إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية: بعد أربع سنوات من تركيز الدوائر القضائية المتخصصة..الحصيلة "صفر"

 

ـ مسؤول بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان: هناك قضاة يتعرضون إلى تهديدات بالقتل

تونس-الصباح

طالب ممثلو الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية الحكومة بتحمل مسؤولياتها في ضمان أمن قضاة الدوائر المتخصصة والتصدي للضغوطات المسلطة عليهم والتهديدات التي يتعرضون لها من قبل بعض النقابات الأمنية، ودعوا خلال ندوة صحفية عقدوها أمس بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وزارة الداخلية إلى تطبيق القانون والعمل على تنفيذ بطاقات الجلب الصادرة عن الدوائر الجنائية المتخصصة وفقا لمقتضيات الفصل 142 من مجلة الإجراءات الجزائية وذلك حتى يمثل المنسوب إليهم انتهاكات حقوق الإنسان أمام القضاء، وشددوا بالخصوص على ضرورة وضع حد نهائي لسياسة الإفلات من العقاب..

وخصصت الندوة الصحفية لتقديم حصيلة أربع سنوات على انطلاق عمل الدوائر القضائية المتخصصة بداية من شهر ماي 2018 واستعراض جملة التجاوزات التي شابت عمل هذه الدوائر.

حمزة بن نصر منسق الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية أشار إلى أن الدوائر القضائية المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية ورد الاعتبار لضحايا الانتهاكات، وبعد أربع سنوات من تركيزها، لم تصدر أي حكم. وذكر أنه تم تسجيل أكثر من ألف انتهاك جسيم ضد حقوق الإنسان، لكن الفاعلين يواصلون عملهم بصفة عادية بل هناك من تمت ترقيتهم وهناك من تمت دعوتهم مؤخرا للمشاركة في الحوار الوطني حول إعداد دستور جديد للبلاد. وأضاف بن نصر أن هناك قضايا تمت إحالتها على القضاء من قبل هيئة الحقيقية والكرامة وكان بالإمكان البت فيها في غضون سنة على أقصى تقدير لكن للأسف لم يقع النظر فيها بعد.

ولاحظ بن نصر أن كل ما حدث في علاقة بمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان هو تكريس لدولة الإفلات من العقاب عوضا عن دولة القانون وذلك لأن هناك قضاة يتعرضون للتهديدات المباشرة من قبل من ينسبون أنفسهم لنقابات أمنية، ولأن النصاب القانوني الذي يسمح للقضاة بالجلوس للنظر في قضايا الانتهاكات في أغلب الأحيان غير متوفر لأنه مع كل نقلة قضائية يتعطل عمل الدوائر المتخصصة لمدة قد تصل إلى ستة أشهر وذلك لأن القضاة الذين تتم نقلتهم للدوائر المذكورة لا بد أن يخضعوا لدورات تكوينية..

إفلات من العقاب

أما أحمد علوي مسؤول حقوق الإنسان بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فبين أنه بعد سنتين من نشر تقرير هيئة الحقيقة والكرامة الختامي، لم يقع وضع خطة عمل لتطبيق التوصيات الواردة في التقرير رغم أن قانون العدالة الانتقالية يوجب على السلطة التنفيذية وضع هذه الخطة. وأضاف أن أهمية العدالة الانتقالية لا تقتصر على المسار القضائي المتعلق بضحايا الانتهاكات بل تكمن في إنصاف الضحايا عبر كشف الحقيقة وجبر الضرر، ولكن إلى غاية اليوم لم يقع التقدم في مسار جبر ضرر ضحايا الانتهاكات، ولم يقع التقدم في مسار إصلاح المؤسسات لتلافي تكرارها نفس الانتهاكات التي حصلت في العهد السابق، ولضمان إرساء دولة القانون والمؤسسات.

