قدم الأمير عبد القادر للغرب المسيحي مثالا عن سماحة الإسلام واحترامه لحقوق الإنسان
لايزال الأمير عبد القادر الجزائري (1808-1883) يمثل رمز المقاومة للاستعمار الفرنسي في الجزائر طوال أكثر من خمسة عشر سنة من القتال والمعارك، استطاع خلالها أن يلحق هزائم عدة بالجيش الفرنسي قبل أن يهزم بسبب تفاوت القوة العسكرية بين قواته التقليدية وقوات الجيش الفرنسي العصرية الذي كان يعتبر من أقوى وأعتى الجيوش في أوروبا.
جرائم الاستعمار ضد الإنسانية
ورغم الهزيمة، فسيأخذ مشعل المقاومة عنه زعماء حركة التحرير الوطني الجزائري الذين سيعلنون حربا شاملة على المستعمر بداية من أول نوفمبر 1954 حتى الثاني من جويلية 1962 تاريخ الاستقلال، ويطيحون بذلك الاستعمار المباشر وينهون وجوده الدموي بعد مائة وثلاثين سنة من الاستعمار القاسي الذي يعتبر في عيون المؤرخين أحد أكبر الجرائم ضد الإنسانية الى جانب الاستعمار البريطاني والبلجيكي والاسباني والبرتغالي.
وخلال سنوات حربه ضد المستعمر قدم الكثير من الأمثلة على احترامه للذات البشرية وإنسانية الإنسان وتعامل مع أعدائه بكل أريحية وحلم، رغم قساوة ووحشية المواجهة العسكرية والحضارية بين عدو استعماري غاصب يريد احتلال البلاد وشعب مقاوم يسعى إلى منع ذلك والدفاع عن حريته ووطنه ودينه.
وخلال السنوات الأخيرة، عادت شخصية الأمير عبد القادر كقائد عسكري وحضاري لتتصدر مجددا أحداث السياسة بين الجزائر وفرنسا ، خاصة في كل مرة تسبق زيارة للرئيس الفرنسي أو الجزائري إلى البلدين، مما يثير جراح الماضي الأسود للاستعمار. وظلت الجزائر تطالب فرنسا بتمكينها من نسخة من أرشيف سنوات جمر الاستعمار. كما تطالب باسترجاع برنس وسيف الأمير عبد القادر الذي يوجد في أحد متاحف فرنسا.
ويجدر التنويه بأن الجزائر في مقاربتها التاريخية تركز على إبراز سجل تاريخ مقاومة الاستعمار وإعادة قراءته الموضوعية تحت يافطة "تاريخ الحركة الوطنية ضد الاستعمار" الذي حولته تونس المجاورة مسخا وتحريفا عام 2011 إلى معهد تحت مسمى "تاريخ تونس المعاصر" ملغية تسمية "المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية"، رغم أن شرارة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار انطلقت من تونس في 18 جانفي 1952 ولحقتها الجزائر عام 1954 قبل ان تشمل دول العالم الثالث. مع العلم ان فرنسا والدول الأوروبية لها معاهد دراسات تاريخية مخصصة للحركة الوطنية المقاومة للاحتلال الألماني لها خلال الحرب العالمية الثانية. وبعضها له معاهد تاريخ حركة وطنية لمقاومة الشيوعية السوفياتية أو الحركة النازية وهي من مكونات حركة التحرير الوطني في كل بلاد للقوات الغازية أو المحتلة. وهو أمر لا علاقة له بالتاريخ المعاصر الشامل لأي بلد في نظر المؤرخين الموضوعيين. وهو ما حرصت الجزائر المكافحة على إبرازه من خلال تنوع معاهد الدراسات التاريخية الشاملة ومعاهد الدراسات الكولونيالية المختصة للتعريف بما ارتكبته فرنسا من مجازر دموية ومن محاولات مسخ لهوية البلاد وفرْنستها على مدى أكثر من قرن دون جدوى .
ويحظى الأمير عبد القادر بالعديد من الثماثيل عبر التراب الجزائري تظهره في صورة مقاتل على ظهر جواده شاهرا سيف المقاومة، كما في تمثاله الأكبر في ساحة الأمير عبد القادر وسط المدينة بالعاصمة الجزائر والذي يحظى بزيارة الشباب للاطلاع وأخذ صور "سيلفي" مع أيقونة المقاومة المسلحة التي دوخت فرنسا وأصبحت مثالا لبلدان العالم الثالث في إفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية.
لقد ظل الأمير عبد القادر في أذهان الناس رمز المقاومة الذي جرد سيفه لمقاومة الاستعمار ووقف زحفه على التراب الجزائري أمام سلبية الخلافة العثمانية التي لم تحرك ساكنا. ولكنها كانت موضوعيا في حالة ضعف ووهن، وهي الملقبة من طرف القوى الغربية المتربصة بممالكها ب" الرجل المريض في الأستانة". وقد ضغطت فرنسا عسكريا على المغرب الذي أوقف مساعداته للأمير، مما أدى إلى إضعافه والسيطرة عليه وأسره عام 1847.
سلوك الأمير الإنساني
وطوال حروبه مع الفرنسيين، أظهر الأمير احتراما للذات البشرية وتسامحا مع أعدائه واحتراما للأسرى من جنود العدو، مكررا في العديد من المناسبات أن الشجاعة في مواجهة العدو لا تمنع المرء من معاملة عدوه المهزوم معاملة إنسانية، "إسوة بتاريخ الإسلام مع أعدائه"، كما كان يقول مستشهدا بسيرة القائد المسلم صلاح الدين الايوبي مع الأعداء الصليبيين الذين كانوا يعمدون إلى القتل والحرق والتنكيل بأعدائهم المسلمين دون شفقة ولا رحمة.
وهكذا كان الأمير حريصا على تبادل الأسرى مع العدو بعد كل معركة. وكان يحرص على تخفيف ألامهم ولا يفرض عليهم الدخول إلى الإسلام للعفو عنهم، بل كان يسعي إلى أنسنة الحرب. وكان يحترم القناعات الدينية للأسرى ويحرص على ممارستهم طقوسهم الدينية وتأمين حضور رجل دين كاثوليكي يبعث الطمأنينة في نفوسهم، كما أفادت شهادات تاريخية متطابقة حول سلوك الأمير الإنساني.
ولكنه في المقابل كان يصطدم برد شرس من العدو الفرنسي دون أن يفتّ ذلك في عضده ويقينه وفكره وهو المؤمن بالتصوف الإسلامي والرحمة وتجاوز حالة الإعاقة الإنسانية لدى العدو. ورغم استسلامه ، فقد تميز بروح إنسانية عالية وكرامة لا مثيل لها، أعطت العدو الشعور بالاحترام له زمن الحرب وزمن السلم. وهذا ما جعل العدو يطلق سراحه بعد خمس سنوات من السجن في أحد سجون الامبراطورية الفرنسية، قبل أن ينتقل إلى دمشق التابعة للخلافة العثمانية ويقضي بقية حياته يؤلف الكتب حول التسامح الإنساني وحركة التصوف ومكانة الدين في حياة الإنسان. وكان يدعو إلى نشر التعليم والعلوم ومقاومة كل مظاهر الانحطاط الحضاري في الممالك الإسلامية لتوفير مقومات مواجهة الأعداء. وكان يشعر بالبون الحضاري الشاسع الذي أصبح قائما بين الممالك الأوروبية المتقدمة علميا وفكريا وعسكريا وبين ممالك بلدان الإسلام وغرقها في الانحطاط والتخلف الفكري والعلمي، بعد أن كانت متقدمة علميا وفكريا طوال العصر الوسيط بقرونه الخمسة. وقد تدخل وهو في إقامته في دمشق للدفاع عن المحرومين والفقراء وسائر المضطهدين دينيا من الأقليات في الشرق الإسلامي الذي عانى من الحروب الصليبية على بيت المقدس لأكثر من قرنين من الزمن.
لقد قدم الأمير عبد القادر للغرب المسيحي مثلا عن سماحة الإسلام واحترامه لحقوق الإنسان والأقليات بعيدا عن تعصب الغرب الذي شن أكثر من سبع حملات صليبية شرسة شغل بها العالم الإسلامي عن تحقيق تطوره العلمي والمادي واللحاق بالبلدان المتقدمة وجعله يبقي في حالة دفاع شرعي عن النفس وتوجس من مهاجمته والسيطرة عليه من كتائب متعصبي الصليب القادمين من شمال الضفة الشمالية للمتوسط.
وفي كتابات الغرب الأوروبي، ظلت صورة الأمير ناصعة كصورة صلاح الدين الايوبي الملقب ب " صالادان" كرمز للتسامح الإسلامي الذي يجعل الإنسان يتحول من بشر عادي إلى ما يسميه الأمير عبد القادر في كتاباته الصوفية " الإنسان الكامل" المتجاوز ذاته الصغيرة إلى ما هو أشمل في إطار ما يسميه شيخه الأكبر المتصوف ابن عربي " وحدانية الوجود وتسامح الذات مع النفس ومع الأخر أي كان". وقد جسمها ابن عربي في قصيده المشهور "أدين بدين الحب" وفيها يقول " قد كنتُ قبل اليوم أُنْكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه دَانِي . لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورةٍ، فمَرْعَى لغزلانٍ ودِيرٌ لرُهبانٍ وبيْت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن".
وقد توفي الأمير عبد القادر ودفن إلى جانب قبر معلمه الأكبر ابن عربي في دمشق في 26 ماي 1889. وقد ترك للمسلمين وللإنسانية إرثا فكريا وروحيا كبيرا يجمع القيم الإنسانية الخالدة وسموّ النفس والحوار بين الحضارات والثقافات، إلى جانب نبل قيم الأخوة الإنسانية وهي القيم التي جسمها طيلة حياته المادية مقاوما للعدو الاستعماري وطيلة حياته الروحية متصوفا قريبا من الذات الإلاهية والإشراقات الروحية المقربة لتلك الذات، حبا وسلما مع الذات والآخرين، في عالم تسوده وحدانية الخالق ووحدة الوجود بين المتناقضات التي تصبح متجانسة ومتكاملة مع سلام النفوس وسكينة الروح.
ومن الكتب الفكرية والفلسفية التي تركها كتاب "المؤلّف في التصوف والوعظ والارشاد" وكتاب "ذكرى العاقل وتنبه الفاضل" وكتاب "المقراض الحاد " وكتاب " مذكرات الأمير".
الصحراوي قمعون
قدم الأمير عبد القادر للغرب المسيحي مثالا عن سماحة الإسلام واحترامه لحقوق الإنسان
لايزال الأمير عبد القادر الجزائري (1808-1883) يمثل رمز المقاومة للاستعمار الفرنسي في الجزائر طوال أكثر من خمسة عشر سنة من القتال والمعارك، استطاع خلالها أن يلحق هزائم عدة بالجيش الفرنسي قبل أن يهزم بسبب تفاوت القوة العسكرية بين قواته التقليدية وقوات الجيش الفرنسي العصرية الذي كان يعتبر من أقوى وأعتى الجيوش في أوروبا.
جرائم الاستعمار ضد الإنسانية
ورغم الهزيمة، فسيأخذ مشعل المقاومة عنه زعماء حركة التحرير الوطني الجزائري الذين سيعلنون حربا شاملة على المستعمر بداية من أول نوفمبر 1954 حتى الثاني من جويلية 1962 تاريخ الاستقلال، ويطيحون بذلك الاستعمار المباشر وينهون وجوده الدموي بعد مائة وثلاثين سنة من الاستعمار القاسي الذي يعتبر في عيون المؤرخين أحد أكبر الجرائم ضد الإنسانية الى جانب الاستعمار البريطاني والبلجيكي والاسباني والبرتغالي.
وخلال سنوات حربه ضد المستعمر قدم الكثير من الأمثلة على احترامه للذات البشرية وإنسانية الإنسان وتعامل مع أعدائه بكل أريحية وحلم، رغم قساوة ووحشية المواجهة العسكرية والحضارية بين عدو استعماري غاصب يريد احتلال البلاد وشعب مقاوم يسعى إلى منع ذلك والدفاع عن حريته ووطنه ودينه.
وخلال السنوات الأخيرة، عادت شخصية الأمير عبد القادر كقائد عسكري وحضاري لتتصدر مجددا أحداث السياسة بين الجزائر وفرنسا ، خاصة في كل مرة تسبق زيارة للرئيس الفرنسي أو الجزائري إلى البلدين، مما يثير جراح الماضي الأسود للاستعمار. وظلت الجزائر تطالب فرنسا بتمكينها من نسخة من أرشيف سنوات جمر الاستعمار. كما تطالب باسترجاع برنس وسيف الأمير عبد القادر الذي يوجد في أحد متاحف فرنسا.
ويجدر التنويه بأن الجزائر في مقاربتها التاريخية تركز على إبراز سجل تاريخ مقاومة الاستعمار وإعادة قراءته الموضوعية تحت يافطة "تاريخ الحركة الوطنية ضد الاستعمار" الذي حولته تونس المجاورة مسخا وتحريفا عام 2011 إلى معهد تحت مسمى "تاريخ تونس المعاصر" ملغية تسمية "المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية"، رغم أن شرارة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار انطلقت من تونس في 18 جانفي 1952 ولحقتها الجزائر عام 1954 قبل ان تشمل دول العالم الثالث. مع العلم ان فرنسا والدول الأوروبية لها معاهد دراسات تاريخية مخصصة للحركة الوطنية المقاومة للاحتلال الألماني لها خلال الحرب العالمية الثانية. وبعضها له معاهد تاريخ حركة وطنية لمقاومة الشيوعية السوفياتية أو الحركة النازية وهي من مكونات حركة التحرير الوطني في كل بلاد للقوات الغازية أو المحتلة. وهو أمر لا علاقة له بالتاريخ المعاصر الشامل لأي بلد في نظر المؤرخين الموضوعيين. وهو ما حرصت الجزائر المكافحة على إبرازه من خلال تنوع معاهد الدراسات التاريخية الشاملة ومعاهد الدراسات الكولونيالية المختصة للتعريف بما ارتكبته فرنسا من مجازر دموية ومن محاولات مسخ لهوية البلاد وفرْنستها على مدى أكثر من قرن دون جدوى .
ويحظى الأمير عبد القادر بالعديد من الثماثيل عبر التراب الجزائري تظهره في صورة مقاتل على ظهر جواده شاهرا سيف المقاومة، كما في تمثاله الأكبر في ساحة الأمير عبد القادر وسط المدينة بالعاصمة الجزائر والذي يحظى بزيارة الشباب للاطلاع وأخذ صور "سيلفي" مع أيقونة المقاومة المسلحة التي دوخت فرنسا وأصبحت مثالا لبلدان العالم الثالث في إفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية.
لقد ظل الأمير عبد القادر في أذهان الناس رمز المقاومة الذي جرد سيفه لمقاومة الاستعمار ووقف زحفه على التراب الجزائري أمام سلبية الخلافة العثمانية التي لم تحرك ساكنا. ولكنها كانت موضوعيا في حالة ضعف ووهن، وهي الملقبة من طرف القوى الغربية المتربصة بممالكها ب" الرجل المريض في الأستانة". وقد ضغطت فرنسا عسكريا على المغرب الذي أوقف مساعداته للأمير، مما أدى إلى إضعافه والسيطرة عليه وأسره عام 1847.
سلوك الأمير الإنساني
وطوال حروبه مع الفرنسيين، أظهر الأمير احتراما للذات البشرية وتسامحا مع أعدائه واحتراما للأسرى من جنود العدو، مكررا في العديد من المناسبات أن الشجاعة في مواجهة العدو لا تمنع المرء من معاملة عدوه المهزوم معاملة إنسانية، "إسوة بتاريخ الإسلام مع أعدائه"، كما كان يقول مستشهدا بسيرة القائد المسلم صلاح الدين الايوبي مع الأعداء الصليبيين الذين كانوا يعمدون إلى القتل والحرق والتنكيل بأعدائهم المسلمين دون شفقة ولا رحمة.
وهكذا كان الأمير حريصا على تبادل الأسرى مع العدو بعد كل معركة. وكان يحرص على تخفيف ألامهم ولا يفرض عليهم الدخول إلى الإسلام للعفو عنهم، بل كان يسعي إلى أنسنة الحرب. وكان يحترم القناعات الدينية للأسرى ويحرص على ممارستهم طقوسهم الدينية وتأمين حضور رجل دين كاثوليكي يبعث الطمأنينة في نفوسهم، كما أفادت شهادات تاريخية متطابقة حول سلوك الأمير الإنساني.
ولكنه في المقابل كان يصطدم برد شرس من العدو الفرنسي دون أن يفتّ ذلك في عضده ويقينه وفكره وهو المؤمن بالتصوف الإسلامي والرحمة وتجاوز حالة الإعاقة الإنسانية لدى العدو. ورغم استسلامه ، فقد تميز بروح إنسانية عالية وكرامة لا مثيل لها، أعطت العدو الشعور بالاحترام له زمن الحرب وزمن السلم. وهذا ما جعل العدو يطلق سراحه بعد خمس سنوات من السجن في أحد سجون الامبراطورية الفرنسية، قبل أن ينتقل إلى دمشق التابعة للخلافة العثمانية ويقضي بقية حياته يؤلف الكتب حول التسامح الإنساني وحركة التصوف ومكانة الدين في حياة الإنسان. وكان يدعو إلى نشر التعليم والعلوم ومقاومة كل مظاهر الانحطاط الحضاري في الممالك الإسلامية لتوفير مقومات مواجهة الأعداء. وكان يشعر بالبون الحضاري الشاسع الذي أصبح قائما بين الممالك الأوروبية المتقدمة علميا وفكريا وعسكريا وبين ممالك بلدان الإسلام وغرقها في الانحطاط والتخلف الفكري والعلمي، بعد أن كانت متقدمة علميا وفكريا طوال العصر الوسيط بقرونه الخمسة. وقد تدخل وهو في إقامته في دمشق للدفاع عن المحرومين والفقراء وسائر المضطهدين دينيا من الأقليات في الشرق الإسلامي الذي عانى من الحروب الصليبية على بيت المقدس لأكثر من قرنين من الزمن.
لقد قدم الأمير عبد القادر للغرب المسيحي مثلا عن سماحة الإسلام واحترامه لحقوق الإنسان والأقليات بعيدا عن تعصب الغرب الذي شن أكثر من سبع حملات صليبية شرسة شغل بها العالم الإسلامي عن تحقيق تطوره العلمي والمادي واللحاق بالبلدان المتقدمة وجعله يبقي في حالة دفاع شرعي عن النفس وتوجس من مهاجمته والسيطرة عليه من كتائب متعصبي الصليب القادمين من شمال الضفة الشمالية للمتوسط.
وفي كتابات الغرب الأوروبي، ظلت صورة الأمير ناصعة كصورة صلاح الدين الايوبي الملقب ب " صالادان" كرمز للتسامح الإسلامي الذي يجعل الإنسان يتحول من بشر عادي إلى ما يسميه الأمير عبد القادر في كتاباته الصوفية " الإنسان الكامل" المتجاوز ذاته الصغيرة إلى ما هو أشمل في إطار ما يسميه شيخه الأكبر المتصوف ابن عربي " وحدانية الوجود وتسامح الذات مع النفس ومع الأخر أي كان". وقد جسمها ابن عربي في قصيده المشهور "أدين بدين الحب" وفيها يقول " قد كنتُ قبل اليوم أُنْكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه دَانِي . لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورةٍ، فمَرْعَى لغزلانٍ ودِيرٌ لرُهبانٍ وبيْت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن".
وقد توفي الأمير عبد القادر ودفن إلى جانب قبر معلمه الأكبر ابن عربي في دمشق في 26 ماي 1889. وقد ترك للمسلمين وللإنسانية إرثا فكريا وروحيا كبيرا يجمع القيم الإنسانية الخالدة وسموّ النفس والحوار بين الحضارات والثقافات، إلى جانب نبل قيم الأخوة الإنسانية وهي القيم التي جسمها طيلة حياته المادية مقاوما للعدو الاستعماري وطيلة حياته الروحية متصوفا قريبا من الذات الإلاهية والإشراقات الروحية المقربة لتلك الذات، حبا وسلما مع الذات والآخرين، في عالم تسوده وحدانية الخالق ووحدة الوجود بين المتناقضات التي تصبح متجانسة ومتكاملة مع سلام النفوس وسكينة الروح.
ومن الكتب الفكرية والفلسفية التي تركها كتاب "المؤلّف في التصوف والوعظ والارشاد" وكتاب "ذكرى العاقل وتنبه الفاضل" وكتاب "المقراض الحاد " وكتاب " مذكرات الأمير".