لا تزال مشكلة طول التقاضي ونشر القضايا بالمحاكم دون الفصل فيها في آجال معقولة يشكل مشكلة كبيرة خاصة وان المسألة أرهقت ليس فقط المتقاضين بل كذلك القضاة والمساجين أنفسهم الذين يبقى العديد منهم ينتظرون السنوات الطوال لفصل قضيتهم، وهناك بعض المتقاضين الذين يتوفون دون استرداد حقوقهم التي دفعوا طيلة رحلة البحث عنها ليس فقط الثمن المادي ولكن المعنوي وتوفوا ولا تزال قضاياهم منشورة امام المحاكم على غرار قضايا العدالة الانتقالية فالعديد من ضحايا انتهاكات الماضي وافتهم المنية قبل أن يعترف جلادوهم الذين أخطأوا في حقهم وقبل ان يعتذروا لهم عما اقترفوه من انتهاكات جسيمة في حقهم فضلا عن ذلك هناك قضايا طلاق تبقى بالسنوات أمام المحكمة والعديد من القضايا الجنائية على غرار قضايا القتل وهذا فيه انكار للعدالة وليس تحقيقها، فالعدالة لا تتحقق بصدور الحكم العادل فحسب وإنّما صدور هذا الحكم في أجل معقول ذلك أنّ لعامل الزمن أهمية قصوى في تحقيق العدالة، فالحكم المنصف إذا جاء متأخرا قد لا يفضي إلى إزالة الظلم ويغدو تبعا لذلك مجرّد ردّ اعتبار معنوي لا غير خصوصا إذا كان القرار المُلغى أو الضرر وفق ما سبق وأن أكد على ذلك أستاذ القانون الإداري عصام بن حسين.
والمتامل لمسألة طول التقاضي يدور في ذهنه ان هناك مماطلة متعمدة من قبل المحكمة لعدم الفصل في القضايا المنشورة امامها والبعض الاخر يتهم المحامين بالتعطيل، تساؤلات عديدة واستفهامات تدور بذهن المتقاضي والمواطن بصفة عامة فمن يتحمل المسؤولية إذن؟
سؤال طرحته "الصباح" على أهل الاختصاص الذين قدموا لنا العديد من التوضيحات علها تنهي هذا الجدل الحاصل حول اسباب طول نشر القضايا.
الأسباب والحلول..
فيصل بوقرة القاضي بالمحكمة الإدارية اعتبر أن هناك أسبابا هيكلية وأسبابا إجرائية تفسّر بطء البتّ في القضايا أمام القضاء الإداري على سبيل المثال.
فبخصوص العوامل الهيكلية، فتتمثل أهمّها في النقص في عدد القضاة والأعوان والمقرّات وعدم إرساء محاكم إداريّة استكمالا للامركزية القضاء الإداري.
أما العوامل الاجرائية فهي تتعلق بطبيعة إجراءات التحقيق أمام القضاء الإداري والتي تتميز بطبيعتها الكتابية والمكتبية، بمعنى أنه لا يجوز لأطراف الدعوى تبادل التقارير فيما بينهم مباشرة أو أثناء جلسة تحضيرية، وإنما يتم ذلك عبر القاضي المقرر الذي يتلقى التقارير والعرائض من الأطراف عبر مكتب الضبط ليعيد إحالتها عبر الكتابة العامة إلى الإدارة والأطراف بعد إجراء ما تستوجبه من تحقيق.
وطبيعة هذه الإجراءات تضع تكاليف على كاهل المحكمة كما تساهم في إطالة أمد النزاع.
الحلول..
على الصعيد الهيكلي، وبغية العمل على التسريع في البت في القضايا التي طال نشرها صدرت عدّة مذكرات كما صدرت أوامر حكومية سنة 2017 تتعلق بإحداث12 دائرة ابتدائية جهوية و4 دوائر استئنافية ودائرة تعقيب وتمّ دعم الإطار البشري بـ60 قاضيا و120 بين الكتبة والعملة والموظفين تزامنا مع إجراء أول انتخابات بلدية في إطار دستور سنة 2014.
إلاّ أن البناء الهيكلي لا يكتمل إلاّ بإرساء المحكمة الإدارية العليا التي تشكل أعلى هرم للقضاء الإداري باعتبارها تسهر على مراقبة حسن تطبيق القانون من قبل مختلف الدوائر لتوحيد فقه القضاء الإداري، والمرور إلى مرحلة إحداث المحاكم الاستئنافية والمحاكم الابتدائيّة، وبالتالي إرساء اللامركزية بمعناها الحقيقي، وما يتطلبه ذلك من مزيد انتداب القضاة والأعوان ومراجعة الاستقلالية المالية لهذه المحاكم، وكذلك العمل على رقمنة الخدمات أمامها وربطها البيني ببقية المحاكم والمؤسسات.
وبخصوص الاستقلالية المالية، من المعلوم أن المحكمة الإدارية كانت تتمتع بالاستقلالية المالية مع نظيرتها دائرة المحاسبات (سابقا)، وذلك بموجب الفصل 59 من دستور سنة 1959 المحدث لمجلس الدولة، غير أن إلغاء هذا الأخير بمقتضى دستور سنة 2014 جعل إطارها التشريعي يتقهقر.
ومع صدور القانون الأساسي للميزانية سنة 2019 نصّ الفصل 19 منه على أن "تعتبر مهمات خاصة كل من الهياكل القضائية العدلية والإدارية والمالية التي تنص قوانينها الأساسية على الاستقلالية الإدارية والمالية"، غير أن القانون الحالي للمحكمة لا يتضمّن ذلك التّنصيص، في حين تمكّنت دائرة المحاسبات من إصدار قانونها الأساسي سنة 2019 الذي واصل تكريس تلك الاستقلالية التي تتمتّع بها سابقا وتدعيمها (قانـون أساسي عدد 41 لسنة 2019 مؤرخ في 30 أفريل 2019 يتعلق بمحكمة المحاسبات منشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، عدد 39، بتاريخ 14 ماي 2019).
