إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المختص في الفلسفة السياسية علي المقيرحي لـ"الصباح": المتباكون على الديمقراطية لم يفهموا أو يعوا أن الزمن السياسي لم يعد زمانهم

- المشهد السياسي الراهن وما سيؤول إليه مرتبط أشد الارتباط بواقع الانتلجنسيا التونسية

- الإسلام السياسي انتهى إلى غير رجعة.. لكن

- متألم من الواقع "القبيح" الذي وصلت إليه تونس

- اتحاد الشغل الأعرف بالإفلاس السياسي لكل الأحزاب

- منع تكوين أحزاب إسلامية زمن بورقيبة وبن علي هو منع سياسي لا دستوري

تونس –الصباح:

قال المختص في الفلسفة السياسية علي المقيرحي في حوار لـ"الصباح" ان المشهد السياسي الراهن وما سيؤول إليه مرتبط أشد الارتباط بواقع الانتلجنسيا التونسية، التي تجمعها مسألة اساسية تتمثل لا فقط في غياب العقل عندها بل عملها المتواصل في قتل إرهاصاته الابتدائية، على حد تعبيره.

وفي سياق متصل اعتبر علي المقيرحي أن المتباكين على الديمقراطية لم يفهموا أو يعوا أن الزمن السياسي لم يعد زمانهم لعديد الاعتبارات، مشيرا إلى أن الإسلام السياسي انتهى إلى غير رجعة ونهايته هذه المرة ستكون نهاية دستورية، وفق قوله.

المقيرحي الذي اعتبر أن الأزمات منها المعقول منطقيا ومنها المفتعل لغايات التشويش على المسار الجديد، تحدث كذلك عن مسار 25 جويلية، اتحاد الشغل، القضاة ، الاستفتاء، اردوغان، وغيرها من المسائل الشائكة من خلال الحوار التالي:

حاوره: محمد الصالح الربعاوي

• باعتبارك مختص في الفلسفة السياسية والدراسات الاجتماعية،بأي عين تنظر إلى التطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة على مدار الساعة؟

-أولا اسمح لي بأن اعلق على ما جاء في سؤالك من إشارة جزئية إني "مختص"، صراحة وأن كنت قد قضيت اغلب فترات عمري متجولا بين كتب وابداعات المفكرين شرقا وغربا إلى أن تركز اهتمامي على هذا الذي تسميه "اختصاصا" وذلك لكثرة المختصين في المجال السياسي والاعلامي في زمن كذبة ثورة ووهم الربيع، وبالتالي إن المشهد السياسي الراهن وما سيؤول إليه مرتبط أشد الارتباط بواقع الانتلجنسيا التونسية، إسلاميون، علمانيون، يساريون، ليبراليون، قوميون، إلى غير ذلك. ولما كان أي توجه سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي لأي دولة منذ أثينا هو نتيجة لفعل انتلجنسيتها، ولما كانت هذه الانتلجنسيا تجمعها مسألة أساسية تتمثل لا فقط في غياب العقل عندها بل عملها المتواصل في قتل إرهاصاته الابتدائية، بمعنى اعتمادها على المفهوم الاسطوري والسحري والديني لمعنى الدولة وإدارتها. أعطيك مثالا لما استقبل راشد الغنوشي بالمطار رفعت في وجهه واحتفاء به "اقبل البدر علينا"، وقد بينت الأحداث اللاحقة أنه لم يكن بدرا لحزب الإخوان المسلمين النهضة بل لكل الانتلجنسيا دون استثناء، وليس أدل على ذلك أن حركة النهضة في كل الانتخابات لم تتجاوز 80 مقعدا من 217 مقعدا ومع ذلك تحظى بالأغلبية النسبية أو الأغلبية المطلقة في كل ما شرعته طيلة فترة حكمها الذي انتهى بالبلاد إلى ما نحن عليه اليوم.

• في ظل هذا الواقع المتأزم والمأزوم، كيف تتابع المشهد السياسي اليوم بتقلباته وتغيراته و"رماله المتحركة"؟

-متابعتي للمشهد السياسي تقوم على رؤيتين، الأولى ذاتية بصفتي مواطن بسيط متألم من الواقع القبيح الذي وصلت إليه تونس الى درجة أمسيت خائفا لا على نفسي بل على أبنائي الا يكون لهم وطن في المستقبل، أما على المستوى الموضوعي وبما اكتسبته من آليات تحليل للواقع السياسي والاجتماعي فإني أراه قد وصل إلى طريق مسدود، وهذا بشهادة من أوصل البلاد إلى حالاتها هذه، باعتبار أن حكام الفترة المرتدة من 2011 إلى ما قبل 25 جويلية الماضي هم أنفسهم مقرون بافتقادهم المطلق إلى أي حل ان على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي في جميع اتجاهاتهم، وهذا ما دفع إلى حدث 25 جويلية الذي سبق وأن تمنيته أن يحدث منذ أيام الباجي قائد السبسي الذي أرسلت له رسالة مفتوحة عبر جريدة "الصباح"، طالبا فيها حل كل المؤسسات والاحزاب والجمعيات لما أصبح يتهدد الوطن من خطر داهم لا يتمثل فقط في ما أشرنا إليه أعلاه، بل أن الوطن أمست أجزاء ترابية منه "محتلة" جبال الشعانبي والقصرين، واعتمدت آنذاك بأن الرئيس المنتخب مدنيا هو القائد الأعلى للقوات المسلحة المؤتمنة على سلامة الوطن. ولا اعتقد أن هناك من التونسيين من يمكنه الشك في نزاهة وصدقية جيشنا الوطني، إذ بعد أن لحق الخراب بالمؤسسة القضائية لم يبق لنا غير هؤلاء من الجنود والضباط أن يتحملوا مسؤولياتهم وهم بها جديرون. وهذا الوضع الخطير هو ما مثل حقيقة وعي قيس سعيد بوجوب إيقاف النزيف وإنقاذ تونس، المتمثل أساسا في إبعاد كل من شارك في الوضع المتردي، وأخص بالذكر الأحزاب والجمعيات ومختلف الشخصيات التي تورطت في إيصالنا إلى هذا المستنقع العفن، ولا أعتقد أن المتباكين على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات سوف يعودون للمشهد السياسي، فبقدر ما يعلون أصواتهم عداء لمسار 25 جويلية يزيدون تأكيدا لتورطهم في ما آلت إليه البلاد، والغريب أن هؤلاء لم يفهموا أو يعوا أن الزمن السياسي لم يعد زمانهم .

• في ثنايا الصراعات والتجاذبات ومعارك كسر العظم، أي مستقبل للإسلام السياسي لاسيما بعد هذه الهزات والتحولات؟

-الإسلام السياسي باعتقادي أنه انتهى إلى غير رجعة ونهايته هذه المرة نهاية دستورية إن صدقت توقعاتنا في جعل الدولة لا دين لها، باعتبار أن الدولة المسلمة كما هو منصوص عليه في دستور 1956 و2014 هو البوابة التي دخل منها الإسلام السياسي لإدارة الدولة، وهم بذلك لم يكونوا خارج الدستور طالما أن تونس دينها الإسلام، وسبق أن قلت في احد مقالاتي أن منعهم من تكوين أحزاب إسلامية في زمن بورقيبة وبن علي هو منع سياسي لا دستوري، وهنا أريد أن أشير إلى مقولة الدولة لا دين لها ليست دعوة للتونسيين بأن يصبحوا ملاحدة أو كفار، فالدين للأفراد وهم أحرار فيما يقومون به من طقوس وعبادات أما الدولة كمفهوم وصل إليه الفكر السياسي بعد نضالات مفكري وفلاسفة النهضة والأنوار، وأعطيك مثالا أن الرئيس التركي أردوغان الإسلامي التوجه والاعتقاد لما قسم اليمين الدستوري في صعوده للرئاسة الأخيرة، قال حرفيا واضعا يده على دستور اتاتورك "اقسم بأن احافظ على تركيا دولة علمانية"، وصورة الأب الروحي لتركيا العلمانية أتاتورك خلفه مباشرة، لذلك أقول لمن ينظرون بالخطأ أن حذف إسلامية الدولة من الفصل الأول من الدستور هو كفر والحاد، ثم ألا يعرف إخواننا المسلمون وتوابعهم أن البند الأول في الدستور التركي دولة علمانية لا دين لها، وسوف يكون لهذا الأمر نتائج تربوية ومعرفية عظيمة جدا تعود بالفائدة على تلامذتنا وطلبتها في اعلاء قيمة العقل وخصوصا العقل العلمي.

• الأزمات التي تواجهها البلاد وتعقدت أكثر بعد الصدام بين الحكومة والاتحاد وأزمة القضاة، كيف تبدو لك تداعياتها، وما هي مخارجها الممكنة من وجهة نظرك؟

-صحيح أن السلطة القائمة اليوم ومنذ 25 جويلية فتحت عليها جبهات عدة بافتعال الأزمات هنا وهناك، وقد يكون منها المعقول منطقيا ومنها المفتعل لغايات التشويش على المسار الجديد، فالاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة العتيدة والتي يعود تجذرها في المجتمع التونسي بكل شرائحه عمالا بالساعد والفكر إلى فرحات حشاد الذي لا يجب؟؟ اسمه ونضاله لتمرير بعض الانزلاقات التي قد ترتكبها بعض قياداته فلو عدنا إلى آخر خطاب للأمين العام للاتحاد الطبوبي يوم الإضراب العام، فبكل بساطة لم يكن خطابا نقابيا بل كان خطابا سياسيا بامتياز، كان من المفروض عدم استعمال العديد من المفردات التي لا تليق بمقام قائلها مثل "هرسلة الاتحاد من قبل الصبايحية والميليشيات والقوادة".

وأعتقد أن الاتحاد ومنذ أن كان عضوا اساسيا في الحوار الوطني سنة 2013 الذي انتهى إلى شهادة دولية بأن المشهد السياسي في تونس لا وجود له وما جائزة نوبل التي تحصل عليها الرباعي بقيادة الاتحاد الا فضيحة كبرى لكل السياسيين الذين تركوا أمرهم لأربع منظمات أن تتدبر أمور السياسة بتعيين الحكومة، وبالتالي فإن الاتحاد بقياداته هي الأعرف بالإفلاس السياسي لكل الأحزاب، أما في خصوص القضاء وما يدور بينه وبين رئيس الجمهورية من سجال اقول فيها التالي، في الحرب العالمية الثانية انهار المجتمع البريطاني وكثرت فيه كل أشكال الفساد الأمر الذي أعلمت به المخابرات البريطانية رئيس الوزراء تشرشل الذي طلب من المخابرات أن تدقق في مسألة السلطة القضائية هل مُسّت بالفساد أم لا، وبعد فترة وجيزة جاء الجواب بأن القضاء سليم ولم يمس باي شكل من أشكال الفساد عندها نهض تشرشل من كرسيه، وقال "سوف تنهض بريطانيا من جديد"، أما عندنا حين يكون مسلك العدالة قد تورط البعض منه في الفساد الموزع أحيانا فلمن سنلجأ؟، اعتقد أن ما قام به قيس سعيد بصفته قائدا عاما للقوات الحاملة للسلاح هو الحل ولا بديل عنه مطلقا، أما الغريب في الأمر أن تعتبر الجمعية والنقابة التابعتان للقضاء ما قام به الرئيس اعتداء على القضاء الذي يريدونه مستقلا استقلالا كاملا والحال أن مؤسس فكرة فصل السلطات مونتسكيو في كتابه "روح القوانين" لم يكن يعني ولم يكتب هذه العبارة "استقلال القضاء" indépendance بل التفرقة بين السلط. وفي سياق كتابتي محور خاص بأحد كتبي متعلق بالمسالة القضائية منذ سنوات قليلة، إذ ذكّرت السادة القضاة بانهم "موظفون" لدى السلطة التنفيذية يطبقون ما يأتيه من قوانين وفصول من السلطة التشريعية المنطقة عنها الحكومة أي السلطة التنفيذية، وعليه فإنهم مسؤولون أمام سلطة الدولة لا أن يكونوا دولة داخل الدولة كما يريدون، وهنا لا ضرر بأن اذكر بأن القانون الروماني كان يسمح للسلطة التنفيذية بأن تتجاوز مؤقتا السلطة القضائية وذلك بإرغام القضاة بأن لا يُمسوا من مصلحة الشعب والأمة لان روح القوانين هي مصلحة الشعب والأمة، وقد ورد هذا الكلام في احد مؤلفات المفكر الروماني شيشورون المتوفى 46 قبل الميلاد.

• في ظل التباينات والسجالات والمواقف المتناقضة، هل أنت مع أم ضد الاستفتاء؟

-أجيبك بكل صراحة أنا لا استطيع أن أعبر بوضوح إلا عما اعرفه بوضوح وعليه لا استطيع ان أخوض في هكذا تفاصيل مثل نجاح الاستفتاء من عدمه أو هذا التمشي التقني أو ذاك فلأترك الأمور لمن يفقهها .

انا ما يهمني أن ينجح المسار الذي بدأ من 25 جويلية وبكل الطرق التي لا تعيده إلى مهزلة العشر سنوات المنقضية، ولكن معك ميكيافيليا الغاية تبرر الوسيلة ولا للعودة إلى ما قبل 25 جويلية تحت أي يافطة لأني أرى في المشروع المعلن منذ 25 جويلية ما يمكن أن اسميه نبلا سياسيا وتضحية من أجل الوطن.

 

 

 

 

 

 

المختص في الفلسفة السياسية علي المقيرحي لـ"الصباح": المتباكون على الديمقراطية لم يفهموا أو يعوا أن الزمن السياسي لم يعد زمانهم

- المشهد السياسي الراهن وما سيؤول إليه مرتبط أشد الارتباط بواقع الانتلجنسيا التونسية

- الإسلام السياسي انتهى إلى غير رجعة.. لكن

- متألم من الواقع "القبيح" الذي وصلت إليه تونس

- اتحاد الشغل الأعرف بالإفلاس السياسي لكل الأحزاب

- منع تكوين أحزاب إسلامية زمن بورقيبة وبن علي هو منع سياسي لا دستوري

تونس –الصباح:

قال المختص في الفلسفة السياسية علي المقيرحي في حوار لـ"الصباح" ان المشهد السياسي الراهن وما سيؤول إليه مرتبط أشد الارتباط بواقع الانتلجنسيا التونسية، التي تجمعها مسألة اساسية تتمثل لا فقط في غياب العقل عندها بل عملها المتواصل في قتل إرهاصاته الابتدائية، على حد تعبيره.

وفي سياق متصل اعتبر علي المقيرحي أن المتباكين على الديمقراطية لم يفهموا أو يعوا أن الزمن السياسي لم يعد زمانهم لعديد الاعتبارات، مشيرا إلى أن الإسلام السياسي انتهى إلى غير رجعة ونهايته هذه المرة ستكون نهاية دستورية، وفق قوله.

المقيرحي الذي اعتبر أن الأزمات منها المعقول منطقيا ومنها المفتعل لغايات التشويش على المسار الجديد، تحدث كذلك عن مسار 25 جويلية، اتحاد الشغل، القضاة ، الاستفتاء، اردوغان، وغيرها من المسائل الشائكة من خلال الحوار التالي:

حاوره: محمد الصالح الربعاوي

• باعتبارك مختص في الفلسفة السياسية والدراسات الاجتماعية،بأي عين تنظر إلى التطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة على مدار الساعة؟

-أولا اسمح لي بأن اعلق على ما جاء في سؤالك من إشارة جزئية إني "مختص"، صراحة وأن كنت قد قضيت اغلب فترات عمري متجولا بين كتب وابداعات المفكرين شرقا وغربا إلى أن تركز اهتمامي على هذا الذي تسميه "اختصاصا" وذلك لكثرة المختصين في المجال السياسي والاعلامي في زمن كذبة ثورة ووهم الربيع، وبالتالي إن المشهد السياسي الراهن وما سيؤول إليه مرتبط أشد الارتباط بواقع الانتلجنسيا التونسية، إسلاميون، علمانيون، يساريون، ليبراليون، قوميون، إلى غير ذلك. ولما كان أي توجه سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي لأي دولة منذ أثينا هو نتيجة لفعل انتلجنسيتها، ولما كانت هذه الانتلجنسيا تجمعها مسألة أساسية تتمثل لا فقط في غياب العقل عندها بل عملها المتواصل في قتل إرهاصاته الابتدائية، بمعنى اعتمادها على المفهوم الاسطوري والسحري والديني لمعنى الدولة وإدارتها. أعطيك مثالا لما استقبل راشد الغنوشي بالمطار رفعت في وجهه واحتفاء به "اقبل البدر علينا"، وقد بينت الأحداث اللاحقة أنه لم يكن بدرا لحزب الإخوان المسلمين النهضة بل لكل الانتلجنسيا دون استثناء، وليس أدل على ذلك أن حركة النهضة في كل الانتخابات لم تتجاوز 80 مقعدا من 217 مقعدا ومع ذلك تحظى بالأغلبية النسبية أو الأغلبية المطلقة في كل ما شرعته طيلة فترة حكمها الذي انتهى بالبلاد إلى ما نحن عليه اليوم.

• في ظل هذا الواقع المتأزم والمأزوم، كيف تتابع المشهد السياسي اليوم بتقلباته وتغيراته و"رماله المتحركة"؟

-متابعتي للمشهد السياسي تقوم على رؤيتين، الأولى ذاتية بصفتي مواطن بسيط متألم من الواقع القبيح الذي وصلت إليه تونس الى درجة أمسيت خائفا لا على نفسي بل على أبنائي الا يكون لهم وطن في المستقبل، أما على المستوى الموضوعي وبما اكتسبته من آليات تحليل للواقع السياسي والاجتماعي فإني أراه قد وصل إلى طريق مسدود، وهذا بشهادة من أوصل البلاد إلى حالاتها هذه، باعتبار أن حكام الفترة المرتدة من 2011 إلى ما قبل 25 جويلية الماضي هم أنفسهم مقرون بافتقادهم المطلق إلى أي حل ان على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي في جميع اتجاهاتهم، وهذا ما دفع إلى حدث 25 جويلية الذي سبق وأن تمنيته أن يحدث منذ أيام الباجي قائد السبسي الذي أرسلت له رسالة مفتوحة عبر جريدة "الصباح"، طالبا فيها حل كل المؤسسات والاحزاب والجمعيات لما أصبح يتهدد الوطن من خطر داهم لا يتمثل فقط في ما أشرنا إليه أعلاه، بل أن الوطن أمست أجزاء ترابية منه "محتلة" جبال الشعانبي والقصرين، واعتمدت آنذاك بأن الرئيس المنتخب مدنيا هو القائد الأعلى للقوات المسلحة المؤتمنة على سلامة الوطن. ولا اعتقد أن هناك من التونسيين من يمكنه الشك في نزاهة وصدقية جيشنا الوطني، إذ بعد أن لحق الخراب بالمؤسسة القضائية لم يبق لنا غير هؤلاء من الجنود والضباط أن يتحملوا مسؤولياتهم وهم بها جديرون. وهذا الوضع الخطير هو ما مثل حقيقة وعي قيس سعيد بوجوب إيقاف النزيف وإنقاذ تونس، المتمثل أساسا في إبعاد كل من شارك في الوضع المتردي، وأخص بالذكر الأحزاب والجمعيات ومختلف الشخصيات التي تورطت في إيصالنا إلى هذا المستنقع العفن، ولا أعتقد أن المتباكين على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات سوف يعودون للمشهد السياسي، فبقدر ما يعلون أصواتهم عداء لمسار 25 جويلية يزيدون تأكيدا لتورطهم في ما آلت إليه البلاد، والغريب أن هؤلاء لم يفهموا أو يعوا أن الزمن السياسي لم يعد زمانهم .

• في ثنايا الصراعات والتجاذبات ومعارك كسر العظم، أي مستقبل للإسلام السياسي لاسيما بعد هذه الهزات والتحولات؟

-الإسلام السياسي باعتقادي أنه انتهى إلى غير رجعة ونهايته هذه المرة نهاية دستورية إن صدقت توقعاتنا في جعل الدولة لا دين لها، باعتبار أن الدولة المسلمة كما هو منصوص عليه في دستور 1956 و2014 هو البوابة التي دخل منها الإسلام السياسي لإدارة الدولة، وهم بذلك لم يكونوا خارج الدستور طالما أن تونس دينها الإسلام، وسبق أن قلت في احد مقالاتي أن منعهم من تكوين أحزاب إسلامية في زمن بورقيبة وبن علي هو منع سياسي لا دستوري، وهنا أريد أن أشير إلى مقولة الدولة لا دين لها ليست دعوة للتونسيين بأن يصبحوا ملاحدة أو كفار، فالدين للأفراد وهم أحرار فيما يقومون به من طقوس وعبادات أما الدولة كمفهوم وصل إليه الفكر السياسي بعد نضالات مفكري وفلاسفة النهضة والأنوار، وأعطيك مثالا أن الرئيس التركي أردوغان الإسلامي التوجه والاعتقاد لما قسم اليمين الدستوري في صعوده للرئاسة الأخيرة، قال حرفيا واضعا يده على دستور اتاتورك "اقسم بأن احافظ على تركيا دولة علمانية"، وصورة الأب الروحي لتركيا العلمانية أتاتورك خلفه مباشرة، لذلك أقول لمن ينظرون بالخطأ أن حذف إسلامية الدولة من الفصل الأول من الدستور هو كفر والحاد، ثم ألا يعرف إخواننا المسلمون وتوابعهم أن البند الأول في الدستور التركي دولة علمانية لا دين لها، وسوف يكون لهذا الأمر نتائج تربوية ومعرفية عظيمة جدا تعود بالفائدة على تلامذتنا وطلبتها في اعلاء قيمة العقل وخصوصا العقل العلمي.

• الأزمات التي تواجهها البلاد وتعقدت أكثر بعد الصدام بين الحكومة والاتحاد وأزمة القضاة، كيف تبدو لك تداعياتها، وما هي مخارجها الممكنة من وجهة نظرك؟

-صحيح أن السلطة القائمة اليوم ومنذ 25 جويلية فتحت عليها جبهات عدة بافتعال الأزمات هنا وهناك، وقد يكون منها المعقول منطقيا ومنها المفتعل لغايات التشويش على المسار الجديد، فالاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة العتيدة والتي يعود تجذرها في المجتمع التونسي بكل شرائحه عمالا بالساعد والفكر إلى فرحات حشاد الذي لا يجب؟؟ اسمه ونضاله لتمرير بعض الانزلاقات التي قد ترتكبها بعض قياداته فلو عدنا إلى آخر خطاب للأمين العام للاتحاد الطبوبي يوم الإضراب العام، فبكل بساطة لم يكن خطابا نقابيا بل كان خطابا سياسيا بامتياز، كان من المفروض عدم استعمال العديد من المفردات التي لا تليق بمقام قائلها مثل "هرسلة الاتحاد من قبل الصبايحية والميليشيات والقوادة".

وأعتقد أن الاتحاد ومنذ أن كان عضوا اساسيا في الحوار الوطني سنة 2013 الذي انتهى إلى شهادة دولية بأن المشهد السياسي في تونس لا وجود له وما جائزة نوبل التي تحصل عليها الرباعي بقيادة الاتحاد الا فضيحة كبرى لكل السياسيين الذين تركوا أمرهم لأربع منظمات أن تتدبر أمور السياسة بتعيين الحكومة، وبالتالي فإن الاتحاد بقياداته هي الأعرف بالإفلاس السياسي لكل الأحزاب، أما في خصوص القضاء وما يدور بينه وبين رئيس الجمهورية من سجال اقول فيها التالي، في الحرب العالمية الثانية انهار المجتمع البريطاني وكثرت فيه كل أشكال الفساد الأمر الذي أعلمت به المخابرات البريطانية رئيس الوزراء تشرشل الذي طلب من المخابرات أن تدقق في مسألة السلطة القضائية هل مُسّت بالفساد أم لا، وبعد فترة وجيزة جاء الجواب بأن القضاء سليم ولم يمس باي شكل من أشكال الفساد عندها نهض تشرشل من كرسيه، وقال "سوف تنهض بريطانيا من جديد"، أما عندنا حين يكون مسلك العدالة قد تورط البعض منه في الفساد الموزع أحيانا فلمن سنلجأ؟، اعتقد أن ما قام به قيس سعيد بصفته قائدا عاما للقوات الحاملة للسلاح هو الحل ولا بديل عنه مطلقا، أما الغريب في الأمر أن تعتبر الجمعية والنقابة التابعتان للقضاء ما قام به الرئيس اعتداء على القضاء الذي يريدونه مستقلا استقلالا كاملا والحال أن مؤسس فكرة فصل السلطات مونتسكيو في كتابه "روح القوانين" لم يكن يعني ولم يكتب هذه العبارة "استقلال القضاء" indépendance بل التفرقة بين السلط. وفي سياق كتابتي محور خاص بأحد كتبي متعلق بالمسالة القضائية منذ سنوات قليلة، إذ ذكّرت السادة القضاة بانهم "موظفون" لدى السلطة التنفيذية يطبقون ما يأتيه من قوانين وفصول من السلطة التشريعية المنطقة عنها الحكومة أي السلطة التنفيذية، وعليه فإنهم مسؤولون أمام سلطة الدولة لا أن يكونوا دولة داخل الدولة كما يريدون، وهنا لا ضرر بأن اذكر بأن القانون الروماني كان يسمح للسلطة التنفيذية بأن تتجاوز مؤقتا السلطة القضائية وذلك بإرغام القضاة بأن لا يُمسوا من مصلحة الشعب والأمة لان روح القوانين هي مصلحة الشعب والأمة، وقد ورد هذا الكلام في احد مؤلفات المفكر الروماني شيشورون المتوفى 46 قبل الميلاد.

• في ظل التباينات والسجالات والمواقف المتناقضة، هل أنت مع أم ضد الاستفتاء؟

-أجيبك بكل صراحة أنا لا استطيع أن أعبر بوضوح إلا عما اعرفه بوضوح وعليه لا استطيع ان أخوض في هكذا تفاصيل مثل نجاح الاستفتاء من عدمه أو هذا التمشي التقني أو ذاك فلأترك الأمور لمن يفقهها .

انا ما يهمني أن ينجح المسار الذي بدأ من 25 جويلية وبكل الطرق التي لا تعيده إلى مهزلة العشر سنوات المنقضية، ولكن معك ميكيافيليا الغاية تبرر الوسيلة ولا للعودة إلى ما قبل 25 جويلية تحت أي يافطة لأني أرى في المشروع المعلن منذ 25 جويلية ما يمكن أن اسميه نبلا سياسيا وتضحية من أجل الوطن.

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews