تتضمن هذه المشاريع بناء قاعات تدريس وقاعات لمديري المدارس والمعلمين، علاوة على بناء ماجل للتزود بمياه الشّرب وصيانة ساحات ومداخل وأسوار بعض المدارس..
ردا على هذا التساؤل تؤكد مصادر مطلعة من الوزارة لـ"الصباح" أن الوزارة ليست غافلة عن هذا المعطى وهي ككل سنة توفر إحداثات وبناءات جديدة ضمن الإمكانيات المتاحة لكن تغطية النقص الحاصل في عدد المؤسسات التربوية تتجاوز بكثير تكلفته مقدرة وزارة التربية وبالتالي فان الوزارة تتحرك ضمن الإمكانيات المتاحة لها. وأضافت المصادر ذاتها انه نظرا للظرفية العامة التي تمر بها المالية العمومية فإن الوزارة فتحت منذ سنوات المجال أمام الخواص ومنظمات المجتمع لمعاضدة مجهود الدولة مثمنا في الإطار نفسه العمل الذي يقوم به كل مكونات المجتمع المدني في إعادة الاعتبار للمدرسة كمصعد اجتماعي مشيرا في الإطار نفسه أن الوزارة بصدد إعداد مشاريع أخرى للتهيئة والصيانة.