إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: رئاسة الجمهورية.. متى تدرك أن أمر 26 جانفي 78 المنظم لحالة الطوارئ غير دستوري؟

 الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لـ"الصباح":

ليس هناك ما يبرر الإبقاء على الأمر عدد 50 ونطالب بحذفه فورا

تونس- الصباح

تنتهي موفى الشهر الجاري فترة التمديد في حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية التي ضبطها الأمر الرئاسي عدد 73 لسنة 2022 المؤرخ في 15 فيفري 2022 وهو أمر أصدره رئيس الجمهورية قيس سعيد استنادا إلى الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، هذا الأمر الذي ارتبط في المخيال الجمعي للتونسيين بأحداث الخميس الأسود، وهو يذكرهم بآلة القمع التي كشرت وقتها عن أنيابها وأزهقت أرواح عدد غفير من النقابيين وأراقت دماء الآلاف من المتظاهرين.

 ولعل السؤال المطروح اليوم والبلاد تحيي ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو هل سيواصل الرئيس سعيد التمديد في حالة الطوارئ باللجوء إلى الأمر عدد 50، أم أنه على الأقل سيصدر مرسوما جديدا يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات دستور 25 جويلية؟ ثم متى ستدرك السلطة أن هذا الأمر معرة في تاريخ المشرع، وأن الإبقاء عليه إلى حد الآن ليس مخالفا للمواثيق الدولية فحسب بل وأيضا لمقتضيات الدستور الجديد لأنه بعيد كل البعد عن ضمانات حقوق الإنسان وحرياته. ولهذا السبب كانت الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية أوصت في التقرير الذي رفعته موفى مارس الماضي في إطار مشاركتها في الاستعراض الدوري الشامل لتونس أمام مجلس حقوق الإنسان بجينيف التابع للأمم المتحدة أوصت بسن قانون أساسي جديد يتعلق بحالة الطوارئ. وقبل ذلك تعالت أصوات الحقوقيين والمدافعين عن الحريات للمطالبة بإلغاء الأمر عدد 50 وبسن قانون أساسي ينظم هذه العملية، وهناك منهم من اعتقد بعد تصريح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بنتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 والإعلان عن فوز المترشح قيس سعيد عن منافسة في الدور الثاني نبيل القروي أن أول إجراء سيتخذه الرئيس هو إلغاء الأمر عدد 50 لأن سعيد قبل أن يدخل قصر الرئاسة بقرطاج كان من أشد المنتقدين لأحكام الأمر المذكور، لكن الرئيس سرعان ما أذن بإصدار أمر يقضي بالتمديد في حالة الطوارئ مستندا في ذلك على الأمر عدد 50. ومن أبرز المنظمات الوطنية التي ألحت على مطلب حذف الأمر عدد 50 نجد الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

مبادرة تشريعية منقوصة

محي الدين لاغة الكاتب العام للرابطة بين في تصريح لـ"الصباح" أن الأمر عدد 50 المتعلق بحالة الطوارئ تم سنه بمناسبة إضراب الاتحاد العام التونسي للشغل في 26 جانفي 1978 ولم يقع اللجوء إليه لاحقا بشكل واسع ولكن في نوفمبر 2015 وتحديدا إثر حدوث العملية الإرهابية التي استهدفت حافلة الأمن الرئاسي في شارع محمد الخامس بالعاصمة تم تفعيل الأمر المذكور من قبل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وفي سنة 2018 بادر قائد السبسي بتقديم مقترح قانون يتعلق بتنظيم حالة الطوارئ وتولى ممثلو رئاسة الجمهورية عرضه أمام لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب ولكن في النهاية بقي المقترح في رفوف البرلمان.

ولاحظ الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن ما يجمع الأمر عدد 50 ومقترح القانون المقدم من قبل رئاسة الجمهورية سنة 2018 هو المس من الحريات الأساسية من خلال التنصيص فيه على منع الجولان والاجتماعات ومنع الإضراب والمراقبة على السكن والإقامة، ولكن يبقى مقترح القانون المقترح من قبل الرئيس قائد السبسي أفضل من الأمر عدد 50 لكنه حافظ على نفس التضييقات وأعطى صلاحيات واسعة لوزير الداخلية والوالي.

وأشار محدثنا إلى أن موقف الرابطة من الأمر عدد 50 ومن المبادرة التشريعية التي تم تقديمها سنة 2018 كان واضحا فهي ترفضهما معا لأنه تعارض كل أمر من شأنه أن يحد من الحريات الخاصة والعامة. وذكر أنه توجد بعض المواثيق الدولية التي تسمح باللجوء في الحالات الاستثنائية إلى الإعلان عن حالة الطوارئ، وفسر محي الدين لاغة أن المادة عدد 4 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية تسمح بفرض حالة الطوارئ في الحالات الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة مثل الحرب وبالنظر إلى أن ما جاء في المادة الرابعة كان فيه نوع من التعميم فقد تولت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة عند تفسير هذه المادة عدد 4 ضبط شروط حالة الطوارئ بإجراءات دقيقة أي أن الدولة التي تفرض حالة الطوارئ عليها أن تقدم تبريرا واضحا لحالة الطوارئ وأن تدقق في الإجراءات التي يستوجب القيام بها.

وقال لاغة إن دستور 2014 نص في الفصل 49 على أن :"يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور" لذلك طالبت الرابطة بعد سن هذا الدستور بإصدار قانون أساسي جديد ينظم حالة الطوارئ وهي متمسكة إلى الآن بنفس المطلب وتدعو إلى حذف الأمر عدد 50 فهذا الأمر لا مبرر لوجوده لأنه ليس هناك في تونس وضع يهدد حياة الأمة كما ورد في المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية.

ولاحظ الكاتب العام للرابطة أن حالة الطوارئ في الوقت الحالي موجودة شكلا لكن يمكن للسلطة في أي وقت إعمالها لوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية أو منعهم من السفر، إذ لا ننسى أنه في سنة 2015 تم وضع 150 شخصا تحت الإقامة الجبرية ومنع السفر على المئات دون إذن قضائي ومثل هذه الممارسات من شأنها أن تشكل خطرا كبيرا على حقوق الإنسان وعلى الحريات بشكل عام.

مخالف للدستور والمواثيق الدولية

وخلص محي الدين لاغة إلى أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبمناسبة إحياء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تجدد المطالبة بإلغاء الأمر عدد 50 فورا، وهي تذكر بأنه توجد قوانين أخرى مثل المجلة الجزائية تلبي الحاجة وتعالج القضايا المطروحة بشكل مدني ودون اللجوء إلى الإجراءات المنصوص عليها في الأمر عدد 50 خاصة وهي إجراءات مخالفة للدستور والمواثيق الدولية.

ويشار في هذا السياق إلى أن دستور 25 جويلية نص في الفصل 55 على ما يلي: لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وحقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية. ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها متناسبة مع دواعيها. لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور. على كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهّاك".

وكانت الصيغة الأولى لهذا الفصل في مشروع الدستور الذي وقع نشره في الرائد الرسمي يوم 30 جوان 2022 أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الحقوقية وهو ما دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تعديله لاحقا وقبل عرض المشروع على الاستفتاء، وقد نصت الصيغة الأولى على ما يلي:" لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور الاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني، أو الأمن العام ،أو الصحة العمومية ،أو حماية حقوق الغير ،أو الآداب العامة. ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها ومتلائمة مع دواعيها. لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور. وعلى كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهّاك".

ويقتضي دخول الدستور الجديد حيز النفاذ بالضرورة إعادة النظر في مسألة تنظيم حالة الطوارئ، ويمكن لرئاسة الجمهورية الاستئناس بمقترح القانون الذي بادر بإعداده عدد من الناشطين في المجتمع المدني والذي تم تقديمه خلال المدة النيابية 2014ـ 2019 لمجلس نواب الشعب ولرئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية لكن هذا المقترح بقي حبرا على ورق وفي المقابل تم التمديد في حالة الطوارئ دون انقطاع، وليس هذا فقط بل تم التمطيط في مددها رويدا رويدا من شهر إلى ستة أشهر في البداية، ثم من ستة أشهر إلى أكثر من عشرة أشهر.

أحداث 26 جانفي

وكان الأمر عدد 50 قد صدر في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بمناسبة أحداث 26 جانفي 1978 على خلفية الإضراب العام للاتحاد العام التونسي للشغل حيث تم بموجبه منح صلاحيات واسعة لوزير الداخلية والولاة للتضييق على الحريات وتم تطبيق إجراءات حظر التجول وفرض الإقامة الجبرية على عدد من النقابيين ومنع الاجتماعات والرقابة على الصحافة والتسخير إضافة إلى إحالة عدة قيادات نقابية على محكمة أمن الدولة بتهمة الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي والإمداد بالأسلحة قصد النهب والاستيلاء على الأملاك والأمتعة وإفسادها ومحاربة القوة العامة وإحداث حرائق عمدا للإضرار بمكاسب الدولة والخواص وغيرها من التهم. وحسب ما ورد في كتاب تحدث عن معركة 26 جانفي 1978 لصاحبه محمد الكحلاوي الصادر في جانفي 2011 فإن النقابيين الذين مثلوا أمام محكمة أمن الدولة وصدرت في حقهم أحكام تراوحت بين عشر سنوات أشغال شاقة وعدم سماع الدعوى هم كل من الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد وعبد الرزاق غربال والصادق بسباس وحسن حمودية وخير الدين الصالحي وحسين بن قدور ومصطفى الغربي والطيب البكوش وصالح برور ومحمد عز الدين وعبد الحميد بلعيد واسماعيل السحباني ومحمد شقرون ومحمد الناجي الشعري وعبد الرزاق أيوب وعبد العزيز بوراوي وعبد السلام جراد وسعيد قاقي وسعيد الحداد وعلالة العامري ونور الدين البحري وأحمد الكحلاوي ومحمد صالح الخريجي ومحمد الدامي ومسعود كليلة وحسين بالرحومة وبشير المبروك ومحمد الشلي وعزوز الذوادي والصادق علوش.

وبالعودة إلى نص الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ يمكن التذكير بأنه نص على أنه يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حال حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة، وتعلن حالة الطوارئ لمدة أقصاها ثلاثون يوما بمقتضى أمر يضبط المنطقة أو المناطق الترابية التي يجرى العمل به في داخلها، ولا يمكن التمديد في حالة الطوارئ إلا بأمر آخر يضبط مدته النهائية. ويخول الإعلان عن حالة الطوارئ للوالي منع جولان الأشخاص والعربات ومنع كل إضراب أو صد عن العمل حتى ولو تقرر قبل الإعلان عن حالة الطوارئ وتنظيم إقامة الأشخاص وتحجير الإقامة على أي شخص يحاول بأي طريقة كانت عرقلة نشاط السلط العمومية واللجوء إلى تسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية والنشاطات ذات المصلحة الحيوية بالنسبة للأمة. ونص نفس الأمر على أنه يمكن لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة أي شخص يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق وذلك مع إلزام السلط الإدارية باتخاذ كل الإجراءات لضمان معيشة هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم كما يمكن لوزير الداخلية أن يأمر بأن تسلم مقابل وصل الأسلحة والذخائر التي يخضع مسكها لرخصة وأن تودع لدى السلط وبالأماكن المعينة لهذا الغرض. ويمكن لوزير الداخلية بالنسبة إلى كامل التراب الذي أعلنت به حالة الطوارئ وللوالي بالنسبة للولاية الأمر بالغلق المؤقت لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها كما يمكن تحجير الاجتماعات التي من شأنها الإخلال بالأمن أو التمادي في ذلك. ويتيح الأمر عدد 50 إمكانية تفتيش المحلات بالنهار وبالليل في المناطق الخاضعة لحالة الطوارئ واتخاذ كل الإجراءات لضمان مراقبة الصحافة وكل أنواع المنشورات وكذلك البث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.

ولم يقتصر إعمال الأمر عدد 50 على أحداث 26 جانفي 1978 بل تم اللجوء إليه لاحقا في العديد من المناسبات وأهمها أحداث قفصة في جانفي 1980 وانتفاضة الخبز في جانفي 1984 وكذلك في ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 وبعد انتخابات 2014 إثر حصول عمليات إرهابية..

سعيدة بوهلال

 

 

 

في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: رئاسة الجمهورية.. متى تدرك أن أمر 26 جانفي 78 المنظم لحالة الطوارئ غير دستوري؟

 الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لـ"الصباح":

ليس هناك ما يبرر الإبقاء على الأمر عدد 50 ونطالب بحذفه فورا

تونس- الصباح

تنتهي موفى الشهر الجاري فترة التمديد في حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية التي ضبطها الأمر الرئاسي عدد 73 لسنة 2022 المؤرخ في 15 فيفري 2022 وهو أمر أصدره رئيس الجمهورية قيس سعيد استنادا إلى الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، هذا الأمر الذي ارتبط في المخيال الجمعي للتونسيين بأحداث الخميس الأسود، وهو يذكرهم بآلة القمع التي كشرت وقتها عن أنيابها وأزهقت أرواح عدد غفير من النقابيين وأراقت دماء الآلاف من المتظاهرين.

 ولعل السؤال المطروح اليوم والبلاد تحيي ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو هل سيواصل الرئيس سعيد التمديد في حالة الطوارئ باللجوء إلى الأمر عدد 50، أم أنه على الأقل سيصدر مرسوما جديدا يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات دستور 25 جويلية؟ ثم متى ستدرك السلطة أن هذا الأمر معرة في تاريخ المشرع، وأن الإبقاء عليه إلى حد الآن ليس مخالفا للمواثيق الدولية فحسب بل وأيضا لمقتضيات الدستور الجديد لأنه بعيد كل البعد عن ضمانات حقوق الإنسان وحرياته. ولهذا السبب كانت الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية أوصت في التقرير الذي رفعته موفى مارس الماضي في إطار مشاركتها في الاستعراض الدوري الشامل لتونس أمام مجلس حقوق الإنسان بجينيف التابع للأمم المتحدة أوصت بسن قانون أساسي جديد يتعلق بحالة الطوارئ. وقبل ذلك تعالت أصوات الحقوقيين والمدافعين عن الحريات للمطالبة بإلغاء الأمر عدد 50 وبسن قانون أساسي ينظم هذه العملية، وهناك منهم من اعتقد بعد تصريح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بنتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 والإعلان عن فوز المترشح قيس سعيد عن منافسة في الدور الثاني نبيل القروي أن أول إجراء سيتخذه الرئيس هو إلغاء الأمر عدد 50 لأن سعيد قبل أن يدخل قصر الرئاسة بقرطاج كان من أشد المنتقدين لأحكام الأمر المذكور، لكن الرئيس سرعان ما أذن بإصدار أمر يقضي بالتمديد في حالة الطوارئ مستندا في ذلك على الأمر عدد 50. ومن أبرز المنظمات الوطنية التي ألحت على مطلب حذف الأمر عدد 50 نجد الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

مبادرة تشريعية منقوصة

محي الدين لاغة الكاتب العام للرابطة بين في تصريح لـ"الصباح" أن الأمر عدد 50 المتعلق بحالة الطوارئ تم سنه بمناسبة إضراب الاتحاد العام التونسي للشغل في 26 جانفي 1978 ولم يقع اللجوء إليه لاحقا بشكل واسع ولكن في نوفمبر 2015 وتحديدا إثر حدوث العملية الإرهابية التي استهدفت حافلة الأمن الرئاسي في شارع محمد الخامس بالعاصمة تم تفعيل الأمر المذكور من قبل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وفي سنة 2018 بادر قائد السبسي بتقديم مقترح قانون يتعلق بتنظيم حالة الطوارئ وتولى ممثلو رئاسة الجمهورية عرضه أمام لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب ولكن في النهاية بقي المقترح في رفوف البرلمان.

ولاحظ الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن ما يجمع الأمر عدد 50 ومقترح القانون المقدم من قبل رئاسة الجمهورية سنة 2018 هو المس من الحريات الأساسية من خلال التنصيص فيه على منع الجولان والاجتماعات ومنع الإضراب والمراقبة على السكن والإقامة، ولكن يبقى مقترح القانون المقترح من قبل الرئيس قائد السبسي أفضل من الأمر عدد 50 لكنه حافظ على نفس التضييقات وأعطى صلاحيات واسعة لوزير الداخلية والوالي.

وأشار محدثنا إلى أن موقف الرابطة من الأمر عدد 50 ومن المبادرة التشريعية التي تم تقديمها سنة 2018 كان واضحا فهي ترفضهما معا لأنه تعارض كل أمر من شأنه أن يحد من الحريات الخاصة والعامة. وذكر أنه توجد بعض المواثيق الدولية التي تسمح باللجوء في الحالات الاستثنائية إلى الإعلان عن حالة الطوارئ، وفسر محي الدين لاغة أن المادة عدد 4 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية تسمح بفرض حالة الطوارئ في الحالات الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة مثل الحرب وبالنظر إلى أن ما جاء في المادة الرابعة كان فيه نوع من التعميم فقد تولت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة عند تفسير هذه المادة عدد 4 ضبط شروط حالة الطوارئ بإجراءات دقيقة أي أن الدولة التي تفرض حالة الطوارئ عليها أن تقدم تبريرا واضحا لحالة الطوارئ وأن تدقق في الإجراءات التي يستوجب القيام بها.

وقال لاغة إن دستور 2014 نص في الفصل 49 على أن :"يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور" لذلك طالبت الرابطة بعد سن هذا الدستور بإصدار قانون أساسي جديد ينظم حالة الطوارئ وهي متمسكة إلى الآن بنفس المطلب وتدعو إلى حذف الأمر عدد 50 فهذا الأمر لا مبرر لوجوده لأنه ليس هناك في تونس وضع يهدد حياة الأمة كما ورد في المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية.

ولاحظ الكاتب العام للرابطة أن حالة الطوارئ في الوقت الحالي موجودة شكلا لكن يمكن للسلطة في أي وقت إعمالها لوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية أو منعهم من السفر، إذ لا ننسى أنه في سنة 2015 تم وضع 150 شخصا تحت الإقامة الجبرية ومنع السفر على المئات دون إذن قضائي ومثل هذه الممارسات من شأنها أن تشكل خطرا كبيرا على حقوق الإنسان وعلى الحريات بشكل عام.

مخالف للدستور والمواثيق الدولية

وخلص محي الدين لاغة إلى أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبمناسبة إحياء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تجدد المطالبة بإلغاء الأمر عدد 50 فورا، وهي تذكر بأنه توجد قوانين أخرى مثل المجلة الجزائية تلبي الحاجة وتعالج القضايا المطروحة بشكل مدني ودون اللجوء إلى الإجراءات المنصوص عليها في الأمر عدد 50 خاصة وهي إجراءات مخالفة للدستور والمواثيق الدولية.

ويشار في هذا السياق إلى أن دستور 25 جويلية نص في الفصل 55 على ما يلي: لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وحقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية. ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها متناسبة مع دواعيها. لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور. على كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهّاك".

وكانت الصيغة الأولى لهذا الفصل في مشروع الدستور الذي وقع نشره في الرائد الرسمي يوم 30 جوان 2022 أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الحقوقية وهو ما دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تعديله لاحقا وقبل عرض المشروع على الاستفتاء، وقد نصت الصيغة الأولى على ما يلي:" لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور الاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني، أو الأمن العام ،أو الصحة العمومية ،أو حماية حقوق الغير ،أو الآداب العامة. ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها ومتلائمة مع دواعيها. لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور. وعلى كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهّاك".

ويقتضي دخول الدستور الجديد حيز النفاذ بالضرورة إعادة النظر في مسألة تنظيم حالة الطوارئ، ويمكن لرئاسة الجمهورية الاستئناس بمقترح القانون الذي بادر بإعداده عدد من الناشطين في المجتمع المدني والذي تم تقديمه خلال المدة النيابية 2014ـ 2019 لمجلس نواب الشعب ولرئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية لكن هذا المقترح بقي حبرا على ورق وفي المقابل تم التمديد في حالة الطوارئ دون انقطاع، وليس هذا فقط بل تم التمطيط في مددها رويدا رويدا من شهر إلى ستة أشهر في البداية، ثم من ستة أشهر إلى أكثر من عشرة أشهر.

أحداث 26 جانفي

وكان الأمر عدد 50 قد صدر في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بمناسبة أحداث 26 جانفي 1978 على خلفية الإضراب العام للاتحاد العام التونسي للشغل حيث تم بموجبه منح صلاحيات واسعة لوزير الداخلية والولاة للتضييق على الحريات وتم تطبيق إجراءات حظر التجول وفرض الإقامة الجبرية على عدد من النقابيين ومنع الاجتماعات والرقابة على الصحافة والتسخير إضافة إلى إحالة عدة قيادات نقابية على محكمة أمن الدولة بتهمة الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي والإمداد بالأسلحة قصد النهب والاستيلاء على الأملاك والأمتعة وإفسادها ومحاربة القوة العامة وإحداث حرائق عمدا للإضرار بمكاسب الدولة والخواص وغيرها من التهم. وحسب ما ورد في كتاب تحدث عن معركة 26 جانفي 1978 لصاحبه محمد الكحلاوي الصادر في جانفي 2011 فإن النقابيين الذين مثلوا أمام محكمة أمن الدولة وصدرت في حقهم أحكام تراوحت بين عشر سنوات أشغال شاقة وعدم سماع الدعوى هم كل من الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد وعبد الرزاق غربال والصادق بسباس وحسن حمودية وخير الدين الصالحي وحسين بن قدور ومصطفى الغربي والطيب البكوش وصالح برور ومحمد عز الدين وعبد الحميد بلعيد واسماعيل السحباني ومحمد شقرون ومحمد الناجي الشعري وعبد الرزاق أيوب وعبد العزيز بوراوي وعبد السلام جراد وسعيد قاقي وسعيد الحداد وعلالة العامري ونور الدين البحري وأحمد الكحلاوي ومحمد صالح الخريجي ومحمد الدامي ومسعود كليلة وحسين بالرحومة وبشير المبروك ومحمد الشلي وعزوز الذوادي والصادق علوش.

وبالعودة إلى نص الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ يمكن التذكير بأنه نص على أنه يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حال حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة، وتعلن حالة الطوارئ لمدة أقصاها ثلاثون يوما بمقتضى أمر يضبط المنطقة أو المناطق الترابية التي يجرى العمل به في داخلها، ولا يمكن التمديد في حالة الطوارئ إلا بأمر آخر يضبط مدته النهائية. ويخول الإعلان عن حالة الطوارئ للوالي منع جولان الأشخاص والعربات ومنع كل إضراب أو صد عن العمل حتى ولو تقرر قبل الإعلان عن حالة الطوارئ وتنظيم إقامة الأشخاص وتحجير الإقامة على أي شخص يحاول بأي طريقة كانت عرقلة نشاط السلط العمومية واللجوء إلى تسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية والنشاطات ذات المصلحة الحيوية بالنسبة للأمة. ونص نفس الأمر على أنه يمكن لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة أي شخص يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق وذلك مع إلزام السلط الإدارية باتخاذ كل الإجراءات لضمان معيشة هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم كما يمكن لوزير الداخلية أن يأمر بأن تسلم مقابل وصل الأسلحة والذخائر التي يخضع مسكها لرخصة وأن تودع لدى السلط وبالأماكن المعينة لهذا الغرض. ويمكن لوزير الداخلية بالنسبة إلى كامل التراب الذي أعلنت به حالة الطوارئ وللوالي بالنسبة للولاية الأمر بالغلق المؤقت لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها كما يمكن تحجير الاجتماعات التي من شأنها الإخلال بالأمن أو التمادي في ذلك. ويتيح الأمر عدد 50 إمكانية تفتيش المحلات بالنهار وبالليل في المناطق الخاضعة لحالة الطوارئ واتخاذ كل الإجراءات لضمان مراقبة الصحافة وكل أنواع المنشورات وكذلك البث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.

ولم يقتصر إعمال الأمر عدد 50 على أحداث 26 جانفي 1978 بل تم اللجوء إليه لاحقا في العديد من المناسبات وأهمها أحداث قفصة في جانفي 1980 وانتفاضة الخبز في جانفي 1984 وكذلك في ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 وبعد انتخابات 2014 إثر حصول عمليات إرهابية..

سعيدة بوهلال