إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فشلت في إسقاط نظام بورقيبة ونفذ فيها 11 حكما بالإعدام.. "عملية قفصة" أمام العدالة الانتقالية

 

 

تونس-الصباح

أجلت أمس الأول الدائرة القضائية المختصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية في ملف أحداث قفصة 26 جانفي 1980 أو ما عرف بأحداث قفصة المسلحة الى جلسة 30 أكتوبر القادم.

مفيدة القيزاني

وخلال الجلسة لم يحضر من ينوب عن الضحايا فتم تأجيل البت في الملف الى السنة القضائية القادمة.

وللاشارة فإن أحداث قفصة هو الاسم الذي أطلق على العملية المسلحة التي قام بها كوموندوس من المعارضين التونسيين خلال الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي من سنة 1980 حيث تولّى مسلحون قدّر عددهم بحوالي 60 مسلّحا ينتمون جميعهم إلى فصائل المعارضة التونسية ذات التوجهات القومية وآخرون ينتمون إلى التيّار اليوسفي في تونس إلى الاستيلاء على المدينة قبل أن يوجّهوا دعوتهم للأهالي للانضمام إلى الثورة المسلّحة والإطاحة بالنظام البورقيبي بعد أن جمعتهم الرغبة في تغيير الأوضاع في تونس بعد القمع الذي تعرّضت له الحركة النقابية عام 1978.

وردّت السلطة آنذاك التي استنجدت بفرنسا بعنف كبير وتمكّنت من السيطرة على المجموعة واعتقال معظم عناصرها الذين أُحِيلُوا على المحاكمة، وتمّ الحكم حضوريا بإعدام 11 منهم ونُفِّذَ فيهم الحكم فجر 17 أفريل من نفس السنة أي بعد العملية بـ 80 يوما فقط.

وأدت العملية إلى تأزم حاد في العلاقات بين تونس وليبيا وأثرت على مدى ثقة الحكومة التونسية بالنظام الجزائري.

سياق العملية..

تمت العملية في ظل الذكرى الثانية للإضراب العام، الأول منذ الاستقلال الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل، بقيادة الحبيب عاشور، في 26 جانفي 1978 دفاعا عن هياكله في وجه محاولات الحكومة والحزب الاشتراكي الدستوري إخضاعه بالقوة.

وكان بورقيبة مقيما في نفطة لدى حدوث العملية، واتخذ بعض الإجراءات الانفتاحية لتهدئة المعارضين، ورد الاعتبار للمطرودين من الحزب الحاكم، وتنفيس الاحتقان مع الاتحاد، وفي الوقت نفسه طرد القذافي عشرات الآلاف من العمال التونسيين، لتأزيم الوضع الاجتماعي، وإرباك حكومة الهادي نويرة الذي كان من أشد المعارضين لوحدة جربة.

ووفق بعض الدراسات فقد كانت مدينة قفصة يوم الهجوم شبه خالية من أي وجود عسكري حقيقي حيث كان فوج المشاة المرابط بالمدينة في مهام دورية ومراقبة في الصحراء وعلى الحدود مع ليبيا حيث كان الجيش الليبي حينها يقوم بمناورات قريبة من الحدود ولم يتواجد في القاعدة العسكرية التي تنقسم بدورها إلى ثكنة خارجية وثكنة داخلية سوى فصيل للحراسة

وفصيل قيادة ومصالح وفصيل تابع لفوج الشرف كان عائدا من استقبال بورقيية في مدينة توزر القريبة، و300 مجند مستجد عزل وخاضعين لتطعيم التي.أ.بي الذي يستوجب راحة بـ48 ساعة وطائرتا"ميراج" تقومان بطلعة استطلاعية غير أنهما سرعان ما فرتا بعد إطلاق النار نحوهما.

وبدأ الهجوم على الساعة الثانية فجرا من يوم 27 جانفي على القاعدة العسكرية بالأسلحة الخفيقة والمتوسطة ونتج عنه بحلول الثامنة صباحا اقتحام الثكنة الخارجية بعد وقوع قتلى وجرحى من الطرفين ونقل 300 مجند مستجد إلى القاعة الرياضية كأسرى إضافة إلى حافلة ركاب جزائريين كانت متجهة إلى طرابلس كما تم قتل عدد من المدنيين الذين رفضوا حمل السلاح والاشتراك في العملية في حين واصلت الثكنة الداخلية القتال والمقاومة ولم يتمكنوا من اقتحامها.

شهادة قائد الفوج 14..

كشف قائد الفوج 14 العسكري سابقا لـ"الصباح" عدة حقائق حول أحداث قفصة العقيد بالطيب وبين أنه "عند الاقتراب من قرية ماجل بلعباس، كثرت الحواجز في الطريق وتواجد أعوان الحرس الوطني، وكلما سألت الأعوان عن الوضع في قفصة إلا وقيل إن المدينة تحت سيطرة المتمردين وعن وضعية ثكنة احمد التليلي التي هي هدفي الأول نظرا لموقعها الاستراتيجي حيث تتحكم في مدخل قفصة المدينة إلا وقيل لي إنها تحت سيطرة المتمردين أيضا إلى أن وصلت مقدمة الفوج على مسافة بعض الكيلومترات من ثكنة احمد التليلي بقفصة، وكانت الشمس تنحدر للغروب وكان لزاما علينا أن نطوقها ونقتحمها وبالتالي تحريرها وجعلها قاعدة الانطلاق لتمشيط المدينة وتسليمها للسلط المدنية في ظروف طيبة والقبض على المتمردين وتسليمهم للعدالة وهنا أريد أن أشير إلى بعض الأوامر التي أعطيتها لأفراد الفوج (ضباطا وضباط صف وجنودا)، أولا عدم الاعتداء على المواطنين ودخول ديارهم والمس بأرزاقهم وعائلاتهم وكرامتهم، ثانيا عدم استعمال الذخيرة الحية إلا بإذن المسؤولين عليهم، ثالثا عدم قتل أي متمرد إلا في حالة الدفاع عن النفس ومحاولة القبض عليهم أحياء لمنحهم فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام المحاكم، وبالتالي استفادة السلطة من بحثهم وتصريحاتهم والوصول إلى من وراءهم.

رابعا عدم الإساءة لهم، ومعاملتهم معاملة حسنة، خامسا تسليمهم فورا لقيادة الفوج لتسلمهم بدورها إلى من يهمه الأمر بعد الاستفادة منهم بمعلومات تتصل بسير العمليات، سادسا يمنع منعا باتا على أمراء السرايا وجنودهم تنفيذ أي أمر مها كانت السلطة إلا عن طريق قيادة الفوج.

التعامل مع المتمردين..

وعن العملية العسكرية لدحر التمرد المسلح يقول العقيد عز الدين بالطيب "أعطيت الأوامر للسرية الأولى للترجل وتطويق الثكنة والسرية الثانية للمساندة عند الحاجة ولكن فوجئت بخبر من طرف آمر السرية الأولى بأن الثكنة مهجورة من المتمردين ولا يوجد بها إلا زمرة من بقايا الفوج الثاني عشر (الحراسة) في حالة رثة فأمرت آمر السرية بجمع أفراده والالتحاق بالسيارات وأخذ مكان السرية الثانية التي أمرتها بمواصلة الطريق إلى مدينة قفصة حيث توجد ثكنة المدينة علما أننا لا نعرف شيئا عن المدينة والثكنة التي بداخلها .«

اطلاق النار..

بعد غروب شمس ذلك اليوم يقول العقيد بالطيب " سمعنا بعض الطلقات النارية عند مرورنا بالوادي الذي يفصل بين مدينة قفصة وثكنة أحمد التليلي ولكني أصدرت الأوامر لعناصر الفوج بمواصلة الطريق وعدم الاكتراث بالطلقات النارية حتى ولو خلفت ضحايا تفاديا لكمين جر الفوج إلى مناوشات ليلية غير مجدية مع المسلحين قد تتسبب لنا في أضرار جسيمة نحن في غنى عنها وتحيدنا عن مهمتنا الأصلية خاصة أن المعارك الليلية معقدة جدا ولا بد من تنظيمها مسبقا إلى أن وصلت مقدمة الفوج إلى أبواب ثكنة المدينة وكانت والحمد لله تحت حراسة ثلة من الفوج الثاني عشر تحت قيادة الملازم (يعقوبي) الذي أبلى البلاء الحسن في الدفاع عن الثكنة ولكن السيطرة خارج محيط الثكنة كانت للمتمردين حيث كانت نيران أسلحتهم الرشاشة تسيطر على الثكنة من أعلى مباني المدرسة الابتدائية التي تشرف على الثكنة ومن أعلى صومعة المسجد التي تشرف على المدينة ومن ضمنها الثكنة" .

وأضاف" عند وصول المقدمة إلى مدخل ثكنة المدينة أبلغني آمر السرية بأنه لاحظ وجود قنبلة يدوية في مدخل الثكنة لم تنفجر فأمرته بتفاديها وعدم لمسها وإحاطتها بعلامة بالحجارة حتى يتمكن بقية الفوج من الدخول بسلام".

جثث في السيارات..

يقول العقيد بالطيب " التحقت عناصر الفوج في ساعة متأخرة من الليل بالثكنة تحت وابل من الرصاص الذي أطلقه المتمردون من فوق سطح المدرسة الابتدائية وصومعة الجامع.. ورغم ذلك فإننا امتنعنا عن الرد عليها حتى لا يقع اكتشاف مصادر نيراننا".

وذكر أنه لاحظ بالقرب من مدخل المدينة، وتحديدا قرب المفترق عدة سيارات، مضيفا " أعتقد أنها تحمل مواد غذائية وخضرا وغلالا إضافة إلى بعض الجثث التي أظنها لأصحاب تلك السيارات، وللأمانة فإننا لم نقترب منها حينها لخطورة الوضع وأمرت أفراد الفوج بعدم التحرك حتى الصباح وعدم إضاءة الغرف".

يقول العقيد "بعد التأكد من وصول جميع أفراد الفوج وسلامته شرعت في تنفيذ الجزء الثاني من المهمة وهو الاتصال بالعقيد القنوني المرابط بالمطار وتنسيق العمليات معه فاصطحبت معي مجموعة حراسة وسلكنا طريق المطار ولكن سرعان ما غمرتنا نيران المتمردين وتحديدا من المدرسة الابتدائية وصومعة الجامع فانسحبنا بصعوبة زحفا ورجعنا إلى الثكنة تحت تغطية من نيران مجموعة حراسة الفوج الثاني تحت إمارة الوكيل علي زغدود لذلك عدلنا على تنفيذ هذه المرحلة من المهمة وقررت تحمل المسؤولية بمفردي، وبعد وقت وجيز من رجوعي إلى الثكنة اتصل بي المقدم الطاهر بوبكر وأعلمني أنه وصل وكان قائد حامية القصرين وصل إلى مركز الولاية بقفصة لحراستها وعرض علي أن يبعث لي إحدى الدبابات للتنقل إلى مركز الولاية لكني رفضت الطلب لأنه من غير المعقول أن أترك عناصر فوجي كما أن التنقل ليلا يعرضني للخطر لأن المتمردين يمتلكون قاذفات صواريخ ضد الدبابات، لذلك قضينا تلك الليلة تحت نيران المتمردين وعند الصباح الباكر تجمعنا لدراسة الوضع والشروع في تنفيذ المهمة علما ان الطلق الناري توقف وهو ما يدل على أن المتمردين انسحبوا من مخابئهم… وبعد توزيع الفطور والقهوة على الجنود شرعنا في إعداد تركيبة الفوج والانطلاق لتمشيط المدينة لكن فوجئت بوجود شخصين يريدان مقابلتي، الأول سلمني رسالة خطية يقول انه وجدها تحت جدار المعهد الثانوي، والثاني يقول انه يعرف منزلا بحي النور يحتوي على معدات حربية كثيرة ومختلفة وأسلحة وذخيرة فقررت فورا تكليف مجموعة لاقتحام المعهد الثانوي، وتحرير ما يقارب سبعين فتاة محتجزات داخله من طرف الثوار حسب ما ورد في الرسالة وطلب النجدة فيما كلفت فرقة ثانية لاصطحاب المواطن والتعرف على المنزل المذكور بحي النور".

70 رهينة..

يقول العقيد" بعد تبادل لإطلاق نار كثيف نجحنا في تحرير الفتيات فيما فر المتمردون، بعد ذلك اتصلت بمدير المعهد الذي يسكن داخل فضاء المعهد والذي كان مذعورا حتى إنه طلب منا حمله إلى الغابة لتأكله الذئاب على أن يبقى على تلك الحالة فهدأنا من روعه ووفرنا له الحراسة والمواد الغذائية والحليب".

