إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين الخِيَار الصَعب والخِيار الأَصعَب.. سؤال ينتظر الجواب!

بقلم:خديجة توفيق معلَّى

تونس في مُفترق الطُرقات، فإما أن تُنقذ نفسها بنفسها وإمَّا أن تَغرق في مستنقع جحيم كل الخيانات التي إبتلت بها، منذ العشريات الأخيرة. خيانات أشباه السياسيين وأشباه المُنتميين للمجتمع المدني، وأشباه الأحزاب سياسية، وأشباه الفنانين والإعلاميين...مُفترق طرق بين مَسار ليس لديه من الدمقراطية إلا القشور، ومن المبادئ إلا زَيفها ومن القوانين إلا قانون الغاب، وبين مسار إنقاذ حقيقي لا لُبس فيه.

والسؤال الذي يَطرح نفسه هو: هل لتونس فرصة أخيرة لإنقاذ نفسها بنفسها، قبل حلول ما لا تُحمدُ عقباه؟ الإجابة: نعم، ولكنها فرصة ضئيلة، صعبة المنال وتستدعي أكبر تضحيات يُمكن أن نَتَصَوَّرَها كي تعود تونس منارة المنطقة، ولما لا، بوصلة يَتجه لها كل اليائسين في العالم؟ لكن قبل التعريف بملامح هذه الفرصة، وجب تشخيص المستنقع الذي تغوص في وحله تونس حاليا حتى النخاع! هذا التشخيص يستوجب التعرض لكل الفاعليين الحاليين وهُم:

1. كل من ساهم، منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات في تدمير كل المؤسسات والبرامج التي وُضِعَت فجر الإستقلال، تدمير مُمنهج ومُبرمج على المدى الطويل. هؤلاء الذين استعانوا بكل القوى الرجعية من كل حدب وصوب، المُعلَنَة منها والسرية. المُدمِّرُون وضعوانُصبأعينهم المؤسسة التعليمية بأهدافها ومناهجها وبرامجها كي تُكسِّرَ أي إحتمالية أن تواصل هذه المؤسسة تمثيل المِصعَد الاجتماعي لكل أفراد الشعب. ومَثَّلت سياسة"التعريب" الهدف المُعلن منها ولكنه أخفى أهداف تدميرية عالية الخطورة للثقافة التونسية ولكل إنجازات العشرية الأولى من الإستقلال، ومنها التعليم والصحة وتوحيد القانون والقضاء، والتنظيم العائلي...تدمير إستمرَّ ولا يزال إلى يومنا هذا بنفس النسق والوتيرة مع تغيير أسماء وصفات ومراكز المُدَمِرين...مُدمرون أخذوا الدين والهوية غطاء لتفريق الشعب وتجهيله وتفقيره روحيا وثقافيا وتنمويا، إلى أن تَمَكَّنوا من تمرير هذا مشروعهم الهدَّام للهوية التونسية.

2. كل السياسيين الذين ساهموا بطريقة أو بأخرى فيما وصلت إليه بلادنا، بما في ذلك كل الوعود الزائفة التي قدَّموها وكل الشَرَاكَات المُسترابة مع قوى لم تنوي تحقيق مصلحة الشعب التونسي في الماضي، والحاضر والمستقبل.سياسيو الغلبة والغفلة الذين ساهموا بخذلانهم لخدمة الشعب التونسي، في السماح للمشروع التدميري وللفكر الأصولي الإرهابي أن يواصل تَدميره المُمَنهج برعاية القُوى الرجعية التي لم تقبل يوما أن تَخرج تونس عن سراطهم ولا أن تتَّخِذ الحداثة والتقدمية منهجا.

3. أشباه المُنتمين للمجتمع المدني ومَن يدَّعون خدمة الشعب التونسي تحت غطاء جمعيات غير حكومية وطنية أودولية، والذين لم يخدموا في الحقيقة إلا أجندات دَخِيلة، هَجِينة لا علاقة لها بتنمية الشعوب. أجندات لم تنجح، على مرِّ السنين، في القضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائي، والصحة والتعليم للجميع، وتوفير الماء وحماية البيئة والتصدي للتغير المناخي...بل كل ما قدموه كان مُجرد وعودٍ زائفة ساهمت في تفقير الشعوب وتجهيلهم وتجويعهم وتشريدهم وتخويفهم والعبث بتاريخهم وبحاضرهم ومستقبلهم.فَعِوض أن تبحث هذه المنظمات عن أنجع الطرق للتحصُّلِ على المهارات التي بإمكانها دعم الفئات الهَشَّة وتمكينها بصفة حقيقيَّة من أدوات التنمية والقيادية كي تُنقذ نفسها بنفسها، تَفنّن هؤلاء الأشخاص في إبقاء هاته الفئات في تبعية دائمة لطلب الخدمات، مُتَّبِعين في ذلك سياسية مُمَوِّليهم الذين كان هدفهم أيضا إبقاء هذه المنظمات في نفس حالة التبعيةالدائمة.

4. مناضلو الغلبة الذين أبدعوا في النفاق والكذب على الشعب مُقدمين كل الوعود بلغة بعيدة كل البعد عما يفهمه لأنهم ببساطة شديدة لا علاقة لهم بالشعب وبإحتياجاته ومعاناته ولم يرغبوا في يوم من الأيام خدمته. ونسج على منوالهم مستعملي الشبكة العنكبوتية الاجتماعية لإيهام أنفسهم أنهم يناضلون بمجرد وضع جملة على جدرانهم الخيالية، يشتمون هذا أو يفضحوا سلوك ذلك. هم أيضا مسؤولون على تقزيم وعي المجتمع، وتبليد ذهنه، والقضاء على أي ذرة ذكاء وجداني كان بإمكانه التحصُّل عليها، والتَمَكُّن منها. وأيضا هؤلاء الذين يعيشون خارج جدران الوطن، ويتصورون أنهم يساهمون في إنقاذ البلاد بإغراق الشبكة بفيديوهات للتنديد والشتم، دون القدرة على تقديم أي بديل من شأنه أن يخدم فعلا مصالح الشعب. هَمُّهم الوحيد هو الحصول على أكثر عدد من المشاهدين لإيهام أنفسهم أنهم يساهمون في التأثير على القرار السياسي أو المسار الذي غرق في وحله شعب تائه لم يصبح لديه القدرة حتى على التفريق بين العدو وبين الصديق.

وينظمُّ إليهم إعلاميو وفنانوالغلبة الذين باعوا ضمائرهم، ورَوَّجوا لثقافة رديئة وبذيئة إلى أبعد الحدود. هم أيضا مسؤولون على تجهيل الشعب وقتل أي إمكانية وعي حر نقدي، وإغتيال الإبداع وحرية التفكير، وتشويه الذوق العام. إعلاميون وفنانون امتهنوا سياسة التعتيم والتضليل والترويج للفكر الظلامي الإرهابي، تحت غطاء حرية التعبير.

التشخيص الخاطئ هو الذي ساهم في عدم جدوى كل ما قُدِّم لإنقاذ البلاد والعباد، بل أكثر من ذلك، ساهم في إفقاد الأمل لدى معظم أفراد المجتمع للخلاص، بتعلة عدم وجود مُخلِّصٍ، مُخلِص هَدفُه الوحيد خدمة الشعب دون إنتظار أي مُقابل. مُخَلِّصٌ ليس لديه أجندة خَفِية مُموّلة وجاهزة للتطبيق ودون أن يكون الوجه الآخر لنفس العُملة المُزيفة والتي تريد فقط مواصلة مشروع تدمير الوطن وكل مؤسساته ومقوماته.كل هذه الظروف أفقدت الأمل عند أغلبية الشعب الذي أصبح هاجسه الوحيد مغادرة البلاد بأي ثمن ومهما كانت التكلفة المعنوية والظروف التي سوف يجدها في بلاد المهجر، هذا إن وصل ولم تلتهمه أمواج البحار العاتية، للأسف.

من ناحية أخرى، لا أمل في بناء جديد صلب، بدون الوعي الكامل والإتعاظ من كل الأخطاء السابقة لكل الفاعليين السياسيين. وهذا البناء الجديد لن يرى النور بدون بناء الثقة مع كل أفراد المجتمع، وهو من أصعب الأهداف التي يجب تحقيقها، لأننا لسنا في 2011، بل في 2022، وهذه العشرية أوجدت شرخاكبيرابين فئات المجتمع، وبين الأجيال والجهات، وحتى النساء والرجال...شرخ يقتضي ترميمه مجهودات جبَّارة، وقناعة راسخة في القدرة على القيام بذلك.

وبالعودة لعنوان هذا المقال، تَجد ثُلَّة قليلة من الوطنيين نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما:

1) الخيار الصعب وهو مواصلة توخي سياسة النعامة والصمت الرهيب والإكتفاء برؤية شعب يَغرق يوما بعد يوم في مستنقعالرداءة والفساد والتَدين المُزيف...كل هذا دون أن يُحرِّك له هذا المشهد المُزرِ ساكنا.

2) أو أن يختار الخيار الأصعب، وهو التحرك لإنقاذ الشعب من الغرق المُحتَّمِ حال إعلان الدولة الإفلاس الإقتصادي والمالي بعد أن أفلست أخلاقيا وقيميا وثقافيا وإجتماعيا، وسياسيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن مواجهة أربعة عقودمن التدمير المُمَنهج والتخلص من كل تداعياته،وتحقيق بناء مجتمع جديد تسود فيه ثقافة حب التعلم والعمل وإستعادة كل القيم المجتمعية التي ترعى التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية..؟

هذا السؤال يُفسِّر مدى صعوبة إختيار "الخيار الأصعب"لأن ذلك يقتضي العديد من التضحيات، كما يجب أن يَنبَنِي على العديد من الخطوات، وأهمّها:

1. تجميع صفوف الوطنيين الذي لم ينتموا في يوم من الأيام، لا من قريب أو من بعيد، لأية مجموعة من المجموعات المذكورة أعلاه، ووضع خطة مُحكمة لبناء الثقة وإعادة الأمل في المستقبل. بدون إعادة الثقة والأمل، سوف يكون من الصعب جدا، إن لم نقل من المستحيل، تشجيع الشعب على العودة للعمل والإنتاج والإنتاجية.

التحالف مع كل الأفراد والمجموعات التي إشتغلت على برنامج إصلاحي على جميع المستويات وفي كل الميادين، لوضع خطة إنقاذ شاملة، على المدى القصير والمتوسط والبعيد.وهذه التحالفات هي الكفيلة بضمان تطبيق كل البرامج على الطريقة الأمثل.

2. وضع هيكلة مُحكمة لمجموعة "القياديين الوطنيين الأحرار"، الذين يجمعهم حب الوطن وهدف خدمة شعبه، لتنفيذ هذا البرنامج الإصلاحي.

3. إقناع أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب بقدرة هذه الخطة ليس فقط لإنقاذ البلاد بل للعمل على ضمان التنمية المستدامة لجميع أفراد الشعب، وهذا يتوقَّفُ على مدى النجاح في تحقيق الأهداف الثلاث الأولى.

المستقبل وحده قادر أن يخبرنا عن الخيار الذي سوف تلجأ إليه مجموعة القياديين الوطنيين الأحرار،علما بأن التاريخ لن يرحم المتخاذلين، لأن تخاذلهم سوف يحرم البلاد من الفرصة الأخيرة للإنقاذ!

أن تكون قيادي أو لا تكون، هي المسألة الجوهرية التي يجب أن يفهمها الجميع إن آجلا أم عاجلا!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بين الخِيَار الصَعب والخِيار الأَصعَب.. سؤال ينتظر الجواب!

بقلم:خديجة توفيق معلَّى

تونس في مُفترق الطُرقات، فإما أن تُنقذ نفسها بنفسها وإمَّا أن تَغرق في مستنقع جحيم كل الخيانات التي إبتلت بها، منذ العشريات الأخيرة. خيانات أشباه السياسيين وأشباه المُنتميين للمجتمع المدني، وأشباه الأحزاب سياسية، وأشباه الفنانين والإعلاميين...مُفترق طرق بين مَسار ليس لديه من الدمقراطية إلا القشور، ومن المبادئ إلا زَيفها ومن القوانين إلا قانون الغاب، وبين مسار إنقاذ حقيقي لا لُبس فيه.

والسؤال الذي يَطرح نفسه هو: هل لتونس فرصة أخيرة لإنقاذ نفسها بنفسها، قبل حلول ما لا تُحمدُ عقباه؟ الإجابة: نعم، ولكنها فرصة ضئيلة، صعبة المنال وتستدعي أكبر تضحيات يُمكن أن نَتَصَوَّرَها كي تعود تونس منارة المنطقة، ولما لا، بوصلة يَتجه لها كل اليائسين في العالم؟ لكن قبل التعريف بملامح هذه الفرصة، وجب تشخيص المستنقع الذي تغوص في وحله تونس حاليا حتى النخاع! هذا التشخيص يستوجب التعرض لكل الفاعليين الحاليين وهُم:

1. كل من ساهم، منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات في تدمير كل المؤسسات والبرامج التي وُضِعَت فجر الإستقلال، تدمير مُمنهج ومُبرمج على المدى الطويل. هؤلاء الذين استعانوا بكل القوى الرجعية من كل حدب وصوب، المُعلَنَة منها والسرية. المُدمِّرُون وضعوانُصبأعينهم المؤسسة التعليمية بأهدافها ومناهجها وبرامجها كي تُكسِّرَ أي إحتمالية أن تواصل هذه المؤسسة تمثيل المِصعَد الاجتماعي لكل أفراد الشعب. ومَثَّلت سياسة"التعريب" الهدف المُعلن منها ولكنه أخفى أهداف تدميرية عالية الخطورة للثقافة التونسية ولكل إنجازات العشرية الأولى من الإستقلال، ومنها التعليم والصحة وتوحيد القانون والقضاء، والتنظيم العائلي...تدمير إستمرَّ ولا يزال إلى يومنا هذا بنفس النسق والوتيرة مع تغيير أسماء وصفات ومراكز المُدَمِرين...مُدمرون أخذوا الدين والهوية غطاء لتفريق الشعب وتجهيله وتفقيره روحيا وثقافيا وتنمويا، إلى أن تَمَكَّنوا من تمرير هذا مشروعهم الهدَّام للهوية التونسية.

2. كل السياسيين الذين ساهموا بطريقة أو بأخرى فيما وصلت إليه بلادنا، بما في ذلك كل الوعود الزائفة التي قدَّموها وكل الشَرَاكَات المُسترابة مع قوى لم تنوي تحقيق مصلحة الشعب التونسي في الماضي، والحاضر والمستقبل.سياسيو الغلبة والغفلة الذين ساهموا بخذلانهم لخدمة الشعب التونسي، في السماح للمشروع التدميري وللفكر الأصولي الإرهابي أن يواصل تَدميره المُمَنهج برعاية القُوى الرجعية التي لم تقبل يوما أن تَخرج تونس عن سراطهم ولا أن تتَّخِذ الحداثة والتقدمية منهجا.

3. أشباه المُنتمين للمجتمع المدني ومَن يدَّعون خدمة الشعب التونسي تحت غطاء جمعيات غير حكومية وطنية أودولية، والذين لم يخدموا في الحقيقة إلا أجندات دَخِيلة، هَجِينة لا علاقة لها بتنمية الشعوب. أجندات لم تنجح، على مرِّ السنين، في القضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائي، والصحة والتعليم للجميع، وتوفير الماء وحماية البيئة والتصدي للتغير المناخي...بل كل ما قدموه كان مُجرد وعودٍ زائفة ساهمت في تفقير الشعوب وتجهيلهم وتجويعهم وتشريدهم وتخويفهم والعبث بتاريخهم وبحاضرهم ومستقبلهم.فَعِوض أن تبحث هذه المنظمات عن أنجع الطرق للتحصُّلِ على المهارات التي بإمكانها دعم الفئات الهَشَّة وتمكينها بصفة حقيقيَّة من أدوات التنمية والقيادية كي تُنقذ نفسها بنفسها، تَفنّن هؤلاء الأشخاص في إبقاء هاته الفئات في تبعية دائمة لطلب الخدمات، مُتَّبِعين في ذلك سياسية مُمَوِّليهم الذين كان هدفهم أيضا إبقاء هذه المنظمات في نفس حالة التبعيةالدائمة.

4. مناضلو الغلبة الذين أبدعوا في النفاق والكذب على الشعب مُقدمين كل الوعود بلغة بعيدة كل البعد عما يفهمه لأنهم ببساطة شديدة لا علاقة لهم بالشعب وبإحتياجاته ومعاناته ولم يرغبوا في يوم من الأيام خدمته. ونسج على منوالهم مستعملي الشبكة العنكبوتية الاجتماعية لإيهام أنفسهم أنهم يناضلون بمجرد وضع جملة على جدرانهم الخيالية، يشتمون هذا أو يفضحوا سلوك ذلك. هم أيضا مسؤولون على تقزيم وعي المجتمع، وتبليد ذهنه، والقضاء على أي ذرة ذكاء وجداني كان بإمكانه التحصُّل عليها، والتَمَكُّن منها. وأيضا هؤلاء الذين يعيشون خارج جدران الوطن، ويتصورون أنهم يساهمون في إنقاذ البلاد بإغراق الشبكة بفيديوهات للتنديد والشتم، دون القدرة على تقديم أي بديل من شأنه أن يخدم فعلا مصالح الشعب. هَمُّهم الوحيد هو الحصول على أكثر عدد من المشاهدين لإيهام أنفسهم أنهم يساهمون في التأثير على القرار السياسي أو المسار الذي غرق في وحله شعب تائه لم يصبح لديه القدرة حتى على التفريق بين العدو وبين الصديق.

وينظمُّ إليهم إعلاميو وفنانوالغلبة الذين باعوا ضمائرهم، ورَوَّجوا لثقافة رديئة وبذيئة إلى أبعد الحدود. هم أيضا مسؤولون على تجهيل الشعب وقتل أي إمكانية وعي حر نقدي، وإغتيال الإبداع وحرية التفكير، وتشويه الذوق العام. إعلاميون وفنانون امتهنوا سياسة التعتيم والتضليل والترويج للفكر الظلامي الإرهابي، تحت غطاء حرية التعبير.

التشخيص الخاطئ هو الذي ساهم في عدم جدوى كل ما قُدِّم لإنقاذ البلاد والعباد، بل أكثر من ذلك، ساهم في إفقاد الأمل لدى معظم أفراد المجتمع للخلاص، بتعلة عدم وجود مُخلِّصٍ، مُخلِص هَدفُه الوحيد خدمة الشعب دون إنتظار أي مُقابل. مُخَلِّصٌ ليس لديه أجندة خَفِية مُموّلة وجاهزة للتطبيق ودون أن يكون الوجه الآخر لنفس العُملة المُزيفة والتي تريد فقط مواصلة مشروع تدمير الوطن وكل مؤسساته ومقوماته.كل هذه الظروف أفقدت الأمل عند أغلبية الشعب الذي أصبح هاجسه الوحيد مغادرة البلاد بأي ثمن ومهما كانت التكلفة المعنوية والظروف التي سوف يجدها في بلاد المهجر، هذا إن وصل ولم تلتهمه أمواج البحار العاتية، للأسف.

من ناحية أخرى، لا أمل في بناء جديد صلب، بدون الوعي الكامل والإتعاظ من كل الأخطاء السابقة لكل الفاعليين السياسيين. وهذا البناء الجديد لن يرى النور بدون بناء الثقة مع كل أفراد المجتمع، وهو من أصعب الأهداف التي يجب تحقيقها، لأننا لسنا في 2011، بل في 2022، وهذه العشرية أوجدت شرخاكبيرابين فئات المجتمع، وبين الأجيال والجهات، وحتى النساء والرجال...شرخ يقتضي ترميمه مجهودات جبَّارة، وقناعة راسخة في القدرة على القيام بذلك.

وبالعودة لعنوان هذا المقال، تَجد ثُلَّة قليلة من الوطنيين نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما:

1) الخيار الصعب وهو مواصلة توخي سياسة النعامة والصمت الرهيب والإكتفاء برؤية شعب يَغرق يوما بعد يوم في مستنقعالرداءة والفساد والتَدين المُزيف...كل هذا دون أن يُحرِّك له هذا المشهد المُزرِ ساكنا.

2) أو أن يختار الخيار الأصعب، وهو التحرك لإنقاذ الشعب من الغرق المُحتَّمِ حال إعلان الدولة الإفلاس الإقتصادي والمالي بعد أن أفلست أخلاقيا وقيميا وثقافيا وإجتماعيا، وسياسيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن مواجهة أربعة عقودمن التدمير المُمَنهج والتخلص من كل تداعياته،وتحقيق بناء مجتمع جديد تسود فيه ثقافة حب التعلم والعمل وإستعادة كل القيم المجتمعية التي ترعى التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية..؟

هذا السؤال يُفسِّر مدى صعوبة إختيار "الخيار الأصعب"لأن ذلك يقتضي العديد من التضحيات، كما يجب أن يَنبَنِي على العديد من الخطوات، وأهمّها:

1. تجميع صفوف الوطنيين الذي لم ينتموا في يوم من الأيام، لا من قريب أو من بعيد، لأية مجموعة من المجموعات المذكورة أعلاه، ووضع خطة مُحكمة لبناء الثقة وإعادة الأمل في المستقبل. بدون إعادة الثقة والأمل، سوف يكون من الصعب جدا، إن لم نقل من المستحيل، تشجيع الشعب على العودة للعمل والإنتاج والإنتاجية.

التحالف مع كل الأفراد والمجموعات التي إشتغلت على برنامج إصلاحي على جميع المستويات وفي كل الميادين، لوضع خطة إنقاذ شاملة، على المدى القصير والمتوسط والبعيد.وهذه التحالفات هي الكفيلة بضمان تطبيق كل البرامج على الطريقة الأمثل.

2. وضع هيكلة مُحكمة لمجموعة "القياديين الوطنيين الأحرار"، الذين يجمعهم حب الوطن وهدف خدمة شعبه، لتنفيذ هذا البرنامج الإصلاحي.

3. إقناع أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب بقدرة هذه الخطة ليس فقط لإنقاذ البلاد بل للعمل على ضمان التنمية المستدامة لجميع أفراد الشعب، وهذا يتوقَّفُ على مدى النجاح في تحقيق الأهداف الثلاث الأولى.

المستقبل وحده قادر أن يخبرنا عن الخيار الذي سوف تلجأ إليه مجموعة القياديين الوطنيين الأحرار،علما بأن التاريخ لن يرحم المتخاذلين، لأن تخاذلهم سوف يحرم البلاد من الفرصة الأخيرة للإنقاذ!

أن تكون قيادي أو لا تكون، هي المسألة الجوهرية التي يجب أن يفهمها الجميع إن آجلا أم عاجلا!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews