شهد حفل توقيع كتاب "خوف" للكاتب السعودي أسامة المسلم في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر في دورته الأخيرة تدافع القراء إلى درجة لافتة للانتباه. فلعله لم يحدث أن تسابق القراء في بلدان عربية بالمئات أو أكثر للحصول على توقيع كاتب أيًا كانت قيمته وأيًا كانت شهرته، وهو أمر مثير وجدير بالاهتمام حتى وإن دفع ببعض الكتاب المشاهير إلى التعبير عن استغرابهم من ظاهرة اسمها أسامة المسلم. وهناك من عبر حتى عن الريبة من المسألة، معتبرًا أن الإقبال الكبير على كتب أسامة المسلم إلى درجة التدافع بين الجمهور على طريقة ما يحدث في حفلات نجوم الفن من أجل الحصول على توقيع، يمكن اعتباره علامة لا تبشر بخير. ويبرر ذلك بالقول بأن الإقبال في النهاية ليس على الكتاب وإنما على كاتب تعود شهرته إلى انتشاره على مواقع التواصل الاجتماعي على غرار "إنستغرام" و"فايسبوك" و"تيك توك" وغيرها.
ولا ينكر الكاتب السعودي أنه اشتهر بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قال في إحدى تصريحاته الإعلامية إن علاقته مباشرة مع قرائه موضحًا أن علاقته مع الإعلام التقليدي ليست قوية، ولكنه يوضح أيضًا أنه انطلق في الكتابة قبل الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي وأنه إن زادت شهرته بفضل هذه المواقع، فهو في الأصل كاتب، وأن تجربته الإبداعية قد سبقت وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت، وفق تأكيد له، في 2019، في حين أنه بدأ الكتابة في 2015.
ولنا أن نشير إلى أن تهافت القراء في الجزائر على كتب أسامة المسلم مقابل مقاطعتهم لكتب آخرين من بينهم أسماء كبيرة قد أثار استياء البعض ممن يعتبرون أن الشهرة التي تأتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي شهرة زائفة. وقد تناقل كثيرون صورًا من معرض الجزائر تظهر تهافتًا على جناح الكاتب السعودي مقابل تجاهل أجنحة روائيين وباحثين وعلماء لهم تاريخ كبير ورصيد مهم من الإصدارات. وقد تحول الكاتب أسامة المسلم منذ أعوام إلى ظاهرة حقيقية. فقد سبق أن رافق حضوره معرض القاهرة الدولي للكتاب نفس الجدل، ويراهن على أنه أينما حل سيخلق نفس الزوبعة ويغطي وجوده على بقية الأحداث. كل بطبيعة الحال يسعى إلى تفسير هذه الظاهرة، وهناك من يردها إلى تخصص أسامة المسلم في الكتابة حول الفانتازيا والجن والشياطين، وهي مواضيع مثيرة للفضول. وهناك من يعتبر أن هذا الكاتب هو ببساطة صنيعة مواقع التواصل الاجتماعي، والسؤال الأهم إزاء ذلك: هل أن انتشار هذا الكاتب يجعل منه النموذج الذي يُقتدى به في المستقبل أم ماذا؟
وقد طرحنا بدورنا الموضوع على عدد من المشاركين في معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي سنحت الفرصة لنا هذا العام لحضوره (من 6 إلى 17 نوفمبر)، مع العلم أن معرض الجزائر الدولي للكتاب قد تزامن هذه المرة مع معرض الشارقة، وقد وصلت أصداء اللقاء المثير بين الكاتب أسامة المسلم وقرائه وتدافعهم من أجل نيل توقيعه إلى الحضور في الشارقة.
بالنسبة للناشر الإماراتي محسن سليمان، فإن موقفه واضح. كل ما يُروج في مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) ليس أدبًا حقيقيًا، وهو لا ينفع الناس حتى وإن كان هناك إقبال على ما يكتبه مشاهير على هذه المواقع. وقال في هذا الصدد إنه شاهد طوابير شديدة في معرض الشارقة الدولي لدورة العام الفارط على كتاب يقول ويكرر إنه "ملون بالأسود (على ورق أبيض)" وتنبعث منه رائحة حبر مزعجة، في حين يظل كتاب مرموقون أو حتى شباب أكفاء في العتمة. وتظل القراءة في أيامنا هذه، برأيه، عملة صعبة، ويظل الناشر شمعة تحترق. ويعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست الوحيدة المتسببة في تلهية القراء عن المحتوى القيم. فهو يعتبر أن إقامة تظاهرات موازية، وهو الذي ظل يتردد على معرض الشارقة الدولي للكتاب وبدون انقطاع منذ الطفولة المبكرة في منتصف الثمانينات (حينها لم تكن هناك ملهيات عن الكتاب وفق ما أصر عليه)، مثل معارض المأكولات وقسم للطهي وفقرات تنشيطية فيها ما هو إيجابي وفيها ما هو سلبي أيضًا، يمكن أن تشكل عناصر تلهية للتلميذ أو للطفل الذي يعتبر أن زيارته لمعرض الكتاب يجب أن تركز على الكتاب فقط. كثرة الناشرين، برأيه (2500 عارض هذا العام)، يمكن أيضًا أن تؤثر سلبًا على استقطاب القراء للمحتوى الجيد. فالزائر يمكن أن يضيع في زحمة العارضين، وهو يرى أنه من المحبذ لو أن معرض الشارقة الدولي للكتاب لا يضم معرضًا لكتاب الطفل، خاصة أن هناك معرضًا كبيرًا يُخصص لكتاب الطفل في شهر ماي من كل سنة.
وحول كيفية الحد من تأثير وسائط التواصل الاجتماعي على نوعية القراءة، يقول الناشر الإماراتي المتخصص في الترجمة وفي الكتاب الإماراتي إن الإعلام التقليدي (صحافة ورقية وتلفزيون بالخصوص) يتحمل مسؤولية كبيرة في التعريف بالنصوص الجيدة والجدية. فكثير من الكتاب الجيدين لا علاقة لهم بـ"السوشيال ميديا"، وفق رأيه، وكثير من المشاهير لا علاقة لهم بالأدب الحقيقي، وهو ما يهدد بخلق قطيعة بين الثقافة الجادة والقراء. وهنا تكمن، حسب قوله، أهمية عمل الإعلام الكلاسيكي الذي يعتقد أن دوره يتضاعف مع انتشار النماذج المهددة للمحتويات الجيدة في مواقع التواصل الاجتماعي.
بالنسبة لرنا ناصيف، وهي مسؤولة عن منشورات "تكوين" الكويتية، فهي تعتبر أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تضر الكتاب كثيرًا لأن القراء أصبحوا يأتون خصيصًا وهم يعرفون عناوين الكتب بفضل اطلاعهم عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أما محمد محمود، وهو مسؤول بدار نشر سمير منصور الفلسطينية (الناشر تعذر عليه التحول من غزة إلى الإمارات بسبب الأوضاع في المنطقة)، فهو يعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها تأثير كبير على مجال الكتاب عمومًا، لكن الموضوع يُطرح من ناحية الجودة. فليس كل ما يُصدر عن هذه المواقع يمكن اعتباره محتوى أدبيًا أو إبداعيًا جيدًا، كما أن الشهرة عبر هذه المواقع لا تعني أن أصحابها من أصحاب التجارب الثرية والمقنعة دائمًا. وهو يرى أن استمرار تنظيم معارض للكتاب رغم منافسة الوسائط الجديدة مهم لأنه سيطيل عمر الكتاب الورقي، خاصة أن المعارض تحرص على استقطاب طلاب المدارس. الأمر سيجعلهم يتربون على الكتاب، وخاصة على الكتاب الورقي.
أما سادين عبد الله عن دار نشر "بلاتونيوم بوك" بالكويت، فهي تعتبر أن أفضل وسيلة للحفاظ على الكتاب الورقي هي الاستمرار في تنظيم معارض الكتاب، خاصة المعارض ذات الجودة العالية التي تتيح فرصة التعرف في كل مرة على قصص وحكايات وتواريخ لا تعرفها الأجيال الشابة جيدًا. وهي تعتبر أن معرض الكتاب يجدد تلك العادة في التعرف إلى الكتاب ولمسه وتصفح ورقاته مما يغذي الرغبة في استمرار العلاقة المباشرة مع الكتاب، وهي تعتقد أن الحكم بزوال الكتاب الورقي غير معقول لأنه حينها يمكن أن نحكم بغلق المدارس وبغلق المتاجر والاكتفاء بطلب كل شيء عن بعد.
بالنسبة لعبد الله طه، وهو يمثل دار "روائع للنشر" (تركيا)، فإن ظاهرة التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الكتابة والنشر تبقى محدودة. ومشاهير "السوشيال ميديا" يستهدفون، برأيه، المراهقين وما قبل المراهقة، أولئك الذين يتأثرون بطريقة لباس الكاتب وعطره وغيرها، لكنها تصبح خطيرة عندما تُستغل لترويج محتويات تافهة وهابطة ومستفزة باسم حرية النشر والإبداع. حينها لابد من فرض مراقبة على أصحابها وعلى إصداراتهم، وفق قوله.
أما الناشرة التونسية نادرة حيدري، فهي تعتقد أن مجال النشر في الإمارات منظم ولا يسمح بمحتويات تافهة أو هابطة، وهو ما ينبغي أن يكون ساري المفعول في كل منطقة تريد حماية المحتويات الجيدة. أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، فهي وإن كانت تساعد الكتاب على الانتشار بفضل التواصل مع القارئ، فإنها قد تعيق العلاقة المباشرة مع الناشر وأصحاب المكتبات التي يمكنها أن تستثمر مسألة التواصل المباشر في إقناع القارئ بشكل أفضل لاقتناء الكتاب، وبالتالي تعيق، أي وسائل التواصل الاجتماعي، برأيها، نوعًا ما عملية ترويج الكتاب.
ولنا أن نشير إلى أن جل من تحدثنا إليهم، بمن فيهم أولئك الذين يرفضون تمامًا ظاهرة الشهرة التي تصنعها هذه الوسائط، يعتبرون أن "السوشيال ميديا" شر لا بد منه وأن التظاهر بأنها غير موجودة لا فائدة منه، وأن هذه الوسائل بصدد فرض واقع جديد في عالم الكتاب والنشر ويمكن أن تؤثر مستقبلاً حتى في شكل معارض الكتاب. كيف ذلك؟ ذلك متروك للمستقبل وللدراسين.
حياة السايب
تونس - الصباح
شهد حفل توقيع كتاب "خوف" للكاتب السعودي أسامة المسلم في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر في دورته الأخيرة تدافع القراء إلى درجة لافتة للانتباه. فلعله لم يحدث أن تسابق القراء في بلدان عربية بالمئات أو أكثر للحصول على توقيع كاتب أيًا كانت قيمته وأيًا كانت شهرته، وهو أمر مثير وجدير بالاهتمام حتى وإن دفع ببعض الكتاب المشاهير إلى التعبير عن استغرابهم من ظاهرة اسمها أسامة المسلم. وهناك من عبر حتى عن الريبة من المسألة، معتبرًا أن الإقبال الكبير على كتب أسامة المسلم إلى درجة التدافع بين الجمهور على طريقة ما يحدث في حفلات نجوم الفن من أجل الحصول على توقيع، يمكن اعتباره علامة لا تبشر بخير. ويبرر ذلك بالقول بأن الإقبال في النهاية ليس على الكتاب وإنما على كاتب تعود شهرته إلى انتشاره على مواقع التواصل الاجتماعي على غرار "إنستغرام" و"فايسبوك" و"تيك توك" وغيرها.
ولا ينكر الكاتب السعودي أنه اشتهر بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قال في إحدى تصريحاته الإعلامية إن علاقته مباشرة مع قرائه موضحًا أن علاقته مع الإعلام التقليدي ليست قوية، ولكنه يوضح أيضًا أنه انطلق في الكتابة قبل الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي وأنه إن زادت شهرته بفضل هذه المواقع، فهو في الأصل كاتب، وأن تجربته الإبداعية قد سبقت وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت، وفق تأكيد له، في 2019، في حين أنه بدأ الكتابة في 2015.
ولنا أن نشير إلى أن تهافت القراء في الجزائر على كتب أسامة المسلم مقابل مقاطعتهم لكتب آخرين من بينهم أسماء كبيرة قد أثار استياء البعض ممن يعتبرون أن الشهرة التي تأتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي شهرة زائفة. وقد تناقل كثيرون صورًا من معرض الجزائر تظهر تهافتًا على جناح الكاتب السعودي مقابل تجاهل أجنحة روائيين وباحثين وعلماء لهم تاريخ كبير ورصيد مهم من الإصدارات. وقد تحول الكاتب أسامة المسلم منذ أعوام إلى ظاهرة حقيقية. فقد سبق أن رافق حضوره معرض القاهرة الدولي للكتاب نفس الجدل، ويراهن على أنه أينما حل سيخلق نفس الزوبعة ويغطي وجوده على بقية الأحداث. كل بطبيعة الحال يسعى إلى تفسير هذه الظاهرة، وهناك من يردها إلى تخصص أسامة المسلم في الكتابة حول الفانتازيا والجن والشياطين، وهي مواضيع مثيرة للفضول. وهناك من يعتبر أن هذا الكاتب هو ببساطة صنيعة مواقع التواصل الاجتماعي، والسؤال الأهم إزاء ذلك: هل أن انتشار هذا الكاتب يجعل منه النموذج الذي يُقتدى به في المستقبل أم ماذا؟
وقد طرحنا بدورنا الموضوع على عدد من المشاركين في معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي سنحت الفرصة لنا هذا العام لحضوره (من 6 إلى 17 نوفمبر)، مع العلم أن معرض الجزائر الدولي للكتاب قد تزامن هذه المرة مع معرض الشارقة، وقد وصلت أصداء اللقاء المثير بين الكاتب أسامة المسلم وقرائه وتدافعهم من أجل نيل توقيعه إلى الحضور في الشارقة.
بالنسبة للناشر الإماراتي محسن سليمان، فإن موقفه واضح. كل ما يُروج في مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) ليس أدبًا حقيقيًا، وهو لا ينفع الناس حتى وإن كان هناك إقبال على ما يكتبه مشاهير على هذه المواقع. وقال في هذا الصدد إنه شاهد طوابير شديدة في معرض الشارقة الدولي لدورة العام الفارط على كتاب يقول ويكرر إنه "ملون بالأسود (على ورق أبيض)" وتنبعث منه رائحة حبر مزعجة، في حين يظل كتاب مرموقون أو حتى شباب أكفاء في العتمة. وتظل القراءة في أيامنا هذه، برأيه، عملة صعبة، ويظل الناشر شمعة تحترق. ويعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست الوحيدة المتسببة في تلهية القراء عن المحتوى القيم. فهو يعتبر أن إقامة تظاهرات موازية، وهو الذي ظل يتردد على معرض الشارقة الدولي للكتاب وبدون انقطاع منذ الطفولة المبكرة في منتصف الثمانينات (حينها لم تكن هناك ملهيات عن الكتاب وفق ما أصر عليه)، مثل معارض المأكولات وقسم للطهي وفقرات تنشيطية فيها ما هو إيجابي وفيها ما هو سلبي أيضًا، يمكن أن تشكل عناصر تلهية للتلميذ أو للطفل الذي يعتبر أن زيارته لمعرض الكتاب يجب أن تركز على الكتاب فقط. كثرة الناشرين، برأيه (2500 عارض هذا العام)، يمكن أيضًا أن تؤثر سلبًا على استقطاب القراء للمحتوى الجيد. فالزائر يمكن أن يضيع في زحمة العارضين، وهو يرى أنه من المحبذ لو أن معرض الشارقة الدولي للكتاب لا يضم معرضًا لكتاب الطفل، خاصة أن هناك معرضًا كبيرًا يُخصص لكتاب الطفل في شهر ماي من كل سنة.
وحول كيفية الحد من تأثير وسائط التواصل الاجتماعي على نوعية القراءة، يقول الناشر الإماراتي المتخصص في الترجمة وفي الكتاب الإماراتي إن الإعلام التقليدي (صحافة ورقية وتلفزيون بالخصوص) يتحمل مسؤولية كبيرة في التعريف بالنصوص الجيدة والجدية. فكثير من الكتاب الجيدين لا علاقة لهم بـ"السوشيال ميديا"، وفق رأيه، وكثير من المشاهير لا علاقة لهم بالأدب الحقيقي، وهو ما يهدد بخلق قطيعة بين الثقافة الجادة والقراء. وهنا تكمن، حسب قوله، أهمية عمل الإعلام الكلاسيكي الذي يعتقد أن دوره يتضاعف مع انتشار النماذج المهددة للمحتويات الجيدة في مواقع التواصل الاجتماعي.
بالنسبة لرنا ناصيف، وهي مسؤولة عن منشورات "تكوين" الكويتية، فهي تعتبر أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تضر الكتاب كثيرًا لأن القراء أصبحوا يأتون خصيصًا وهم يعرفون عناوين الكتب بفضل اطلاعهم عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أما محمد محمود، وهو مسؤول بدار نشر سمير منصور الفلسطينية (الناشر تعذر عليه التحول من غزة إلى الإمارات بسبب الأوضاع في المنطقة)، فهو يعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها تأثير كبير على مجال الكتاب عمومًا، لكن الموضوع يُطرح من ناحية الجودة. فليس كل ما يُصدر عن هذه المواقع يمكن اعتباره محتوى أدبيًا أو إبداعيًا جيدًا، كما أن الشهرة عبر هذه المواقع لا تعني أن أصحابها من أصحاب التجارب الثرية والمقنعة دائمًا. وهو يرى أن استمرار تنظيم معارض للكتاب رغم منافسة الوسائط الجديدة مهم لأنه سيطيل عمر الكتاب الورقي، خاصة أن المعارض تحرص على استقطاب طلاب المدارس. الأمر سيجعلهم يتربون على الكتاب، وخاصة على الكتاب الورقي.
أما سادين عبد الله عن دار نشر "بلاتونيوم بوك" بالكويت، فهي تعتبر أن أفضل وسيلة للحفاظ على الكتاب الورقي هي الاستمرار في تنظيم معارض الكتاب، خاصة المعارض ذات الجودة العالية التي تتيح فرصة التعرف في كل مرة على قصص وحكايات وتواريخ لا تعرفها الأجيال الشابة جيدًا. وهي تعتبر أن معرض الكتاب يجدد تلك العادة في التعرف إلى الكتاب ولمسه وتصفح ورقاته مما يغذي الرغبة في استمرار العلاقة المباشرة مع الكتاب، وهي تعتقد أن الحكم بزوال الكتاب الورقي غير معقول لأنه حينها يمكن أن نحكم بغلق المدارس وبغلق المتاجر والاكتفاء بطلب كل شيء عن بعد.
بالنسبة لعبد الله طه، وهو يمثل دار "روائع للنشر" (تركيا)، فإن ظاهرة التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الكتابة والنشر تبقى محدودة. ومشاهير "السوشيال ميديا" يستهدفون، برأيه، المراهقين وما قبل المراهقة، أولئك الذين يتأثرون بطريقة لباس الكاتب وعطره وغيرها، لكنها تصبح خطيرة عندما تُستغل لترويج محتويات تافهة وهابطة ومستفزة باسم حرية النشر والإبداع. حينها لابد من فرض مراقبة على أصحابها وعلى إصداراتهم، وفق قوله.
أما الناشرة التونسية نادرة حيدري، فهي تعتقد أن مجال النشر في الإمارات منظم ولا يسمح بمحتويات تافهة أو هابطة، وهو ما ينبغي أن يكون ساري المفعول في كل منطقة تريد حماية المحتويات الجيدة. أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، فهي وإن كانت تساعد الكتاب على الانتشار بفضل التواصل مع القارئ، فإنها قد تعيق العلاقة المباشرة مع الناشر وأصحاب المكتبات التي يمكنها أن تستثمر مسألة التواصل المباشر في إقناع القارئ بشكل أفضل لاقتناء الكتاب، وبالتالي تعيق، أي وسائل التواصل الاجتماعي، برأيها، نوعًا ما عملية ترويج الكتاب.
ولنا أن نشير إلى أن جل من تحدثنا إليهم، بمن فيهم أولئك الذين يرفضون تمامًا ظاهرة الشهرة التي تصنعها هذه الوسائط، يعتبرون أن "السوشيال ميديا" شر لا بد منه وأن التظاهر بأنها غير موجودة لا فائدة منه، وأن هذه الوسائل بصدد فرض واقع جديد في عالم الكتاب والنشر ويمكن أن تؤثر مستقبلاً حتى في شكل معارض الكتاب. كيف ذلك؟ ذلك متروك للمستقبل وللدراسين.