إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس معنية على غرار بلدان المنطقة والعالم: الكوارث الطبيعية "خطر جاثم" خارج حساباتنا وأولوياتنا!!

 

 

تونس-الصباح

بقطع النظر عن مسار التحقيق في الأسباب التي تقف وراء حرائق أول أمس في جبل بوقرنين وبرج السدرية، فإن الثابت على الأقل وفق المعطيات الميدانية بشان موجة الحرائق في حوض المتوسط وفي غيره من الأماكن عبر العالم، ووفق المستجدات العلمية والتقارير البيئية الدولية والوطنية فإن مسألة الاحتباس الحراري والتحذيرات من التغيرات المناخية أصبحت أكثر فأكثر أمرا واقعا يفرض نفسه على العالم بأسره وعلى البلدان المعرضة أكثر من غيرها للكوارث الطبيعية المحتملة ومنها تونس.

لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر لحرائق أول أمس بمعزل عن بقية الأحداث المماثلة التي اجتاحت عديد الدول في الآونة الأخيرة فخلال الأسبوع الفارط وبسبب موجات الحرارة القياسية الخانقة التي اجتاحت دول جنوب غرب أوروبا، تم تسجيل نشوب حرائق غابات مدمرة في فرنسا واسبانيا واليونان والبرتغال أتت على مساحات شاسعة وأجبرت آلاف السكان على إخلاء منازلهم. وأرجع المختصون تتالي موجات الحر القياسية إلى الاحتباس الحراري وانبعاثات الغازات الدفيئة التي تزيد من شدتها ومدتها وتواترها وأيضا من تداعياتها.

حرائق تجتاح العالم

ونشرت أول أمس وكالة روترز تقريرا يرصد الحرائق الكاسحة (يعتبر الحريق "كاسحاً" إذا أحرق ألف فدان أو أكثر) التي اجتاحت عديد البلدان والقارات في العالم وذلك خلال النصف الأول من عام 2022 حيث "التهمت حرائق الغابات مساحات شاسعة من الزراعات وأتت على بلدات ومنازل، ومن المرجح أن يزيد عددها في حين يشهد العالم المزيد من موجات الحر وفترات جفاف تحطم الأرقام القياسية.

ورصدت القائمة تسجيل حرائق غابات كاسحة في عام 2022 في كل من: آسيا وتحديدا كوريا الجنوبية في إفريقيا (المغرب) وفي فرنسا (جيروند) في اسبانيا (في أكثر من مقاطعة) في تركيا والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية (كاليفورنيا واريزونا ونيو ميكسيكو) وفي الأرجنتين ..

تم أيضا خلال السنة الفارطة وتحديدا في محيطنا المتوسطي تسجيل حرائق في الجارة الجزائر حيث شهدت أكثر من 100 حريق للغابات خلال شهر أوت (أسفرت عن مقتل 90 شخصًا وتدمير أكثر من 10 آلاف هكتار من الأراضي والغابات). كما سجلت حرائق في شمال لبنان (دمرت 7500 هكتار من الأراضي) شهدت كذلك اليونان أسوأ موجة حر واجهتها البلاد منذ 30 عاما، تسببت حينها في نحو 100 حريق نشط بشكل يومي.

ولم تكن تونس بمنأى حيث اجتاحت الحرائق البلاد واتت على أكثر من 5000 هكتار من الغابات في عديد الجهات.

كابوس التغيرات المناخية

حذرت سابقا عديد التقارير الدولية من الاحتباس الحراري الذي بات يهدد الأرض وقد أشار اخر تقرير أممي صادر في أوت الماضي إلى أن "الأمر يقترب من الخروج عن السيطرة". ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التقرير بأنه إنذار للإنسانية.

وقد بعث تقرير أعده علماء من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة رسالة واضحة من أن مستويات الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عالية بما يكفي لضمان حدوث اضطرابات بالمناخ على مدى عقود إن لم يكن لقرون.

وأوضحت أن ذلك يعني أن موجات الحر القاتلة والأعاصير الشديدة والتقلبات الجوية الخطيرة الأخرى التي تحدث الآن من المرجح أن تزداد شدة.

وأفاد التقرير بأنه ما لم "يُتخذ إجراء فوري وعلى نطاق واسع للحد من الانبعاثات فمن الممكن أن تجتاز الزيادة في درجة حرارة العالم عتبة 1.5 درجة مائوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية وذلك في غضون 20 عاما من الآن".

تونس في قلب التحديات

وتعد تونس بحكم موقعها الجغرافي في المنطقة المتوسطية والإفريقية من البلدان الأكثر عرضة لتأثير التغير المتمثلة وفق تقارير دولية ووطنية في ارتفاع درجات الحرارة إلى حدود عليا وانخفاض وتواتر وتباين معدل تساقط الأمطار وانتشار الجفاف والحرائق. بالإضافة إلى ارتفاع مستوى مياه البحر.

ومن التحديات الكبرى التي تواجهها تونس استنادا لمعطيات وزارة البيئة جراء التغيرات المناخية والاحتباس الحراري أن معدلات الأمطار السنوية ستنخفض بنسبة تتراوح بين 10% بالشمال الغربي و30% بأقصى جنوب البلاد مع حلول سنة 2050 . وسيؤثر تغير المناخ على الموارد المائية والنظم البيئية والفلاحية من (إنتاج زيت الزيتون، الأشجار المثمرة، تربية الماشية، الزراعات البعلية) مما سيعمق الضغوطات على الفلاحين.

تحدثت أيضا دراسة أعدتها الهيئة الدولية لخبراء المناخ ان مساحات تناهز 2600 هكتار يمكن أن تتعرض الى انجراف بحري ونقص في الخصوبة بدلتا وادي مجردة، مع إمكانية تعرض منطقة خليج الحمامات الى انجراف بحري على مساحة جملية تناهز 1900 هكتار وخاصة على مستوى سبخة سيدي خليفة.

كما أشارت الدراسات انه يتوقع أن تتحول أكثر من 10 سباخ الى بحيرات تمسح 730 هكتارا محاطة بمناطق رطبة تناهز مساحتها 730 هكتارا بمجموعة من السباخ الساحلية للوطن القبلي وتحول أرخبيل قرقنة الى مجموعة اكبر من الجزر الصغيرة (قرابة 30% من المساحة الإجمالية للأرخبيل معرضة للانجراف البحري).

تراخ رسمي

رغم حجم التحديات والمخاطر المحدقة المتنامية من حرائق ونقص المياه وتهديد للمنظومة الفلاحية ورغم التحذيرات والدراسات لا يعد هذه الموضوع الاستراتيجي الهام والخطير من أولويات الحكومات المتعاقبة. ولعل الأوضاع السياسية غير المستقرة وتدهور الأوضاع المالية والاقتصادية للبلاد يحوّل أكثر فأكثر أي حديث عن المسائل البيئية والإستراتيجية إلى ترف في نظر البعض.

غير أن التعرف عن كثب على حجم التحديات والمخاطر يحتم تغيير سلم الأوليات في البلاد حيث يفرض اليوم موضوع التغيرات المناخية وتداعياتها نفسه على الجميع.

وقد اقر أمس مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة الهادي الشبيلي، بأن "التغييرات المناخية لها عديد التأثيرات ولعل أبرزها موجات الحر وتقلص نسبة التساقطات من الأمطار مع زيادة الجفاف".

وقال في تصريح إذاعي أمس أنهم يعملون على الإعداد لبرنامج وطني للتأقلم مع التغييرات المناخية المساهمة في انتشار الحرائق وأن "لجنة عمل تحت إشراف وحدة التصرف حسب الأهداف بوزارة البيئة تعمل على إعداد البرنامج الوطني للتأقلم مع التغييرات المناخية مع كافة المتداخلين".

كما شدد الشبيلي على ضرورة أن "تنخرط تونس وكافة دول العالم في برنامج متكامل لمكافحة ظاهرة التغييرات المناخية وتأثيراتها".

م.ي

 

 

 

 

 

تونس معنية على غرار بلدان المنطقة والعالم:  الكوارث الطبيعية "خطر جاثم" خارج حساباتنا وأولوياتنا!!

 

 

تونس-الصباح

بقطع النظر عن مسار التحقيق في الأسباب التي تقف وراء حرائق أول أمس في جبل بوقرنين وبرج السدرية، فإن الثابت على الأقل وفق المعطيات الميدانية بشان موجة الحرائق في حوض المتوسط وفي غيره من الأماكن عبر العالم، ووفق المستجدات العلمية والتقارير البيئية الدولية والوطنية فإن مسألة الاحتباس الحراري والتحذيرات من التغيرات المناخية أصبحت أكثر فأكثر أمرا واقعا يفرض نفسه على العالم بأسره وعلى البلدان المعرضة أكثر من غيرها للكوارث الطبيعية المحتملة ومنها تونس.

لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر لحرائق أول أمس بمعزل عن بقية الأحداث المماثلة التي اجتاحت عديد الدول في الآونة الأخيرة فخلال الأسبوع الفارط وبسبب موجات الحرارة القياسية الخانقة التي اجتاحت دول جنوب غرب أوروبا، تم تسجيل نشوب حرائق غابات مدمرة في فرنسا واسبانيا واليونان والبرتغال أتت على مساحات شاسعة وأجبرت آلاف السكان على إخلاء منازلهم. وأرجع المختصون تتالي موجات الحر القياسية إلى الاحتباس الحراري وانبعاثات الغازات الدفيئة التي تزيد من شدتها ومدتها وتواترها وأيضا من تداعياتها.

حرائق تجتاح العالم

ونشرت أول أمس وكالة روترز تقريرا يرصد الحرائق الكاسحة (يعتبر الحريق "كاسحاً" إذا أحرق ألف فدان أو أكثر) التي اجتاحت عديد البلدان والقارات في العالم وذلك خلال النصف الأول من عام 2022 حيث "التهمت حرائق الغابات مساحات شاسعة من الزراعات وأتت على بلدات ومنازل، ومن المرجح أن يزيد عددها في حين يشهد العالم المزيد من موجات الحر وفترات جفاف تحطم الأرقام القياسية.

ورصدت القائمة تسجيل حرائق غابات كاسحة في عام 2022 في كل من: آسيا وتحديدا كوريا الجنوبية في إفريقيا (المغرب) وفي فرنسا (جيروند) في اسبانيا (في أكثر من مقاطعة) في تركيا والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية (كاليفورنيا واريزونا ونيو ميكسيكو) وفي الأرجنتين ..

تم أيضا خلال السنة الفارطة وتحديدا في محيطنا المتوسطي تسجيل حرائق في الجارة الجزائر حيث شهدت أكثر من 100 حريق للغابات خلال شهر أوت (أسفرت عن مقتل 90 شخصًا وتدمير أكثر من 10 آلاف هكتار من الأراضي والغابات). كما سجلت حرائق في شمال لبنان (دمرت 7500 هكتار من الأراضي) شهدت كذلك اليونان أسوأ موجة حر واجهتها البلاد منذ 30 عاما، تسببت حينها في نحو 100 حريق نشط بشكل يومي.

ولم تكن تونس بمنأى حيث اجتاحت الحرائق البلاد واتت على أكثر من 5000 هكتار من الغابات في عديد الجهات.

كابوس التغيرات المناخية

حذرت سابقا عديد التقارير الدولية من الاحتباس الحراري الذي بات يهدد الأرض وقد أشار اخر تقرير أممي صادر في أوت الماضي إلى أن "الأمر يقترب من الخروج عن السيطرة". ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التقرير بأنه إنذار للإنسانية.

وقد بعث تقرير أعده علماء من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة رسالة واضحة من أن مستويات الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عالية بما يكفي لضمان حدوث اضطرابات بالمناخ على مدى عقود إن لم يكن لقرون.

وأوضحت أن ذلك يعني أن موجات الحر القاتلة والأعاصير الشديدة والتقلبات الجوية الخطيرة الأخرى التي تحدث الآن من المرجح أن تزداد شدة.

وأفاد التقرير بأنه ما لم "يُتخذ إجراء فوري وعلى نطاق واسع للحد من الانبعاثات فمن الممكن أن تجتاز الزيادة في درجة حرارة العالم عتبة 1.5 درجة مائوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية وذلك في غضون 20 عاما من الآن".

تونس في قلب التحديات

وتعد تونس بحكم موقعها الجغرافي في المنطقة المتوسطية والإفريقية من البلدان الأكثر عرضة لتأثير التغير المتمثلة وفق تقارير دولية ووطنية في ارتفاع درجات الحرارة إلى حدود عليا وانخفاض وتواتر وتباين معدل تساقط الأمطار وانتشار الجفاف والحرائق. بالإضافة إلى ارتفاع مستوى مياه البحر.

ومن التحديات الكبرى التي تواجهها تونس استنادا لمعطيات وزارة البيئة جراء التغيرات المناخية والاحتباس الحراري أن معدلات الأمطار السنوية ستنخفض بنسبة تتراوح بين 10% بالشمال الغربي و30% بأقصى جنوب البلاد مع حلول سنة 2050 . وسيؤثر تغير المناخ على الموارد المائية والنظم البيئية والفلاحية من (إنتاج زيت الزيتون، الأشجار المثمرة، تربية الماشية، الزراعات البعلية) مما سيعمق الضغوطات على الفلاحين.

تحدثت أيضا دراسة أعدتها الهيئة الدولية لخبراء المناخ ان مساحات تناهز 2600 هكتار يمكن أن تتعرض الى انجراف بحري ونقص في الخصوبة بدلتا وادي مجردة، مع إمكانية تعرض منطقة خليج الحمامات الى انجراف بحري على مساحة جملية تناهز 1900 هكتار وخاصة على مستوى سبخة سيدي خليفة.

كما أشارت الدراسات انه يتوقع أن تتحول أكثر من 10 سباخ الى بحيرات تمسح 730 هكتارا محاطة بمناطق رطبة تناهز مساحتها 730 هكتارا بمجموعة من السباخ الساحلية للوطن القبلي وتحول أرخبيل قرقنة الى مجموعة اكبر من الجزر الصغيرة (قرابة 30% من المساحة الإجمالية للأرخبيل معرضة للانجراف البحري).

تراخ رسمي

رغم حجم التحديات والمخاطر المحدقة المتنامية من حرائق ونقص المياه وتهديد للمنظومة الفلاحية ورغم التحذيرات والدراسات لا يعد هذه الموضوع الاستراتيجي الهام والخطير من أولويات الحكومات المتعاقبة. ولعل الأوضاع السياسية غير المستقرة وتدهور الأوضاع المالية والاقتصادية للبلاد يحوّل أكثر فأكثر أي حديث عن المسائل البيئية والإستراتيجية إلى ترف في نظر البعض.

غير أن التعرف عن كثب على حجم التحديات والمخاطر يحتم تغيير سلم الأوليات في البلاد حيث يفرض اليوم موضوع التغيرات المناخية وتداعياتها نفسه على الجميع.

وقد اقر أمس مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة الهادي الشبيلي، بأن "التغييرات المناخية لها عديد التأثيرات ولعل أبرزها موجات الحر وتقلص نسبة التساقطات من الأمطار مع زيادة الجفاف".

وقال في تصريح إذاعي أمس أنهم يعملون على الإعداد لبرنامج وطني للتأقلم مع التغييرات المناخية المساهمة في انتشار الحرائق وأن "لجنة عمل تحت إشراف وحدة التصرف حسب الأهداف بوزارة البيئة تعمل على إعداد البرنامج الوطني للتأقلم مع التغييرات المناخية مع كافة المتداخلين".

كما شدد الشبيلي على ضرورة أن "تنخرط تونس وكافة دول العالم في برنامج متكامل لمكافحة ظاهرة التغييرات المناخية وتأثيراتها".

م.ي

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews