إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خبراء في المناخ يطلقون صيحة فزع: التغيرات المناخية والاحتباس الحراري.. الخطر الداهم

 

مختص في علم المناخ لـ"الصباح": ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ ظاهرة عالمية

تونس – الصباح

سجلت بلادنا خلال هذه الصائفة ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة بشكل متكرر، وإن لم يتسبب في حدوث وفيات، على غرار ما تم تسجيله في بعض المناسبات المشابهة في عدد من بلدان العالم، إلا أنها تسببت في حدوث حرائق عديدة وخسائر في الثروات الطبيعية والمنتوجات الفلاحية في عدة جهات من الجمهورية. ويكفي العودة إلى الصورة "المرعبة" التي نشرتها وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) في 13 جويلية الماضي، وبدا من خلالها معظم نصف الكرة الأرضية الشرقي وكأنّه يشتعل! لتكون إنذارا لبقاء الإنسان على وجه الأرض بعد التغيرات المناخية والجوية المرتقبة.

وقد أكدت جهات مختصة أن معدلات الحرارة في بلادنا سجلت زيادة بنسبة تتراوح بين 1.1 و1.5 %  على غرار الزيادة المسجلة في درجات الحرارة  في العالم خلال نفس الفترة. وهو ما يؤشر لتسجيل تداعيات ذلك على الأرصاد الجوية خلال الفترات المقبلة خاصة أمام ما تم تسجيله بشكل غير من أمطار طوفانية وأعاصير في عدة بلدان من عربية وإفريقية وآسيوية وغيرها في الفترة الأخيرة التي خلفت الآلاف من الضحايا على غرار السودان وموريتانيا وباكستان وسلطنة عمان وإيران وغيرها.

لذلك فإن أسئلة واستفهامات عديدة تُطرح اليوم حول حقيقة التغيرات المناخية التي تشهدها بلادنا كما يشهدها العالم، ومدى تأثير ذلك على الوجود والحياة على سطح الأرض لاسيما في ظل ما تكشفه تقارير المنظمات والهياكل العالمية المختصة من معطيات وأرقام حول المسألة، وتأكيدات حول الارتفاع المسجل في درجات الحرارة على كوكب الأرض منذ قرن والتزايد الذي شهده العالم خلال العشرية الماضية بشكل خاص تحديدا، الأمر الذي دفع هذه المنظمات العالمية إلى إطلاق صيحات فزع ودعوة الأنظمة إلى إيلاء المسألة البيئية والمجالات ذات علاقة بالمسألة الأهمية اللازمة من أجل إيجاد حلول لهذه الأزمة التي تهدد حياة الإنسان؟

إذ سجلت بلادنا خلال هذه الصائفة درجات حرارة مرتفعة أكد الجميع أنه لم يسبق أن تم تسجيلها بشكل متواتر وعلى امتداد كامل أشهر الصيف، الأمر الذي جعل ذوي الدخل المحدود وأبناء الطبقة المتوسطة غير القادرة على توفير أجهزة التكييف تعاني الأمرين خلال هذه الصائفة فضلا عن انقطاع الماء بسبب النقص المسجل في المائدة المائية الذي أقرته الجهات المختصة بسبب موجة الحرارة المتواصلة.

قمم عالمية للمناخ

إذا كانت شرم الشيخ بمصر تستعد لاحتضان قمة المناخ العالمية القادمة المقرر تنظيمها في نوفمبر المقبل لتكون دبي الإماراتية قبلة المشاركين في القمة القادمة، فإن الاتفاقيات التي تم إبرامها في القمم التي سبقتها وأبرزها بباريس سنة 2015 لم تنجح في وضع "أزمة المناخ" ضمن أولويات الأنظمة الدولية والاتفاقيات الدولية باعتبار أن جل بلدان العالم مشاركة في هذه القمم.

ظاهرة عالمية

أكد زهير الحلاوي، أستاذ مختص في علم المُناخ بالجامعة التونسية، أن التغيرات المناخية المسجلة ومن مظاهرها الارتفاع في درجات الحرارة بشكل متكرر وغير مسبوق والتي تم تسجيلها بالأساس خلال صائفتي 2021 و2022، هي ليست خاصية تونسية فحسب وإنما ظاهرة يشهدها العالم أجمع. وبين في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أن في قياس درجات الحرارة الخاصة بتونس قرطاج في السنوات الأخيرة ما انفكت تسجل زيادة بصفو واضحة، موضحا أن ذلك لا يمكن إرجاعه إلى عوامل طبيعية. وأضاف قائلا: "بالعودة إلى ما قدمته الجهات المختصة من دراسات وبحوث ومتابعة للمسألة، نتبين أن درجات الحرارة المسجلة في سنتي 2021 و2022 غير مسبوقة مرفوقة باضطراب في نظام تهاطل الأمطار، رغم أن معدل الأمطار بقي كما هو ولم يسجل زيادة أو نقصان في نفس الفترة".

في المقابل أكد أن هذا الارتفاع كان له انعكاسا على بقية عناصر المناخ موضحا بالقول: "بارتفاع زيادة درجات الحرارة تزداد درجات حرارة البحر ومن ثمة تزداد ملوحة ماء البحر وهذا يؤثر بدوره على الكائنات الحية البحرية من أعشاب وطحالب وأسماك وهو ما يفسره أهل الاختصاص بظهور "الحريقة" مثلا في غير وقتها في الشواطئ التونسية أو خروج "داعش" في جهة صفاقس".  أما في البر فإن انعكاسات ذلك يكون على صحة الإنسان، وفق توضيح، أستاذ علم المناخ، الأمر الذي يشكل خطرا على حياة المصابين ببعض الأمراض من كبار السن وغيرهم وعلى الرضع والأطفال المصابين ببعض الأمراض المزمنة.

إضافة إلى التأثير السلبي على النشاط الفلاحي وعلى الإنتاج والنوعية. وفسر ذلك بقوله: "صحيح أن البحوث أثبتت أن الارتفاع المسجل في درجات الحرارة يهدد من هو غير قادر على التأقلم مع المتغيرات المناخية الجديدة".

الحلول لحماية الجو والبحار والمحيطات

واعتبر زهير الحلاوي، أن هناك ثلاثة حلول لهذا الوضع على نطاق عالمي، يتمثل الأول في التأقلم مع الوضع بعد دراسته سواء بالمراهنة على نوعية معينة من الانتاجات الفلاحية والتخلي عن الأخرى التي تتطلب كميات كبيرة من الماء، والحل الثاني يتمثل، وفق تقدير أستاذ علم المناخ بالجامعة التونسية ووفق ما يذهب إليه المختصون في المجال في العالم، بمحاولة التخفيض من إفرازات "الغازات الدفيئة" التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وتوجد بالأساس في القطاعات الصناعية والطاقية خاصة منها الأحفورية والنقل وفضلات الأبقار والمواشي، حسب تفسيره.

وبين أن بلادنا تعد من بين أقل البلدان مساهمة في هذه الأزمة المناخية العالمية باعتبار أن بلادنا تساهم بـ0.07 %  فقط من هذه الإفرازات فيما تعد الولايات المتحدة من أكثر البلدان أضرارا بالمناخ بإفراز بين 31 و35 % للغازات الدفيئة.

أما الحل الثالث فيمتثل حسب تأكيد محدثنا في تخزين "الكربون" الموجود في الجو وذلك عبر تطوير الغابات والعمل على تنميتها إضافة إلى تخزين "الكربون" في البحار والمحيطات عبر المحافظة وتنمية الطحالب البحرية. واعتبر أن الحرائق التي تم تسجيلها خلال هذه الصائفة في تونس وفي عدة بلدان من العالم لها تداعيات سلبية على المناخ لأنها تساهم في تركيز الغازات الدفيئة في الجو.

نقص الاهتمام

وأكد الحلاوي أن المسألة المناخية لا تحظى بالاهتمام الكبير لدى الرأيين العام والدولي، لذلك يكون التوجه إلى الحلول المذكورة ليس بالشكل المطلوب. لأنها تتطلب رصد ميزانية وإمكانيات مالية كبرى. ويعتبر محدثنا أن ما يتم تطارحه والاتفاق عليه في القمم والندوات العالمية للمناخ يصعب الالتزام بتطبيقه لهذا السبب لذلك اتجه التفاوض في مثل هذه المناسبات حول من يدفع "فاتورة" هذه الظاهرة من منظور "جيوسياسي". مشددا على أن ما تم الاتفاق عليه في قمة باريس سنة 2015 كان بهدف ألا تتجاوز نسبة زيادة درجات الحرارة 2 درجة مائوية ولتكون في حدود 1.5درجة. وأضاف قائلا: "للأسف حتى لو تم تطبيق ما تم الاتفاق عليه في تلك الاتفاقيات الدولية فإن الحرارة ستزيد بأكثر من 3 درجات فما فوق بين 2050 و2100 وفق تقديرات علمية عالمية الأمر الذي سيجعل الحياة صعبة بالنسبة لبعض الكائنات الحية على حد السواء".

 

*حنان معيرش لـ"الصباح": الاحترار العالمي والتغير المناخي ظاهرة لا رجعة فيها.. لكن من الممكن الحد من تفاقمها الحوض المتوسطي أكثر عرضة للعواصف والأحداث المناخية المتطرفة

وأفادت حنان معيرش، مهندسة بمصلحة دراسة المناخ والتغيرات المناخية وإدارة البحث والتطوير بالمعهد الوطني للرصد الجوي، في تطرقها للموضوع لـ"الصباح"، وتحديدا في إجابتها عن الاستفسار عن تداعيات الارتفاع المسجل في درجات الحرارة خلال هذه الصائفة على الوضع المناخي في المرحلة القادمة خاصة أمام ما تم تسجيله من فيضانات وأمطار طوفانية في عديد البلدان الإفريقية والأسيوية؟ وأكدت أن البحر الأبيض المتوسط سجل درجات حرارة أعلى بكثير من المعتاد في صائفة 2022. وأضافت قائلة: "يتضح هذا من خلال درجات حرارة المياه المرتفعة بشكل غير طبيعي، والتي تعد أعلى من المعتاد لهذا الموسم. وصلت الذروة 30.7 درجة مئوية" تم تسجيلها في نهاية شهر جويلية. وتعد درجات الحرارة هذه أعلى بما يقارب 4 إلى 6 درجات مائوية عن تلك المسجلة عادة خلال هذه الفترة".

وفسرت معيرش ارتفاع درجات الحرارة بكونه يرتبط بعاملين أساسيين هما موجات الحرارة الاستثنائية المسجلة لهذا الصيف وغياب الرياح الموسمية التي تساهم في تخفيض درجة حرارة المياه السطحية.

وأضافت في تفسيرها للمسألة: "قد تؤدي هذه الموجة من الحرارة البحرية إلى زيادة العواصف على البحر الأبيض المتوسط في فصل الخريف. حيث تسمح الحرارة المرتفعة للبحر الأبيض المتوسط بالحفاظ على كتل الهواء الدافئ فوق سطح البحر. وكلما زادت حرارة الكتلة الهوائية، زادت كمية بخار الماء الذي يمكن أن تحتويه. وفي حال توفر الوضع المناخي الملائم، قد يؤدي إلى تكوين السحب والأمطار العنيفة أو حتى العواصف الرعدية".

وتعتبر معيرش بذلك أنه يمكن أن تلعب درجة الحرارة المرتفعة للبحر الأبيض المتوسط عاملاً مفاقماً في تواتر وعنف هذه الظواهر ولكنها ليست السبب الرئيسي للحدث في تقديرها. حيث تظل العناصر الديناميكية لدوران الغلاف الجوي العامل الأساسي في تكوين مثل هذه الظواهر.

أما بالنسبة لما تم تسجيله من فيضانات وأمطار طوفانية في عديد البلدان الإفريقية والآسيوية، أفادت المهندسة بمصلحة المناخ بالمعهد الوطني للرصد الجوي أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أكدت في تقريرها الأخير، أن كل ارتفاع بدرجة مائوية للمعدل العالمي لدرجات الحرارة يؤدي إلى ارتفاع الهطول الشديد للأمطار بنسبة 7٪. و في سياق الاحترار العالمي، وأفادت أن العالم بما في ذلك بلدان الحوض المتوسطي ستشهد زيادة تواتر لهذه الأحداث المناخية التي وصفتها بـ"المتطرفة".

تغير المناخ في البحر الأبيض المتوسط

في جانب آخر من تناولها للمسألة أكدت محدثتنا أنه تمت الإشارة إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط كواحدة من أكثر المناطق تفاعلًا مع تغير المناخ وتم تعريفها على أنها "نقطة ساخنة" بناءً على نتائج سيناريوهات توقعات تغير المناخ العالمي منذ سنة 2006. وهي ترى أنه من المتوقع أن تظل المنطقة من بين أكثر المناطق تضررًا من تغير المناخ، لا سيما فيما يتعلق بهطول الأمطار والدورة الهيدرولوجية، مستندة في الغرض بما أكدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في أحدث تقرير لها، بأن منطقة البحر الأبيض المتوسط تعتبر واحدة من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات الاحتباس الحراري في العالم.

وكشفت أيضا أنه خلال القرن العشرين، قدرت الزيادة في درجة حرارة الهواء في حوض البحر الأبيض المتوسط بما يعادل 1.5 إلى 4 درجات مائوية حسب المناطق. وقد لوحظ تسارع واضح في الاحترار منذ عام 1970، حيث ارتفعت درجات الحرارة في جنوب غرب أوروبا وفي شمال إفريقيا بما يقارب درجتين مائويتين.

أما بالنسبة لهطول الأمطار، بينت حنان معيرش، أن التوجهات الملحوظة تُظهر تباينًا مكانيًا واضحًا حسب الفترة والموسم المعتبرين، مشددة على أن الاتجاه الأكثر وضوحًا هو انخفاض هطول الأمطار في فصل الشتاء على المناطق الوسطى والجنوبية من حوض البحر الأبيض المتوسط منذ النصف الثاني من القرن العشرين.

وضع مناخي متقلب

كما أكدت محدثتنا أن مسألة تحديد الاتجاهات والتغيرات في النظام المناخي مهمة وحساسة بسبب العوامل المتعددة التي يجب أخذها بعين الاعتبار. وتعتبر المهمة الأكثر صعوبة هي تحديد الآثار المحتملة لتغير المناخ على الصعيد الإقليمي، لا سيما عند أخذ الخصائص الطبيعية والاصطناعية للمنطقة المتأثرة في الاعتبار.

وتذهب بالقول إلى أنه "ربما يكون تغير المناخ أحد أكثر التحديات إلحاحًا التي تواجه منطقة البحر الأبيض المتوسط باعتبارها من أكثر المناطق حساسية لتغير المناخ على مستوى العالم". وتعتبر أنه قد يشمل تغير المناخ عديد الظواهر مثل موجات الحرارة، موجات البرد، الفيضانات، الأمطار الشديدة، الجفاف، خطر نشوب الحرائق، انخفاض متوسط الرياح وزيادة الأعاصير في البحر المتوسط.

مضيفة في الغرض: "أظهرت مجموعات النماذج العددية لمحاكاة المناخ أن الاحترار واسع النطاق سيستمر في البحر الأبيض المتوسط خلال القرن الحادي والعشرين. ومن المتوقع أن تزداد وتيرة وشدة موجات الحرارة مع ارتفاع لدرجات الحرارة القصوى. كما تشير معظم الإسقاطات النموذجية إلى وجود اتجاه نحو ظروف أكثر جفافاً في حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة فوق المناطق الجنوبية مع توجه سائد نحو نظام هطول الأمطار ذي تباين أكبر بين السنوات".

كما بينت معيرش، أنه على الرغم من الانخفاض المتوقع في متوسط هطول الأمطار، تتنبأ النماذج بزيادة وتيرة هطول الأمطار اليومية الغزيرة وهو ما يمكن أن يتسبب في فترات أطول من الجفاف تقطعها أحداث هطول الأمطار الغزيرة، مما يزيد من مخاطر الفيضانات.

وشددت التأكيد على أهمية النتائج التي توصلت لها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها السادس والتي أكدت على أن الاحترار العالمي هو الآن ظاهرة لا رجعة فيها، وهي مرتبطة أساسا بالنشاط البشري، ولا يزال من الممكن الحد من تفاقمها إذا اتخذت الدول تدابير جذرية وفورية. كما أكدت أن تغير المناخ قد حدث بالفعل وأن خطر الآثار السلبية متوقع حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلا. وبالتالي، من الضروري وضع سياسات وتدابير للتكيف تحسباً لما يمكن مواجهته من ضغوطًات متعددة بسبب المخاطر المناخية المحتملة.

نزيهة الغضباني

خبراء في المناخ يطلقون صيحة فزع:  التغيرات المناخية والاحتباس الحراري.. الخطر الداهم

 

مختص في علم المناخ لـ"الصباح": ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ ظاهرة عالمية

تونس – الصباح

سجلت بلادنا خلال هذه الصائفة ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة بشكل متكرر، وإن لم يتسبب في حدوث وفيات، على غرار ما تم تسجيله في بعض المناسبات المشابهة في عدد من بلدان العالم، إلا أنها تسببت في حدوث حرائق عديدة وخسائر في الثروات الطبيعية والمنتوجات الفلاحية في عدة جهات من الجمهورية. ويكفي العودة إلى الصورة "المرعبة" التي نشرتها وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) في 13 جويلية الماضي، وبدا من خلالها معظم نصف الكرة الأرضية الشرقي وكأنّه يشتعل! لتكون إنذارا لبقاء الإنسان على وجه الأرض بعد التغيرات المناخية والجوية المرتقبة.

وقد أكدت جهات مختصة أن معدلات الحرارة في بلادنا سجلت زيادة بنسبة تتراوح بين 1.1 و1.5 %  على غرار الزيادة المسجلة في درجات الحرارة  في العالم خلال نفس الفترة. وهو ما يؤشر لتسجيل تداعيات ذلك على الأرصاد الجوية خلال الفترات المقبلة خاصة أمام ما تم تسجيله بشكل غير من أمطار طوفانية وأعاصير في عدة بلدان من عربية وإفريقية وآسيوية وغيرها في الفترة الأخيرة التي خلفت الآلاف من الضحايا على غرار السودان وموريتانيا وباكستان وسلطنة عمان وإيران وغيرها.

لذلك فإن أسئلة واستفهامات عديدة تُطرح اليوم حول حقيقة التغيرات المناخية التي تشهدها بلادنا كما يشهدها العالم، ومدى تأثير ذلك على الوجود والحياة على سطح الأرض لاسيما في ظل ما تكشفه تقارير المنظمات والهياكل العالمية المختصة من معطيات وأرقام حول المسألة، وتأكيدات حول الارتفاع المسجل في درجات الحرارة على كوكب الأرض منذ قرن والتزايد الذي شهده العالم خلال العشرية الماضية بشكل خاص تحديدا، الأمر الذي دفع هذه المنظمات العالمية إلى إطلاق صيحات فزع ودعوة الأنظمة إلى إيلاء المسألة البيئية والمجالات ذات علاقة بالمسألة الأهمية اللازمة من أجل إيجاد حلول لهذه الأزمة التي تهدد حياة الإنسان؟

إذ سجلت بلادنا خلال هذه الصائفة درجات حرارة مرتفعة أكد الجميع أنه لم يسبق أن تم تسجيلها بشكل متواتر وعلى امتداد كامل أشهر الصيف، الأمر الذي جعل ذوي الدخل المحدود وأبناء الطبقة المتوسطة غير القادرة على توفير أجهزة التكييف تعاني الأمرين خلال هذه الصائفة فضلا عن انقطاع الماء بسبب النقص المسجل في المائدة المائية الذي أقرته الجهات المختصة بسبب موجة الحرارة المتواصلة.

قمم عالمية للمناخ

إذا كانت شرم الشيخ بمصر تستعد لاحتضان قمة المناخ العالمية القادمة المقرر تنظيمها في نوفمبر المقبل لتكون دبي الإماراتية قبلة المشاركين في القمة القادمة، فإن الاتفاقيات التي تم إبرامها في القمم التي سبقتها وأبرزها بباريس سنة 2015 لم تنجح في وضع "أزمة المناخ" ضمن أولويات الأنظمة الدولية والاتفاقيات الدولية باعتبار أن جل بلدان العالم مشاركة في هذه القمم.

ظاهرة عالمية

أكد زهير الحلاوي، أستاذ مختص في علم المُناخ بالجامعة التونسية، أن التغيرات المناخية المسجلة ومن مظاهرها الارتفاع في درجات الحرارة بشكل متكرر وغير مسبوق والتي تم تسجيلها بالأساس خلال صائفتي 2021 و2022، هي ليست خاصية تونسية فحسب وإنما ظاهرة يشهدها العالم أجمع. وبين في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أن في قياس درجات الحرارة الخاصة بتونس قرطاج في السنوات الأخيرة ما انفكت تسجل زيادة بصفو واضحة، موضحا أن ذلك لا يمكن إرجاعه إلى عوامل طبيعية. وأضاف قائلا: "بالعودة إلى ما قدمته الجهات المختصة من دراسات وبحوث ومتابعة للمسألة، نتبين أن درجات الحرارة المسجلة في سنتي 2021 و2022 غير مسبوقة مرفوقة باضطراب في نظام تهاطل الأمطار، رغم أن معدل الأمطار بقي كما هو ولم يسجل زيادة أو نقصان في نفس الفترة".

في المقابل أكد أن هذا الارتفاع كان له انعكاسا على بقية عناصر المناخ موضحا بالقول: "بارتفاع زيادة درجات الحرارة تزداد درجات حرارة البحر ومن ثمة تزداد ملوحة ماء البحر وهذا يؤثر بدوره على الكائنات الحية البحرية من أعشاب وطحالب وأسماك وهو ما يفسره أهل الاختصاص بظهور "الحريقة" مثلا في غير وقتها في الشواطئ التونسية أو خروج "داعش" في جهة صفاقس".  أما في البر فإن انعكاسات ذلك يكون على صحة الإنسان، وفق توضيح، أستاذ علم المناخ، الأمر الذي يشكل خطرا على حياة المصابين ببعض الأمراض من كبار السن وغيرهم وعلى الرضع والأطفال المصابين ببعض الأمراض المزمنة.

إضافة إلى التأثير السلبي على النشاط الفلاحي وعلى الإنتاج والنوعية. وفسر ذلك بقوله: "صحيح أن البحوث أثبتت أن الارتفاع المسجل في درجات الحرارة يهدد من هو غير قادر على التأقلم مع المتغيرات المناخية الجديدة".

الحلول لحماية الجو والبحار والمحيطات

واعتبر زهير الحلاوي، أن هناك ثلاثة حلول لهذا الوضع على نطاق عالمي، يتمثل الأول في التأقلم مع الوضع بعد دراسته سواء بالمراهنة على نوعية معينة من الانتاجات الفلاحية والتخلي عن الأخرى التي تتطلب كميات كبيرة من الماء، والحل الثاني يتمثل، وفق تقدير أستاذ علم المناخ بالجامعة التونسية ووفق ما يذهب إليه المختصون في المجال في العالم، بمحاولة التخفيض من إفرازات "الغازات الدفيئة" التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وتوجد بالأساس في القطاعات الصناعية والطاقية خاصة منها الأحفورية والنقل وفضلات الأبقار والمواشي، حسب تفسيره.

وبين أن بلادنا تعد من بين أقل البلدان مساهمة في هذه الأزمة المناخية العالمية باعتبار أن بلادنا تساهم بـ0.07 %  فقط من هذه الإفرازات فيما تعد الولايات المتحدة من أكثر البلدان أضرارا بالمناخ بإفراز بين 31 و35 % للغازات الدفيئة.

أما الحل الثالث فيمتثل حسب تأكيد محدثنا في تخزين "الكربون" الموجود في الجو وذلك عبر تطوير الغابات والعمل على تنميتها إضافة إلى تخزين "الكربون" في البحار والمحيطات عبر المحافظة وتنمية الطحالب البحرية. واعتبر أن الحرائق التي تم تسجيلها خلال هذه الصائفة في تونس وفي عدة بلدان من العالم لها تداعيات سلبية على المناخ لأنها تساهم في تركيز الغازات الدفيئة في الجو.

نقص الاهتمام

وأكد الحلاوي أن المسألة المناخية لا تحظى بالاهتمام الكبير لدى الرأيين العام والدولي، لذلك يكون التوجه إلى الحلول المذكورة ليس بالشكل المطلوب. لأنها تتطلب رصد ميزانية وإمكانيات مالية كبرى. ويعتبر محدثنا أن ما يتم تطارحه والاتفاق عليه في القمم والندوات العالمية للمناخ يصعب الالتزام بتطبيقه لهذا السبب لذلك اتجه التفاوض في مثل هذه المناسبات حول من يدفع "فاتورة" هذه الظاهرة من منظور "جيوسياسي". مشددا على أن ما تم الاتفاق عليه في قمة باريس سنة 2015 كان بهدف ألا تتجاوز نسبة زيادة درجات الحرارة 2 درجة مائوية ولتكون في حدود 1.5درجة. وأضاف قائلا: "للأسف حتى لو تم تطبيق ما تم الاتفاق عليه في تلك الاتفاقيات الدولية فإن الحرارة ستزيد بأكثر من 3 درجات فما فوق بين 2050 و2100 وفق تقديرات علمية عالمية الأمر الذي سيجعل الحياة صعبة بالنسبة لبعض الكائنات الحية على حد السواء".

 

*حنان معيرش لـ"الصباح": الاحترار العالمي والتغير المناخي ظاهرة لا رجعة فيها.. لكن من الممكن الحد من تفاقمها الحوض المتوسطي أكثر عرضة للعواصف والأحداث المناخية المتطرفة

وأفادت حنان معيرش، مهندسة بمصلحة دراسة المناخ والتغيرات المناخية وإدارة البحث والتطوير بالمعهد الوطني للرصد الجوي، في تطرقها للموضوع لـ"الصباح"، وتحديدا في إجابتها عن الاستفسار عن تداعيات الارتفاع المسجل في درجات الحرارة خلال هذه الصائفة على الوضع المناخي في المرحلة القادمة خاصة أمام ما تم تسجيله من فيضانات وأمطار طوفانية في عديد البلدان الإفريقية والأسيوية؟ وأكدت أن البحر الأبيض المتوسط سجل درجات حرارة أعلى بكثير من المعتاد في صائفة 2022. وأضافت قائلة: "يتضح هذا من خلال درجات حرارة المياه المرتفعة بشكل غير طبيعي، والتي تعد أعلى من المعتاد لهذا الموسم. وصلت الذروة 30.7 درجة مئوية" تم تسجيلها في نهاية شهر جويلية. وتعد درجات الحرارة هذه أعلى بما يقارب 4 إلى 6 درجات مائوية عن تلك المسجلة عادة خلال هذه الفترة".

وفسرت معيرش ارتفاع درجات الحرارة بكونه يرتبط بعاملين أساسيين هما موجات الحرارة الاستثنائية المسجلة لهذا الصيف وغياب الرياح الموسمية التي تساهم في تخفيض درجة حرارة المياه السطحية.

وأضافت في تفسيرها للمسألة: "قد تؤدي هذه الموجة من الحرارة البحرية إلى زيادة العواصف على البحر الأبيض المتوسط في فصل الخريف. حيث تسمح الحرارة المرتفعة للبحر الأبيض المتوسط بالحفاظ على كتل الهواء الدافئ فوق سطح البحر. وكلما زادت حرارة الكتلة الهوائية، زادت كمية بخار الماء الذي يمكن أن تحتويه. وفي حال توفر الوضع المناخي الملائم، قد يؤدي إلى تكوين السحب والأمطار العنيفة أو حتى العواصف الرعدية".

وتعتبر معيرش بذلك أنه يمكن أن تلعب درجة الحرارة المرتفعة للبحر الأبيض المتوسط عاملاً مفاقماً في تواتر وعنف هذه الظواهر ولكنها ليست السبب الرئيسي للحدث في تقديرها. حيث تظل العناصر الديناميكية لدوران الغلاف الجوي العامل الأساسي في تكوين مثل هذه الظواهر.

أما بالنسبة لما تم تسجيله من فيضانات وأمطار طوفانية في عديد البلدان الإفريقية والآسيوية، أفادت المهندسة بمصلحة المناخ بالمعهد الوطني للرصد الجوي أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أكدت في تقريرها الأخير، أن كل ارتفاع بدرجة مائوية للمعدل العالمي لدرجات الحرارة يؤدي إلى ارتفاع الهطول الشديد للأمطار بنسبة 7٪. و في سياق الاحترار العالمي، وأفادت أن العالم بما في ذلك بلدان الحوض المتوسطي ستشهد زيادة تواتر لهذه الأحداث المناخية التي وصفتها بـ"المتطرفة".

تغير المناخ في البحر الأبيض المتوسط

في جانب آخر من تناولها للمسألة أكدت محدثتنا أنه تمت الإشارة إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط كواحدة من أكثر المناطق تفاعلًا مع تغير المناخ وتم تعريفها على أنها "نقطة ساخنة" بناءً على نتائج سيناريوهات توقعات تغير المناخ العالمي منذ سنة 2006. وهي ترى أنه من المتوقع أن تظل المنطقة من بين أكثر المناطق تضررًا من تغير المناخ، لا سيما فيما يتعلق بهطول الأمطار والدورة الهيدرولوجية، مستندة في الغرض بما أكدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في أحدث تقرير لها، بأن منطقة البحر الأبيض المتوسط تعتبر واحدة من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات الاحتباس الحراري في العالم.

وكشفت أيضا أنه خلال القرن العشرين، قدرت الزيادة في درجة حرارة الهواء في حوض البحر الأبيض المتوسط بما يعادل 1.5 إلى 4 درجات مائوية حسب المناطق. وقد لوحظ تسارع واضح في الاحترار منذ عام 1970، حيث ارتفعت درجات الحرارة في جنوب غرب أوروبا وفي شمال إفريقيا بما يقارب درجتين مائويتين.

أما بالنسبة لهطول الأمطار، بينت حنان معيرش، أن التوجهات الملحوظة تُظهر تباينًا مكانيًا واضحًا حسب الفترة والموسم المعتبرين، مشددة على أن الاتجاه الأكثر وضوحًا هو انخفاض هطول الأمطار في فصل الشتاء على المناطق الوسطى والجنوبية من حوض البحر الأبيض المتوسط منذ النصف الثاني من القرن العشرين.

وضع مناخي متقلب

كما أكدت محدثتنا أن مسألة تحديد الاتجاهات والتغيرات في النظام المناخي مهمة وحساسة بسبب العوامل المتعددة التي يجب أخذها بعين الاعتبار. وتعتبر المهمة الأكثر صعوبة هي تحديد الآثار المحتملة لتغير المناخ على الصعيد الإقليمي، لا سيما عند أخذ الخصائص الطبيعية والاصطناعية للمنطقة المتأثرة في الاعتبار.

وتذهب بالقول إلى أنه "ربما يكون تغير المناخ أحد أكثر التحديات إلحاحًا التي تواجه منطقة البحر الأبيض المتوسط باعتبارها من أكثر المناطق حساسية لتغير المناخ على مستوى العالم". وتعتبر أنه قد يشمل تغير المناخ عديد الظواهر مثل موجات الحرارة، موجات البرد، الفيضانات، الأمطار الشديدة، الجفاف، خطر نشوب الحرائق، انخفاض متوسط الرياح وزيادة الأعاصير في البحر المتوسط.

مضيفة في الغرض: "أظهرت مجموعات النماذج العددية لمحاكاة المناخ أن الاحترار واسع النطاق سيستمر في البحر الأبيض المتوسط خلال القرن الحادي والعشرين. ومن المتوقع أن تزداد وتيرة وشدة موجات الحرارة مع ارتفاع لدرجات الحرارة القصوى. كما تشير معظم الإسقاطات النموذجية إلى وجود اتجاه نحو ظروف أكثر جفافاً في حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة فوق المناطق الجنوبية مع توجه سائد نحو نظام هطول الأمطار ذي تباين أكبر بين السنوات".

كما بينت معيرش، أنه على الرغم من الانخفاض المتوقع في متوسط هطول الأمطار، تتنبأ النماذج بزيادة وتيرة هطول الأمطار اليومية الغزيرة وهو ما يمكن أن يتسبب في فترات أطول من الجفاف تقطعها أحداث هطول الأمطار الغزيرة، مما يزيد من مخاطر الفيضانات.

وشددت التأكيد على أهمية النتائج التي توصلت لها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها السادس والتي أكدت على أن الاحترار العالمي هو الآن ظاهرة لا رجعة فيها، وهي مرتبطة أساسا بالنشاط البشري، ولا يزال من الممكن الحد من تفاقمها إذا اتخذت الدول تدابير جذرية وفورية. كما أكدت أن تغير المناخ قد حدث بالفعل وأن خطر الآثار السلبية متوقع حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلا. وبالتالي، من الضروري وضع سياسات وتدابير للتكيف تحسباً لما يمكن مواجهته من ضغوطًات متعددة بسبب المخاطر المناخية المحتملة.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews