إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح.. ندوة التميمي حول الحركات الاحتجاجية الشبابية : حتى نواصل التفكير مع مالك الصغيري .. (3/4)

بقلم نوفل سلامة

ناشط مجتمعي

خير الدكتور منير سعيداني التحدث عن علاقته بماهر الصغيري من زاوية غير معروفة عنه وهي زاوية النقاشات التي أجراها معه ضمن مخبر الدراسات والبحوث الاجتماعية بالجامعة والتي كان يشرف عليها وانتمى إليه مالكا لفترة وهي نقاشات يقول عنها سعيداني إنها كانت مهمة وثرية وبدأ الكثير منها يظهر ويتحول إلى خطاب وممارسة يتبناها الكثير ويتحدث بها وهي الأفكار التي ميزت حركة جيل جديد وعرف بها مالك الصغيري وهي رؤى وأطروحات تفيد أنه هناك في هذا البلد شباب مختلف وجيل جديد له توجهات جديدة وأفكار مختلفة عن الأفكار النمطية وعن الرؤى السائدة فجيل جديد كانت فكرة مركزية في فكر مالك الصغيري فكرة تقول إنه هناك اليوم فاعلين جدد يبخسهم الجميع ويصادر حقهم في التعبير عن أنفسهم والإفصاح عن تطلعاتهم المشبعة بحمولة ثورية من نوع غير مألوف وغير معروف في نمط التفكير النسقي والممارسة .

هذا الجيل ملمحه توجه شبابي جديد يعمل على تجديد الخطاب وتجديد المعجم اللغوي المتداول والذي لم يعد قادرا على تفسير التحولات أو الاقناع وجذب الناس إليه ورهانه إرساء معرفة جديدة بمضامين و حمولة مختلفة تركز بالكلية على القضايا الاجتماعية الراهنية وتنحاز الى مشاغل المهمشين والمنسيين من سكان الهامش والعمق التونسي وهذا ما يفسر كيف أن لحظة مرور مالك بالحركة الطلابية لم تكن لحظة عابرة أو نمطية يخضع لها كل طالب يساري التحق بالجامعة وانتمى إلى الاتحاد وإنما كان مروره بالحركة الطلابية لحظة مختلفة من خلال تفكيره المفارق لما هو موجود ولما موروث ورؤيته القلقة على الراهن والمصير وحرصه على ضرورة المراجعة للخيارات التي انتقدها وبقى ينقدها لعدم قدرتها على المواصلة والتغيير قي ظل عالم متغير ومتحرك ودائم التنوع.

ما شدني في شخصية مالك إلى جانب كونه يمثل فكرا مفارقا فهو أيضا يمثل حالة ذهنية متحركة باستمرار وعلى الدوام تسكنها فكرة القطع والقطيعة وهي نتاج للهاجس الذي يسكنه والقناعة التي بداخله من كونه لم يصل بعد إلى الحقيقة وإلى حقيقته ولم يتوصل بعد إلى البديل المثالي للتغيير الاجتماعي والسياسي وفكرة القطيعة هذه هي التي كانت دوما تسبب له المشاكل مع رفاقه الملتزمين بالضوابط الحزبية والمقيدين بالقوالب والمقولات التاريخية القديمة وسببت له الإحراج الكبير تجاه الصرامة الاكاديمية المحكومة هي الأخرى بالقوالب والأطر المعرفية الكلاسيكية حينما انتمى يوما إلى مخبر الدراسات والبحوث بالجامعة التونسية حيث أيقن أن هذا الفضاء لا يسعه ولا يمكن أن يكون طريقه الذي يبحث عنه رغم اقراره بأهميته والجهد الذي يبذله أفراده من أجل تجديد الفكر والمعرفة.

ما كان يبحث عنه مالك من خلال تأسيسه لحركة جيل جديد هو الأفق الرحب للمعرفة والفكر والمجال الواسع للتفكير والنقد والمراجعة الدائمة كان يبحث عن أنسنة جديدة أو الطريق الذي يكن أن يجعل من اليسار أكثر انفتاحا على الفكر الإنساني العالمي وكيف يخرجه من أطره المرجعية التي رسمت له وجعلته مكبلا ومقيد الحرية لقد كان يبحث عن طريق لتجاوز الأقانيم القديمة والأصنام المحنطة التي شيدت لتمنع حركة الفكر من التجدد والتطور. لقد كان يبحث عن مقاربة جديدة للثورة وللفكر الثوري وهو فكر جديد يختلف عن المرجعيات الاكاديمية في فهم الثورة وتفسيرها وهو توجه عند مالك جعله يخرج عن فكرة التبعية المعرفية للمركزية الأوروبية ويفك الارتباط بها وهو اليساري الناهل من أدبيات أوروبية ومشبع بأفكار المدونة الماركسية التقليدية ليحط رحاله في عالم جديد من الأفكار قطع بها مع السلطوية المركزية في المعرفة وفكرة التبعية الأيديولوجية.

يعتبر الدكتور منير سعيداني أن مالك الصغيري كحالة ذهنية مختلفة عن جيل اليسار التقليدي وكلحظة معرفية غير مألوفة في السلوك النمطي لأبناء اليسار المنتظم يمكن أن يكون تاريخ شخص استطاع أن يعكس تاريخ جيل بأكمله ويعبر عن حركة جيل من الشباب بصدد التطور وأن يكون صورة لبلد شبابه في حالة غليان وتحول كبيرين وفي نفس الوقت يقدم صورة عن نوع من الهوية الجماعية لجيل جديد وجيل خاص من الشباب حيث كان ماهر كثيرا ما يردد حينما يطلب منه تعريف حركة جيل جديد " نحن حلقة تفكير وإطار نقاش بصدد تطوير شيء ما " وهو بذلك يقصد أن التيار الذي أسسه هويته أعم من هوية اليسار التقليدي إنها هوية خارجة عن سجن اللغة والنظرية والفكر والمعرفة والأطر التنظيمية التقليدية هو جيل جديد مجدد لما سبق ويرفض توريث كل الجمل وكل الخطاب والشعارات والأنساق الفكرية السابقة هو جيل مؤسس لنهج جديد لا يخجل من الخروج عن شعارات المدافعة عن المقدس النظري ولا يجد حرجا في مناقشة الإيمان الفكري وأن يضع على محك المراجعة والمساءلة كل الشعارات الكبرى من أجل اعادة بنائها .

مالك الصغيري هو تعبيرة عن هوية اجتماعية تاريخية تحاول استعادة النفس العميقة لغايات وأهداف التأسيس الأول لليسار وعملية أحياء للمكونات التاريخية للفكرة الماركسية المؤسسة هو عندي حالة تحليل وفهم وإدراك وفعل لا يتوقف فمشروعه هو مشروع إعادة بناء يسار عربي على أسس جديدة وهذا ما يفسر ما قام به في برنامجه الحواري " جدل في الفكر والسياسة والثورة " الذي استضاف فيه الكثير من المفكرين العرب والتونسيين في عملية نوعية في المشهد الاعلامي لإنتاج الافكار والمعاني والنقد من أجل تجاوز ما كان يسميه بأزمة عقم في الفكر السياسي العربي وفي صفوف اليسار خاصة .

وينهي الدكتور منير سعيداني هذه الشهادة المهمة عن مالك الصغيري بقوله ما كان يميز الفقيد هو تركيزه المفرط على الحركات ذات الطابع الجماعي وميله إلى التحرك ضمن مبادرات جماعية وقد كان هذا واضحا منذ إنشائه لرابطة النوادي الثقافية بالجامعة وكل الحراك الاحتجاجي والحملات الشارعية التي قادها أو ساهم فيها لعل أبرزها حملة منيش مسامح التي كان لها الفضل في تعطيل قانون المصالحة الذي تقدم به الرئيس السابق المرحوم الباجي قائد السبسي وقد كشف بهذه الحملة القوية عن مشروع خطير كان يحاك للثورة من أجل الالتفاف عليها وإنهائها بطريقة مهينة وهي حملة استطاعت أن تحسم معركة المحاسبة وطريقة التعامل مع القديم وقلبت معادلة التسوية السياسية مع رموز النظام السابق. مالك الصغيري كان مفكرا عضويا من خارج النمط ومناضلا شجاعا وقائدا ميدانيا ويساريا منشقا عن السائد يبحث عن أفق ارحب يسعه ويسع فكره وطموحاته وحلمه الكبير في اعادة تشبيب اليسار واستعادة جاذبيته الاولى كقوة تدافع عن الفقراء والمهمشين والمنسيين والمقصين.

(يتبع)

 

منتدى الصباح.. ندوة التميمي حول الحركات الاحتجاجية الشبابية : حتى نواصل التفكير مع مالك الصغيري .. (3/4)

بقلم نوفل سلامة

ناشط مجتمعي

خير الدكتور منير سعيداني التحدث عن علاقته بماهر الصغيري من زاوية غير معروفة عنه وهي زاوية النقاشات التي أجراها معه ضمن مخبر الدراسات والبحوث الاجتماعية بالجامعة والتي كان يشرف عليها وانتمى إليه مالكا لفترة وهي نقاشات يقول عنها سعيداني إنها كانت مهمة وثرية وبدأ الكثير منها يظهر ويتحول إلى خطاب وممارسة يتبناها الكثير ويتحدث بها وهي الأفكار التي ميزت حركة جيل جديد وعرف بها مالك الصغيري وهي رؤى وأطروحات تفيد أنه هناك في هذا البلد شباب مختلف وجيل جديد له توجهات جديدة وأفكار مختلفة عن الأفكار النمطية وعن الرؤى السائدة فجيل جديد كانت فكرة مركزية في فكر مالك الصغيري فكرة تقول إنه هناك اليوم فاعلين جدد يبخسهم الجميع ويصادر حقهم في التعبير عن أنفسهم والإفصاح عن تطلعاتهم المشبعة بحمولة ثورية من نوع غير مألوف وغير معروف في نمط التفكير النسقي والممارسة .

هذا الجيل ملمحه توجه شبابي جديد يعمل على تجديد الخطاب وتجديد المعجم اللغوي المتداول والذي لم يعد قادرا على تفسير التحولات أو الاقناع وجذب الناس إليه ورهانه إرساء معرفة جديدة بمضامين و حمولة مختلفة تركز بالكلية على القضايا الاجتماعية الراهنية وتنحاز الى مشاغل المهمشين والمنسيين من سكان الهامش والعمق التونسي وهذا ما يفسر كيف أن لحظة مرور مالك بالحركة الطلابية لم تكن لحظة عابرة أو نمطية يخضع لها كل طالب يساري التحق بالجامعة وانتمى إلى الاتحاد وإنما كان مروره بالحركة الطلابية لحظة مختلفة من خلال تفكيره المفارق لما هو موجود ولما موروث ورؤيته القلقة على الراهن والمصير وحرصه على ضرورة المراجعة للخيارات التي انتقدها وبقى ينقدها لعدم قدرتها على المواصلة والتغيير قي ظل عالم متغير ومتحرك ودائم التنوع.

ما شدني في شخصية مالك إلى جانب كونه يمثل فكرا مفارقا فهو أيضا يمثل حالة ذهنية متحركة باستمرار وعلى الدوام تسكنها فكرة القطع والقطيعة وهي نتاج للهاجس الذي يسكنه والقناعة التي بداخله من كونه لم يصل بعد إلى الحقيقة وإلى حقيقته ولم يتوصل بعد إلى البديل المثالي للتغيير الاجتماعي والسياسي وفكرة القطيعة هذه هي التي كانت دوما تسبب له المشاكل مع رفاقه الملتزمين بالضوابط الحزبية والمقيدين بالقوالب والمقولات التاريخية القديمة وسببت له الإحراج الكبير تجاه الصرامة الاكاديمية المحكومة هي الأخرى بالقوالب والأطر المعرفية الكلاسيكية حينما انتمى يوما إلى مخبر الدراسات والبحوث بالجامعة التونسية حيث أيقن أن هذا الفضاء لا يسعه ولا يمكن أن يكون طريقه الذي يبحث عنه رغم اقراره بأهميته والجهد الذي يبذله أفراده من أجل تجديد الفكر والمعرفة.

ما كان يبحث عنه مالك من خلال تأسيسه لحركة جيل جديد هو الأفق الرحب للمعرفة والفكر والمجال الواسع للتفكير والنقد والمراجعة الدائمة كان يبحث عن أنسنة جديدة أو الطريق الذي يكن أن يجعل من اليسار أكثر انفتاحا على الفكر الإنساني العالمي وكيف يخرجه من أطره المرجعية التي رسمت له وجعلته مكبلا ومقيد الحرية لقد كان يبحث عن طريق لتجاوز الأقانيم القديمة والأصنام المحنطة التي شيدت لتمنع حركة الفكر من التجدد والتطور. لقد كان يبحث عن مقاربة جديدة للثورة وللفكر الثوري وهو فكر جديد يختلف عن المرجعيات الاكاديمية في فهم الثورة وتفسيرها وهو توجه عند مالك جعله يخرج عن فكرة التبعية المعرفية للمركزية الأوروبية ويفك الارتباط بها وهو اليساري الناهل من أدبيات أوروبية ومشبع بأفكار المدونة الماركسية التقليدية ليحط رحاله في عالم جديد من الأفكار قطع بها مع السلطوية المركزية في المعرفة وفكرة التبعية الأيديولوجية.

يعتبر الدكتور منير سعيداني أن مالك الصغيري كحالة ذهنية مختلفة عن جيل اليسار التقليدي وكلحظة معرفية غير مألوفة في السلوك النمطي لأبناء اليسار المنتظم يمكن أن يكون تاريخ شخص استطاع أن يعكس تاريخ جيل بأكمله ويعبر عن حركة جيل من الشباب بصدد التطور وأن يكون صورة لبلد شبابه في حالة غليان وتحول كبيرين وفي نفس الوقت يقدم صورة عن نوع من الهوية الجماعية لجيل جديد وجيل خاص من الشباب حيث كان ماهر كثيرا ما يردد حينما يطلب منه تعريف حركة جيل جديد " نحن حلقة تفكير وإطار نقاش بصدد تطوير شيء ما " وهو بذلك يقصد أن التيار الذي أسسه هويته أعم من هوية اليسار التقليدي إنها هوية خارجة عن سجن اللغة والنظرية والفكر والمعرفة والأطر التنظيمية التقليدية هو جيل جديد مجدد لما سبق ويرفض توريث كل الجمل وكل الخطاب والشعارات والأنساق الفكرية السابقة هو جيل مؤسس لنهج جديد لا يخجل من الخروج عن شعارات المدافعة عن المقدس النظري ولا يجد حرجا في مناقشة الإيمان الفكري وأن يضع على محك المراجعة والمساءلة كل الشعارات الكبرى من أجل اعادة بنائها .

مالك الصغيري هو تعبيرة عن هوية اجتماعية تاريخية تحاول استعادة النفس العميقة لغايات وأهداف التأسيس الأول لليسار وعملية أحياء للمكونات التاريخية للفكرة الماركسية المؤسسة هو عندي حالة تحليل وفهم وإدراك وفعل لا يتوقف فمشروعه هو مشروع إعادة بناء يسار عربي على أسس جديدة وهذا ما يفسر ما قام به في برنامجه الحواري " جدل في الفكر والسياسة والثورة " الذي استضاف فيه الكثير من المفكرين العرب والتونسيين في عملية نوعية في المشهد الاعلامي لإنتاج الافكار والمعاني والنقد من أجل تجاوز ما كان يسميه بأزمة عقم في الفكر السياسي العربي وفي صفوف اليسار خاصة .

وينهي الدكتور منير سعيداني هذه الشهادة المهمة عن مالك الصغيري بقوله ما كان يميز الفقيد هو تركيزه المفرط على الحركات ذات الطابع الجماعي وميله إلى التحرك ضمن مبادرات جماعية وقد كان هذا واضحا منذ إنشائه لرابطة النوادي الثقافية بالجامعة وكل الحراك الاحتجاجي والحملات الشارعية التي قادها أو ساهم فيها لعل أبرزها حملة منيش مسامح التي كان لها الفضل في تعطيل قانون المصالحة الذي تقدم به الرئيس السابق المرحوم الباجي قائد السبسي وقد كشف بهذه الحملة القوية عن مشروع خطير كان يحاك للثورة من أجل الالتفاف عليها وإنهائها بطريقة مهينة وهي حملة استطاعت أن تحسم معركة المحاسبة وطريقة التعامل مع القديم وقلبت معادلة التسوية السياسية مع رموز النظام السابق. مالك الصغيري كان مفكرا عضويا من خارج النمط ومناضلا شجاعا وقائدا ميدانيا ويساريا منشقا عن السائد يبحث عن أفق ارحب يسعه ويسع فكره وطموحاته وحلمه الكبير في اعادة تشبيب اليسار واستعادة جاذبيته الاولى كقوة تدافع عن الفقراء والمهمشين والمنسيين والمقصين.

(يتبع)

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews