إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس وصندوق النقد الدولي: المرافقة المرة في الأزمنة الصعبة

كشف‭ ‬جامعيون‭ ‬ومسؤولون‭ ‬ووزراء‭ ‬سابقون‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬خلال‭ ‬ندوة‭ ‬نظمتها‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الصباح‮»‬‭ ‬،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬للأبحاث‭ ‬ودراسة‭ ‬السياسات‭ ‬،‭ ‬عن‭ ‬صعوبات‭ ‬تنتظر‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬مفاوضاتها‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬،‭ ‬مشددين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حصول‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬الصندوق‭ ‬تظل‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الازمة‭ ‬المالية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬الا‭ ‬انه‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الصعوبات‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬البدائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬لتونس‭ ‬استغلالها‭ ‬للخروج‭ ‬بأخف‭ ‬الاضرار‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬تستدعي‭ ‬أيضا‭ ‬اطلاق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬لتأجيل‭ ‬سداد‭ ‬الديون‭ ‬الثنائية‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية‭ ‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬وضع‭ ‬برنامج‭ ‬طارئ‭ ‬للمالية‭ ‬العمومية‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭.‬

وحذر‭ ‬المستشار‭ ‬والوزير‭ ‬السابق‭ ‬المكلف‭ ‬بالإصلاحات‭ ‬الكبرى‭ ‬توفيق‭ ‬الراجحي‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬للصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬دون‭ ‬الالتزام‭ ‬بالاصلاحات‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬دفعت‭ ‬بالصندوق‭ ‬الى‭ ‬تجميد‭ ‬المفاوضات‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مناسبتين‭ ‬الاولى‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬والثانية‭ ‬للقرض‭ ‬الثاني‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬2016،‭ ‬معتبرا‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الاخفاقات‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬كبرى‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬بعد‭ ‬الزيادات‭ ‬في‭ ‬الاجور‭ ‬الموقعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حكومة‭ ‬الحبيب‭ ‬الصيد‭ ‬والثانية‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬العوامل‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬تجميد‭ ‬القرض‭ ‬الثاني‭ ‬المتفق‭ ‬مع‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬وخاصة‭ ‬القسط‭ ‬الاخير‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬القرض‭.‬

وشدد‭ ‬الراجحي‭ ‬انه‭ ‬منذ‭ ‬اكتوبر‭ ‬وسبتمبر‭ ‬2019‭ ‬،‭ ‬توقفت‭ ‬المفاوضات‭ ‬الجدية‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وخيرت‭ ‬الحكومة‭ ‬انذاك‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬لمجابهة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬أبرز‭ ‬عامل‭ ‬ألحق‭ ‬أضرارا‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬منذ‭ ‬2016‭ ‬والى‭ ‬غاية‭ ‬اليوم‭ ‬،‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬العمليات‭ ‬الارهابية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬بلادنا‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬،والتي‭ ‬أثرت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬المانحة‭ ‬وخاصة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭.‬

اتفاقيتان‭ ‬وراء‭ ‬الازمة‭ ‬المالية

وبين‭ ‬الراجحي‭ ‬ان‭ ‬الاتفاقيتين‭ ‬الموقعتين‭ ‬في‭ ‬سنتي‭ ‬2015‭ ‬و2018‭ ‬،‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بالزيادات‭ ‬في‭ ‬الاجور‭ ‬،‭ ‬كانتا‭ ‬الضربة‭ ‬القاصمة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وأدت‭ ‬الى‭ ‬استنزاف‭ ‬موارد‭ ‬الدولة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬،‭ ‬مبرزا‭ ‬ان‭ ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬جيدا‭ ‬ما‭ ‬ستؤول‭ ‬اليه‭ ‬الاوضاع‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬والوصول‭ ‬بنا‭ ‬الى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الاصعدة‭ ‬،‭ ‬مبرزا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬ان‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬ينتظر‭ ‬منا‭ ‬اليوم‭ ‬استخلاص‭ ‬العبر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاخطاء‭ ‬والمضي‭ ‬نحو‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬نسق‭ ‬الاصلاحات‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الازمة‭.‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬أفاد‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للسياسة‭ ‬النقدية‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬محمد‭ ‬سويلم،‭ ‬ان‭ ‬علاقات‭ ‬تونس‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬كانت‭ ‬مناسبتية‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والى‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬،‭ ‬وأبرزها‭ ‬قرض‭ ‬سنة‭ ‬1986‭ ‬الذي‭ ‬تحصلت‭ ‬عليه‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬بعثها‭ ‬سنة‭ ‬1944،‭ ‬كانت‭ ‬لإصلاح‭ ‬عديد‭ ‬الاختلالات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬المدفوعات‭ ‬واستقرار‭ ‬أسعار‭ ‬صرف‭ ‬العملات‭.‬

واضاف‭ ‬سويلم‭ ‬بالقول‭ ‬انه‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬أصبح‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬احد‭ ‬أهم‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬وبإمكانه‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬تعديل‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬للدول‭ ‬وتوجيهها‭ ‬نحو‭ ‬اتخاذ‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الاصلاحات‭ ‬الضرورية‭ ‬،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬تقوم‭ ‬لجنة‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬بزيارة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬واجراء‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬ممثليها‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬اللجان‭ ‬تزور‭ ‬تونس‭ ‬سنويا‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬مرتين‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬الاصلاحات‭ ‬المطلوبة‭ ‬منا،‭ ‬وتونس‭ ‬ليست‭ ‬الاستثناء‭ ‬بل‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تستقبل‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬تقريرا‭ ‬مفصلا‭ ‬عن‭ ‬الاوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بدول‭ ‬الاعضاء،‭ ‬وتدرس‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬ميزان‭ ‬المدفوعات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والمالية‭ ‬العمومية‭ ‬وسياساتها‭ ‬النقدية‭.‬
وأوضح‭ ‬سويلم‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الاسباب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬لجوء‭ ‬بلادنا‭ ‬الى‭ ‬خدمات‭ ‬الصندوق‭ ‬،‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬اصلاحات‭ ‬سياسية‭ ‬رائدة‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬،‭ ‬معتبرا‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬ظهور‭ ‬الازمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭.‬

مهمة‭ ‬صعبة‭ ‬للوفد‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬واشنطن

وابرز‭ ‬سويلم‭ ‬انه‭ ‬لو‭ ‬لا‭ ‬الاخطاء‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بالبلاد‭ ‬منذ‭ ‬2011،‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الاوضاع‭ ‬ستسوء‭ ‬ونلجأ‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭  ‬معتبرا‭ ‬ان‭ ‬البلاد‭ ‬تزخر‭ ‬بالكفاءات‭ ‬وليست‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬الى‭ ‬أي‭ ‬برامج‭ ‬اصلاحية‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬منتقدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬ما‭ ‬راج‭ ‬حول‭ ‬تقديم‭ ‬تونس‭ ‬لبرنامجها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للصندوق،‭ ‬والذي‭ ‬اعتبره‭ ‬سويلم‭ ‬مسيء‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية،‭ ‬حيث‭ ‬انها‭ ‬مطالبة‭ ‬بتقديم‭ ‬مجرد‭ ‬اقتراحات‭ ‬على‭ ‬الصندوق‭ ‬وان‭ ‬تكون‭ ‬حذرة‭ ‬في‭ ‬طرحها‭.‬

واستنكر‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للسياسة‭ ‬النقدية‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬،‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بالذهاب‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية،‭ ‬مؤكدا‭ ‬انه‭ ‬بإمكان‭ ‬تونس‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬البنوك‭ ‬الخارجية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مواردها‭ ‬من‭ ‬الاقتراض،‭ ‬كما‭ ‬استبعد‭ ‬سويلم‭ ‬ان‭ ‬ينجح‭ ‬الوفد‭ ‬التونسي‭ ‬الى‭ ‬مقر‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مهمته‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬موافقته،‭ ‬داعيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬الى‭ ‬عدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الصندوق‭ ‬وربط‭ ‬مصير‭ ‬انقاذ‭ ‬البلاد‭ ‬معه،‭ ‬فالحلول‭ ‬متوفرة‭ ‬وفرصة‭ ‬الانقاذ‭ ‬مازالت‭ ‬موجودة،‭ ‬وبإمكاننا‭ ‬الخروج‭ ‬الى‭ ‬الاسواق‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬ونتحمل‭ ‬الكلفة‭ ‬المشطة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انقاذ‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭.‬

بدوره‭ ‬أرجع‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬السابق‭ ‬حكيم‭ ‬حمودة‭ ‬لجوء‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬الى‭ ‬أزمة‭ ‬نمط‭ ‬الهيكلية‭ ‬او‭ ‬اخفاق‭ ‬برامج‭ ‬الاصلاح‭ ‬الهيكلية‭ ‬والتي‭ ‬تتعلق‭ ‬اساسا‭ ‬بالتشجيع‭ ‬على‭ ‬الصناعات‭ ‬الذكية‭ ‬وتغيير‭ ‬نمط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي،‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬أزمة‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬والتي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬،‭ ‬ادت‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬الى‭ ‬تسجل‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬بلغ‭ ‬1‭ ‬بالمائة‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬واختلال‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الدولة‭ ‬تمر‭ ‬بوضعية‭ ‬جد‭ ‬حرجة،‭ ‬ازدادت‭ ‬حدتها‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬وتسجيل‭ ‬اسوء‭ ‬انكماش‭ ‬اقتصادي‭ ‬تاريخي،‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬البلاد‭ ‬مثله‭ ‬وبلغ‭ ‬8‭.‬8‭ ‬بالمائة‭ ‬سلبي‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬2020‭.‬

موارد‭ ‬الاقتراض‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬والدولة‭ ‬شبه‭ ‬عاجزة

وانتقد‭ ‬بن‭ ‬حمودة‭ ‬الاصوات‭ ‬المستغربة‭ ‬للجوء‭ ‬تونس‭ ‬الى‭ ‬الصندوق‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬موضحا‭ ‬ان‭ ‬بلادنا‭ ‬هي‭ ‬عضو‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬الصندوق‭ ‬منذ‭ ‬1957‭ ‬وتمتعت‭ ‬بدعم‭ ‬تقني‭ ‬ومالي‭ ‬سابق،‭ ‬مبرزا‭ ‬انه‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬وافق‭ ‬الصندوق‭ ‬على‭ ‬مطلب‭ ‬تونس‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬الاموال‭ ‬المتحصل‭ ‬عليها‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬الازمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الاخيرة‭.‬
وشدد‭ ‬حكيم‭ ‬بن‭ ‬حمودة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬خاصة‭ ‬،وان‭ ‬البلاد‭ ‬تمر‭ ‬فعلا‭ ‬بمرحلة‭ ‬حرجة‭ ‬تستدعي‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬مالية‭ ‬تستجيب‭ ‬لمتطلبات‭ ‬المرحلة‭ ‬وانقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬،‭ ‬مجددا‭ ‬تأكيده‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬الاموال‭ ‬المسندة‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬ليست‭ ‬كافية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬للبلاد‭.‬

وفي‭ ‬كلمته،‭ ‬عدد‭ ‬الجامعي‭ ‬وأستاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬معز‭ ‬السوسي،‭ ‬أسباب‭ ‬لجوء‭ ‬تونس‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬معتبرا‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الاسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بنا‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬الخيار،‭ ‬تسجيل‭ ‬نسبة‭ ‬انكماش‭ ‬اقتصادي‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وتراجع‭ ‬الاستثمار‭ ‬ونسق‭ ‬الادخار،‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬تفاقم‭ ‬العجز‭ ‬العمومي‭ ‬الى‭-‬11‭.‬7‭ ‬بالمائة‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬،وارتفاع‭ ‬المديونية‭ ‬الى‭ ‬88٪‭ ‬مع‭ ‬موفى‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬،‭ ‬وتراجع‭ ‬الموارد‭ ‬الذاتية‭ ‬والجبائية‭ ‬للدولة‭.‬
وأوضح‭ ‬السوسي‭ ‬ان‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬نجحت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬تبقى‭ ‬غير‭ ‬كافية،‭ ‬مستغربا‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭ ‬،‭ ‬تواصل‭ ‬المشاحنات‭ ‬والتجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬دقيقة‭ ‬وحساسة‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬البلاد،‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬وبوادر‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬

وكشف‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬اليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬شبه‭ ‬عاجزة،‭ ‬ودفع‭ ‬هذ‭ ‬الامر‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬انقاذ‭ ‬أخيرة‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬معتبرا‭ ‬حصول‭ ‬بلادنا‭ ‬على‭ ‬تمويلات‭ ‬هو‭ ‬رهين‭ ‬ما‭ ‬ستقدمه‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬من‭ ‬اصلاحات‭ ‬يطلبها‭ ‬الصندوق‭.‬
وكشف‭ ‬معز‭ ‬السوسي‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬اليوم‭ ‬الى‭ ‬قروض‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬19.5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬نصفها‭ ‬قروض‭ ‬خارجية،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬الصندوق،‭ ‬فان‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬تجنب‭ ‬انهيار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬مستقبلا‭.‬

صعوبة‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬والحلول

وقدم‭ ‬السوسي‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التوصيات‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬الى‭ ‬اصلاحات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة،‭ ‬اهمها‭ ‬الإيقاف‭ ‬الفوري‭ ‬لكافة‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬مالي‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬العمومية‭ ‬وترحيلها‭ ‬،‭ ‬والتخفيض‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬المديرية‭ ‬الى‭ ‬حدود‭ ‬4‭ ‬٪‭ ‬ورفع‭ ‬جميع‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬القروض‭ ‬لدفع‭ ‬الاستثمار‭ ‬،‭ ‬وتوجيه‭ ‬الدعم‭ ‬الى‭ ‬مستحقيه‭ ‬،‭ ‬وتكليف‭ ‬لجان‭ ‬تدرس‭ ‬وضعية‭ ‬المنشآت‭ ‬العمومية‭ ‬وتحرير‭ ‬قيودها‭ ‬البيروقراطية‭ ‬مع‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬مجلس‭ ‬المؤسسة‭ ‬داخلها،‭ ‬وفك‭ ‬مشكل‭ ‬الديون‭ ‬المتراكمة،‭ ‬والشروع‭ ‬فورا‭ ‬في‭ ‬تأجيل‭ ‬خلاص‭ ‬القروض‭ ‬الثنائية‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬16‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الديون‭ ‬العمومية‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬لبلادنا‭ ‬قرابة‭ ‬2880‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬اصل‭ ‬11.5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لتوفيرهم،‭ ‬والتفاوض‭ ‬بخصوص‭ ‬تأجيل‭ ‬خلاص‭ ‬قروض‭ ‬متعددة‭ ‬الاطراف‭ ‬تمثل‭ ‬52٪‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬العمومية‭ ‬وتحويلهم‭ ‬الى‭ ‬مشاريع‭ ‬استثمارية،‭ ‬بما‭ ‬يتيح‭ ‬اعادة‭ ‬تشغيل‭ ‬حركة‭ ‬الانتاج‭ ‬والدفع‭ ‬بنسب‭ ‬النمو‭.‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬لمح‭ ‬الاستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬أيمن‭ ‬بوغانمي،‭ ‬الى‭ ‬صعوبة‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬والتي‭ ‬أجبرت‭ ‬بلادنا‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬خشية‭ ‬انهيار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وصعوبة‭ ‬القيام‭ ‬بإصلاحات‭ ‬داخلية‭ ‬،‭ ‬واستحالة‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قراءات‭ ‬تؤكد‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نوايا‭ ‬سياسية‭ ‬للقبول‭ ‬بإصلاحات‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬
واعتبر‭ ‬بوغانمي‭ ‬ان‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الازمة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬بلادنا‭ ‬اليوم‭ ‬ناجم‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬اصلاحات‭ ‬هيكلية‭ ‬ممنهجة،‭ ‬محملا‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬للانهيار‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬حذر‭ ‬البوغانمي‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬انفلات‭ ‬نفقات‭ ‬الدولة‭ ‬وتعطيل‭ ‬الاصلاحات‭ ‬الهيكلية،‭ ‬متهما‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منها‭.‬
واضاف‭ ‬ايمن‭ ‬بوغانمي،‭ ‬انه‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011،‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لم‭ ‬يتغير،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬فقد‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬كل‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬‮«‬عقلنة‮»‬‭ ‬النقاش،‭ ‬معتبرا‭ ‬اننا‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬نمض‭ ‬في‭ ‬الاصلاحات‭ ‬مبكرا‭ ‬،‭ ‬فأن‭ ‬مصيرنا‭ ‬هو‭ ‬الانهيار،‭ ‬داعيا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬الى‭ ‬ضرورة‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الليبرالية‭ ‬السياسية‭ ‬والليبرالية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمرور‭ ‬بسرعة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬كافة‭ ‬الاصلاحات‭ ‬المطلوبة‭.‬

◗‭  سفيان‭ ‬المهداوي

تونس وصندوق النقد الدولي: المرافقة المرة في الأزمنة الصعبة

كشف‭ ‬جامعيون‭ ‬ومسؤولون‭ ‬ووزراء‭ ‬سابقون‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬خلال‭ ‬ندوة‭ ‬نظمتها‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الصباح‮»‬‭ ‬،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬للأبحاث‭ ‬ودراسة‭ ‬السياسات‭ ‬،‭ ‬عن‭ ‬صعوبات‭ ‬تنتظر‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬مفاوضاتها‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬،‭ ‬مشددين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حصول‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬الصندوق‭ ‬تظل‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الازمة‭ ‬المالية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬الا‭ ‬انه‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الصعوبات‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬البدائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬لتونس‭ ‬استغلالها‭ ‬للخروج‭ ‬بأخف‭ ‬الاضرار‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬تستدعي‭ ‬أيضا‭ ‬اطلاق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬لتأجيل‭ ‬سداد‭ ‬الديون‭ ‬الثنائية‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية‭ ‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬وضع‭ ‬برنامج‭ ‬طارئ‭ ‬للمالية‭ ‬العمومية‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭.‬

وحذر‭ ‬المستشار‭ ‬والوزير‭ ‬السابق‭ ‬المكلف‭ ‬بالإصلاحات‭ ‬الكبرى‭ ‬توفيق‭ ‬الراجحي‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬للصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬دون‭ ‬الالتزام‭ ‬بالاصلاحات‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬دفعت‭ ‬بالصندوق‭ ‬الى‭ ‬تجميد‭ ‬المفاوضات‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مناسبتين‭ ‬الاولى‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬والثانية‭ ‬للقرض‭ ‬الثاني‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬2016،‭ ‬معتبرا‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الاخفاقات‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬كبرى‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬بعد‭ ‬الزيادات‭ ‬في‭ ‬الاجور‭ ‬الموقعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حكومة‭ ‬الحبيب‭ ‬الصيد‭ ‬والثانية‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬العوامل‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬تجميد‭ ‬القرض‭ ‬الثاني‭ ‬المتفق‭ ‬مع‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬وخاصة‭ ‬القسط‭ ‬الاخير‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬القرض‭.‬

وشدد‭ ‬الراجحي‭ ‬انه‭ ‬منذ‭ ‬اكتوبر‭ ‬وسبتمبر‭ ‬2019‭ ‬،‭ ‬توقفت‭ ‬المفاوضات‭ ‬الجدية‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وخيرت‭ ‬الحكومة‭ ‬انذاك‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬لمجابهة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬أبرز‭ ‬عامل‭ ‬ألحق‭ ‬أضرارا‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬منذ‭ ‬2016‭ ‬والى‭ ‬غاية‭ ‬اليوم‭ ‬،‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬العمليات‭ ‬الارهابية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬بلادنا‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬،والتي‭ ‬أثرت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬المانحة‭ ‬وخاصة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭.‬

اتفاقيتان‭ ‬وراء‭ ‬الازمة‭ ‬المالية

وبين‭ ‬الراجحي‭ ‬ان‭ ‬الاتفاقيتين‭ ‬الموقعتين‭ ‬في‭ ‬سنتي‭ ‬2015‭ ‬و2018‭ ‬،‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بالزيادات‭ ‬في‭ ‬الاجور‭ ‬،‭ ‬كانتا‭ ‬الضربة‭ ‬القاصمة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وأدت‭ ‬الى‭ ‬استنزاف‭ ‬موارد‭ ‬الدولة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬،‭ ‬مبرزا‭ ‬ان‭ ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬جيدا‭ ‬ما‭ ‬ستؤول‭ ‬اليه‭ ‬الاوضاع‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬والوصول‭ ‬بنا‭ ‬الى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الاصعدة‭ ‬،‭ ‬مبرزا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬ان‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬ينتظر‭ ‬منا‭ ‬اليوم‭ ‬استخلاص‭ ‬العبر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاخطاء‭ ‬والمضي‭ ‬نحو‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬نسق‭ ‬الاصلاحات‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الازمة‭.‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬أفاد‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للسياسة‭ ‬النقدية‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬محمد‭ ‬سويلم،‭ ‬ان‭ ‬علاقات‭ ‬تونس‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬كانت‭ ‬مناسبتية‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والى‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬،‭ ‬وأبرزها‭ ‬قرض‭ ‬سنة‭ ‬1986‭ ‬الذي‭ ‬تحصلت‭ ‬عليه‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬بعثها‭ ‬سنة‭ ‬1944،‭ ‬كانت‭ ‬لإصلاح‭ ‬عديد‭ ‬الاختلالات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬المدفوعات‭ ‬واستقرار‭ ‬أسعار‭ ‬صرف‭ ‬العملات‭.‬

واضاف‭ ‬سويلم‭ ‬بالقول‭ ‬انه‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬أصبح‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬احد‭ ‬أهم‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬وبإمكانه‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬تعديل‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬للدول‭ ‬وتوجيهها‭ ‬نحو‭ ‬اتخاذ‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الاصلاحات‭ ‬الضرورية‭ ‬،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬تقوم‭ ‬لجنة‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬بزيارة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬واجراء‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬ممثليها‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬اللجان‭ ‬تزور‭ ‬تونس‭ ‬سنويا‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬مرتين‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬الاصلاحات‭ ‬المطلوبة‭ ‬منا،‭ ‬وتونس‭ ‬ليست‭ ‬الاستثناء‭ ‬بل‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تستقبل‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬تقريرا‭ ‬مفصلا‭ ‬عن‭ ‬الاوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بدول‭ ‬الاعضاء،‭ ‬وتدرس‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬ميزان‭ ‬المدفوعات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والمالية‭ ‬العمومية‭ ‬وسياساتها‭ ‬النقدية‭.‬
وأوضح‭ ‬سويلم‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الاسباب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬لجوء‭ ‬بلادنا‭ ‬الى‭ ‬خدمات‭ ‬الصندوق‭ ‬،‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬اصلاحات‭ ‬سياسية‭ ‬رائدة‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬،‭ ‬معتبرا‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬ظهور‭ ‬الازمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭.‬

مهمة‭ ‬صعبة‭ ‬للوفد‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬واشنطن

وابرز‭ ‬سويلم‭ ‬انه‭ ‬لو‭ ‬لا‭ ‬الاخطاء‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بالبلاد‭ ‬منذ‭ ‬2011،‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الاوضاع‭ ‬ستسوء‭ ‬ونلجأ‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭  ‬معتبرا‭ ‬ان‭ ‬البلاد‭ ‬تزخر‭ ‬بالكفاءات‭ ‬وليست‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬الى‭ ‬أي‭ ‬برامج‭ ‬اصلاحية‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬منتقدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬ما‭ ‬راج‭ ‬حول‭ ‬تقديم‭ ‬تونس‭ ‬لبرنامجها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للصندوق،‭ ‬والذي‭ ‬اعتبره‭ ‬سويلم‭ ‬مسيء‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية،‭ ‬حيث‭ ‬انها‭ ‬مطالبة‭ ‬بتقديم‭ ‬مجرد‭ ‬اقتراحات‭ ‬على‭ ‬الصندوق‭ ‬وان‭ ‬تكون‭ ‬حذرة‭ ‬في‭ ‬طرحها‭.‬

واستنكر‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للسياسة‭ ‬النقدية‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬،‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بالذهاب‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية،‭ ‬مؤكدا‭ ‬انه‭ ‬بإمكان‭ ‬تونس‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬البنوك‭ ‬الخارجية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مواردها‭ ‬من‭ ‬الاقتراض،‭ ‬كما‭ ‬استبعد‭ ‬سويلم‭ ‬ان‭ ‬ينجح‭ ‬الوفد‭ ‬التونسي‭ ‬الى‭ ‬مقر‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مهمته‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬موافقته،‭ ‬داعيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬الى‭ ‬عدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الصندوق‭ ‬وربط‭ ‬مصير‭ ‬انقاذ‭ ‬البلاد‭ ‬معه،‭ ‬فالحلول‭ ‬متوفرة‭ ‬وفرصة‭ ‬الانقاذ‭ ‬مازالت‭ ‬موجودة،‭ ‬وبإمكاننا‭ ‬الخروج‭ ‬الى‭ ‬الاسواق‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬ونتحمل‭ ‬الكلفة‭ ‬المشطة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انقاذ‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭.‬

بدوره‭ ‬أرجع‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬السابق‭ ‬حكيم‭ ‬حمودة‭ ‬لجوء‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬الى‭ ‬أزمة‭ ‬نمط‭ ‬الهيكلية‭ ‬او‭ ‬اخفاق‭ ‬برامج‭ ‬الاصلاح‭ ‬الهيكلية‭ ‬والتي‭ ‬تتعلق‭ ‬اساسا‭ ‬بالتشجيع‭ ‬على‭ ‬الصناعات‭ ‬الذكية‭ ‬وتغيير‭ ‬نمط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي،‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬أزمة‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬والتي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬،‭ ‬ادت‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬الى‭ ‬تسجل‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬بلغ‭ ‬1‭ ‬بالمائة‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬واختلال‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الدولة‭ ‬تمر‭ ‬بوضعية‭ ‬جد‭ ‬حرجة،‭ ‬ازدادت‭ ‬حدتها‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬وتسجيل‭ ‬اسوء‭ ‬انكماش‭ ‬اقتصادي‭ ‬تاريخي،‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬البلاد‭ ‬مثله‭ ‬وبلغ‭ ‬8‭.‬8‭ ‬بالمائة‭ ‬سلبي‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬2020‭.‬

موارد‭ ‬الاقتراض‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬والدولة‭ ‬شبه‭ ‬عاجزة

وانتقد‭ ‬بن‭ ‬حمودة‭ ‬الاصوات‭ ‬المستغربة‭ ‬للجوء‭ ‬تونس‭ ‬الى‭ ‬الصندوق‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬موضحا‭ ‬ان‭ ‬بلادنا‭ ‬هي‭ ‬عضو‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬الصندوق‭ ‬منذ‭ ‬1957‭ ‬وتمتعت‭ ‬بدعم‭ ‬تقني‭ ‬ومالي‭ ‬سابق،‭ ‬مبرزا‭ ‬انه‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬وافق‭ ‬الصندوق‭ ‬على‭ ‬مطلب‭ ‬تونس‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬الاموال‭ ‬المتحصل‭ ‬عليها‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬الازمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الاخيرة‭.‬
وشدد‭ ‬حكيم‭ ‬بن‭ ‬حمودة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬خاصة‭ ‬،وان‭ ‬البلاد‭ ‬تمر‭ ‬فعلا‭ ‬بمرحلة‭ ‬حرجة‭ ‬تستدعي‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬مالية‭ ‬تستجيب‭ ‬لمتطلبات‭ ‬المرحلة‭ ‬وانقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬،‭ ‬مجددا‭ ‬تأكيده‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬الاموال‭ ‬المسندة‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬ليست‭ ‬كافية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬للبلاد‭.‬

وفي‭ ‬كلمته،‭ ‬عدد‭ ‬الجامعي‭ ‬وأستاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬معز‭ ‬السوسي،‭ ‬أسباب‭ ‬لجوء‭ ‬تونس‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬معتبرا‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الاسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بنا‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬الخيار،‭ ‬تسجيل‭ ‬نسبة‭ ‬انكماش‭ ‬اقتصادي‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وتراجع‭ ‬الاستثمار‭ ‬ونسق‭ ‬الادخار،‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬تفاقم‭ ‬العجز‭ ‬العمومي‭ ‬الى‭-‬11‭.‬7‭ ‬بالمائة‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬،وارتفاع‭ ‬المديونية‭ ‬الى‭ ‬88٪‭ ‬مع‭ ‬موفى‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬،‭ ‬وتراجع‭ ‬الموارد‭ ‬الذاتية‭ ‬والجبائية‭ ‬للدولة‭.‬
وأوضح‭ ‬السوسي‭ ‬ان‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬نجحت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬تبقى‭ ‬غير‭ ‬كافية،‭ ‬مستغربا‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭ ‬،‭ ‬تواصل‭ ‬المشاحنات‭ ‬والتجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬دقيقة‭ ‬وحساسة‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬البلاد،‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬وبوادر‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬

وكشف‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬اليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬شبه‭ ‬عاجزة،‭ ‬ودفع‭ ‬هذ‭ ‬الامر‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬انقاذ‭ ‬أخيرة‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬معتبرا‭ ‬حصول‭ ‬بلادنا‭ ‬على‭ ‬تمويلات‭ ‬هو‭ ‬رهين‭ ‬ما‭ ‬ستقدمه‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬من‭ ‬اصلاحات‭ ‬يطلبها‭ ‬الصندوق‭.‬
وكشف‭ ‬معز‭ ‬السوسي‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬اليوم‭ ‬الى‭ ‬قروض‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬19.5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬نصفها‭ ‬قروض‭ ‬خارجية،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬الصندوق،‭ ‬فان‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬تجنب‭ ‬انهيار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬مستقبلا‭.‬

صعوبة‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬والحلول

وقدم‭ ‬السوسي‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التوصيات‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬الى‭ ‬اصلاحات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة،‭ ‬اهمها‭ ‬الإيقاف‭ ‬الفوري‭ ‬لكافة‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬مالي‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬العمومية‭ ‬وترحيلها‭ ‬،‭ ‬والتخفيض‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬المديرية‭ ‬الى‭ ‬حدود‭ ‬4‭ ‬٪‭ ‬ورفع‭ ‬جميع‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬القروض‭ ‬لدفع‭ ‬الاستثمار‭ ‬،‭ ‬وتوجيه‭ ‬الدعم‭ ‬الى‭ ‬مستحقيه‭ ‬،‭ ‬وتكليف‭ ‬لجان‭ ‬تدرس‭ ‬وضعية‭ ‬المنشآت‭ ‬العمومية‭ ‬وتحرير‭ ‬قيودها‭ ‬البيروقراطية‭ ‬مع‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬مجلس‭ ‬المؤسسة‭ ‬داخلها،‭ ‬وفك‭ ‬مشكل‭ ‬الديون‭ ‬المتراكمة،‭ ‬والشروع‭ ‬فورا‭ ‬في‭ ‬تأجيل‭ ‬خلاص‭ ‬القروض‭ ‬الثنائية‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬16‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الديون‭ ‬العمومية‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬لبلادنا‭ ‬قرابة‭ ‬2880‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬اصل‭ ‬11.5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لتوفيرهم،‭ ‬والتفاوض‭ ‬بخصوص‭ ‬تأجيل‭ ‬خلاص‭ ‬قروض‭ ‬متعددة‭ ‬الاطراف‭ ‬تمثل‭ ‬52٪‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬العمومية‭ ‬وتحويلهم‭ ‬الى‭ ‬مشاريع‭ ‬استثمارية،‭ ‬بما‭ ‬يتيح‭ ‬اعادة‭ ‬تشغيل‭ ‬حركة‭ ‬الانتاج‭ ‬والدفع‭ ‬بنسب‭ ‬النمو‭.‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬لمح‭ ‬الاستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬أيمن‭ ‬بوغانمي،‭ ‬الى‭ ‬صعوبة‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬والتي‭ ‬أجبرت‭ ‬بلادنا‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬خشية‭ ‬انهيار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وصعوبة‭ ‬القيام‭ ‬بإصلاحات‭ ‬داخلية‭ ‬،‭ ‬واستحالة‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قراءات‭ ‬تؤكد‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نوايا‭ ‬سياسية‭ ‬للقبول‭ ‬بإصلاحات‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬
واعتبر‭ ‬بوغانمي‭ ‬ان‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الازمة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬بلادنا‭ ‬اليوم‭ ‬ناجم‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬اصلاحات‭ ‬هيكلية‭ ‬ممنهجة،‭ ‬محملا‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬للانهيار‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬حذر‭ ‬البوغانمي‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬انفلات‭ ‬نفقات‭ ‬الدولة‭ ‬وتعطيل‭ ‬الاصلاحات‭ ‬الهيكلية،‭ ‬متهما‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منها‭.‬
واضاف‭ ‬ايمن‭ ‬بوغانمي،‭ ‬انه‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011،‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لم‭ ‬يتغير،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬فقد‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬كل‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬‮«‬عقلنة‮»‬‭ ‬النقاش،‭ ‬معتبرا‭ ‬اننا‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬نمض‭ ‬في‭ ‬الاصلاحات‭ ‬مبكرا‭ ‬،‭ ‬فأن‭ ‬مصيرنا‭ ‬هو‭ ‬الانهيار،‭ ‬داعيا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬الى‭ ‬ضرورة‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الليبرالية‭ ‬السياسية‭ ‬والليبرالية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمرور‭ ‬بسرعة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬كافة‭ ‬الاصلاحات‭ ‬المطلوبة‭.‬

◗‭  سفيان‭ ‬المهداوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews