*استغلال للعملة الصعبة وتبييض للأموال
*المراهنون يدفعون مبالغ مالية إلى صاحب الفضاء الذي يستولي على جميع أموال الخاسرين من خدمات إعلامية الى الرهان الرياضي
تونس-الصباح
حب المال، الثروة، والكسب السريع من الأمور التي جبلت عليها النفس البشرية، وكثيرة هي الطرق المؤدية للثروة ولكن بعضها مليء بالمطبات ومحفوف بالمخاطر وبعضها يكون المرور منه سلس ودون مشقة، وهناك من يسعى لبلوغ الثروة بطرق مشروعة أو غير مشروعة وهؤلاء شعارهم "الغاية تبرر الوسيلة".
ألعاب الحظ أو ما يعرف بالقمار الإلكتروني واحد من الطرق التي تؤدي الى كسب المال وملأ الجيوب الخاوية وقد يبدأ الشخص بالإقبال على هذه الألعاب للترفيه ولكن سرعان ما يتحول الى إدمان ومحاولات متتالية لبلوغ الثروة.
وعلى الرغم من أنه لا توجد لافتات كتب عليها" محلات للقمار الالكتروني" إلا أن هذه المحلات موجودة بالفعل والمداهمات الأمنية أكبر دليل على وجودها، على الرغم من السرية التي تحاط بها ولكن تبقى هذه الأوكار واقعا تم التطبيع معه وتحول الى وسيلة ناجعة لغسيل الأموال من خلال مواقع المقامرة وحتى مواقع الألعاب الافتراضية، حيث يتم تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملة ألعاب ثم تحويلها مرة أخرى إلى أموال بحيث تصبح الأموال "نظيفة" حقيقية وقابلة للاستخدام ولا يمكن تعقبها.
فألعاب الحظ وتطبيقات القمار الإلكتروني لا تدغدغ أحلام فئة محبطة من انسداد الآفاق حالمة بتحصيل الثروة السريعة دون عناء ولكنها تجتذب رجال الأعمال وميسوري الحال فتراهم في حالة تركيز تام أمام شاشة الكمبيوتر يترقبون ويتابعون على أمل الفوز وبلوغ الثروة أو تضخيم ثرواتهم.
ولكن غالباً ما يتحوّل الحلم بالثراء السهل الى كوابيس تقضّ مضاجعهم وتحوّل أمانيهم الى سراب وفي المقابل تجني شركات المراهانات الأموال الطائلة من عائدات ألعاب الحظ المختلفة والتي لم تعد تقتصر على الفئات التي لا دخل لها وإنما تجتذب حتى الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال، وقد اشتعلت مؤخرا مواقع التواصل الاجتماعي بوثيقة مسرّبة شملت 25 اسما وتضمنت احالة على وكالة الجمهورية قضية نسبت فيها تهم التآمر على أمن الدولة والاضرار بالأشخاص والاعتداء على الاملاك وربط اتصالات مع اعوان دولة اجنبية الغرض منها الاضرار بالبلاد وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية والتدليس ومسك مدلس، وتضمنت الوثيقة المسربة اسماء شخصيات سياسية واعلامية وحقوقية معروفة، ويذكر أن القضية تدار حول القمار الإلكتروني في انتظار ما ستؤول اليه التحقيقات.
وحسب بعض التقارير غير الرسمية، يوجد نحو 500 ألف تونسي يمارسون القمار الإلكتروني وألعاب الحظ ولم يتم تحديد عدد المحلات التي تنظم هذه الألعاب لأنها مخالفة للقانون.
"الصباح" سلطت الضوء على ظاهرة القمار الإلكتروني من خلال الملف التالي..
إعداد: مفيدة القيزاني-فاطمة الجلاصي
ما هو القمار الإلكتروني؟
هو عبارة عن لعب القمار إلكترونيا عن طريق الولوج إلى مواقع ألعاب القمار، ويسمح هذا النوع من الألعاب إلى الشباب الذين تجاوزوا الـ 18 عاما باللعب وفي البداية يكون بغرض الترفيه، ثم يتحول بعد إدمانه إلى وسيلة لكسب الأموال.
ومن أهم صفات مدمن القمار الإلكتروني قضاء وقت طويل أمام أجهزة الحاسب الآلي إلى جانب طلب المال بصورة مستمرة والبعد عن لقاء الأصدقاء.
مداهمات ومحجوزات بالجملة..
تزايد في الفترة الأخيرة الإقبال من قبل مختلف الفئات الاجتماعية وخاصة الشباب على الرهان الرياضي الإلكتروني والذي يعد من بين العاب الحظ لذلك اكدت الادارة العامة للحرس الوطني على سعيها للتصدي لظاهرة الرهان الرياضي على مختلف المواقع الالكترونية غير المرخص فيها والتي لا تخضع لرقابة الدولة نتيجة ما تسببه من خسائر للاقتصاد الوطني خاصة واستغلال للعملة الصعبة مما يجعلها ترتقي لجرائم تبييض الأموال ودعت المواطنين إلى المساهمة في التصدي لهذه الظاهرة التي تضر ببلادنا اجتماعيا واقتصاديا عبر الإبلاغ عن الشبكات المتورطة.
فقد أكد العميد حسام الدين الجبابلي المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني في تصريح اعلامي عن تحويل عدد من شركات رهان رياضي أموالا إلى الخارج بطريقة قانونية عبر البنك المركزي التونسي.
وأشار الجبابلي في نفس التصريح الى ان عددا من الشركات تحصل على تراخيص لتقديم خدمات إعلامية أو خدمات معلوماتية الا انها استغلت ذلك في نشاط الرهان الرياضي.
واضاف بأنه “أثناء التقصي والمتابعة من طرف الوحدة الوطنية للحرس الوطني للبحث في الجرائم المالية المتشعبة ثبت وجود شركات لها رخص لكن المهام التي تقوم بها غير مطابقة لمداخيلها، أموال ضخمة وسيارات، لذلك أصبحت الجرائم ترتقي إلى جرائم تبييض أموال وغسل أموال وتم رفع قضايا تهرب ضريبي وغسيل أموال عليها باعتبارها مخالفة لقوانين الصرف”.
وأكد الجبابلي بانه تمت منذ بداية السنة مداهمة 650 محلا للرهان الرياضي وحجز اكثر من 30 مليون دينار إضافة إلى عملات أجنبية وأخرى رقمية وبأن هناك تنسيقا بين شركات الرهان الرياضي في تونس وشركات اخرى موجودة بأوروبا الشرقية” .
وفي ذات السياق شنت وحدات الحرس الوطني خلال شهر نوفمبر الماضي حملات متواصلة على محلات الرهان الرياضي وذلك في إطار التصدي لظاهرة تعاطي نشاط الرهان الرياضي بدون رخصة وقد تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 17 و18 نوفمبر الفارط وحدات الحرس الوطني العاملة بجهات الفحص وطبرقة من مداهمة محلين معدان لتعاطي النشاط المذكور بدون رخصة كما تم حجز مبالغ مالية وحواسيب.
وباستشارة النيابة العمومية أذنت بإتخاذ ما يتعين في شأن أصحاب المحلين.
وفي نفس الاطار داهمت يوم 15 نوفمبر الفارط وحدات الحرس الوطني العاملة بجهات باجة ونابل وقفصة اربعة محلات معدة لتعاطي نشاط الرهان الرياضي بدون رخصة وتم حجز كمية من الحواسيب ومبالغ مالية متفاوتة .
وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ ما يتعين في شأنهم.
كما داهمت يوم 14 نوفمبر الفارط وحدات الحرس الوطني العاملة بجهات جبنيانة والجم وحفوز ثلاثة محلات معدة لتعاطي نشاط الرهان الرياضي بدون رخصة وتم حجز كمية من الحواسيب ومبالغ مالية متفاوتة.
وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ ما يتعين في شأنهم.
وفي نفس الاطار تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 13 و14 نوفمبر الفارط وحدات الحرس الوطني العاملة بجهات الفحص ومنوبة والقصرين من مداهمة ثلاثة محلات معدة لتعاطي النشاط المذكور بدون رخصة كما تم حجز مبالغ مالية متفاوتة وحواسيب محمولة وهواتف جوالة.
كما تمكنت يوم 12 نوفمبر الفارط دورية تابعة لفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بطبرقة إثر مداهمة محل معد لتعاطي نشاط الرهان الرياضي بدون رخصة من حجز حاسوبين وآلة طباعة ومبلغا ماليا متأتيا من عائدات النشاط المذكور وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ ما يتعين في شأن صاحب المحل.
مبالغ مالية ضخمة..
كما تمكنت مؤخرا فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني ببن عروس من مداهمة محلين لألعاب الرهان الرياضي بجهتي الزهراء وحمام الأنف وحجز مبالغ مالية قدرت بـ14.152 ألف دينار و2400 أورو و126 دولارا وثمانية بطاقات بنكية و16 حاسوبا وطائرة بدون طيار متطورة.
كما قام مؤخرا أعوان واطارات فرقة الشرطة العدلية التابعة لمنطقة الأمن الوطني بولاية سليانة بحجز 19 جهاز إعلامية بكامل توابعها وأكثر من ألفي دينار لدى خمسة أشخاص وذلك خلال حملة واسعة للتصدي لظاهرة تعاطي الرهان الرياضي الموازي وتعاطي الميسر.
كما تمكنت خلال شهر أكتوبر الفارط دورية مشتركة بين فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بأريانة مع الإدارة الفرعية للاستعلام والإدارات الفرعية للأبحاث والوحدة الوطنية للبحث في الجرائم المالية المتشعبة بالعوينة خلال الليلة الفاصلة بين يومي 18 و19 أكتوبر الفارط من الكشف وإماطة اللثام عن شبكة تنشط في مجال غسيل الأموال عن طريق تعاطي أنشطة الرهان الرياضي على خلاف الصيغ القانونية وقد تم إلقاء القبض على 15 فردا من عناصرها من بينهم شخص يحمل جنسية أجنبية.
كما تم إجراء حملات مداهمة على منازلهم ومقرات الشركات الكائنة بجهتي البحيرة تونس وأريانة وحجز مبلغ مالي قدره 94 ألف دينار من العملة التونسية ومبلغ اخر من العملة الأجنبية وصكوك بنكية وحواسيب محمولة وهواتف جوالة وخمسة سيارات تم استعمالها في التنقلات.
"البيبلينات" تحولت الى أوكار للقمار
قال الخبير في مجال الأسرة والطفولة إبراهيم الريحاني في تصريح سابق لوكالة تونس افريقيا للأنباء إن العديد من المراكز العمومية للاتصالات ما يعرف بـ"بيبلينات" المنتشرة في جل الولايات تحولت إلى أوكار لممارسة القمار الالكتروني وترويج المخدرات.
ودعا إبراهيم الريحاني إلى ضرورة وضع حد لهذه الممارسات الخطيرة المتفشية في فضاءات عامة تستقطب بالخصوص الأطفال والشباب، موجها الدعوة إلى كافة الولاة من أجل فتح هذا الملف والعمل بالتنسيق مع السلطات الأمنية على تشديد الرقابة على المراكز المتورطة في هذه التجاوزات التي تفتك بجيل كامل من الأطفال والشباب ومحاسبة أصحابها.
وأشار الخبير إلى أن عديد فضاءات الاتصالات المفتوحة للعموم حادت عن دورها المتمثل في تمكين روادها من الإبحار على الأنترنات لأغراض ثقافية أو تعليمية أوترفيهية، إلى فضاءات تخول لمرتاديها ممارسة الرهان الرياضي الالكتروني عبر المراهنة على نتائج المباريات الرياضية.
وبين أن المراهنين يدفعون مبالغ مالية إلى صاحب فضاء "بيبلينات" الذي يستولي على جميع أموال الخاسرين في الرهان مباشرة بعد انتهاء المباريات، وفق ذات المتحدث الذي أكّد أيضا أن هذه الفضاءات لم تلتزم بالقوانين المنظمة للرهان الرياضي والتي أوكلت هذه العملية لشركة النهوض بالرياضة، مشيرا الى ان هذه القوانين تتمثل بالخصوص في المرسوم عدد 20 لسنة 1974المؤرخ في 24 أكتوبر 1974 والمتعلق بإقامة معارض لألعاب اليانصيب ومن ضمنها الرهان الرياضي المصادق عليه بالقانون عد 96 المؤرخ لسنة 1974 في 1 ديسمبر، وقانون 63 لسنة 1984 مؤرخ في 6 اوت 1984 المتعلق بتنظيم الأنشطة الرياضية وتنميتها.
كما أكّد أن مروجي المخدرات يستغلون تجمع عدد كبير من الأطفال والمراهقين في هذه الفضاءات ليقوموا بترويج بضاعاتهم والتغرير بهم ودفعهم نحو العديد من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر ومن أبرزها التوجه نحو السرقة والنهب بهدف كسب المال بأية طريقة.
ودعا الخبير إلى ضرورة درس ظاهرة استقطاب الشباب والأطفال والتغرير من أجل فهم خفاياها وتفكيكها ومن ثمة العمل على إيجاد حلول جذرية لها.
غسل الاموال الجريمة الإقتصادية العابرة للقارات..
ينص القانون الأساسي عدد 9 لسنة 2019 مؤرخ في 23 جانفي 2019 يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال وينص في الفصل 92 فقرة ثانية (جديدة) "يعتبر أيضا غسل أموال، كل فعل قصدي يهدف إلى توظيف أموال متأتية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، من الجرائم المنصوص عليها بالفقرة السابقة أو إلى اكتسابها أو حيازتها أو استخدامها أو إيداعها أو إخفائها أو تمويهها أو إدارتها أو إدماجها أو حفظها أو محاولة القيام بذلك أو المشاركة فيه أو التحريض عليه أو تسهيله أو إلى المساعدة في ارتكابه".
وتعد ظاهرة غسل الأموال أو تبييضها من الجرائم الاقتصادية الحديثة المرتبطة بالجريمة المنظمة غالباً، وقد تطورت وتعددت صورها في ظل التطور التكنولوجي الهائل، خاصة باستخدام تقنية المعلومات والحاسب الآلي وشبكة الإنترنت، وهي الوسائل التي احترف بعض الجناة استخدامها لارتكاب أنواع من الجرائم المالية المعقدة. وفي كتاب "جرائم غسل الأموال على شبكة الإنترنت"، يعرّف مؤلفه الدكتور عبدالله عبدالكريم عبدالله بهذه الجرائم ويحدد أنواعها وطبيعتها القانونية، والمخاطر المترتبة عليها، كما يعرّف بوسائل مكافحتها، والتوجهات الحديثة في هذا المجال، ثم يقيم مدى كفاية القوانين الحالية في مواجهة هذا النوع المستجد من الجرائم. وكما يشرح الكتاب، فإن غسل الأموال عبر الإنترنت جريمة ناتجة عن أعمال وأنشطة إجرامية حققت عوائد مالية ضخمة من الأموال القذرة الناتجة عن أعمال غير شرعية يعاد ضخها في الاقتصاد العالمي عبر شبكة الإنترنت باستخدام النقود الإلكترونية أو بطاقات السحب التي تحمل أرقاماً سرية بالشراء عبر الإنترنت، أو تداول الأسهم، وغيرها من الأنشطة التجارية والمالية التي تتم عبر شبكة المعلومات الدولية. وإذا كان غسل الأموال في صورته التقليدية يتركز على تجارة المخدرات، فإن هذه الحقيقة بدأت تتغير تدريجياً، إذ يبين المؤلف أنه في ظل الانفتاح العالمي وارتباط الأسواق ببعضها البعض وتداخل الاقتصادات وتزايد التشابكات المالية بين جهات العالم، أصبحت أنشطة الاتجار بالأسلحة وتجارة القمار والرقيق والدعارة تتم من خلال شبكة الإنترنت، ويجري تنظيمها إلكترونياً بما يحقق أرباحاً هائلة ويولّد أموالاً يحتاج أصحابها في أغلب الأحوال إلى تبييضها وإدخالها في دورة الاقتصاد العالمي بعيداً عن أعين الرقابة وأجهزة المتابعة.
ويتوقف المؤلف عند الأطر القانونية لمكافحة غسل الأموال متفحصاً إياها في سبع دول عربية هي لبنان وسوريا والأردن وليبيا وتونس ومصر والسودان.
وفي هذا المجال يركز الكتاب نقاشه على القواعد والأحكام الموضوعية، والمفاهيم القانونية الأساسية ذات الصلة بغسل الأموال، والالتزامات المتضمنة في القانون، والقواعد الإجرائية والمؤسسية للمكافحة، والإطار العقابي، والقواعد والأحكام التنفيذية، ووحدة غسل الأموال واختصاصاتها، والإجراءات الخاصة بالعمليات المشتبه بها، وآليات المكافحة والإبلاغ عن عمليات غسل الأموال، والتدابير التحفظية لغايات المكافحة، ومجمل الإجراءات الرقابية ذات العلاقة. ويلقي المؤلف الضوء على مكافحة غسل الأموال في بعض التشريعات الأوروبية، مستشهداً بالتشريع السويسري على وجه الخصوص، ثم يتناول بشكل مجمل الجهود الدولية لمكافحة غسل الأموال عبر الإنترنت، لاسيما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية (فيينا 1988)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو 2000)، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003)، وغيرها من الاتفاقيات الدولية الشبيهة الأخرى. ومن خلال النقاش المستفيض حول الجوانب الإجرائية والقانونية والتقنية لمكافحة غسل الأموال عبر الإنترنت، يبرز المؤلف بعض المتطلبات الأساسية في هذا المضمار، ومنها توفير الأطر القانونية، وبناء أجهزة الرقابة، والتزام المؤسسات المالية بدورها في التحقيق والتبليغ، والتنسيق بين المؤسسات المصرفية والجهات الرقابية، وإعطاء المصرف المركزي دوراً رقابياً، وإيجاد طرق تقنية إلكترونية فعالة، وضرورة الوصول إلى اتفاقية دولية فعالة لمكافحة جرائم غسل الأموال بمختلف الوسائل، والاستفادة القصوى من تجارب الدول المتقدمة في مواجهة عمليات غسل الأموال إلكترونياً.
مشروع مرسوم.. مؤاخذات وحملة للتنبيه من مخاطر الإدمان على العاب الرهان
وكان المجمع المهني الوطني لشركات الرهان الرياضي والألعاب على الخط بكونكت قد استنكر في بيان له خلال شهر فيفري الفارط انفراد وزارة الشباب والرياضة في صياغة مشروع مرسوم يتعلق بتنظيم ألعاب الحظ والمال والرهانات دون مراعاة تواجد مؤسسات خاصة وقانونية ناشطة في قطاع الرهانات الرياضية على الخط ،" وذلك بعد أن تم تقنين التشريعات الجبائية المحمولة على عاتقهم بموجب أحكام الفصل 24 من قانــــــون المالية لسنة 2021، وخاصة بعد أن أقرت الدوائر القضائية المختصة بموجب أحكام قضائية نهائية وباتة، بعدم احتكار الدولة لهذا النشاط" ، في مخالفة صريحة لمقتضيات المنشور عدد 14 المؤرخ في 27 ماي 2011، والذي يفرض على جهة المبادرة التشريعية، أخذ رأي المهنة المبادرة في خصوص المشاريع القانونية التي تنظم شروط ممارسة الأنشطة الاقتصادية.
كما استنكر مخالفة مشروع المرسوم من حيث الصياغة لأحكام المنشور عدد 8 لسنة 2017 المؤرخ في 17 مارس 2017، أما من حيث المضمون فهو مخالف للفصول المدرجة بالدستور في باب الحريات والحقوق وبنود المعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية بموجب أحكام الأمر عدد 1664 لسنة 1991 ، في ظل تعهد رئيس الجمهورية من خلال الفقرة الثانية من الفصل الرابع من الأمر عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 والتي تنص على ما يلي " لا يجوز عند سن المراسيم النيل من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة بالمنظومة القانونية الوطنية والدولية".
كما أوضح المجمع أنه تم توجيه مراسلات إلى رئيسة الحكومة بموجب محضر تبليغ طلبات عن طريق عدل التنفيذ تحت ترقيم عدد 2742 بتاريخ 27 ديسمبر 2021 والذي يتضمن قراءة قانونية ونقدية لمشروع المرسوم ولكن دون أي تجاوب للمقترحات الإيجابية القائمة على رؤية تكاملية وتشاركية واستشرافية بين القطاعين الخاص والعام ومن ذلك يسجل نزعة في إقصاء الشركاء الاقتصادية ومكونات المجتمع المدني من دائرة الحوار والتشاور.
وحذر بعض المسؤولين الإداريين المشرفين على بعض المصالح العمومية التابعة خاصة للإدارة العامة للأداءات والسجل الوطني للمؤسسات، من تعطيل نشاط الشركات الناشطة في قطاع الرهان الرياضي متعددة الاحتمالات، بموجب تعليمات أفقية مسقطة ومخالفة للقانون، مؤكدا إصراره على التتبع الجزائي لكل من يثبت انصياعه لتعليمات شفوية صادرة عن رؤسائهم في العمل أو مجسدا لتأويلات فردية ضيقة، من شأنها تعطيل نشاط هذه الشركات الدافعة لضرائبها، من أجل جريمة الفصل 96 من المجلة الجزائية.
كما أبرز أنه سجل عدم تفاعل مصالح الإدارة العامة للطفولة مع الطلب الموجه لها من قبل المكتب التنفيذي بتاريخ 8 جويلية 2021، الرامي للتدارس المشترك لظاهرة إقبال القصرعلى الرهان الرياضي على الخط، ومن ذلك بلورة مقترحات مشتركة على غرار تفعيل آلية مندوب حماية الطفولة ووضع ضوابط معلوماتية وتقنية من شأنها تحجير ولوج القصر لمواقع الرهان الرياضي على الخط، كما دعا وزير الشباب والرياضة الى لفت نظر شركة النهوض بالرياضة حتى تمنع عملائها التجاريين المستغلين لأكشاك ومكتبات متمركزة عن مقربة من المعاهد والمدارس من بيع قصاصات الرهانات الرياضية التي تعرضها للعموم للشباب دون سن 18.
كما أكد على أولوية التصدي لظاهرة إدمان العديد على ألعاب الرهان الرياضي داعيا وزير الشباب والرياضة الى تكليف المرصد الوطني للشباب لدراسة هذه الظاهرة السلوكية، وأضاف بأن المكتب التنفيذي صادق على ميثاق أخلاقي ملزم لكل الشركات المنخرطة بالمجمع للتصدي لظاهرة الإدمان وحماية القصر.
كما أعلن المجمع وضعه لخطة عملية مشتركة مع الجمعيات الناشطة في المجالين المذكورين، وذلك من خلال إطلاق حملة تحسيسية للتنبيه من مخاطر الإدمان على ألعاب الرهان والحظ، وخاصة توعية غير الراشدين من مضار هذه الألعاب وتأثيرها على سلوكياتهم ونتائجهم المدرسية.
وجدد الدعوة للحكومة وأعضائها على غرار وزيرتي الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والمالية ووزراء الشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية والصحة والتعليم، لغاية تشريك كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية من خلال هياكلها القطاعية وخبرائها في صياغة النصوص القانونية بهدف تنظيم قطاع الرهان الرياضي في إطار رؤية تشاركية، بالشكل الذي يضمن كبح جماح امتداد السوق السوداء، فضلا على التصدي للتهرب الضريبي وإيلاء الأولوية المطلقة، لظاهرتي الإدمان وإقبال غير الراشدين على هذه الألعاب.
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" : ثقافة الوهم والحلم بالثراء الفاحش تدفعان بالتونسي للاقبال على "العاب الحظ"
وفي سياق حديثه عن الرهان الرياضي والعاب الحظ والقمار ذكر سامي نصر المختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" بأنه تطالع المواطن التونسي أينما حل إعلانات تحثّه على المشاركة في مسابقات يمكن أن يجني من ورائها مكاسب مادية، بل قد تغيّر مسيرة حياته وتجعله ينتقل من الخصاصة إلى الثراء بمجرّد "ضربة حظ"، وأصبح التونسي بدوره يتلهّف على ذلك ليبقى يحلم بهذا الفوز، كما لم يعد الوهم مجرّد ظاهرة مرضيّة تعاني منها فئة اجتماعيّة معيّنة في بلادنا، بل أصبحت في السنوات الأخيرة إحدى أهم الوسائل الدفاعيّة للمواطن التونسي خاصة مع الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة القاسية التي يعيشها.
ثقافة الوهم..
واضاف بأنها لم تعد مقتصرة فقط على الفئات المحدودة الدخل، بل شملت تقريبا مختلف الشرائح الاجتماعيّة، إضافة إلى عدم ارتباطها بمستوى تعليمي محدد، فكثيرا ما نجد من بين ضحايا جرائم الوهم أصحاب رؤوس الأموال وخرّيجي الجامعات (إضافة لأصحاب الدخل المحدود والمستوى التعليمي المتدنّي) وأكثر من ذلك أصبحنا اليوم نتحدّث عن ثقافة الوهم والمتمثلة في الرغبة في الثراء المفاجئ دون بذل أي مجهود، أي محاولة تجاوز الوضع الحالي للمواطن عبر الخيال والأوهام وهكذا تحوّل الوهم إلى ظاهرة اجتماعيّة تمسّ جل مكوّنات المجتمع التونسي، وكان لوسائل الإعلام بمختلف أشكالها دورا رئيسيّا في ذلك فكيف تجذّرت ثقافة الوهم في المجتمع التونسي؟ ومن هم المستفيدون من هذه الثقافة؟.
في هذا السياق أكد نصر بأن العديد من الأفلام والمسلسلات التي تبثّها القنوات التلفزيّة وتستهوي المواطنين تسير في اتجاه نشر وتغذية ثقافة الوهم، خاصة عندما تروي لنا قصص لفقراء تحوّلوا إلى كبار أثرياء البلاد وأصحاب نفوذ وسلطة، لتؤكّد أن الأمل في الثراء والارتقاء الاجتماعي يبقى ممكنا ولا يحتاج إلى أي مجهود إذ يكفي الفوز بإحدى تلك المسابقات لتنقله من وضع إلى آخر.
برامج المسابقات..
كما تحوّلت عقلية المسابقات إلى آلية تتحكّم في اشتغال مجتمعنا، إذ أصبح إدراج المسابقات ضمن العديد من البرامج التلفزية والإذاعيّة شرطا أساسيّا لنجاحها والإقبال عليها فقد بدأ هذا التمشّي يظهر في مجتمعنا بشكل واضح مع برنامج "شمس الأحد" لهالة الركبي والذي حقّق بفضل تلك المسابقات نجاحا ملحوظا على مستوى الإقبال والمشاركة، ثم تركّزت أكثر اثرها مع برنامج "آخر قرار" والذي تمكّن من شد المواطنين إليه، وكنتيجة لذلك أصبح العديد من التجار وخاصة في الأسواق الشعبية يضعون عبارة "آخر قرار" فوق لوحة الأسعار المعروضة لضمان جلب الحرفاء، وفي نفس الإطار أيضا نجد برنامج "دليلك ملك" والذي حظي هو الآخر بنجاح على مستوى الإقبال الجماهيري، وهو ما أكّدته العديد من الدراسات الإحصائيّة الخاصة بشركات التسويق.
أمّا على المستوى الإذاعي فقد راهنت الاذاعات هي أيضا على إدراج المسابقات وزراعة ثقافة الوهم لدى المواطنين في برامجها الإذاعيّة.
كما تحوّلت العديد من الصحف التونسيّة إلى فضاء خاص بتلك المسابقات وكثيرا ما تضعها على صفحاتها الأولى، البعض منها مجاني وتهدف الصحف من ورائها إلى تحسين قدراتها التوزيعيّة والبعض الآخر يندرج ضمن الإعلانات الإشهارية المدفوعة الأجر لصالح بعض الشركات والمؤسسات على غرار المسابقات المتعدّدة والمتنوعة لشركة "تونزيانا" وشركة "تلكوم".
تنافس على ثقافة الوهم..
وأوضح نصر بأنه بقدر ما تفشّت ثقافة الوهم لدى مختلف الشرائح الاجتماعيّة تعدّدت الجهات المستفيدة والمستغلّة لهذه الظاهرة.
فعلى المستوى التجاري نلاحظ أن شركات ومؤسسات التسويق كثّفت من عروض المسابقات وإيهام الفوز بالجوائز الواقعية منها والخيالية قصد توزيع منتوجاتها وخاصة المتعلّقة منها بالمواد الغذائيّة، فالمراهنة على حسن التوزيع أصبح مقترنا بشكل أساسي بثقافة الوهم، إذ لا نكاد نجد عرضا لمنتوج غذائي لا يراهن على المسابقات.
وعلى المستوى الخدماتي فإن الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة أصبحت تراهن هي الأخرى على استثمار وتوظيف ثقافة الوهم، بل أصبحنا نشاهد اليوم منافسة حادة بين بعض الشركات في هذا المجال مثلما هو الحال بالنسبة لشركتي "تونيزيانا" و"تلكوم" ، إضافة للمؤسسات البنكية والبريد التونسي الذي أصبح في الفترة الأخيرة يقوم ببعض الإعلانات المتعلّقة بالربح.
أمّا على المستوى الإجرامي فإنّ العديد من جرائم التحيّل والتي أصبحت تحتلّ مكانة متميّزة في عالم الجريمة ببلادنا مرتبطة بشكل أساسي بثقافة الوهم مثل قضايا البحث عن الكنوز، والإيهام بالمساعدة على الهجرة الشرعية، إضافة للعديد من قضايا الهجرة غير الشرعية، ومع تفاقم ظاهرة بطالة خرّيجي الجامعات ولهفتهم على البحث عن الشغل، وجد بعض المتحيّلين فرصتهم في استغلال هذه الفئة رغم أهمية مستواها التعليمي، فقد ورد بإحدى الأسبوعيات أن "شابا مراوغا يتحيّل على خرّيجي الجامعات والمتنازعين بدعوى حل مشاكلهم!"، وذكرت الصحيفة أن المتحيّل ارتكب سلسلة من القضايا بعد إيهام ضحاياه بتمكينهم من شغل من خلال علاقته ببعض المسؤولين، كما ذكرت أسبوعية أخرى صادرة أن "مهندسا مزيّفا يلهف أموال الباحثين عن شغل"!.
ومن بين القضايا التحيّليّة الناتجة عن الطمع والرغبة في التملّك نذكر قضيّة "وزراء وجنرالات أفارقة وهميون يتحيّلون على رجال أعمال تونسيين" ، وتحدّثت بعض الصحف عن متحيّلين يوهمون رجل أعمال بكميّة من الذهب ويطلبون منه أربعين ألف دينار ثم يقتلوه بحجر بعد أن استحوذوا على أمواله.
وأضاف نصر بأنه على المستوى السياسي فقد تم تسجيل العديد من الحالات التي تم فيها استثمار ثقافة الوهم أثناء فترة الحملات الانتخابية، فبمناسبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2004 عبّرت العديد من وسائل الإعلام التونسية عن تحيّزها للحزب الحاكم عبر مسابقات تتضمّن دعاية غير مباشرة لبرنامجه الانتخابي ولـ"الانجازات" التي تحققت في الفترة السابقة.
وخلص محدثنا إلى القول بأن ثقافة الوهم والرغبة الجامحة في الثراء المفاجئ ودون أي مجهود لدى المواطن التونسي تعكس بشكل أو بآخر محدوديّة الحلول الواقعيّة لتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ويعانيها المواطن، فبعد فشل وعجز الحلول العملية أصبح التونسي يلتجأ للحلول الوهمية، ووجدت العديد من المؤسسات العاملة في قطاع الإنتاج أو الخدمات في هذا الاستعداد فرصتها لمزيد استغلال المواطنين وإبعادهم عن حقيقة الوضع الذي يعيشونه.
رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"الصباح" : عدوى القمار الالكتروني انتقلت الى الأطفال.. والأرقام المتداولة لا تعكس واقع عدد المقامرين
وحول القمار الالكتروني قال لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك في تصريح لـ"الصباح" إن القمار الالكتروني تفشى خاصة لدى الأطفال ويجب مراقبتهم من قبل الأولياء لا سيما وأن ألعاب الحظ متوفرة في شكل تطبيقات يمكن شحنها في الهواتف الذكية، وباعتبار أن الأطفال يستعملون الهواتف والحواسيب فإنهم يقبلون عليها بشكل كبير ولا يفقهون مدى خطورة القمار على نفسيتهم ودراستهم، وإذا ما ربحوا مرة فإن ذلك يحفزهم على مواصلة الإقبال على تلك الألعاب وقد يصل بهم الأمر الى الإدمان.
وأشار محدثنا الى أن بعض اليائسين يتوجهون الى القمار الإلكتروني حيث يشحن هاتفه ليقامر رغبة منه في تحقيق ربح سواء كان كبيرا أو صغيرا.
وأكد محدثنا أنه لا يمكن حصر عدد المحلات التي تنشط في مجال القمار الالكتروني باعتبار أن نشاطها غير قانوني ولا يمكن أيضا حصر عدد الأشخاص الذين ينخرطون في القمار الإلكتروني ولكن الثابت أن العدد كبير جدا وعلى الرغم من وجود أرقام يتم تداولها حول عدد المحلات وعدد المقامرين ولكنها لا تعكس الأرقام الحقيقية وهي أكبر بكثير مما هو متداول.
وخلص رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك الى أن
الاشكال الكبير يتمثل في انتقال عدى القمار الالكتروني للأطفال الذين باتوا مدمنين بشكل سريع على هذه الألعاب،
ويجب القيام بمراقبة جدية للحد من الظاهرة.