إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حسب دراسة قانونية ونفسية.. اختلاف مواقف القضاة حول محاكمات الفصل 230

 

القضاء يتابع الأشخاص على الهويات الجنسية لا على الأفعال.. 

عدم الاكتراث كثيرا للناحية الإجرائية التي تحرم المتهمين من محاكمة عادلة

تونس- الصباح

كشفت دراسة للجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية تحت عنوان "القضية 230"، أنه وانطلاقا من قراءة للأحكام الصادرة منذ 2015 والى غاية جانفي 2023، وطبقت الفصل 230 من المجلة الجزائية، يمكن القول أنها "كانت بصدد محاكمة الهويات الجنسانية لا بصدد محاكمة الأفعال".

ويعتبر كل من وحيد الفرشيشي الدكتور في القانون العام ومدير قسم القانون العام والعلوم السياسية في الجامعة التونسية، وسمية بالحاج الأستاذة والباحثة في علم النفس، في تقديمهما للدراسة أن ثقافة المشتغلين في قطاع العدالة وتركيبتهم النفسية وقناعاتهم الإيديولوجية وتجاربهم الاجتماعية بصدد التأثير في تطبيقات الفصل 230 من المجلة الجزائرية والذي يعاقب اللواط والمساحقة في أقصاه بثلاث سنوات سجنا.

وإجرائيا أو من الناحية القانونية، يقول وحيد الفرشيشي في الجزء الأول من الدراسة، أنه وعبر قراءة لمختلف الأحكام والقضايا موضوع الدرس، هناك اختلاف واضح في مواقف القضاة حسب درجة التقاضي، ففي الوقت الذي كانت الأحكام الصادرة في الطور الابتدائي الأكثر تشددا وصرامة، تتجه أحكام الطور الاستئنافي إلى تنزيل العقوبات أحيانا من 3 سنوات إلى شهر واحد أو بعض الأشهر. وأما في التعقيب فالملاحظ حسب الفرشيشي أن قضاة القانون منذ سنة 2015، يحاولون أن يكونوا أكثر رقابة واحتراما للإجراءات والضوابط القانونية، لينقض الأحكام الصادرة ويحيلها على محاكم الاستئناف لإعادة النظر. ويعتبر أستاذ القانون العام، أن عدم نظر حاكم البداية في مضمون الفصل 230 ومدى توفر أركانه، يعد نقيصة واضحة كان يمكن استغلالها لتقويض الفصل وجعله مهجورا إلى غاية إلغائه.

ويرى في نفس السياق أن الموقف من المثلية باختلاف نوع القاضي في العموم تكون أكثر انفتاحا عندما يتعلق الأمر بالجمعيات (قضية جمعية شمس مثالا) أين تتعامل المحاكم بطريقة إيجابية مع مسالة التنظم، أما في تعامل المحاكم مع الأفراد، ففي العموم يضع القاضي نفسه حامي حماة  "أخلاق المجتمع"، كلما اشتم رائحة الفعل الجنسي غير النمطي والتي يعتمد فيها في توجيه التهم مظهر الأشخاص أو ظروف إيقافهم أو تواجد فيديوهات على هواتفهم المحمولة ولا يتم على أساس التلبس، وهذا الموقع الذي يعطيه لنفسه هو ما يفسر على الأغلب حسب الفرشيشي التشدد في العقوبة.

وأشار وحيد الفرشيشي من خلال دراسته لمجموع الأحكام موضوع التحليل، وجود كم هائل من التجاوزات الإجرائية وعدم الاكتراث كثيرا للناحية الإجرائية التي تحرم المتهمين في محاكمة عادلة، واتخذ في الإطار محاكمة القيروان مثالا واضحا على ما قاله وتطلب الوصول إلى إنصاف المتهمين فيها ست سنوات.

ومن أبرز التجاوزات المسجلة في مختلف القضايا، اعتماد استنطاق الجسد قسرا واعتباره مصدرا لتأكيد أو نفي التهم، أين كان طلب الفحص الشرجي حاضرا في مختلف القضايا بوصفه اختبارا فنيا يطلب من الطبيب الشرعي. وهو ما يعتمد عليه لسان الدفاع في الغالب في مسار الطعون المقدمة، لعدم توفر الرضا الكامل وعدم حجية العملية ومخالفتها للأخلاقيات الطبية ومساسها بالكرامة الإنسانية (هيئة الوقاية من التعذيب تعتبر الفحوص الشرجية تعذيبا)

ويذكر الفرشيشي في نفس الإطار بالتوصيات الخاصة بالفصل 230 خلال الاستعراض الدوري الشامل لسنة 2017، والداعي لاحترام حقوق أشخاص المجتمع الكويري ومنع التمييز ضدهم، أين قبلت تونس بكل التوصيات المتعلقة بإلغاء الفحص الشرجي وحماية الحقوق، بينما تحفظت على إلغاء الفصل 230 ونفس الأمر بدر من الحكومة التونسية في علاقة بـ 20 توصية التي وردتها خلال استعراضها الأخير، وهو ما يعكس سياسة رسمية للجمهورية التونسية وتمسكها بالتطبيق الحرفي للفصل 230.

وفي جزئها الثاني الخاص بالقراءة النفسية لموقف عينة من القضاة والقاضيات التونسيين تجاه المثلية الجنسية، أفادت الباحثة وأستاذة علم النفس سمية بالحاج، أن الموقف العام الذي يبلغ نحو 65.4% من المستجوبين هو موقف إيجابي تجاه المثلية الجنسية. وتتضاءل هذه الإيجابية كلما تعلق الأمر بأقارب أو معارف أو فرد من العائلة أين تصل نسبة الرفض إلى الـ80%، إذا اتصلت مسألة المثلية الجنسية بأحد الأبناء وأن ذلك يعبر عن فشلهم تجاه أبنائهم.

وتظهر الاستجوابات أن المحامين والقضاة تتشابه مواقفهم في علاقة بالمثلية الجنسية مع إيجابية للقضاة أكثر من المحامين إذا تعلق الأمر بالمثلية الجنسية للأشخاص الذين لهم دور تعليمي اجتماعي، وهو موقف متناسق حسب الباحثة في علم النفس مع موقف المجموعات الأخرى في السياق التونسي. وما يميز شخصية رجل القانون (قضاة ومحامون) هي قابليتها للامتثال للقواعد أكثر من قابليتها للانفتاح وهو ما يجعل اخذ القرار من طرف خاضع إلى فهم مسبق للمثلية الجنسية وتخمينات أكثر منه لمؤيدات.

 

الفصل 230 من المجلة الجزائية

اللواط أو المساحقة إذا لم يكن داخلا في أي صورة من الصور المقرّرة بالفصول المتقدّمة يعاقب مرتكبه

بالسجن مدة ثلاثة أعوام.

 ريم سوودي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 حسب دراسة قانونية ونفسية..  اختلاف مواقف القضاة حول محاكمات الفصل 230

 

القضاء يتابع الأشخاص على الهويات الجنسية لا على الأفعال.. 

عدم الاكتراث كثيرا للناحية الإجرائية التي تحرم المتهمين من محاكمة عادلة

تونس- الصباح

كشفت دراسة للجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية تحت عنوان "القضية 230"، أنه وانطلاقا من قراءة للأحكام الصادرة منذ 2015 والى غاية جانفي 2023، وطبقت الفصل 230 من المجلة الجزائية، يمكن القول أنها "كانت بصدد محاكمة الهويات الجنسانية لا بصدد محاكمة الأفعال".

ويعتبر كل من وحيد الفرشيشي الدكتور في القانون العام ومدير قسم القانون العام والعلوم السياسية في الجامعة التونسية، وسمية بالحاج الأستاذة والباحثة في علم النفس، في تقديمهما للدراسة أن ثقافة المشتغلين في قطاع العدالة وتركيبتهم النفسية وقناعاتهم الإيديولوجية وتجاربهم الاجتماعية بصدد التأثير في تطبيقات الفصل 230 من المجلة الجزائرية والذي يعاقب اللواط والمساحقة في أقصاه بثلاث سنوات سجنا.

وإجرائيا أو من الناحية القانونية، يقول وحيد الفرشيشي في الجزء الأول من الدراسة، أنه وعبر قراءة لمختلف الأحكام والقضايا موضوع الدرس، هناك اختلاف واضح في مواقف القضاة حسب درجة التقاضي، ففي الوقت الذي كانت الأحكام الصادرة في الطور الابتدائي الأكثر تشددا وصرامة، تتجه أحكام الطور الاستئنافي إلى تنزيل العقوبات أحيانا من 3 سنوات إلى شهر واحد أو بعض الأشهر. وأما في التعقيب فالملاحظ حسب الفرشيشي أن قضاة القانون منذ سنة 2015، يحاولون أن يكونوا أكثر رقابة واحتراما للإجراءات والضوابط القانونية، لينقض الأحكام الصادرة ويحيلها على محاكم الاستئناف لإعادة النظر. ويعتبر أستاذ القانون العام، أن عدم نظر حاكم البداية في مضمون الفصل 230 ومدى توفر أركانه، يعد نقيصة واضحة كان يمكن استغلالها لتقويض الفصل وجعله مهجورا إلى غاية إلغائه.

ويرى في نفس السياق أن الموقف من المثلية باختلاف نوع القاضي في العموم تكون أكثر انفتاحا عندما يتعلق الأمر بالجمعيات (قضية جمعية شمس مثالا) أين تتعامل المحاكم بطريقة إيجابية مع مسالة التنظم، أما في تعامل المحاكم مع الأفراد، ففي العموم يضع القاضي نفسه حامي حماة  "أخلاق المجتمع"، كلما اشتم رائحة الفعل الجنسي غير النمطي والتي يعتمد فيها في توجيه التهم مظهر الأشخاص أو ظروف إيقافهم أو تواجد فيديوهات على هواتفهم المحمولة ولا يتم على أساس التلبس، وهذا الموقع الذي يعطيه لنفسه هو ما يفسر على الأغلب حسب الفرشيشي التشدد في العقوبة.

وأشار وحيد الفرشيشي من خلال دراسته لمجموع الأحكام موضوع التحليل، وجود كم هائل من التجاوزات الإجرائية وعدم الاكتراث كثيرا للناحية الإجرائية التي تحرم المتهمين في محاكمة عادلة، واتخذ في الإطار محاكمة القيروان مثالا واضحا على ما قاله وتطلب الوصول إلى إنصاف المتهمين فيها ست سنوات.

ومن أبرز التجاوزات المسجلة في مختلف القضايا، اعتماد استنطاق الجسد قسرا واعتباره مصدرا لتأكيد أو نفي التهم، أين كان طلب الفحص الشرجي حاضرا في مختلف القضايا بوصفه اختبارا فنيا يطلب من الطبيب الشرعي. وهو ما يعتمد عليه لسان الدفاع في الغالب في مسار الطعون المقدمة، لعدم توفر الرضا الكامل وعدم حجية العملية ومخالفتها للأخلاقيات الطبية ومساسها بالكرامة الإنسانية (هيئة الوقاية من التعذيب تعتبر الفحوص الشرجية تعذيبا)

ويذكر الفرشيشي في نفس الإطار بالتوصيات الخاصة بالفصل 230 خلال الاستعراض الدوري الشامل لسنة 2017، والداعي لاحترام حقوق أشخاص المجتمع الكويري ومنع التمييز ضدهم، أين قبلت تونس بكل التوصيات المتعلقة بإلغاء الفحص الشرجي وحماية الحقوق، بينما تحفظت على إلغاء الفصل 230 ونفس الأمر بدر من الحكومة التونسية في علاقة بـ 20 توصية التي وردتها خلال استعراضها الأخير، وهو ما يعكس سياسة رسمية للجمهورية التونسية وتمسكها بالتطبيق الحرفي للفصل 230.

وفي جزئها الثاني الخاص بالقراءة النفسية لموقف عينة من القضاة والقاضيات التونسيين تجاه المثلية الجنسية، أفادت الباحثة وأستاذة علم النفس سمية بالحاج، أن الموقف العام الذي يبلغ نحو 65.4% من المستجوبين هو موقف إيجابي تجاه المثلية الجنسية. وتتضاءل هذه الإيجابية كلما تعلق الأمر بأقارب أو معارف أو فرد من العائلة أين تصل نسبة الرفض إلى الـ80%، إذا اتصلت مسألة المثلية الجنسية بأحد الأبناء وأن ذلك يعبر عن فشلهم تجاه أبنائهم.

وتظهر الاستجوابات أن المحامين والقضاة تتشابه مواقفهم في علاقة بالمثلية الجنسية مع إيجابية للقضاة أكثر من المحامين إذا تعلق الأمر بالمثلية الجنسية للأشخاص الذين لهم دور تعليمي اجتماعي، وهو موقف متناسق حسب الباحثة في علم النفس مع موقف المجموعات الأخرى في السياق التونسي. وما يميز شخصية رجل القانون (قضاة ومحامون) هي قابليتها للامتثال للقواعد أكثر من قابليتها للانفتاح وهو ما يجعل اخذ القرار من طرف خاضع إلى فهم مسبق للمثلية الجنسية وتخمينات أكثر منه لمؤيدات.

 

الفصل 230 من المجلة الجزائية

اللواط أو المساحقة إذا لم يكن داخلا في أي صورة من الصور المقرّرة بالفصول المتقدّمة يعاقب مرتكبه

بالسجن مدة ثلاثة أعوام.

 ريم سوودي