غادر السفير الفرنسي بتونس، اندريه باران، بعد سنتين وبضعة أشهر من تعيين في منصبه في سبتمبر 2020، وعلى عكس سلفه أولييفه بوافر دارفور الذي شغل الرأي العام طوال الوقت بظهوره اللافت وتصريحاته المثيرة للجدل، كانت فترة باران هادئة ودون إثارة أو جدل.. رغم أن سفراء فرنسا في تونس بعد الثورة كان دائما حضورهم لافتا ومكثّفا في الفضاء العام ومواقفهم مثيرة الاهتمام وأحيانا مستفزّة وخاصة بالنسبة للسفيرين أوليفييه بوافر دارفور وفرانسوا غويات الذي كان له حضور لافت في أزمة 2013 السياسية وهو الذي كانت علاقات وطيدة ومميزة بأغلب الشخصيات السياسية وقادة الأحزاب، كما كان له دور في تقريب وجهات النظر في تلك الأزمة وتسوية الخلافات العميقة والذهاب الى مرحلة من التوافق التي لم يكن لها أبدا أثرا إيجابيا لا على البناء ولا على الوعي الديمقراطي .
ويبقى أوليفييه دارفور من أكثر سفراء فرنسا إثارة للجدل وهو الذي طالما أحدث الفرقعات الإعلامية سواء بسلوكياته وتصرّفاته أو بتصريحات.. عكس خلفه اندريه باران الذي انتهت مهامه منذ أيام، حيث اختار باران أن يكون بعيدا عن الجدل، وبعيدا عن الأحزاب ويتعامل مع الشأن السياسي بتحفّظ كبير وفي إطار معلنة مثل اجتماع سفراء الدول الكبار بتونس، مع الحرص على أن يكون هناك موقف أوروبي موحد في علاقة بتطورات الوضع السياسي في تونس .
كما كان من اللافت أن باران في عهده تقلّصت في عهده نسبة التأشيرات الممنوحة الى التونسيين، وكانت له مواقف مساندة لقرارات ترحيل التونسيين الذين لا يملكون شهادة إقامة بفرنسا.. وفي انتظار من سيكون خلفه فان سحب فرنسا لسفيرها بعد أقل من ثلاث سنوات من تعيينه وعلى عكس السفراء الذين سبقوه يؤكد أن هناك رغبة في إعادة الانتشار الديبلوماسي في تونس وإضفاء نوع من الديناميكية والحيوية عليه، مع بروز لاعبين دوليين قويين في تونس مثل إيطاليا بالإضافة الى النشاط المكّثف للسفير الأمريكي جوي هود دون أن يكون في كل ذلك وخلال المدة الماضية حضورا ديبلوماسيا استثنائيا لفرنسا على ساحة تونسية تبدو ساخنة ومثيرة لاهتمام عدة قوى إقليمية ودولية .
نهاية عهدة باهتة ..
التقت رئيسة الحكومة نجلاء بودن، السفير الفرنسي بتونس اندري باران، بمناسبة انتهاء مهامه بتونس. وكان ذلك اللقاء وفق بلاغ رئاسة الحكومة مناسبة لاستعراض عمق العلاقات التاريخية القائمة بين تونس وفرنسا في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، كما ثمنت بودن دور السفير الفرنسي في تمتين علاقات التعاون بين البلدين في عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، كما أبرزت رئيسة الحكومة أهمية انعقاد الدورة الرابعة للمجلس الأعلى للتعاون التونسي الفرنسي. وهو المجلس الذي تعوّل عليه الحكومة التونسية ونظيرتها الفرنسية في دفع مستوى الاستثمار بين البلدين الى مستوى أهم وأكبر. واليوم من المهم أن يكون السفير الفرنسي الجديد متعاونا في هذا الملف .
ولا يمكن القول إن فترة السفير اندريه باران كانت الأفضل في علاقة بالتعاون الثنائي بين تونس وفرنسا رغم كل خبرته السابقة وهو الذي كان سفيرا في مصر والجزائر وشغل بين سنتي 2009 و2012 مهمة مستشار للشؤون الإفريقية في رئاسة الجمهورية زمن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وقبلها كان المستشار الفني في الخلية الديبلوماسية في الرئاسة الفرنسية سنة 2002. ويعتبر باران من الكفاءات الديبلوماسية الفرنسية التي تعرف جيدا العالم العربي ولها علاقات واسعة ومهمة ولكن رغم كل هذه الخبرة لم يتقدّم السفير باران بالعلاقات التونسية -الفرنسية كثيرا خاصة على المستوى الاقتصادي. رغم أنه كانت له تصريحات محفّزة ومشجعة مثل قوله في أفريل الماضي إن فرنسا وجلّ الجهات المانحة مستعدة لمساعدة تونس في ظل التزام الدولة التونسية بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية. كما شدد السفير باران في ذلك اللقاء الذي جمعه بالصحفيين على أهمية عدم تأجيل الإصلاحات وإن كانت صعبة ومعقدة، بما يمكّن الاقتصاد التونسي من الإقلاع من جديد وفق تعبيره.
وفي لقائه برئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، أكّد اندريه باران، استعداد بلاده لمزيد تقديم ما يلزم من دعم لتونس خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، بما يمكّنها من تحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية، فضلا عن دعمها ومساندتها في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. كما أبدى السفير الفرنسي وفق بلاغ لمجلس نواب الشعب، اهتمامه بتطوّرات المسار الديمقراطي الذي تنتهجه تونس لاسيما على مستوى الحقوق والحريات.. ولكن رغم هذه المواقف فان اندريه باران تعامل برصانة مع تطورات المشهد في تونس ولم يتجاوز الأعراف الديبلوماسية في المجمل وكانت تصريحاته هادئة ورصينة وبعيدة عن الجدل والإثارة .
تدافع ديبلوماسي ..
التطورات السياسية التي تشهدها تونس وتطوّرات الأوضاع الإقليمية وبروز ملفات حارقة على سطح الأحداث كملف الهجرة وعلاقة دول الشمال بدول الجنوب، جعلت من بلادنا ساحة لنشاط ديبلوماسي مكثّف وتدافع بين قوى دولية وإقليمية حتى تكون الأكثر نفوذا واطلاعا على مجريات الأمور ..
ومع بروز لاعبين أقوياء جدد على الساحة التونسية مثل إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني والتي جعلت العلاقات الثنائية بين تونس وإيطاليا تبدو لافتة ومثيرة للاهتمام، جعل القوى التقليدية مثل فرنسا التي ظلت لسنوات قريبة جدا من المطبخ السياسي التونسي تشعر بالانزعاج وعدم الارتياح وهي ترى تسويات إقليمية جديدة، ولعل اكبر دليل على ذلك هو عدم حضور ماكرون قمة روما الأخيرة لأسباب لم يكشف عنها الاليزيه بوضوح، والشعور الفرنسي الذي بدا غير مرتاح ربما تمت ترجمته في سحب السفير الحالي والمراهنة على سفير جديد يكون أكثر مواكبة وتأثير في أحداث تتغيّر على مدار الساعة خاصة في علاقة بملف الهجرة .
وفي انتظار الشخصية الديبلوماسية التي ستراهن عليها فرنسا في الساحة التونسية، فإن العلاقات الديبلوماسية اليوم بين تونس وبقية دول الاتحاد الأوروبي تأخذ منحى جديدا فرضته الملفات الراهنة والحارقة .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
غادر السفير الفرنسي بتونس، اندريه باران، بعد سنتين وبضعة أشهر من تعيين في منصبه في سبتمبر 2020، وعلى عكس سلفه أولييفه بوافر دارفور الذي شغل الرأي العام طوال الوقت بظهوره اللافت وتصريحاته المثيرة للجدل، كانت فترة باران هادئة ودون إثارة أو جدل.. رغم أن سفراء فرنسا في تونس بعد الثورة كان دائما حضورهم لافتا ومكثّفا في الفضاء العام ومواقفهم مثيرة الاهتمام وأحيانا مستفزّة وخاصة بالنسبة للسفيرين أوليفييه بوافر دارفور وفرانسوا غويات الذي كان له حضور لافت في أزمة 2013 السياسية وهو الذي كانت علاقات وطيدة ومميزة بأغلب الشخصيات السياسية وقادة الأحزاب، كما كان له دور في تقريب وجهات النظر في تلك الأزمة وتسوية الخلافات العميقة والذهاب الى مرحلة من التوافق التي لم يكن لها أبدا أثرا إيجابيا لا على البناء ولا على الوعي الديمقراطي .
ويبقى أوليفييه دارفور من أكثر سفراء فرنسا إثارة للجدل وهو الذي طالما أحدث الفرقعات الإعلامية سواء بسلوكياته وتصرّفاته أو بتصريحات.. عكس خلفه اندريه باران الذي انتهت مهامه منذ أيام، حيث اختار باران أن يكون بعيدا عن الجدل، وبعيدا عن الأحزاب ويتعامل مع الشأن السياسي بتحفّظ كبير وفي إطار معلنة مثل اجتماع سفراء الدول الكبار بتونس، مع الحرص على أن يكون هناك موقف أوروبي موحد في علاقة بتطورات الوضع السياسي في تونس .
كما كان من اللافت أن باران في عهده تقلّصت في عهده نسبة التأشيرات الممنوحة الى التونسيين، وكانت له مواقف مساندة لقرارات ترحيل التونسيين الذين لا يملكون شهادة إقامة بفرنسا.. وفي انتظار من سيكون خلفه فان سحب فرنسا لسفيرها بعد أقل من ثلاث سنوات من تعيينه وعلى عكس السفراء الذين سبقوه يؤكد أن هناك رغبة في إعادة الانتشار الديبلوماسي في تونس وإضفاء نوع من الديناميكية والحيوية عليه، مع بروز لاعبين دوليين قويين في تونس مثل إيطاليا بالإضافة الى النشاط المكّثف للسفير الأمريكي جوي هود دون أن يكون في كل ذلك وخلال المدة الماضية حضورا ديبلوماسيا استثنائيا لفرنسا على ساحة تونسية تبدو ساخنة ومثيرة لاهتمام عدة قوى إقليمية ودولية .
