إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ذكرى انتفاضة الخبز.. الشارع يهزم دائما النخب في تغيير الاتجاهات .. !

 

تونس- الصباح

يحتكر شهر جانفي في تاريخ التونسيين الكثير من الأحداث والمحطات التاريخية التي لا يمكن تجاوزها أو نسيانها وهي التي صنعت تاريخا جديدا ورسمت اتجاهات جديدة وكان لها تأثيرها وحضورها في المعادلة السياسية .

مرة أخرى يحلّ شهر جانفي وتعود ذكرى تلك الأحداث الساخنة وتلك الانتفاضات الشعبية التي عبّرت عن الغضب الاجتماعي والسياسي ففي سنة 1978 كان جانفي شهر المواجهات الدموية المرعبة بين نظام بورقيبة وبين مناضلي اتحاد الشغل وانتهت تلك الأحداث بنزول الجيش للشارع وبسقوط عشرات ومئات الجرحى وفي سنة 2011 كان شهر جانفي شهر الثورة وإسقاط نظام بن علي الذي اضطر الى الهروب من البلاد بعد أن ملأت الاحتجاجات العارمة مناطق الجمهورية مطالبة برحيله وبالحرية والعدالة الاجتماعية ولم يستطع قمعه الشديد للمحتجين أن يجعلهم يتراجعوا وانتصر المحتجين في النهاية وسقط في النهاية نظام بن علي ..

وما بين هذين التاريخين يأتي تاريخ مهم تحلّ ذكراه اليوم.. وهو تاريخ 3 جانفي الذي يعرف بانتفاضة الخبز بعد قرار النظام الزيادة في بعض المواد الاستهلاكية ومنها الخبز، ليشتعل الغضب في أكثر من منطقة ويتحوّل الأمر الى مواجهات عنيفة ودامية.. وبسبب ذلك أجبر بورقيبة على التراجع وقول كلمته الشهيرة تلك "نرجعو وين كنّا قبل الزيادة" واستطاع بورقيبة بهذا التراجع "التكتيكي" أن يجنّب البلاد المزيد من الاحتقان والفوضى ..

والى جانب هذه المحطات التاريخية فان الاحتجاجات الاجتماعية دائما ما تكون حاضرة في شهر جانفي حتى في السنوات الأخيرة التي شهدت احتجاجات كبيرة في الأحياء الشعبية.. فلا يمكن أن يمرّ شهر جانفي دون احتجاج وغضب وكل مرة يسحب الشارع من النخب، المبادرة ويغيّر اتجاهات الريح الى الوجهة التي يريدها .

ثورة الخبز ..

مع كل احتجاجات اجتماعية يكون لرغيف الخبز دوره ورمزيته وتأثيره، واحتجاجات 1984 فجّرتها الزيادة في سعر الخبز وبقية أسعار العجين والذي دخل حيز التنفيذ 1 جانفي 1984 وهو ما أطلق شرارة حركة احتجاجية واسعة شملت مناطق الشمال والوسط الغربي في الكاف والقصرين وتالة وبقية مناطق الجنوب في قفصة وقابس ومدنين، مما استدعى دخول الجيش لهذه المناطق بعد أن سجل عجز قوات الأمن في الحد من توسع الانتفاضة. ومع إعلان وزارة الداخلية يوم 2 جانفي عن سقوط قتلى وجرحى في مناطق قبلي والحامة والقصرين وقفصة دخلت المنطقة الصناعية بقابس في إضراب شامل ومسيرات كبرى شارك في تنظيمها كل من العمال والطلبة ..

وفي ذروة هذا الغضب الشعبي التحق طلبة الجامعات والمدارس والمعاهد الثانوية بمدن تونس وصفاقس وخرجوا الى الشوارع معبرين عن رفضهم إلغاء الدعم عن العجين ومشتقاته. في يوم 3 جانفي بلغت الانتفاضة أوج أحداثها وباتت المواجهة مفتوحة بين المتظاهرين من ناحية وقوات الأمن والجيش من ناحية أخرى، وأصبح العنف سيد الموقف فأحرقت المحلات والسيارات والمؤسسات والحافلات في شوارع العاصمة وضواحيها وفي كثير من المدن في الساحل وفي الدواخل وسقط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين .

وبلوغ الاحتجاجات ذروتها لم يزد نظام بورقيبة إلا شراسة حيث أذن وقتها بنشر القوات العسكرية بشوارع العاصمة وإعلان حالة الطوارئ ومنع كل تجمع بالطريق العام والساحات العامة يفوق ثلاثة أشخاص هذا علاوة على منع جولان الأشخاص والعربات من الخامسة مساء إلى السادسة صباحا. ورغم إقرار الوزير الأول آنذاك محمد مزالي بأن تلك الإجراءات نهائية وغير قابلة للتراجع والمراجعة فإن المظاهرات المعادية للحكومة ولاختياراتها قد تواصلت في كثير من مناطق البلاد وفي العاصمة وضواحيها. وتم منح عطلة قسرية للطلبة والتلاميذ بالإضافة الى اعتقال العشرات منهم ووصفتهم الحكومة بالمجرمين والمخربين ولكن كل ذلك لم يحل دون تواصل الحركة الاحتجاجية التي لم تتوقف إلا مع إعلان الحبيب بورقيبة التراجع عن تلك الإجراءات وإعادة النظر في الميزانية الجديدة في فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية المنهارة وعدم تحميل المواطن أعباء هذا التدهور.

ورغم نجاح بورقيبة وقتها ونظامه في تطويق الأزمة والنأي بالشارع عن مزيد المواجهات والعنف، إلا أن أحداث الخبز ظلت تلقي بظلالها لسنوات لاحقة وكانت أيضا تلك الأزمة بداية انهيار نظام بورقيبة الذي تقدّم في العمر ووهن نظامه وتكاثر الطامحين لأخذ مكانه من حوله. والى اليوم ما زالت أجيال تتذكر أحداث الخبز وتتذكر ضحاياه من الطلبة خاصة والشباب الذي كان يحلم بالعدالة الاجتماعية والحرية والى اليوم ما زال التونسيون يحلمون بالعدالة الاجتماعية وبالحرية.

منية العرفاوي

في ذكرى انتفاضة الخبز..  الشارع يهزم دائما النخب في تغيير الاتجاهات .. !

 

تونس- الصباح

يحتكر شهر جانفي في تاريخ التونسيين الكثير من الأحداث والمحطات التاريخية التي لا يمكن تجاوزها أو نسيانها وهي التي صنعت تاريخا جديدا ورسمت اتجاهات جديدة وكان لها تأثيرها وحضورها في المعادلة السياسية .

مرة أخرى يحلّ شهر جانفي وتعود ذكرى تلك الأحداث الساخنة وتلك الانتفاضات الشعبية التي عبّرت عن الغضب الاجتماعي والسياسي ففي سنة 1978 كان جانفي شهر المواجهات الدموية المرعبة بين نظام بورقيبة وبين مناضلي اتحاد الشغل وانتهت تلك الأحداث بنزول الجيش للشارع وبسقوط عشرات ومئات الجرحى وفي سنة 2011 كان شهر جانفي شهر الثورة وإسقاط نظام بن علي الذي اضطر الى الهروب من البلاد بعد أن ملأت الاحتجاجات العارمة مناطق الجمهورية مطالبة برحيله وبالحرية والعدالة الاجتماعية ولم يستطع قمعه الشديد للمحتجين أن يجعلهم يتراجعوا وانتصر المحتجين في النهاية وسقط في النهاية نظام بن علي ..

وما بين هذين التاريخين يأتي تاريخ مهم تحلّ ذكراه اليوم.. وهو تاريخ 3 جانفي الذي يعرف بانتفاضة الخبز بعد قرار النظام الزيادة في بعض المواد الاستهلاكية ومنها الخبز، ليشتعل الغضب في أكثر من منطقة ويتحوّل الأمر الى مواجهات عنيفة ودامية.. وبسبب ذلك أجبر بورقيبة على التراجع وقول كلمته الشهيرة تلك "نرجعو وين كنّا قبل الزيادة" واستطاع بورقيبة بهذا التراجع "التكتيكي" أن يجنّب البلاد المزيد من الاحتقان والفوضى ..

والى جانب هذه المحطات التاريخية فان الاحتجاجات الاجتماعية دائما ما تكون حاضرة في شهر جانفي حتى في السنوات الأخيرة التي شهدت احتجاجات كبيرة في الأحياء الشعبية.. فلا يمكن أن يمرّ شهر جانفي دون احتجاج وغضب وكل مرة يسحب الشارع من النخب، المبادرة ويغيّر اتجاهات الريح الى الوجهة التي يريدها .

ثورة الخبز ..

مع كل احتجاجات اجتماعية يكون لرغيف الخبز دوره ورمزيته وتأثيره، واحتجاجات 1984 فجّرتها الزيادة في سعر الخبز وبقية أسعار العجين والذي دخل حيز التنفيذ 1 جانفي 1984 وهو ما أطلق شرارة حركة احتجاجية واسعة شملت مناطق الشمال والوسط الغربي في الكاف والقصرين وتالة وبقية مناطق الجنوب في قفصة وقابس ومدنين، مما استدعى دخول الجيش لهذه المناطق بعد أن سجل عجز قوات الأمن في الحد من توسع الانتفاضة. ومع إعلان وزارة الداخلية يوم 2 جانفي عن سقوط قتلى وجرحى في مناطق قبلي والحامة والقصرين وقفصة دخلت المنطقة الصناعية بقابس في إضراب شامل ومسيرات كبرى شارك في تنظيمها كل من العمال والطلبة ..

وفي ذروة هذا الغضب الشعبي التحق طلبة الجامعات والمدارس والمعاهد الثانوية بمدن تونس وصفاقس وخرجوا الى الشوارع معبرين عن رفضهم إلغاء الدعم عن العجين ومشتقاته. في يوم 3 جانفي بلغت الانتفاضة أوج أحداثها وباتت المواجهة مفتوحة بين المتظاهرين من ناحية وقوات الأمن والجيش من ناحية أخرى، وأصبح العنف سيد الموقف فأحرقت المحلات والسيارات والمؤسسات والحافلات في شوارع العاصمة وضواحيها وفي كثير من المدن في الساحل وفي الدواخل وسقط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين .

وبلوغ الاحتجاجات ذروتها لم يزد نظام بورقيبة إلا شراسة حيث أذن وقتها بنشر القوات العسكرية بشوارع العاصمة وإعلان حالة الطوارئ ومنع كل تجمع بالطريق العام والساحات العامة يفوق ثلاثة أشخاص هذا علاوة على منع جولان الأشخاص والعربات من الخامسة مساء إلى السادسة صباحا. ورغم إقرار الوزير الأول آنذاك محمد مزالي بأن تلك الإجراءات نهائية وغير قابلة للتراجع والمراجعة فإن المظاهرات المعادية للحكومة ولاختياراتها قد تواصلت في كثير من مناطق البلاد وفي العاصمة وضواحيها. وتم منح عطلة قسرية للطلبة والتلاميذ بالإضافة الى اعتقال العشرات منهم ووصفتهم الحكومة بالمجرمين والمخربين ولكن كل ذلك لم يحل دون تواصل الحركة الاحتجاجية التي لم تتوقف إلا مع إعلان الحبيب بورقيبة التراجع عن تلك الإجراءات وإعادة النظر في الميزانية الجديدة في فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية المنهارة وعدم تحميل المواطن أعباء هذا التدهور.

ورغم نجاح بورقيبة وقتها ونظامه في تطويق الأزمة والنأي بالشارع عن مزيد المواجهات والعنف، إلا أن أحداث الخبز ظلت تلقي بظلالها لسنوات لاحقة وكانت أيضا تلك الأزمة بداية انهيار نظام بورقيبة الذي تقدّم في العمر ووهن نظامه وتكاثر الطامحين لأخذ مكانه من حوله. والى اليوم ما زالت أجيال تتذكر أحداث الخبز وتتذكر ضحاياه من الطلبة خاصة والشباب الذي كان يحلم بالعدالة الاجتماعية والحرية والى اليوم ما زال التونسيون يحلمون بالعدالة الاجتماعية وبالحرية.

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews