إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حرموا من دفء العائلة.. ونبذهم المجتمع: تبني الأطفال فاقدي السند.. بين إنصاف القانون وتحريم الدين

 

* المعهد الوطني لرعاية الطفولة: 5 آلاف مطلب تبني وكفالة تقدمت إلى المؤسسة خلال العشر سنوات الأخيرة 

تونس – الصباح

حوالي 5 آلاف مطلب تبني تقدمت بها عائلات تونسية إلى المعهد الوطني لرعاية الطفولة خلال العشر سنوات الأخيرة بمعدل 500 مطلب سنويا، لتعرض فيما بعد هذه المطالب على اللجنة الوطنية للتبني والكفالة، وحسب مسؤولين بالمعهد فانه تم تمكين نصف العدد فقط من تبني أو كفالة طفل من المعهد بعد توفر جملة من الشروط ولا تتم عملية التبني أو الكفالة إلا بعد أن تتخلى العائلة الطبيعية (البيولوجية) عن طفلها نهائيا.

ملف من إعداد: جهاد الكلبوسي

ومنذ أن صدر قانون التبني في مارس 1958 أصبحت تونس الدولة العربية الأولى التي تشرّع للتونسيين المحرومين من الإنجاب تبني الأطفال أو كفالتهم، كما أصبح بإمكان الأطفال الأيتام أو مجهولي النسب التمتع بالحق في الهوية وبرعاية أسرية، وفي السنوات الأخيرة أثبتت الأرقام وجود عدد هام من الأطفال "مجهولي النسب" أو فاقدين للسند يعيشون بيننا حرموا من دفء عائلاتهم دون أي ذنب، ليجدوا أنفسهم بين أحضان مجتمع قاس لا يرحم..، ومنذ خروجهم لهذه الدنيا تم "تصنيفهم" اجتماعيا تحت مسمى "أولاد حرام"، "لقطاء" وغيرها من التسميات المهينة لبراءتهم ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا خارج منظومة الزواج.

ورغم أن الدراسات تؤكد أن الإيداع العائلي للطفل فاقد السند يبقى الخيار الأنسب له والأفضل من أن ينشأ داخل مؤسسات رعاية الطفولة، لكن تبقى  طول الإجراءات بالنسبة للتبني أو الكفالة عائقا كبيرا لدى ببعض العائلات وهو ما يدفعها إلى التراجع عن مطالبها، وفي هذا الإطار كانت  الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد طالبت بتسهيل إجراءات تبني الأطفال في تونس بما يتماشى مع المعايير الدولية المنظمة لحقوق الطفل، لان فترة الاستجابة لطلبات التبني تصل في المحاكم التونسية أحيانا إلى خمس سنوات.

كما انتقدت الرابطة وجود موانع تحول دون إقرار التبني لفائدة غير المتزوجين خلافا للمعايير الدولية في المجال، داعية إلى ضرورة العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان في قيمها الكونية التي تجيز وتضمن الحق في التبني.

وكشفت عن وجود طلبات من أسر أجنبية لتبني أطفال تونسيين من حاملي الإعاقة دون تقديم مزيد من التوضيحات حول عددها، مشددة على أن الرابطة تؤكد على حماية المصلحة الفضلى للأطفال من ذوي الإعاقة لدى إقرار إجراء التبني من عدمه.

وفي 2019 وخلال زيارات ميدانية قام بها عدد من أعضاء الرابطة لعدد من مراكز إيواء الأطفال ذوي الإعاقة خلصت إلى تسجيل نقص فادح في الإطار البشري الراعي للطفولة في هذه المراكز مما قد ينعكس سلبا على ضمان الرعاية اللازمة لهؤلاء الأطفال، حسب تقديرها.

وتعتبر المنظمة أن نشر ثقافة حقوق الإنسان وتطبيق المنظومة القانونية المنظمة للطفولة والالتزام بمواثيق حقوق الطفل ستمكن من تعزيز الإجراءات الحمائية للأطفال ذوي الإعاقة بالاعتماد على إجراء التبني خصوصا بعد قرار قضائي بإحدى محاكم العاصمة أجاز إقرار التبني لفائدة امرأة غير متزوجة لطفل من حاملي الإعاقة.

وكشفت دراسة حول حقوق الطفل ذي الإعاقة وفاقد السند العائلي أنجزتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أنه رغم تناغم الإطار التشريعي التونسي مع التشريعات الدولية على المستوى النظري إلا أن الواقع يبرز عديد الإشكاليات الجوهرية المتصلة خاصة بالعوامل الثقافية والتمثلات المنافية للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان كما يبدو غير ضامن لتكريس أبسط المعايير والضوابط التي يجب التقيد بها عند التعامل مع هذه الفئة من الأطفال.

مؤسسة الأسرة وبناء الشخصية الاجتماعية

ولئن تبقى مؤسسة الأسرة هي الوحدة الأساس في كلّ المجتمعات بصرف النظر عن الفروق الثقافية، فالأسرة لا تعمل على تلبية الحاجات الأولية للفرد من طعام ومأوى وملبس فحسب، ولكنها تلبي حاجاته الإنسانية الأخرى كالحاجة للحب والانتماء والعناية بالصحة والعقل والسلوك، ويرى المختصون أن بناء الشخصية الاجتماعية يتطلب أمرين حتى يصبح لديك طفل اجتماعي، أولا بإشباع حاجات الطفل النفسية، وثانيا إعداده لممارسة الحياة المستقبلية وكيف تربي ابنك اجتماعياً حتى يكون قادرا على التفاعل مع المحيط، ويستطيع أن يطلب حقه ويعطي غيره حقه دون أن يظلم أو يُظلم.

لكن في المقابل يحرم الأطفال اليتامى أو المجهولي النسب من تربية متكاملة الجوانب وهذا ما ينعكس سلبا علي توافقهم، واستقرارهم الاجتماعي، ويلجأ البعض منهم إلى الانتقام من واقعهم ومجتمعهم بصور شتى، أدناها العزلة وتدهور الحالة النفسية والسلوكية، أو الفشل في الدراسة وأعلاها الجريمة بأنماطها المختلفة، حيث يكونون عرضة للاضطرابات النفسية والاجتماعية، الناتجة عن شعورهم بالضياع الاجتماعي والنفسي، ويترتب علي ذلك اصطدامهم بالبنية الاجتماعية، وفي محاولة لإثبات وجودهم قد يلجأ بعضهم إلى الجريمة، كالسرقة، أو تعاطي المخدرات أو الانحرافات الأخلاقية، واضطرابات في السلوك، العدوانية الزائدة والسلوك الجانح تجاه البيئة المحيطة بهم للانتقام من الذات أحيانا ومن المجتمع أحيانا أخرى.

ومن هذا المنطلق رأى المسؤولون بالمعهد الوطني لرعاية الطفولة أن الإيداع العائلي أو تبني أو كفالة طفل قد تكون الحل الأنسب لنشأة العديد منهم خاصة الأطفال الذين لا سند لهم في الحياة بعد تخلي عائلتهم الطبيعية عليهم لأسباب عديدة منها التفكك الأسري أو بالنسبة للذين ولدوا خارج مؤسسة الزواج، لكن تبقى عملية التبني والكفالة خاضعة لجملة من الشروط التي يجب أن تتوفر في طالب التبني.

آليات الرعاية.. ودور العائلة البديلة

يحظى بعض الأطفال بفرصة التبني ليخرجوا من مؤسسات الرعاية الحكومية حيث تفيد بعض الدراسات التي سلطت الضوء على مفهوم الأسرة البديلة ودورها في إشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية للطفل اليتيم، أنها توصلت إلى نتيجة تتمثل في أن رعاية الطفل اليتيم داخل أسرة بديلة أفضل من إيداعه داخل مؤسسات الإيواء التي تهتم بإشباع الحاجات المادية لليتيم فقط، مما يترتب عليه العديد من المشكلات النفسية والاجتماعية خاصة بالنسبة للأطفال المولدين خارج إطار الزواج.

وقد أعلنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في تونس أنّ عدد الإشعارات بحالات الولادة خارج إطار الزواج تطور إلى 868 حالة سنة 2022 مقابل 802 حالات سنة 2021 أي بنسبة ارتفاع تساوي 8.2%، استنادًا إلى قاعدة بيانات شبكة مندوبي حماية الطفولة.

وتتوزع الولادات خارج إطار الزواج حسب جنس المولود، وفق الوزارة إلى 429 سنة 2020 و407 سنة 2021 من الأطفال الذكور، و408 سنة 2020 و395 سنة 2021 من الأطفال الإناث.

وتبين مختلف الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية أن غالبية هذه الولادات تسجل لدى فتيات عازبات تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، ويلاحظ أن المستويات التعليمية للأمهات العازبات، تتراوح بين الأمية التامة أو لا تكاد تتجاوز المرحلة الابتدائية وفي أفضل الأحول التعليم الثانوي، كما بينّت الدراسات أن تلك الفتيات تنتمين لأوساط اجتماعية ضعيفة اقتصاديا وتعليميا.

وبيّنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، أنّها تعتزم خلال السنة الجارية إنجاز دراسة متعدّدة الأبعاد حول الولادات خارج إطار الزواج وما يترتّب عنها من تهديدات مضاعفة تطال المرأة والطفل وتلقي بظلالها على الأسرة والمجتمع أيضا.

نحو التخلي عن تعهد المؤسسات للأطفال بلا سند

وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية أطلقت في 2015 مشروع الحملة الوطنية لتمكين كل طفل دون سند، سويا كان أو ذا إعاقة، من عائلة بديلة وذلك في إطار دعم التوجه نحو التخلي عن التعهد المؤسساتي للأطفال الفاقدين للسند العائلي الذي تنظمه الوزارة بدعم من منظمة اليونيسيف والحكومة الإيطالية تحت شعار "لكل طفل الحق في عائلة"، وهو مشروع ممول من الحكومة الإيطالية يهدف أساسا إلى دعم التوجه نحو التخلي المرحلي عن التعهد المؤسساتي للأطفال فاقدي السند وإرساء آلية التكفل الأسري والعائلي بهذه الفئة.

نزار السالمي مدير المعهد الوطني لرعاية الطفولة: المعهد يقوم بتشجيع تبني الأطفال.. كما نعمل على إعادة إدماج الطفل داخل عائلته الطبيعية

في حديثه لـ"الصباح" قال نزار السالمي مدير المعهد الوطني لرعاية الطفولة أن مهمة المعهد تتمثل في خلق وبعث سياسة عامة لرعاية الطفولة كما انه أوكلت له مهمة القيام بالدراسات والبحوث المتعلقة بمشاكل الطفولة وبالأخص مشاكل الطفولة المهملة والفاقدة للسند العائلي وباقتراح الإجراءات الوقائية والأعمال الملائمة لتحقيق الظروف المرضية لنمو الطفل نموا سليما ومتوازنا وذلك على ضوء هذه الدراسات وكذلك بإدارة كل مؤسسة ذات صبغة اجتماعية أو تربوية وكل مأوى أطفال يمكن أن يناط بعهدته من طرف الدولة.

وأضاف السالمي أن المعهد يقوم  بتشجيع تبني الأطفال وإيداعهم لدى العائلات وذلك طبقا للتشريع الجاري به العمل إلى جانب مساعدة الجمعيات الخاصة بالعناية بالطفولة والمؤسسات المختصة التابعة لها فنيا وماليا وكذلك المراقبة الفنية لهذه المؤسسات الخاصة وبالمساهمة في تكوين الإطارات التربوية المختصة، ويتعامل المعهد مع وحدات العيش من خلال الرقابة الدورية، كما يتعهد بنسبة كبيرة من الأطفال المولودين خارج إطار الزواج كما يتعهد بالأطفال الذين عاشوا تفككا اسريا ويودعون لدى المعهد بشكل مؤقت.

ويأوي المعهد قرابة 171 طفلا دون ست سنوات إلى جانب عدد من الأطفال موجودين في الإيداع العائلي المؤقت وهو أن تتعهّد عائلة بصفة مؤقتة لرعاية وتربية طفل أو أكثر من بين أطفال فاقدي السند العائلي لحين تسوية وضعياتهم القانونية والاجتماعية وذلك بتوفير وسط عائلي بديل يؤمن للطفل نموّا سليما ومتوازيا ويساعده على التأقلم مع المحيط الخارجي.

وحسب مدير المعهد يمكن أن يدوم هذا الإيداع من يوم إلى سنتين بالنسبة للإيداع المؤقت أو أكثر في حالات خاصة يكون فيها الإيداع طويل المدى، كما تحظى العائلة الحاضنة بمواكبة عملية التنشئة وتتلقى أيضا بالمقابل منحة ومساعدات مختلفة لفائدة الطفل.

وفي 2019 تقرّر الترفيع في المنحة المسندة لفائدة الأطفال المنتفعين ببرنامج الإيداع العائلي إلى 200 دينار شهريا وفق قرار صادر عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن ونشر بالرائد الرسمي عدد 95 لشهر نوفمبر الماضي.

وتخصّص هذه المنحة التي تسمى "منحة الإيداع العائلي" لفائدة الأطفال المقبولين في نظام الإقامة بالمراكز المندمجة للشباب والطفولة والذين عهد بهم إلى عائلاتهم البيولوجية أو عائلات بديلة قصد تسديد المصاريف التي تستدعيها العناية بالأطفال وتربيتهم.

ويبلغ عدد وحدات عيش الأطفال  14 موزعة على ولايات، أريانة  – سوسة – المنستير – المهدية – قفصة – قابس – مدنين – القيروان – نابل (02) – بنزرت - صفاقس- تونس(02)، وتحتضن وحدات العيش الأطفال حديثي الولادة والذين لا يتجاوز سنهم السنتين وتشرف على تسيير هذه الوحدات جمعيات الطفولة الفاقدة للسند ويتمثل دعم الدولة لهذه الجمعيات من خلال المتابعة الفنية والدعم المادي الذي تتمتع به الجمعية من خلال إبرام عقد برنامج يتم المصادقة عليه ضمن لجنة التمويل العمومي.

وحسب السالمي فان طاقة استيعاب وحدات العيش 12 طفلا ولا تتجاوز مدة إقامة الأطفال بهذه الوحدات السنتين على أقصى تقدير ويتم سنويا إبرام عقود برامج مع هذه الجمعيات تتحصل على إثرها على منحة تسيير من وزارة الشؤون الاجتماعية.

وعلى مستوى السياسات الاجتماعية أكد السالمي انه سيتم العمل على تحيين الأطر التشريعية والتنظيمية إلى جانب الرؤية الوقائية لضمان مشروع حياة للطفل يتماشى مع خصوصياته وعلى هذا الأساس سيتم تحسين التشريعات والقوانين التي تخص التعهد الاجتماعي.

وتحدث رئيس المعهد على وجود فريق متكامل داخل المعهد يضمن عدد من الحاضنات في الصف الأول ويبذلن مجهودا هاما إلى جانب عدد من أعوان الرعاية من مربين وأخصائيين نفسانيين وأخصائي تغذية وعلاج طبيعي وتقويم نطق، كما أن المعهد وجد لضمان الحماية الاجتماعية المؤقتة للأطفال فاقدي السند وله رؤية كاملة.

كما أشار محدثنا إلى ضرورة العمل على إعادة إدماج الطفل داخل عائلته الطبيعية، أما بالنسبة للتبني فقد نص القانون عدد 27 لسنة 1958 المؤرخ في 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني عن جملة من المقاييس المعتمدة لانتقاء العائلات المترشحة لاحتضان أطفال محضوني الدولة.

 وبالنسبة لإصلاح المنظومة الرعائية المؤسساتية للطفولة الفاقدة للسند أكّدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، آمال موسى منذ أيام خلال افتتاح ملتقى دراسي حول الطفولة الفاقدة للسند أنّ لحظة الإصلاح قد دقّت وحان ميعادها وأنّ مسار إصلاح المراكز المندمجة للشباب والطفولة انطلق وفق مقاربة قائمة على المصلحة الفضلى للطفل والحوكمة الناجعة لمنظومة الرعاية ككلّ.

ويوجد في تونس 22 مركزا مندمجا للشباب والطفولة موزعة على17 ولاية وتسدي خدماتها لـ2057 طفلا فاقدي السند يتوزعون بين 306 طفل بنظام الإقامة و1464 طفلا بنظام الوسط الطبيعي و287 طفلا بنظام الإيداع العائلي، مشيرة إلى تعهّد هذه المراكز منذ سنة 1973 بحوالي 27 ألف طفل فاقد للسند وأنّ التكلفة الجمليّة للطفل مكفول الدولة بنظام الإقامة الكاملة تبلغ 32 ألف دينار.

وتعمل المراكز المندمجة للشّباب والطّفولة علـى رعايـة الأطفال إلـى غايــة زوال حالــة التّهديــد فــي إطــار مشــروع حيــاة خــاصّ بــكلّ طفــل مــن أجــل تمكينــه مــن الاندماج فــي المجتمــع. وتوفـّـر خدمـات متعـدّدة ومتنوّعـة سـواء بصيغـة الإقامة أو نصـف الإقامة، حيـث تتولـّى تأميـن المتابعـة التّربويّـة للأطفال المكفوليــن (مرافقــة تربويّــة ومدرســيّة، متابعـة نفسـيّة، رعايـة اجتماعيّـة وصحيّـة...) وتوفيـر خدمــات الّتنشــيط التّربــويّ والاجتماعيّ للأطفال المكفوليــن بالمؤسّســة وأطفــال الجــوار مــن خــلال إتاحـة فـرص لأنشـطة تكوينيـّة وترفيهيـّة ذات طابـع ثقافــيّ ورياضــيّ وفنّــي وعلمــيّ لتحقيــق تــوازن الأطفال.

واعتبرت الوزيرة أنّ عمليّة الإصلاح انطلقت بعد التّقييم الأوّليّ لعمل هذه المؤسّسات، مضيفة أنّ التقييم شمل مؤشرات النّتائج المدرسيّة ومدة إقامة الطّفل بالمؤسّسة والاندماج في المجتمع وانفتاح المؤسّسة على محيطها الخارجي وكفايات الإطار التّربوي والمختصّ إلى جانب البنيّة التّحتيّة للمؤسّسة والإطار القانونيّ المنظّم للفئة المستهدفة بالتّدخل، ناهيك ضرورة مراجعة خطّة المربّي الداخلي.

وأكّدت أنّ الإيداع في مؤسّسات الرّعاية لا يمكن أن يكون إلاّ ملجأ أخيرا اقتضته مصلحته الفُضلى بعد استيفاء جميع الحلول الممكنة لإبقائه في وسطه الأسري الطّبيعي أو البديل، مبرزة أنّ الوزارة تعمل بالتوازي على إيجاد بدائل للرعاية المؤسّساتية من خلال مزيد التشجيع على الإيداع العائليّ للأطفال الفاقدين للسند وتعزيز الإطار البشريّ المختصّ داخل مؤسسات الرعاية، إلى جانب العمل  وفق مقاربة تشاركيّة بين مؤسّسات الدّولة وهياكل المجتمع المدنيّ على حماية الأسرة من التّفكك من خلال  البرامج الّتي تُعنى بالقضاء على العنف والتّمكين الاقتصاديّ للأسر وبرنامج الوالديّة الإيجابيّة والوساطة العائليّة.

ويجري حاليا الاستعداد لإحداث أوّل مركز مختصّ للتعهّد بالأطفال ذوي الوضعيّات الصعبة الذي يجنحون لبعض السلوكيات المحفوفة بالمخاطر ويتكرر هروبهم وغيابهم عن مراكز الرعاية، مبيّنة أن هذا المركز سيكون معزّزا بالإطار البشري المختصّ والإمكانيات المناسبة لحسن التعاطي مع هذه الفئة من الطفولة الفاقدة للسند وضمان إعادة تأهيلهم وإدماجهم وتحقيق مصلحتهم الفضلى.

 ولئن كانت تونس سباقة في سن قانون للتبني لكن أحكام الشريعة تقول العكس الأمر الذي أدى إلى وجود مفارقة بين النص القانوني والنص الديني.

جابر غنيمي الدكتور في القانون والمساعد الأول لوكيل الجمهورية بسيدي بوزيد لـ"الصباح": التبني أصبح أمرا عاديا في المجتمع التونسي.. وهذا ما جاء في المشرع بخصوصه..

قال الدكتور في القانون والمساعد الأول لوكيل الجمهورية بسيدي بوزيد جابر غنيمي أن أول قانون صدر بخصوص التبني هو القانون عدد 27 المؤرخ في 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني.

ومن شروط التبني ينبغي أن يكون المتبنى شخصا رشيدا ذكرا أو أنثى متزوّجا متمتعا بحقوقه المدنية ذا أخلاق حميدة سليم العقل والجسم وقادرا على القيام بشؤون المتبنى. ويمكن للحاكم إعفاء طالب التبنّي الذي فقد زوجه بالموت أو بالطلاق من شرط التزوّج إذا اقتضت مصلحة الطفل ذلك.

يتمّ عقد التبنّي بحكم يصدره حاكم الناحية بمكتبه بمحضر المتبني وزوجه أو عند الاقتضاء بمحضر والدي المتبنى أو من يمثل السلطة الإدارية المتعهدة بالولاية العمومية على الطفل الكفيل. ويصدر حاكم الناحية حكمه بالتبني بعد التحقق من توفر الشروط القانونية ومن مصادقة الحاضرين.

أمّا بالنسبة إلى الآثار، فإنّ الكفالة لا تحدث إلاّ نظام رعاية أدبية ومادية لفائدة الطفل، في حين يؤثّر التبنّي على النسب بإحداث نسب اعتباري هو النسب بالتبنّي، حيث اقتضى الفصل 14 من قانون 4 مارس 1958 أن "يحمل المتبنّى لقب المتبنّي ويجوز أن يبدل اسمه، وينص على ذلك بحكم التبنّي بطلب من المتبنّي".

وقال الدكتور في القانون والمساعد الأول لوكيل الجمهورية بسيدي بوزيد جابر غنيمي أن التبني أصبح أمرا عاديا في تونس وحتى في الأوساط الريفية خاصة بالنسبة للغير قادرين على الإنجاب.

وتحدث عن أحكام نظام التبني في القانون التونسي الذي اشترط أن يكون الطفل المتبني قاصرا سواء كان ذكرا أم أنثى  وأن يكون الفارق في السن بين طالب التبني والمتبني لا يقل عن 15 سنة يوم إصدار الحكم بالتبني.

كما ألزم المشرع الزوج الأخر الموافقة على التبني إذا كان طالب التبني من احد الزوجين مع ضرورة حضور والدي المتبني أو ممثل السلطة الإدارية إذا كان مودعا لدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أمام مكتب القاضي و كذا الأمر بالنسبة لطالب التبني وزوجه.

وسمح المشرع التونسي على جواز تبني الطفل القاصر الأجنبي من طرف الشخص التونسي.

وتتمثل إجراءات إصدار الحكم القاضي بالتبني  في تقديم طلب إلى القاضي المختص وحضور كل من طالب التبني وزوجه وكذلك حضور والد المتبني أن وجد أو ممثل السلطة الإدارية إلى مكتب القاضي  مع ضرورة موافقة زوج طالب التبني  إلى جانب إجراء تحقيق مع مراعاة مصلحة الطفل الفضلى.

وأجازت الأحكام القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 27 سنة 1958 على إمكانية تعديل الحكم القاضي بالتبني وذلك مراعاة لمصلحة الطفل المتنبي إذا تعرضت صحته وأخلاقه للخطر، إذ يمكن خلعه من طالب التبني وضمه إلى شخص أخر جدير بالرعاية و الحماية .

وتتمثل الآثار المترتبة عن التبني  في حمل المتبني اسم متبنيه  ومعاملته معاملة الابن الشرعي وإعطائه نفس الحقوق والواجبات الممنوحة للابن الصلبي وتظل موانع الزواج من الأقارب قائمة فلا يجوز له التزوج من أسرته.

*  بلقاسم القاسمي الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة: النص الديني هو الفاعل في بناء المجتمع والتبني معصية وقد يتعدى المعصية

الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة بلقاسم القاسمي أكد وجود مفارقة بين الجانب القانوني والشرعي لمسالة التبني، حيث قال إن النص الديني هو الفاعل في بناء النمط الاجتماعي وفي صياغة العلاقات الاجتماعية وأن العقد الاجتماعي مبني على النصوص الشرعية.

وأضاف بان التبني كان جائزا في عهد الجاهلية فكان في المجتمع الجاهلي في العرب أبناء لا يعرف لهم آباء، وكان الرجل منهم يعجبه أحد هؤلاء الأبناء فيتبناه، يدعوه ابنه، ويلحقه بنسبه، فيتوارث وإياه توارث النسب الصحيح، وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون، ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء الأبناء فيأخذه لنفسه ويتبناه، ويلحقه بنسبه، فيعرف باسم الرجل الذي تبناه.

واستمر العمل بالتبني على ما كان عليه زمن الجاهلية إلى أن نزل تحريمه في القرآن الكريم بقول الله تعالى:" مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءَكٌمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ واللهُ يَقُولٌ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ فَإِن لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمُ بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً".

وقد نزلت هذه الآيات في إبطال التبني، أي إبطال ترتيب آثار البنوة الحقيقية من الإرث وتحريم القرابة.

وذكر الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة بلقاسم القاسمي بأنه عند نزول الوحي بدأ القران يعيد بناء النمط المجتمعي فتم تحريم التبني في قوله تعالي "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"، وكذلك في الآية "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله".

وفي مقاصد التبني، لماذا حرّم الإسلام التبني وأجاز الكفالة؟ قال محدثنا علّة التحريم أن لا تختلط الأنساب وقد أكد الإسلام على ضرورة الإحسان إلى اليتامى وإكرامهم حيث أكد النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أنا وكافل اليتيم في الجنة"، مما يبرز عظمة جوانب الرحمة والتكافل الاجتماعي وتحقيق معاني التآلف والمودة بين أفراد المجتمع.

وذهب الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة بالقول أن الأحكام الشرعية عموما هي أحكام معللة وليس هناك حكم شرعي غير مرتبط بعلل هو ليس العقل منشأ للأحكام بل الشرع.

وأكد أن التبني محرم شرعا وهو معصية قد تتعدى المعصية ولذلك أبطل القرآن التبني، فالطفل الذي تدَّعيه هو دعيٌّ وليس ابنًا حقيقة، لا يجري في عروقه دمك، ولا دم زوجتك، ولا دم فصيلتك، ولا دم فصيلتها، وأسرتك وأسرتها.

في الشرع التبنِّي لا يجوز، ومن وقع فيه يجب أن يصلح الخطأ، بأن يذهب إلى المحكمة ويعترف بأن الولد ليس ولده، وبأنه تبناه، وربما بعض البلاد تعتبر هذا الأمر جريمة، فيها غرامة أو حبس، لكن في سبيل تصحيح هذا الخطأ، بل هذه الخطيئة، لا بد للإنسان أن يتحمل مسئوليته لأن هذا المتبنى سيظل واحدا من الأسرة ترث من هذه الأسرة وتنتسب إليها، وهي غريبة عنها، فهذا عمل سيئ وعليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة لأن الرجل في هذه الحالة ليس فقط يكسب إثما على هذه الفعلة، بل عليه إثمه، وإثم الذرية التي تنتسب إلى هذه الأسرة.

وفي نفس السياق أورد محدثنا الشيخ بلقاسم القاسمي أن العقل المجرد على الدين أصبح هو من يصوغ نمط مجتمعنا.

 

حرموا من دفء العائلة.. ونبذهم المجتمع:  تبني الأطفال فاقدي السند.. بين إنصاف القانون وتحريم الدين

 

* المعهد الوطني لرعاية الطفولة: 5 آلاف مطلب تبني وكفالة تقدمت إلى المؤسسة خلال العشر سنوات الأخيرة 

تونس – الصباح

حوالي 5 آلاف مطلب تبني تقدمت بها عائلات تونسية إلى المعهد الوطني لرعاية الطفولة خلال العشر سنوات الأخيرة بمعدل 500 مطلب سنويا، لتعرض فيما بعد هذه المطالب على اللجنة الوطنية للتبني والكفالة، وحسب مسؤولين بالمعهد فانه تم تمكين نصف العدد فقط من تبني أو كفالة طفل من المعهد بعد توفر جملة من الشروط ولا تتم عملية التبني أو الكفالة إلا بعد أن تتخلى العائلة الطبيعية (البيولوجية) عن طفلها نهائيا.

ملف من إعداد: جهاد الكلبوسي

ومنذ أن صدر قانون التبني في مارس 1958 أصبحت تونس الدولة العربية الأولى التي تشرّع للتونسيين المحرومين من الإنجاب تبني الأطفال أو كفالتهم، كما أصبح بإمكان الأطفال الأيتام أو مجهولي النسب التمتع بالحق في الهوية وبرعاية أسرية، وفي السنوات الأخيرة أثبتت الأرقام وجود عدد هام من الأطفال "مجهولي النسب" أو فاقدين للسند يعيشون بيننا حرموا من دفء عائلاتهم دون أي ذنب، ليجدوا أنفسهم بين أحضان مجتمع قاس لا يرحم..، ومنذ خروجهم لهذه الدنيا تم "تصنيفهم" اجتماعيا تحت مسمى "أولاد حرام"، "لقطاء" وغيرها من التسميات المهينة لبراءتهم ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا خارج منظومة الزواج.

ورغم أن الدراسات تؤكد أن الإيداع العائلي للطفل فاقد السند يبقى الخيار الأنسب له والأفضل من أن ينشأ داخل مؤسسات رعاية الطفولة، لكن تبقى  طول الإجراءات بالنسبة للتبني أو الكفالة عائقا كبيرا لدى ببعض العائلات وهو ما يدفعها إلى التراجع عن مطالبها، وفي هذا الإطار كانت  الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد طالبت بتسهيل إجراءات تبني الأطفال في تونس بما يتماشى مع المعايير الدولية المنظمة لحقوق الطفل، لان فترة الاستجابة لطلبات التبني تصل في المحاكم التونسية أحيانا إلى خمس سنوات.

كما انتقدت الرابطة وجود موانع تحول دون إقرار التبني لفائدة غير المتزوجين خلافا للمعايير الدولية في المجال، داعية إلى ضرورة العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان في قيمها الكونية التي تجيز وتضمن الحق في التبني.

وكشفت عن وجود طلبات من أسر أجنبية لتبني أطفال تونسيين من حاملي الإعاقة دون تقديم مزيد من التوضيحات حول عددها، مشددة على أن الرابطة تؤكد على حماية المصلحة الفضلى للأطفال من ذوي الإعاقة لدى إقرار إجراء التبني من عدمه.

وفي 2019 وخلال زيارات ميدانية قام بها عدد من أعضاء الرابطة لعدد من مراكز إيواء الأطفال ذوي الإعاقة خلصت إلى تسجيل نقص فادح في الإطار البشري الراعي للطفولة في هذه المراكز مما قد ينعكس سلبا على ضمان الرعاية اللازمة لهؤلاء الأطفال، حسب تقديرها.

وتعتبر المنظمة أن نشر ثقافة حقوق الإنسان وتطبيق المنظومة القانونية المنظمة للطفولة والالتزام بمواثيق حقوق الطفل ستمكن من تعزيز الإجراءات الحمائية للأطفال ذوي الإعاقة بالاعتماد على إجراء التبني خصوصا بعد قرار قضائي بإحدى محاكم العاصمة أجاز إقرار التبني لفائدة امرأة غير متزوجة لطفل من حاملي الإعاقة.

وكشفت دراسة حول حقوق الطفل ذي الإعاقة وفاقد السند العائلي أنجزتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أنه رغم تناغم الإطار التشريعي التونسي مع التشريعات الدولية على المستوى النظري إلا أن الواقع يبرز عديد الإشكاليات الجوهرية المتصلة خاصة بالعوامل الثقافية والتمثلات المنافية للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان كما يبدو غير ضامن لتكريس أبسط المعايير والضوابط التي يجب التقيد بها عند التعامل مع هذه الفئة من الأطفال.

مؤسسة الأسرة وبناء الشخصية الاجتماعية

ولئن تبقى مؤسسة الأسرة هي الوحدة الأساس في كلّ المجتمعات بصرف النظر عن الفروق الثقافية، فالأسرة لا تعمل على تلبية الحاجات الأولية للفرد من طعام ومأوى وملبس فحسب، ولكنها تلبي حاجاته الإنسانية الأخرى كالحاجة للحب والانتماء والعناية بالصحة والعقل والسلوك، ويرى المختصون أن بناء الشخصية الاجتماعية يتطلب أمرين حتى يصبح لديك طفل اجتماعي، أولا بإشباع حاجات الطفل النفسية، وثانيا إعداده لممارسة الحياة المستقبلية وكيف تربي ابنك اجتماعياً حتى يكون قادرا على التفاعل مع المحيط، ويستطيع أن يطلب حقه ويعطي غيره حقه دون أن يظلم أو يُظلم.

لكن في المقابل يحرم الأطفال اليتامى أو المجهولي النسب من تربية متكاملة الجوانب وهذا ما ينعكس سلبا علي توافقهم، واستقرارهم الاجتماعي، ويلجأ البعض منهم إلى الانتقام من واقعهم ومجتمعهم بصور شتى، أدناها العزلة وتدهور الحالة النفسية والسلوكية، أو الفشل في الدراسة وأعلاها الجريمة بأنماطها المختلفة، حيث يكونون عرضة للاضطرابات النفسية والاجتماعية، الناتجة عن شعورهم بالضياع الاجتماعي والنفسي، ويترتب علي ذلك اصطدامهم بالبنية الاجتماعية، وفي محاولة لإثبات وجودهم قد يلجأ بعضهم إلى الجريمة، كالسرقة، أو تعاطي المخدرات أو الانحرافات الأخلاقية، واضطرابات في السلوك، العدوانية الزائدة والسلوك الجانح تجاه البيئة المحيطة بهم للانتقام من الذات أحيانا ومن المجتمع أحيانا أخرى.

ومن هذا المنطلق رأى المسؤولون بالمعهد الوطني لرعاية الطفولة أن الإيداع العائلي أو تبني أو كفالة طفل قد تكون الحل الأنسب لنشأة العديد منهم خاصة الأطفال الذين لا سند لهم في الحياة بعد تخلي عائلتهم الطبيعية عليهم لأسباب عديدة منها التفكك الأسري أو بالنسبة للذين ولدوا خارج مؤسسة الزواج، لكن تبقى عملية التبني والكفالة خاضعة لجملة من الشروط التي يجب أن تتوفر في طالب التبني.

آليات الرعاية.. ودور العائلة البديلة

يحظى بعض الأطفال بفرصة التبني ليخرجوا من مؤسسات الرعاية الحكومية حيث تفيد بعض الدراسات التي سلطت الضوء على مفهوم الأسرة البديلة ودورها في إشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية للطفل اليتيم، أنها توصلت إلى نتيجة تتمثل في أن رعاية الطفل اليتيم داخل أسرة بديلة أفضل من إيداعه داخل مؤسسات الإيواء التي تهتم بإشباع الحاجات المادية لليتيم فقط، مما يترتب عليه العديد من المشكلات النفسية والاجتماعية خاصة بالنسبة للأطفال المولدين خارج إطار الزواج.

وقد أعلنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في تونس أنّ عدد الإشعارات بحالات الولادة خارج إطار الزواج تطور إلى 868 حالة سنة 2022 مقابل 802 حالات سنة 2021 أي بنسبة ارتفاع تساوي 8.2%، استنادًا إلى قاعدة بيانات شبكة مندوبي حماية الطفولة.

وتتوزع الولادات خارج إطار الزواج حسب جنس المولود، وفق الوزارة إلى 429 سنة 2020 و407 سنة 2021 من الأطفال الذكور، و408 سنة 2020 و395 سنة 2021 من الأطفال الإناث.

وتبين مختلف الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية أن غالبية هذه الولادات تسجل لدى فتيات عازبات تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، ويلاحظ أن المستويات التعليمية للأمهات العازبات، تتراوح بين الأمية التامة أو لا تكاد تتجاوز المرحلة الابتدائية وفي أفضل الأحول التعليم الثانوي، كما بينّت الدراسات أن تلك الفتيات تنتمين لأوساط اجتماعية ضعيفة اقتصاديا وتعليميا.

وبيّنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، أنّها تعتزم خلال السنة الجارية إنجاز دراسة متعدّدة الأبعاد حول الولادات خارج إطار الزواج وما يترتّب عنها من تهديدات مضاعفة تطال المرأة والطفل وتلقي بظلالها على الأسرة والمجتمع أيضا.

نحو التخلي عن تعهد المؤسسات للأطفال بلا سند

وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية أطلقت في 2015 مشروع الحملة الوطنية لتمكين كل طفل دون سند، سويا كان أو ذا إعاقة، من عائلة بديلة وذلك في إطار دعم التوجه نحو التخلي عن التعهد المؤسساتي للأطفال الفاقدين للسند العائلي الذي تنظمه الوزارة بدعم من منظمة اليونيسيف والحكومة الإيطالية تحت شعار "لكل طفل الحق في عائلة"، وهو مشروع ممول من الحكومة الإيطالية يهدف أساسا إلى دعم التوجه نحو التخلي المرحلي عن التعهد المؤسساتي للأطفال فاقدي السند وإرساء آلية التكفل الأسري والعائلي بهذه الفئة.

نزار السالمي مدير المعهد الوطني لرعاية الطفولة: المعهد يقوم بتشجيع تبني الأطفال.. كما نعمل على إعادة إدماج الطفل داخل عائلته الطبيعية

في حديثه لـ"الصباح" قال نزار السالمي مدير المعهد الوطني لرعاية الطفولة أن مهمة المعهد تتمثل في خلق وبعث سياسة عامة لرعاية الطفولة كما انه أوكلت له مهمة القيام بالدراسات والبحوث المتعلقة بمشاكل الطفولة وبالأخص مشاكل الطفولة المهملة والفاقدة للسند العائلي وباقتراح الإجراءات الوقائية والأعمال الملائمة لتحقيق الظروف المرضية لنمو الطفل نموا سليما ومتوازنا وذلك على ضوء هذه الدراسات وكذلك بإدارة كل مؤسسة ذات صبغة اجتماعية أو تربوية وكل مأوى أطفال يمكن أن يناط بعهدته من طرف الدولة.

وأضاف السالمي أن المعهد يقوم  بتشجيع تبني الأطفال وإيداعهم لدى العائلات وذلك طبقا للتشريع الجاري به العمل إلى جانب مساعدة الجمعيات الخاصة بالعناية بالطفولة والمؤسسات المختصة التابعة لها فنيا وماليا وكذلك المراقبة الفنية لهذه المؤسسات الخاصة وبالمساهمة في تكوين الإطارات التربوية المختصة، ويتعامل المعهد مع وحدات العيش من خلال الرقابة الدورية، كما يتعهد بنسبة كبيرة من الأطفال المولودين خارج إطار الزواج كما يتعهد بالأطفال الذين عاشوا تفككا اسريا ويودعون لدى المعهد بشكل مؤقت.

ويأوي المعهد قرابة 171 طفلا دون ست سنوات إلى جانب عدد من الأطفال موجودين في الإيداع العائلي المؤقت وهو أن تتعهّد عائلة بصفة مؤقتة لرعاية وتربية طفل أو أكثر من بين أطفال فاقدي السند العائلي لحين تسوية وضعياتهم القانونية والاجتماعية وذلك بتوفير وسط عائلي بديل يؤمن للطفل نموّا سليما ومتوازيا ويساعده على التأقلم مع المحيط الخارجي.

وحسب مدير المعهد يمكن أن يدوم هذا الإيداع من يوم إلى سنتين بالنسبة للإيداع المؤقت أو أكثر في حالات خاصة يكون فيها الإيداع طويل المدى، كما تحظى العائلة الحاضنة بمواكبة عملية التنشئة وتتلقى أيضا بالمقابل منحة ومساعدات مختلفة لفائدة الطفل.

وفي 2019 تقرّر الترفيع في المنحة المسندة لفائدة الأطفال المنتفعين ببرنامج الإيداع العائلي إلى 200 دينار شهريا وفق قرار صادر عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن ونشر بالرائد الرسمي عدد 95 لشهر نوفمبر الماضي.

وتخصّص هذه المنحة التي تسمى "منحة الإيداع العائلي" لفائدة الأطفال المقبولين في نظام الإقامة بالمراكز المندمجة للشباب والطفولة والذين عهد بهم إلى عائلاتهم البيولوجية أو عائلات بديلة قصد تسديد المصاريف التي تستدعيها العناية بالأطفال وتربيتهم.

ويبلغ عدد وحدات عيش الأطفال  14 موزعة على ولايات، أريانة  – سوسة – المنستير – المهدية – قفصة – قابس – مدنين – القيروان – نابل (02) – بنزرت - صفاقس- تونس(02)، وتحتضن وحدات العيش الأطفال حديثي الولادة والذين لا يتجاوز سنهم السنتين وتشرف على تسيير هذه الوحدات جمعيات الطفولة الفاقدة للسند ويتمثل دعم الدولة لهذه الجمعيات من خلال المتابعة الفنية والدعم المادي الذي تتمتع به الجمعية من خلال إبرام عقد برنامج يتم المصادقة عليه ضمن لجنة التمويل العمومي.

وحسب السالمي فان طاقة استيعاب وحدات العيش 12 طفلا ولا تتجاوز مدة إقامة الأطفال بهذه الوحدات السنتين على أقصى تقدير ويتم سنويا إبرام عقود برامج مع هذه الجمعيات تتحصل على إثرها على منحة تسيير من وزارة الشؤون الاجتماعية.

وعلى مستوى السياسات الاجتماعية أكد السالمي انه سيتم العمل على تحيين الأطر التشريعية والتنظيمية إلى جانب الرؤية الوقائية لضمان مشروع حياة للطفل يتماشى مع خصوصياته وعلى هذا الأساس سيتم تحسين التشريعات والقوانين التي تخص التعهد الاجتماعي.

وتحدث رئيس المعهد على وجود فريق متكامل داخل المعهد يضمن عدد من الحاضنات في الصف الأول ويبذلن مجهودا هاما إلى جانب عدد من أعوان الرعاية من مربين وأخصائيين نفسانيين وأخصائي تغذية وعلاج طبيعي وتقويم نطق، كما أن المعهد وجد لضمان الحماية الاجتماعية المؤقتة للأطفال فاقدي السند وله رؤية كاملة.

كما أشار محدثنا إلى ضرورة العمل على إعادة إدماج الطفل داخل عائلته الطبيعية، أما بالنسبة للتبني فقد نص القانون عدد 27 لسنة 1958 المؤرخ في 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني عن جملة من المقاييس المعتمدة لانتقاء العائلات المترشحة لاحتضان أطفال محضوني الدولة.

 وبالنسبة لإصلاح المنظومة الرعائية المؤسساتية للطفولة الفاقدة للسند أكّدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، آمال موسى منذ أيام خلال افتتاح ملتقى دراسي حول الطفولة الفاقدة للسند أنّ لحظة الإصلاح قد دقّت وحان ميعادها وأنّ مسار إصلاح المراكز المندمجة للشباب والطفولة انطلق وفق مقاربة قائمة على المصلحة الفضلى للطفل والحوكمة الناجعة لمنظومة الرعاية ككلّ.

ويوجد في تونس 22 مركزا مندمجا للشباب والطفولة موزعة على17 ولاية وتسدي خدماتها لـ2057 طفلا فاقدي السند يتوزعون بين 306 طفل بنظام الإقامة و1464 طفلا بنظام الوسط الطبيعي و287 طفلا بنظام الإيداع العائلي، مشيرة إلى تعهّد هذه المراكز منذ سنة 1973 بحوالي 27 ألف طفل فاقد للسند وأنّ التكلفة الجمليّة للطفل مكفول الدولة بنظام الإقامة الكاملة تبلغ 32 ألف دينار.

وتعمل المراكز المندمجة للشّباب والطّفولة علـى رعايـة الأطفال إلـى غايــة زوال حالــة التّهديــد فــي إطــار مشــروع حيــاة خــاصّ بــكلّ طفــل مــن أجــل تمكينــه مــن الاندماج فــي المجتمــع. وتوفـّـر خدمـات متعـدّدة ومتنوّعـة سـواء بصيغـة الإقامة أو نصـف الإقامة، حيـث تتولـّى تأميـن المتابعـة التّربويّـة للأطفال المكفوليــن (مرافقــة تربويّــة ومدرســيّة، متابعـة نفسـيّة، رعايـة اجتماعيّـة وصحيّـة...) وتوفيـر خدمــات الّتنشــيط التّربــويّ والاجتماعيّ للأطفال المكفوليــن بالمؤسّســة وأطفــال الجــوار مــن خــلال إتاحـة فـرص لأنشـطة تكوينيـّة وترفيهيـّة ذات طابـع ثقافــيّ ورياضــيّ وفنّــي وعلمــيّ لتحقيــق تــوازن الأطفال.

واعتبرت الوزيرة أنّ عمليّة الإصلاح انطلقت بعد التّقييم الأوّليّ لعمل هذه المؤسّسات، مضيفة أنّ التقييم شمل مؤشرات النّتائج المدرسيّة ومدة إقامة الطّفل بالمؤسّسة والاندماج في المجتمع وانفتاح المؤسّسة على محيطها الخارجي وكفايات الإطار التّربوي والمختصّ إلى جانب البنيّة التّحتيّة للمؤسّسة والإطار القانونيّ المنظّم للفئة المستهدفة بالتّدخل، ناهيك ضرورة مراجعة خطّة المربّي الداخلي.

وأكّدت أنّ الإيداع في مؤسّسات الرّعاية لا يمكن أن يكون إلاّ ملجأ أخيرا اقتضته مصلحته الفُضلى بعد استيفاء جميع الحلول الممكنة لإبقائه في وسطه الأسري الطّبيعي أو البديل، مبرزة أنّ الوزارة تعمل بالتوازي على إيجاد بدائل للرعاية المؤسّساتية من خلال مزيد التشجيع على الإيداع العائليّ للأطفال الفاقدين للسند وتعزيز الإطار البشريّ المختصّ داخل مؤسسات الرعاية، إلى جانب العمل  وفق مقاربة تشاركيّة بين مؤسّسات الدّولة وهياكل المجتمع المدنيّ على حماية الأسرة من التّفكك من خلال  البرامج الّتي تُعنى بالقضاء على العنف والتّمكين الاقتصاديّ للأسر وبرنامج الوالديّة الإيجابيّة والوساطة العائليّة.

ويجري حاليا الاستعداد لإحداث أوّل مركز مختصّ للتعهّد بالأطفال ذوي الوضعيّات الصعبة الذي يجنحون لبعض السلوكيات المحفوفة بالمخاطر ويتكرر هروبهم وغيابهم عن مراكز الرعاية، مبيّنة أن هذا المركز سيكون معزّزا بالإطار البشري المختصّ والإمكانيات المناسبة لحسن التعاطي مع هذه الفئة من الطفولة الفاقدة للسند وضمان إعادة تأهيلهم وإدماجهم وتحقيق مصلحتهم الفضلى.

 ولئن كانت تونس سباقة في سن قانون للتبني لكن أحكام الشريعة تقول العكس الأمر الذي أدى إلى وجود مفارقة بين النص القانوني والنص الديني.

جابر غنيمي الدكتور في القانون والمساعد الأول لوكيل الجمهورية بسيدي بوزيد لـ"الصباح": التبني أصبح أمرا عاديا في المجتمع التونسي.. وهذا ما جاء في المشرع بخصوصه..

قال الدكتور في القانون والمساعد الأول لوكيل الجمهورية بسيدي بوزيد جابر غنيمي أن أول قانون صدر بخصوص التبني هو القانون عدد 27 المؤرخ في 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني.

ومن شروط التبني ينبغي أن يكون المتبنى شخصا رشيدا ذكرا أو أنثى متزوّجا متمتعا بحقوقه المدنية ذا أخلاق حميدة سليم العقل والجسم وقادرا على القيام بشؤون المتبنى. ويمكن للحاكم إعفاء طالب التبنّي الذي فقد زوجه بالموت أو بالطلاق من شرط التزوّج إذا اقتضت مصلحة الطفل ذلك.

يتمّ عقد التبنّي بحكم يصدره حاكم الناحية بمكتبه بمحضر المتبني وزوجه أو عند الاقتضاء بمحضر والدي المتبنى أو من يمثل السلطة الإدارية المتعهدة بالولاية العمومية على الطفل الكفيل. ويصدر حاكم الناحية حكمه بالتبني بعد التحقق من توفر الشروط القانونية ومن مصادقة الحاضرين.

أمّا بالنسبة إلى الآثار، فإنّ الكفالة لا تحدث إلاّ نظام رعاية أدبية ومادية لفائدة الطفل، في حين يؤثّر التبنّي على النسب بإحداث نسب اعتباري هو النسب بالتبنّي، حيث اقتضى الفصل 14 من قانون 4 مارس 1958 أن "يحمل المتبنّى لقب المتبنّي ويجوز أن يبدل اسمه، وينص على ذلك بحكم التبنّي بطلب من المتبنّي".

وقال الدكتور في القانون والمساعد الأول لوكيل الجمهورية بسيدي بوزيد جابر غنيمي أن التبني أصبح أمرا عاديا في تونس وحتى في الأوساط الريفية خاصة بالنسبة للغير قادرين على الإنجاب.

وتحدث عن أحكام نظام التبني في القانون التونسي الذي اشترط أن يكون الطفل المتبني قاصرا سواء كان ذكرا أم أنثى  وأن يكون الفارق في السن بين طالب التبني والمتبني لا يقل عن 15 سنة يوم إصدار الحكم بالتبني.

كما ألزم المشرع الزوج الأخر الموافقة على التبني إذا كان طالب التبني من احد الزوجين مع ضرورة حضور والدي المتبني أو ممثل السلطة الإدارية إذا كان مودعا لدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أمام مكتب القاضي و كذا الأمر بالنسبة لطالب التبني وزوجه.

وسمح المشرع التونسي على جواز تبني الطفل القاصر الأجنبي من طرف الشخص التونسي.

وتتمثل إجراءات إصدار الحكم القاضي بالتبني  في تقديم طلب إلى القاضي المختص وحضور كل من طالب التبني وزوجه وكذلك حضور والد المتبني أن وجد أو ممثل السلطة الإدارية إلى مكتب القاضي  مع ضرورة موافقة زوج طالب التبني  إلى جانب إجراء تحقيق مع مراعاة مصلحة الطفل الفضلى.

وأجازت الأحكام القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 27 سنة 1958 على إمكانية تعديل الحكم القاضي بالتبني وذلك مراعاة لمصلحة الطفل المتنبي إذا تعرضت صحته وأخلاقه للخطر، إذ يمكن خلعه من طالب التبني وضمه إلى شخص أخر جدير بالرعاية و الحماية .

وتتمثل الآثار المترتبة عن التبني  في حمل المتبني اسم متبنيه  ومعاملته معاملة الابن الشرعي وإعطائه نفس الحقوق والواجبات الممنوحة للابن الصلبي وتظل موانع الزواج من الأقارب قائمة فلا يجوز له التزوج من أسرته.

*  بلقاسم القاسمي الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة: النص الديني هو الفاعل في بناء المجتمع والتبني معصية وقد يتعدى المعصية

الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة بلقاسم القاسمي أكد وجود مفارقة بين الجانب القانوني والشرعي لمسالة التبني، حيث قال إن النص الديني هو الفاعل في بناء النمط الاجتماعي وفي صياغة العلاقات الاجتماعية وأن العقد الاجتماعي مبني على النصوص الشرعية.

وأضاف بان التبني كان جائزا في عهد الجاهلية فكان في المجتمع الجاهلي في العرب أبناء لا يعرف لهم آباء، وكان الرجل منهم يعجبه أحد هؤلاء الأبناء فيتبناه، يدعوه ابنه، ويلحقه بنسبه، فيتوارث وإياه توارث النسب الصحيح، وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون، ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء الأبناء فيأخذه لنفسه ويتبناه، ويلحقه بنسبه، فيعرف باسم الرجل الذي تبناه.

واستمر العمل بالتبني على ما كان عليه زمن الجاهلية إلى أن نزل تحريمه في القرآن الكريم بقول الله تعالى:" مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءَكٌمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ واللهُ يَقُولٌ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ فَإِن لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمُ بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً".

وقد نزلت هذه الآيات في إبطال التبني، أي إبطال ترتيب آثار البنوة الحقيقية من الإرث وتحريم القرابة.

وذكر الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة بلقاسم القاسمي بأنه عند نزول الوحي بدأ القران يعيد بناء النمط المجتمعي فتم تحريم التبني في قوله تعالي "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"، وكذلك في الآية "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله".

وفي مقاصد التبني، لماذا حرّم الإسلام التبني وأجاز الكفالة؟ قال محدثنا علّة التحريم أن لا تختلط الأنساب وقد أكد الإسلام على ضرورة الإحسان إلى اليتامى وإكرامهم حيث أكد النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أنا وكافل اليتيم في الجنة"، مما يبرز عظمة جوانب الرحمة والتكافل الاجتماعي وتحقيق معاني التآلف والمودة بين أفراد المجتمع.

وذهب الدكتور في العقيدة والفلسلفة بجامعة الزيتونة بالقول أن الأحكام الشرعية عموما هي أحكام معللة وليس هناك حكم شرعي غير مرتبط بعلل هو ليس العقل منشأ للأحكام بل الشرع.

وأكد أن التبني محرم شرعا وهو معصية قد تتعدى المعصية ولذلك أبطل القرآن التبني، فالطفل الذي تدَّعيه هو دعيٌّ وليس ابنًا حقيقة، لا يجري في عروقه دمك، ولا دم زوجتك، ولا دم فصيلتك، ولا دم فصيلتها، وأسرتك وأسرتها.

في الشرع التبنِّي لا يجوز، ومن وقع فيه يجب أن يصلح الخطأ، بأن يذهب إلى المحكمة ويعترف بأن الولد ليس ولده، وبأنه تبناه، وربما بعض البلاد تعتبر هذا الأمر جريمة، فيها غرامة أو حبس، لكن في سبيل تصحيح هذا الخطأ، بل هذه الخطيئة، لا بد للإنسان أن يتحمل مسئوليته لأن هذا المتبنى سيظل واحدا من الأسرة ترث من هذه الأسرة وتنتسب إليها، وهي غريبة عنها، فهذا عمل سيئ وعليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة لأن الرجل في هذه الحالة ليس فقط يكسب إثما على هذه الفعلة، بل عليه إثمه، وإثم الذرية التي تنتسب إلى هذه الأسرة.

وفي نفس السياق أورد محدثنا الشيخ بلقاسم القاسمي أن العقل المجرد على الدين أصبح هو من يصوغ نمط مجتمعنا.