إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم إيقاف عشرات الموظفين وإقالة بعض كبار المسؤولين.. الفساد ما زال معششا داخل جهاز الدولة!

 

 

تونس – الصباح

لا يمكن إنكار أن جزءا من الفساد الذي أنهك واستنزف الدولة، معشش في المؤسسات العمومية التي لا تخلو مصالحها وأجهزتها من تجاوزات وخروقات ترتقي الى مستوى جرائم فساد لا شبهة فيها..، وإذا كان العهد السابق وخاصة قبل الثورة قد انطلق في توظيف مؤسسات الدولة لتمرير صفقات وتحصيل منافع لبعض المقربين وقتها من الرئيس الأسبق بن علي..، فانه بعد الثورة لم يتغيّر واقع الأمر الا من خلال المستفيدين من هذا الفساد الإداري، فقبل إقالته بقليل قال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب أن خسائر تونس من الفساد تبلغ 3 مليارات دولار سنويا، وأكد الطبيب أن الفساد في تونس متغلغل في دواليب الدولة ويحتاج إلى مجهود سنوات طويلة للحد منه..، وهذا الرقم المهول وهذا الاتهام المباشر من رئيس الهيئة لأجهزة الدولة، يؤكد مرة أخرى أن مؤسسات الدولة باتت رهينة في يد لوبيات فاسدة وأنه إلى اليوم لم نجد بعد خطة تصدّ ومكافحة ناجزة وناجعة.

اللافت أنه في الأشهر الأخيرة تحرّك الجهاز القضائي بشكل كبير حيث تم إيقاف عديد الموظفين في مصالح وأجهزة عمومية مختلفة على خلفية شبهات فساد وتجاوزات وخروقات واضحة وهذه الإيقافات شملت مدراء عامين ومسؤولين كبارا في مؤسسات عمومية مختلفة..، واللافت أيضا هو الإقالات الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد في حق عدد من المدراء العامين وفي مواقع مختلفة..، فهل هذا يمكن اعتباره بداية تطهير حقيقية من المشبوهين والفاسدين داخل جهاز الدولة ام مجرد ردود أفعال انفعالية لا نعرف أسبابها؟

إقالات بالجملة

منذ أيام صدر بالرائد الرسمي عدة قرارات اقالة قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد وتقضي بإنهاء مهام كاتب عام وزارة المالية ومدير عام المحاسبة العمومية والاستخلاص بالوزارة ذاتها ورئيس مدير عام وكالة الكحول مع التنصيص على تعويضهم، كما أصدر رئيس الجمهورية أمرا بتعيين عماد عطية مديرا عاما لوكالة التبغ والوقيد، وصبري عمار مديرا عاما لمصنع التبغ بالقيروان وذلك على خلفية ما تداول مؤخرا حول أزمة وكالة التبغ والوقيد المهددة بالإفلاس.

وأوّل أمس أنهى رئيس الجمهورية مهام المدير العام لمؤسسة الأنشطة البترولية عبد الوهاب الخماسي، على خلفية اتهامات بارتكاب "تجاوزات" دون توضيح ماهية هذه التجاوزات، ولكن يبدو أن الأمر مرتبط بإنهاء شركة شال تواجدها في تونس وتخليها عن حقل ميسكار وصدر بعل، وهو الملف الذي شغل الرأي العام خلال كل المدة الماضية، وقد أعلن سعيد عن فتح تحقيق إداري وآخر قضائي، بشأن "تجاوزات" في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وتحميل كل طرف مسؤوليته في هذا القطاع..، بما يعني أن رئاسة الجمهورية انتبهت أخيرا الى حجم الخراب الذي حلّ بقطاع الأنشطة البترولية والذي ظل منذ ما قبل الثورة بؤرة للأنشطة المشبوهة.

وهناك قطاعات اليوم ومؤسسات عمومية ضخمة نخرها الفساد وسوء التصرّف الإداري والمالي وما على الحكومة الا فتح هذا الملف الخطير ومحاسبة كل مسؤول أخطأ او ثبت تورطه في شبهات فساد خلال كل العشرية الماضية.

موظفون في الدولة على ذمة القضاء

لا يكاد يمر يوم في الآونة الأخيرة دون ان نسمع عن إيقاف موظف دولة في مصلحة من المصالح العمومية او جهاز من أجهزة الدولة وقد كانت هناك إيقافات لافتة لأهمية القضية محل النظر القضائي مثل قضية شركة تونس للطرقات السيارة حيث قضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس بالسجن مدة ست سنوات في حق مدير عام سابق لشركة تونس للطرقات السيارة من أجل تهمة تحقيق موظف عمومي لمنفعة لا وجه حق لها سواء لنفسه أو لغيره والإضرار بالإدارة.

كما أصدرت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في زغوان منذ أسابيع أربع بطاقات إيداع بالسجن في حقّ إطار وعامل بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية وموظف بمعتمدية زغوان ورئيس الجمعية المائية في "سيدي زيد" تعلّقت بهم شبهة فساد. وفي ماي الماضي أصدر قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي المالي قرار ختم البحث مع الاحالة على دائرة الاتهام في حق المتهمين على ذمة القضية المتعلقة بالتلاعب والفساد المالي والاداري في عقود نقل الفسفاط.

وقد تولت دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي لدى محكمة الاستئناف بتونس توجيه تهمتي استغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره ومخالفة التراتيب القانونية لتحقيق تلك الفائدة، وتلك القضية شملت 11 متهما. وإيقاف المتّهمين جاء نتيجة شكاية كان رفعها رئيس الجمعية المائية بنفسه إلى السلط الجهوية اتهم فيها بعض الموظّفين بالفساد في علاقة بالمجمع المائي بسيدي زيد الذي يتولّى تزويد فلاحي المنطقة السقوية في المنطقة بمياه الرّي.

كما أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسوسة 1 في وقت سابق، بطاقة إيداع بالسجن في حق رئيس إقليم الشركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) بسوسة، وذلك على خلفية شبهات بتعمّده استخلاص فائدة لنفسه أو لغيره دون وجه حق، والاستيلاء على أموال راجعة للدولة وضعت تحت يده بموجب الوظيف. وكانت النيابة العمومية قد أذنت منذ شهر نوفمبر 2021 بفتح بحث تحقيقي ضد جملة من الأعوان العموميين وعددهم 6 يعملون بإقليم الشركة بسوسة من اجل جملة من التهم تتعلق بالاستيلاء على أموال عمومية.

وهذه القضايا ليست إلا عينة بسيطة من عشرات ان لم اقل المئات من القضايا التي تورط فيها موظفو الدولة باتهامهم بالاستيلاء على المال العام وتحقيق منافع دون وجه حق..، بالإضافة إلى عشرات حالات الاختلاس وسرقة المال العام التي ترصدها سنويا أجهزة الرقابة الإدارية ويتم إحالة اغلبها الى القضاء ولكن التحقيق في كل هذه الشبهات قد يستغرق سنوات هذا اذا لم يتم اهمال الملف لأسباب مجهولة بما يتيح ترسيخ سياسة الإفلات من العقاب ومواصلة استغلال مقدرات الدولة لمنافع خاصة.

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

 

رغم إيقاف عشرات الموظفين وإقالة بعض كبار المسؤولين.. الفساد ما زال معششا داخل جهاز الدولة!

 

 

تونس – الصباح

لا يمكن إنكار أن جزءا من الفساد الذي أنهك واستنزف الدولة، معشش في المؤسسات العمومية التي لا تخلو مصالحها وأجهزتها من تجاوزات وخروقات ترتقي الى مستوى جرائم فساد لا شبهة فيها..، وإذا كان العهد السابق وخاصة قبل الثورة قد انطلق في توظيف مؤسسات الدولة لتمرير صفقات وتحصيل منافع لبعض المقربين وقتها من الرئيس الأسبق بن علي..، فانه بعد الثورة لم يتغيّر واقع الأمر الا من خلال المستفيدين من هذا الفساد الإداري، فقبل إقالته بقليل قال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب أن خسائر تونس من الفساد تبلغ 3 مليارات دولار سنويا، وأكد الطبيب أن الفساد في تونس متغلغل في دواليب الدولة ويحتاج إلى مجهود سنوات طويلة للحد منه..، وهذا الرقم المهول وهذا الاتهام المباشر من رئيس الهيئة لأجهزة الدولة، يؤكد مرة أخرى أن مؤسسات الدولة باتت رهينة في يد لوبيات فاسدة وأنه إلى اليوم لم نجد بعد خطة تصدّ ومكافحة ناجزة وناجعة.

اللافت أنه في الأشهر الأخيرة تحرّك الجهاز القضائي بشكل كبير حيث تم إيقاف عديد الموظفين في مصالح وأجهزة عمومية مختلفة على خلفية شبهات فساد وتجاوزات وخروقات واضحة وهذه الإيقافات شملت مدراء عامين ومسؤولين كبارا في مؤسسات عمومية مختلفة..، واللافت أيضا هو الإقالات الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد في حق عدد من المدراء العامين وفي مواقع مختلفة..، فهل هذا يمكن اعتباره بداية تطهير حقيقية من المشبوهين والفاسدين داخل جهاز الدولة ام مجرد ردود أفعال انفعالية لا نعرف أسبابها؟

إقالات بالجملة

منذ أيام صدر بالرائد الرسمي عدة قرارات اقالة قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد وتقضي بإنهاء مهام كاتب عام وزارة المالية ومدير عام المحاسبة العمومية والاستخلاص بالوزارة ذاتها ورئيس مدير عام وكالة الكحول مع التنصيص على تعويضهم، كما أصدر رئيس الجمهورية أمرا بتعيين عماد عطية مديرا عاما لوكالة التبغ والوقيد، وصبري عمار مديرا عاما لمصنع التبغ بالقيروان وذلك على خلفية ما تداول مؤخرا حول أزمة وكالة التبغ والوقيد المهددة بالإفلاس.

وأوّل أمس أنهى رئيس الجمهورية مهام المدير العام لمؤسسة الأنشطة البترولية عبد الوهاب الخماسي، على خلفية اتهامات بارتكاب "تجاوزات" دون توضيح ماهية هذه التجاوزات، ولكن يبدو أن الأمر مرتبط بإنهاء شركة شال تواجدها في تونس وتخليها عن حقل ميسكار وصدر بعل، وهو الملف الذي شغل الرأي العام خلال كل المدة الماضية، وقد أعلن سعيد عن فتح تحقيق إداري وآخر قضائي، بشأن "تجاوزات" في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وتحميل كل طرف مسؤوليته في هذا القطاع..، بما يعني أن رئاسة الجمهورية انتبهت أخيرا الى حجم الخراب الذي حلّ بقطاع الأنشطة البترولية والذي ظل منذ ما قبل الثورة بؤرة للأنشطة المشبوهة.

وهناك قطاعات اليوم ومؤسسات عمومية ضخمة نخرها الفساد وسوء التصرّف الإداري والمالي وما على الحكومة الا فتح هذا الملف الخطير ومحاسبة كل مسؤول أخطأ او ثبت تورطه في شبهات فساد خلال كل العشرية الماضية.

موظفون في الدولة على ذمة القضاء

لا يكاد يمر يوم في الآونة الأخيرة دون ان نسمع عن إيقاف موظف دولة في مصلحة من المصالح العمومية او جهاز من أجهزة الدولة وقد كانت هناك إيقافات لافتة لأهمية القضية محل النظر القضائي مثل قضية شركة تونس للطرقات السيارة حيث قضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس بالسجن مدة ست سنوات في حق مدير عام سابق لشركة تونس للطرقات السيارة من أجل تهمة تحقيق موظف عمومي لمنفعة لا وجه حق لها سواء لنفسه أو لغيره والإضرار بالإدارة.

كما أصدرت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في زغوان منذ أسابيع أربع بطاقات إيداع بالسجن في حقّ إطار وعامل بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية وموظف بمعتمدية زغوان ورئيس الجمعية المائية في "سيدي زيد" تعلّقت بهم شبهة فساد. وفي ماي الماضي أصدر قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي المالي قرار ختم البحث مع الاحالة على دائرة الاتهام في حق المتهمين على ذمة القضية المتعلقة بالتلاعب والفساد المالي والاداري في عقود نقل الفسفاط.

وقد تولت دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي لدى محكمة الاستئناف بتونس توجيه تهمتي استغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره ومخالفة التراتيب القانونية لتحقيق تلك الفائدة، وتلك القضية شملت 11 متهما. وإيقاف المتّهمين جاء نتيجة شكاية كان رفعها رئيس الجمعية المائية بنفسه إلى السلط الجهوية اتهم فيها بعض الموظّفين بالفساد في علاقة بالمجمع المائي بسيدي زيد الذي يتولّى تزويد فلاحي المنطقة السقوية في المنطقة بمياه الرّي.

كما أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسوسة 1 في وقت سابق، بطاقة إيداع بالسجن في حق رئيس إقليم الشركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) بسوسة، وذلك على خلفية شبهات بتعمّده استخلاص فائدة لنفسه أو لغيره دون وجه حق، والاستيلاء على أموال راجعة للدولة وضعت تحت يده بموجب الوظيف. وكانت النيابة العمومية قد أذنت منذ شهر نوفمبر 2021 بفتح بحث تحقيقي ضد جملة من الأعوان العموميين وعددهم 6 يعملون بإقليم الشركة بسوسة من اجل جملة من التهم تتعلق بالاستيلاء على أموال عمومية.

وهذه القضايا ليست إلا عينة بسيطة من عشرات ان لم اقل المئات من القضايا التي تورط فيها موظفو الدولة باتهامهم بالاستيلاء على المال العام وتحقيق منافع دون وجه حق..، بالإضافة إلى عشرات حالات الاختلاس وسرقة المال العام التي ترصدها سنويا أجهزة الرقابة الإدارية ويتم إحالة اغلبها الى القضاء ولكن التحقيق في كل هذه الشبهات قد يستغرق سنوات هذا اذا لم يتم اهمال الملف لأسباب مجهولة بما يتيح ترسيخ سياسة الإفلات من العقاب ومواصلة استغلال مقدرات الدولة لمنافع خاصة.

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews