انطلق العد التنازلي لموعد استفتاء التونسيين على نص الدستور الجديد، والذي من المقرر إجراؤه حسب خارطة الطريق المعلنة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية القادم. مسار انتخابي مستجد على التونسيين، بدأت ملامحه تتضح تدريجيا على ما بقي يشوبه من غموض في علاقة بالنص موضوع الاستفتاء المتوقع أن يرى النور ويتعرف عليه عموم الناخبين في اجل أقصاه 30 جوان الجاري، وبالأطراف المشاركة وطبيعة الحملات الخاصة بهم والإشكاليات الموجودة في العملية برمتها.. وهي نقاط سنسعى من خلال هذا المقال التفسيري الى توضيحها وتفكيك الغموض الذي يحيط بها.
بداية وجبت الإشارة الى أن الاستفتاء يعد وسيلة من وسائل التعبير الشعبي التي يتم الالتجاء إليها من اجل تصحيح مسار. وهو تقليد ديمقراطي قوامه اقتراع عام مباشر يدعى إليه الناخبون للفصل في تعديلات ذات طبيعية تشريعية أو دستورية أو حتى ترابية، بطلب من الحكومة أو بناء على تعبئة شعبية، حسبَ القوانين المعمول بها.
ويتم الاستفتاء عبر طرح أسئلة محددة تكون إجابتها في العادة بـ"نعم" أو "لا" ومفادها التصويت لصالح أو ضد إنشاء أو تعديل أو إلغاء قانون، ويُعرض الاستفتاء عادة على سؤال محدد من شأنه أن يؤثر على قرار تشريعي أو دستوري.
ويصنف الاستفتاء الشعبي كآلية من آليات إشراك المواطن في القرارات الحاسمة، ويعتبر أهم ركائز وتجليات الديمقراطية المباشرة لكونه يتجاوز المجالس الديمقراطية التمثيلية ليأخذ برأي الناخب البسيط في تعديلات قانونية أو دستورية أو اقتصادية واجتماعية تمسُّ معاشه اليومي وقد يشمل تأثيرها الأجيال القادمة.
وطبقا للتشريع التونسي، يمنح الفصل 81 من الدستور التونسي لسنة 2014 "لرئيس الجمهورية، استثنائيا، أن يعرض على الاستفتاء مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات، أو بالحريات وحقوق الإنسان، أو بالأحوال الشخصية، والمصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب وغير المخالفة للدستور بناء على قرار المحكمة الدستورية. ويعتبر العرض على الاستفتاء تخليا عن حق الرد". وإذا أفضى الاستفتاء إلى قبول المشروع فإن رئيس الجمهورية يختمه ويأذن بنشره في أجل لا يتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ الإعلان عن نتائج الاستفتاء. ويضبط القانون الانتخابي صيغ إجراء الاستفتاء والإعلان عن نتائجه.
ويبدو أن أبرز الإشكاليات التي تظهر اليوم في علاقة بالاستفتاء الشعبي المنتظر هو آلية التصويت، والتي تكون إما باعتماد نظام التصويت على نص الدستور برمته بنعم أو لا أو اعتماد التصويت فصلا فصلا بنعم أو لا، وتعد الثانية الطريقة الأسلم والأفضل حسب أساتذة القانون الدستوري فهي الطريقة التي من شانها أن تمنح الناخب تشريكا أفضل في صياغة دستوره وضمان حقوقه الفردية والجماعية.
أما بالنسبة للاستفتاء التونسي فقد تم الاتفاق داخل مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، انطلاقا من نص القرار الترتيبي المتعلق بضبط شروط وإجراءات المشاركة في حملة الاستفتاء على اعتماد مبدأ المشاركة المفتوحة للجميع بين الأفراد والأشخاص الطبيعيين من أحزاب وجمعيات وائتلافات وشبكات وغيرها من المنظمات شريطة أن يكون نشاط الأفراد سليما وغير مخالف للقانون وان يهدف إلى تكريس مبدأ المواطنة وقيم الديمقراطية.. كما تضمن القرار شروطا إجرائية وشكلية لإيداع التصاريح المشاركة في الاستفتاء وآجال تقديمها التي تمتد من يوم 21 جوان الجاري الى غاية يوم الـ27 منه، إضافة إلى الصلاحيات الموكولة للهيئة والقرارات التي يمكن أن تصدر عنها بخصوص قبول تصاريح المشاركة أو رفضها على أن يكون قرار الرفض معلّلا وبالتنسيق مع الجهات الإدارية.
وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن التمشي المعتمد هو إتاحة المشاركة في الاستفتاء لأكبر طيف سياسي من أحزاب وجمعيات وغيرها من المعنيين بالشأن العام بالبلاد بالنظر إلى أن المسألة تتعلق بدستور جديد وليس باستفتاء على نص تشريعي .
وبين أنّ الوثائق التي ستقدم إلى هيئة الانتخابات، سينظر فيها مجلس الهيئة بالقبول أو الرفض المعلل الذي يجوز الطعن فيه أمام القضاء الإداري قائلا إن قبول تصاريح المشاركة في حملة الاستفتاء ستكون بالمقر المركزي لمدة أسبوع كامل مضيفا انه سيقع منع كل شخص لا تتوفر لديه الوثائق المطلوبة في مكتب الضبط .
وبخصوص المقاطعين للاستفتاء أكد أن أعضاء الهيئة قد اتفقوا على ضرورة إدراج المقاطعين للاستفتاء ضمن الإطار القانوني المنظم لحملة الاستفتاء وذلك لضمان تتبعهم ومراقبتهم .
كما تم التطرق الى سحب حق المشاركة لكل من ثبت عدم التزامه بالموقف المعبر عنه في التصريح المقدم للهيئة – نعم – لا – مقاطع- مع الإشارة الى اعتماد مبدأ التدرج في العقوبة قبل سحب المشاركة.
أمّا بخصوص الأشخاص الطبيعيين فقد أكّد مجلس الهيئة على ضرورة تقييد مشاركتهم بضوابط تضمن نوعا من الجديّة في المشاركة من بينها جمع تزكيات وضمانات مالية.
وفي قراءة للمسار التونسي في الاستفتاء رأى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق مختار انه اتسم بجملة من المطبات، بدأت باختيار السؤال الوحيد والذي ورد في صياغة غير محايدة لا تحترم قواعد عدم التوجيه- الدستور الجديد – ثم قام ببدعة تزامن صدور أمر الدعوة مع فترة إعداد النص مع ما يمكن أن يحمله من تأثير على رأي وموقف الناخب التونسي. وما يمكن أن ينجر عنه من خلط بين فترة الحملة وفترة إعداد النص.
والأخطر من كل هذا حسب عبد الرزاق مختار أن النص المنظم للاستفتاء خصص توقيتا محدودا للغاية للحملة، ولقراءة النص، وخلق نوعا من التداخل بين مختلف مراحلها. حتى أن هيئة الانتخابات ذهبت الى إقرار تجريم تصريحات لفترة ما قبل الحملة، ما قبل إعلانها وتحديد زمنها، والذي فيه ضرب لأبسط ما نسميه بقواعد الشرعية. واعتبر في نفس الوقت أن عدم صدور الأمر المشترك لهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة الانتخابات من شانه أن يزيد الأمر تأزما وتعقيد نظرا الى انه الأمر الضابط للظهور الإعلامي لكل طرف في الحملة والذي من خلاله يمكن أن نقيم أداء وسائل الإعلام، ونعلم هل أن ظهور رئيس الجمهورية والصادق بلعيد يمكن أن ندرجه ضمن الحملة أو ما قبل الحملة أو ماذا؟
ريم سوودي
تونس-الصباح
انطلق العد التنازلي لموعد استفتاء التونسيين على نص الدستور الجديد، والذي من المقرر إجراؤه حسب خارطة الطريق المعلنة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية القادم. مسار انتخابي مستجد على التونسيين، بدأت ملامحه تتضح تدريجيا على ما بقي يشوبه من غموض في علاقة بالنص موضوع الاستفتاء المتوقع أن يرى النور ويتعرف عليه عموم الناخبين في اجل أقصاه 30 جوان الجاري، وبالأطراف المشاركة وطبيعة الحملات الخاصة بهم والإشكاليات الموجودة في العملية برمتها.. وهي نقاط سنسعى من خلال هذا المقال التفسيري الى توضيحها وتفكيك الغموض الذي يحيط بها.
بداية وجبت الإشارة الى أن الاستفتاء يعد وسيلة من وسائل التعبير الشعبي التي يتم الالتجاء إليها من اجل تصحيح مسار. وهو تقليد ديمقراطي قوامه اقتراع عام مباشر يدعى إليه الناخبون للفصل في تعديلات ذات طبيعية تشريعية أو دستورية أو حتى ترابية، بطلب من الحكومة أو بناء على تعبئة شعبية، حسبَ القوانين المعمول بها.
ويتم الاستفتاء عبر طرح أسئلة محددة تكون إجابتها في العادة بـ"نعم" أو "لا" ومفادها التصويت لصالح أو ضد إنشاء أو تعديل أو إلغاء قانون، ويُعرض الاستفتاء عادة على سؤال محدد من شأنه أن يؤثر على قرار تشريعي أو دستوري.
ويصنف الاستفتاء الشعبي كآلية من آليات إشراك المواطن في القرارات الحاسمة، ويعتبر أهم ركائز وتجليات الديمقراطية المباشرة لكونه يتجاوز المجالس الديمقراطية التمثيلية ليأخذ برأي الناخب البسيط في تعديلات قانونية أو دستورية أو اقتصادية واجتماعية تمسُّ معاشه اليومي وقد يشمل تأثيرها الأجيال القادمة.
وطبقا للتشريع التونسي، يمنح الفصل 81 من الدستور التونسي لسنة 2014 "لرئيس الجمهورية، استثنائيا، أن يعرض على الاستفتاء مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات، أو بالحريات وحقوق الإنسان، أو بالأحوال الشخصية، والمصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب وغير المخالفة للدستور بناء على قرار المحكمة الدستورية. ويعتبر العرض على الاستفتاء تخليا عن حق الرد". وإذا أفضى الاستفتاء إلى قبول المشروع فإن رئيس الجمهورية يختمه ويأذن بنشره في أجل لا يتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ الإعلان عن نتائج الاستفتاء. ويضبط القانون الانتخابي صيغ إجراء الاستفتاء والإعلان عن نتائجه.
ويبدو أن أبرز الإشكاليات التي تظهر اليوم في علاقة بالاستفتاء الشعبي المنتظر هو آلية التصويت، والتي تكون إما باعتماد نظام التصويت على نص الدستور برمته بنعم أو لا أو اعتماد التصويت فصلا فصلا بنعم أو لا، وتعد الثانية الطريقة الأسلم والأفضل حسب أساتذة القانون الدستوري فهي الطريقة التي من شانها أن تمنح الناخب تشريكا أفضل في صياغة دستوره وضمان حقوقه الفردية والجماعية.
أما بالنسبة للاستفتاء التونسي فقد تم الاتفاق داخل مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، انطلاقا من نص القرار الترتيبي المتعلق بضبط شروط وإجراءات المشاركة في حملة الاستفتاء على اعتماد مبدأ المشاركة المفتوحة للجميع بين الأفراد والأشخاص الطبيعيين من أحزاب وجمعيات وائتلافات وشبكات وغيرها من المنظمات شريطة أن يكون نشاط الأفراد سليما وغير مخالف للقانون وان يهدف إلى تكريس مبدأ المواطنة وقيم الديمقراطية.. كما تضمن القرار شروطا إجرائية وشكلية لإيداع التصاريح المشاركة في الاستفتاء وآجال تقديمها التي تمتد من يوم 21 جوان الجاري الى غاية يوم الـ27 منه، إضافة إلى الصلاحيات الموكولة للهيئة والقرارات التي يمكن أن تصدر عنها بخصوص قبول تصاريح المشاركة أو رفضها على أن يكون قرار الرفض معلّلا وبالتنسيق مع الجهات الإدارية.
وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن التمشي المعتمد هو إتاحة المشاركة في الاستفتاء لأكبر طيف سياسي من أحزاب وجمعيات وغيرها من المعنيين بالشأن العام بالبلاد بالنظر إلى أن المسألة تتعلق بدستور جديد وليس باستفتاء على نص تشريعي .
وبين أنّ الوثائق التي ستقدم إلى هيئة الانتخابات، سينظر فيها مجلس الهيئة بالقبول أو الرفض المعلل الذي يجوز الطعن فيه أمام القضاء الإداري قائلا إن قبول تصاريح المشاركة في حملة الاستفتاء ستكون بالمقر المركزي لمدة أسبوع كامل مضيفا انه سيقع منع كل شخص لا تتوفر لديه الوثائق المطلوبة في مكتب الضبط .
وبخصوص المقاطعين للاستفتاء أكد أن أعضاء الهيئة قد اتفقوا على ضرورة إدراج المقاطعين للاستفتاء ضمن الإطار القانوني المنظم لحملة الاستفتاء وذلك لضمان تتبعهم ومراقبتهم .
كما تم التطرق الى سحب حق المشاركة لكل من ثبت عدم التزامه بالموقف المعبر عنه في التصريح المقدم للهيئة – نعم – لا – مقاطع- مع الإشارة الى اعتماد مبدأ التدرج في العقوبة قبل سحب المشاركة.
أمّا بخصوص الأشخاص الطبيعيين فقد أكّد مجلس الهيئة على ضرورة تقييد مشاركتهم بضوابط تضمن نوعا من الجديّة في المشاركة من بينها جمع تزكيات وضمانات مالية.
وفي قراءة للمسار التونسي في الاستفتاء رأى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق مختار انه اتسم بجملة من المطبات، بدأت باختيار السؤال الوحيد والذي ورد في صياغة غير محايدة لا تحترم قواعد عدم التوجيه- الدستور الجديد – ثم قام ببدعة تزامن صدور أمر الدعوة مع فترة إعداد النص مع ما يمكن أن يحمله من تأثير على رأي وموقف الناخب التونسي. وما يمكن أن ينجر عنه من خلط بين فترة الحملة وفترة إعداد النص.
والأخطر من كل هذا حسب عبد الرزاق مختار أن النص المنظم للاستفتاء خصص توقيتا محدودا للغاية للحملة، ولقراءة النص، وخلق نوعا من التداخل بين مختلف مراحلها. حتى أن هيئة الانتخابات ذهبت الى إقرار تجريم تصريحات لفترة ما قبل الحملة، ما قبل إعلانها وتحديد زمنها، والذي فيه ضرب لأبسط ما نسميه بقواعد الشرعية. واعتبر في نفس الوقت أن عدم صدور الأمر المشترك لهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة الانتخابات من شانه أن يزيد الأمر تأزما وتعقيد نظرا الى انه الأمر الضابط للظهور الإعلامي لكل طرف في الحملة والذي من خلاله يمكن أن نقيم أداء وسائل الإعلام، ونعلم هل أن ظهور رئيس الجمهورية والصادق بلعيد يمكن أن ندرجه ضمن الحملة أو ما قبل الحملة أو ماذا؟