إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

النظرية العامة للانتخاب.. "تفريع النظم الانتخابية"1/2

بقلم : الحبيب الذوادي

تعتبر الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي تعتبر بدورها حقا أساسيا من حقوق الإنسان، كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم، بحيث يعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية من أهم الممارسات السياسية، فهو الوسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى أخر أو من مجموعة إلى أخرى فحق الانتخاب بذلك لا سيما في الدول الديمقراطية يعتبر الأسلوب الرئيسي لتولية الحكام و لانبثاق السلطة عن الشعب صاحب السيادة .

تعد الأنظمة الانتخابية جزءا رئيسيا من النظرية العامة للانتخاب، ويمكن تفريع النظم الانتخابية إلى فرعين رئيسيين وذلك انطلاقا من عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية فنجد في المقام الأول نظام الانتخاب الفردي الذي يقوم على أساس تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية صغيرة يخصص لكل منها نائب واحد وهذا النظام يمكن تطبيقه على دورة واحدة بحيث يعتبر فائزا بالمقعد المخصص للدائرة المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات المقترعة (أي الأكثرية النسبية) وقد أخذت بهذا النظام كل من الولايات المتحدة وبريطانيا حيث اعتبر نظام الانتخاب الفردي الأكثري ذي الدورة الواحدة من أكثر أنظمة الانتخابات فعالية وأبعدها عن مفهوم العدالة في تمثيل انقسام الرأي العام الشعبي. ومن مزاياه في بعض الدول التي تأخذ به مساهمته في استمرار تطبيقه وقربه من المواطن العادي، أما بخصوص ابتعاده عن مفهوم العدالة والدقة في تمثيل الشعب، فيتجلى في كونه يوفر الفوز بالمقعد المخصص للدائرة لمرشح قد لا يجوز بالضرورة على الأكثرية المطلقة للناخبين منها.

أما في صورة تطبيق نظام الانتخاب الفردي الأكثري على دورتين كما هو الحال على هذا سبيل المثال في الجمهورية الفرنسية الخامسة بالنسبة لانتخابات الجمعية الوطنية، وحسب هذا الأسلوب وفي حال عدم حصول أحد المرشحين على الأكثرية المطلوبة في الدورة الأولى ، تجرى الدورة الثانية للانتخاب التي تسمى بدوري البالوتاج ، ويعتبر فائزا بالمقعد فيها المرشح الذي يحصل على أكثر عدد من الأصوات المقترعة ، وتعتبر هاته الطريقة أكثر عدلا لأنها تسمح من خلال التحالفات والانسحابات المتقابلة بين الأحزاب في الدورة الثانية بوجود تمثل نسبي للأحزاب متوسطة الحجم ، ويمكن لهذه الطريقة أن تساعد من جهة أخرى ومن خلال الدورة الثانية للانتخابات على قيام استقطاب ثنائي سياسي في البلاد يتجسد بوجود تيارين رئيسيين بظم كل مجموعة منهما مجموعة من الأحزاب المتقاربة فيما بينها والمتعارضة جذريا مع مجموعة التيار الأخر.

أما بخصوص النوع الثاني من هذه النظم الانتخابية فيطلق عليها نظام الانتخاب اللائحي الذي يتطلب تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية كبيرة نسبيا يخصص لكل منهما عدد من المقاعد النيابية، ويكون على الناخب أن يختار من بين المترشحين العديدين المتنافسين للفوز بهذه المقاعد عدد منهم لا يزيد عن عدد المقاعد المخصص للدائرة ويمكن لهذا الانتخاب اللائحي أن يجرى على دورة واحدة أو على دورتين، كما يمكن أن يعتمد من أجل توزيع المقاعد على اللوائح و المترشحين الأسلوب الاكثري أو أسلوب التمثيل النسبي فالأسلوب الأخير مطبق في عدة دول منها بلجيكا -إيطاليا... ، ويتم العمل به حينما يتم اعتماد مبدأ اللوائح المغلقة التي تقدمها وترشحها الأحزاب السياسية حيث لا يكون أمام الناخب إلا اختيار لائحة واحدة من بين اللوائح العديدة المتنافسة ، ويتميز نظام التمثيل النسبي بكونه أكثر النظم الانتخابية تحقيقا للعدل لأنه يعطي لكل حزب سياسي عددا من المقاعد يتناسب إلى حد كبير مع عدد الأصوات التي حصل عليها، لكنه يتضمن عددا من المساوئ أهمها أنه يضيق كثيرا من حرية الناخب في اختيار المرشحين الذين يفضلهم بحيث ينحصر دور الناخب في اختيار اللائحة التي تمثل التيار أو الحزب السياسي الذي يؤيده، في حين تقع عملية انتقاء المرشحين على عاتق قيادات الأحزاب السياسية، كما انه نظام يساعد على بقاء تعدد الأحزاب الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من فعالية النظام السياسي و استقراره نتيجة لصعوبة إيجاد أكثريات برلمانية منسجمة ومتماسكة مستبعدة بذلك دعم الحكومات القائمة فترة طويلة من الوقت.

إلى جانب ما تقدم يتواجد فرعا ثالثا من النظم الانتخابية يطلق عليه نظام الانتخاب المختلط حيث طبقت جمهورية ألمانيا الاتحادية بصورة خاصة نظاما مختلطا للانتخابات تمزج فيه عناصر النظام الفردي لأكثري ذي الدورة الواحدة و نظام التمثيل النسبي، وحين تجري الانتخابات يعطي كل ناخب ورقتي اقتراع ، ينتخب بالأولى ضمن نطاق الدائرة مرشحا واحدا ليكون نائبا لدائرته في البرلمان و ذلك وفقا لنظام الانتخاب الفردي الاكثري ذي الدورة الواحدة ، أما الورقة الثانية فيدلى فيها بصوته لصالح إحدى اللوائح الحزبية المتنافسة على مستوى المقاطعة ككل ويستخدم هذا التصويت الثاني لإكمال حصة كل حزب من المقاعد المخصصة للمقاطعة وفقا لنظام التمثيل النسبي (طريقة هاندت) وذلك بعد استبعاد الأحزاب أو اللوائح التي لم تحصل على 5 % من مجموع الأصوات أو لم تفز بثلاثة مقاعد على الأقل في التصويت الأول الذي جرى على أساس الانتخاب الفردي الاكثري .

 ويحاول هذا النظام الانتخابي إجمالا أن يوفق بين حرية الناخب في اختيار مرشحيه بالاسم في القسم الأول من الانتخاب وبين نظام التمثيل النسبي على أساس اللائحة المغلقة الذي يضع قضية اختيار المرشحين بين أيدي قيادات الأحزاب السياسية، إلا انه يعتبر نظاما معقدا ومؤيدا لإضعاف الأحزاب الصغيرة من خلال حرمانها من المشاركة في مرحلة التوزيع النسبي للمقاعد لأنها لا تستطيع غاليا تحصيل الشروط الضرورية المطلوبة لذلك .

ونستخلص مما تقدم ذكره أن طريقة الاقتراع تؤثر على استقرار الدولة وليس فقط على تحديد ملامح نظام الحكم ولا أدل على ذلك أن طريقة الاقتراع هي من المواضيع التي عادة ما يتم استغلالها من طرف الأحزاب السياسية في إطار حملاتها الانتخابية حيث تعد الأحزاب الناخبين بتغيير طريقة الاقتراع في صورة فوزها بالانتخابات ومن ثم فالإقرار بوجود طريقة اقتراع ديمقراطية في المطلق هو من سبيل المغالطة السياسية التي لا يجب الوقوع فيها.

باحث وناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت

النظرية العامة للانتخاب2 2/

"بخصوص المشهد السياسي التونسي : تغيير قواعد التصويت في الانتخابات التشريعية لسنة 2022 لتصبح على المترشحين الفرديين لا القوائم"

 بقلم : الحبيب الذوادي

يبدو الحديث عن نظام الاقتراع لدى البعض حديثا عن مسألة قانونية صرفة غير أن المسألة سياسية بامتياز فتونس ومنذ 2011 برز بها خطاب ينتقد نظام الاقتراع على القائمات بحجة انه يخدم مصلحة الأحزاب السياسية ويسمح بصعود نواب دون أن يكونوا معروفين أو يتمتعون بشعبية لمجرد وجودهم في إحدى المراتب الأولى على قائمات الأحزاب الكبرى و قد اعتبر البعض أن نظام الاقتراع على القائمات هو المسؤول عل حصول إحدى الأحزاب التونسية مع انتخابات 2011 على أغلبية نسبية في المجلس الوطني التأسيسي (قرابة 40% من المقاعد ) في حين الاقتراع على الأفراد في دوائر صغيرة وعلى دورتين حينها كان كفيلا بالحد من حجم تمثيلية وكانت من أبرز العوامل التي دفعت إلى توجه الأغلبية اليوم إلى تفضيل تغيير نظام الاقتراع المعتمد حاليا بعد فشل منظومة الاقتراع المعتمد على القائمات منذ انتخابات سنة 2011 التي كانت بهدف إنتاج برلمان متعدد التوجهات السياسية والفكرية والثقافية يسمح حينها بتمثيله أوسع للأحزاب حتى الصغيرة منها بالبرلمان، بغرض تشريك أكبر عدد ممكن من الكيانات الحزبية والإيديولوجية في كتابة دستور جديد حينها للجمهورية التونسية الثانية .

 وما ساهم أيضا في إبراز مساوئ نظام الاقتراع على القائمات اعتمادا على النسبية مع احتساب أكبر البقايا هو في تواصل اعتماده من قبل المجلس التأسيسي نفسه لتنظيم تشريعية 2014 إذ لم يساعد على انتخاب أغلبية مريحة حزبية داخل البرلمان تسمح لها بتشكيل حكومة دون اللجوء إلى تحالفات والمثير للاستغراب هو أن الأغلبية البرلمانية آنذاك ساهمت في تفضيل نفس نظام الاقتراع في انتخابات 2019 التي أفرزت انتخاب برلمان منقسم ضعيف ومشتت رغم ثبوت فشله في صعود لون حزبي أغلبي بالبرلمان واكتفت بتعديلات بسيطة لم تمس من جوهر نظام الاقتراع مثل إقرار نظام العتبة والتشديد في شروط الترشح، الأمر الذي كان له تأثير قويا في داخل البرلمان حينها وقبل حله من خلال انتشار ممارسات سياسية سيئة مثل المحسوبية وتعاظم نفوذ اللوبيات المالية، و شراء الذمم وتعطل وظيفة التشريع وغيرها بما انه اقترع فاسد ويسمح للأحزاب التلاعب بأصوات الناس إذ يتم وعدهم بأشياء ثم يتم التنكر لهم في حال انتخابهم، إلا انه من محاسن هذا النظام أنه ساهم على الحفاظ على تمثلية محترمة للمرأة في البرلمان ناهزت 36 % في انتخابات 2014 و23 % في انتخابات 2019 مع صعود فئة الشباب، وتمكين مختلف الأصناف من أن تكون عنصرا فعالا في الحياة السياسية، غير أن هذا التنوع عطّل عمليات التوافق سواء في التصويت على مشاريع القوانين أو تشكيل الحكومات ومن ثم فان دور وعي المواطن والتحلي بروح المواطنة اليوم سيكون سدا منيع أمام محاولات عودة منظومة ما قبل 24 جويلية في أشكالها المختلفة ،فلا خوف على المسار الإصلاحي لأنه محمي من قبل إرادة الشعب لان المواطن أصبح اليوم واعيا بتكتيك وسيناريوهات اللوبيات الفاسدة الساعية لإفشال المسار وإرباكه بمحاولتهم تضييق لعيش على المواطن عبر الاحتكار وترفيع الأسعار، وبث الفوضى والاستنجاد بالأجنبي.... فلن يحول كل ذلك دون إرساء مقومات الإصلاح وتأسيس دولة التونسيين ، مع ضرورة وجود تمثيلية أكثر للمرأة وللشباب المتعين اليوم على جميع الأصعدة .

رغم التقاليد الانتخابية التي ترسخت لدى التونسيين والتي ارتكزت لسنوات على الاقتراع على القوائم بشكل ينسجم مع الثقافة السياسية القائمة على الأحزاب ورغم مواصلة العمل به بعد الثورة التونسية إلا أن رئيس الجمهورية قيس سعيد كشف أن التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال شهر ديسمبر 2022 ستكون في دورتين وعلى الأفراد وليس على القائمات بحسب نتائج الاستشارة الوطنية الالكترونية حول نظام الاقتراع المفضل التي أفرزت اختيار 70.7 % من المشاركين نظام الاقتراع على الأفراد في حين فضل 21.8% نظام الاقتراع على القوائم و ذلك بإشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتركيبة مغايرة، بعد أن يقول الشعب كلمته بخصوص الدستور الجديد والنظام السياسي خلال استفتاء 25/07/2022 وكان ذلك خلال زيارته لضريح الزعيم الحبيب بورقيبة في أفريل حينها 2022.