وذكر ممثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن قانون العدالة الانتقالية في فصله السادس تحدث عن المساءلة والمحاسبة باعتبارها مجموع الآليات التي تحول دون الإفلات من العقاب أو التفصي من المسؤولية، وفي فصله الثامن عدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تنظر فيها الدوائر المتخصصة وهذه الجرائم هي القتل العمد، والاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي، والتعذيب، والاختفاء القسري، والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة، في حين نص الفصل التاسع من نفس القانون على هذه الجرائم لا تسقط بمرور الزمن وهو ما يعني أن من ارتكب جريمة سيحاسب حتى ولو بعد مرور نصف قرن..

وأشار علوي إلى أنه إضافة إلى ما ورد في القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، فقد تمت دسترة العدالة الانتقالية بموجب دستور 2014 وتحديدا النقطة التاسعة من الفصل 148 التي نصت على أن تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها، ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن. وأضاف أنه حتى في صورة تغيير الدستور فإن ذلك لا يعني تفصي الدولة التونسية من التزاماتها الدولية لأن المعاهدات الدولية أعلى مرتبة من القوانين والمراسيم، ولأن تونس صادقت على العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية وعلى البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية وعلى بروتوكولات مكافحة الفساد ومكافحة جرائم التعذيب والمعاملات المسيئة والمهينة، ولكن وبعد 12 سنة من الثورة فإن عدد المنسوب لهم انتهاكات ممن تمت محاسبتهم يعدون على الأصابع أما السواد الأعظم منهم فهم إلى اليوم خارج السجون.

وأضاف أن المنسوب لهم الانتهاكات لا يحضرون جلسات الدوائر القضائية المتخصصة رغم أن هناك ملفات عرضت في 15 و16 جلسة.. وذكر أنه تمت دعوة المنسوب لهم الانتهاك من المنتمين إلى الجهاز الأمني لعدم حضور جلسات الدوائر القضائية المتخصصة والحال أنه كان من المفروض وبعد الاستدعاء وأمام عدم المثول أمام القضاء أن يقع إصدار بطاقات جلب في شأنهم لكن هذا لم يحدث والحال أن جميع شروط المحاكمة العادلة متوفرة.

وقال أحمد علوي انه لا بد من إصدار أحكام بالإدانة لأن الجرائم المتركبة ليست بالهينة بل هي ترتقي إلى مرتبة الانتهاكات الجسيمة، وللتأكد من فداحة تلك الانتهاكات تكفي العودة إلى جلسات الاستماع التي قامت بها هيئة الحقيقة والكرامة للضحايا وهم ينتمون إلى جميع العائلات السياسية.

وأشار ممثل المفوضية إلى أنه لم يقع وضع خطة وطنية لتنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة، ولم تقع محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وبهذه الكيفية لا يمكن طي صفحة الماضي والقول إن أهداف العدالة الانتقالية تحققت والمصالحة تمت، فالعدالة الانتقالية لا تهم ضحايا تعرضوا إلى انتهاكات في الستينات والسبعينات من القرن الماضي بل تهم الزمن الراهن لأنه لم يقع إصلاح المنظومة القانونية ولم يقع إصلاح المنظومة ولأن عمل الدوائر الانتقالية معطل فمنذ أربع سنوات لم يقع البت في أي ملف بسبب تغيير تركيبة هذه الدوائر وتجاهل توصيات الائتلاف المدني المتمثلة في الإبقاء على نفس التركيبة لضمان الاستمرارية.

ولاحظ علوي وجود تراجع على مستوى الإرادة السياسية في تفعيل العدالة الانتقالية ومعالجة الانتهاكات التي حدثت في الماضي وذكر أن حركة القضاة ليست المشكلة الوحيدة المتسببة في تعطيل مسار العدالة الانتقالية بل هناك تهديدات تطال القضاة في هذه الدوائر والتي تصل إلى تهديدات بالقتل. وخلص مسؤول حقوق الإنسان بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن مسار العدالة الانتقالية ضروري وإلى أن هذا المسار غير مرتبط بهيئة الحقيقة والكرامة.

الاستعراض الدوري الشامل

تطرق الحسين بوشيبة منسق التحالف التونسي للكرامة ورد الاعتبار وعضو الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية إلى الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان والتقرير الذي سيتم رفعه من قبل المجتمع المدني خلال الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان التي ستقام في جينيف يوم 8 نوفمبر المقبل، وهو تقرير مواز للتقرير الذي ستقدمه الدولة التونسية يوم 11 نوفمبر، وبين بوشيبة أن تقرير المجتمع المدني تضمن عديد التوصيات وذكر أنه تم إعداد قرابة أربعين تقريرا تتعلق بقضايا حقوق الإنسان والطفولة والبيئة والثقافة وغيرها من المجالات، ويهدف المجتمع المدني من خلال هذه التقارير حسب قوله، إلى تطوير التشريعات الوطنية الضمانة لاحترام حقوق الإنسان والحريات والتعايش السلمي والتنمية. وقال إنه في علاقة بالعدالة الانتقالية وبعد استيفاء كل الطرق القانونية في تونس سيتجهون إلى المحاكم الدولية لأن هدفهم الأساسي هو القطع مع سياسة الإفلات من العقاب فالانتهاكات تواصلت إلى اليوم.

وأضاف بوشيبة أنهم في الائتلاف المدني يحملون الدولة التونسية التي صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية مسؤولية احترام تلك الاتفاقيات ومسؤولية إحداث آليات لمقاومة التعذيب ومسؤولية تنفيذ توصيات مجلس حقوق الإنسان إذ هناك توصيات تعود إلى سنة 2017 لمنها لم تطبق وهي تتعلق بالكف عن محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية.

قضية كمال المطماطي

من الملفات الحارقة التي تم التطرق إليها أمس خلال الندوة الصحفية المنعقدة بباردة من الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية قضية كمال المطماطي التي تحدث عنها الأستاذ مختار الجماعي المحامي لدى التعقيب وعضو فريق الدفاع عن ضحايا الانتهاكات وخاصة قضيتي كمال المطماطي وشهداء الثورة في الحامة. وذكر الجماعي أن قضية كمال المطماطي الناشط النقابي والسياسي يمكن اعتبار مسارها نموذجا للعدالة الانتقالية لأنه يوجد فيها التعذيب والإخفاء القسري والقتل وانتهاك حقوق الإنسان فضلا عن بعدها التاريخي لكونها تعود إلى الحقبة التي كشرت فيها الدولة التونسية عن أنيابها.. وأضاف أن هذه القضية فضحت دولة الاستبداد النوفمبرية، وذكر أن الدائرة الجنائية للعدالة الانتقالية تعاملت مع الملف بجدية وأصدرت أحكاما تحضيرية يستشف منها سعي للوصول إلى الحقيقة، لكن يبدو أن التعطيلات كانت أكبر من إرادة المحكمة، فالضابطة العدلية تمتنع عن القيام بدورها ولا تقوم بجلب من نسبت لهم الانتهاكات.

وتطرقت الأستاذة علا بن نجمة عضو هيئة الحقيقة والكرامة في مداخلتها، إلى دور الدوائر القضائية المتخصصة في مكافحة الإفلات من العقاب وذكرت بالخصوص أن الهيئة قدمت للقضاء 69 لائحة اتهام بعد الاستماع إلى الشهود ودعوة المنسوب لهم الانتهاك والذين يبلغ عددهم 1700، وأضافت أن كل من نسب له انتهاك وجاء للهيئة واعترف وطلب الصفح فإن الضحايا صفحوا عنه، وكان بالإمكان تحقيق مصالحة حقيقية لكن للأسف منذ خطاب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي اقترح فيه عرض مشروع قانون المصالحة هناك من تراجعوا عن دعم العدالة الانتقالية وكان لذلك الخطاب تأثير سلبي على مسار العدالة الانتقالية رغم أن العدالة الانتقالية مهمة للغاية لأنها تساعد على كشف حقيقة الماضي لتلافي تكرار نفس الأخطاء، ولتجنب الإفلات من العقاب. وأشارت بن نجمة إلى أنها كرئيسة للجنة البحث والتقصي في هيئة الحقيقة والكرامة تدرك جيدا انه تمت مطالبة أمنيين بأن لا يذهبوا للهيئة لكن هناك منهم من جاءوا وطالبوا بحمايتهم من التعليمات لأن ما فعلوه كان في إطار تنفيذ تعليمات.

وقالت علا بن نجمة إن الجميع يفكرون في سبل الخلاص الشخصي والحال أن العدالة الانتقالية تضمن الخلاص الجماعي بعد رصد أخطاء الماضي والقيام بمصالحة حقيقة، ونبهت إلى أن الإفلات من العقاب لن يطول، وخلصت إلى أن العدالة الانتقالية فرصة مهدورة.

ترهيب القضاة

وبخصوص الحركة القضائية وتأثيرها على العدالة الانتقالية قالت الأساتذة علا بن نجمة إن الحركة القضائية في كل مرة تربك سير الدوائر المتخصصة لأنه بعد أن يتم تكوين القضاة المنتصبين في هذه الدوائر تأتي الحركة لتنقلهم نحو دوائر أخرى، وقبل مباشرة القضاة الجدد لا بد من إخضاعهم إلى تكوين وبهذه الكيفية يضيع الكثير من الوقت. ولدى حديثها عن عملية إعفاء القضاة بينت بن نجمة أن الإعفاء هو ترهيب للقضاة وتركيعهم حتى يحكموا كما يريد القائم بالإعفاء، وعبرت عن أملها في أن يتم تجاوز النقطة السوداء لتعود البلاد على حد رأيها إلى طريق الديمقراطية واستقلالية القضاء والقضاة.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية: بعد أربع سنوات من تركيز الدوائر القضائية المتخصصة..الحصيلة "صفر"

 

ـ مسؤول بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان: هناك قضاة يتعرضون إلى تهديدات بالقتل

تونس-الصباح

طالب ممثلو الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية الحكومة بتحمل مسؤولياتها في ضمان أمن قضاة الدوائر المتخصصة والتصدي للضغوطات المسلطة عليهم والتهديدات التي يتعرضون لها من قبل بعض النقابات الأمنية، ودعوا خلال ندوة صحفية عقدوها أمس بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وزارة الداخلية إلى تطبيق القانون والعمل على تنفيذ بطاقات الجلب الصادرة عن الدوائر الجنائية المتخصصة وفقا لمقتضيات الفصل 142 من مجلة الإجراءات الجزائية وذلك حتى يمثل المنسوب إليهم انتهاكات حقوق الإنسان أمام القضاء، وشددوا بالخصوص على ضرورة وضع حد نهائي لسياسة الإفلات من العقاب..

وخصصت الندوة الصحفية لتقديم حصيلة أربع سنوات على انطلاق عمل الدوائر القضائية المتخصصة بداية من شهر ماي 2018 واستعراض جملة التجاوزات التي شابت عمل هذه الدوائر.

حمزة بن نصر منسق الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية أشار إلى أن الدوائر القضائية المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية ورد الاعتبار لضحايا الانتهاكات، وبعد أربع سنوات من تركيزها، لم تصدر أي حكم. وذكر أنه تم تسجيل أكثر من ألف انتهاك جسيم ضد حقوق الإنسان، لكن الفاعلين يواصلون عملهم بصفة عادية بل هناك من تمت ترقيتهم وهناك من تمت دعوتهم مؤخرا للمشاركة في الحوار الوطني حول إعداد دستور جديد للبلاد. وأضاف بن نصر أن هناك قضايا تمت إحالتها على القضاء من قبل هيئة الحقيقية والكرامة وكان بالإمكان البت فيها في غضون سنة على أقصى تقدير لكن للأسف لم يقع النظر فيها بعد.

ولاحظ بن نصر أن كل ما حدث في علاقة بمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان هو تكريس لدولة الإفلات من العقاب عوضا عن دولة القانون وذلك لأن هناك قضاة يتعرضون للتهديدات المباشرة من قبل من ينسبون أنفسهم لنقابات أمنية، ولأن النصاب القانوني الذي يسمح للقضاة بالجلوس للنظر في قضايا الانتهاكات في أغلب الأحيان غير متوفر لأنه مع كل نقلة قضائية يتعطل عمل الدوائر المتخصصة لمدة قد تصل إلى ستة أشهر وذلك لأن القضاة الذين تتم نقلتهم للدوائر المذكورة لا بد أن يخضعوا لدورات تكوينية..

إفلات من العقاب

أما أحمد علوي مسؤول حقوق الإنسان بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فبين أنه بعد سنتين من نشر تقرير هيئة الحقيقة والكرامة الختامي، لم يقع وضع خطة عمل لتطبيق التوصيات الواردة في التقرير رغم أن قانون العدالة الانتقالية يوجب على السلطة التنفيذية وضع هذه الخطة. وأضاف أن أهمية العدالة الانتقالية لا تقتصر على المسار القضائي المتعلق بضحايا الانتهاكات بل تكمن في إنصاف الضحايا عبر كشف الحقيقة وجبر الضرر، ولكن إلى غاية اليوم لم يقع التقدم في مسار جبر ضرر ضحايا الانتهاكات، ولم يقع التقدم في مسار إصلاح المؤسسات لتلافي تكرارها نفس الانتهاكات التي حصلت في العهد السابق، ولضمان إرساء دولة القانون والمؤسسات.

وذكر ممثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن قانون العدالة الانتقالية في فصله السادس تحدث عن المساءلة والمحاسبة باعتبارها مجموع الآليات التي تحول دون الإفلات من العقاب أو التفصي من المسؤولية، وفي فصله الثامن عدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تنظر فيها الدوائر المتخصصة وهذه الجرائم هي القتل العمد، والاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي، والتعذيب، والاختفاء القسري، والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة، في حين نص الفصل التاسع من نفس القانون على هذه الجرائم لا تسقط بمرور الزمن وهو ما يعني أن من ارتكب جريمة سيحاسب حتى ولو بعد مرور نصف قرن..

وأشار علوي إلى أنه إضافة إلى ما ورد في القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، فقد تمت دسترة العدالة الانتقالية بموجب دستور 2014 وتحديدا النقطة التاسعة من الفصل 148 التي نصت على أن تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها، ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن. وأضاف أنه حتى في صورة تغيير الدستور فإن ذلك لا يعني تفصي الدولة التونسية من التزاماتها الدولية لأن المعاهدات الدولية أعلى مرتبة من القوانين والمراسيم، ولأن تونس صادقت على العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية وعلى البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية وعلى بروتوكولات مكافحة الفساد ومكافحة جرائم التعذيب والمعاملات المسيئة والمهينة، ولكن وبعد 12 سنة من الثورة فإن عدد المنسوب لهم انتهاكات ممن تمت محاسبتهم يعدون على الأصابع أما السواد الأعظم منهم فهم إلى اليوم خارج السجون.

وأضاف أن المنسوب لهم الانتهاكات لا يحضرون جلسات الدوائر القضائية المتخصصة رغم أن هناك ملفات عرضت في 15 و16 جلسة.. وذكر أنه تمت دعوة المنسوب لهم الانتهاك من المنتمين إلى الجهاز الأمني لعدم حضور جلسات الدوائر القضائية المتخصصة والحال أنه كان من المفروض وبعد الاستدعاء وأمام عدم المثول أمام القضاء أن يقع إصدار بطاقات جلب في شأنهم لكن هذا لم يحدث والحال أن جميع شروط المحاكمة العادلة متوفرة.

وقال أحمد علوي انه لا بد من إصدار أحكام بالإدانة لأن الجرائم المتركبة ليست بالهينة بل هي ترتقي إلى مرتبة الانتهاكات الجسيمة، وللتأكد من فداحة تلك الانتهاكات تكفي العودة إلى جلسات الاستماع التي قامت بها هيئة الحقيقة والكرامة للضحايا وهم ينتمون إلى جميع العائلات السياسية.

وأشار ممثل المفوضية إلى أنه لم يقع وضع خطة وطنية لتنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة، ولم تقع محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وبهذه الكيفية لا يمكن طي صفحة الماضي والقول إن أهداف العدالة الانتقالية تحققت والمصالحة تمت، فالعدالة الانتقالية لا تهم ضحايا تعرضوا إلى انتهاكات في الستينات والسبعينات من القرن الماضي بل تهم الزمن الراهن لأنه لم يقع إصلاح المنظومة القانونية ولم يقع إصلاح المنظومة ولأن عمل الدوائر الانتقالية معطل فمنذ أربع سنوات لم يقع البت في أي ملف بسبب تغيير تركيبة هذه الدوائر وتجاهل توصيات الائتلاف المدني المتمثلة في الإبقاء على نفس التركيبة لضمان الاستمرارية.

ولاحظ علوي وجود تراجع على مستوى الإرادة السياسية في تفعيل العدالة الانتقالية ومعالجة الانتهاكات التي حدثت في الماضي وذكر أن حركة القضاة ليست المشكلة الوحيدة المتسببة في تعطيل مسار العدالة الانتقالية بل هناك تهديدات تطال القضاة في هذه الدوائر والتي تصل إلى تهديدات بالقتل. وخلص مسؤول حقوق الإنسان بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن مسار العدالة الانتقالية ضروري وإلى أن هذا المسار غير مرتبط بهيئة الحقيقة والكرامة.

الاستعراض الدوري الشامل

تطرق الحسين بوشيبة منسق التحالف التونسي للكرامة ورد الاعتبار وعضو الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية إلى الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان والتقرير الذي سيتم رفعه من قبل المجتمع المدني خلال الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان التي ستقام في جينيف يوم 8 نوفمبر المقبل، وهو تقرير مواز للتقرير الذي ستقدمه الدولة التونسية يوم 11 نوفمبر، وبين بوشيبة أن تقرير المجتمع المدني تضمن عديد التوصيات وذكر أنه تم إعداد قرابة أربعين تقريرا تتعلق بقضايا حقوق الإنسان والطفولة والبيئة والثقافة وغيرها من المجالات، ويهدف المجتمع المدني من خلال هذه التقارير حسب قوله، إلى تطوير التشريعات الوطنية الضمانة لاحترام حقوق الإنسان والحريات والتعايش السلمي والتنمية. وقال إنه في علاقة بالعدالة الانتقالية وبعد استيفاء كل الطرق القانونية في تونس سيتجهون إلى المحاكم الدولية لأن هدفهم الأساسي هو القطع مع سياسة الإفلات من العقاب فالانتهاكات تواصلت إلى اليوم.

وأضاف بوشيبة أنهم في الائتلاف المدني يحملون الدولة التونسية التي صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية مسؤولية احترام تلك الاتفاقيات ومسؤولية إحداث آليات لمقاومة التعذيب ومسؤولية تنفيذ توصيات مجلس حقوق الإنسان إذ هناك توصيات تعود إلى سنة 2017 لمنها لم تطبق وهي تتعلق بالكف عن محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية.

قضية كمال المطماطي

من الملفات الحارقة التي تم التطرق إليها أمس خلال الندوة الصحفية المنعقدة بباردة من الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية قضية كمال المطماطي التي تحدث عنها الأستاذ مختار الجماعي المحامي لدى التعقيب وعضو فريق الدفاع عن ضحايا الانتهاكات وخاصة قضيتي كمال المطماطي وشهداء الثورة في الحامة. وذكر الجماعي أن قضية كمال المطماطي الناشط النقابي والسياسي يمكن اعتبار مسارها نموذجا للعدالة الانتقالية لأنه يوجد فيها التعذيب والإخفاء القسري والقتل وانتهاك حقوق الإنسان فضلا عن بعدها التاريخي لكونها تعود إلى الحقبة التي كشرت فيها الدولة التونسية عن أنيابها.. وأضاف أن هذه القضية فضحت دولة الاستبداد النوفمبرية، وذكر أن الدائرة الجنائية للعدالة الانتقالية تعاملت مع الملف بجدية وأصدرت أحكاما تحضيرية يستشف منها سعي للوصول إلى الحقيقة، لكن يبدو أن التعطيلات كانت أكبر من إرادة المحكمة، فالضابطة العدلية تمتنع عن القيام بدورها ولا تقوم بجلب من نسبت لهم الانتهاكات.

وتطرقت الأستاذة علا بن نجمة عضو هيئة الحقيقة والكرامة في مداخلتها، إلى دور الدوائر القضائية المتخصصة في مكافحة الإفلات من العقاب وذكرت بالخصوص أن الهيئة قدمت للقضاء 69 لائحة اتهام بعد الاستماع إلى الشهود ودعوة المنسوب لهم الانتهاك والذين يبلغ عددهم 1700، وأضافت أن كل من نسب له انتهاك وجاء للهيئة واعترف وطلب الصفح فإن الضحايا صفحوا عنه، وكان بالإمكان تحقيق مصالحة حقيقية لكن للأسف منذ خطاب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي اقترح فيه عرض مشروع قانون المصالحة هناك من تراجعوا عن دعم العدالة الانتقالية وكان لذلك الخطاب تأثير سلبي على مسار العدالة الانتقالية رغم أن العدالة الانتقالية مهمة للغاية لأنها تساعد على كشف حقيقة الماضي لتلافي تكرار نفس الأخطاء، ولتجنب الإفلات من العقاب. وأشارت بن نجمة إلى أنها كرئيسة للجنة البحث والتقصي في هيئة الحقيقة والكرامة تدرك جيدا انه تمت مطالبة أمنيين بأن لا يذهبوا للهيئة لكن هناك منهم من جاءوا وطالبوا بحمايتهم من التعليمات لأن ما فعلوه كان في إطار تنفيذ تعليمات.

وقالت علا بن نجمة إن الجميع يفكرون في سبل الخلاص الشخصي والحال أن العدالة الانتقالية تضمن الخلاص الجماعي بعد رصد أخطاء الماضي والقيام بمصالحة حقيقة، ونبهت إلى أن الإفلات من العقاب لن يطول، وخلصت إلى أن العدالة الانتقالية فرصة مهدورة.

ترهيب القضاة

وبخصوص الحركة القضائية وتأثيرها على العدالة الانتقالية قالت الأساتذة علا بن نجمة إن الحركة القضائية في كل مرة تربك سير الدوائر المتخصصة لأنه بعد أن يتم تكوين القضاة المنتصبين في هذه الدوائر تأتي الحركة لتنقلهم نحو دوائر أخرى، وقبل مباشرة القضاة الجدد لا بد من إخضاعهم إلى تكوين وبهذه الكيفية يضيع الكثير من الوقت. ولدى حديثها عن عملية إعفاء القضاة بينت بن نجمة أن الإعفاء هو ترهيب للقضاة وتركيعهم حتى يحكموا كما يريد القائم بالإعفاء، وعبرت عن أملها في أن يتم تجاوز النقطة السوداء لتعود البلاد على حد رأيها إلى طريق الديمقراطية واستقلالية القضاء والقضاة.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews