إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملفات "الصباح": من قانون المسعدي إلى عشرية ما بعد الثورة.. الإصلاح التربوي.. ما تغير وما يجب أن يتغير؟

 

تونس- الصباح

 

أسدل يوم الجمعة 30 جوان  لماضي الستار عن السنة الدراسية 2022/2023، وسيقع الإعلان عن نتائج دورة المراقبة لامتحان الباكالوريا يوم الأحد 16 جويلية الجاري وذلك بعد الإعلان عن نتائج مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية يوم 7 جويلية الجاري ونتائج امتحان شهادتي ختم التعليم الأساسي العام والتقني.

 وفي انتظار انطلاق الاستشارة الوطنية حول التربية والتعليم التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد في شهر أفريل الماضي وعرض مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية الذي نص عليه دستور 2022 على مجلس نواب الشعب، ارتأت "الصباح" فتح ملف الإصلاح التربوي وتشريك عدد من المعنيين بالشأن التربوي في هذا الملف، وهناك منهم من سلط الضوء على تاريخ مختلف الإصلاحات التربوية التي عرفتها تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، في حين تحدث آخرون عن أفضل المداخل لإصلاح تربوي ناجع في تونس.

وكانت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة فوتت على نفسها فرص إصلاح المنظومة التربوية، رغم الجهود التي بذلها بعض وزراء التربية وخاصة منهم ناجي جلول الذي قدم سنة 2016 لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي نسخة من الكتاب الأبيض حول مشروع إصلاح المنظومة التربوية متضمنا مخرجات حوار وطني تشاركي حول إصلاح هذه المنظومة، كما وضع جلول على طاولة حكومة يوسف الشاهد قبل إقالته مشروع قانون جديد يتعلّق بضبط المبادئ الأساسية للتربية والتعليم. ويهدف مشروع القانون المذكور إلى إعداد الإطار القانوني الكفيل بتحقيق الأهداف الإستراتيجية للنظام التربوي والمتصلة بتحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومراجعة الخارطة المدرسية، وتطوير كفايات الموارد البشرية، وتطوير مكتسبات المتعلمين وتجويد تعلّماتهم،  وتطوير الحياة المدرسية، وإعادة هيكلة التعليم الإعدادي والثانوي، والتصدي للفشل المدرسي والانقطاع عن الدراسة، وتطوير توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعليم والتعلم والإدارة والتسيير، إلى جانب تكريس مبادئ الحوكمة الرشيدة صلب المنظومة التربوية، ولكن هذا المشروع الذي أثار جدلا ساخنا مازال في رفوف رئاسة الحكومة.

وبعد هذه التجربة الإصلاحية التي أجهضتها التجاذبات السياسية  عمل وزير التربية السابق فتحي السلاوتي على استئناف مسار الإصلاح التربوي بمشاركة نقابات التعليم الأساسي والثانوي والمتفقدين وخبراء تونسيين، ولكنه في ظل عدم الاستقرار السياسي خير اعتماد سياسة المراحل وارتأى الانطلاق بتغيير البرامج والكتب المدرسية التي لم تعد مواكبة للعصر، وانتهت هذه المحاولة إلى إعداد وثيقة الإطار المرجعي للتعلمات، وتم التوقيع على هذه الوثيقة من قبل فتحي السلاوتي وعبد الله العش الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل في 13 أكتوبر الماضي وبمقتضاها ستصدر أول نسخة من الكتاب المدرسي الجديد للسنة السابعة أساسي والسنة الأولى ثانوي خلال السنة الدراسية 2024/2025 على أن يتم تغيير بقية البرامج بصفة تدريجية. وحسب ما أكده ممثلون عن جامعتي التعليم الأساسي والثانوي فإن المسار الذي تم في فترة السلاوتي توقف، ولكن في المقابل أشار وزير التربية  محمد علي البوغديري خلال الندوة الصحفية المنعقدة يوم 5 جوان حول الامتحانات الوطنية إلى أن هناك عملا انطلق وسيتواصل وذكر أن الإصلاح يشمل الزمن المدرسي والحياة المدرسية والتقييم الذي هو جزء لا يتجزأ من العملية التربوية وقال:"سنعيد لكل تلميذ إمكانية استغلال قدراته فالتلميذ يمكن أن يخفق في الآداب والرياضات ولكن يمكن أن يكون جيدا في الميكانيك والتقنية وهناك العديد من الأفكار التي ستتم بلورتها، فمنظومة التقييم تحتاج إلى المراجعة ونحن مقدمون على بعث مجلس أعلى للتربية يترأسه رئيس الجمهورية وعلى تنظيم استشارة وطنية حول التعليم في تونس".

كما سبق للبوغديري أن قال في حديث نشرته "الصباح" قبيل الامتحانات الوطنية إن الجديد في مشروع الإصلاح التربوي لرئيس الجمهورية قيس سعيد يتمثل في بعث المجلس الأعلى للتربية، وقد تم إعداد مشروع قانون وعرضه على مجلس الوزراء ومن المنتظر أن تقع إحالته على مجلس نواب الشعب، وذكر أن الإصلاح لا يشمل  البرامج في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي فحسب بل يهم كل المراحل انطلاق من مرحلة ما قبل التمدرس ووصولا إلى التعليم العالي وأكد أن العمل الذي قامت به لجان تطوير البرامج مهم للغاية وسيتم الاستئناس به وأضاف أن الإصلاح سيكرس تصور الشعب التونسي، لذلك تمت الدعوة إلى تنظيم استشارة وطنية حول التربية والتعليم والتي من المرجح أن تنطلق بعد الامتحانات الوطنية.

إعداد : سعيدة بوهلال

 

باحث في التاريخ المقارن للنظم التربوية والمناهج التعليمية:من قانون المسعدي إلى عشرية ما بعد الثورة ما الذي تغير؟ 

قال الدكتور منجي سليماني الباحث في التّاريخ المقارن للنظم التّربويّة والمناهج التّعليميّة إن التربية التي نريدها هي تربية  لتحرير الإنسان  وانعتاقه لا لتزييف وعيه واستعباده، ولدى حديثه عن مختلف المحطات الإصلاحية للمنظومة التربوية في تونس بين أنه من خلال القانون عدد 118 لسنة 1958 المؤرخ في 4 نوفمبر 1958 المنسوب لمحمود المسعدي والذي أصدره الرئيس الحبيب بورقيبة دون أن تُعرض بنوده على المجلس القومي التأسيسي الأول للمناقشة، وكذلك  القانون عدد 65 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية1991 المنسوب لمحمد الشرفي والذي نوقشت بنوده وصودق عليه من قبل مجلس النواب يمكن ملاحظة تطور أجوبة المشرع التربوي عن السؤال المحوري لماذا التعليم؟، ففي قانون 1958 ارتكز الجواب على تزكية الشخصيّة وتنمية المواهب الطبيعية عند جميع الأطفال ذكورا وإناثا دون أي تمييز بينهم لاعتبار جنسي أو ديني أو اجتماعي وإعداد الطفل للقيام بدوره كمواطن وكإنسان وتكوين الإطارات الصالحة في جميع الميادين. إذ اقتضت المرحلة وقتها أن يكون الهدف من التمدرس هو التثقيف وتكوين الإطارات التي تحتاج إليها الإدارة التونسية ومختلف القطاعات التربوية والصحية والاقتصاديّة والفلاحية والصناعية، وبعد أكثر من ثلاثة عقود ركز المشرع التربوي على مسألة بناء شخصيّة المتعلّم من خلال تمكين الناشئة مما يجب أن تتعلمه حتى يترسخ فيها الوعي بالهوية الوطنية التونسيّة وينمو لديها الحس المدني والشعور بالانتماء الحضاري وطنيا ومغاربيا وعربيا وإسلاميا ويتدعم عندها التفتح على الحداثة والحضارة الإنسانيّة، وإعدادها لحياة لا مجال فيها لأي شكل من أشكال التفرقة والتمييز على أساس الجنس أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الدين، وتمكين المتعلمين من حقهم في بناء شخصيتهم ومساعدتهم على الترشد الذاتي حتى ينشئوا على قيم التسامح والاعتدال، والمساعدة على إذكاء الشخصية وتنمية ملكاتها وتكوين الروح النقدية والإرادة الفاعلة حيث يعتاد المتعلم على التبصر في الحكم والثقة بالنّفس في السلوك وروح المبادرة والإبداع في العمل، وذلك إضافة إلى  تحقيق التوازن في تربية الناشئة بين مختلف مواد التدريس حتى تتكافأ فيها الطبيعيات والإنسانيات والتقنيات والمهارات والأبعاد المعرفية والأخلاقية والوجدانية والعملية .

 ويرى الباحث في التاريخ المقارن للنظم التربوية والمناهج التعليمية أن قطاع التّعليم بعد عشرية محمود المسعدي (1958-1968) وخاصة خلال النصف الثاني من السبعينيات وكذلك الثمانينات شهد انحرافا بخلفية إيديولوجية، وطال هذا الانحراف مناهج التعليم في مختلف المراحل، وبرز ذلك مع سياسة التعريب المتسرعة وشيوع أدبيات "ترسيخ الهوية العربية الإسلامية" و"الأصالة والمعاصرة" كما ظهر نوع من التعليم الموازي من خلال نشريات وكتب دينية تروّج للفكر المحافظ، وتم تفقير محتويات مواد الفلسفة  والعلوم الاجتماعية، ولم يكن توجيه التعليم نحو هذا المنحى من باب الصدفة، وفق تعبيره، بل كان الهدف منه تسريب حُقَن أصوليّة محافظة لمجابهة أفكار أقصى اليسار التي كانت رائجة في الأوساط الطلابية خلال تلك الفترة وفي هذا السياق لا بد من التذكير بمحاكمات اليسار سنوات 1968 و1974 و1975.

    وأضاف الدكتور منجي سليماني قائلا:"لا شك أن تعليما تبنى مناهجه على ثنائية "المجابهة الإيديولوجيّة" بين أصوليّة يمينية محافظة وفكر أقصى اليسار هو تعليم غير سليم في مضمونه وغاياته ويؤثر سلبا في عمليّة بناء شخصيّة الفرد".

وذكر أنه من هذا المنطلق تنزل إصلاح 1991 الذي قام على نقد  التجربة السابقة وتشخيص إخلالاتها وركز على إعداد هيكلة جديدة للتعليم تتمثل في بعث المدرسة الأساسية 6 سنوات ابتدائي و3 سنوات إعدادي، مع مواصلة التعليم في الثانوي أو في المسالك المهنية بعد امتحان ختم التعليم الأساسي، وذلك إضافة إلى تطوير مناهج التعليم وتحديثها لتستجيب للأهداف التي رسمها المشرع التربوي في هذا الإصلاح الجديد، غير أن  الذي حصل بعد مغادرة محمد الشرفي لوزارة التربية سنة 1994، هو لجوء السلطة السياسية  لإعداد  قانون توجيهي جديد للتربية والتعليم المدرسيّ  وهو (القانون عدد 80 لسنة 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002)  والذي لم يأت بجديد، إذ لا تختلف أدبيّاته في جوهرها عن أدبيات قانون  1991، ولئن كان هذا القانون الجديد في ظاهره يراد من خلاله الإصلاح والتطوير، فإنّه في باطنه يُخفي دافعا سياسيّا وهو التنكر لتجربة محمد الشرفي ومحاولة طمسها، إذ لا يمكن أن ننسى أن الشّرفي طلب الاستقالة بعد أن لاحظ عدم الالتزام بالوعود التي  تضمنها بيان 7 نوفمبر 1987 وبعد أن أدرك أن المشروع التربوي  الذي تحمس له لا يمكن تحقيق أهدافه في ظل غياب الديمقراطية ومنوال تنموي جديد وهو الذي يدرك جيدا أن قطاع التعليم يتأثر بمختلف القطاعات الأخرى وأن كل تأزم يحصل في قطاع من هذه القطاعات تطال انعكاساته السلبية قطاع التعليم.

وأضاف الباحث أنه بعد 11 سنة جاء قانون 2002 وهي فترة قصيرة ولا تسمح بتقييم مشروع 1991 الذي لم يقع تنفيذ بنوده على أرض الواقع ولم تكتمل مراحله والحال أن كل مشروع تربوي يحتاج على الأقل إلى 20 سنة لتقييم مخرجاته وتشخيص علله والوقوف على إيجابياته، وفسر أن العديد من بنود قانون1991 وخاصة منها  البند الذي نص على ختم  التعليم الأساسي بامتحان السنة التاسعة لم تطبق وفتح المجال أمام النجاح السهل من سنة إلى أخرى وصولا إلى الباكالوريا، وفضلا عن ذلك وبقرار "شعبوي"  تم تمكين مجتازي امتحان الباكالوريا من "إرشاء" وصلت نسبته إلى 25  بالمائة، ونتيجة لذلك انحدر المستوى التعليمي وتزايد عدد المنقطعين عن التعليم وتضرر قطاع التكوين المهني ومسالكه المختلفة من البناء والنجارة والكهرباء والميكانيك وكذلك المعاهد الفلاحية الثانوية التي كان يتوجه إليها التلاميذ في نهاية السنة الثالثة من التعليم الثانوي نظام قديم وتزايد عدد العاطلين عن العمل  من أصحاب الشهائد العليا .

عشرية الارتباك والأزمات

وفي قراءة لواقع قطاع التعليم بعد2011، وصف الدكتور منجي سليماني الباحث في التّاريخ المقارن للنظم التّربويّة والمناهج التّعليميّة هذه العشرية بعشرية الارتباك وتفاقم الأزمات، حيث تضرر قطاع التعليم في تونس وتراكمت أزماته واحتدت حسب وصفه، وحصلت انتدابات عشوائية في إطار تشغيل العاطلين عن العمل وفاقت أعمار بعض المنتدبين 40 و50 سنة كما تم إرجاع مدرسين بعد إيقاف عن العمل دام أكثر من عشرين سنة في إطار ترضيات للتيارات السياسية وهي قرارات مرتبكة.

 ولاحظ أن جل وزراء التربية والتعليم العالي بعد 2011 جيء بهم في إطار  تقاسم غنيمة الحكم وفي سياق تجاذبات سياسية حادّة مقابل غياب مشروع وطني واضح المعالم، وشدد الباحث على أن المدرسة العمومية هي فضاء أنبل من أن يكون مجالا لعقد الصفقات والبحث عن سبل للترضيات بين أطراف سياسية أو تيارات إيديولوجية.. فالمدرسة على حد تعبيره ليست مخبرا للتجارب، بل هي الفضاء الذي يودع فيه المجتمع أبناءه وبناته ليقوم بدوره النبيل وهو تأمين التربية السليمة التي تبنى فيها شخصية الفرد بناء متكاملا ومتوازنا.

وعن رؤيته لأفضل المداخل للإصلاح التربوي المرتقب أشار الباحث إلى أن تطوير المناهج التّعليميّة، استحقاق ملحّ وبين أن مناهج التعليم تحتاج دائما إلى التّقييم وإعادة نظر لأن ما يروق للكبار ويرغبون في تمريره ليس بالضرورة أن يروق للصّغار وأن يثير اهتمامهم وفي هذا السياق يمكن استحضار مقولة ربّوا أبناءكم على غير طبائعكم فإنّهم قد خلقوا لجيل غير جيلكم، وفسر أن المناهج التعليمية الحالية فيها نصوص كثيرة ألّفها أصحابها في القرن التّاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهي نصوص كان تلاميذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يتفاعلون معها لكن اليوم تغيرت الظروف ولم تعد تلك النصوص تروق للتلاميذ وهو ما ينسحب على بقيّة الموادّ التّعليميّة الاجتماعيّة والفنّيّة.

     وقال الباحث إن جميع المواد التعليمية في نظره هي مواد أساسية وكلّها تكمّل بعضها البعض، وكلّ المواد تستفيد من بعضها البعض، وكل متعلّم يمكن أن يكون أميل لمادّة أكثر من أخرى  وفي نفس القسم تتعدّد الميولات وتختلف من تلميذ إلى آخر، وفي هذا السّياق تنزّلت مقاربة الذّكاءات المتعددة التي نظّر لها ودافع عنها عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنير (Howard Gardner) منذ سنة 1983.  وذكر أنه على هذا الأساس ومن أجل مراعاة التوازن في المناهج التعليميّة في تونس من الضروري جدا تجنب الانسياق في الحديث عن مواد أساسيّة ندعمها وأخرى ثانويّة نهمشها وخاصّة في المرحلة الابتدائيّة فالأهمية تكمن في نوعيّة التّعلّم لا في طول الوقت المخصّص للموادّ، فالتعليم الجيد والممتع هو الذي يكون مجديا.

   ولاحظ الباحث أنه لا بد أيضا من ترسيخ التفكير العلميّ في المناهج التربويّة والمقصود بالتّفكير العلميّ حسب تفسيره ليس بالضّرورة تفكير العلماء، بل هو ذلك التفكير المنظم، القائم على مبادئ يمارسها المرء حتى دون أن يشعر بذلك عن وعي أي أن تصبح الممارسة أمرا طبيعيّا ومعتادا في الحياة اليوميّة وفي التعامل مع الآخرين، وذكر أن من بين هذه المبادئ مبدأ أنّ لكلّ حادث من الأحداث سببا، وأنّه من المستحيل أن يحدث شيء من لا شيء، ومبدأ استحالة تأكيد وجود الشّيء ونقيضه في الآن نفسه.. فهذا النّوع من التّفكير هو الذي يبقى راسخا في الأذهان وهو الذي نرتكز عليه في تعاملنا مع مشكلات الحياة التي تعترضنا  ويساعدنا على استنباط الحلول  لها، وذكر أن التربية التي لا ترسخ هذا النوع من التّفكير العلمي الذي يعاني المجتمع العربي عامة  من ضيق مساحته مقابل اتساع المساحة التي يحتلها الفكر الخرافي وتوابعه، هي تربية سلبية تسهم في خلق جيل هش التفكير عرضة للتّعصّب والإحباط واليأس، وقال:"إنّنا لا نريدها تربية تهدم، بل  نريدها تربية تبني الكيان الإنسانيّ البناء المتكامل والمتوازن والسّليم".

المجلس الأعلى للتربية

وبخصوص دور المجلس الأعلى للتّربية في إصلاح التعليم بين الباحث في التاريخ المقارن للنظم التربوية والمناهج التعليمية أنه لا بد من الإشارة إلى أن لهذا المجلس حضور يستمدّ جذوره القانونيّة من  الحقبة الاستعماريّة ووصولا إلى فترة الاستقلال، إذ ظهر هذا النّوع من المجالس تحت عدّة مسمّيات مثل "مجلس المعارف العموميّ" في قانون 1888 و"مجلس التعليم العام" سنة 1903، ثمّ "مجلس المعارف العموميّة" سنة1906، واقتصرت مهام هذا المجلس زمن الاستعمار على مسائل بيداغوجيّة وأخرى تأديبيّة وبعد الاستقلال تم التنصيص في قانون 4 نوفمبر 1958 وتحديدا في الباب الثالث منه على مجالس التّعليم وجاء في الفصل 38 أنه يحدث بجانب كاتب الدولة للتربية والشباب والرياضة وتحت رئاسته، مجلس أعلى للتربية القوميّة تقع استشارته في المسائل المتعلقة بالتعليم وخاصة تأسيس المعاهد والبرامج التعليمية والامتحانات وفيما يمكن التّدريس بها من الكتب في المدارس أو فيما يجب تحجيره من الكتب المنافية للأمن العامّ أو القوانين أو الأخلاق الفاضلة، ونص نفس القانون على أن تركيبة المجلس الأعلى وتنظيمه وتسييره تضبط بأمر غير أنّ هذا المجلس لم يفعّل وبالتّالي غاب أثره طيلة الفترة الّتي تولّى فيها محمود المسعدي 1958-1968 كتابة الدّولة للتّربية القوميّة ونفس الشيء في فترة أحمد بن صالح  1968-1969 وكان لا بد من ترقب سبعينيات القرن الماضي  ليصدر الأمر عدد 244 لسنة 1971 المنظم لتركيبته وقد أكد هذا الأمر على الصّبغة الاستشاريّة للمجلس انطلاقا من فصله الأوّل، إذ نصّ على أنّه مجلس يبدي رأيه في اتّجاه السّياسة القوميّة في الميدان التّربويّ، والتّنسيق بين السّياسة القوميّة في ميدان التّكوين والإطارات وبين إمكانيّة إدماجها في القطاع الاقتصادي والاجتماعيّ، كما يبدي الرأي في كلّ المسائل القوميّة الّتي تهم التعليم والتربية والتعليم العالي والبحث العلميّ، ولم يكن له حضور وفاعليّة، ما عدا الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر الحزب الاشتراكي الدّستوري سنة 1974، حيث تمت مضاعفة التوقيت المخصص لمادة التربية الإسلامية، وهو على ما يبدو إجراء وقع اتخاذه في إطار سياسة ترضية جناح سياسي محافظ والتعويل عليه في الانتخابات أثناء المؤتمر المذكور

وبعد ذلك وفي قانون 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 تم التنصيص في الفصل الثّاني على أن "تقع استشارة المجلس الأعلى للتربية في المسائل ذات المصلحة الوطنية بالتربية والتعليم، وتحدد تركيبته ومهمّته بأمر ولكن هذا المجلس لم يقع بعثه وتفعيله على أرض الواقع".

رؤية فلسفية

وخلص الباحث منجي سليماني إلى أن إصلاح قطاع التعليم يحتاج إلى وجهة نظر  فكريّة  وإلى رؤية فلسفية وذكر أن سؤال لماذا التعليم؟ يطرح اليوم من جديد بصفة ملحة لأن الوضع الراهن الذي أصبح عليه قطاع التعليم هو وضع متأزم  يستوجب إعادة النظر في هيكلة هذا القطاع وإحداث منعطف جديد لتغيير مجراه. والإجابة عن السؤال لماذا التعليم؟ تقتضي أن يقع الأخذ بعين الاعتبار كل ذلك التراكم الذي حصل إضافة إلى مراعاة تحديات الزمن الراهن ومتغيرات العصر ومنها بالخصوص تدفق المعلومات عبر التقنيات الحديثة ووسائل التّواصل وتشبع المواقع الشغلية التقليدية وتغير المناخ والأنظمة البيئية وشحّ الموارد الطبيعية وأزمة الغذاء وتداعيات جائحة كوفيد التي أربكت العالم.

  وقال إن إصلاح قطاع التعليم لا يكون بمعزل عن بقية القطاعات الأخرى، فهو قطاع شديد التفاعل مع مختلف القطاعات، وعلى هذا الأساس فإن الإصلاح يجب أن يندرج ضمن مشروع وطني متكامل واضح المعالم، برؤى وتوجّهات استشرافيّة واعدة تهم مختلف القطاعات الاقتصاديّة والفلاحيّة والصّناعيّة والصّحّيّة والثّقافيّة والإعلاميّة .ولاحظ أن ديمومة اشتغال هذا القطاع الحيوي وضمان سلامته وجدواه في الحاضر والمستقبل، رهين الأسس المتينة والمرتكزات العلميّة القويمة التي يعتمد عليها مشروع الإصلاح الواعد..

 

عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي:  نريد إصلاحا يضع حدا للفوارق بين التعليم العمومي والتعليم الخاص

قال محمد العبيدي عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي إن الجامعة تريد إصلاحا تربويا يضع حدا للفوارق بين التعليم العمومي والتعليم الخاص. وأشار قبل ذلك إلى أن تونس عرفت ثلاث محاولات لإصلاح المنظومة التربوية، كانت الأولى بعد الاستقلال والثانية في عهد وزير التربية الراحل محمد الشرفي، وهما محاولتان جادتان رغم الخلفيات الفكرية لرجال الدولة الذين باشروا هذه العملية،  وبالنسبة إلى المحاولة الثالثة فقد تم القيام بها سنة 2002 ومست البرامج والمداخل وأدرجت المقاربة بالكفايات وقد تمت تونستها، وتبين اليوم بعد تقييم هذه التجربة أنها لم تكن في محلها وأن المشكل لا يكمن في الطريقة أو المنهاج وإنما في كيفية التطبيق، لأن الدولة لم توفر الموارد الكافية لتطبيق ما جاء في مشروع الإصلاح التربوي لسنة 2002.

 وأضاف ممثل الجامعة أنه بداية من سنة 2014 انطلقت محاولة أخرى للإصلاح التربوي وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قدم مقاربة لهذا الإصلاح شاركت فيها نقابات التعليم، وتم الانتهاء إلى صياغة مشروع قانون يتعلق بالمبادئ الأساسية للتربية والتعليم لكن لم تقع المصادقة عليه، وأضاف أنه قبل سنتين وفي عهد وزير التربية السابق فتحي السلاوتي كانت هناك محاولة لتطوير البرامج وقد رفضت الجامعة العامة للتعليم الثانوي في البداية الانخراط فيها لكن الجامعة العامة للتعليم الأساسي شاركت في هذه العملية لأنها ترى أنه من غير المقبول مواصلة تدريس برامج محتواها قديم ونجد فيها على سبيل الذكر أن الصين دولة نامية، والأب يقرأ الجريدة والأم في المطبخ، وذكر أن موافقتهم على تطوير البرامج وفق مقاربة المنهاج كانت من أجل المصلحة الفضلى للأطفال لكن الجامعة حسب تأكيده تمسكت دائما بضرورة القيام بإصلاح جذري للتعليم لأن الحياة المدرسية ليست برامج فقط وإنما هي أيضا زمن مدرسي ونشاط ثقافي ورياضي وفضاء مدرسي يواكب حاجيات المتعلم.

ولاحظ  محمد العبيدي عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي أن الفضاء المدرسي قديم إذ لا توجد في المدارس الابتدائية قاعة متعددة الاختصاصات يمارس فيها التلميذ الأنشطة الثقافية، كما أن المدارس تفتقر لأدنى مقومات الحياة المدرسية حيث لا يوجد مطعم أو فضاء خاص بتلاميذ السنة التحضيرية أو ملعب.

 وأضاف ممثل الجامعة أنه إذا أريد حقا الإصلاح فلا بد من العناية بالبنية التحتية، كما يجب مراجعة الزمن المدرسي حتى يكون مواكبا للزمن الاجتماعي، وتقترح الجامعة اعتماد نظام الحصة الواحدة على غرار ما هو موجود في جل الدول حيث يقع تخصيص الأمسيات لممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية في إطار التشبيك بين المدرسة ودور الشباب والثقافة. وذكر أنه توجد مواد في برامج التعليم الأساسي مثل التربية المدنية يمكن تقديمها للتلميذ في إطار نوادي المواطنة والبيئة والتربية المرورية بكيفية تجعله يستبطنها في سلوكه اليومي،  فعلى سبيل الذكر وعوضا عن حفظ الدروس المتعلقة بالانتخابات بهدف الحصول على أعداد جيدة في الامتحان يمكن تطبيق ما جاء في تلك الدروس على أرض الواقع من خلال إجراء انتخابات داخل المدرسة وبهذه الكيفية يشعر التلميذ أنه فاعل في الحياة المدرسية.

البرامج والبنية التحتية

ويرى عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي أنه يمكن الانطلاق بتطوير البرامج وتحسين البنية التحتية ولكن في نفس الوقت على الدولة أن تتعهد بضمان تكوين المعلمين حول مقاربة المنهاج وأن تعمل على تهيئتهم نفسيا قبل الشروع في اعتمادها لتلافي تكرار ما حصل إبان صدور القانون التوجيهي للتربية والتعليم لسنة 2002 حيث انطلقت الوزارة في اعتماد المقاربة بالكفايات ثم قامت بعد ذلك بتكوين المدرسين، أما بخصوص الاستشارة الوطنية حول التعليم فيرى ممثل الجامعة أنه من غير المنطقي استشارة غير المختصين في التربية وإذ وقع خلاف ذلك فهي شعبوية مقيتة واستدرك قائلا إنه يمكن لغير المختصين ابداء الرأي في مسائل عامة من قبيل تصورهم للمدرسة العمومية ولملامح المتخرج لكن أن يقع الغوص في التفاصيل فهذا عمل غير صائب.

ولدى حديثه عن رؤية الجامعة العامة للتعليم الأساسي للإصلاح التربوي قال محمد العبيدي:" نريده إصلاحا يحد من الفوارق بين المتعلمين في المدارس العمومية وبين المتعلمين في المدارس الخاصة وإصلاحا يفرض تطبيق نفس البرامج بنفس الكيفية ونفس المدد الزمنية في العمومي والخاص، وإصلاحا يضمن تكوين المعلمين فنحن نريد أن يقع تشريك المعلمين عبر هياكلهم النقابية في عملية الإصلاح كما نرغب في أن يقع تنظيم لقاءات مباشرة مع المعلمين لتعرفيهم بمضامين الإصلاح وبعد ذلك يتم تكوينهم، ونحن نرفض أن يتم الانطلاق في الإصلاح من ورقة بيضاء وهدم كل ما سبق بل نريد أن يقع تقييم ما تم انجازه في السابق حيث كان هناك عمل جبار لا يمكن نسف حصيلته، ولا بد من تقييم حقيقي للمنظومة التربوية يتم من خلاله التعرف على الهنات ووضع تصورات لتجاوزها ويمكن الاستئناس بالتجارب المقارنة".

وتعقيبا عن سؤال آخر حول رأي الجامعة في مشروع المجلس الأعلى للتربية قال إن الجامعة لم تطلع على هذا المشروع ولم يقع تشريكها في إعداده وهي لا تعرف تركيبته وأدواره وبالتالي لا يمكنها أن تبدي رأيها فيه رغم أن نقابات التعليم هي التي طالت بتركيز المجلس وكانت تريده أن يكون مؤسسة مستقلة دائمة تتكون من أكاديميين وأهل القطاع التربوي وتضمن استمرارية الإصلاح لأنها لاحظت أن كل وزير تربية يأتي بتصور خاص به ويعمل على تنفيذه.  

 

 الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي: لا نرضى بمشاريع مسقطة ونطالب بتشريك الأساتذة في الإصلاح

قال نبيل الحمروني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي إن هناك حاجة ملحة لإصلاح تربوي شامل يشارك فيه الأساتذة بدرجة أولى لأنهم أكثر الناس دراية بالنقائص التي تعاني منها المنظومة التربوية. وأضاف أنه من المهم جدا القيام بالإصلاح التربوي نظرا إلى ما تعيشه المنظومة التربوية من أزمة لا يمكن وصفها إلا بأنها أزمة عميقة وحادة وهي جزء من الأزمة التي يعيشها المجتمع التونسي كنتاج للمنوال التنموي النيوليبرالي العقيم المتبع من قبل الحكومات المتعاقبة، واليوم هناك فرق كبير بين المدرسة التي نريدها والمدرسة التي يراد لها أن تكون.

وذكر الحمروني أنه عند الحديث عن إصلاح تربوي من المفروض أن يكون هذا الإصلاح إصلاحا وطنيا تشاركيا شاملا، وبين أنه لا بد من التذكير في هذا السياق بأن مسار الإصلاح التربوي انطلق في شهر أفريل 2015 وتوقف في شهر أكتوبر 2016 بعد أن تم قطع أشواط كبيرة وتقديم ملامح إصلاح جميع المناهج العلمية التربوية بأدق التفاصيل وكانت هناك لجان عمل اشتغلت بكل جدية قرابة السنة والنصف ومازال هناك أثر لأعمالها وبالتالي فإن القرار الذي وقع اتخاذه والقاضي بإيقاف عملية الإصلاح يطرح علامة استفهام، وحسب رأيه هذا القرار هو قرار سياسي.

ولاحظ أن الأزمة الخانقة التي تعيشها المنظومة التربوية تقتضي الدعوة الآن وليس غدا لتقييم العمل المنجز الذي تم التوصل إليه من قبل تلك اللجان وتحديد المداخل الحقيقية للإصلاح التربوي. وبين أن الجامعة العامة للتعليم الثانوي تطالب بأن يكون هناك إصلاح جذري للمناهج والبرامج والكتب والزمن المدرسي ولكل ما يهم العملية التربوية، لأن المدرسة العمومية تئن وتعيش أتعس لحظاتها ويكفي إلقاء نظرة على آلية التشغيل الهش للأساتذة النواب دفعة 2022 فهم يعملون دون تغطية اجتماعية وأجور ويجدون صعوبات كبيرة في توفير معاليم الكراء والتنقل لأنه لم يقع خلاصهم، وذلك فضلا عن حالة الاحتقان الموجودة في المؤسسات التربوية إذ لا يكاد يمر يوم دون أن يقع تسجيل حالات عنف في صفوف الإطار التربوي.

وضع مادي مزر

وأشار نبيل الحمروني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي إلى أنه يجب ألا ننسى الوضع المادي المزري للأساتذة والاتفاقية المبرمة مع وزارة التربية وما فيها من نقاط مؤجلة لم تأخذ بعين الاعتبار تدني المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم وانهيار الدينار، وأضاف أن الأدهى والأمر أن المؤسسة التربوية تعيش نقصا على مستوى التجهيزات، وفي وقت كانت فيه الجامعة تدفع نحو الترفيع في الميزانية المخصصة للمؤسسات التربوية بعشرين بالمائة وقع التقليص في حجم هذه الميزانية بعشرين بالمائة وهو ما يعني أن هناك نقصا يناهز الأربعين بالمائة وبالتالي فإن الميزانية ضعيفة جدا ولا تفي بحاجيات المؤسسات التربوية.

وذكر الحمروني أنه يوجد مشكل آخر تعاني منه المنظومة التربوية وهو يتمثل في إعفاء التلاميذ من بعض المواد لأن وزارة التربية لم توفر لهم أساتذة لتدريس تلك المواد، وقال إن الإعفاء في ما مضى كان يشمل مادة التربية المدنية لكنه أصبح يتعلق بمواد أساسية إذ هناك تلاميذ في شعبة التقنية لم توفر لهم الوزارة أساتذة رياضات وتقنية وهناك تلاميذ في شعبة الآداب لم يتوفر لهم أساتذة فلسفة ونفس الشيء بالنسبة لجميع الشعب الأخرى حيث لا يقع توفير أساتذة مواد الاختصاص وهو ما ستكون له تداعيات وخيمة على مستوياتهم العلمية وذلك فضلا عن النقص المسجل في عدد القيمين والإداريين..

الترفيع في الميزانية

ويرى محدثنا أن هناك افتقارا لإستراتجية للنهوض بالواقع التربوي قابلة للانجاز والمطلوب حسب قوله هو أن ترفع الدولة في ميزانية المؤسسات التربوية لكن للأسف الدولة تخضع لضغوطات المؤسسات المالية إذ عليها سداد القروض وفوائدها المشطة والبحث عن موارد لتمويل الميزانية من خلال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يريد منها أن تتجه نحو التفويت في المؤسسات العمومية والضغط على الانتدابات في الوظيفة العمومية والقطاع العام وإلغاء الدعم والتقليص في كتلة الأجور.

وبين أنه في ظل هذه الصعوبات فإن الجامعة العامة للتعليم الثانوي تطلق صيحة فزع بسبب الوضع المزري الذي يعاني منه التعليم العمومي وهي تدعو الدولة لكي تتحمل مسؤولياتها وأن تنمح ملف الإصلاح التربوي الأهمية القصوى وأن تعتبره في صدارة الأولويات، وهذا الإصلاح حسب تأكيد الحمروني يجب أن يكون نابعا من أهل الاختصاص ومن المعنيين بممارسة العملية التربوية ويعني بهم الأساتذة لأن الأساتذة يعرفون البرامج والمناهج المتبعة ويدركون الصعوبات والمشاكل والنقائص والثغرات، وذكر أنه لا بد من تشريك أهل الاختصاص والابتعاد عن الاستشارات الالكترونية والجمعيات المشبوهة التي تدعي أنها تشتغل على القطاع التربوي، وأضاف أنه يدعو وزارة التربية إلى أن تعيد الحق إلى أصحابه وأن تقوم بتقييم العمل المنجز في إطار مشروع الإصلاح الذي انطلق في أفريل 2015 وتوقف في أكتوبر 2016 وتبني على ذلك المنجز وعليها أن تستغل العطلة الصيفية للاشتغال على ملف الإصلاح التربوي ودون ذلك فإنها ستساهم في إعادة تكريس واقع مزر ومؤلم إذ يكفي التذكير في هذا السياق بأنه يوجد أكثر من مائة ألف تلميذ يقع لفظهم سنويا من قبل المؤسسات التربوية ليجد الكثير منهم أنفسهم ضحية لشبكات الاتجار بالبشر ولقمة سائغة لحيتان المتوسط، ولاحظ أن معالجة هذا الوضع تستوجب توفر رؤية شاملة ومقاربة تشاركية حقيقية تشتغل عليها وزارة التربية لوضع ملامح الإصلاح التربوي.

إصلاح جذري

وتعقيبا عن سؤال حول أفضل المداخل للإصلاح التربوي المرتقب أجاب نبيل الحمروني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي أنه يرى وجود ضرورة لمعالجة ملف الإصلاح بمختلف جوانبه لأن المنظومة التربوية تحتاج إلى إصلاح جذري يمس المراجع والكتب والمناهج والزمن المدرسي والنظام التأديبي والبنية التحتية والجودة، والمدخل الحقيقي للإصلاح حسب رأيه يكون بتحسين الوضع المادي للمربين وتحسين ظروف تدريس التلاميذ من خلال الحد من الاكتظاظ بالأقسام وتوفير الإطار التربوي والنهوض بالبنية التحتية التي أضحت مترهلة وبالتالي الإصلاح عملية غير مجزأة حيث لا يمكن التركيز فقط على مراجعة الكتب المدرسية رغم أن هناك حاجة ملحة للمراجعة نظرا لوجود أخطاء كارثية في بعض الكتب.

 وقال إنه يدعو وزارة التربية إلى القيام بتقييم للعمل الذي تم انجازه في السابق والإجابة عن سؤال لماذا توقف الإصلاح وبهذه الطريقة يمكن تقديم تصورات عملية لإصلاح تربوي يساهم في النهوض بالمجتمع والبلاد إصلاح تشاركي ينقذ المنظومة التربوية من الوضع المتردي وينقذ المؤسسات التربوية العمومية من الترهل، وذكر أن الجامعة العامة للتعليم الثانوي تريد استرجاع بريق المدرسة العمومية والتعليم الديمقراطي الذي يرسخ الثقافة الوطنية لأن الجيل الذي تخرجه المدرسة حاليا هو جيل منبت والجامعة تريده جيلا يعتز بهويته وثوابته وجذوره الوطنية وأن تكون له رؤية نقدية وحس إبداعي. وطالب الحمروني بتجنب نسخ تجارب بلدان أخرى مثل فرنسا والأخذ بعين الاعتبار لطبيعة التلميذ التونسي وحاجياته.  

ويرى ممثل الجامعة ضرورة أن يكون الإصلاح في إطار استشارة حقيقية لأهل الاختصاص تمس جميع المناحي التربوية لا استشارة الكترونية يشارك فيها بصفة اعتباطية أناس غير معنيين بالقطاع التربوي، وتعقيبا عن استفسار آخر حول مشروع المجلس الأعلى للتربية والتعليم، أجاب الحمروني أن المجلس يعتبر من مطالب الجامعة العامة التي تريده أن يكون الإطار الذي تقدم فيه التصورات وتحدث فيه المراجعات لكن أن يقع طرحه اليوم مع استشارة الكترونية لتمرير قرارات مسقطة بكيفية اعتباطية وطريقة أحادية لم تأخذ بعين الاعتبار موقف الجامعة العامة للتعليم الثانوي وبقية الهياكل النقابية فهذا مرفوض، وخلص إلى ضرورة الجلوس معا على طاولة واحدة من أجل إيجاد حلول توافقية ووضع مقاربات للمجلس الأعلى للتربية تكون بصفة تشاركية لا بمشروع مسقط.

وزير التربية السابق د. سالم لبيض: لا يمكن إصلاح التعليم بمعزل عن بقية القطاعات

يرى الدكتور سالم لبيض وزير التربية السابق أن فكرة الإصلاح لا يمكن التعبير عنها بمجرد تصريح إعلامي لأن العملية الإصلاحية في تونس هي عملية معقدة نظرا إلى أن هناك نزعة محافظة ترفض الإصلاح والتغيير بصفة عامة، وتكفي الإشارة إلى أن أحد أهم المصلحين وهو خير الدين باشا باع أرزاقه وغادر تونس نحو عاصمة الدولة العثمانية وبرر ذلك بفشله في الإصلاح وذلك لما تولى مهمة الوزارة الكبرى في فترة 1873/1877 في عهد الصادق باي، وفي الوقت الذي أعلن فيه خير الدين فشله في تنفيذ مشروعه التحديثي في تونس استقبل استقبال الأبطال وعين وزيرا في الدولة العثمانية.

وأضاف الوزير السابق أن كل من يتولى السلطة في تونس يشكو من صعوبة الإصلاح إذا كانت لديه نزعة إصلاحية حقيقية، وبين أنه بالنسبة إلى التعليم فلا يمكن إصلاحه بمعزل عن بقية القطاعات الأخرى وأي عملية إصلاح للتعليم بمعزل عن بقية القطاعات هي نوع من الانتحار الإصلاحي، وهو ما يعني أن إصلاح التعليم لا بد أن يتم في إطار مقاربة إصلاحية تشمل كل القطاعات في تونس، وأي سلطة سياسية تريد الإصلاح يجب عليها أن تكون سلطة قوية ولها تأشيرة سياسية تمكن الجهات التربوية من الدخول في عملية الإصلاح.

 كما يتطلب الإصلاح حسب رأي الدكتور لبيض فترة زمنية طويلة جدا وبين في هذا السياق أنه تكفي الإشارة إلى أن الإصلاح الذي قاده محمود المسعدي دام عشر سنوات والإصلاح الذي قاده محمد الشرفي دام خمس سنوات وبعد ذلك جاءت فكرة مدرسة الغد وتم تتويجها عام 2002 في فترة منصر الرويسي الذي مكن خبراء التربية من فترة طويلة لإعادة صياغة البرامج فبصرف النظر عن نجاح هذه التجارب أو فشلها فإنها أخذت حيزا هاما من الزمن.

غياب المشروعية

وقال الوزير السابق الدكتور سالم لبيض إن الإصلاح ليس عملية عامة وليس كل من له باع في القطاع التربوي بشكل أو بآخر موظفا كان أو مربيا أو عاملا أو وزيرا يستطيع أن يساهم في العملية الإصلاحية لأن هذه العملية معقدة وتأليفية وتتطلب وجهاء وعلماء في التربية فكرا وممارسة يقع اعتمادهم. وأضاف أن الإصلاحات التي تمت في تونس في السابق كلها كانت في شكل قوانين توجيهية، وآخرها قانون 2002 وكل التغييرات التي تمت في اتجاه الإضافة أو الإلغاء كانت هامشية وليست بالتغييرات الجوهرية لأن التغيير الجوهري يتطلب تقديم مشروع قانون للجهة التشريعية التي تناقشه نقاشا عاما أمام الإعلام وبعدها يتم التصويت عليه وإذا حظي بالموافقة يصبح قانونا لكن اليوم الجهة التشريعية حسب اعتقاد عضو مجلس نواب الشعب السابق الدكتور لبيض لا تتمتع بالمشروعية الكافية فهي لا تمثل سوى عشرة بالمائة من التونسيين ولا يحق لها أخلاقيا من الناحية المشروعية أن تمرر قانونا إصلاحيا جديدا لأنها هي نفسها في حاجة للإصلاح.

وأضاف أن ما يروج من كلام مفاده أن الإصلاح التربوي يمكن أن يقوده مجلس أعلى للتربية يصنف ضمن الخرافات والميثولوجيا التربوية لأن هذا المجلس الذي تمت دسترته لن يضيف إلا ازدواجية في السلطة بينه وبين وزارة التربية، ومن المرجح حسب رأيه، أن يكون هناك نوع من الصراع على الصلاحيات بين الجهتين وسيتحجج المجلس الأعلى للتربية بأنه هيئة دستورية والحال أن وزارة التربية بدورها كجزء من الحكومة مؤسسة دستورية وسيحدث للمجلس الأعلى للتربية ما حدث مع الهيئات الدستورية التي جاء بها دستور 2014 والتي قيل إنها تغولت على الدولة، وحسب اعتقاد الدكتور لبيض فإن المجلس إما أنه سيتغول ويدخل في صراع مع وزارة التربية أو أنه سيكون صوريا.

حوكمة وزارة التربية

وبخصوص أفضل المداخل للإصلاح التربوي بين الدكتور لبيض أن هناك من يرى أن الإصلاح يتعلق بالبرامج والمناهج لكن هناك عملية أساسية يجب القيام بها وهي حوكمة وزارة التربية، وذكر أنه تكفي العودة إلى تقارير محكمة المحاسبات حول العملية التربوية والتعليمية بجميع مراحلها للتعرف على مواطن الخلل على مستوى الحوكمة، فكل محاولات التصدي للفساد في الوزارة من فساد مالي وإداري وتربوي باءت بالفشل وتحول التعليم إلى سلعة تباع وتشترى ولا بد من تمكين الوزارة من إطار يستبطن الحوكمة ويمارسها ويحد أكثر ما يمكن من التجاوزات والأخطاء، وبين أنه بعد حوكمة الوزارة لا بد من إصلاح وضع المدرس، فالمدرس في تونس فقير الحال ويعيش حالة من البؤس، ولا بد أيضا من إصلاح وضعية كافة الإطار التربوي لأن العملية التربوية لا يستوي حالها وحال المدرس مختل من الناحية المادية ويكفي أن تسقط عن العملية التربية قداستها عندما يذهب المدرس لتقديم خدمة لتلميذه ويتقاضى مقابل ذلك أموالا توضع في ظرف يقدمها له التلميذ وهو ما يعني أن أي عملية إصلاحية لا ترصد أموالا كافية لإصلاح الوضع المادي للمدرسين ستولد ميتة ولن ترى النور، وأضاف أنه لن يكون حال المدرس في تونس سليما إلا بوضع مادي يضاهي وضع زملائه في بقية أنحاء العالم وخاصة في العالم الغربي واليابان أما هذا الإصلاح الفقير البائس الذي لا ترصد له أموال فلا حاجة إليه كما أن الأموال يجب أن ترصد من ميزانية الدولة وليس من خارجها حتى لا تكون  المؤسسة التربوية مجرد إدارة تنفيذ اختيارات أجنبية وبرامج مملاة وحتى لا تكون مخبرا للتجارب.

اللغة السيادية

 وعندما تتوفر هذه الشروط الدنيا يتم حسب رأي الدكتور سالم لبيض الاتجاه نحو البرامج والمناهج ولغات التدريس، وقال إنه يعتقد أن أي مجتمع يجب أن يتحدث باللغة السيادية وأي دولة يجب أن تتحدث بلغتها السيادية كما يفعل الرئيس سعيد منذ فترة لأن السيادة تبدأ من السيادة اللغوية وبالتالي يجب تدريس العلوم باللغة العربية وإعطاء المدرسة بعدها الوطني والعربي في إطار غايات وأهداف واضحة من العملية التربوية وبناء مفهوم وطني عند التلميذ وليس بناء مفهوم يجعله يعمل لصالح مجموعات أخرى قبل أن يكون مواطنا صالحا لوطنه. وبالنسبة إلى اللغات الأجنبية فهناك حسب رأيه لغات لم تعد لها مكانة كبيرة في بلدانها، وبين أنه بعد الانقليزية يمكن أن يكون المستقبل للغة الصينية واللغة الاسبانية وهو ما يتطلب عند اختيار اللغة الأجنبية التي يتم تدريسها للتلاميذ الترتيب حسب مكانة اللغات عالميا وليس وفق الإرث الاستعماري.

وأشار الوزير السابق إلى أنه لا بد من تجريد التعليم من الطفيليات وذكر أن الهدف من التعليم هو تمكين التلميذ من إجادة اللغات والحسابيات والإنسانيات والآداب وأي نقاش على مستوى المضامين والبرامج والمناهج يجب أن يكون حول هذه المسائل التي تكون مدخلا لعملية تعليمية وحضارية شاملة.         

ملفات "الصباح":  من قانون المسعدي إلى عشرية ما بعد الثورة..  الإصلاح التربوي.. ما تغير وما يجب أن يتغير؟

 

تونس- الصباح

 

أسدل يوم الجمعة 30 جوان  لماضي الستار عن السنة الدراسية 2022/2023، وسيقع الإعلان عن نتائج دورة المراقبة لامتحان الباكالوريا يوم الأحد 16 جويلية الجاري وذلك بعد الإعلان عن نتائج مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية يوم 7 جويلية الجاري ونتائج امتحان شهادتي ختم التعليم الأساسي العام والتقني.

 وفي انتظار انطلاق الاستشارة الوطنية حول التربية والتعليم التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد في شهر أفريل الماضي وعرض مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية الذي نص عليه دستور 2022 على مجلس نواب الشعب، ارتأت "الصباح" فتح ملف الإصلاح التربوي وتشريك عدد من المعنيين بالشأن التربوي في هذا الملف، وهناك منهم من سلط الضوء على تاريخ مختلف الإصلاحات التربوية التي عرفتها تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، في حين تحدث آخرون عن أفضل المداخل لإصلاح تربوي ناجع في تونس.

وكانت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة فوتت على نفسها فرص إصلاح المنظومة التربوية، رغم الجهود التي بذلها بعض وزراء التربية وخاصة منهم ناجي جلول الذي قدم سنة 2016 لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي نسخة من الكتاب الأبيض حول مشروع إصلاح المنظومة التربوية متضمنا مخرجات حوار وطني تشاركي حول إصلاح هذه المنظومة، كما وضع جلول على طاولة حكومة يوسف الشاهد قبل إقالته مشروع قانون جديد يتعلّق بضبط المبادئ الأساسية للتربية والتعليم. ويهدف مشروع القانون المذكور إلى إعداد الإطار القانوني الكفيل بتحقيق الأهداف الإستراتيجية للنظام التربوي والمتصلة بتحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومراجعة الخارطة المدرسية، وتطوير كفايات الموارد البشرية، وتطوير مكتسبات المتعلمين وتجويد تعلّماتهم،  وتطوير الحياة المدرسية، وإعادة هيكلة التعليم الإعدادي والثانوي، والتصدي للفشل المدرسي والانقطاع عن الدراسة، وتطوير توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعليم والتعلم والإدارة والتسيير، إلى جانب تكريس مبادئ الحوكمة الرشيدة صلب المنظومة التربوية، ولكن هذا المشروع الذي أثار جدلا ساخنا مازال في رفوف رئاسة الحكومة.

وبعد هذه التجربة الإصلاحية التي أجهضتها التجاذبات السياسية  عمل وزير التربية السابق فتحي السلاوتي على استئناف مسار الإصلاح التربوي بمشاركة نقابات التعليم الأساسي والثانوي والمتفقدين وخبراء تونسيين، ولكنه في ظل عدم الاستقرار السياسي خير اعتماد سياسة المراحل وارتأى الانطلاق بتغيير البرامج والكتب المدرسية التي لم تعد مواكبة للعصر، وانتهت هذه المحاولة إلى إعداد وثيقة الإطار المرجعي للتعلمات، وتم التوقيع على هذه الوثيقة من قبل فتحي السلاوتي وعبد الله العش الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل في 13 أكتوبر الماضي وبمقتضاها ستصدر أول نسخة من الكتاب المدرسي الجديد للسنة السابعة أساسي والسنة الأولى ثانوي خلال السنة الدراسية 2024/2025 على أن يتم تغيير بقية البرامج بصفة تدريجية. وحسب ما أكده ممثلون عن جامعتي التعليم الأساسي والثانوي فإن المسار الذي تم في فترة السلاوتي توقف، ولكن في المقابل أشار وزير التربية  محمد علي البوغديري خلال الندوة الصحفية المنعقدة يوم 5 جوان حول الامتحانات الوطنية إلى أن هناك عملا انطلق وسيتواصل وذكر أن الإصلاح يشمل الزمن المدرسي والحياة المدرسية والتقييم الذي هو جزء لا يتجزأ من العملية التربوية وقال:"سنعيد لكل تلميذ إمكانية استغلال قدراته فالتلميذ يمكن أن يخفق في الآداب والرياضات ولكن يمكن أن يكون جيدا في الميكانيك والتقنية وهناك العديد من الأفكار التي ستتم بلورتها، فمنظومة التقييم تحتاج إلى المراجعة ونحن مقدمون على بعث مجلس أعلى للتربية يترأسه رئيس الجمهورية وعلى تنظيم استشارة وطنية حول التعليم في تونس".

كما سبق للبوغديري أن قال في حديث نشرته "الصباح" قبيل الامتحانات الوطنية إن الجديد في مشروع الإصلاح التربوي لرئيس الجمهورية قيس سعيد يتمثل في بعث المجلس الأعلى للتربية، وقد تم إعداد مشروع قانون وعرضه على مجلس الوزراء ومن المنتظر أن تقع إحالته على مجلس نواب الشعب، وذكر أن الإصلاح لا يشمل  البرامج في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي فحسب بل يهم كل المراحل انطلاق من مرحلة ما قبل التمدرس ووصولا إلى التعليم العالي وأكد أن العمل الذي قامت به لجان تطوير البرامج مهم للغاية وسيتم الاستئناس به وأضاف أن الإصلاح سيكرس تصور الشعب التونسي، لذلك تمت الدعوة إلى تنظيم استشارة وطنية حول التربية والتعليم والتي من المرجح أن تنطلق بعد الامتحانات الوطنية.

إعداد : سعيدة بوهلال

 

باحث في التاريخ المقارن للنظم التربوية والمناهج التعليمية:من قانون المسعدي إلى عشرية ما بعد الثورة ما الذي تغير؟ 

قال الدكتور منجي سليماني الباحث في التّاريخ المقارن للنظم التّربويّة والمناهج التّعليميّة إن التربية التي نريدها هي تربية  لتحرير الإنسان  وانعتاقه لا لتزييف وعيه واستعباده، ولدى حديثه عن مختلف المحطات الإصلاحية للمنظومة التربوية في تونس بين أنه من خلال القانون عدد 118 لسنة 1958 المؤرخ في 4 نوفمبر 1958 المنسوب لمحمود المسعدي والذي أصدره الرئيس الحبيب بورقيبة دون أن تُعرض بنوده على المجلس القومي التأسيسي الأول للمناقشة، وكذلك  القانون عدد 65 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية1991 المنسوب لمحمد الشرفي والذي نوقشت بنوده وصودق عليه من قبل مجلس النواب يمكن ملاحظة تطور أجوبة المشرع التربوي عن السؤال المحوري لماذا التعليم؟، ففي قانون 1958 ارتكز الجواب على تزكية الشخصيّة وتنمية المواهب الطبيعية عند جميع الأطفال ذكورا وإناثا دون أي تمييز بينهم لاعتبار جنسي أو ديني أو اجتماعي وإعداد الطفل للقيام بدوره كمواطن وكإنسان وتكوين الإطارات الصالحة في جميع الميادين. إذ اقتضت المرحلة وقتها أن يكون الهدف من التمدرس هو التثقيف وتكوين الإطارات التي تحتاج إليها الإدارة التونسية ومختلف القطاعات التربوية والصحية والاقتصاديّة والفلاحية والصناعية، وبعد أكثر من ثلاثة عقود ركز المشرع التربوي على مسألة بناء شخصيّة المتعلّم من خلال تمكين الناشئة مما يجب أن تتعلمه حتى يترسخ فيها الوعي بالهوية الوطنية التونسيّة وينمو لديها الحس المدني والشعور بالانتماء الحضاري وطنيا ومغاربيا وعربيا وإسلاميا ويتدعم عندها التفتح على الحداثة والحضارة الإنسانيّة، وإعدادها لحياة لا مجال فيها لأي شكل من أشكال التفرقة والتمييز على أساس الجنس أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الدين، وتمكين المتعلمين من حقهم في بناء شخصيتهم ومساعدتهم على الترشد الذاتي حتى ينشئوا على قيم التسامح والاعتدال، والمساعدة على إذكاء الشخصية وتنمية ملكاتها وتكوين الروح النقدية والإرادة الفاعلة حيث يعتاد المتعلم على التبصر في الحكم والثقة بالنّفس في السلوك وروح المبادرة والإبداع في العمل، وذلك إضافة إلى  تحقيق التوازن في تربية الناشئة بين مختلف مواد التدريس حتى تتكافأ فيها الطبيعيات والإنسانيات والتقنيات والمهارات والأبعاد المعرفية والأخلاقية والوجدانية والعملية .

 ويرى الباحث في التاريخ المقارن للنظم التربوية والمناهج التعليمية أن قطاع التّعليم بعد عشرية محمود المسعدي (1958-1968) وخاصة خلال النصف الثاني من السبعينيات وكذلك الثمانينات شهد انحرافا بخلفية إيديولوجية، وطال هذا الانحراف مناهج التعليم في مختلف المراحل، وبرز ذلك مع سياسة التعريب المتسرعة وشيوع أدبيات "ترسيخ الهوية العربية الإسلامية" و"الأصالة والمعاصرة" كما ظهر نوع من التعليم الموازي من خلال نشريات وكتب دينية تروّج للفكر المحافظ، وتم تفقير محتويات مواد الفلسفة  والعلوم الاجتماعية، ولم يكن توجيه التعليم نحو هذا المنحى من باب الصدفة، وفق تعبيره، بل كان الهدف منه تسريب حُقَن أصوليّة محافظة لمجابهة أفكار أقصى اليسار التي كانت رائجة في الأوساط الطلابية خلال تلك الفترة وفي هذا السياق لا بد من التذكير بمحاكمات اليسار سنوات 1968 و1974 و1975.

    وأضاف الدكتور منجي سليماني قائلا:"لا شك أن تعليما تبنى مناهجه على ثنائية "المجابهة الإيديولوجيّة" بين أصوليّة يمينية محافظة وفكر أقصى اليسار هو تعليم غير سليم في مضمونه وغاياته ويؤثر سلبا في عمليّة بناء شخصيّة الفرد".

وذكر أنه من هذا المنطلق تنزل إصلاح 1991 الذي قام على نقد  التجربة السابقة وتشخيص إخلالاتها وركز على إعداد هيكلة جديدة للتعليم تتمثل في بعث المدرسة الأساسية 6 سنوات ابتدائي و3 سنوات إعدادي، مع مواصلة التعليم في الثانوي أو في المسالك المهنية بعد امتحان ختم التعليم الأساسي، وذلك إضافة إلى تطوير مناهج التعليم وتحديثها لتستجيب للأهداف التي رسمها المشرع التربوي في هذا الإصلاح الجديد، غير أن  الذي حصل بعد مغادرة محمد الشرفي لوزارة التربية سنة 1994، هو لجوء السلطة السياسية  لإعداد  قانون توجيهي جديد للتربية والتعليم المدرسيّ  وهو (القانون عدد 80 لسنة 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002)  والذي لم يأت بجديد، إذ لا تختلف أدبيّاته في جوهرها عن أدبيات قانون  1991، ولئن كان هذا القانون الجديد في ظاهره يراد من خلاله الإصلاح والتطوير، فإنّه في باطنه يُخفي دافعا سياسيّا وهو التنكر لتجربة محمد الشرفي ومحاولة طمسها، إذ لا يمكن أن ننسى أن الشّرفي طلب الاستقالة بعد أن لاحظ عدم الالتزام بالوعود التي  تضمنها بيان 7 نوفمبر 1987 وبعد أن أدرك أن المشروع التربوي  الذي تحمس له لا يمكن تحقيق أهدافه في ظل غياب الديمقراطية ومنوال تنموي جديد وهو الذي يدرك جيدا أن قطاع التعليم يتأثر بمختلف القطاعات الأخرى وأن كل تأزم يحصل في قطاع من هذه القطاعات تطال انعكاساته السلبية قطاع التعليم.

وأضاف الباحث أنه بعد 11 سنة جاء قانون 2002 وهي فترة قصيرة ولا تسمح بتقييم مشروع 1991 الذي لم يقع تنفيذ بنوده على أرض الواقع ولم تكتمل مراحله والحال أن كل مشروع تربوي يحتاج على الأقل إلى 20 سنة لتقييم مخرجاته وتشخيص علله والوقوف على إيجابياته، وفسر أن العديد من بنود قانون1991 وخاصة منها  البند الذي نص على ختم  التعليم الأساسي بامتحان السنة التاسعة لم تطبق وفتح المجال أمام النجاح السهل من سنة إلى أخرى وصولا إلى الباكالوريا، وفضلا عن ذلك وبقرار "شعبوي"  تم تمكين مجتازي امتحان الباكالوريا من "إرشاء" وصلت نسبته إلى 25  بالمائة، ونتيجة لذلك انحدر المستوى التعليمي وتزايد عدد المنقطعين عن التعليم وتضرر قطاع التكوين المهني ومسالكه المختلفة من البناء والنجارة والكهرباء والميكانيك وكذلك المعاهد الفلاحية الثانوية التي كان يتوجه إليها التلاميذ في نهاية السنة الثالثة من التعليم الثانوي نظام قديم وتزايد عدد العاطلين عن العمل  من أصحاب الشهائد العليا .

عشرية الارتباك والأزمات

وفي قراءة لواقع قطاع التعليم بعد2011، وصف الدكتور منجي سليماني الباحث في التّاريخ المقارن للنظم التّربويّة والمناهج التّعليميّة هذه العشرية بعشرية الارتباك وتفاقم الأزمات، حيث تضرر قطاع التعليم في تونس وتراكمت أزماته واحتدت حسب وصفه، وحصلت انتدابات عشوائية في إطار تشغيل العاطلين عن العمل وفاقت أعمار بعض المنتدبين 40 و50 سنة كما تم إرجاع مدرسين بعد إيقاف عن العمل دام أكثر من عشرين سنة في إطار ترضيات للتيارات السياسية وهي قرارات مرتبكة.

 ولاحظ أن جل وزراء التربية والتعليم العالي بعد 2011 جيء بهم في إطار  تقاسم غنيمة الحكم وفي سياق تجاذبات سياسية حادّة مقابل غياب مشروع وطني واضح المعالم، وشدد الباحث على أن المدرسة العمومية هي فضاء أنبل من أن يكون مجالا لعقد الصفقات والبحث عن سبل للترضيات بين أطراف سياسية أو تيارات إيديولوجية.. فالمدرسة على حد تعبيره ليست مخبرا للتجارب، بل هي الفضاء الذي يودع فيه المجتمع أبناءه وبناته ليقوم بدوره النبيل وهو تأمين التربية السليمة التي تبنى فيها شخصية الفرد بناء متكاملا ومتوازنا.

وعن رؤيته لأفضل المداخل للإصلاح التربوي المرتقب أشار الباحث إلى أن تطوير المناهج التّعليميّة، استحقاق ملحّ وبين أن مناهج التعليم تحتاج دائما إلى التّقييم وإعادة نظر لأن ما يروق للكبار ويرغبون في تمريره ليس بالضرورة أن يروق للصّغار وأن يثير اهتمامهم وفي هذا السياق يمكن استحضار مقولة ربّوا أبناءكم على غير طبائعكم فإنّهم قد خلقوا لجيل غير جيلكم، وفسر أن المناهج التعليمية الحالية فيها نصوص كثيرة ألّفها أصحابها في القرن التّاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهي نصوص كان تلاميذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يتفاعلون معها لكن اليوم تغيرت الظروف ولم تعد تلك النصوص تروق للتلاميذ وهو ما ينسحب على بقيّة الموادّ التّعليميّة الاجتماعيّة والفنّيّة.

     وقال الباحث إن جميع المواد التعليمية في نظره هي مواد أساسية وكلّها تكمّل بعضها البعض، وكلّ المواد تستفيد من بعضها البعض، وكل متعلّم يمكن أن يكون أميل لمادّة أكثر من أخرى  وفي نفس القسم تتعدّد الميولات وتختلف من تلميذ إلى آخر، وفي هذا السّياق تنزّلت مقاربة الذّكاءات المتعددة التي نظّر لها ودافع عنها عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنير (Howard Gardner) منذ سنة 1983.  وذكر أنه على هذا الأساس ومن أجل مراعاة التوازن في المناهج التعليميّة في تونس من الضروري جدا تجنب الانسياق في الحديث عن مواد أساسيّة ندعمها وأخرى ثانويّة نهمشها وخاصّة في المرحلة الابتدائيّة فالأهمية تكمن في نوعيّة التّعلّم لا في طول الوقت المخصّص للموادّ، فالتعليم الجيد والممتع هو الذي يكون مجديا.

   ولاحظ الباحث أنه لا بد أيضا من ترسيخ التفكير العلميّ في المناهج التربويّة والمقصود بالتّفكير العلميّ حسب تفسيره ليس بالضّرورة تفكير العلماء، بل هو ذلك التفكير المنظم، القائم على مبادئ يمارسها المرء حتى دون أن يشعر بذلك عن وعي أي أن تصبح الممارسة أمرا طبيعيّا ومعتادا في الحياة اليوميّة وفي التعامل مع الآخرين، وذكر أن من بين هذه المبادئ مبدأ أنّ لكلّ حادث من الأحداث سببا، وأنّه من المستحيل أن يحدث شيء من لا شيء، ومبدأ استحالة تأكيد وجود الشّيء ونقيضه في الآن نفسه.. فهذا النّوع من التّفكير هو الذي يبقى راسخا في الأذهان وهو الذي نرتكز عليه في تعاملنا مع مشكلات الحياة التي تعترضنا  ويساعدنا على استنباط الحلول  لها، وذكر أن التربية التي لا ترسخ هذا النوع من التّفكير العلمي الذي يعاني المجتمع العربي عامة  من ضيق مساحته مقابل اتساع المساحة التي يحتلها الفكر الخرافي وتوابعه، هي تربية سلبية تسهم في خلق جيل هش التفكير عرضة للتّعصّب والإحباط واليأس، وقال:"إنّنا لا نريدها تربية تهدم، بل  نريدها تربية تبني الكيان الإنسانيّ البناء المتكامل والمتوازن والسّليم".

المجلس الأعلى للتربية

وبخصوص دور المجلس الأعلى للتّربية في إصلاح التعليم بين الباحث في التاريخ المقارن للنظم التربوية والمناهج التعليمية أنه لا بد من الإشارة إلى أن لهذا المجلس حضور يستمدّ جذوره القانونيّة من  الحقبة الاستعماريّة ووصولا إلى فترة الاستقلال، إذ ظهر هذا النّوع من المجالس تحت عدّة مسمّيات مثل "مجلس المعارف العموميّ" في قانون 1888 و"مجلس التعليم العام" سنة 1903، ثمّ "مجلس المعارف العموميّة" سنة1906، واقتصرت مهام هذا المجلس زمن الاستعمار على مسائل بيداغوجيّة وأخرى تأديبيّة وبعد الاستقلال تم التنصيص في قانون 4 نوفمبر 1958 وتحديدا في الباب الثالث منه على مجالس التّعليم وجاء في الفصل 38 أنه يحدث بجانب كاتب الدولة للتربية والشباب والرياضة وتحت رئاسته، مجلس أعلى للتربية القوميّة تقع استشارته في المسائل المتعلقة بالتعليم وخاصة تأسيس المعاهد والبرامج التعليمية والامتحانات وفيما يمكن التّدريس بها من الكتب في المدارس أو فيما يجب تحجيره من الكتب المنافية للأمن العامّ أو القوانين أو الأخلاق الفاضلة، ونص نفس القانون على أن تركيبة المجلس الأعلى وتنظيمه وتسييره تضبط بأمر غير أنّ هذا المجلس لم يفعّل وبالتّالي غاب أثره طيلة الفترة الّتي تولّى فيها محمود المسعدي 1958-1968 كتابة الدّولة للتّربية القوميّة ونفس الشيء في فترة أحمد بن صالح  1968-1969 وكان لا بد من ترقب سبعينيات القرن الماضي  ليصدر الأمر عدد 244 لسنة 1971 المنظم لتركيبته وقد أكد هذا الأمر على الصّبغة الاستشاريّة للمجلس انطلاقا من فصله الأوّل، إذ نصّ على أنّه مجلس يبدي رأيه في اتّجاه السّياسة القوميّة في الميدان التّربويّ، والتّنسيق بين السّياسة القوميّة في ميدان التّكوين والإطارات وبين إمكانيّة إدماجها في القطاع الاقتصادي والاجتماعيّ، كما يبدي الرأي في كلّ المسائل القوميّة الّتي تهم التعليم والتربية والتعليم العالي والبحث العلميّ، ولم يكن له حضور وفاعليّة، ما عدا الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر الحزب الاشتراكي الدّستوري سنة 1974، حيث تمت مضاعفة التوقيت المخصص لمادة التربية الإسلامية، وهو على ما يبدو إجراء وقع اتخاذه في إطار سياسة ترضية جناح سياسي محافظ والتعويل عليه في الانتخابات أثناء المؤتمر المذكور

وبعد ذلك وفي قانون 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 تم التنصيص في الفصل الثّاني على أن "تقع استشارة المجلس الأعلى للتربية في المسائل ذات المصلحة الوطنية بالتربية والتعليم، وتحدد تركيبته ومهمّته بأمر ولكن هذا المجلس لم يقع بعثه وتفعيله على أرض الواقع".

رؤية فلسفية

وخلص الباحث منجي سليماني إلى أن إصلاح قطاع التعليم يحتاج إلى وجهة نظر  فكريّة  وإلى رؤية فلسفية وذكر أن سؤال لماذا التعليم؟ يطرح اليوم من جديد بصفة ملحة لأن الوضع الراهن الذي أصبح عليه قطاع التعليم هو وضع متأزم  يستوجب إعادة النظر في هيكلة هذا القطاع وإحداث منعطف جديد لتغيير مجراه. والإجابة عن السؤال لماذا التعليم؟ تقتضي أن يقع الأخذ بعين الاعتبار كل ذلك التراكم الذي حصل إضافة إلى مراعاة تحديات الزمن الراهن ومتغيرات العصر ومنها بالخصوص تدفق المعلومات عبر التقنيات الحديثة ووسائل التّواصل وتشبع المواقع الشغلية التقليدية وتغير المناخ والأنظمة البيئية وشحّ الموارد الطبيعية وأزمة الغذاء وتداعيات جائحة كوفيد التي أربكت العالم.

  وقال إن إصلاح قطاع التعليم لا يكون بمعزل عن بقية القطاعات الأخرى، فهو قطاع شديد التفاعل مع مختلف القطاعات، وعلى هذا الأساس فإن الإصلاح يجب أن يندرج ضمن مشروع وطني متكامل واضح المعالم، برؤى وتوجّهات استشرافيّة واعدة تهم مختلف القطاعات الاقتصاديّة والفلاحيّة والصّناعيّة والصّحّيّة والثّقافيّة والإعلاميّة .ولاحظ أن ديمومة اشتغال هذا القطاع الحيوي وضمان سلامته وجدواه في الحاضر والمستقبل، رهين الأسس المتينة والمرتكزات العلميّة القويمة التي يعتمد عليها مشروع الإصلاح الواعد..

 

عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي:  نريد إصلاحا يضع حدا للفوارق بين التعليم العمومي والتعليم الخاص

قال محمد العبيدي عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي إن الجامعة تريد إصلاحا تربويا يضع حدا للفوارق بين التعليم العمومي والتعليم الخاص. وأشار قبل ذلك إلى أن تونس عرفت ثلاث محاولات لإصلاح المنظومة التربوية، كانت الأولى بعد الاستقلال والثانية في عهد وزير التربية الراحل محمد الشرفي، وهما محاولتان جادتان رغم الخلفيات الفكرية لرجال الدولة الذين باشروا هذه العملية،  وبالنسبة إلى المحاولة الثالثة فقد تم القيام بها سنة 2002 ومست البرامج والمداخل وأدرجت المقاربة بالكفايات وقد تمت تونستها، وتبين اليوم بعد تقييم هذه التجربة أنها لم تكن في محلها وأن المشكل لا يكمن في الطريقة أو المنهاج وإنما في كيفية التطبيق، لأن الدولة لم توفر الموارد الكافية لتطبيق ما جاء في مشروع الإصلاح التربوي لسنة 2002.

 وأضاف ممثل الجامعة أنه بداية من سنة 2014 انطلقت محاولة أخرى للإصلاح التربوي وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قدم مقاربة لهذا الإصلاح شاركت فيها نقابات التعليم، وتم الانتهاء إلى صياغة مشروع قانون يتعلق بالمبادئ الأساسية للتربية والتعليم لكن لم تقع المصادقة عليه، وأضاف أنه قبل سنتين وفي عهد وزير التربية السابق فتحي السلاوتي كانت هناك محاولة لتطوير البرامج وقد رفضت الجامعة العامة للتعليم الثانوي في البداية الانخراط فيها لكن الجامعة العامة للتعليم الأساسي شاركت في هذه العملية لأنها ترى أنه من غير المقبول مواصلة تدريس برامج محتواها قديم ونجد فيها على سبيل الذكر أن الصين دولة نامية، والأب يقرأ الجريدة والأم في المطبخ، وذكر أن موافقتهم على تطوير البرامج وفق مقاربة المنهاج كانت من أجل المصلحة الفضلى للأطفال لكن الجامعة حسب تأكيده تمسكت دائما بضرورة القيام بإصلاح جذري للتعليم لأن الحياة المدرسية ليست برامج فقط وإنما هي أيضا زمن مدرسي ونشاط ثقافي ورياضي وفضاء مدرسي يواكب حاجيات المتعلم.

ولاحظ  محمد العبيدي عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي أن الفضاء المدرسي قديم إذ لا توجد في المدارس الابتدائية قاعة متعددة الاختصاصات يمارس فيها التلميذ الأنشطة الثقافية، كما أن المدارس تفتقر لأدنى مقومات الحياة المدرسية حيث لا يوجد مطعم أو فضاء خاص بتلاميذ السنة التحضيرية أو ملعب.

 وأضاف ممثل الجامعة أنه إذا أريد حقا الإصلاح فلا بد من العناية بالبنية التحتية، كما يجب مراجعة الزمن المدرسي حتى يكون مواكبا للزمن الاجتماعي، وتقترح الجامعة اعتماد نظام الحصة الواحدة على غرار ما هو موجود في جل الدول حيث يقع تخصيص الأمسيات لممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية في إطار التشبيك بين المدرسة ودور الشباب والثقافة. وذكر أنه توجد مواد في برامج التعليم الأساسي مثل التربية المدنية يمكن تقديمها للتلميذ في إطار نوادي المواطنة والبيئة والتربية المرورية بكيفية تجعله يستبطنها في سلوكه اليومي،  فعلى سبيل الذكر وعوضا عن حفظ الدروس المتعلقة بالانتخابات بهدف الحصول على أعداد جيدة في الامتحان يمكن تطبيق ما جاء في تلك الدروس على أرض الواقع من خلال إجراء انتخابات داخل المدرسة وبهذه الكيفية يشعر التلميذ أنه فاعل في الحياة المدرسية.

البرامج والبنية التحتية

ويرى عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي أنه يمكن الانطلاق بتطوير البرامج وتحسين البنية التحتية ولكن في نفس الوقت على الدولة أن تتعهد بضمان تكوين المعلمين حول مقاربة المنهاج وأن تعمل على تهيئتهم نفسيا قبل الشروع في اعتمادها لتلافي تكرار ما حصل إبان صدور القانون التوجيهي للتربية والتعليم لسنة 2002 حيث انطلقت الوزارة في اعتماد المقاربة بالكفايات ثم قامت بعد ذلك بتكوين المدرسين، أما بخصوص الاستشارة الوطنية حول التعليم فيرى ممثل الجامعة أنه من غير المنطقي استشارة غير المختصين في التربية وإذ وقع خلاف ذلك فهي شعبوية مقيتة واستدرك قائلا إنه يمكن لغير المختصين ابداء الرأي في مسائل عامة من قبيل تصورهم للمدرسة العمومية ولملامح المتخرج لكن أن يقع الغوص في التفاصيل فهذا عمل غير صائب.

ولدى حديثه عن رؤية الجامعة العامة للتعليم الأساسي للإصلاح التربوي قال محمد العبيدي:" نريده إصلاحا يحد من الفوارق بين المتعلمين في المدارس العمومية وبين المتعلمين في المدارس الخاصة وإصلاحا يفرض تطبيق نفس البرامج بنفس الكيفية ونفس المدد الزمنية في العمومي والخاص، وإصلاحا يضمن تكوين المعلمين فنحن نريد أن يقع تشريك المعلمين عبر هياكلهم النقابية في عملية الإصلاح كما نرغب في أن يقع تنظيم لقاءات مباشرة مع المعلمين لتعرفيهم بمضامين الإصلاح وبعد ذلك يتم تكوينهم، ونحن نرفض أن يتم الانطلاق في الإصلاح من ورقة بيضاء وهدم كل ما سبق بل نريد أن يقع تقييم ما تم انجازه في السابق حيث كان هناك عمل جبار لا يمكن نسف حصيلته، ولا بد من تقييم حقيقي للمنظومة التربوية يتم من خلاله التعرف على الهنات ووضع تصورات لتجاوزها ويمكن الاستئناس بالتجارب المقارنة".

وتعقيبا عن سؤال آخر حول رأي الجامعة في مشروع المجلس الأعلى للتربية قال إن الجامعة لم تطلع على هذا المشروع ولم يقع تشريكها في إعداده وهي لا تعرف تركيبته وأدواره وبالتالي لا يمكنها أن تبدي رأيها فيه رغم أن نقابات التعليم هي التي طالت بتركيز المجلس وكانت تريده أن يكون مؤسسة مستقلة دائمة تتكون من أكاديميين وأهل القطاع التربوي وتضمن استمرارية الإصلاح لأنها لاحظت أن كل وزير تربية يأتي بتصور خاص به ويعمل على تنفيذه.  

 

 الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي: لا نرضى بمشاريع مسقطة ونطالب بتشريك الأساتذة في الإصلاح

قال نبيل الحمروني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي إن هناك حاجة ملحة لإصلاح تربوي شامل يشارك فيه الأساتذة بدرجة أولى لأنهم أكثر الناس دراية بالنقائص التي تعاني منها المنظومة التربوية. وأضاف أنه من المهم جدا القيام بالإصلاح التربوي نظرا إلى ما تعيشه المنظومة التربوية من أزمة لا يمكن وصفها إلا بأنها أزمة عميقة وحادة وهي جزء من الأزمة التي يعيشها المجتمع التونسي كنتاج للمنوال التنموي النيوليبرالي العقيم المتبع من قبل الحكومات المتعاقبة، واليوم هناك فرق كبير بين المدرسة التي نريدها والمدرسة التي يراد لها أن تكون.

وذكر الحمروني أنه عند الحديث عن إصلاح تربوي من المفروض أن يكون هذا الإصلاح إصلاحا وطنيا تشاركيا شاملا، وبين أنه لا بد من التذكير في هذا السياق بأن مسار الإصلاح التربوي انطلق في شهر أفريل 2015 وتوقف في شهر أكتوبر 2016 بعد أن تم قطع أشواط كبيرة وتقديم ملامح إصلاح جميع المناهج العلمية التربوية بأدق التفاصيل وكانت هناك لجان عمل اشتغلت بكل جدية قرابة السنة والنصف ومازال هناك أثر لأعمالها وبالتالي فإن القرار الذي وقع اتخاذه والقاضي بإيقاف عملية الإصلاح يطرح علامة استفهام، وحسب رأيه هذا القرار هو قرار سياسي.

ولاحظ أن الأزمة الخانقة التي تعيشها المنظومة التربوية تقتضي الدعوة الآن وليس غدا لتقييم العمل المنجز الذي تم التوصل إليه من قبل تلك اللجان وتحديد المداخل الحقيقية للإصلاح التربوي. وبين أن الجامعة العامة للتعليم الثانوي تطالب بأن يكون هناك إصلاح جذري للمناهج والبرامج والكتب والزمن المدرسي ولكل ما يهم العملية التربوية، لأن المدرسة العمومية تئن وتعيش أتعس لحظاتها ويكفي إلقاء نظرة على آلية التشغيل الهش للأساتذة النواب دفعة 2022 فهم يعملون دون تغطية اجتماعية وأجور ويجدون صعوبات كبيرة في توفير معاليم الكراء والتنقل لأنه لم يقع خلاصهم، وذلك فضلا عن حالة الاحتقان الموجودة في المؤسسات التربوية إذ لا يكاد يمر يوم دون أن يقع تسجيل حالات عنف في صفوف الإطار التربوي.

وضع مادي مزر

وأشار نبيل الحمروني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي إلى أنه يجب ألا ننسى الوضع المادي المزري للأساتذة والاتفاقية المبرمة مع وزارة التربية وما فيها من نقاط مؤجلة لم تأخذ بعين الاعتبار تدني المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم وانهيار الدينار، وأضاف أن الأدهى والأمر أن المؤسسة التربوية تعيش نقصا على مستوى التجهيزات، وفي وقت كانت فيه الجامعة تدفع نحو الترفيع في الميزانية المخصصة للمؤسسات التربوية بعشرين بالمائة وقع التقليص في حجم هذه الميزانية بعشرين بالمائة وهو ما يعني أن هناك نقصا يناهز الأربعين بالمائة وبالتالي فإن الميزانية ضعيفة جدا ولا تفي بحاجيات المؤسسات التربوية.

وذكر الحمروني أنه يوجد مشكل آخر تعاني منه المنظومة التربوية وهو يتمثل في إعفاء التلاميذ من بعض المواد لأن وزارة التربية لم توفر لهم أساتذة لتدريس تلك المواد، وقال إن الإعفاء في ما مضى كان يشمل مادة التربية المدنية لكنه أصبح يتعلق بمواد أساسية إذ هناك تلاميذ في شعبة التقنية لم توفر لهم الوزارة أساتذة رياضات وتقنية وهناك تلاميذ في شعبة الآداب لم يتوفر لهم أساتذة فلسفة ونفس الشيء بالنسبة لجميع الشعب الأخرى حيث لا يقع توفير أساتذة مواد الاختصاص وهو ما ستكون له تداعيات وخيمة على مستوياتهم العلمية وذلك فضلا عن النقص المسجل في عدد القيمين والإداريين..

الترفيع في الميزانية

ويرى محدثنا أن هناك افتقارا لإستراتجية للنهوض بالواقع التربوي قابلة للانجاز والمطلوب حسب قوله هو أن ترفع الدولة في ميزانية المؤسسات التربوية لكن للأسف الدولة تخضع لضغوطات المؤسسات المالية إذ عليها سداد القروض وفوائدها المشطة والبحث عن موارد لتمويل الميزانية من خلال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يريد منها أن تتجه نحو التفويت في المؤسسات العمومية والضغط على الانتدابات في الوظيفة العمومية والقطاع العام وإلغاء الدعم والتقليص في كتلة الأجور.

وبين أنه في ظل هذه الصعوبات فإن الجامعة العامة للتعليم الثانوي تطلق صيحة فزع بسبب الوضع المزري الذي يعاني منه التعليم العمومي وهي تدعو الدولة لكي تتحمل مسؤولياتها وأن تنمح ملف الإصلاح التربوي الأهمية القصوى وأن تعتبره في صدارة الأولويات، وهذا الإصلاح حسب تأكيد الحمروني يجب أن يكون نابعا من أهل الاختصاص ومن المعنيين بممارسة العملية التربوية ويعني بهم الأساتذة لأن الأساتذة يعرفون البرامج والمناهج المتبعة ويدركون الصعوبات والمشاكل والنقائص والثغرات، وذكر أنه لا بد من تشريك أهل الاختصاص والابتعاد عن الاستشارات الالكترونية والجمعيات المشبوهة التي تدعي أنها تشتغل على القطاع التربوي، وأضاف أنه يدعو وزارة التربية إلى أن تعيد الحق إلى أصحابه وأن تقوم بتقييم العمل المنجز في إطار مشروع الإصلاح الذي انطلق في أفريل 2015 وتوقف في أكتوبر 2016 وتبني على ذلك المنجز وعليها أن تستغل العطلة الصيفية للاشتغال على ملف الإصلاح التربوي ودون ذلك فإنها ستساهم في إعادة تكريس واقع مزر ومؤلم إذ يكفي التذكير في هذا السياق بأنه يوجد أكثر من مائة ألف تلميذ يقع لفظهم سنويا من قبل المؤسسات التربوية ليجد الكثير منهم أنفسهم ضحية لشبكات الاتجار بالبشر ولقمة سائغة لحيتان المتوسط، ولاحظ أن معالجة هذا الوضع تستوجب توفر رؤية شاملة ومقاربة تشاركية حقيقية تشتغل عليها وزارة التربية لوضع ملامح الإصلاح التربوي.

إصلاح جذري

وتعقيبا عن سؤال حول أفضل المداخل للإصلاح التربوي المرتقب أجاب نبيل الحمروني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي أنه يرى وجود ضرورة لمعالجة ملف الإصلاح بمختلف جوانبه لأن المنظومة التربوية تحتاج إلى إصلاح جذري يمس المراجع والكتب والمناهج والزمن المدرسي والنظام التأديبي والبنية التحتية والجودة، والمدخل الحقيقي للإصلاح حسب رأيه يكون بتحسين الوضع المادي للمربين وتحسين ظروف تدريس التلاميذ من خلال الحد من الاكتظاظ بالأقسام وتوفير الإطار التربوي والنهوض بالبنية التحتية التي أضحت مترهلة وبالتالي الإصلاح عملية غير مجزأة حيث لا يمكن التركيز فقط على مراجعة الكتب المدرسية رغم أن هناك حاجة ملحة للمراجعة نظرا لوجود أخطاء كارثية في بعض الكتب.

 وقال إنه يدعو وزارة التربية إلى القيام بتقييم للعمل الذي تم انجازه في السابق والإجابة عن سؤال لماذا توقف الإصلاح وبهذه الطريقة يمكن تقديم تصورات عملية لإصلاح تربوي يساهم في النهوض بالمجتمع والبلاد إصلاح تشاركي ينقذ المنظومة التربوية من الوضع المتردي وينقذ المؤسسات التربوية العمومية من الترهل، وذكر أن الجامعة العامة للتعليم الثانوي تريد استرجاع بريق المدرسة العمومية والتعليم الديمقراطي الذي يرسخ الثقافة الوطنية لأن الجيل الذي تخرجه المدرسة حاليا هو جيل منبت والجامعة تريده جيلا يعتز بهويته وثوابته وجذوره الوطنية وأن تكون له رؤية نقدية وحس إبداعي. وطالب الحمروني بتجنب نسخ تجارب بلدان أخرى مثل فرنسا والأخذ بعين الاعتبار لطبيعة التلميذ التونسي وحاجياته.  

ويرى ممثل الجامعة ضرورة أن يكون الإصلاح في إطار استشارة حقيقية لأهل الاختصاص تمس جميع المناحي التربوية لا استشارة الكترونية يشارك فيها بصفة اعتباطية أناس غير معنيين بالقطاع التربوي، وتعقيبا عن استفسار آخر حول مشروع المجلس الأعلى للتربية والتعليم، أجاب الحمروني أن المجلس يعتبر من مطالب الجامعة العامة التي تريده أن يكون الإطار الذي تقدم فيه التصورات وتحدث فيه المراجعات لكن أن يقع طرحه اليوم مع استشارة الكترونية لتمرير قرارات مسقطة بكيفية اعتباطية وطريقة أحادية لم تأخذ بعين الاعتبار موقف الجامعة العامة للتعليم الثانوي وبقية الهياكل النقابية فهذا مرفوض، وخلص إلى ضرورة الجلوس معا على طاولة واحدة من أجل إيجاد حلول توافقية ووضع مقاربات للمجلس الأعلى للتربية تكون بصفة تشاركية لا بمشروع مسقط.

وزير التربية السابق د. سالم لبيض: لا يمكن إصلاح التعليم بمعزل عن بقية القطاعات

يرى الدكتور سالم لبيض وزير التربية السابق أن فكرة الإصلاح لا يمكن التعبير عنها بمجرد تصريح إعلامي لأن العملية الإصلاحية في تونس هي عملية معقدة نظرا إلى أن هناك نزعة محافظة ترفض الإصلاح والتغيير بصفة عامة، وتكفي الإشارة إلى أن أحد أهم المصلحين وهو خير الدين باشا باع أرزاقه وغادر تونس نحو عاصمة الدولة العثمانية وبرر ذلك بفشله في الإصلاح وذلك لما تولى مهمة الوزارة الكبرى في فترة 1873/1877 في عهد الصادق باي، وفي الوقت الذي أعلن فيه خير الدين فشله في تنفيذ مشروعه التحديثي في تونس استقبل استقبال الأبطال وعين وزيرا في الدولة العثمانية.

وأضاف الوزير السابق أن كل من يتولى السلطة في تونس يشكو من صعوبة الإصلاح إذا كانت لديه نزعة إصلاحية حقيقية، وبين أنه بالنسبة إلى التعليم فلا يمكن إصلاحه بمعزل عن بقية القطاعات الأخرى وأي عملية إصلاح للتعليم بمعزل عن بقية القطاعات هي نوع من الانتحار الإصلاحي، وهو ما يعني أن إصلاح التعليم لا بد أن يتم في إطار مقاربة إصلاحية تشمل كل القطاعات في تونس، وأي سلطة سياسية تريد الإصلاح يجب عليها أن تكون سلطة قوية ولها تأشيرة سياسية تمكن الجهات التربوية من الدخول في عملية الإصلاح.

 كما يتطلب الإصلاح حسب رأي الدكتور لبيض فترة زمنية طويلة جدا وبين في هذا السياق أنه تكفي الإشارة إلى أن الإصلاح الذي قاده محمود المسعدي دام عشر سنوات والإصلاح الذي قاده محمد الشرفي دام خمس سنوات وبعد ذلك جاءت فكرة مدرسة الغد وتم تتويجها عام 2002 في فترة منصر الرويسي الذي مكن خبراء التربية من فترة طويلة لإعادة صياغة البرامج فبصرف النظر عن نجاح هذه التجارب أو فشلها فإنها أخذت حيزا هاما من الزمن.

غياب المشروعية

وقال الوزير السابق الدكتور سالم لبيض إن الإصلاح ليس عملية عامة وليس كل من له باع في القطاع التربوي بشكل أو بآخر موظفا كان أو مربيا أو عاملا أو وزيرا يستطيع أن يساهم في العملية الإصلاحية لأن هذه العملية معقدة وتأليفية وتتطلب وجهاء وعلماء في التربية فكرا وممارسة يقع اعتمادهم. وأضاف أن الإصلاحات التي تمت في تونس في السابق كلها كانت في شكل قوانين توجيهية، وآخرها قانون 2002 وكل التغييرات التي تمت في اتجاه الإضافة أو الإلغاء كانت هامشية وليست بالتغييرات الجوهرية لأن التغيير الجوهري يتطلب تقديم مشروع قانون للجهة التشريعية التي تناقشه نقاشا عاما أمام الإعلام وبعدها يتم التصويت عليه وإذا حظي بالموافقة يصبح قانونا لكن اليوم الجهة التشريعية حسب اعتقاد عضو مجلس نواب الشعب السابق الدكتور لبيض لا تتمتع بالمشروعية الكافية فهي لا تمثل سوى عشرة بالمائة من التونسيين ولا يحق لها أخلاقيا من الناحية المشروعية أن تمرر قانونا إصلاحيا جديدا لأنها هي نفسها في حاجة للإصلاح.

وأضاف أن ما يروج من كلام مفاده أن الإصلاح التربوي يمكن أن يقوده مجلس أعلى للتربية يصنف ضمن الخرافات والميثولوجيا التربوية لأن هذا المجلس الذي تمت دسترته لن يضيف إلا ازدواجية في السلطة بينه وبين وزارة التربية، ومن المرجح حسب رأيه، أن يكون هناك نوع من الصراع على الصلاحيات بين الجهتين وسيتحجج المجلس الأعلى للتربية بأنه هيئة دستورية والحال أن وزارة التربية بدورها كجزء من الحكومة مؤسسة دستورية وسيحدث للمجلس الأعلى للتربية ما حدث مع الهيئات الدستورية التي جاء بها دستور 2014 والتي قيل إنها تغولت على الدولة، وحسب اعتقاد الدكتور لبيض فإن المجلس إما أنه سيتغول ويدخل في صراع مع وزارة التربية أو أنه سيكون صوريا.

حوكمة وزارة التربية

وبخصوص أفضل المداخل للإصلاح التربوي بين الدكتور لبيض أن هناك من يرى أن الإصلاح يتعلق بالبرامج والمناهج لكن هناك عملية أساسية يجب القيام بها وهي حوكمة وزارة التربية، وذكر أنه تكفي العودة إلى تقارير محكمة المحاسبات حول العملية التربوية والتعليمية بجميع مراحلها للتعرف على مواطن الخلل على مستوى الحوكمة، فكل محاولات التصدي للفساد في الوزارة من فساد مالي وإداري وتربوي باءت بالفشل وتحول التعليم إلى سلعة تباع وتشترى ولا بد من تمكين الوزارة من إطار يستبطن الحوكمة ويمارسها ويحد أكثر ما يمكن من التجاوزات والأخطاء، وبين أنه بعد حوكمة الوزارة لا بد من إصلاح وضع المدرس، فالمدرس في تونس فقير الحال ويعيش حالة من البؤس، ولا بد أيضا من إصلاح وضعية كافة الإطار التربوي لأن العملية التربوية لا يستوي حالها وحال المدرس مختل من الناحية المادية ويكفي أن تسقط عن العملية التربية قداستها عندما يذهب المدرس لتقديم خدمة لتلميذه ويتقاضى مقابل ذلك أموالا توضع في ظرف يقدمها له التلميذ وهو ما يعني أن أي عملية إصلاحية لا ترصد أموالا كافية لإصلاح الوضع المادي للمدرسين ستولد ميتة ولن ترى النور، وأضاف أنه لن يكون حال المدرس في تونس سليما إلا بوضع مادي يضاهي وضع زملائه في بقية أنحاء العالم وخاصة في العالم الغربي واليابان أما هذا الإصلاح الفقير البائس الذي لا ترصد له أموال فلا حاجة إليه كما أن الأموال يجب أن ترصد من ميزانية الدولة وليس من خارجها حتى لا تكون  المؤسسة التربوية مجرد إدارة تنفيذ اختيارات أجنبية وبرامج مملاة وحتى لا تكون مخبرا للتجارب.

اللغة السيادية

 وعندما تتوفر هذه الشروط الدنيا يتم حسب رأي الدكتور سالم لبيض الاتجاه نحو البرامج والمناهج ولغات التدريس، وقال إنه يعتقد أن أي مجتمع يجب أن يتحدث باللغة السيادية وأي دولة يجب أن تتحدث بلغتها السيادية كما يفعل الرئيس سعيد منذ فترة لأن السيادة تبدأ من السيادة اللغوية وبالتالي يجب تدريس العلوم باللغة العربية وإعطاء المدرسة بعدها الوطني والعربي في إطار غايات وأهداف واضحة من العملية التربوية وبناء مفهوم وطني عند التلميذ وليس بناء مفهوم يجعله يعمل لصالح مجموعات أخرى قبل أن يكون مواطنا صالحا لوطنه. وبالنسبة إلى اللغات الأجنبية فهناك حسب رأيه لغات لم تعد لها مكانة كبيرة في بلدانها، وبين أنه بعد الانقليزية يمكن أن يكون المستقبل للغة الصينية واللغة الاسبانية وهو ما يتطلب عند اختيار اللغة الأجنبية التي يتم تدريسها للتلاميذ الترتيب حسب مكانة اللغات عالميا وليس وفق الإرث الاستعماري.

وأشار الوزير السابق إلى أنه لا بد من تجريد التعليم من الطفيليات وذكر أن الهدف من التعليم هو تمكين التلميذ من إجادة اللغات والحسابيات والإنسانيات والآداب وأي نقاش على مستوى المضامين والبرامج والمناهج يجب أن يكون حول هذه المسائل التي تكون مدخلا لعملية تعليمية وحضارية شاملة.