لقد واكبت بنزرت تاريخ تونس السياسي الحديث ، إذ أخذت قسطا وافرا من تاريخ الحركة الوطنية بفض نخبة أبنائها البررة فحرصت أن تكون هذه الجهة الشرارة الأولى في معارك شعبنا ضد الاستعمار الفرنسي الذي اتجه عن طريق البر إلى احتلال بنزرت في ماي 1881 حتى وطأت أقدام آلاف الجنود أرضها لأهمية إستراتيجيتها العسكرية لدى الجانب الفرنسي ، الشيء الذي دفع لاحقا الإقامة العامة الفرنسية إلى عقد اتفاقية خاصة ببنزرت في مارس 1942 والتي قدمت للباي لإمضائها ، حيث اعتبرت بموجب ذلك بنزرت ومنشاتها العسكرية ومياهما الإقليمية منطقة خارجة عن التراب التونسي واعتبارها ولاية بحرية فرنسية .
لقد واكبت بنزرت مختلف المحطات النضالية ضد المستعمر الفرنسي بفضل صمود أبنائها خصوصا في مواجهات سنوات 1952-1954 بعد تخلي بورقيبة حينها عن الخيار السلمي، وتمكنت تونس لاحقا من الحصول على استقلالها في 20 مارس 1956 وإلغاء الحماية، إلا أن فرنسا في المقابل حرصت على إبقاء جيشها بعدة مناطق بالبلاد التونسية خصوصا بمنطقة رمادة التي عرفت مواجهات مسلحة ليلة 24 و25 ماي 1958، أما بشمال البلاد ورغم اعترفت فرنسا بالسيادة التونسية على بنزرت إلا أنها رفضت التفاوض حول نظام القاعدة العسكرية (الجوية والبحرية) لأهمية موقعها الاستراتيجي إلى حين تجديد وضعها النهائي مغتنمة إياها للقيام بعمليات حربية ضد الجزائر الشقيقة التي تصاعدت ثورتها ضد فرنسا حينها بتتالي انتصاراتها فاستغل بورقيبة هذه الظرفية الإقليمية خصوصا من خلال اعتبار الجزائر قاعدة خلفية على المستوى السياسي بتواجد حكومتها المؤقتة بتونس، وقيام العدو الفرنسي بالهجوم على ساقية سيدي يوسف في 08/02/1958 وسقوط العديد من الشهداء الجزائريين والتونسيين لخوض معركة الجلاء ،حيث كان بورقيبة حينها في حاجة أكيدة للخروج من موقع الولاء لفرنسا الذي وضعه فيه خصومه على الساحة الدولية و العربية بعد أن أصبحت قضية الجلاء شرطا من شروط الجكومة التونسية لا بد من تحقيقه خصوصا بعد رفض فرنسا الدخول في مفاوضات حول بنزرت .
إن كان التونسيون يحتفلون يوم 15 أكتوبر من كل سنة بعيد الجلاء وهو اليوم الذي غادر فيه آخر جندي فرنسي الأراضي التونسية في 15/10/1963 إلا انه كثيرا ما يغيب عن الذاكرة العديد من تفاصيل معركة استبسل فيها التونسيون وقدموا أرواحهم لإجبار المستعر الفرنسي عن مغادرة وطنهم بعد إعلان الديوان السياسي للحزب الدستوري يوم 04/07/1961 عن فشل المفاوضات حول جلاء قاعدة بنزرت من طرف الجيش الفرنسي ودعوته لخوض الحرب لاستعادة بنزرت خصوصا على اثر انطلاق العدو الفرنسي في 30/06/1961 في إجراء توسعة للمطار العسكري بثكنة سيدي أحمد لتقوم قوات الجيش الوطني التونسي بالتصدي لهذه الأشغال وإعادة الأسلاك الحديدية إلى مكانها الطبيعي تلاها بداية عملية التعبئة الشعبية انطلاقا من 05/07/1961 وإيفاد المتطوعين من الشباب والكشافة والمقاومين إلى بنزرت ، مقابل إعلان شارل ديغول يوم 15/07/1961 رسميا عدم استعداد بلاده للتفاوض حول الانسحاب من بنزرت ، و طرحت اثر المعركة عديد التساؤلات فهل كانت ضرورية أم كان يمكن تفاديها حفاظا على الأرواح ، إلا أن بورقيبة اتخذ قرار المعركة رغم معارضة البعض أمكن على إثرها بورقيبة إعادة رسم صورته كأحد زعماء التحرر في العالم مجددا حينها شرعيته كمعاد للاستعمار تمكن لاحقا من تدعيم حكمه الفردي خصوصا بعد إجهاضه لانقلاب عسكري سنة 1962.