 إن الاقتراع على الأفراد هو أحد الأنظمة المعتمدة في عديد التجارب حول العالم ، ومن مصلحة تونس اليوم المضي إلى الأمام وتصحيح مسار الثورة، وإطلاق الإصلاحات العميقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ودستوريا وذلك على اثر دخول الدستور الجديد حيز النفاذ بعد أن تم الإعلان النهائي على نتائج الاستفتاء بهدف بناء جمهورية جديدة تحقق انتظارات الجميع وفي ظل نظام ديمقراطي يدعم المؤسسات الديمقراطية، ويحمي الحريات الفردية وحقوق الإنسان، وبالتأكيد إن هذا النوع من الأنظمة الانتخابية المعتمد على اعتماد قانون انتخابي والمحبذ أن يشارك في إعداد هذا القانون الانتخابي الجديد الهياكل والإطارات المختصة بما أنه قانون له صبغة فنية موكولة لأهل الاختصاص مع مراعاة المناخ السياسي، ويتعين تطويره ليكون آلية لإصلاح الوضع السياسي في تونس وفي تناغم مع الدستور الجديد وليس عبر طبيعة الانتخاب فحسب وإنما يتناول شروط الترشح والجرائم الانتخابية...، لذا فيستخلص أن الاقتراع على الأفراد له مزايا وسلبيات في آن واحد، فمن مزايا هذا النظام أنه يخول النائب اختيار الشخص مباشرة وليس على القائمة الحزبية أو المستقلة وهو ما يفسح المجال للناخب لمحاسبة الشخص الذي صوت له، بما أن الأمر متعلقا باقتراع على الأفراد القائم على ترشحات فردية يتنافس فيها المترشحون على مقعد وحيد في كل دائرة انتخابية ، فإذا حصل الشخص المترشح على 50% من الأصوات فانه يعتبر فائزا بالمقعد ، وإذا لم يبلغ المترشحون النصاب المطلوب يمر المترشحان الحاصلان على أعلى عدد من الأصوات إلى دورة انتخابية ثانية فميزة هذا النظام أنه يقرب النائب المنتخب من المواطن وذلك بعد أن حان الوقت كي يعرف التونسيون لمن صوتوا من خلال الكشف عن المترشحين وانتخابهم مباشرة عكس نظام الانتخابات على القوائم ، فما يهمنا اليوم هو انطلاقة فكرة الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى قابلة للسيطرة أي سيطرة الناخبين على المنتخبين وذلك باطلاعهم على المترشحين قبل انتخابهم مع إمكانية سحب الوكالة منهم بعد إجراء انتخابات تنطلق من المحلي نحو المركزي يكون كل نائب مسؤولا أمام منتخبيه لا أمام حزبه وبالتالي يتم تغيير صورة البرلمان من سلطة موغلة في المركزية إلى برلمان حقيقي ينبع من الشعب ويستغل لفائدة الشعب، إلا انه يتعين الانتباه أكثر إلى ما يمكن أن يطرحه هذا النظام من هنات بحيث أن سيغرق العملية الانتخابية بالترشحات الفردية ، كما أن تغيير نظام الاقتراع من القائمات إلى الأفراد يتطلب إعادة تقسيم التراب الانتخابي نحو تضييق الدوائر الانتخابية، وبالتالي سيجعل العملية الانتخابية موجهة إلى الأشخاص عوض البرامج والرؤى والمشاريع التي ربما قد تفرز مؤسسة تشريعية هشة وتنتج برلمان واجهات وليس برلمان توجهات وهو ربما سيفقد هذه المؤسسة دورها في إنتاج الأفكار والسياسات العمومية ويحولها إلى ساحة للآراء الفردية والفردانية حيث نجد البرلمان أكثر تشتتا ولن تمثل قوة موازنة مع السلطة التنفيذية خصوصا في حالة عدم صعود نواب من صفوة القوم، إلى جانب التخوف من تراجع تمثيلية المرأة في البرلمان بسبب نظام الاقتراع لا سيما أن نظام الاقتراع على القوائم يفرض التناصف، كما أن اتباع نظام الاقتراع على الأفراد ولجملة من الاعتبارات أبرزت الأحداث بعد الثورة أن منطق العشائرية لم تنقرض تماما وعودته على السطح في بعض المناطق تبقى واردة إضافة إلى إن نظام الاقتراع على الأفراد قد يشجع لظواهر أخرى كالزبونية السياسية وشراء الأصوات عندما يكون الرهان مقعدا واحدا فهذه الظواهر قد تستفحل في الدوائر الصغرى الشيء الذي دفع بالعديد الى الدعوة الى رفض اعتماد قانون انتخابي على الأفراد بتعلة أنه لا يمكن نجاحه في تونس مهما كانت المبررات بل وحتى في البلدان التي فيها ديمقراطية عريقة .

لذا يستخلص وحسب رأينا، أن نظام الاقتراع على الأفراد له مزاياه كما بيننا سابقا، كما أن نجاح تطبيقه في دولة ما لا يعني بالضرورة إمكانية تطبيقه في دولة أخرى، والفشل مرتبطا أساسا بطبيعة النظام السياسي المعتمد، والتركيبة السكانية، وتقسيم الدوائر ترابيا وإداريا والثقافة السياسية والانتخابية السائدة، والممارسة الديمقراطية، وطبيعة النسيج الاجتماعي وعوامل أخرى مرتبطة بمؤشرات تنموية ّ، اقتصادية واجتماعية كنسب التمدرس الدخل الفردي .... وفي تقدرينا أن الاقتراع على الأفراد يمكن له النجاح في بلادنا في حالة عدم اعتماده على أجندات إيديولوجية أو سياسات معدة من الخارج ، كما أن القول بخلق أفراد داخل مجلس النواب الشعب ليس لديهم القدرة على التجانس في كتلة واحدة في إطار برنامج واحد يمكن أن يقع تجاوزه من الجميع عندما تكون هناك أكثر روح وطنية مع الصدق ونكران الذات والالتزام ببرنامج جماعي باختيار البرنامج الأفضل للمواطنين والشعب ولجميع الفئات والجهات، فالثابت اليوم أنه لا وجود لنظام اقتراع مثالي أو صالح لكل زمان ومكان فلكل خيار ايجابياته وسلبياته التي تختلف من مجتمع إلى آخر وفي منظومة حزبية إلى أخرى وحتى من انتخابات إلى أخرى ، فالاختيار مرتبط بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة وبموازنة بين مختلف الأهداف كالإنصاف والتمثيلية والاستقرار .

باحث وناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت

 

 

 

النظرية العامة للانتخاب..  "تفريع النظم الانتخابية"1/2

بقلم : الحبيب الذوادي

تعتبر الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي تعتبر بدورها حقا أساسيا من حقوق الإنسان، كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم، بحيث يعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية من أهم الممارسات السياسية، فهو الوسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى أخر أو من مجموعة إلى أخرى فحق الانتخاب بذلك لا سيما في الدول الديمقراطية يعتبر الأسلوب الرئيسي لتولية الحكام و لانبثاق السلطة عن الشعب صاحب السيادة .

تعد الأنظمة الانتخابية جزءا رئيسيا من النظرية العامة للانتخاب، ويمكن تفريع النظم الانتخابية إلى فرعين رئيسيين وذلك انطلاقا من عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية فنجد في المقام الأول نظام الانتخاب الفردي الذي يقوم على أساس تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية صغيرة يخصص لكل منها نائب واحد وهذا النظام يمكن تطبيقه على دورة واحدة بحيث يعتبر فائزا بالمقعد المخصص للدائرة المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات المقترعة (أي الأكثرية النسبية) وقد أخذت بهذا النظام كل من الولايات المتحدة وبريطانيا حيث اعتبر نظام الانتخاب الفردي الأكثري ذي الدورة الواحدة من أكثر أنظمة الانتخابات فعالية وأبعدها عن مفهوم العدالة في تمثيل انقسام الرأي العام الشعبي. ومن مزاياه في بعض الدول التي تأخذ به مساهمته في استمرار تطبيقه وقربه من المواطن العادي، أما بخصوص ابتعاده عن مفهوم العدالة والدقة في تمثيل الشعب، فيتجلى في كونه يوفر الفوز بالمقعد المخصص للدائرة لمرشح قد لا يجوز بالضرورة على الأكثرية المطلقة للناخبين منها.

أما في صورة تطبيق نظام الانتخاب الفردي الأكثري على دورتين كما هو الحال على هذا سبيل المثال في الجمهورية الفرنسية الخامسة بالنسبة لانتخابات الجمعية الوطنية، وحسب هذا الأسلوب وفي حال عدم حصول أحد المرشحين على الأكثرية المطلوبة في الدورة الأولى ، تجرى الدورة الثانية للانتخاب التي تسمى بدوري البالوتاج ، ويعتبر فائزا بالمقعد فيها المرشح الذي يحصل على أكثر عدد من الأصوات المقترعة ، وتعتبر هاته الطريقة أكثر عدلا لأنها تسمح من خلال التحالفات والانسحابات المتقابلة بين الأحزاب في الدورة الثانية بوجود تمثل نسبي للأحزاب متوسطة الحجم ، ويمكن لهذه الطريقة أن تساعد من جهة أخرى ومن خلال الدورة الثانية للانتخابات على قيام استقطاب ثنائي سياسي في البلاد يتجسد بوجود تيارين رئيسيين بظم كل مجموعة منهما مجموعة من الأحزاب المتقاربة فيما بينها والمتعارضة جذريا مع مجموعة التيار الأخر.

أما بخصوص النوع الثاني من هذه النظم الانتخابية فيطلق عليها نظام الانتخاب اللائحي الذي يتطلب تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية كبيرة نسبيا يخصص لكل منهما عدد من المقاعد النيابية، ويكون على الناخب أن يختار من بين المترشحين العديدين المتنافسين للفوز بهذه المقاعد عدد منهم لا يزيد عن عدد المقاعد المخصص للدائرة ويمكن لهذا الانتخاب اللائحي أن يجرى على دورة واحدة أو على دورتين، كما يمكن أن يعتمد من أجل توزيع المقاعد على اللوائح و المترشحين الأسلوب الاكثري أو أسلوب التمثيل النسبي فالأسلوب الأخير مطبق في عدة دول منها بلجيكا -إيطاليا... ، ويتم العمل به حينما يتم اعتماد مبدأ اللوائح المغلقة التي تقدمها وترشحها الأحزاب السياسية حيث لا يكون أمام الناخب إلا اختيار لائحة واحدة من بين اللوائح العديدة المتنافسة ، ويتميز نظام التمثيل النسبي بكونه أكثر النظم الانتخابية تحقيقا للعدل لأنه يعطي لكل حزب سياسي عددا من المقاعد يتناسب إلى حد كبير مع عدد الأصوات التي حصل عليها، لكنه يتضمن عددا من المساوئ أهمها أنه يضيق كثيرا من حرية الناخب في اختيار المرشحين الذين يفضلهم بحيث ينحصر دور الناخب في اختيار اللائحة التي تمثل التيار أو الحزب السياسي الذي يؤيده، في حين تقع عملية انتقاء المرشحين على عاتق قيادات الأحزاب السياسية، كما انه نظام يساعد على بقاء تعدد الأحزاب الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من فعالية النظام السياسي و استقراره نتيجة لصعوبة إيجاد أكثريات برلمانية منسجمة ومتماسكة مستبعدة بذلك دعم الحكومات القائمة فترة طويلة من الوقت.

إلى جانب ما تقدم يتواجد فرعا ثالثا من النظم الانتخابية يطلق عليه نظام الانتخاب المختلط حيث طبقت جمهورية ألمانيا الاتحادية بصورة خاصة نظاما مختلطا للانتخابات تمزج فيه عناصر النظام الفردي لأكثري ذي الدورة الواحدة و نظام التمثيل النسبي، وحين تجري الانتخابات يعطي كل ناخب ورقتي اقتراع ، ينتخب بالأولى ضمن نطاق الدائرة مرشحا واحدا ليكون نائبا لدائرته في البرلمان و ذلك وفقا لنظام الانتخاب الفردي الاكثري ذي الدورة الواحدة ، أما الورقة الثانية فيدلى فيها بصوته لصالح إحدى اللوائح الحزبية المتنافسة على مستوى المقاطعة ككل ويستخدم هذا التصويت الثاني لإكمال حصة كل حزب من المقاعد المخصصة للمقاطعة وفقا لنظام التمثيل النسبي (طريقة هاندت) وذلك بعد استبعاد الأحزاب أو اللوائح التي لم تحصل على 5 % من مجموع الأصوات أو لم تفز بثلاثة مقاعد على الأقل في التصويت الأول الذي جرى على أساس الانتخاب الفردي الاكثري .

 ويحاول هذا النظام الانتخابي إجمالا أن يوفق بين حرية الناخب في اختيار مرشحيه بالاسم في القسم الأول من الانتخاب وبين نظام التمثيل النسبي على أساس اللائحة المغلقة الذي يضع قضية اختيار المرشحين بين أيدي قيادات الأحزاب السياسية، إلا انه يعتبر نظاما معقدا ومؤيدا لإضعاف الأحزاب الصغيرة من خلال حرمانها من المشاركة في مرحلة التوزيع النسبي للمقاعد لأنها لا تستطيع غاليا تحصيل الشروط الضرورية المطلوبة لذلك .

ونستخلص مما تقدم ذكره أن طريقة الاقتراع تؤثر على استقرار الدولة وليس فقط على تحديد ملامح نظام الحكم ولا أدل على ذلك أن طريقة الاقتراع هي من المواضيع التي عادة ما يتم استغلالها من طرف الأحزاب السياسية في إطار حملاتها الانتخابية حيث تعد الأحزاب الناخبين بتغيير طريقة الاقتراع في صورة فوزها بالانتخابات ومن ثم فالإقرار بوجود طريقة اقتراع ديمقراطية في المطلق هو من سبيل المغالطة السياسية التي لا يجب الوقوع فيها.

باحث وناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت

النظرية العامة للانتخاب2 2/

"بخصوص المشهد السياسي التونسي : تغيير قواعد التصويت في الانتخابات التشريعية لسنة 2022 لتصبح على المترشحين الفرديين لا القوائم"

 بقلم : الحبيب الذوادي

يبدو الحديث عن نظام الاقتراع لدى البعض حديثا عن مسألة قانونية صرفة غير أن المسألة سياسية بامتياز فتونس ومنذ 2011 برز بها خطاب ينتقد نظام الاقتراع على القائمات بحجة انه يخدم مصلحة الأحزاب السياسية ويسمح بصعود نواب دون أن يكونوا معروفين أو يتمتعون بشعبية لمجرد وجودهم في إحدى المراتب الأولى على قائمات الأحزاب الكبرى و قد اعتبر البعض أن نظام الاقتراع على القائمات هو المسؤول عل حصول إحدى الأحزاب التونسية مع انتخابات 2011 على أغلبية نسبية في المجلس الوطني التأسيسي (قرابة 40% من المقاعد ) في حين الاقتراع على الأفراد في دوائر صغيرة وعلى دورتين حينها كان كفيلا بالحد من حجم تمثيلية وكانت من أبرز العوامل التي دفعت إلى توجه الأغلبية اليوم إلى تفضيل تغيير نظام الاقتراع المعتمد حاليا بعد فشل منظومة الاقتراع المعتمد على القائمات منذ انتخابات سنة 2011 التي كانت بهدف إنتاج برلمان متعدد التوجهات السياسية والفكرية والثقافية يسمح حينها بتمثيله أوسع للأحزاب حتى الصغيرة منها بالبرلمان، بغرض تشريك أكبر عدد ممكن من الكيانات الحزبية والإيديولوجية في كتابة دستور جديد حينها للجمهورية التونسية الثانية .

 وما ساهم أيضا في إبراز مساوئ نظام الاقتراع على القائمات اعتمادا على النسبية مع احتساب أكبر البقايا هو في تواصل اعتماده من قبل المجلس التأسيسي نفسه لتنظيم تشريعية 2014 إذ لم يساعد على انتخاب أغلبية مريحة حزبية داخل البرلمان تسمح لها بتشكيل حكومة دون اللجوء إلى تحالفات والمثير للاستغراب هو أن الأغلبية البرلمانية آنذاك ساهمت في تفضيل نفس نظام الاقتراع في انتخابات 2019 التي أفرزت انتخاب برلمان منقسم ضعيف ومشتت رغم ثبوت فشله في صعود لون حزبي أغلبي بالبرلمان واكتفت بتعديلات بسيطة لم تمس من جوهر نظام الاقتراع مثل إقرار نظام العتبة والتشديد في شروط الترشح، الأمر الذي كان له تأثير قويا في داخل البرلمان حينها وقبل حله من خلال انتشار ممارسات سياسية سيئة مثل المحسوبية وتعاظم نفوذ اللوبيات المالية، و شراء الذمم وتعطل وظيفة التشريع وغيرها بما انه اقترع فاسد ويسمح للأحزاب التلاعب بأصوات الناس إذ يتم وعدهم بأشياء ثم يتم التنكر لهم في حال انتخابهم، إلا انه من محاسن هذا النظام أنه ساهم على الحفاظ على تمثلية محترمة للمرأة في البرلمان ناهزت 36 % في انتخابات 2014 و23 % في انتخابات 2019 مع صعود فئة الشباب، وتمكين مختلف الأصناف من أن تكون عنصرا فعالا في الحياة السياسية، غير أن هذا التنوع عطّل عمليات التوافق سواء في التصويت على مشاريع القوانين أو تشكيل الحكومات ومن ثم فان دور وعي المواطن والتحلي بروح المواطنة اليوم سيكون سدا منيع أمام محاولات عودة منظومة ما قبل 24 جويلية في أشكالها المختلفة ،فلا خوف على المسار الإصلاحي لأنه محمي من قبل إرادة الشعب لان المواطن أصبح اليوم واعيا بتكتيك وسيناريوهات اللوبيات الفاسدة الساعية لإفشال المسار وإرباكه بمحاولتهم تضييق لعيش على المواطن عبر الاحتكار وترفيع الأسعار، وبث الفوضى والاستنجاد بالأجنبي.... فلن يحول كل ذلك دون إرساء مقومات الإصلاح وتأسيس دولة التونسيين ، مع ضرورة وجود تمثيلية أكثر للمرأة وللشباب المتعين اليوم على جميع الأصعدة .

رغم التقاليد الانتخابية التي ترسخت لدى التونسيين والتي ارتكزت لسنوات على الاقتراع على القوائم بشكل ينسجم مع الثقافة السياسية القائمة على الأحزاب ورغم مواصلة العمل به بعد الثورة التونسية إلا أن رئيس الجمهورية قيس سعيد كشف أن التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال شهر ديسمبر 2022 ستكون في دورتين وعلى الأفراد وليس على القائمات بحسب نتائج الاستشارة الوطنية الالكترونية حول نظام الاقتراع المفضل التي أفرزت اختيار 70.7 % من المشاركين نظام الاقتراع على الأفراد في حين فضل 21.8% نظام الاقتراع على القوائم و ذلك بإشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتركيبة مغايرة، بعد أن يقول الشعب كلمته بخصوص الدستور الجديد والنظام السياسي خلال استفتاء 25/07/2022 وكان ذلك خلال زيارته لضريح الزعيم الحبيب بورقيبة في أفريل حينها 2022.

 إن الاقتراع على الأفراد هو أحد الأنظمة المعتمدة في عديد التجارب حول العالم ، ومن مصلحة تونس اليوم المضي إلى الأمام وتصحيح مسار الثورة، وإطلاق الإصلاحات العميقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ودستوريا وذلك على اثر دخول الدستور الجديد حيز النفاذ بعد أن تم الإعلان النهائي على نتائج الاستفتاء بهدف بناء جمهورية جديدة تحقق انتظارات الجميع وفي ظل نظام ديمقراطي يدعم المؤسسات الديمقراطية، ويحمي الحريات الفردية وحقوق الإنسان، وبالتأكيد إن هذا النوع من الأنظمة الانتخابية المعتمد على اعتماد قانون انتخابي والمحبذ أن يشارك في إعداد هذا القانون الانتخابي الجديد الهياكل والإطارات المختصة بما أنه قانون له صبغة فنية موكولة لأهل الاختصاص مع مراعاة المناخ السياسي، ويتعين تطويره ليكون آلية لإصلاح الوضع السياسي في تونس وفي تناغم مع الدستور الجديد وليس عبر طبيعة الانتخاب فحسب وإنما يتناول شروط الترشح والجرائم الانتخابية...، لذا فيستخلص أن الاقتراع على الأفراد له مزايا وسلبيات في آن واحد، فمن مزايا هذا النظام أنه يخول النائب اختيار الشخص مباشرة وليس على القائمة الحزبية أو المستقلة وهو ما يفسح المجال للناخب لمحاسبة الشخص الذي صوت له، بما أن الأمر متعلقا باقتراع على الأفراد القائم على ترشحات فردية يتنافس فيها المترشحون على مقعد وحيد في كل دائرة انتخابية ، فإذا حصل الشخص المترشح على 50% من الأصوات فانه يعتبر فائزا بالمقعد ، وإذا لم يبلغ المترشحون النصاب المطلوب يمر المترشحان الحاصلان على أعلى عدد من الأصوات إلى دورة انتخابية ثانية فميزة هذا النظام أنه يقرب النائب المنتخب من المواطن وذلك بعد أن حان الوقت كي يعرف التونسيون لمن صوتوا من خلال الكشف عن المترشحين وانتخابهم مباشرة عكس نظام الانتخابات على القوائم ، فما يهمنا اليوم هو انطلاقة فكرة الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى قابلة للسيطرة أي سيطرة الناخبين على المنتخبين وذلك باطلاعهم على المترشحين قبل انتخابهم مع إمكانية سحب الوكالة منهم بعد إجراء انتخابات تنطلق من المحلي نحو المركزي يكون كل نائب مسؤولا أمام منتخبيه لا أمام حزبه وبالتالي يتم تغيير صورة البرلمان من سلطة موغلة في المركزية إلى برلمان حقيقي ينبع من الشعب ويستغل لفائدة الشعب، إلا انه يتعين الانتباه أكثر إلى ما يمكن أن يطرحه هذا النظام من هنات بحيث أن سيغرق العملية الانتخابية بالترشحات الفردية ، كما أن تغيير نظام الاقتراع من القائمات إلى الأفراد يتطلب إعادة تقسيم التراب الانتخابي نحو تضييق الدوائر الانتخابية، وبالتالي سيجعل العملية الانتخابية موجهة إلى الأشخاص عوض البرامج والرؤى والمشاريع التي ربما قد تفرز مؤسسة تشريعية هشة وتنتج برلمان واجهات وليس برلمان توجهات وهو ربما سيفقد هذه المؤسسة دورها في إنتاج الأفكار والسياسات العمومية ويحولها إلى ساحة للآراء الفردية والفردانية حيث نجد البرلمان أكثر تشتتا ولن تمثل قوة موازنة مع السلطة التنفيذية خصوصا في حالة عدم صعود نواب من صفوة القوم، إلى جانب التخوف من تراجع تمثيلية المرأة في البرلمان بسبب نظام الاقتراع لا سيما أن نظام الاقتراع على القوائم يفرض التناصف، كما أن اتباع نظام الاقتراع على الأفراد ولجملة من الاعتبارات أبرزت الأحداث بعد الثورة أن منطق العشائرية لم تنقرض تماما وعودته على السطح في بعض المناطق تبقى واردة إضافة إلى إن نظام الاقتراع على الأفراد قد يشجع لظواهر أخرى كالزبونية السياسية وشراء الأصوات عندما يكون الرهان مقعدا واحدا فهذه الظواهر قد تستفحل في الدوائر الصغرى الشيء الذي دفع بالعديد الى الدعوة الى رفض اعتماد قانون انتخابي على الأفراد بتعلة أنه لا يمكن نجاحه في تونس مهما كانت المبررات بل وحتى في البلدان التي فيها ديمقراطية عريقة .

لذا يستخلص وحسب رأينا، أن نظام الاقتراع على الأفراد له مزاياه كما بيننا سابقا، كما أن نجاح تطبيقه في دولة ما لا يعني بالضرورة إمكانية تطبيقه في دولة أخرى، والفشل مرتبطا أساسا بطبيعة النظام السياسي المعتمد، والتركيبة السكانية، وتقسيم الدوائر ترابيا وإداريا والثقافة السياسية والانتخابية السائدة، والممارسة الديمقراطية، وطبيعة النسيج الاجتماعي وعوامل أخرى مرتبطة بمؤشرات تنموية ّ، اقتصادية واجتماعية كنسب التمدرس الدخل الفردي .... وفي تقدرينا أن الاقتراع على الأفراد يمكن له النجاح في بلادنا في حالة عدم اعتماده على أجندات إيديولوجية أو سياسات معدة من الخارج ، كما أن القول بخلق أفراد داخل مجلس النواب الشعب ليس لديهم القدرة على التجانس في كتلة واحدة في إطار برنامج واحد يمكن أن يقع تجاوزه من الجميع عندما تكون هناك أكثر روح وطنية مع الصدق ونكران الذات والالتزام ببرنامج جماعي باختيار البرنامج الأفضل للمواطنين والشعب ولجميع الفئات والجهات، فالثابت اليوم أنه لا وجود لنظام اقتراع مثالي أو صالح لكل زمان ومكان فلكل خيار ايجابياته وسلبياته التي تختلف من مجتمع إلى آخر وفي منظومة حزبية إلى أخرى وحتى من انتخابات إلى أخرى ، فالاختيار مرتبط بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة وبموازنة بين مختلف الأهداف كالإنصاف والتمثيلية والاستقرار .

باحث وناشط في الحقل الجمعياتي

 بمدينة بنزرت

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews