مازال ملف تحويل البريد التونسي إلى بنك يراوح مكانه رغم طرحه في عديد الجلسات البرلمانية إما بحضور وزيرة المالية، سهام بوغديري نمصية، أو رئيس مدير عام مؤسسة البريد التونسي. فإحداث بنك بريدي يعتبر عنصرا أساسيا لتعزيز الإدماج المالي بحكم أنه يستقطب عديد الفئات خاصة في المناطق غير المشمولة بالخدمات البنكية.
موضوع عاد نواب الغرفتين بالمؤسسة التشريعية، أي مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم لطرحه على وزير تكنولوجيات الاتصال خلال مناقشة مشروع ميزانية الوزارة للعام 2025 في الجلسة المشتركة.
وقد تساءل عدد من نواب الغرفتين عن سبب تعطيل إنجاز البنك البريدي، الذي وصفوه بالمطلب الشعبي، معتبرين أن التعطيل مرده "لوبيات" البنوك.
ومن بين أسباب تجديد طرح مسألة تحويل البريد إلى بنك بريدي هو عودة طرح ملف العمولات المشطة التي تتقاضاها البنوك.
إذ تقاضت كبرى البنوك التونسية عمولات بلغت في عام 2022 حوالي 4.364 مليون دينار، هذا دون احتساب فوائض عمولات بقية البنوك غير المدرجة بالبورصة. إذ تتقاضى البنوك التونسية شهريًا 83 دينارًا على كل حساب بنكي بعنوان عمولات وفوائض، ومسألة العمولات المشطة جعلت العديد من الجهات تُطالب بتغيير بعض مقتضيات القانون المنظم لنشاط البنوك والمؤسسات المالية، وخاصةً المطالبة بشدة بتحويل مؤسسة البريد التونسي إلى بنك.
5 سنوات من الانتظار
منذ 2019 تم تقديم مشروع تحويل البريد التونسي إلى بنك، مقترح وقع تقديمه نظرا لتواجد البريد في جل المناطق إضافة إلى تقديمه لخدمات لحرفائه بتكلفة أقل من الخدمات المقدّمة من قبل البنوك، هذا إلى جانب مواكبته للتطوّرات التكنولوجية وهو ما يجعله قادرا على التحوّل إلى بنك في وقت وجيز. إلا أن هذا الملف ظلّ يُرحَّل من حكومة إلى أخرى في السنوات الأخيرة، حتى وصل إلى حد التهميش ما أدخل الشك لدى أغلب المتابعين للملف في إمكانية تجسيم المشروع من خلال تحويل البريد الى بنك. علما وأن فكرة إنشاء بنك بريدي تونسي تعود إلى سنة 2007، تاريخ أوّل دراسة في الغرض، وقد أخَذَت هذه الفكرة صبغة عمليّة سنة 2016، حيث طُرحَت في مجلس وزاريّ في حقبة رئيس الحكومة الأسبق، الحبيب الصيد.
ولئن كشف الديوان الوطني للبريد في كل مرة عن إرادة حقيقية لتفعيل هذا البرنامج إلا أن الإرادة تبدو مُنعدمة لدى الحكومات المتعاقبة التي لم تتبنّ المشروع ولم تُدافع عنه أمام التعطيلات التي لطالما اعترضته.
وقد كشفت دراسة للمعهد التّونسي للدراسات الإستراتيجية الرّاجع بالنّظر لرئاسة الجمهورية، أن تحويل البريد التونسي إلى بنك سيساعد على الإدماج المالي باعتبار أن أكثر من 700 ألف تونسي يزورون مكاتب البريد يوميا فضلا عن تصرف المؤسسة في حوالي 4 مليون حساب ادخار وقرابة 2 مليون حساب بريدي جاري في حين تناهز قيمة الموجودات 13 مليار دينار.
كما بينت الدراسة أن معدل رصيد حساب الادخار في البريد التونسي يقدر بحوالي 2200 دينار. وهو ما يبين أهمية حصة مؤسسة البريد في السوق بما يمكنها من لعب أدوار متعددة خصوصا في مجال التمويل الصغير وإقراض الحرفاء بشكل عام. وأكد المعهد انه لتحقيق نقلة نوعية مالية في مؤسسة البريد التونسي فإنه من الضروري مزيد تطوير مناهج العمل فيه ودعم حوكمته مع الاستئناس بالتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال إذ تتوفر عدة بلدان على بنوك بريدية منها المغرب والبرازيل.
واعتبرت الدراسة انه وبالنظر لتجربة المغرب فإن إحداث بنك بريدي فيها مكنها من تحقيق أكثر من 10 نقاط مائوية في نسبة الإدماج المصرفي وهو أمر متاح لتونس خصوصا وأن البريد التونسي يمتلك شبكة فروع تتكون من أكثر 1040 مكتب بريدي، نصفها في الأرياف وهي مجهزة بالأنظمة المعلوماتية المتطورة بالكامل.
مسألة إستراتيجية
وكانت وزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية، قد أكدت أن إحداث البنك البريدي، يعد مسألة إستراتيجية، مؤكدة أنه يجب النظر في هذا الموضوع في إطار رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار أهمية موارد الادخار بالنسبة للمالية العمومية وإستراتيجية تطوير القطاع البنكي والمالي وأهمية الخدمات البريدية بالإضافة إلى تموقع البريد في قطاع تكنولوجيات الاتصال والمعلومات.
كما أشارت إلى أن إحداث بنك أو تحويل البريد إلى مؤسسة بنكية، يخضع إلى ترخيص لجنة التراخيص بالبنك المركزي، التي تعمل وفقا لإجراءات القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية.
وبينت الوزيرة أن البريد التونسي مؤسسة عمومية مكلفة بتسيير صندوق الادخار الوطني التونسي لفائدة خزينة الدولة، وأن إيداعات الحرفاء مضمونة لدى البريد التونسي وهي موضوعة على ذمة حساب الخزينة وهي مصدر رئيسي لتمويل ميزانية الدولة. كما أكدت أنّ هذا الملف قابل للدرس في إطار الرؤية المذكورة بتشريك كل الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار للآثار السلبية على التوازنات المالية خاصة في هذا الظرف الدقيق.
ومن جانبه أكد الرئيس المدير العام للبريد التونسي سامي المكي خلال جلسة عقدتها لجنة المالية والميزانية بالبرلمان، أنه تم اقتراح مشروع إحداث بنك بريدي منذ عدة سنوات معتبرا أن تواجد البريد في جل المناطق وتقديمه لخدمات بتكلفة أقل من الخدمات المقدّمة من طرف البنوك وبفضل مواكبته للتطوّرات التكنولوجية تجعله قادرا على التحوّل إلى بنك في وقت وجيز.
وكشف أن الدراسات والتجارب تبيّن أن إحداث بنك بريدي يعتبر دافعا أساسيا للإدماج المالي، واعتبره عاملا ملحا للحفاظ على ديمومة المؤسسة الاقتصادية الصغرى، لافتا الى أن المشروع المقترح سيعمل بتكامل مع النظام البنكي. وتابع موضحا أنه تم ضبط الفئات المستهدفة والمناطق التي تغيب أو تضعف فيها التغطية البنكية والآجال الزمنية.
ويُعدّ مطلب تحويل مؤسسة البريد التونسي ذا أهمية قصوى وذلك باعتبار الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه البنك البريدي في دعم الإدماج المالي، والحد من الاقتصاد غير المنظم في البلاد ومساعدة الفئات الهشة على النفاذ إلى التمويل.
حنان قيراط
تونس-الصباح
مازال ملف تحويل البريد التونسي إلى بنك يراوح مكانه رغم طرحه في عديد الجلسات البرلمانية إما بحضور وزيرة المالية، سهام بوغديري نمصية، أو رئيس مدير عام مؤسسة البريد التونسي. فإحداث بنك بريدي يعتبر عنصرا أساسيا لتعزيز الإدماج المالي بحكم أنه يستقطب عديد الفئات خاصة في المناطق غير المشمولة بالخدمات البنكية.
موضوع عاد نواب الغرفتين بالمؤسسة التشريعية، أي مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم لطرحه على وزير تكنولوجيات الاتصال خلال مناقشة مشروع ميزانية الوزارة للعام 2025 في الجلسة المشتركة.
وقد تساءل عدد من نواب الغرفتين عن سبب تعطيل إنجاز البنك البريدي، الذي وصفوه بالمطلب الشعبي، معتبرين أن التعطيل مرده "لوبيات" البنوك.
ومن بين أسباب تجديد طرح مسألة تحويل البريد إلى بنك بريدي هو عودة طرح ملف العمولات المشطة التي تتقاضاها البنوك.
إذ تقاضت كبرى البنوك التونسية عمولات بلغت في عام 2022 حوالي 4.364 مليون دينار، هذا دون احتساب فوائض عمولات بقية البنوك غير المدرجة بالبورصة. إذ تتقاضى البنوك التونسية شهريًا 83 دينارًا على كل حساب بنكي بعنوان عمولات وفوائض، ومسألة العمولات المشطة جعلت العديد من الجهات تُطالب بتغيير بعض مقتضيات القانون المنظم لنشاط البنوك والمؤسسات المالية، وخاصةً المطالبة بشدة بتحويل مؤسسة البريد التونسي إلى بنك.
5 سنوات من الانتظار
منذ 2019 تم تقديم مشروع تحويل البريد التونسي إلى بنك، مقترح وقع تقديمه نظرا لتواجد البريد في جل المناطق إضافة إلى تقديمه لخدمات لحرفائه بتكلفة أقل من الخدمات المقدّمة من قبل البنوك، هذا إلى جانب مواكبته للتطوّرات التكنولوجية وهو ما يجعله قادرا على التحوّل إلى بنك في وقت وجيز. إلا أن هذا الملف ظلّ يُرحَّل من حكومة إلى أخرى في السنوات الأخيرة، حتى وصل إلى حد التهميش ما أدخل الشك لدى أغلب المتابعين للملف في إمكانية تجسيم المشروع من خلال تحويل البريد الى بنك. علما وأن فكرة إنشاء بنك بريدي تونسي تعود إلى سنة 2007، تاريخ أوّل دراسة في الغرض، وقد أخَذَت هذه الفكرة صبغة عمليّة سنة 2016، حيث طُرحَت في مجلس وزاريّ في حقبة رئيس الحكومة الأسبق، الحبيب الصيد.
ولئن كشف الديوان الوطني للبريد في كل مرة عن إرادة حقيقية لتفعيل هذا البرنامج إلا أن الإرادة تبدو مُنعدمة لدى الحكومات المتعاقبة التي لم تتبنّ المشروع ولم تُدافع عنه أمام التعطيلات التي لطالما اعترضته.
وقد كشفت دراسة للمعهد التّونسي للدراسات الإستراتيجية الرّاجع بالنّظر لرئاسة الجمهورية، أن تحويل البريد التونسي إلى بنك سيساعد على الإدماج المالي باعتبار أن أكثر من 700 ألف تونسي يزورون مكاتب البريد يوميا فضلا عن تصرف المؤسسة في حوالي 4 مليون حساب ادخار وقرابة 2 مليون حساب بريدي جاري في حين تناهز قيمة الموجودات 13 مليار دينار.
كما بينت الدراسة أن معدل رصيد حساب الادخار في البريد التونسي يقدر بحوالي 2200 دينار. وهو ما يبين أهمية حصة مؤسسة البريد في السوق بما يمكنها من لعب أدوار متعددة خصوصا في مجال التمويل الصغير وإقراض الحرفاء بشكل عام. وأكد المعهد انه لتحقيق نقلة نوعية مالية في مؤسسة البريد التونسي فإنه من الضروري مزيد تطوير مناهج العمل فيه ودعم حوكمته مع الاستئناس بالتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال إذ تتوفر عدة بلدان على بنوك بريدية منها المغرب والبرازيل.
واعتبرت الدراسة انه وبالنظر لتجربة المغرب فإن إحداث بنك بريدي فيها مكنها من تحقيق أكثر من 10 نقاط مائوية في نسبة الإدماج المصرفي وهو أمر متاح لتونس خصوصا وأن البريد التونسي يمتلك شبكة فروع تتكون من أكثر 1040 مكتب بريدي، نصفها في الأرياف وهي مجهزة بالأنظمة المعلوماتية المتطورة بالكامل.
مسألة إستراتيجية
وكانت وزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية، قد أكدت أن إحداث البنك البريدي، يعد مسألة إستراتيجية، مؤكدة أنه يجب النظر في هذا الموضوع في إطار رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار أهمية موارد الادخار بالنسبة للمالية العمومية وإستراتيجية تطوير القطاع البنكي والمالي وأهمية الخدمات البريدية بالإضافة إلى تموقع البريد في قطاع تكنولوجيات الاتصال والمعلومات.
كما أشارت إلى أن إحداث بنك أو تحويل البريد إلى مؤسسة بنكية، يخضع إلى ترخيص لجنة التراخيص بالبنك المركزي، التي تعمل وفقا لإجراءات القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية.
وبينت الوزيرة أن البريد التونسي مؤسسة عمومية مكلفة بتسيير صندوق الادخار الوطني التونسي لفائدة خزينة الدولة، وأن إيداعات الحرفاء مضمونة لدى البريد التونسي وهي موضوعة على ذمة حساب الخزينة وهي مصدر رئيسي لتمويل ميزانية الدولة. كما أكدت أنّ هذا الملف قابل للدرس في إطار الرؤية المذكورة بتشريك كل الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار للآثار السلبية على التوازنات المالية خاصة في هذا الظرف الدقيق.
ومن جانبه أكد الرئيس المدير العام للبريد التونسي سامي المكي خلال جلسة عقدتها لجنة المالية والميزانية بالبرلمان، أنه تم اقتراح مشروع إحداث بنك بريدي منذ عدة سنوات معتبرا أن تواجد البريد في جل المناطق وتقديمه لخدمات بتكلفة أقل من الخدمات المقدّمة من طرف البنوك وبفضل مواكبته للتطوّرات التكنولوجية تجعله قادرا على التحوّل إلى بنك في وقت وجيز.
وكشف أن الدراسات والتجارب تبيّن أن إحداث بنك بريدي يعتبر دافعا أساسيا للإدماج المالي، واعتبره عاملا ملحا للحفاظ على ديمومة المؤسسة الاقتصادية الصغرى، لافتا الى أن المشروع المقترح سيعمل بتكامل مع النظام البنكي. وتابع موضحا أنه تم ضبط الفئات المستهدفة والمناطق التي تغيب أو تضعف فيها التغطية البنكية والآجال الزمنية.
ويُعدّ مطلب تحويل مؤسسة البريد التونسي ذا أهمية قصوى وذلك باعتبار الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه البنك البريدي في دعم الإدماج المالي، والحد من الاقتصاد غير المنظم في البلاد ومساعدة الفئات الهشة على النفاذ إلى التمويل.