- العائدات الضخمة تجبر الحكومات على تغيير سياساتها الضريبية.. بين تجارب دول العالم والبلدان العربية.. تونس تتريث
- مصر والإمارات والسعودية والأردن أولى البلدان العربية التي طبقت ضريبة مشاهير "السوشيال ميديا" وصناع المحتوى
- أمريكا المستفيد الأكبر من عائدات القطاع بفضل شركاتها العملاقة في تكنولوجيا الاتصال
- فرنسا الدولة الاولى في منطقة الأورو تفرض ضريبة "الشهرة" الالكترونية
- نمو حجم سوق التسويق عبر المؤثرين الى 17. 4 مليار دولار في عام 2023
- تجاوز حجم سوق المؤثرين وصناع المحتوى الـ 100 مليار دولار
- "فيسبوك" يتربع على عرش منصات "السوشيال ميديا" الأكثر استقطابا
- "يوتيوب" و"فيسبوك" و"أنستغرام" في مقدمة المنصات المربحة
- "ضريبة الشهرة" ستوفر ما بين 4 الى 10 في المائة زيادة في المداخيل الجبائية العالمية
- أكثر من 20 ألف صانع محتوى ومؤثر على منصات التواصل الاجتماعي في تونس
- الموارد المالية المتوقع تعبئتها من مشاهير "السوشيال ميديا" في تونس ستكون في حدود الـ 1.5 مليار دينار
تونس-الصباح
مازال دور صناع المحتوى والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي محور جدل بين المجتمعات في كامل أرجاء العالم، بعد أن فرض هذا النمط الجديد وجوده في عالم الاتصال والإعلام والتسويق والإشهار، ليستقطب الملايين من الناس مزيحا عن طريقه كل الأشكال الإعلامية المتعارف عليها بين الشعوب، ليصبح اليوم منافسا شرسا للعديد من الأنشطة الاقتصادية التقليدية..
وفي ظل غياب مظلة قانونية وتشريعية لهذا الوافد الجديد إلى عالمنا، عرف نشاط مشاهير "السوشيال ميديا" انتشارا واسعا بين مجتمعات العالم، حتى أضحى تهديدا للعديد من الأنظمة الاقتصادية والمالية وسببا مباشرا في تكريس الحيف الضريبي بين الناس، باعتبار أن هذه الأنشطة التي تحقق أرباحا خيالية وعائدات مالية قياسية لا تخضع إلى رقابة جبائية تجعلها على قدم المساواة بين فئات المجتمعات في العالم، كما لا تستفيد منها خزائن الحكومات.
كل هذه المخاطر التي تواجه اقتصاديات العالم، سرّعت في اتخاذ العديد من الدول قرارات تعديل في أنظمتها الضريبية لتستفيد من العائدات التي يحققها مشاهير "السوشيال ميديا"، في حين اكتفت بلدان أخرى بإخضاع هذه الفئة من الأنشطة الاقتصادية إلى أنظمتها الجبائية القائمة دون تغيير، وبين تجارب الدول والحكومات من المشرق إلى المغرب، دول تستفيد وأخرى تفشل، وفي العالم العربي، سلط هذا المقال الضوء على تجربة تونس التي اختارت التريث في تقنين المسالة وبالتالي أضاعت على نفسها فرصة تحصيل عائدات جبائية محترمة...
إعداد: وفاء بن محمد
كيف تضبط تعريفة المحتوى لدى منصات التواصل الاجتماعي؟
بالرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة حول قيمة العائدات التي يتحصل عليها المؤثرين ومشاهير منصات التواصل الاجتماعي عبر العالم، إلا أن مظاهر الترف والثراء وما يتوفر لديهم من أملاك ومنقولات، يؤكد ضخامة حجم هذه العائدات التي يعمل أصحابها على إبقائها سرية، ويعرضون عن مناقشتها عند ظهور البعض منهم في وسائل الإعلام..
بالمقابل، سعت العديد من هياكل الجباية وشركات الإحصاء في بعض دول العالم إلى تعقب نشاط وأعمال مشاهير "السوشيال ميديا" للوصول إلى أرقام ولو تقريبية لعائداتهم، وذلك بالعودة إلى معدل أسعار المحتوى المقدم من منشورات ومدونات ومقاطع فيديو وصور على منصات التواصل الاجتماعي، حيث خلصت شركة "ازيا" للتسويق الالكتروني إلى أن معدل سعر الصورة الواحدة لفائدة شركة راعية على "انستغرام" قفز من 134 دولارا عام 2004 إلى 1642 دولارا عام 2019، مع توقعات أن يصل إلى أكثر من 2000 دولار سنة 2023.
ويشير التقرير، الذي أعدته شركة "ازيا"، إلى أن المنشورات المدعومة من قبل مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي زادت بنحو 150 في المائة في عام فقط فيما بين 2021 و2022، ويتوقع التقرير أن الشركات والعلامات التجارية المختلقة ستزيد من إنفاقها على التسويق المدعوم من قبل نجوم شبكات التواصل الاجتماعي لتتجاوز قيمة الصناعة 12 مليارات دولار في سنة 2023.
وكشف تقرير لشركة "سوشالباكرز" للتسويق على شبكات التواصل الاجتماعي، أن المؤثرين في مختلف الفئات، الذين لديهم نحو100 ألف متابع، يحققون دخلا كبيرا، خاصة صناع المحتوى الذين يعتمد محتواهم على بث مقاطع فيديو على شبكة "يوتيوب" وهو محتوى يوفر الدخل الأعلى، إذ تصل قيمته أربع مرات أي نوع آخر من المحتوى الممول من شركة رعاية.
وعرف الدخل الذي تدره مقاطع الفيديو تزايدا من 420 دولارا عام 2004 إلى 6700 دولار عام 2019 مع توقعات بان يصل إلى أكثر من 8000 دولار في عام 2023.
ومن جهتها، شهدت قيمة المنشور الواحد على "فيسبوك" ارتفاعا من ثمانية دولارات عام 2004 إلى 395 دولارا عام 2019 مع توقعات ببلوغ القيمة في عام 2023 ما اكثر من 500 دولار.
كذلك عرفت قيمة التغريدة على "تويتر" زيادة من 29 دولارا عام 2014 إلى 422 دولارا عام 2019، مع توقعات بتجاوزها الـ 550 دولارا في عام 2023، وارتفعت قيمة المنشور على مدونة من 407 دولارات سنة 2014 إلى 1442 دولارا سنة 2019 وقد يصل إلى أكثر من 2000 دولار سنة 2023.
كما تتوقع الأرقام المنشورة على مواقع الانترنت لشركات الإحصاء والاستبيان، زيادة في عدد المستخدمين للمواقع الأكثر متابعة في الدول العربية لوحدها بـ 190 مليون مستخدم، مع نمو ملحوظ في حجم سوق التسويق عبر المؤثرين إلى 17. 4 مليار دولار في عام 2023، أي بزيادة بـ 14.47 في المائة في العام المنقضي 2022، حسب موقع "COLLABSTR"، أما حجم سوق المؤثرين وصناع المحتوى فقد تمكن في اقل من عقد من الزمن أن يتجاوز اليوم الـ100 مليار دولار.
"فيسبوك" يتربع على عرش منصات "السوشيال ميديا"
حسب إحصائيات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لعام 2022 لموقع "ديجيتال بير"، فان عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تضاعف منذ نشأتها عام 1996 بالمليارات، وأصبح إجمالي عدد مستخدمي هذه المنصات في العالم عام 2022 أكثر من 4.59 مليار مستخدم، ووصلت نسبة عدد مستخدميها 57.5 بالمائة من إجمالي عدد سكان العالم.
وكشفت نفس الإحصائيات أن عدد مستعملي "فايسبوك" هم الأكثر مقارنة ببقية منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، إذ فاق العدد في عام 2022 أكثر من 2.9 مليار مستخدم شهريا .، تليه منصة "يوتيوب" بـ 2.6 مليار مستخدم وما يناهز الـ 2 مليار مستخدم بالنسبة لمنصة "واتساب"، وبعدد يصل إلى 1.47 مليار مستخدم على منصة "انستغرام" وبـ1 مليار مستخدم على موقع "تيك توك" في الشهر، ويأتي بعدهم موقع "تويتر" بـ 544 مليون مستخدم...
وبحسب موقع "ديجيتال بير"، فقد ارتفع حجم الإنفاق العالمي على إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 10.1 في المائة في عام 2022 ومن المقرر أن يرتفع بنسبة 13 في المائة في عام 2023، ويعتبر " فيسبوك" و"يوتيوب" من أكثر المنصات الإعلانية الشائعة؛ وذلك لزيادة عدد مستخدميهما عالميًا.
عربيا، تربع "فايسبوك" على عرش المنصات الاجتماعية الأكثر استخداماً متفوقاً على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، وهو من أفضل المنصات وأشهرها في عمليات التسويق الإلكتروني عبر الانترنت.
وبحسب موقع"egyptindependent"، فقد بلغ عدد المستخدمين على منصة "فايسبوك" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حوالي 180 مليون مستخدم يوميًا، و38 مليون مستخدم يوميًا في مصر لوحدها فقط.
إعلانات التواصل أقل تكلفة وأكثر وصولاً للجمهور المستهدف
وفق وكالة التسويق الرقمي"WaR"، يحتاج مستخدم "إنستغرام" إلى 10 آلاف متابع قبل أن يتمكن من البدء في تحقيق أي ربح، ومع أول خطوة سيكون العائد قليلا نسبيًا بنحو 130 دولارا، ولكن ببعض المهارات والتصميم والوصول إلى 30 ألف متابع يمكن تحقيق 977 دولارا. وهناك أرقام متوقعة لما يربحه نجوم "إنستغرام" من الموقع مباشرة عن كل مشاركة لهم وفقًا لعدد المتابعين الذين سجلوا إعجابهم، فبين 3 آلاف و10 آلاف ضغطة إعجاب يحصل صاحب الحساب على ما بين 65-130 دولارا، وبين 10 آلاف و25 ألف إعجاب يقابلهم 130-230 دولارا، وبين 25 ألفًا و50 ألف إعجاب يقابلهم 230-330 دولارا، ولمن يتراوح عدد المعجبين بمنشورهم بين 50 ألفًا و100 ألف يتراوح ما يجنونه بين 330 و456 دولارا، أما من يتخطى منشوره عدد 100 ألف ضغطة إعجاب فسيفوق ما يجنيه من ذلك 456 دولارا.
"يوتيوب" و"فيسبوك" و"أنستغرام" في مقدمة المنصات المربحة
يحتل "يوتيوب" ريادة قائمة المنصات الاجتماعية المربحة، ليتقدم على "فايسبوك"، ومن بعدهما يأتي "إنستغرام" و"سناب تشات"، وفي الأخير نجد "تويتر" بحسب شركة "Captiv8" التي أشارت كذلك إلى أن الأشخاص الأكثر متابعة على يوتيوب (من تضم قنواتهم 7 ملايين مشترك فأكثر) يحصلون على 300 ألف دولار مقابل الفيديو الواحد، في حين يحقق من له نفس عدد المتابعين على فيسبوك 187 ألف دولار مقابل الفيديو.
ومن يتوسط عدد متابعيه 3-7 ملايين فرد على"يوتيوب"، يمكنه أن يحقق ما يقارب 200 ألف دولار للفيديو، بينما يحقق من له نفس عدد المتابعين على فيسبوك 100 ألف دولار على المنشور الترويجي، وبالنسبة إلى الحسابات التي يتراوح عدد متابعيها على يوتيوب بين 1-3 ملايين فرد فيحقق أصحابها حوالي 175 ألف دولار، ويحقق نفس عدد المتابعين على فيسبوك نحو 75 ألف دولار للمنشور الإعلاني.
أما مشاهير "سناب تشات"، ممن وصل عدد متابعيهم إلى 7 ملايين يحققون 150 ألف دولار من المنشور التسويقي، ومن يتراوح عدد متابعيهم بين 3-7 ملايين شخص يجنون حوالي 75 ألف دولار مقابل منشور يقومون فيه بالتسويق لسلعة أو خدمة، أما الحسابات المتوسطة -التي يتراوح عدد متابعيها بين 1-3 ملايين شخص، فيحصل أصحابها على 50 ألف دولار مقابل الإعلان، ويجني أصحاب حسابات "إنستغرام"، التي يتابعها بين 50 ألفًا و500 ألف متابع، حوالي 3500 دولار مقابل الإعلان.
أي استفادة لميزانيات الحكومات من مداخيل "السوشيال ميديا"؟
ظلت الأنشطة التسويقية للمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي والمداخيل التي يكسبونها من تلك الأنشطة غير خاضعة للقوانين على نحو صريح في جل الدول، وسط فراغ قانوني، وهو ما فتح النقاش حول سبل إخضاع مداخيل مشاهير "السوشيال ميديا" لنظام الضرائب في عدد من الحكومات والبرلمانات بما بات يعرف بـ "ضريبة الشهرة" الإلكترونية.
وكانت الاستفاقة الحقيقية للعديد من الحكومات في سنة 2020، حيث تفطنت إلى ضرورة سن تشريعات وقوانين تجبر أثرياء "السوشيال ميديا" على دفع الضرائب والاداءات، بعد اكتشافها لقيمة العائدات المالية القياسية التي يحققونها، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أولى الدول التي لقيت تجاوبا سريعا من قبل الشركات العملاقة في مجال تكنولوجيات الاتصال التي أعلمت بدورها صناع المحتوى في جميع أنحاء العالم، بتغيير سياسات الدفع والضرائب، وكانت أولى هذه الشركات شركة "يوتيوب" التي فرضت خصم من المورد بنسبة 24 في المائة من دخل صانع المحتوى، لصالح الحكومة الأمريكية.
حكومات غيرت سياساتها الضريبية
بعد الولايات المتحدة، انخرطت عدد من الحكومات والبرلمانات العالمية في مناقشة آليات جديدة لفرض ضريبة على المداخيل التي يتلقاها صناع المحتوى من شركات "غوغل" و"يوتوب" و"امازون" و"آبل" .. وغيرها من المنصات التي تنشر المحتوى، والعمل على بلورة تصورها بشأن تقنين "ضريبة الشهرة" بعد الوصول إلى اتفاق مع الشركات المذكورة، كما تم إعداد تصور كامل لكيفية تضريب صناع المحتوى وسن النصوص القانونية المنظمة للعملية بعد وضع معايير تقنية.
ويهدف هذا التوجه إلى ضمان مساهمة صناع المحتوى في المصاريف العمومية على غرار باقي الفئات المنتجة احتراما لمبدأ العدالة والمساواة الجبائية، وخاصة إيجاد موارد جديدة لميزانيات الدول، وكذلك للحّد من فوضى وسائل التواصل الاجتماعي إذ حل المشاهير و"الانستاغراماز" و"التيكتوكيين" و"اليوتيوبور" مكان الإعلاميين والصحافيين وأصبحوا ذوي حظوة تستعين بهم الحكومات كأدوات تأثير في صنع وتوجيه الرأي العام على حساب الصحافة الحقيقية الهادفة.
فرنسا أولى دول أوروبا تغير قواعد نشاط صناع المحتوى
في فرنسا، انطلقت فكرة تضريب أثرياء "السوشيال ميديا" بسن قانون يهدف إلى مكافحة عمليات الاحتيال والانتهاكات التي يرتكبها مؤثرو منصات التواصل الاجتماعي، وتغيير كل القواعد المتعلقة بنشاط نحو 150 ألف مؤثر في فرنسا، وتعتبر هذه الخطوة، الأولى في أوروبا بحسب تعبير وزير الاقتصاد، برونو لو مير، بعدما قررت البلاد وضع إطار كامل لتنظيم المؤثرين.
ولمتابعة مصادر أموال المؤثرين وضعت فرنسا اتفاقية تجارية، تفرض ختم عقد مكتوب بين المؤثر والعلامة التجارية، يظهر فيه بوضوح الثمن المدفوع عن العملية الإشهارية ويجب على منشئي المحتوى المدفوع تحديد الطبيعة التجارية للعملية وهو ما يسهل خضوعه لقانون الضرائب.
ولمراقبة التطبيق الصحيح لهذه القواعد الجديدة، أنشأت فرنسا "فرقة التأثير التجاري" التي تضمن الامتثال للقواعد التجارية عبر الإنترنت من خلال مراقبة الشبكات الاجتماعية، وفي حال عدم امتثال أحد المؤثرين وقيامه بتجاوزات، يتم تحويل الملف إلى القضاء وتتراوح العقوبات بين 5 سنوات حبسا نافذا و375 ألف يورو غرامة كأقصى عقوبة.
تركيا تطلق ضريبة الدخل الحصري
من جهتها سارت تركيا في نفس الخط حيث قننت الحكومة التركية نشاط صناع المحتوى في 26 أكتوبر 2021 وأجرت تعديلات على قوانين الضرائب وتم إدخال نظام ضريبي واضح على مداخيل المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي دخل حيز التنفيذ اعتبارا من بداية سنة 2022. أصبح بمقتضاه كل من يكسب دخلا من محتوى نصي أو مرئي أو صوتي تتم مشاركته على منصات التواصل الاجتماعي يخضع لنظام ضريبة الدخل الحصري، ويتم توجيه المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لفتح حسابات مصرفية في البنوك التركية تكون مخصصة فقط لأنشطتهم على تلك الوسائل، ويتلقون عليها جميع المدفوعات ذات الصلة مقابل خدماتهم.
وتلتزم البنوك باقتطاع 15 في المائة من المبلغ الإجمالي الذي يتم دفعه لهذا الحساب من باقي صافي الربح في نهاية كل عام ودفعه إلى دائرة الضرائب نيابة عن أصحاب الحسابات من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي.
يشار أيضا إلى أن الدخل السنوي للمؤثرين الأتراك في مواقع التواصل الاجتماعي ينبغي ألا يتجاوز 880 ألف ليرة تم تحديده في عام 2022، ليكونوا بذلك مشمولين في النسبة الثابتة التي قدرها 15 في المائة، وإذا تجاوز إجمالي الدخل هذه القيمة، فإن نظام ضريبة الدخل العادي يطبق على صاحبه أي ترتفع النسبة إلى 35 في المائة من إجمالي الدخل السنوي.
الإمارات والسعودية ومصر والأردن أولى الدول العربية
عربيا، تطبيق هذا النوع من الضرائب الذي يفرض على مشاهير "السوشيال ميديا" أو "الإنفلونسرز" انطلقت بفرضه العديد من الدول العربية. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول من طبّقه بنجاح، لتنضم السعودية ومصر والأردن إلى قائمة متبنِّي هذا التوجه وإخضاع صناع المحتوى والمؤثرين للقانون الضريبي الموجود، والذي ينص على فرض ضريبة على أي دخل لأي شخص مهما كان نوع عمله.
وقد فرضت الإمارات العربية المتحدة على المؤثرين والمبدعين الذين يحققون أكثر من 375 ألف درهم إماراتي سنويا أي ما يعادل 102 ألف دولار، عبر تسجيل أنفسهم كشركات تلتزم بدفع الضرائب ويأتي هذا الإجراء في إطار خطة الإمارات لزيادة الإيرادات غير النفطية وتحقيق التنوع الاقتصادي.
وفي السعودية، قررت الهيئة العامة للزكاة والدخل السعودية فرض أداء على نجوم الـ "سوشال ميديا" سميت بضريبة القيمة المضافة على الإعلانات التي يتقاضون أموالها، فرض هذا النوع من الضريبة يكون إذا تجاوزت إيرادات ناشط "السوشيال ميديا" 375 ألف ريال سنوياً من الإعلانات (حسب الموقع الرسمي لصحيفة "عكاظ")...
وفي مصر، ومع مطلع سنة 2021، فرضت الدولة ضرائب على صناع المحتوى على شبكة الإنترنت، لا سيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي بتحديد قيمة الضريبة للإيرادات والمرابيح التي تصل إلى 500 ألف جنيه أي ما يعادل الـ 16 ألف دولار خلال 12 شهرًا من تاريخ مزاولة النشاط.
وخططت وزارة المالية المصرية من خلال تفعيل هذا الإجراء الضريبي إلى تحصيل موارد جبائية تناهز الـتريليون جنيه أي ما يعادل 32 مليون دولار (983 مليار جنيه = 626 مليون دولار)، حسب بيانات الوزارة لموازنة العام المالي 2021-2022..
ليأتي الدور على الأردن التي أعلنت منذ صائفة 2022 بدء فرض ضرائب على مشاهير "السوشيال ميديا" رسميا. وأكدت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات الأردنية أنها قررت فرض ضريبة على النشطاء والمشاهير والمؤثرين و"اليوتيوبرز" وناشري محتوى البث المباشر وفيديوهات الألعاب ونشطاء الترويج والخدمات الإعلانية أو أي أشخاص يحققون دخلا من نشاطهم وظهورهم على مواقع التواصل المختلفة.
وخصصت الدائرة فريقا من موظفيها لمساعدة مشاهير "السوشيال ميديا" والأشخاص الذين يحققون إيرادات مالية من نشاطاتهم على هذه المواقع لتسوية وضعياتهم القانونية وتقديم الإقرارات الضريبية عن المبالغ المحققة من أنشطتهم المختلفة ودفع الضرائب المترتبة للدولة.
تونس تتريث وتتأخر في الاستفادة من عائدات محترمة
مثلها مثل سائر دول العالم، تعيش تونس اليوم تحولا رقميا متسارعا من ذلك أن أكثر من ثلثي التونسيين انضموا إلى الجيل الرقمي وأضحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المتحكمة في الخيارات الاجتماعية والاقتصادية.
وخلافا لبقية الدول العالمية وحتى العربية، ظلت الدولة التونسية أكثر هدوء تجاه الوافد الجديد، ولم تتسرع في سن تشريعات جديدة تتلاءم مع الأنشطة الحديثة لصناع المحتوى والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، معولة في ذلك على ترسانة تشريعات القانون العام المنظم لكل الأنشطة الاقتصادية على اختلافها. وبقي فقط المرسوم عدد 33، المؤرخ في جوان 2020 المتعلق بنظام المبادر الذاتي الذي تم إطلاقه عام 2020، المنظم للأنشطة التجارية على منصات التواصل الاجتماعي -التشريع اليتيم-الذي سنته الدولة في محاولة منها لاحتواء هذه الأنشطة الجديدة وإدخالها في الاقتصاد المنظم وتصنيفها كأنشطة صغيرة ذاتية وحرة، ليصبح هذا المرسوم التشريع الوحيد المنظم لباعثي المشاريع الحرة التي لا تخضع لمعرف تجاري والاكتفاء بالدخول على منصة تعوضه مقابل مساهمة رمزية سنوية في شكل أداء ضريبي للدولة كل سنة.
وتكون بذلك الدولة التونسية قد ضمنت تحصيل أداء على هذا النوع من الأنشطة التجارية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكن ذلك في الحقيقة لا يعدو أن يكون سوى قرار تنظيمي وليس بإجراء جبائي يمكّن الدولة من تحصيل عائدات مالية ذات قيمة.
بالمقابل ترجع الإدارة العامة للدراسات والتشريع الجبائي صلب وزارة المالية التونسية أسباب عدم التفاعل مع الوافد الجديد في عالم منصات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالإطار التشريعي، إلى فشل تجارب سابقة في هذا المجال على غرار القانون الضريبي الذي أطلقته الدولة سنة 2020 والخاص بالرهان الرياضي الذي سرعان ما تم الاستغناء عنه في نفس السنة، باعتباره كان إجراء مسقطا، وهو ما يبرر تريث إدارة الجباية ومن ورائها الدولة في سن قوانين جديدة في ظاهرها تشريعات وفي باطنها آليات لتحصيل الضرائب، والتي قد تحدث ثغرات جديدة في المنظومة الجبائية وبالتالي تعمق أزمة الحيف الضريبي، الظاهرة الخطيرة التي تنتقدها الأوساط التونسية خاصة فئة الأجراء.
وعلى هذا الأساس، وفي ظل غياب تشريعات خاصة بهذا المجال، تعد تونس من بين البلدان التي تتعامل مع أنشطة صناع المحتوى والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي بإخضاعها لاعتماد المنظومة العامة التي تتعلق بالضريبة التي تطبق على كل الأشخاص، وكل نشاط يخضع إلى نظام ضريبي خاص به حسب صنفه ومردوديته المالية، بما سيسمح لعدد هام من هذه الأنشطة تطبيق النظام الجبائي الجديد المتعلق بمنظومة رخص الأعمال للناشطين على الحساب الخاص التي تم تنظيمها في 2020 مع تمتيعهم بامتيازات وتحفيزات في التمتع بالخدمات الاجتماعية وبأنظمة جبائية تحفيزية..
مكاسب التجارة الالكترونية في تونس من صناع المحتوى
ومع اختلاف أنشطة صناع المحتوى والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي في تونس لتشمل كل المجالات من تجارة وتنمية بشرية وثقافة ودين وغيرها من خدمات، فان القانون العام التونسي للجباية يحتوي جميع هذه الأصناف مرتبة ومفصلة في جداول ليجد كل صنف ضالته فيه، وباعتبار الصنف الأكثر شيوعا بين الأوساط التونسية، التجارة الإلكترونية، حسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن هياكل الدولة على غرار الهيئة الوطنية للاتصال وإدارة التجارة الالكترونية صلب وزارة التجارة التونسية، فان القانون التونسي الخاص بالمبادلات والتجارة الإلكترونية عدد 83 لسنة 2000 مؤرخ في 9 أوت 2000 سيكون بوصلة هذا القطاع تشريعيا وجبائيا...
وعرف قطاع التجارة الالكترونية نموا مطردا في تونس لترتفع قيمة عمليات الدفع الالكتروني وتصل إلى 831.3 مليون دينار أي ما يعادل 273 مليون دولار، وزاد عدد مواقع التجارة الالكترونية بنسبة 10 بالمائة ليمر من 1436 موقعا، سنة 2021، إلى 1583 موقعا، في 2022. وفق نشرية حديثة حول "مؤشرات المدفوعات في تونس" أصدرها البنك المركزي التونسي..
هذه المواقع الإلكترونية التجارية وجدت في مشاهير "السوشيال ميديا" أفضل وسيلة ترويج لمنتجاتها، حيث استقطبتهم بأعداد كبيرة للاستفادة من شهرتهم ومن عدد متابيعهم على منصات التواصل الاجتماعي.
حجم العائدات من صناع المحتوى في تونس
واليوم، مع تجاوز عدد صناع المحتوى والمؤثرين في تونس على منصات التواصل الاجتماعي الـ20 ألفا، حسب آخر إحصاء قامت به وكالة اتصال فرنسية، فالأكيد أن حجم العائدات المالية الضريبية المتوقع تحصيلها في خزينة الدولة ستكون مرتفعة بالنظر إلى المرابيح السنوية التي يحققها هذا العدد المتنامي للناشطين في القطاع الجديد والتي قد تصل حسب التقديرات التي تحصلنا عليها من مسؤولي إدارة الجباية في تونس إلى 1.5 مليار دينار سنويا...
ولتحصيل الدولة هذه الموارد، خيرت الحفاظ على المعادلة بين الجانب القانوني والجانب الاجتماعي عبر التعامل مع هذه الشريحة من الناشطين بطريقة سلسلة لاستقطابهم إلى الاقتصاد المنظم دون فرض تشريعات جديدة وبالتالي النجاح في تحصيل موارد جبائية إضافية.
لكن هذا التوجه الذي اختارته الدولة التونسية في التعامل مع الوافد الجديد، يجب أن يكون ظرفيا عبر تعزيز الجانب الرقابي في هذا المجال حتى تتمكن الدولة في وقت وجيز من تحصيل موارد ذاتية جبائية سترفع من منسوب المداخيل العمومية السنوية بما سيقلص من العجز الحاصل في موازنتها العمومية، وقد يكون أبرز الحلول الناجعة، لان أنشطة صناع المحتوى والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي تمر وجوبا بمراحل تكشف عنها المصالح الرقابية للدولة بسهولة أهمها مرورهم إلى مراحل الاقتناء وامتلاك المنقولات العينية التي تتطلب المرور بالمسالك القانونية من تسجيل وتوثيق وحفظ للمعطيات الشخصية، وبالتالي يتم استقطاب هذه الفئة الناشطة للتصريح والتسجيل وفتح رخص قانونية.
عائدات بعيدة عن الأرقام العالمية.. لكنها مهمة بالنسبة لخزينة الدولة...
وبحسب توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يمكن أن توفر ضريبة مشاهير "السوشيال ميديا" فيما بين 4 إلى 10 بالمائة زيادة في المداخيل الجبائية العالمية، في حين أن الأمر في تونس يختلف في ظل غياب هذا النوع من الضرائب والاكتفاء بالنظام الموجود للضرائب، لكن ذلك لا يمنع من تحصيل الدولة على موارد إضافية.
وبالرجوع إلى جدول نظام الضرائب لوزارة المالية التونسية وفصول قانون ميزانية الدولة العمومية للسنة الحالية 2023، واستنادا إلى المؤشرات التي حددتها الدولة من موارد جبائية ونفقات التأجير، نستطيع بمجرد عملية حسابية التعرف على العائدات المتوقع تحصيلها هذا العام فقط من مشاهير "السوشيال ميديا" في تونس.
حيث ناهزت قيمة المداخيل الجبائية المتأتية من أجور الموظفين البالغ عددهم 3 ملايين أجير في القطاعين العام والخاص، إلى جانب المهن الحرة الـ 23 ألف مليون دينار أي ما يعادل الـ 7.5 مليون دولار بعد توظيف نظام الضريبة المحدد في تونس فيما بين 20 و22 بالمائة.
وباعتبار أن النظام الجبائي التونسي يسري على صناع المحتوى والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي والبالغ عددهم إلى اليوم حدود الـ 20 ألف ناشط، فان الموارد المالية المتوقع تعبئتها ستكون في حدود الـ 1.5 مليار دينار تونسي أي ما يعادل الـ 500 مليون دولار، وبنسبة 0.8 بالمائة من مجموع قيمة المحاصيل الجبائية الجملية.
وبالرغم من أن هذه القيمة مازالت بعيدة عن حجم العائدات المحققة في العديد من دول العالم، إلا أنها تظل هامة بالنسبة إلى خزينة الدولة التونسية الباحثة عن موارد إضافية بما يؤكد ضرورة الاستفادة من هذا القطاع عبر التسريع في سن تشريعات جديدة خاصة به، على غرار دول المنطقة العربية على الأقل...
المصادر:
- شركة "Captiv8"
- شركة "ازيا"
- موقع "ديجيتال بير"
- موقع "COLLABSTR"
- موقع"egyptindependent"
- شركة "سوشالباكرز"
- وكالة التسويق الرقمي "WaR"
- وزارة المالية المصرية
- موقع الحكومة التركية
- موقع الحكومة الفرنسية
- مواقع الحكومات العربية، التي تناولها المقال بالدرس ووزارات المالية وإدارات الضرائب الراجعة لها بالنظر.
- وزارة المالية التونسية وإدارة الدراسات والتشريع الجبائي ووزارة التجارة التونسية والهيئة الوطنية للاتصالات بتونس والرائد الرسمي للدولة التونسية.