نهاية عهدة باهتة ..
التقت رئيسة الحكومة نجلاء بودن، السفير الفرنسي بتونس اندري باران، بمناسبة انتهاء مهامه بتونس. وكان ذلك اللقاء وفق بلاغ رئاسة الحكومة مناسبة لاستعراض عمق العلاقات التاريخية القائمة بين تونس وفرنسا في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، كما ثمنت بودن دور السفير الفرنسي في تمتين علاقات التعاون بين البلدين في عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، كما أبرزت رئيسة الحكومة أهمية انعقاد الدورة الرابعة للمجلس الأعلى للتعاون التونسي الفرنسي. وهو المجلس الذي تعوّل عليه الحكومة التونسية ونظيرتها الفرنسية في دفع مستوى الاستثمار بين البلدين الى مستوى أهم وأكبر. واليوم من المهم أن يكون السفير الفرنسي الجديد متعاونا في هذا الملف .
ولا يمكن القول إن فترة السفير اندريه باران كانت الأفضل في علاقة بالتعاون الثنائي بين تونس وفرنسا رغم كل خبرته السابقة وهو الذي كان سفيرا في مصر والجزائر وشغل بين سنتي 2009 و2012 مهمة مستشار للشؤون الإفريقية في رئاسة الجمهورية زمن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وقبلها كان المستشار الفني في الخلية الديبلوماسية في الرئاسة الفرنسية سنة 2002. ويعتبر باران من الكفاءات الديبلوماسية الفرنسية التي تعرف جيدا العالم العربي ولها علاقات واسعة ومهمة ولكن رغم كل هذه الخبرة لم يتقدّم السفير باران بالعلاقات التونسية -الفرنسية كثيرا خاصة على المستوى الاقتصادي. رغم أنه كانت له تصريحات محفّزة ومشجعة مثل قوله في أفريل الماضي إن فرنسا وجلّ الجهات المانحة مستعدة لمساعدة تونس في ظل التزام الدولة التونسية بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية. كما شدد السفير باران في ذلك اللقاء الذي جمعه بالصحفيين على أهمية عدم تأجيل الإصلاحات وإن كانت صعبة ومعقدة، بما يمكّن الاقتصاد التونسي من الإقلاع من جديد وفق تعبيره.
وفي لقائه برئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، أكّد اندريه باران، استعداد بلاده لمزيد تقديم ما يلزم من دعم لتونس خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، بما يمكّنها من تحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية، فضلا عن دعمها ومساندتها في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. كما أبدى السفير الفرنسي وفق بلاغ لمجلس نواب الشعب، اهتمامه بتطوّرات المسار الديمقراطي الذي تنتهجه تونس لاسيما على مستوى الحقوق والحريات.. ولكن رغم هذه المواقف فان اندريه باران تعامل برصانة مع تطورات المشهد في تونس ولم يتجاوز الأعراف الديبلوماسية في المجمل وكانت تصريحاته هادئة ورصينة وبعيدة عن الجدل والإثارة .
تدافع ديبلوماسي ..
التطورات السياسية التي تشهدها تونس وتطوّرات الأوضاع الإقليمية وبروز ملفات حارقة على سطح الأحداث كملف الهجرة وعلاقة دول الشمال بدول الجنوب، جعلت من بلادنا ساحة لنشاط ديبلوماسي مكثّف وتدافع بين قوى دولية وإقليمية حتى تكون الأكثر نفوذا واطلاعا على مجريات الأمور ..
ومع بروز لاعبين أقوياء جدد على الساحة التونسية مثل إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني والتي جعلت العلاقات الثنائية بين تونس وإيطاليا تبدو لافتة ومثيرة للاهتمام، جعل القوى التقليدية مثل فرنسا التي ظلت لسنوات قريبة جدا من المطبخ السياسي التونسي تشعر بالانزعاج وعدم الارتياح وهي ترى تسويات إقليمية جديدة، ولعل اكبر دليل على ذلك هو عدم حضور ماكرون قمة روما الأخيرة لأسباب لم يكشف عنها الاليزيه بوضوح، والشعور الفرنسي الذي بدا غير مرتاح ربما تمت ترجمته في سحب السفير الحالي والمراهنة على سفير جديد يكون أكثر مواكبة وتأثير في أحداث تتغيّر على مدار الساعة خاصة في علاقة بملف الهجرة .
وفي انتظار الشخصية الديبلوماسية التي ستراهن عليها فرنسا في الساحة التونسية، فإن العلاقات الديبلوماسية اليوم بين تونس وبقية دول الاتحاد الأوروبي تأخذ منحى جديدا فرضته الملفات الراهنة والحارقة .