إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الاستفتاء عمق انشقاقاتها.. أحزاب سياسية أمام هزات جديدة

تونس – الصباح

  ساهم خروج دستور الجمهورية الجديدة للعلن، وبداية العد التنازلي لتنظيم الاستفتاء المقرر يوم 25 جويلية الجاري، بعد انطلاق الحملات التفسيرية ومطالبة الهيئة العليا للانتخابات الأحزاب ومختلف الجهات السياسية بتحديد مواقفها النهائية في الاستفتاء بـ"نعم" أو "لا"، في هذه الفترة تعميق أزمة الأحزاب السياسية، التي تفجرت بعد القرارات الرئاسية يوم 25 جويلية من العام الماضي وما أعقبها من ترد وانحدار على مستويات عديدة. لكن الوضع اليوم أصبح أكثر خطورة وينذر بالعصف بما تبقى من هذه الأحزاب لاسيما أن دستور سعيد مثلما ذهب إلى ذلك أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري وعضو الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، إلى أن هذا الدستور فقّر الأحزاب السياسية وفيه ضرب لها من خلال التنصيص على عدم جمع النواب بين مهنتين وكأنه بذلك يسلط عقوبة جماعية على الطبقة السياسية، لتجد نفسها أمام "هزات" مصيرية" أخرى تضع بقاءها في الميزان.

فبعد الخلافات والانشقاقات العمودية التي عرفتها أغلب مكونات المشهد السياسي من أحزاب وحركات في الفترة الماضية بتسجيل انسحابات واستقالات، أدت مستجدات هذه الفترة إلى تعميق التفرقة بشكل أفقي على نحو عزز موجة نفور القواعد الاجتماعية والشعبية وتنصلها من الأحزاب والحركات والتيارات التي كانت موالية أو تابعة لها. وسبب ذلك في مجمله عدم التزام القواعد الاجتماعية أو الشعبية بمواقف القيادة المركزية للأحزاب ورفض تمشيها في التعاطي مع عديد القضايا والمسائل بما في ذلك موقفها من المشاركة في الاستفتاء من عدمه. إذ اختارت بعض المكاتب الفرعية التمرد على المواقف الرسمية لأحزاب على غرار ما تم في مكتب حركة مشروع تونس بتطاوين الذي أعلن أول أمس على لسان الناطق الرسمي للمكتب تصريحه لإحدى الإذاعات، إثر تنظيم ورشة عمل للحديث عن مشروع الدستور وتفسير بنوده، وأنه بعد التحاور بين الحاضرين تم اتخاذ قرار بالإجماع بالموافقة على مشروع الدستور وبالتصويت بـ"نعم" يوم 25 جويلية القادم مع العمل على إنجاح حملة لدعمه، إلا أن موقف المكتب السياسي للحركة أصدر بلاغا أكد فيه أن "موقفها من موضوع مشروع الدستور والاستفتاء سيتم اتخاذه إثر اجتماع مكتبها السياسي يوم غدا الأربعاء. ولا يعتبر أي موقف أو تصريح قبل بيان المكتب السياسي معبّرا عن موقف الحركة الرسمي". وشددت حركة تونس على أنه سيقع اتخاذ كافة الإجراءات التأديبية في صورة حصول أي تجاوز في هذا الإطار. والأمر مشابه تقريبا بالنسبة لأحزاب أخرى عجزت قياداتها على فرض الانضباط القاعدي على غرار التيار الديمقراطي وحزب العمال وحركتي النهضة والشعب وغيرها.

وإذا كان البعض يرى أن مثل هذه الاختلافات في الرأي تعد مسألة صحيّة ومن سمات الأنظمة والمناخات الديمقراطية، فإنها اليوم أصبحت تشكل خطرا يهدد بقاء مكونات المشهد السياسي الذي يمر بأزمة غير مسبوقة في تاريخ تونس المعاصر، بعد أن تجاوزت مرحلة الاختلاف في الرأي والموقف لتتعداه إلى حد توسع دائرة الانشقاقات في مستوى الأعضاء والمنخرطين في الأحزاب والحركات والتيارات الحزبية والسياسية بمختلف أدبياتها وتوجهاتها الفكرية والسياسية والإيديولوجية، لتشمل أيضا القواعد الشعبية. وهو تقريبا ما تعكسه ردود الأفعال والقراءات والمواقف المتداولة على الصفحات الرسمية للأحزاب السياسية على شبكات التواصل الاجتماعي وتبرم وتبرؤ القواعد الشعبية من هذه الأحزاب وقياداتها تصل أحيانا إلى حد التهجم وكيل الاتهامات وتحميلها مسؤولية تردي الوضع في الدولة وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،لتشكل مواقف بعضها بإعلان مقاطعة الاستفتاء ورفض المبادرات الإصلاحية لرئاسة الجمهورية أو الدعوة للتصويت بـ"لا" في الاستفتاء، الذي لم يعد يفصلنا عن موعده سوى ثلاثة أسابيع تقريبا، من الأسباب التي دفعت أعدادا كبيرة من التونسيين لإعلان العصيان والتعبير عن رفضهم الانصياع لمواقف وقرارات المكاتب المركزية للأحزاب. ولا يتوقف الأمر عند الرفض وإعلان التمرد فحسب بل يتعداه لتوجيه الاتهامات والنقد اللاذع للقيادات السياسية. وقد عكست تحركات بعض الأحزاب والجبهات المعارضة لمسار ما بعد 25 جويلية حقيقة الوضع الذي أصبحت عليه وهو أشبه بالتصحر القاعدي والشعبي، التي أصبحت عليه جل الأحزاب السياسية، لتقتصر بعض التحركات على مشاركة منظميها أو لفيف قليل من عائلاتهم والمقربين منهم، وذلك بعد تعمق أزمة الثقة في الطبقة السياسية وعدم قدرة هذه الأخيرة على إيجاد آليات جديدة للإقناع والاستقطاب بسبب عجزها عن تقديم خطاب أو مشروع متكامل بديل يرتقي لانتظارات وتطلعات العدد الكبير من الشعب التونسي وكفيل بنيل ثقة المواطنين ويقطع مع كل ما له علاقة بما كان متداولا ويفتقر للنجاعة المطلوبة، لينجح في المقابل قيس سعيد مرة أخرى في سحب أعداد كبيرة من القواعد الشعبية لهذه الأحزاب السياسية في تونس إلى "منطقته"، ليضافوا إلى قائمة داعميه والمساندين لمشروعه، وفق ما تعكسه مواقف أعداد كبيرة منهم على شبكات التواصل الاجتماعي سواء على الصفحات الخاصة بالأحزاب المعارضة لسعيد أو غيرها ممن تجندوا للدفاع عن مساره وعدم تفويت أي فرصة لنقد وتهجين معارضيه من أحزاب وسياسيين وناشطين في المجتمع المدني.

وعلى خلاف اغلب الأحزاب التي انقسمت بين الـ"نعم" والـ"لا" أو المقاطعة اختار الاتحاد العام التونسي للشغل المشاركة في الاستفتاء لكن مع ترك حرية الاختيار لقواعده، وهو خيار يجعل هذه المنظمة بمنأى عن التجاذبات والمعارك السياسية من ناحية ويعزز موقعها لدى نسبة هامة من القواعد الاجتماعية التي نفرت من الأحزاب السياسية.

نزيهة الغضباني

 

 

الاستفتاء عمق انشقاقاتها..  أحزاب سياسية أمام هزات جديدة

تونس – الصباح

  ساهم خروج دستور الجمهورية الجديدة للعلن، وبداية العد التنازلي لتنظيم الاستفتاء المقرر يوم 25 جويلية الجاري، بعد انطلاق الحملات التفسيرية ومطالبة الهيئة العليا للانتخابات الأحزاب ومختلف الجهات السياسية بتحديد مواقفها النهائية في الاستفتاء بـ"نعم" أو "لا"، في هذه الفترة تعميق أزمة الأحزاب السياسية، التي تفجرت بعد القرارات الرئاسية يوم 25 جويلية من العام الماضي وما أعقبها من ترد وانحدار على مستويات عديدة. لكن الوضع اليوم أصبح أكثر خطورة وينذر بالعصف بما تبقى من هذه الأحزاب لاسيما أن دستور سعيد مثلما ذهب إلى ذلك أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري وعضو الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، إلى أن هذا الدستور فقّر الأحزاب السياسية وفيه ضرب لها من خلال التنصيص على عدم جمع النواب بين مهنتين وكأنه بذلك يسلط عقوبة جماعية على الطبقة السياسية، لتجد نفسها أمام "هزات" مصيرية" أخرى تضع بقاءها في الميزان.

فبعد الخلافات والانشقاقات العمودية التي عرفتها أغلب مكونات المشهد السياسي من أحزاب وحركات في الفترة الماضية بتسجيل انسحابات واستقالات، أدت مستجدات هذه الفترة إلى تعميق التفرقة بشكل أفقي على نحو عزز موجة نفور القواعد الاجتماعية والشعبية وتنصلها من الأحزاب والحركات والتيارات التي كانت موالية أو تابعة لها. وسبب ذلك في مجمله عدم التزام القواعد الاجتماعية أو الشعبية بمواقف القيادة المركزية للأحزاب ورفض تمشيها في التعاطي مع عديد القضايا والمسائل بما في ذلك موقفها من المشاركة في الاستفتاء من عدمه. إذ اختارت بعض المكاتب الفرعية التمرد على المواقف الرسمية لأحزاب على غرار ما تم في مكتب حركة مشروع تونس بتطاوين الذي أعلن أول أمس على لسان الناطق الرسمي للمكتب تصريحه لإحدى الإذاعات، إثر تنظيم ورشة عمل للحديث عن مشروع الدستور وتفسير بنوده، وأنه بعد التحاور بين الحاضرين تم اتخاذ قرار بالإجماع بالموافقة على مشروع الدستور وبالتصويت بـ"نعم" يوم 25 جويلية القادم مع العمل على إنجاح حملة لدعمه، إلا أن موقف المكتب السياسي للحركة أصدر بلاغا أكد فيه أن "موقفها من موضوع مشروع الدستور والاستفتاء سيتم اتخاذه إثر اجتماع مكتبها السياسي يوم غدا الأربعاء. ولا يعتبر أي موقف أو تصريح قبل بيان المكتب السياسي معبّرا عن موقف الحركة الرسمي". وشددت حركة تونس على أنه سيقع اتخاذ كافة الإجراءات التأديبية في صورة حصول أي تجاوز في هذا الإطار. والأمر مشابه تقريبا بالنسبة لأحزاب أخرى عجزت قياداتها على فرض الانضباط القاعدي على غرار التيار الديمقراطي وحزب العمال وحركتي النهضة والشعب وغيرها.