أما العملية الثانية المتمثلة في تمشيط المدينة فقال إنه قسمها إلى مناطق" وكلفت كل أمراء السرايا بالقيام كل بدوره واتجهنا مباشرة تحت الحراسة إلى المنزل الذي قيل إنه يحتوي على أسلحة وذخيرة فوجدناه خاليا من المتمردين وتحت حراسة أفراد الفوج والذي تبين أنه مستودع كبير، فأوصيت بتشديد الحراسة عليه، ثم بعثت عدة شاحنات نحو ذلك المنزل وأخليت ما كان به وهو حمولة 8 شاحنات Unimog من مختلف الأسلحة والذخيرة ومعدات الاتصال اللاسلكي والسلاح الأبيض والقذائف ".

تمشيط ومطاردة..

" ثم واصل أفراد الفوج التمشيط وألقوا القبض على بعض المتمردين بينهم من كان بصدد حلاقة لحيته ومنهم من كان يستقل دراجة ومنهم من التحق بالجبال ومن ثم قمنا بمطاردة البقية بين جبل عرباطة وجبل بوهدمة والقرى القريبة من قمم الجبال واخص بالذكر منهم المرغني رئيس المجموعة واثنين من رفاقه الذين التجأوا إلى جبل عرباطة وجبل بوهدمة مرورا بقرية بوعمران قصد التسلل إلى الجنوب الشرقي والرجوع إلى ليبيا، أما الساكري أصيل مدينة مكناسي فقد تسلل إلى المدينة ليلا وتحصن داخل منزل أبيه معلنا انه سيقتل كل من يقترب منه فأمرت بتطويق المنزل وعدم الاقتراب منه حتى تنفذ ذخيرته ليستسلم عن طواعية تفاديا لإراقة الدماء لأن الرجل مصمم على عدم الاستسلام حتى آخر لحظة خاصة وانه ارتكب عدة جرائم قتل ويعرف أن مصيره الإعدام لذلك فإنه لن يتوانى عن المزيد من القتل قبل أن نتفاجأ به يطلب مقابلة المعتمد والعمدة للتفاوض معهما ولكني رفضت لأنه بلغني بأنه ينوي قتلهما في إطار تصفية حسابات شخصية بينهم، واقترحنا عليه في المقابل التفاوض مع أبيه الذي قيل إنه من قدماء المقاومين وفعلا تم ذلك دون إراقة دماء، إذ أقنعه بأن يسلم نفسه للعدالة وهو ما تم فعلا "

تعقب المسلحين..

يقول العقيد بالطيب" بعد أن تأكدنا من خلو قفصة من جميع المخاطر انتقلنا إلى منطقة لالة حيث تقاسمنا مع أعوان حرس المرور مركزهم لمدة يومين أو ثلاثة ثم لما تأكدنا من خلو المدينة وضواحيها من العناصر المسلحة المتبقية على قيد الحياة انتقلنا بالمقر إلى قرية سيدي منصور على طريق قابس وركزنا مقر قيادة الفوج بالمدرسة الابتدائية لملاءمة المكان للقيام بعمليات المطاردة والتمشيط بجبال عرباط وبوهدمة، كما تم تعزيز الفوج بسرية دبابات( chark ) نمساوية الصنع وبعد يوم أو يومين بلغنا أن المرغني واثنين من رفاقه يحتمون بقمم الجبال بمنطقة بوعمران ويحاولون التسلل إلى الحدود الليبية فأسرعنا على متن مروحية للتأكد من الخبر فتبين انهم غادروا المكان وتسللوا عبر وادي عميق تحت ظلام الليل نحو طريق قفصة – قابس دون أن يتفطن لهم طاقم الدبابة ثم اتجهوا نحو الحامة باتجاه جبل "بيشة" حيث قمنا بتمشيط المنطقة بواسطة مروحية إلى أن غربت الشمس فقررنا العودة للمقر بقرية سيدي منصور خشية نفاذ المحروقات".

وأضاف العقيد بالطيب" استغل الثلاثي المسلح بقيادة المرغني الظلام واقتربوا من جبل "بيشة" قرب الحامة ففوجئوا بجميع الطرق والمسالك مراقبة من الجيش والأمن والمواطنين وعجزوا عن اجتياز الحواجز فعادوا على أعقابهم حتى أتوا على منزل به غرفة مملوءة تبنا فاختبأ فيها المرغني فيما اختفى مرافقاه وفرّا نحو مكان آخر ".

امرأة كشفت مخبأ المرغني..

عن تفاصيل عملية القبض على المرغني قال مدحدثنا" بعد يوم أو يومين وردت على وزارة الدفاع معلومة مفادها بأن امرأة من بني خداش شاهدت المرغني ومرافقيه داخل حديقة منزلها فتلقينا أمرا من وزارة الدفاع بالتوجه فورا بكامل وحدات الفوج إلى ولاية مدنين وقطع طريق بني خداش ومدنين وغمراسن والبئر الأحمر ومراقبة المنطقة الكائنة بين سلسلة الرمال غربي بني خداش والسهول الواقعة تحت منحدر مياه الجبال بما في ذلك الطرق المذكورة، لذلك أبرقت لجميع سرايا الفوج بالنزول فورا من جبال بوهدمة وعرباطة والتجمع في الطريق الرابطة بين قفصة وقابس ثم التوجه إلى مدنين مرورا بقابس وتركت حرية التنقل لأمراء السرايا كل حسب ظروفه مع التأكيد على عدم السرعة واحترام ضوابط التنقل والاحتفاظ بأجهزة المخابرات (الاتصال) مفتوحة ثم أسرعت مع سرية القيادة وقيادة الفوج وسرية الاحتياط للالتحاق بمنطقة الفوج الجديدة ".

ويضيف العقيد " وصلنا مدينة مدنين في ساعة متأخرة من الليل واتجهنا مباشرة إلى مركز الولاية حيث وجدت والي مدنين صالح البحوري في انتظاري مرفوقا بالعقيد بوبكر بن كريم آمر وحدات الصحراء وبعد التنسيق معهما واصلت الطريق رفقة الفوج إلى قصر الحدادة الذي تم ترميمه وتجهيزه واستعماله كاستراحة سياحية لقوافل السياح حيث وجدت مدير المؤسسة في انتظاري وقد أخلى أحد أجنحة الاستراحة بأمر من والي مدنين حيث حولناه إلى مقر مؤقت لقيادة الفوج وفي الصباح بادرنا بإرسال الدوريات ونصب الحواجز على الطرقات ومراقبة وتفتيش المنطقة الرملية الواقعة غرب الجبال بالاستعانة بالمروحيات وفي النهار التحقت بقية وحدات الفوج بالمنطقة حيث تمكنا بالتنسيق مع مختلف الوحدات العسكرية والأمنية من القبض على المرغني وبقية الفارين المطلوبين للعدالة لتنتهي العملية العسكرية".

الاعدام..

هذه القضية حملت الكثير من التفاصيل التي بقيت مخفية على الرأي العام حيث اتهم بورقيبة هؤلاء المنفّذين للعملية بالخيانة وسمّوا بالمرتزقة واعتبرهم البعض الآخر من الشعب التونسي "مناضلون في سبيل تحرير تونس من استبداد النظام البورقيبي"

وقد توفي في العملية كل ّ من: عمر البحري؛ الناصر الكريمي وصالح البدري.

في حين تمّ تنفيذ الإعدام في أحمد المرغني، عزّ الدين الشريف، محمد صالح المرزوقي، نور الدين الدريدي، محمّد الجمل، محمّد الحميدي، الجيلاني الغضباني، عبد الحكيم الغضباني، محمّد علي النواش، عبد الرزاق سالم نصيب، عبد المجيد الساكري، عمار المليكي، العربي الورغمي وعبد الرؤوف الهادي صميدة .

في حين حكم بالإعدام غيابيا على كلّ من عمارة ضو بن نايلة وعمارة ضو مانيطة.

من هما قائدا المجموعة..

يذكر أن قائدي المجموعة المسلحة هما عز الدين الشريف وأحمد المرغني تلقيا الدعم من نظام القذافي وتحديدا من مكتب الاتصال الخارجي إحدى مؤسسات جهاز الاستخبارات الليبي لضرب النظام التونسي وقلب الحكم بتونس.

عز الدين الشريف: القائد السياسي للمجموعة المسلحة أصيل مدينة قفصة، درس لمدة سنتين بالمدرسة الفرنسية العربية قبل أن يلتحق بفرع جامع الزيتونة بقفصة سنة 1948 حيث أحرز على شهادة الأهلية، ثم واصل دراسته بالجامع الأعظم حيث أحرز على شهادة التحصيل قبل أن ينتمي إلى شعبة الآداب واللغة العربية.. في سنة 1957 عمل في سلك التعليم الابتدائي بعد مشاركته في مناظرة في الغرض.. شارك سنة 1962 في المحاولة الانقلابية لمجموعة لزهر الشرايطي للإطاحة بنظام الحكم مما أدى إلى سجنه 10 سنوات مع الأشغال وبعد انقضاء العقوبة بما في ذلك الفترة التكميلية عاد إلى سالف نشاطه المعارض فالتحق بليبيا ليجد بعض رفاقه القدامى الذين مهدوا له الطريق عبر ربطه بمكتب الاتصال العربي فتوسعت دائرة نشاطه لتشمل الجزائر والبوليزاريو حيث تمرس على تهريب الأسلحة.

وبداية من سنة 1978 بدأ الشريف الإعداد لعملية قفصة صحبة رفيقه أحمد المرغني عبر تسريب الأسلحة إلى قفصة والإعداد البشري والمادي للعملية التي تحدد تاريخها في يوم 27 جانفي1980.

أحمد المرغني: من مواليد جرجيس سنة 1941، زاول تعليما ابتدائيا متقلبا انتهى به إلى الانقطاع عن الدراسة والدخول في الحياة العامة بصفة مبكرة، بدأ أولى تجاربه في الهجرة سنة 1962 عندما انتقل إلى الجزائر للعمل قبل أن يتحول إلى ليبيا سنة 1971 لنفس الغرض.

وقد تغير مسار حياته بعد أن احتك ببعض وجوه المعارضة وبسبب انتمائه للجبهة القومية للقوى التقدمية التونسية، كلف المرغني في أول اختبار له بتفجير مقر الحزب الدستوري في تونس والمركز الثقافي الأمريكي في شهر جوان من سنة 1972، ولكن ألقي عليه القبض قبل تنفيذ العملية وحكم عليه بخمس سنوات سجنا، قضى منها أربع سنوات فقط بسبب العفو الرئاسي بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال سنة 1976.

عاد بعد ذلك إلى ليبيا ليمارس نشاطه مجددا في صفوف الجبهة القومية التقدمية ثم التحق بعد ذلك بجبهة البوليزاريو لقضاء خمسة أشهر في التدرب على الأسلحة الخفيفة، ثم انتقل إلى لبنان لتجنيد بعض التونسيين في صفوف الجبهة القومية التقدمية.

وأما عبد المجيد الساكري وهو أحد عناصر المجموعة فهو عبد المجيد بن محمد علي بن عامر ساكري، ولد في سنة 1950 بالجباس. من معتمدية المكناسي بسيدي بوزيد توفيت والدته وهو صغير وكفله عمه عبيدي بن عامر وهاجر به الى الشمال التونسي خوفا عليه من السلط الفرنسية بعد ان انخرط ابوه في الثورة المسلحة بالجهة ..وذلك بين 1952و1955 ثم واصل عمه تربيته ورعايته بعد ان زج النظام البورقيبي بأبيه في السجن بين 1956و1969 ..درس المحاسبة (شعبة قصيرة)بمعاهد قفصة ثم سافر الى فرنسا سنة1968 اين تعلم عدة مهارات رياضية كالتايكواندو وكان ماهرا خاصة في الرماية بالرصاص وتحصل على المرتبة العالمية الثالثة في الرماية..وانخرط في التيار الثوري القومي العروبي ليهاجر الى المخيمات الفلسطينية بجنوب لبنان اين شارك في عمليات المقاومة المسلحة الفلسطينية..وأصيب في ظهره اصابة بليغة..نقل على اثرها الى مصر اين تلقى العلاج ثم نقل الى تونس سنة1971 ليحاكم بـ4 سنوات سجنا..وفي سنة1976 هاجر الى ليبيا اين انخرط في الجبهة الشعبية القومية التقدمية لتحرير تونس وهي امتداد للحركة اليوسفية ، وانضم الى مجموعة عز الدين الشريف واحمد المرغني لينفذوا محاولة اسقاط النظام البورقيبي بالهجوم على مدينة قفصة في يوم 26 جانفي1980 وبعد فشل المحاولة تمكن من التسلل الى جبال منطقة المكناسي ولم تستطع السلط العسكرية السيطرة عليه الا عندما سلم نفسه طوعا.. ولم يسلم سلاحه الا لوالده في يوم8 فيفري1980 بمقر سكناه بالمكناسي.

حكمت عليه محكمة أمن الدولة ببوشوشة مع 13 من رفاقه بالاعدام ... ونفذ فيه حكم الاعدام يوم 17افريل 1980وقد أكدت الأرشيفات المتاحة حاليا أن عملية الاعدام تمت تحت اشراف زين العابدين بن علي مدير الأمن وقتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 فشلت في إسقاط نظام بورقيبة ونفذ فيها 11 حكما بالإعدام..  "عملية قفصة" أمام العدالة الانتقالية

 

 

تونس-الصباح

أجلت أمس الأول الدائرة القضائية المختصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية في ملف أحداث قفصة 26 جانفي 1980 أو ما عرف بأحداث قفصة المسلحة الى جلسة 30 أكتوبر القادم.

مفيدة القيزاني

وخلال الجلسة لم يحضر من ينوب عن الضحايا فتم تأجيل البت في الملف الى السنة القضائية القادمة.

وللاشارة فإن أحداث قفصة هو الاسم الذي أطلق على العملية المسلحة التي قام بها كوموندوس من المعارضين التونسيين خلال الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي من سنة 1980 حيث تولّى مسلحون قدّر عددهم بحوالي 60 مسلّحا ينتمون جميعهم إلى فصائل المعارضة التونسية ذات التوجهات القومية وآخرون ينتمون إلى التيّار اليوسفي في تونس إلى الاستيلاء على المدينة قبل أن يوجّهوا دعوتهم للأهالي للانضمام إلى الثورة المسلّحة والإطاحة بالنظام البورقيبي بعد أن جمعتهم الرغبة في تغيير الأوضاع في تونس بعد القمع الذي تعرّضت له الحركة النقابية عام 1978.

وردّت السلطة آنذاك التي استنجدت بفرنسا بعنف كبير وتمكّنت من السيطرة على المجموعة واعتقال معظم عناصرها الذين أُحِيلُوا على المحاكمة، وتمّ الحكم حضوريا بإعدام 11 منهم ونُفِّذَ فيهم الحكم فجر 17 أفريل من نفس السنة أي بعد العملية بـ 80 يوما فقط.

وأدت العملية إلى تأزم حاد في العلاقات بين تونس وليبيا وأثرت على مدى ثقة الحكومة التونسية بالنظام الجزائري.

سياق العملية..

تمت العملية في ظل الذكرى الثانية للإضراب العام، الأول منذ الاستقلال الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل، بقيادة الحبيب عاشور، في 26 جانفي 1978 دفاعا عن هياكله في وجه محاولات الحكومة والحزب الاشتراكي الدستوري إخضاعه بالقوة.

وكان بورقيبة مقيما في نفطة لدى حدوث العملية، واتخذ بعض الإجراءات الانفتاحية لتهدئة المعارضين، ورد الاعتبار للمطرودين من الحزب الحاكم، وتنفيس الاحتقان مع الاتحاد، وفي الوقت نفسه طرد القذافي عشرات الآلاف من العمال التونسيين، لتأزيم الوضع الاجتماعي، وإرباك حكومة الهادي نويرة الذي كان من أشد المعارضين لوحدة جربة.

ووفق بعض الدراسات فقد كانت مدينة قفصة يوم الهجوم شبه خالية من أي وجود عسكري حقيقي حيث كان فوج المشاة المرابط بالمدينة في مهام دورية ومراقبة في الصحراء وعلى الحدود مع ليبيا حيث كان الجيش الليبي حينها يقوم بمناورات قريبة من الحدود ولم يتواجد في القاعدة العسكرية التي تنقسم بدورها إلى ثكنة خارجية وثكنة داخلية سوى فصيل للحراسة

وفصيل قيادة ومصالح وفصيل تابع لفوج الشرف كان عائدا من استقبال بورقيية في مدينة توزر القريبة، و300 مجند مستجد عزل وخاضعين لتطعيم التي.أ.بي الذي يستوجب راحة بـ48 ساعة وطائرتا"ميراج" تقومان بطلعة استطلاعية غير أنهما سرعان ما فرتا بعد إطلاق النار نحوهما.

وبدأ الهجوم على الساعة الثانية فجرا من يوم 27 جانفي على القاعدة العسكرية بالأسلحة الخفيقة والمتوسطة ونتج عنه بحلول الثامنة صباحا اقتحام الثكنة الخارجية بعد وقوع قتلى وجرحى من الطرفين ونقل 300 مجند مستجد إلى القاعة الرياضية كأسرى إضافة إلى حافلة ركاب جزائريين كانت متجهة إلى طرابلس كما تم قتل عدد من المدنيين الذين رفضوا حمل السلاح والاشتراك في العملية في حين واصلت الثكنة الداخلية القتال والمقاومة ولم يتمكنوا من اقتحامها.

شهادة قائد الفوج 14..

كشف قائد الفوج 14 العسكري سابقا لـ"الصباح" عدة حقائق حول أحداث قفصة العقيد بالطيب وبين أنه "عند الاقتراب من قرية ماجل بلعباس، كثرت الحواجز في الطريق وتواجد أعوان الحرس الوطني، وكلما سألت الأعوان عن الوضع في قفصة إلا وقيل إن المدينة تحت سيطرة المتمردين وعن وضعية ثكنة احمد التليلي التي هي هدفي الأول نظرا لموقعها الاستراتيجي حيث تتحكم في مدخل قفصة المدينة إلا وقيل لي إنها تحت سيطرة المتمردين أيضا إلى أن وصلت مقدمة الفوج على مسافة بعض الكيلومترات من ثكنة احمد التليلي بقفصة، وكانت الشمس تنحدر للغروب وكان لزاما علينا أن نطوقها ونقتحمها وبالتالي تحريرها وجعلها قاعدة الانطلاق لتمشيط المدينة وتسليمها للسلط المدنية في ظروف طيبة والقبض على المتمردين وتسليمهم للعدالة وهنا أريد أن أشير إلى بعض الأوامر التي أعطيتها لأفراد الفوج (ضباطا وضباط صف وجنودا)، أولا عدم الاعتداء على المواطنين ودخول ديارهم والمس بأرزاقهم وعائلاتهم وكرامتهم، ثانيا عدم استعمال الذخيرة الحية إلا بإذن المسؤولين عليهم، ثالثا عدم قتل أي متمرد إلا في حالة الدفاع عن النفس ومحاولة القبض عليهم أحياء لمنحهم فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام المحاكم، وبالتالي استفادة السلطة من بحثهم وتصريحاتهم والوصول إلى من وراءهم.

رابعا عدم الإساءة لهم، ومعاملتهم معاملة حسنة، خامسا تسليمهم فورا لقيادة الفوج لتسلمهم بدورها إلى من يهمه الأمر بعد الاستفادة منهم بمعلومات تتصل بسير العمليات، سادسا يمنع منعا باتا على أمراء السرايا وجنودهم تنفيذ أي أمر مها كانت السلطة إلا عن طريق قيادة الفوج.

التعامل مع المتمردين..

وعن العملية العسكرية لدحر التمرد المسلح يقول العقيد عز الدين بالطيب "أعطيت الأوامر للسرية الأولى للترجل وتطويق الثكنة والسرية الثانية للمساندة عند الحاجة ولكن فوجئت بخبر من طرف آمر السرية الأولى بأن الثكنة مهجورة من المتمردين ولا يوجد بها إلا زمرة من بقايا الفوج الثاني عشر (الحراسة) في حالة رثة فأمرت آمر السرية بجمع أفراده والالتحاق بالسيارات وأخذ مكان السرية الثانية التي أمرتها بمواصلة الطريق إلى مدينة قفصة حيث توجد ثكنة المدينة علما أننا لا نعرف شيئا عن المدينة والثكنة التي بداخلها .«

اطلاق النار..

بعد غروب شمس ذلك اليوم يقول العقيد بالطيب " سمعنا بعض الطلقات النارية عند مرورنا بالوادي الذي يفصل بين مدينة قفصة وثكنة أحمد التليلي ولكني أصدرت الأوامر لعناصر الفوج بمواصلة الطريق وعدم الاكتراث بالطلقات النارية حتى ولو خلفت ضحايا تفاديا لكمين جر الفوج إلى مناوشات ليلية غير مجدية مع المسلحين قد تتسبب لنا في أضرار جسيمة نحن في غنى عنها وتحيدنا عن مهمتنا الأصلية خاصة أن المعارك الليلية معقدة جدا ولا بد من تنظيمها مسبقا إلى أن وصلت مقدمة الفوج إلى أبواب ثكنة المدينة وكانت والحمد لله تحت حراسة ثلة من الفوج الثاني عشر تحت قيادة الملازم (يعقوبي) الذي أبلى البلاء الحسن في الدفاع عن الثكنة ولكن السيطرة خارج محيط الثكنة كانت للمتمردين حيث كانت نيران أسلحتهم الرشاشة تسيطر على الثكنة من أعلى مباني المدرسة الابتدائية التي تشرف على الثكنة ومن أعلى صومعة المسجد التي تشرف على المدينة ومن ضمنها الثكنة" .

وأضاف" عند وصول المقدمة إلى مدخل ثكنة المدينة أبلغني آمر السرية بأنه لاحظ وجود قنبلة يدوية في مدخل الثكنة لم تنفجر فأمرته بتفاديها وعدم لمسها وإحاطتها بعلامة بالحجارة حتى يتمكن بقية الفوج من الدخول بسلام".

جثث في السيارات..

يقول العقيد بالطيب " التحقت عناصر الفوج في ساعة متأخرة من الليل بالثكنة تحت وابل من الرصاص الذي أطلقه المتمردون من فوق سطح المدرسة الابتدائية وصومعة الجامع.. ورغم ذلك فإننا امتنعنا عن الرد عليها حتى لا يقع اكتشاف مصادر نيراننا".

وذكر أنه لاحظ بالقرب من مدخل المدينة، وتحديدا قرب المفترق عدة سيارات، مضيفا " أعتقد أنها تحمل مواد غذائية وخضرا وغلالا إضافة إلى بعض الجثث التي أظنها لأصحاب تلك السيارات، وللأمانة فإننا لم نقترب منها حينها لخطورة الوضع وأمرت أفراد الفوج بعدم التحرك حتى الصباح وعدم إضاءة الغرف".

يقول العقيد "بعد التأكد من وصول جميع أفراد الفوج وسلامته شرعت في تنفيذ الجزء الثاني من المهمة وهو الاتصال بالعقيد القنوني المرابط بالمطار وتنسيق العمليات معه فاصطحبت معي مجموعة حراسة وسلكنا طريق المطار ولكن سرعان ما غمرتنا نيران المتمردين وتحديدا من المدرسة الابتدائية وصومعة الجامع فانسحبنا بصعوبة زحفا ورجعنا إلى الثكنة تحت تغطية من نيران مجموعة حراسة الفوج الثاني تحت إمارة الوكيل علي زغدود لذلك عدلنا على تنفيذ هذه المرحلة من المهمة وقررت تحمل المسؤولية بمفردي، وبعد وقت وجيز من رجوعي إلى الثكنة اتصل بي المقدم الطاهر بوبكر وأعلمني أنه وصل وكان قائد حامية القصرين وصل إلى مركز الولاية بقفصة لحراستها وعرض علي أن يبعث لي إحدى الدبابات للتنقل إلى مركز الولاية لكني رفضت الطلب لأنه من غير المعقول أن أترك عناصر فوجي كما أن التنقل ليلا يعرضني للخطر لأن المتمردين يمتلكون قاذفات صواريخ ضد الدبابات، لذلك قضينا تلك الليلة تحت نيران المتمردين وعند الصباح الباكر تجمعنا لدراسة الوضع والشروع في تنفيذ المهمة علما ان الطلق الناري توقف وهو ما يدل على أن المتمردين انسحبوا من مخابئهم… وبعد توزيع الفطور والقهوة على الجنود شرعنا في إعداد تركيبة الفوج والانطلاق لتمشيط المدينة لكن فوجئت بوجود شخصين يريدان مقابلتي، الأول سلمني رسالة خطية يقول انه وجدها تحت جدار المعهد الثانوي، والثاني يقول انه يعرف منزلا بحي النور يحتوي على معدات حربية كثيرة ومختلفة وأسلحة وذخيرة فقررت فورا تكليف مجموعة لاقتحام المعهد الثانوي، وتحرير ما يقارب سبعين فتاة محتجزات داخله من طرف الثوار حسب ما ورد في الرسالة وطلب النجدة فيما كلفت فرقة ثانية لاصطحاب المواطن والتعرف على المنزل المذكور بحي النور".

70 رهينة..

يقول العقيد" بعد تبادل لإطلاق نار كثيف نجحنا في تحرير الفتيات فيما فر المتمردون، بعد ذلك اتصلت بمدير المعهد الذي يسكن داخل فضاء المعهد والذي كان مذعورا حتى إنه طلب منا حمله إلى الغابة لتأكله الذئاب على أن يبقى على تلك الحالة فهدأنا من روعه ووفرنا له الحراسة والمواد الغذائية والحليب".

أما العملية الثانية المتمثلة في تمشيط المدينة فقال إنه قسمها إلى مناطق" وكلفت كل أمراء السرايا بالقيام كل بدوره واتجهنا مباشرة تحت الحراسة إلى المنزل الذي قيل إنه يحتوي على أسلحة وذخيرة فوجدناه خاليا من المتمردين وتحت حراسة أفراد الفوج والذي تبين أنه مستودع كبير، فأوصيت بتشديد الحراسة عليه، ثم بعثت عدة شاحنات نحو ذلك المنزل وأخليت ما كان به وهو حمولة 8 شاحنات Unimog من مختلف الأسلحة والذخيرة ومعدات الاتصال اللاسلكي والسلاح الأبيض والقذائف ".

تمشيط ومطاردة..

" ثم واصل أفراد الفوج التمشيط وألقوا القبض على بعض المتمردين بينهم من كان بصدد حلاقة لحيته ومنهم من كان يستقل دراجة ومنهم من التحق بالجبال ومن ثم قمنا بمطاردة البقية بين جبل عرباطة وجبل بوهدمة والقرى القريبة من قمم الجبال واخص بالذكر منهم المرغني رئيس المجموعة واثنين من رفاقه الذين التجأوا إلى جبل عرباطة وجبل بوهدمة مرورا بقرية بوعمران قصد التسلل إلى الجنوب الشرقي والرجوع إلى ليبيا، أما الساكري أصيل مدينة مكناسي فقد تسلل إلى المدينة ليلا وتحصن داخل منزل أبيه معلنا انه سيقتل كل من يقترب منه فأمرت بتطويق المنزل وعدم الاقتراب منه حتى تنفذ ذخيرته ليستسلم عن طواعية تفاديا لإراقة الدماء لأن الرجل مصمم على عدم الاستسلام حتى آخر لحظة خاصة وانه ارتكب عدة جرائم قتل ويعرف أن مصيره الإعدام لذلك فإنه لن يتوانى عن المزيد من القتل قبل أن نتفاجأ به يطلب مقابلة المعتمد والعمدة للتفاوض معهما ولكني رفضت لأنه بلغني بأنه ينوي قتلهما في إطار تصفية حسابات شخصية بينهم، واقترحنا عليه في المقابل التفاوض مع أبيه الذي قيل إنه من قدماء المقاومين وفعلا تم ذلك دون إراقة دماء، إذ أقنعه بأن يسلم نفسه للعدالة وهو ما تم فعلا "

تعقب المسلحين..

يقول العقيد بالطيب" بعد أن تأكدنا من خلو قفصة من جميع المخاطر انتقلنا إلى منطقة لالة حيث تقاسمنا مع أعوان حرس المرور مركزهم لمدة يومين أو ثلاثة ثم لما تأكدنا من خلو المدينة وضواحيها من العناصر المسلحة المتبقية على قيد الحياة انتقلنا بالمقر إلى قرية سيدي منصور على طريق قابس وركزنا مقر قيادة الفوج بالمدرسة الابتدائية لملاءمة المكان للقيام بعمليات المطاردة والتمشيط بجبال عرباط وبوهدمة، كما تم تعزيز الفوج بسرية دبابات( chark ) نمساوية الصنع وبعد يوم أو يومين بلغنا أن المرغني واثنين من رفاقه يحتمون بقمم الجبال بمنطقة بوعمران ويحاولون التسلل إلى الحدود الليبية فأسرعنا على متن مروحية للتأكد من الخبر فتبين انهم غادروا المكان وتسللوا عبر وادي عميق تحت ظلام الليل نحو طريق قفصة – قابس دون أن يتفطن لهم طاقم الدبابة ثم اتجهوا نحو الحامة باتجاه جبل "بيشة" حيث قمنا بتمشيط المنطقة بواسطة مروحية إلى أن غربت الشمس فقررنا العودة للمقر بقرية سيدي منصور خشية نفاذ المحروقات".

وأضاف العقيد بالطيب" استغل الثلاثي المسلح بقيادة المرغني الظلام واقتربوا من جبل "بيشة" قرب الحامة ففوجئوا بجميع الطرق والمسالك مراقبة من الجيش والأمن والمواطنين وعجزوا عن اجتياز الحواجز فعادوا على أعقابهم حتى أتوا على منزل به غرفة مملوءة تبنا فاختبأ فيها المرغني فيما اختفى مرافقاه وفرّا نحو مكان آخر ".

امرأة كشفت مخبأ المرغني..

عن تفاصيل عملية القبض على المرغني قال مدحدثنا" بعد يوم أو يومين وردت على وزارة الدفاع معلومة مفادها بأن امرأة من بني خداش شاهدت المرغني ومرافقيه داخل حديقة منزلها فتلقينا أمرا من وزارة الدفاع بالتوجه فورا بكامل وحدات الفوج إلى ولاية مدنين وقطع طريق بني خداش ومدنين وغمراسن والبئر الأحمر ومراقبة المنطقة الكائنة بين سلسلة الرمال غربي بني خداش والسهول الواقعة تحت منحدر مياه الجبال بما في ذلك الطرق المذكورة، لذلك أبرقت لجميع سرايا الفوج بالنزول فورا من جبال بوهدمة وعرباطة والتجمع في الطريق الرابطة بين قفصة وقابس ثم التوجه إلى مدنين مرورا بقابس وتركت حرية التنقل لأمراء السرايا كل حسب ظروفه مع التأكيد على عدم السرعة واحترام ضوابط التنقل والاحتفاظ بأجهزة المخابرات (الاتصال) مفتوحة ثم أسرعت مع سرية القيادة وقيادة الفوج وسرية الاحتياط للالتحاق بمنطقة الفوج الجديدة ".

ويضيف العقيد " وصلنا مدينة مدنين في ساعة متأخرة من الليل واتجهنا مباشرة إلى مركز الولاية حيث وجدت والي مدنين صالح البحوري في انتظاري مرفوقا بالعقيد بوبكر بن كريم آمر وحدات الصحراء وبعد التنسيق معهما واصلت الطريق رفقة الفوج إلى قصر الحدادة الذي تم ترميمه وتجهيزه واستعماله كاستراحة سياحية لقوافل السياح حيث وجدت مدير المؤسسة في انتظاري وقد أخلى أحد أجنحة الاستراحة بأمر من والي مدنين حيث حولناه إلى مقر مؤقت لقيادة الفوج وفي الصباح بادرنا بإرسال الدوريات ونصب الحواجز على الطرقات ومراقبة وتفتيش المنطقة الرملية الواقعة غرب الجبال بالاستعانة بالمروحيات وفي النهار التحقت بقية وحدات الفوج بالمنطقة حيث تمكنا بالتنسيق مع مختلف الوحدات العسكرية والأمنية من القبض على المرغني وبقية الفارين المطلوبين للعدالة لتنتهي العملية العسكرية".

الاعدام..

هذه القضية حملت الكثير من التفاصيل التي بقيت مخفية على الرأي العام حيث اتهم بورقيبة هؤلاء المنفّذين للعملية بالخيانة وسمّوا بالمرتزقة واعتبرهم البعض الآخر من الشعب التونسي "مناضلون في سبيل تحرير تونس من استبداد النظام البورقيبي"

وقد توفي في العملية كل ّ من: عمر البحري؛ الناصر الكريمي وصالح البدري.

في حين تمّ تنفيذ الإعدام في أحمد المرغني، عزّ الدين الشريف، محمد صالح المرزوقي، نور الدين الدريدي، محمّد الجمل، محمّد الحميدي، الجيلاني الغضباني، عبد الحكيم الغضباني، محمّد علي النواش، عبد الرزاق سالم نصيب، عبد المجيد الساكري، عمار المليكي، العربي الورغمي وعبد الرؤوف الهادي صميدة .

في حين حكم بالإعدام غيابيا على كلّ من عمارة ضو بن نايلة وعمارة ضو مانيطة.

من هما قائدا المجموعة..

يذكر أن قائدي المجموعة المسلحة هما عز الدين الشريف وأحمد المرغني تلقيا الدعم من نظام القذافي وتحديدا من مكتب الاتصال الخارجي إحدى مؤسسات جهاز الاستخبارات الليبي لضرب النظام التونسي وقلب الحكم بتونس.

عز الدين الشريف: القائد السياسي للمجموعة المسلحة أصيل مدينة قفصة، درس لمدة سنتين بالمدرسة الفرنسية العربية قبل أن يلتحق بفرع جامع الزيتونة بقفصة سنة 1948 حيث أحرز على شهادة الأهلية، ثم واصل دراسته بالجامع الأعظم حيث أحرز على شهادة التحصيل قبل أن ينتمي إلى شعبة الآداب واللغة العربية.. في سنة 1957 عمل في سلك التعليم الابتدائي بعد مشاركته في مناظرة في الغرض.. شارك سنة 1962 في المحاولة الانقلابية لمجموعة لزهر الشرايطي للإطاحة بنظام الحكم مما أدى إلى سجنه 10 سنوات مع الأشغال وبعد انقضاء العقوبة بما في ذلك الفترة التكميلية عاد إلى سالف نشاطه المعارض فالتحق بليبيا ليجد بعض رفاقه القدامى الذين مهدوا له الطريق عبر ربطه بمكتب الاتصال العربي فتوسعت دائرة نشاطه لتشمل الجزائر والبوليزاريو حيث تمرس على تهريب الأسلحة.

وبداية من سنة 1978 بدأ الشريف الإعداد لعملية قفصة صحبة رفيقه أحمد المرغني عبر تسريب الأسلحة إلى قفصة والإعداد البشري والمادي للعملية التي تحدد تاريخها في يوم 27 جانفي1980.

أحمد المرغني: من مواليد جرجيس سنة 1941، زاول تعليما ابتدائيا متقلبا انتهى به إلى الانقطاع عن الدراسة والدخول في الحياة العامة بصفة مبكرة، بدأ أولى تجاربه في الهجرة سنة 1962 عندما انتقل إلى الجزائر للعمل قبل أن يتحول إلى ليبيا سنة 1971 لنفس الغرض.

وقد تغير مسار حياته بعد أن احتك ببعض وجوه المعارضة وبسبب انتمائه للجبهة القومية للقوى التقدمية التونسية، كلف المرغني في أول اختبار له بتفجير مقر الحزب الدستوري في تونس والمركز الثقافي الأمريكي في شهر جوان من سنة 1972، ولكن ألقي عليه القبض قبل تنفيذ العملية وحكم عليه بخمس سنوات سجنا، قضى منها أربع سنوات فقط بسبب العفو الرئاسي بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال سنة 1976.

عاد بعد ذلك إلى ليبيا ليمارس نشاطه مجددا في صفوف الجبهة القومية التقدمية ثم التحق بعد ذلك بجبهة البوليزاريو لقضاء خمسة أشهر في التدرب على الأسلحة الخفيفة، ثم انتقل إلى لبنان لتجنيد بعض التونسيين في صفوف الجبهة القومية التقدمية.

وأما عبد المجيد الساكري وهو أحد عناصر المجموعة فهو عبد المجيد بن محمد علي بن عامر ساكري، ولد في سنة 1950 بالجباس. من معتمدية المكناسي بسيدي بوزيد توفيت والدته وهو صغير وكفله عمه عبيدي بن عامر وهاجر به الى الشمال التونسي خوفا عليه من السلط الفرنسية بعد ان انخرط ابوه في الثورة المسلحة بالجهة ..وذلك بين 1952و1955 ثم واصل عمه تربيته ورعايته بعد ان زج النظام البورقيبي بأبيه في السجن بين 1956و1969 ..درس المحاسبة (شعبة قصيرة)بمعاهد قفصة ثم سافر الى فرنسا سنة1968 اين تعلم عدة مهارات رياضية كالتايكواندو وكان ماهرا خاصة في الرماية بالرصاص وتحصل على المرتبة العالمية الثالثة في الرماية..وانخرط في التيار الثوري القومي العروبي ليهاجر الى المخيمات الفلسطينية بجنوب لبنان اين شارك في عمليات المقاومة المسلحة الفلسطينية..وأصيب في ظهره اصابة بليغة..نقل على اثرها الى مصر اين تلقى العلاج ثم نقل الى تونس سنة1971 ليحاكم بـ4 سنوات سجنا..وفي سنة1976 هاجر الى ليبيا اين انخرط في الجبهة الشعبية القومية التقدمية لتحرير تونس وهي امتداد للحركة اليوسفية ، وانضم الى مجموعة عز الدين الشريف واحمد المرغني لينفذوا محاولة اسقاط النظام البورقيبي بالهجوم على مدينة قفصة في يوم 26 جانفي1980 وبعد فشل المحاولة تمكن من التسلل الى جبال منطقة المكناسي ولم تستطع السلط العسكرية السيطرة عليه الا عندما سلم نفسه طوعا.. ولم يسلم سلاحه الا لوالده في يوم8 فيفري1980 بمقر سكناه بالمكناسي.

حكمت عليه محكمة أمن الدولة ببوشوشة مع 13 من رفاقه بالاعدام ... ونفذ فيه حكم الاعدام يوم 17افريل 1980وقد أكدت الأرشيفات المتاحة حاليا أن عملية الاعدام تمت تحت اشراف زين العابدين بن علي مدير الأمن وقتها.