انطلقت المعركة يوم 19/07/1961 بين الجيشين الفرنسي والتونسي إضافة إلى عديد المتطوعين مسلحين بكثير من الحماس وقليل من العتاد ،دامت المعركة 4 أيام تبين من خلالها عدم جاهزية الجنود التونسيون من وجهة نظر عسكرية أثناء مواجهته أسطول من حاملات الطائرات الفرنسية، وتمكنت القوات الفرنسية من احتلال جزء كبير من المدينة حيث تحولت المواجهات إلى حرب شوارع ، لقد اختلف المؤرخون في تعداد ضحاياها لهولها ، وتحدثت عن هذه المعركة الصحفية الفنلندية التي زارت بنزرت حال انتهاء المعركة فتقول: " أن معركة بنزرت تعتبر حسب رأيي كارثة كبرى بالنسبة للبلدان الغربية التي طالما قاومت الاحتلال أثناء الحرب العالمية الثانية،الا انه من المؤكد الإقرار بأن فما جرى في بنزرت هو من قبيل الجرائم البشعة على شعب أعزل ودولة ناشئة ،ترنو إلى تحرير أرضها فكانت الخسارة جسيمة خصوصا في صفوف المتطوعين من المدنيين فكانت معركة شعب ضد عدو غاشم .
وحين نلتفت إلى قائمة الأبطال التي أنجبتهم بنزرت خلال معركتها الطاحنة التي امتدت 4 أيام بلياليها (19 جويلية 1961 -22 جويلية 1961) والتي توقفت بعد إدانة العدوان الفرنسي من طرف الأمم المتحدة حين نظرها في قضية بنزرت يوم 27/08/1961 نجد من بين أبطالها العديد من وجوه الجهة الذين دافعوا بكل شراسة خلال تلك المعركة عن الأرض والحق منهم الشهيد المربي محمد الحبيب الذوادي الذي كان يعد من أبطال معركة الجلاء الخالدة حين كان يهيب بالجموع إلى الميدان بتاريخ 22/07/1961 لصد هجومات العدو الغاشم ، فقدت على إثرها والدته بصره،حال سماعها خبر استشهاده في المعركة وكتب شقيقه رشيد الذوادي في مؤلفه" بنزرت أرض البطولات حين تناوله بالحديث عنه " بأن الشهيد أدى واجبه على أكمل وجه إلى أن استشهد حرقا بالنبالم حذو السجن المدني ببنزرت حيث كانت جثته إحدى الجثث المحروقة الأربعة التي وجدت هناك .
ذلك المربي الذي لمح برهة من الزمن المولود بمدينة بنزرت في 04/06/1938 "بحي الرابع الجديد" تلقى تعليمه الابتدائي بمدرستها القرآنية ، ثم التحق بالتعليم الزيتوني في أكتوبر 1951 فأحرز على " الأهلية " سنة 1955 وعلى "التحصيل" سنتي 1958و 1959 ، كما تحصل على الجزء الأول من "العالمية في الآداب" سنة 1960 إثرها باشر مهنة التعليم بعد أن تم تعيينه معلما بمنطقة "شواش" من ولاية باجة في أوائل 1961 وأدى واجبه إلى نهاية السنة الدراسية ، وبرجوعه آنذاك إلى مسقط رأسه مدينة بنزرت التحق بأبطال معركة بنزرت دفاعا عن الحق والأرض واستشهد فيها في 22/07/1961 كما تم ذكره آنفا .
يعتبر المربي محمد الحبيب الذوادي من رجال التعليم الشبان الذين ساهموا مساهمة فعالة ومجدية في النشاطات الاجتماعية في البلاد، فق كان طاقة ثرية يعمل في كل الوجهات بكل إتقان وإخلاص في سبيل المبادئ الذي يعتز بها كل أبي صادق فعمل في كثير من منظمات الشباب و الثقافة و الرياضة حينها ، مثل الشبيبة الدستورية ،و نادي المراسلة و مصائف الشباب ،و الكشافة التونسية وشعبة الطلبة و اتحاد الطلبة... ونظرا لما اشتهر به من جدية في العمل، واستقامة في السلوك وقع إسناده الأمانة المالية في كل من شعبة الطلبة بتونس وفرع الزيتونة لاتحاد الطلبة خلال سنوات 1956 و1960 فهو في جميع المهمات التي تحملها اشتهر بالحزم و العمل الدائب والإقدام والصراحة في الحق .
كان هذا المربي إلى جانب ما تقدم منذ أيام تعلمه شغوف بمطالعة الكتب الأدبية والفلسفية والعلمية ... معجبا بطه حسين، نجيب محفوظ والشابي فكان من شباب بنزرت المثقف ومن الذين ساهموا في تنشيط الميدان الثقافي طوال سنوات 1952 -1953 -1954 ضمن الأنشطة الثقافية التي تبنتها "جمعية الشبيبة الزيتونية ببنزرت " منذ تأسيسها في جانفي 1949، بما كان ينشره من دراسات ومقالات في جريدتها الأسبوعية "صدى الشبيبة الزيتونية" علاوة على تردده على كثير من الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية بتونس العاصمة مثل "الراشدية" و" الخلدونية" و"نادي المراسلة "،إلى جانب ما تقدم كان الشهيد محمد الحبيب الذوادي شغوفا بالشعر، مغرما بالقصة وقد ترك لنا عددا لا بأس به من الآثار الأدبية التي تدل على محاولات ناجحة بالنسبة إلى سنه ويتمثل معظمه في مجموعة من المقالات والقصص القصيرة ، تحدث عنها الأديب القصاص محمد منصور في مقال نشره في جريدة "الصباح الثقافية التونسية " بتاريخ 15/01/1961 حيث قال: " وللشهيد محمد الحبيب الذوادي نشاط أدبي لا بأس به رغم صغر سنه ، يبشر بارهامات تحو مستقبل مرموق يبدو هذا النشاط في أقاصيص ومسرحيات تركها ، بعضها مخطوط مثل قصة "بطولة امرأة' التي تصور بطولة المرأة الجزائرية ، وتنوه بمشاركتها الفعالة في إذكاء الثورة وقصة "تضحية وإخلاص" وهي قصة وطنية أهداها الشهيد إلى كل عربي يعمل مخلصا من اجل حرية العرب تم نشرها في جريدة "العمل التونسية " في 12/10/1961 ، "ما جنته امرأة أب " التي نشرت بجريدة العمل في 25/10/1961 " السجين" وقصة " الشاب الغريب" فالقصة في نظر الشهيد عموما لم تكن إلا وسيلة لإصلاح المجتمع وتهيئته للحياة المثلى التي ينشدها الأحرار لذلك رأياه يستوحي موضوعاته من وقائع الحياة المثالية و يرسم مشاهد الحب والشقاء وما تسببه فوضى الأخلاق من فواجع ومآسي .
لقد تمجدت بنزرت بالعديد من الوجوه الأخرى الذين دافعوا بكل شراسة خلال تلك المعركة عن الأرض والحق، لقد اهترت القلوب خافقة اثر معركة الجلاء التي تعتبر من أبرز محطات الكفاح الوطني بفرحة جلاء الجيش الفرنسي عن بنزرت يوم 15/10/1963 على الأجيال اليوم أن تستلهم الدروس ممن قدموا أنفسهم عربون فداء كشهداء من أجل الحرية .
(*) باحث ناشط في الحقل الجمعياتي ببنزرت
بقلم : الحبيب الذوادي(*)
لقد واكبت بنزرت تاريخ تونس السياسي الحديث ، إذ أخذت قسطا وافرا من تاريخ الحركة الوطنية بفض نخبة أبنائها البررة فحرصت أن تكون هذه الجهة الشرارة الأولى في معارك شعبنا ضد الاستعمار الفرنسي الذي اتجه عن طريق البر إلى احتلال بنزرت في ماي 1881 حتى وطأت أقدام آلاف الجنود أرضها لأهمية إستراتيجيتها العسكرية لدى الجانب الفرنسي ، الشيء الذي دفع لاحقا الإقامة العامة الفرنسية إلى عقد اتفاقية خاصة ببنزرت في مارس 1942 والتي قدمت للباي لإمضائها ، حيث اعتبرت بموجب ذلك بنزرت ومنشاتها العسكرية ومياهما الإقليمية منطقة خارجة عن التراب التونسي واعتبارها ولاية بحرية فرنسية .
لقد واكبت بنزرت مختلف المحطات النضالية ضد المستعمر الفرنسي بفضل صمود أبنائها خصوصا في مواجهات سنوات 1952-1954 بعد تخلي بورقيبة حينها عن الخيار السلمي، وتمكنت تونس لاحقا من الحصول على استقلالها في 20 مارس 1956 وإلغاء الحماية، إلا أن فرنسا في المقابل حرصت على إبقاء جيشها بعدة مناطق بالبلاد التونسية خصوصا بمنطقة رمادة التي عرفت مواجهات مسلحة ليلة 24 و25 ماي 1958، أما بشمال البلاد ورغم اعترفت فرنسا بالسيادة التونسية على بنزرت إلا أنها رفضت التفاوض حول نظام القاعدة العسكرية (الجوية والبحرية) لأهمية موقعها الاستراتيجي إلى حين تجديد وضعها النهائي مغتنمة إياها للقيام بعمليات حربية ضد الجزائر الشقيقة التي تصاعدت ثورتها ضد فرنسا حينها بتتالي انتصاراتها فاستغل بورقيبة هذه الظرفية الإقليمية خصوصا من خلال اعتبار الجزائر قاعدة خلفية على المستوى السياسي بتواجد حكومتها المؤقتة بتونس، وقيام العدو الفرنسي بالهجوم على ساقية سيدي يوسف في 08/02/1958 وسقوط العديد من الشهداء الجزائريين والتونسيين لخوض معركة الجلاء ،حيث كان بورقيبة حينها في حاجة أكيدة للخروج من موقع الولاء لفرنسا الذي وضعه فيه خصومه على الساحة الدولية و العربية بعد أن أصبحت قضية الجلاء شرطا من شروط الجكومة التونسية لا بد من تحقيقه خصوصا بعد رفض فرنسا الدخول في مفاوضات حول بنزرت .
إن كان التونسيون يحتفلون يوم 15 أكتوبر من كل سنة بعيد الجلاء وهو اليوم الذي غادر فيه آخر جندي فرنسي الأراضي التونسية في 15/10/1963 إلا انه كثيرا ما يغيب عن الذاكرة العديد من تفاصيل معركة استبسل فيها التونسيون وقدموا أرواحهم لإجبار المستعر الفرنسي عن مغادرة وطنهم بعد إعلان الديوان السياسي للحزب الدستوري يوم 04/07/1961 عن فشل المفاوضات حول جلاء قاعدة بنزرت من طرف الجيش الفرنسي ودعوته لخوض الحرب لاستعادة بنزرت خصوصا على اثر انطلاق العدو الفرنسي في 30/06/1961 في إجراء توسعة للمطار العسكري بثكنة سيدي أحمد لتقوم قوات الجيش الوطني التونسي بالتصدي لهذه الأشغال وإعادة الأسلاك الحديدية إلى مكانها الطبيعي تلاها بداية عملية التعبئة الشعبية انطلاقا من 05/07/1961 وإيفاد المتطوعين من الشباب والكشافة والمقاومين إلى بنزرت ، مقابل إعلان شارل ديغول يوم 15/07/1961 رسميا عدم استعداد بلاده للتفاوض حول الانسحاب من بنزرت ، و طرحت اثر المعركة عديد التساؤلات فهل كانت ضرورية أم كان يمكن تفاديها حفاظا على الأرواح ، إلا أن بورقيبة اتخذ قرار المعركة رغم معارضة البعض أمكن على إثرها بورقيبة إعادة رسم صورته كأحد زعماء التحرر في العالم مجددا حينها شرعيته كمعاد للاستعمار تمكن لاحقا من تدعيم حكمه الفردي خصوصا بعد إجهاضه لانقلاب عسكري سنة 1962.
انطلقت المعركة يوم 19/07/1961 بين الجيشين الفرنسي والتونسي إضافة إلى عديد المتطوعين مسلحين بكثير من الحماس وقليل من العتاد ،دامت المعركة 4 أيام تبين من خلالها عدم جاهزية الجنود التونسيون من وجهة نظر عسكرية أثناء مواجهته أسطول من حاملات الطائرات الفرنسية، وتمكنت القوات الفرنسية من احتلال جزء كبير من المدينة حيث تحولت المواجهات إلى حرب شوارع ، لقد اختلف المؤرخون في تعداد ضحاياها لهولها ، وتحدثت عن هذه المعركة الصحفية الفنلندية التي زارت بنزرت حال انتهاء المعركة فتقول: " أن معركة بنزرت تعتبر حسب رأيي كارثة كبرى بالنسبة للبلدان الغربية التي طالما قاومت الاحتلال أثناء الحرب العالمية الثانية،الا انه من المؤكد الإقرار بأن فما جرى في بنزرت هو من قبيل الجرائم البشعة على شعب أعزل ودولة ناشئة ،ترنو إلى تحرير أرضها فكانت الخسارة جسيمة خصوصا في صفوف المتطوعين من المدنيين فكانت معركة شعب ضد عدو غاشم .
وحين نلتفت إلى قائمة الأبطال التي أنجبتهم بنزرت خلال معركتها الطاحنة التي امتدت 4 أيام بلياليها (19 جويلية 1961 -22 جويلية 1961) والتي توقفت بعد إدانة العدوان الفرنسي من طرف الأمم المتحدة حين نظرها في قضية بنزرت يوم 27/08/1961 نجد من بين أبطالها العديد من وجوه الجهة الذين دافعوا بكل شراسة خلال تلك المعركة عن الأرض والحق منهم الشهيد المربي محمد الحبيب الذوادي الذي كان يعد من أبطال معركة الجلاء الخالدة حين كان يهيب بالجموع إلى الميدان بتاريخ 22/07/1961 لصد هجومات العدو الغاشم ، فقدت على إثرها والدته بصره،حال سماعها خبر استشهاده في المعركة وكتب شقيقه رشيد الذوادي في مؤلفه" بنزرت أرض البطولات حين تناوله بالحديث عنه " بأن الشهيد أدى واجبه على أكمل وجه إلى أن استشهد حرقا بالنبالم حذو السجن المدني ببنزرت حيث كانت جثته إحدى الجثث المحروقة الأربعة التي وجدت هناك .
ذلك المربي الذي لمح برهة من الزمن المولود بمدينة بنزرت في 04/06/1938 "بحي الرابع الجديد" تلقى تعليمه الابتدائي بمدرستها القرآنية ، ثم التحق بالتعليم الزيتوني في أكتوبر 1951 فأحرز على " الأهلية " سنة 1955 وعلى "التحصيل" سنتي 1958و 1959 ، كما تحصل على الجزء الأول من "العالمية في الآداب" سنة 1960 إثرها باشر مهنة التعليم بعد أن تم تعيينه معلما بمنطقة "شواش" من ولاية باجة في أوائل 1961 وأدى واجبه إلى نهاية السنة الدراسية ، وبرجوعه آنذاك إلى مسقط رأسه مدينة بنزرت التحق بأبطال معركة بنزرت دفاعا عن الحق والأرض واستشهد فيها في 22/07/1961 كما تم ذكره آنفا .
يعتبر المربي محمد الحبيب الذوادي من رجال التعليم الشبان الذين ساهموا مساهمة فعالة ومجدية في النشاطات الاجتماعية في البلاد، فق كان طاقة ثرية يعمل في كل الوجهات بكل إتقان وإخلاص في سبيل المبادئ الذي يعتز بها كل أبي صادق فعمل في كثير من منظمات الشباب و الثقافة و الرياضة حينها ، مثل الشبيبة الدستورية ،و نادي المراسلة و مصائف الشباب ،و الكشافة التونسية وشعبة الطلبة و اتحاد الطلبة... ونظرا لما اشتهر به من جدية في العمل، واستقامة في السلوك وقع إسناده الأمانة المالية في كل من شعبة الطلبة بتونس وفرع الزيتونة لاتحاد الطلبة خلال سنوات 1956 و1960 فهو في جميع المهمات التي تحملها اشتهر بالحزم و العمل الدائب والإقدام والصراحة في الحق .
كان هذا المربي إلى جانب ما تقدم منذ أيام تعلمه شغوف بمطالعة الكتب الأدبية والفلسفية والعلمية ... معجبا بطه حسين، نجيب محفوظ والشابي فكان من شباب بنزرت المثقف ومن الذين ساهموا في تنشيط الميدان الثقافي طوال سنوات 1952 -1953 -1954 ضمن الأنشطة الثقافية التي تبنتها "جمعية الشبيبة الزيتونية ببنزرت " منذ تأسيسها في جانفي 1949، بما كان ينشره من دراسات ومقالات في جريدتها الأسبوعية "صدى الشبيبة الزيتونية" علاوة على تردده على كثير من الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية بتونس العاصمة مثل "الراشدية" و" الخلدونية" و"نادي المراسلة "،إلى جانب ما تقدم كان الشهيد محمد الحبيب الذوادي شغوفا بالشعر، مغرما بالقصة وقد ترك لنا عددا لا بأس به من الآثار الأدبية التي تدل على محاولات ناجحة بالنسبة إلى سنه ويتمثل معظمه في مجموعة من المقالات والقصص القصيرة ، تحدث عنها الأديب القصاص محمد منصور في مقال نشره في جريدة "الصباح الثقافية التونسية " بتاريخ 15/01/1961 حيث قال: " وللشهيد محمد الحبيب الذوادي نشاط أدبي لا بأس به رغم صغر سنه ، يبشر بارهامات تحو مستقبل مرموق يبدو هذا النشاط في أقاصيص ومسرحيات تركها ، بعضها مخطوط مثل قصة "بطولة امرأة' التي تصور بطولة المرأة الجزائرية ، وتنوه بمشاركتها الفعالة في إذكاء الثورة وقصة "تضحية وإخلاص" وهي قصة وطنية أهداها الشهيد إلى كل عربي يعمل مخلصا من اجل حرية العرب تم نشرها في جريدة "العمل التونسية " في 12/10/1961 ، "ما جنته امرأة أب " التي نشرت بجريدة العمل في 25/10/1961 " السجين" وقصة " الشاب الغريب" فالقصة في نظر الشهيد عموما لم تكن إلا وسيلة لإصلاح المجتمع وتهيئته للحياة المثلى التي ينشدها الأحرار لذلك رأياه يستوحي موضوعاته من وقائع الحياة المثالية و يرسم مشاهد الحب والشقاء وما تسببه فوضى الأخلاق من فواجع ومآسي .
لقد تمجدت بنزرت بالعديد من الوجوه الأخرى الذين دافعوا بكل شراسة خلال تلك المعركة عن الأرض والحق، لقد اهترت القلوب خافقة اثر معركة الجلاء التي تعتبر من أبرز محطات الكفاح الوطني بفرحة جلاء الجيش الفرنسي عن بنزرت يوم 15/10/1963 على الأجيال اليوم أن تستلهم الدروس ممن قدموا أنفسهم عربون فداء كشهداء من أجل الحرية .