وعلى الصعيد الاجرائي، تضمن مشروع مجلة القضاء الإداري في نسخته الثالثة والأخيرة الصادرة بتاريخ سبتمبر 2021 عدة إجراءات من شأنها أن تضغط على آجال البت في القضايا وتحقق مبدأ الحق في محاكمة عادلة في آجال معقولة،
كما تطرق الى مسألة مراجعة الاختصاص الترابي نحو تكريس قضاء القرب.
وأوضح القاضي فيصل بوقرة أنه علاوة على اللامركزية وقضاء القرب، سعى مشروع المجلة لمواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية ومزيد تدعيم التبادل اللامادي للمعلومات والتقاضي عن بعد/ téléprocédures Télérecours الذي يطبق منذ سنوات في عديد الدول أين وصل الأمر إلى حد إمكانية رفع قضية بواسطة مراسلة قصيرة من الهاتف الجوال.
وقد أوجب الفصل 7 من مشروع المجلة أن تتم إجراءات التقاضي أمام القضاء الإداري وجوبا عبر النظام الالكتروني.
كما تم اعتماد التوزيع الالكتروني للقضايا على الدوائر بالفصل 25 من مشروع المجلة لمزيد تعزيز الثقة في القضاء ودعم الموضوعية في توزيع القضايا على الدوائر.
وفي هذا السياق تكفّلت الفصول من 20 إلى 25 بتفصيل مقتضيات التقاضي الالكتروني عن بعد، علما أن مقتضيات هذه الفصول لن تدخل حيز النفاذ إلا بعد تجهيز موقع واب المحكمة الإدارية الذي تم انشاؤه على الإنترنت منذ أواسط سنة 2019 وشارف على نهايته في معظم جوانبه التقنية والفنية، كما تمّ اجراء دورات تدريبية وتكوينية مكثفة لفائدة أعوان المحكمة الذين سوف يكونون معنيين مباشرة بمعالجة المعلومة والوثيقة القضائية الالكترونية، هذا وقد تمّ الإطلاق الرّسمي لمنصّة الخدمات الالكترونيّة عبر موقع واب المحكمة الإداريّة www.jat.tn، وتستهدف الخدمات التي يُقدّمها الموقع ثلاث فئات من المواطنين وهي أوّلا: المتقاضي أو من ينوبه (المحامون والإدارة)، ثانيا: الباحثون والجامعيّون والطّلبة والخبراء والمهنيّون ورجال القانون وكلّ المهتمّين بالشّأن القضائي، ثالثا: القضاة والإطارات الإداريّة للمحكمة.
إعادة تنظيم إجراءات التقاضي..
وبين محدثنا أنه في سعي منها لمزيد الضغط على الآجال وتخفيف العبء على القاضي قصد ضمان تفرغه للعمل القضائي الصرف في توفيق بين الجودة والآجال المعقولة، تضمّن مشروع المجلّة إدخال عدّة إصلاحات ضروريّة على إجراءات التقاضي أمام المحكمة الإداريّة.
التقاضي الالكتروني..
ومن المقطوع به أنّ مسألة التقاضي الالكتروني وإيداع التقارير في صيغة الكترونية من شأنها أن تساعد القاضي المقرّر على سرعة تلخيص العرائض والتقارير، وقد تمّ اعتماد هذه التجربة خلال نزاع الانتخابات الرئاسية سنة 2019 والتي ساهمت في سرعة البت وإصدار الأحكام واحترام مبدأ البت في الآجال المعقولة Principe du délai raisonnable.
بالإضافة إلى ذلك أقرّ مشروع المجلّة وجوب تبادل التقارير بين الأطراف مباشرة وعبر النظام الالكتروني وليس عبر وساطة القاضي المقرر، كما ألزمت المجلة الأطراف ضمن مقترح الفصل 104 منها بالردّ على عريضة الطعن في أجل أقصاه شهر، وللمدّعي نفس الأجل للردّ، هذا على أنه يشترط لتواصل تبادل التقارير بين الطرفين مصادقة رئيس الدائرة على ذلك، إلى جانب أن مشروع المجلة ضرب أجلا للخبراء لإنجاز مأمورية الاختبار في أجل أقصاه 3 أشهر وذلك بالفصل 115 منها.
من جهة أخرى يكون على القاضي المقرر ختم التحقيق في أجل أقصاه 6 أشهر مثلما تضمن ذلك الفصل 109 بالنسبة للابتدائي، وعلى رئيس الدائرة في أجل أسبوع من تسلمه تقرير ختم التحقيق إحالة القضية على رئيس المحكمة لتعيينها في جلسة مرافعة طبقا لمقتضيات مقترح الفصل 109، وفي أجل أقصاه شهران من تاريخ التصريح بمنطوق القضية يجب تلخيص الحكم وتحريره طبقا لما جاء بالفصل 74.
ضمان سرعة البت واحترام مبدأ الآجال..
بين فيصل بوقرة أن القضاء المستعجل يحتل أهمية قصوى في القضاء، إذ قد يتطلب حماية الحق من التلاشي ضرورة التدخل السريع والناجز، وهو الأمر الذي تكفلت الفصول من 233 إلى 277 من مشروع المجلة بتنظيمه وتدقيقه بإعادة بلورة بعض "المؤسسات القانونية" التي جاء بها قانون المحكمة لسنة 1972 أو بإضافة إجراءات جديدة ومستحدثة مستوحاة من التجارب المقارنة.
وفي هذا النطاق، وفي سعي لمزيد دمقرطة مادة توقيف تنفيذ القرارات الإدارية، تم اقتراح عدة إصلاحات ضمن الفصول من 233 إلى 242 من مشروع المجلة.
وعلى سبيل الذكر تم تكريس مبدأ التقاضي على درجتين المنصوص عليه بالدستور بخصوص مادة توقيف التنفيذ، كما تم إقرار اختصاص كل رئيس محكمة ابتدائية ومحكمة استئناف لرئاسة دائرة متخصصة في المادة المذكورة Une compétence partagée et diffuse.
إضافة إلى ذلك تم ادراج مواد استعجالية مستجدة ضمن الوسائل الوقتية المجدية، ومن ذلك ادراج الاستعجالي في مادة الحريات العامة والحقوق الأساسية Référé liberté وهو اجراء شبيه بما تضمنه الفصل 278 من مجلة الجماعات المحلية في مادة اعتراض الوالي على قرارات رئيس البلدية، لكنه أوسع وأشمل وأنجع.
ويخول هذا النوع من الوسائل الوقتية الاستعجالية المجدية للقاضي الاذن في جميع حالات التأكد بكل التدابير الضرورية لحماية الحريات الأساسية اللصيقة بذات الانسان والحقوق والحريات المضمونة دستوريا من الانتهاكات الجسيمة وغير الشرعية.
وفي نفس الإطار تم تكريس التدابير الاستعجالية بخصوص الاختبارات والمعاينات ودفع تسبقة مبلغ على الحساب، وفي نفس النطاق تم إقرار التدخل القضائي المستعجل في مادة التدابير لحماية الملك العمومي والبيئة، وكذلك نفس الشيء بخصوص المادة التعاقدية من منافسة ولزمة وصفقات وعقود شراكة Référé contractuel، كذلك وقع تكريس التدابير الاستعجالية فيما يتعلق بالقطاع السمعي والبصري. هذا وتم الاستلهام من تجربة النزاع الانتخابي لتكريس التدابير الاستعجالية بخصوص الحملات الانتخابية Référé électoral.
أحكام القضاء الاداري..
أشار محدثنا الى أن مسألة تنفيذ الأحكام القضائية وخاصة أحكام المحكمة الإدارية تعد من أسباب فقدان المواطن لثقته المشروعة في مؤسسات الدولة.
ولئن وجدت بعض الاجتهادات القضائية نحو محاولة فرض تطبيق أحكام الفصل 315 من المجلة الجزائية على حالات رفض تنفيذ الأحكام القضائية، إلا أن النجاعة لازالت مفقودة.
ورغم احداث دائرة استشارية بالمحكمة الإدارية للمساعدة على التنفيذ سنة 2008 واحداث مؤسسة الموفق الإداري وحتى تنصيص قانون المحكمة على اصدار الأحكام باسم الشعب وتنفيذها باسم رئيس الجمهورية إلا أن استجابة الإدارة لتنفيذ الأحكام خاصة في مادة الإلغاء لازالت أدنى من المأمول.
وعليه نظّم مشروع المجلة مسألة تنفيذ الأحكام ضمن الفصول من 278 إلى 286، ومن ذلك ما أقرّه من إحداث لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ الأحكام الإدارية لدى المحكمة الإدارية العليا.
إضافة إلى ذلك أوجب مشروع المجلة على رئيس الإدارة الذي يتعمد عدم تنفيذ الحكم تحمل المسؤولية المدنية والجزائية عن ذلك ويمكن مؤاخذته أمام القضاء ويكون المكلف العام بنزاعات الدولة مكلفا بتتبع المسؤولين عن عدم التنفيذ.
علاوة على ذلك أقر مشروع المجلة إمكانية تسليط غرامة مالية على الإدارة على كل يوم تأخير في تنفيذ الحكم، وهو ما يعبر عنه فقها وقضاء بالغرامة الزجرية أو التهديدية.Astreinte
هذا فضلا عن اعتبار مشروع المجلة الامتناع عن تنفيذ الأحكام خطأ تصرف على معنى أحكام القانون المتعلق بمحكمة المحاسبات يستوجب المحاسبة. ان هناك اسبابا هيكلية واجرائية، هيكلية تتمثل في نقص في القضاة والأعوان والمقرات وعدم انشاء محاكم جديدة ...اما الأسباب الاجرائية فتتعلق باجراءات التحقيق التي جميعها كتابية، بمعنى لا وجود لإجراء يدلى بتقارير مباشرة بين الأطراف، بل القاضي المقرر هو من يتلقى التقارير والعرائض من المدعي عبر مكتب الضبط ويحيلها عبر الكتابة العامة إلى الإدارة والأطراف....فهذه الإجراءات تطيل في النزاع.
مختص في القانون لـ"الصباح". طول إجراءات التقاضي تتحمل مسؤوليته عدة أطراف.. وقضايا العدالة الانتقالية أكبر خطأ إجرائي
المحامي علي البدوي تحدث عن المشكلة بصفة عامة معتبرا في تصريح لـ"الصباح" أن هناك قضايا مدنية وجزائية فالأولى آجال فصلها عادة قصيرة باعتبار انها مرتبطة باجراءات شكلية تنطلق باثارة الدعوى عن طريق تقدم المتقاضي إلى المحكمة بقضية مدنية سواء في التعويض عن الضرر او قضية شغلية او في الضمان الاجتماعي او القضايا الشخصية مرورا بقضايا النفقة والطلاق ومنحة السكن فعادة هذه القضايا المدنية مرتبطة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية التي تنقسم إلى أقسام، بينها رفع الدعوى، النظر في الدعوى والحكم فيها، في العادة هذه القضايا بمراحلها الابتدائية الاستئنافية وحتى التعقيبية ففي اغلب الاحيان لا تتجاوز العام والنصف واقصى تقدير عامين ويتم فصلها.
وأشار المتحدث الى ان هناك اسبابا ادت الى تعطل العمل بالمحاكم وتسببت في طول التقاضي وهي اسباب خارجة عن نطاق الخصوم والقضاة على غرار فترة وباء كورونا واضراب القضاة فالقضايا تم تأجيلها لهذين السببين.
وأوضح ان القضايا الجزائية خاصة الجنائية تحديدا هي التي عادة ما يطول نشرها والتي يكون فيها طور التحقيق إجباري على عكس المخالفات والجنح، فالقضايا الجنائية فيها طور استقرائي، تتعلق بالتحقيق وباحث البداية وهناك طور اخر يتعلق بدائرة الاتهام، الدائرة الجنائية والتعقيب على غرار قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد التي اعتبر انها أطول قضية طال نشرها باعتبار أنه إلى حد الآن لم يتم الفصل فيها على المستوى الابتدائي رغم ان المتهم الرئيسي جزائيا في القضية توفي بغض النظر من طول نشر القضية كان متعمدا ام غير متعمد باعتبار أن هناك جهتين سياسيين في الملف، جهة تمثل شكري بلعيد وهي اليسار التونسي والجهة المتهمة والتي تمثل حركة النهضة.
وأضاف أن القضاة دائما ما يؤكدون انه اذا كان هناك ملف جاهز يتم الحكم في القضية ولكن هناك المحامون الذين يمثلون القائمون بالحق الشخصي كذلك الذين يمثلون المتهمين يطلبون في العديد من الأحيان القيام ببعض الإجراءات أو التأخير لمرض محام، لذلك فطول التقاضي لا يمكن أن يتحمل مسؤوليته طرف واحد بل أطراف القضية لمحامي المتهم ومحامي القائم بالحق الشخصي وهناك مسؤولية القاضي كذلك فبعض القضاة ورغم ان القضية تكون جاهزة يقرر تأخيرها على حالتها ويكون ذلك عادة عندما نقترب من العطلة القضائية كي لا يضطر ذلك القاضي الى تلخيص الأحكام لذلك يفضل تأخيرها وياتي زميل اخر له ويتكفل بالمهمة. وهذا فيه انكار للعدالة بمعنى ان التعطيل تتحمل مسؤوليته كافة الأطراف المحامي والقاضي وتكون النتيجة بالتالي اضمحلال حقه ودفعه الى الشعور بالياس في استرداده بالقانون وربما التفكير في استرداده بالقوة.
أب مات كمدا بسبب طول نشر قضية قتل ابنه..
وأشار ان هناك أب توفي كمدا وغيضا على ابنه الذي راح ضحية جريمة قتل والقضية طال نشرها ولم يتم فصلها فبقي الأب يكابد وراء المحاكم ويحضر الجلسات تلو الأخرى عله يتم النطق بالحكم ولكن مات قبل أن تنطق المحكمة بالحكم.
واكد علي البدوي انه بالنسبة لقضايا العدالة الانتقالية فهي أكبر خطأ اجرائي تم فيها في تاريخ القضاء التونسي خاصة وأن هناك قضايا جدت أحداثها سنوات خلت على غرار قضية البايات متسائلا هل تم فيها توجيه استدعاءات للمنسوب اليهم الإنتهاك وهم طاعنين في السن متسائلا بماذا ستنفع هذه القضايا؟ وماذا سينفع فتح جراحات قديمة؟ وما الهدف من فتح قضايا العدالة الانتقالية والحال أن بعض الأدلة الجنائية في العديد منها اضمحلت...ورغم ذلك يعتبر أن تأخير النظر في تلك القضايا ربما
90% من قضايا الاحتكار وقع اطلاق سراح المتهمين فيها
يعود الى وجود أسباب مقنعة وموضوعية لتأخيرها ولكن بالنسبة لبقية القضايا الأخرى خاصة الجنائية فإن الأسباب عديدة ومتعددة مثلما سبق وأن بين وهناك نقطة أخرى ساهمت في تراكم القضايا بسبب عدم نشر الحركة القضائية من جهة كذلك بسبب عزل عدد كبير من القضاة دون تعويضهم وهناك جانب اخر موكول للنيابة العمومية التي تتولى فتح أبحاث في قضايا بسيطة على غرار خلافات بسيطة بين زوجين أو بين جار وجاره والحال من المفروض افراد هذا النوع من القضايا بجهات خاصة كإحداث مثلا مجلة جزائية خاصة بتلك القضايا تجنبا لتراكم القضايا مشيرا ان هناك 90 بالمائة من قضايا الاحتكار وقع اطلاق سراح المتهمين فيها على غرار بعض قضايا الإرهاب فالعديد من المتهمين فيها وقع اطلاق سراحهم وغلق الملف كما أنه بامكان دراسة كل ملف من هذه الملفات واحالتها على المحكمة حسب الاختصاص الترابي بكل جهة لا احالتها جميعها على قطب الإرهاب. واشار الى أسباب أخرى لوجستية تسببت في طول التقاضي.
واعتبر ان طول التقاضي فيه مضرة للمتقاضي ويتحمل مسؤوليته الجميع فأي شخص يكيل الاتهام للآخر فهو المسؤول بدوره المحامي والقاضي والدولة.
صباح الشابي
تونس-الصباح
لا تزال مشكلة طول التقاضي ونشر القضايا بالمحاكم دون الفصل فيها في آجال معقولة يشكل مشكلة كبيرة خاصة وان المسألة أرهقت ليس فقط المتقاضين بل كذلك القضاة والمساجين أنفسهم الذين يبقى العديد منهم ينتظرون السنوات الطوال لفصل قضيتهم، وهناك بعض المتقاضين الذين يتوفون دون استرداد حقوقهم التي دفعوا طيلة رحلة البحث عنها ليس فقط الثمن المادي ولكن المعنوي وتوفوا ولا تزال قضاياهم منشورة امام المحاكم على غرار قضايا العدالة الانتقالية فالعديد من ضحايا انتهاكات الماضي وافتهم المنية قبل أن يعترف جلادوهم الذين أخطأوا في حقهم وقبل ان يعتذروا لهم عما اقترفوه من انتهاكات جسيمة في حقهم فضلا عن ذلك هناك قضايا طلاق تبقى بالسنوات أمام المحكمة والعديد من القضايا الجنائية على غرار قضايا القتل وهذا فيه انكار للعدالة وليس تحقيقها، فالعدالة لا تتحقق بصدور الحكم العادل فحسب وإنّما صدور هذا الحكم في أجل معقول ذلك أنّ لعامل الزمن أهمية قصوى في تحقيق العدالة، فالحكم المنصف إذا جاء متأخرا قد لا يفضي إلى إزالة الظلم ويغدو تبعا لذلك مجرّد ردّ اعتبار معنوي لا غير خصوصا إذا كان القرار المُلغى أو الضرر وفق ما سبق وأن أكد على ذلك أستاذ القانون الإداري عصام بن حسين.
والمتامل لمسألة طول التقاضي يدور في ذهنه ان هناك مماطلة متعمدة من قبل المحكمة لعدم الفصل في القضايا المنشورة امامها والبعض الاخر يتهم المحامين بالتعطيل، تساؤلات عديدة واستفهامات تدور بذهن المتقاضي والمواطن بصفة عامة فمن يتحمل المسؤولية إذن؟
سؤال طرحته "الصباح" على أهل الاختصاص الذين قدموا لنا العديد من التوضيحات علها تنهي هذا الجدل الحاصل حول اسباب طول نشر القضايا.
الأسباب والحلول..
فيصل بوقرة القاضي بالمحكمة الإدارية اعتبر أن هناك أسبابا هيكلية وأسبابا إجرائية تفسّر بطء البتّ في القضايا أمام القضاء الإداري على سبيل المثال.
فبخصوص العوامل الهيكلية، فتتمثل أهمّها في النقص في عدد القضاة والأعوان والمقرّات وعدم إرساء محاكم إداريّة استكمالا للامركزية القضاء الإداري.
أما العوامل الاجرائية فهي تتعلق بطبيعة إجراءات التحقيق أمام القضاء الإداري والتي تتميز بطبيعتها الكتابية والمكتبية، بمعنى أنه لا يجوز لأطراف الدعوى تبادل التقارير فيما بينهم مباشرة أو أثناء جلسة تحضيرية، وإنما يتم ذلك عبر القاضي المقرر الذي يتلقى التقارير والعرائض من الأطراف عبر مكتب الضبط ليعيد إحالتها عبر الكتابة العامة إلى الإدارة والأطراف بعد إجراء ما تستوجبه من تحقيق.
وطبيعة هذه الإجراءات تضع تكاليف على كاهل المحكمة كما تساهم في إطالة أمد النزاع.
الحلول..
على الصعيد الهيكلي، وبغية العمل على التسريع في البت في القضايا التي طال نشرها صدرت عدّة مذكرات كما صدرت أوامر حكومية سنة 2017 تتعلق بإحداث12 دائرة ابتدائية جهوية و4 دوائر استئنافية ودائرة تعقيب وتمّ دعم الإطار البشري بـ60 قاضيا و120 بين الكتبة والعملة والموظفين تزامنا مع إجراء أول انتخابات بلدية في إطار دستور سنة 2014.
إلاّ أن البناء الهيكلي لا يكتمل إلاّ بإرساء المحكمة الإدارية العليا التي تشكل أعلى هرم للقضاء الإداري باعتبارها تسهر على مراقبة حسن تطبيق القانون من قبل مختلف الدوائر لتوحيد فقه القضاء الإداري، والمرور إلى مرحلة إحداث المحاكم الاستئنافية والمحاكم الابتدائيّة، وبالتالي إرساء اللامركزية بمعناها الحقيقي، وما يتطلبه ذلك من مزيد انتداب القضاة والأعوان ومراجعة الاستقلالية المالية لهذه المحاكم، وكذلك العمل على رقمنة الخدمات أمامها وربطها البيني ببقية المحاكم والمؤسسات.
وبخصوص الاستقلالية المالية، من المعلوم أن المحكمة الإدارية كانت تتمتع بالاستقلالية المالية مع نظيرتها دائرة المحاسبات (سابقا)، وذلك بموجب الفصل 59 من دستور سنة 1959 المحدث لمجلس الدولة، غير أن إلغاء هذا الأخير بمقتضى دستور سنة 2014 جعل إطارها التشريعي يتقهقر.
ومع صدور القانون الأساسي للميزانية سنة 2019 نصّ الفصل 19 منه على أن "تعتبر مهمات خاصة كل من الهياكل القضائية العدلية والإدارية والمالية التي تنص قوانينها الأساسية على الاستقلالية الإدارية والمالية"، غير أن القانون الحالي للمحكمة لا يتضمّن ذلك التّنصيص، في حين تمكّنت دائرة المحاسبات من إصدار قانونها الأساسي سنة 2019 الذي واصل تكريس تلك الاستقلالية التي تتمتّع بها سابقا وتدعيمها (قانـون أساسي عدد 41 لسنة 2019 مؤرخ في 30 أفريل 2019 يتعلق بمحكمة المحاسبات منشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، عدد 39، بتاريخ 14 ماي 2019).
وعلى الصعيد الاجرائي، تضمن مشروع مجلة القضاء الإداري في نسخته الثالثة والأخيرة الصادرة بتاريخ سبتمبر 2021 عدة إجراءات من شأنها أن تضغط على آجال البت في القضايا وتحقق مبدأ الحق في محاكمة عادلة في آجال معقولة،
كما تطرق الى مسألة مراجعة الاختصاص الترابي نحو تكريس قضاء القرب.
وأوضح القاضي فيصل بوقرة أنه علاوة على اللامركزية وقضاء القرب، سعى مشروع المجلة لمواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية ومزيد تدعيم التبادل اللامادي للمعلومات والتقاضي عن بعد/ téléprocédures Télérecours الذي يطبق منذ سنوات في عديد الدول أين وصل الأمر إلى حد إمكانية رفع قضية بواسطة مراسلة قصيرة من الهاتف الجوال.
وقد أوجب الفصل 7 من مشروع المجلة أن تتم إجراءات التقاضي أمام القضاء الإداري وجوبا عبر النظام الالكتروني.
كما تم اعتماد التوزيع الالكتروني للقضايا على الدوائر بالفصل 25 من مشروع المجلة لمزيد تعزيز الثقة في القضاء ودعم الموضوعية في توزيع القضايا على الدوائر.
وفي هذا السياق تكفّلت الفصول من 20 إلى 25 بتفصيل مقتضيات التقاضي الالكتروني عن بعد، علما أن مقتضيات هذه الفصول لن تدخل حيز النفاذ إلا بعد تجهيز موقع واب المحكمة الإدارية الذي تم انشاؤه على الإنترنت منذ أواسط سنة 2019 وشارف على نهايته في معظم جوانبه التقنية والفنية، كما تمّ اجراء دورات تدريبية وتكوينية مكثفة لفائدة أعوان المحكمة الذين سوف يكونون معنيين مباشرة بمعالجة المعلومة والوثيقة القضائية الالكترونية، هذا وقد تمّ الإطلاق الرّسمي لمنصّة الخدمات الالكترونيّة عبر موقع واب المحكمة الإداريّة www.jat.tn، وتستهدف الخدمات التي يُقدّمها الموقع ثلاث فئات من المواطنين وهي أوّلا: المتقاضي أو من ينوبه (المحامون والإدارة)، ثانيا: الباحثون والجامعيّون والطّلبة والخبراء والمهنيّون ورجال القانون وكلّ المهتمّين بالشّأن القضائي، ثالثا: القضاة والإطارات الإداريّة للمحكمة.
إعادة تنظيم إجراءات التقاضي..
وبين محدثنا أنه في سعي منها لمزيد الضغط على الآجال وتخفيف العبء على القاضي قصد ضمان تفرغه للعمل القضائي الصرف في توفيق بين الجودة والآجال المعقولة، تضمّن مشروع المجلّة إدخال عدّة إصلاحات ضروريّة على إجراءات التقاضي أمام المحكمة الإداريّة.
التقاضي الالكتروني..
ومن المقطوع به أنّ مسألة التقاضي الالكتروني وإيداع التقارير في صيغة الكترونية من شأنها أن تساعد القاضي المقرّر على سرعة تلخيص العرائض والتقارير، وقد تمّ اعتماد هذه التجربة خلال نزاع الانتخابات الرئاسية سنة 2019 والتي ساهمت في سرعة البت وإصدار الأحكام واحترام مبدأ البت في الآجال المعقولة Principe du délai raisonnable.
بالإضافة إلى ذلك أقرّ مشروع المجلّة وجوب تبادل التقارير بين الأطراف مباشرة وعبر النظام الالكتروني وليس عبر وساطة القاضي المقرر، كما ألزمت المجلة الأطراف ضمن مقترح الفصل 104 منها بالردّ على عريضة الطعن في أجل أقصاه شهر، وللمدّعي نفس الأجل للردّ، هذا على أنه يشترط لتواصل تبادل التقارير بين الطرفين مصادقة رئيس الدائرة على ذلك، إلى جانب أن مشروع المجلة ضرب أجلا للخبراء لإنجاز مأمورية الاختبار في أجل أقصاه 3 أشهر وذلك بالفصل 115 منها.
من جهة أخرى يكون على القاضي المقرر ختم التحقيق في أجل أقصاه 6 أشهر مثلما تضمن ذلك الفصل 109 بالنسبة للابتدائي، وعلى رئيس الدائرة في أجل أسبوع من تسلمه تقرير ختم التحقيق إحالة القضية على رئيس المحكمة لتعيينها في جلسة مرافعة طبقا لمقتضيات مقترح الفصل 109، وفي أجل أقصاه شهران من تاريخ التصريح بمنطوق القضية يجب تلخيص الحكم وتحريره طبقا لما جاء بالفصل 74.
ضمان سرعة البت واحترام مبدأ الآجال..
بين فيصل بوقرة أن القضاء المستعجل يحتل أهمية قصوى في القضاء، إذ قد يتطلب حماية الحق من التلاشي ضرورة التدخل السريع والناجز، وهو الأمر الذي تكفلت الفصول من 233 إلى 277 من مشروع المجلة بتنظيمه وتدقيقه بإعادة بلورة بعض "المؤسسات القانونية" التي جاء بها قانون المحكمة لسنة 1972 أو بإضافة إجراءات جديدة ومستحدثة مستوحاة من التجارب المقارنة.
وفي هذا النطاق، وفي سعي لمزيد دمقرطة مادة توقيف تنفيذ القرارات الإدارية، تم اقتراح عدة إصلاحات ضمن الفصول من 233 إلى 242 من مشروع المجلة.
وعلى سبيل الذكر تم تكريس مبدأ التقاضي على درجتين المنصوص عليه بالدستور بخصوص مادة توقيف التنفيذ، كما تم إقرار اختصاص كل رئيس محكمة ابتدائية ومحكمة استئناف لرئاسة دائرة متخصصة في المادة المذكورة Une compétence partagée et diffuse.
إضافة إلى ذلك تم ادراج مواد استعجالية مستجدة ضمن الوسائل الوقتية المجدية، ومن ذلك ادراج الاستعجالي في مادة الحريات العامة والحقوق الأساسية Référé liberté وهو اجراء شبيه بما تضمنه الفصل 278 من مجلة الجماعات المحلية في مادة اعتراض الوالي على قرارات رئيس البلدية، لكنه أوسع وأشمل وأنجع.
ويخول هذا النوع من الوسائل الوقتية الاستعجالية المجدية للقاضي الاذن في جميع حالات التأكد بكل التدابير الضرورية لحماية الحريات الأساسية اللصيقة بذات الانسان والحقوق والحريات المضمونة دستوريا من الانتهاكات الجسيمة وغير الشرعية.
وفي نفس الإطار تم تكريس التدابير الاستعجالية بخصوص الاختبارات والمعاينات ودفع تسبقة مبلغ على الحساب، وفي نفس النطاق تم إقرار التدخل القضائي المستعجل في مادة التدابير لحماية الملك العمومي والبيئة، وكذلك نفس الشيء بخصوص المادة التعاقدية من منافسة ولزمة وصفقات وعقود شراكة Référé contractuel، كذلك وقع تكريس التدابير الاستعجالية فيما يتعلق بالقطاع السمعي والبصري. هذا وتم الاستلهام من تجربة النزاع الانتخابي لتكريس التدابير الاستعجالية بخصوص الحملات الانتخابية Référé électoral.
أحكام القضاء الاداري..
أشار محدثنا الى أن مسألة تنفيذ الأحكام القضائية وخاصة أحكام المحكمة الإدارية تعد من أسباب فقدان المواطن لثقته المشروعة في مؤسسات الدولة.
ولئن وجدت بعض الاجتهادات القضائية نحو محاولة فرض تطبيق أحكام الفصل 315 من المجلة الجزائية على حالات رفض تنفيذ الأحكام القضائية، إلا أن النجاعة لازالت مفقودة.
ورغم احداث دائرة استشارية بالمحكمة الإدارية للمساعدة على التنفيذ سنة 2008 واحداث مؤسسة الموفق الإداري وحتى تنصيص قانون المحكمة على اصدار الأحكام باسم الشعب وتنفيذها باسم رئيس الجمهورية إلا أن استجابة الإدارة لتنفيذ الأحكام خاصة في مادة الإلغاء لازالت أدنى من المأمول.
وعليه نظّم مشروع المجلة مسألة تنفيذ الأحكام ضمن الفصول من 278 إلى 286، ومن ذلك ما أقرّه من إحداث لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ الأحكام الإدارية لدى المحكمة الإدارية العليا.
إضافة إلى ذلك أوجب مشروع المجلة على رئيس الإدارة الذي يتعمد عدم تنفيذ الحكم تحمل المسؤولية المدنية والجزائية عن ذلك ويمكن مؤاخذته أمام القضاء ويكون المكلف العام بنزاعات الدولة مكلفا بتتبع المسؤولين عن عدم التنفيذ.
علاوة على ذلك أقر مشروع المجلة إمكانية تسليط غرامة مالية على الإدارة على كل يوم تأخير في تنفيذ الحكم، وهو ما يعبر عنه فقها وقضاء بالغرامة الزجرية أو التهديدية.Astreinte
هذا فضلا عن اعتبار مشروع المجلة الامتناع عن تنفيذ الأحكام خطأ تصرف على معنى أحكام القانون المتعلق بمحكمة المحاسبات يستوجب المحاسبة. ان هناك اسبابا هيكلية واجرائية، هيكلية تتمثل في نقص في القضاة والأعوان والمقرات وعدم انشاء محاكم جديدة ...اما الأسباب الاجرائية فتتعلق باجراءات التحقيق التي جميعها كتابية، بمعنى لا وجود لإجراء يدلى بتقارير مباشرة بين الأطراف، بل القاضي المقرر هو من يتلقى التقارير والعرائض من المدعي عبر مكتب الضبط ويحيلها عبر الكتابة العامة إلى الإدارة والأطراف....فهذه الإجراءات تطيل في النزاع.
مختص في القانون لـ"الصباح". طول إجراءات التقاضي تتحمل مسؤوليته عدة أطراف.. وقضايا العدالة الانتقالية أكبر خطأ إجرائي
المحامي علي البدوي تحدث عن المشكلة بصفة عامة معتبرا في تصريح لـ"الصباح" أن هناك قضايا مدنية وجزائية فالأولى آجال فصلها عادة قصيرة باعتبار انها مرتبطة باجراءات شكلية تنطلق باثارة الدعوى عن طريق تقدم المتقاضي إلى المحكمة بقضية مدنية سواء في التعويض عن الضرر او قضية شغلية او في الضمان الاجتماعي او القضايا الشخصية مرورا بقضايا النفقة والطلاق ومنحة السكن فعادة هذه القضايا المدنية مرتبطة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية التي تنقسم إلى أقسام، بينها رفع الدعوى، النظر في الدعوى والحكم فيها، في العادة هذه القضايا بمراحلها الابتدائية الاستئنافية وحتى التعقيبية ففي اغلب الاحيان لا تتجاوز العام والنصف واقصى تقدير عامين ويتم فصلها.
وأشار المتحدث الى ان هناك اسبابا ادت الى تعطل العمل بالمحاكم وتسببت في طول التقاضي وهي اسباب خارجة عن نطاق الخصوم والقضاة على غرار فترة وباء كورونا واضراب القضاة فالقضايا تم تأجيلها لهذين السببين.
وأوضح ان القضايا الجزائية خاصة الجنائية تحديدا هي التي عادة ما يطول نشرها والتي يكون فيها طور التحقيق إجباري على عكس المخالفات والجنح، فالقضايا الجنائية فيها طور استقرائي، تتعلق بالتحقيق وباحث البداية وهناك طور اخر يتعلق بدائرة الاتهام، الدائرة الجنائية والتعقيب على غرار قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد التي اعتبر انها أطول قضية طال نشرها باعتبار أنه إلى حد الآن لم يتم الفصل فيها على المستوى الابتدائي رغم ان المتهم الرئيسي جزائيا في القضية توفي بغض النظر من طول نشر القضية كان متعمدا ام غير متعمد باعتبار أن هناك جهتين سياسيين في الملف، جهة تمثل شكري بلعيد وهي اليسار التونسي والجهة المتهمة والتي تمثل حركة النهضة.
وأضاف أن القضاة دائما ما يؤكدون انه اذا كان هناك ملف جاهز يتم الحكم في القضية ولكن هناك المحامون الذين يمثلون القائمون بالحق الشخصي كذلك الذين يمثلون المتهمين يطلبون في العديد من الأحيان القيام ببعض الإجراءات أو التأخير لمرض محام، لذلك فطول التقاضي لا يمكن أن يتحمل مسؤوليته طرف واحد بل أطراف القضية لمحامي المتهم ومحامي القائم بالحق الشخصي وهناك مسؤولية القاضي كذلك فبعض القضاة ورغم ان القضية تكون جاهزة يقرر تأخيرها على حالتها ويكون ذلك عادة عندما نقترب من العطلة القضائية كي لا يضطر ذلك القاضي الى تلخيص الأحكام لذلك يفضل تأخيرها وياتي زميل اخر له ويتكفل بالمهمة. وهذا فيه انكار للعدالة بمعنى ان التعطيل تتحمل مسؤوليته كافة الأطراف المحامي والقاضي وتكون النتيجة بالتالي اضمحلال حقه ودفعه الى الشعور بالياس في استرداده بالقانون وربما التفكير في استرداده بالقوة.
أب مات كمدا بسبب طول نشر قضية قتل ابنه..
وأشار ان هناك أب توفي كمدا وغيضا على ابنه الذي راح ضحية جريمة قتل والقضية طال نشرها ولم يتم فصلها فبقي الأب يكابد وراء المحاكم ويحضر الجلسات تلو الأخرى عله يتم النطق بالحكم ولكن مات قبل أن تنطق المحكمة بالحكم.
واكد علي البدوي انه بالنسبة لقضايا العدالة الانتقالية فهي أكبر خطأ اجرائي تم فيها في تاريخ القضاء التونسي خاصة وأن هناك قضايا جدت أحداثها سنوات خلت على غرار قضية البايات متسائلا هل تم فيها توجيه استدعاءات للمنسوب اليهم الإنتهاك وهم طاعنين في السن متسائلا بماذا ستنفع هذه القضايا؟ وماذا سينفع فتح جراحات قديمة؟ وما الهدف من فتح قضايا العدالة الانتقالية والحال أن بعض الأدلة الجنائية في العديد منها اضمحلت...ورغم ذلك يعتبر أن تأخير النظر في تلك القضايا ربما
90% من قضايا الاحتكار وقع اطلاق سراح المتهمين فيها
يعود الى وجود أسباب مقنعة وموضوعية لتأخيرها ولكن بالنسبة لبقية القضايا الأخرى خاصة الجنائية فإن الأسباب عديدة ومتعددة مثلما سبق وأن بين وهناك نقطة أخرى ساهمت في تراكم القضايا بسبب عدم نشر الحركة القضائية من جهة كذلك بسبب عزل عدد كبير من القضاة دون تعويضهم وهناك جانب اخر موكول للنيابة العمومية التي تتولى فتح أبحاث في قضايا بسيطة على غرار خلافات بسيطة بين زوجين أو بين جار وجاره والحال من المفروض افراد هذا النوع من القضايا بجهات خاصة كإحداث مثلا مجلة جزائية خاصة بتلك القضايا تجنبا لتراكم القضايا مشيرا ان هناك 90 بالمائة من قضايا الاحتكار وقع اطلاق سراح المتهمين فيها على غرار بعض قضايا الإرهاب فالعديد من المتهمين فيها وقع اطلاق سراحهم وغلق الملف كما أنه بامكان دراسة كل ملف من هذه الملفات واحالتها على المحكمة حسب الاختصاص الترابي بكل جهة لا احالتها جميعها على قطب الإرهاب. واشار الى أسباب أخرى لوجستية تسببت في طول التقاضي.
واعتبر ان طول التقاضي فيه مضرة للمتقاضي ويتحمل مسؤوليته الجميع فأي شخص يكيل الاتهام للآخر فهو المسؤول بدوره المحامي والقاضي والدولة.