وإذا كان البعض يرى أن مثل هذه الاختلافات في الرأي تعد مسألة صحيّة ومن سمات الأنظمة والمناخات الديمقراطية، فإنها اليوم أصبحت تشكل خطرا يهدد بقاء مكونات المشهد السياسي الذي يمر بأزمة غير مسبوقة في تاريخ تونس المعاصر، بعد أن تجاوزت مرحلة الاختلاف في الرأي والموقف لتتعداه إلى حد توسع دائرة الانشقاقات في مستوى الأعضاء والمنخرطين في الأحزاب والحركات والتيارات الحزبية والسياسية بمختلف أدبياتها وتوجهاتها الفكرية والسياسية والإيديولوجية، لتشمل أيضا القواعد الشعبية. وهو تقريبا ما تعكسه ردود الأفعال والقراءات والمواقف المتداولة على الصفحات الرسمية للأحزاب السياسية على شبكات التواصل الاجتماعي وتبرم وتبرؤ القواعد الشعبية من هذه الأحزاب وقياداتها تصل أحيانا إلى حد التهجم وكيل الاتهامات وتحميلها مسؤولية تردي الوضع في الدولة وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،لتشكل مواقف بعضها بإعلان مقاطعة الاستفتاء ورفض المبادرات الإصلاحية لرئاسة الجمهورية أو الدعوة للتصويت بـ"لا" في الاستفتاء، الذي لم يعد يفصلنا عن موعده سوى ثلاثة أسابيع تقريبا، من الأسباب التي دفعت أعدادا كبيرة من التونسيين لإعلان العصيان والتعبير عن رفضهم الانصياع لمواقف وقرارات المكاتب المركزية للأحزاب. ولا يتوقف الأمر عند الرفض وإعلان التمرد فحسب بل يتعداه لتوجيه الاتهامات والنقد اللاذع للقيادات السياسية. وقد عكست تحركات بعض الأحزاب والجبهات المعارضة لمسار ما بعد 25 جويلية حقيقة الوضع الذي أصبحت عليه وهو أشبه بالتصحر القاعدي والشعبي، التي أصبحت عليه جل الأحزاب السياسية، لتقتصر بعض التحركات على مشاركة منظميها أو لفيف قليل من عائلاتهم والمقربين منهم، وذلك بعد تعمق أزمة الثقة في الطبقة السياسية وعدم قدرة هذه الأخيرة على إيجاد آليات جديدة للإقناع والاستقطاب بسبب عجزها عن تقديم خطاب أو مشروع متكامل بديل يرتقي لانتظارات وتطلعات العدد الكبير من الشعب التونسي وكفيل بنيل ثقة المواطنين ويقطع مع كل ما له علاقة بما كان متداولا ويفتقر للنجاعة المطلوبة، لينجح في المقابل قيس سعيد مرة أخرى في سحب أعداد كبيرة من القواعد الشعبية لهذه الأحزاب السياسية في تونس إلى "منطقته"، ليضافوا إلى قائمة داعميه والمساندين لمشروعه، وفق ما تعكسه مواقف أعداد كبيرة منهم على شبكات التواصل الاجتماعي سواء على الصفحات الخاصة بالأحزاب المعارضة لسعيد أو غيرها ممن تجندوا للدفاع عن مساره وعدم تفويت أي فرصة لنقد وتهجين معارضيه من أحزاب وسياسيين وناشطين في المجتمع المدني.

وعلى خلاف اغلب الأحزاب التي انقسمت بين الـ"نعم" والـ"لا" أو المقاطعة اختار الاتحاد العام التونسي للشغل المشاركة في الاستفتاء لكن مع ترك حرية الاختيار لقواعده، وهو خيار يجعل هذه المنظمة بمنأى عن التجاذبات والمعارك السياسية من ناحية ويعزز موقعها لدى نسبة هامة من القواعد الاجتماعية التي نفرت من الأحزاب السياسية.

نزيهة الغضباني

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews