إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي.. تونس في مفترق الشراكات.. حتى لا نضيع الفرص

بقلم: هشام الحاجي

تتساوق التحولات الداخلية التي تعيش على وقعها تونس في الأشهر الأخيرة مع ما يشبه المخاض الكوني الشامل الذي منحته الحرب الروسية- الأوكرانية أبعادا يختلط فيها الأمل باليأس في ظل بلوغ الإنسانية مفترق طرق غير مسبوق في العقود الأخيرة. هناك طريقان كلاهما مكلف وهما التخلص من الأحادية القطبية التي تريد تكريسها واشنطن وبناء عالم متعدد الأقطاب أو تأكيد الهيمنة الأمريكية لعقود قادمة. الرهان كبير ومفصلي وهذا ما تؤكده الأسلحة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية التي دفع بها المعسكران للمعركة .

ولا شك أن تونس ليست في منأى عن تداعيات هذه التحولات بل يمكن القول أن تضافر بعض العوامل يجعلها في قلب الرهانات. هناك هشاشة شاملة تعيش على وقعها بلادنا تجعلها أكثر تأثرا بما يحدث. وهناك أيضا موقع تونس الإستراتيجي الذي يجعلها نقطة وصل بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب علاوة على أن تونس شكلت دائما نقطة إشعاع وتأثير في محيطها العربي والإفريقي. ومن هذه الزاوية فإن القمة اليابانية- الإفريقية التي ستنطلق في الساعات القادمة تعتبر حدثا مهما شأنها شأن القمة الفرانكفونية التي ستحتضنها تونس بعد أسابيع قليلة. وإذا كان من الصعب "تحصين" الحدثين من القراءات السياسوية فإن المنطق الإستراتيجي يفرض الترفع، ولو إلى حين، عن التعاطي الانفعالي والنفعي للحدثين. ذلك أن البعد الاقتصادي هام ولكنه غير كاف تماما كما هو الحال للتركيز على البعد السياسوي.هناك جوانب يتعين التركيز عليها حتى تكون هذه القمم المشتركة المنعرج المأمول. من الضروري أن تستغل تونس التنافس الذي يبديه "الشركاء" لنيل للتعاون معها لتحسين شروط التفاوض وللرفع من "القيمة التسويقية" لتونس التي تمتلك عددا هائلا من نقاط القوة التي يتعين تثمينها مع العمل على تجاوز نقاط الضعف سواء منها الموروثة من دولة الاستقلال أو تلك التي نتجت عن كيفية إدارة "دولة الثورة" للشأن العام. تونس جزء من معادلة كونية ولا يمكن أن تنجح دون أن تكون لها أدوات قراءة موضوعية وشمولية لهذه المعادلة .

يبدو ضروريا في هذا الإطار التفكير في الجانب الثقافي في أبعاده الشاملة على هامش القمة اليابانية- الإفريقية. تفرض الحاجة إلى هذه المقاربة عدة عوامل من أهمها عاملان في تقديري. لا يمكن عزل النموذج الياباني الناجح عن الحيوية التي تشهدها القارة الآسيوية في السنوات الأخيرة. لا يمكن لهذه الحيوية أن تخفي، بكل تأكيد، التناقضات القائمة بين عدد من دول القارة الآسيوية. لكن ذلك لا يمنع من ضرورة التوقف عند التطور اللافت، اقتصاديا وثقافيا، لعدد كبير من الدول الآسيوية.يمكن أن نستحضر الصين واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإيران. وحتى في ما يتعلق بالصراع من أجل القيم والعدالة فإن فلسطين تعطي مثلا على حيوية القارة الآسيوية. ولا شك أن النموذج الياباني يمثل تجربة يمكن الاستلهام منها في تونس وإفريقيا. دمرت الحرب العالمية الثانية اليابان الذي استهدفته الولايات المتحدة الأمريكية بقنبلتين ذريتين هذا دون أن ننسى أن الطبيعة لم تفرد اليابان بميزات بل جعلته أسير الزلازل والبراكين. هذه "المعيقات" لم تكبل اليابانيين الذين نجحوا في توظيف التقاليد في معركة السيطرة على الحداثة وثمنوا قيم العمل والنجاح والشعور بالمسؤولية والواجب وراهنوا على القيم الجماعية في تنظيم العمل والمؤسسات وجعلوا من الخوف من الفشل هاجسا يفرض ضغطا على المواطن يجعله عنصرا ايجابيا. إن الثقافة الجديدة التي تنتشر في آسيا ويمكن أن تساعدنا في تجاوز عقد الانبهار بمظاهر الثقافة الغربية دون الغوص في أعماقها هي ثقافة تؤمن بالتراكم وبأهمية الخطوات "الصغيرة" في التأسيس لتحولات كبرى وتعتبر أن الفعل أهم من "الثرثرة" والشعارات الشعبوية التي غالبا ما يكون مفعولها عكسيا. لا يمكن فصل الحياة السياسية والاقتصادية عن المحددات الثقافية والتربوية وهذا ما فهمه اليابانيون وعدد كبير من الآسيويين وما لم نؤمن به بعد. أن نراكم كسور الأعداد أفضل من أن نجمع دائما الأصفار. هذا هو أحد أهم دروس "المعجزة" اليابانية.

 

 

رأي.. تونس في مفترق الشراكات.. حتى لا نضيع الفرص

بقلم: هشام الحاجي

تتساوق التحولات الداخلية التي تعيش على وقعها تونس في الأشهر الأخيرة مع ما يشبه المخاض الكوني الشامل الذي منحته الحرب الروسية- الأوكرانية أبعادا يختلط فيها الأمل باليأس في ظل بلوغ الإنسانية مفترق طرق غير مسبوق في العقود الأخيرة. هناك طريقان كلاهما مكلف وهما التخلص من الأحادية القطبية التي تريد تكريسها واشنطن وبناء عالم متعدد الأقطاب أو تأكيد الهيمنة الأمريكية لعقود قادمة. الرهان كبير ومفصلي وهذا ما تؤكده الأسلحة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية التي دفع بها المعسكران للمعركة .

ولا شك أن تونس ليست في منأى عن تداعيات هذه التحولات بل يمكن القول أن تضافر بعض العوامل يجعلها في قلب الرهانات. هناك هشاشة شاملة تعيش على وقعها بلادنا تجعلها أكثر تأثرا بما يحدث. وهناك أيضا موقع تونس الإستراتيجي الذي يجعلها نقطة وصل بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب علاوة على أن تونس شكلت دائما نقطة إشعاع وتأثير في محيطها العربي والإفريقي. ومن هذه الزاوية فإن القمة اليابانية- الإفريقية التي ستنطلق في الساعات القادمة تعتبر حدثا مهما شأنها شأن القمة الفرانكفونية التي ستحتضنها تونس بعد أسابيع قليلة. وإذا كان من الصعب "تحصين" الحدثين من القراءات السياسوية فإن المنطق الإستراتيجي يفرض الترفع، ولو إلى حين، عن التعاطي الانفعالي والنفعي للحدثين. ذلك أن البعد الاقتصادي هام ولكنه غير كاف تماما كما هو الحال للتركيز على البعد السياسوي.هناك جوانب يتعين التركيز عليها حتى تكون هذه القمم المشتركة المنعرج المأمول. من الضروري أن تستغل تونس التنافس الذي يبديه "الشركاء" لنيل للتعاون معها لتحسين شروط التفاوض وللرفع من "القيمة التسويقية" لتونس التي تمتلك عددا هائلا من نقاط القوة التي يتعين تثمينها مع العمل على تجاوز نقاط الضعف سواء منها الموروثة من دولة الاستقلال أو تلك التي نتجت عن كيفية إدارة "دولة الثورة" للشأن العام. تونس جزء من معادلة كونية ولا يمكن أن تنجح دون أن تكون لها أدوات قراءة موضوعية وشمولية لهذه المعادلة .

يبدو ضروريا في هذا الإطار التفكير في الجانب الثقافي في أبعاده الشاملة على هامش القمة اليابانية- الإفريقية. تفرض الحاجة إلى هذه المقاربة عدة عوامل من أهمها عاملان في تقديري. لا يمكن عزل النموذج الياباني الناجح عن الحيوية التي تشهدها القارة الآسيوية في السنوات الأخيرة. لا يمكن لهذه الحيوية أن تخفي، بكل تأكيد، التناقضات القائمة بين عدد من دول القارة الآسيوية. لكن ذلك لا يمنع من ضرورة التوقف عند التطور اللافت، اقتصاديا وثقافيا، لعدد كبير من الدول الآسيوية.يمكن أن نستحضر الصين واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإيران. وحتى في ما يتعلق بالصراع من أجل القيم والعدالة فإن فلسطين تعطي مثلا على حيوية القارة الآسيوية. ولا شك أن النموذج الياباني يمثل تجربة يمكن الاستلهام منها في تونس وإفريقيا. دمرت الحرب العالمية الثانية اليابان الذي استهدفته الولايات المتحدة الأمريكية بقنبلتين ذريتين هذا دون أن ننسى أن الطبيعة لم تفرد اليابان بميزات بل جعلته أسير الزلازل والبراكين. هذه "المعيقات" لم تكبل اليابانيين الذين نجحوا في توظيف التقاليد في معركة السيطرة على الحداثة وثمنوا قيم العمل والنجاح والشعور بالمسؤولية والواجب وراهنوا على القيم الجماعية في تنظيم العمل والمؤسسات وجعلوا من الخوف من الفشل هاجسا يفرض ضغطا على المواطن يجعله عنصرا ايجابيا. إن الثقافة الجديدة التي تنتشر في آسيا ويمكن أن تساعدنا في تجاوز عقد الانبهار بمظاهر الثقافة الغربية دون الغوص في أعماقها هي ثقافة تؤمن بالتراكم وبأهمية الخطوات "الصغيرة" في التأسيس لتحولات كبرى وتعتبر أن الفعل أهم من "الثرثرة" والشعارات الشعبوية التي غالبا ما يكون مفعولها عكسيا. لا يمكن فصل الحياة السياسية والاقتصادية عن المحددات الثقافية والتربوية وهذا ما فهمه اليابانيون وعدد كبير من الآسيويين وما لم نؤمن به بعد. أن نراكم كسور الأعداد أفضل من أن نجمع دائما الأصفار. هذا هو أحد أهم دروس "المعجزة" اليابانية.

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews