إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية.. جدل التشريعات لفائدة المرأة متواصل

 

تونس-الصباح

مازالت مكانة ومكاسب المرأة التونسية الاستثناء في المحيط العربي وحتى الإقليمي رغم تنامي التحديات في ظل وضع عام تمر به البلاد منذ فترة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا أثر دون شك على واقع المرأة وعمق الحاجة إلى مزيد التفكير في "الاستثمار في النساء، فتونس في أشد الحاجة لهن" كما دعت إلى ذلك مؤخرا رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي.

واليوم وبمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التونسية الذي يوافق الذكرى الثامنة والستين لإصدار مجلّة الأحوال الشخصية تتواصل المطالبة بتعزيز مكاسب المرأة وحمايتها لا سيما على مستوى تفعيل بعض القوانين التي مثلت ثورة تشريعية لصالح النساء عند إقراراها لكنها تواجه عقبات في التنفيذ مما قلل من فاعليتها في تحقق المساواة الكاملة للمرأة مع الرجل والاهم حمايتها من العنف سواء داخل محيط الأسرة أو خارجها.

لا أحد ينكر تعزيز مكاسب المرأة التشريعية على امتداد السنوات الأخيرة على أكثر من صعيد. ففي 2015 واثر تنقيح القانون عدد 40 الصادر سنة 1975 والمتعلق باستخراج جوازات ووثائق السفر، تم إلغاء كل ما هو تمييز بخصوص استخراج جواز سفر القاصر أو سحب جواز السفر أو الترخيص في سفر القاصر إلى الخارج، وأصبح بذلك سفر القاصر خاضعا إلى ترخيص أحد الوالدين أو الولي أو الأم الحاضنة بعد أن كان حصرا على الأب.

من المكاسب أيضا وفي إطار "تكريس حق حرية اختيار القرين" تم في 2017 إلغاء منشور 1973 وبالتالي "كل النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي" حيث كان القانون يشترط للاعتراف بزواج تونسية مسلمة برجل غير مسلم وجوب تقديم شهادة تثبت اعتناق الرجل للإسلام.

قانون 58

ومثلت مصادقة البرلمان في 2017 على القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. ثورة تشريعية في تقدير الكثير من الأصوات النسوية والحقوقية حينها. لكن الممارسة على ارض الواقع منذ اقرار قانون 58 مثلت عائقا أمام تحقيق القانون لمقاصده.

واليوم تتعالى الأصوات برفع العقبات أمام القانون 58 لا سيما وان مظاهر وضحايا العنف ضد النساء تتفاقم بشكل مخيف في المجتمع . ومن المطالب ضرورة توحيد فقه القضاء التونسي في باب الحماية عند تطبيق القانون الأساسي عدد 58 لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي تتفاوت فيه القرارات من محكمة الى أخرى مع الدعوة إلى التنسيق بين الوزارات بهدف تركيز السياسات والبرامج لمكافحة العنف ضد النساء " في غياب وزارة التربية التي لم تضع برامج جديدة من أجل إرساء هذه السياسة... وأيضا في ظل الدور الإعلامي المحدود بل هناك من المختصين من يعتبرون الإعلام أحد أسباب التشجيع على العنف.

وليس من المبالغة في شي الإقرار بأن موضوع العنف ضد المرأة والعنف بين الأزواج، والأسري بشكل عام يعد اليوم أكبر وأبرز تحد يطالب الجميع بالانكباب على معالجته لأنه تحول إلى ظاهرة وفق المعطيات والأرقام وتكفي الإشارة هنا إلى انه عشية إحياء عيد المرأة تناقلت أمس وسائل الإعلام ملابسات جريمة قتل بشعة بحي النصر من ولاية أريانة ذهبت ضحيتها زوجة ووالدتها على يد زوجها.

وتبين الأرقام تزايد حالات العنف والقتل ضد النساء خلال السنوات الأخيرة، حيث قُتلت السنة الفارطة ما لا يقل عن 25 امرأة، و15 امرأة عام 2022.

وتشير دراسة عن تعداد جرائم قتل النساء العام الماضي بعنوان “سكوتنا قاتل” قام بها الاتحاد الوطني للمرأة إلى قتل 25 سيدة، 54 في المائة منهن على يد أزواجهن.

واعتبر التقرير السنوي حول جرائم قتل النساء لسنة 2023، أن "ظاهرة قتل النساء في تونس، غالبا ما تكون ناتجة عن التمييز الجنساني والسيطرة الذكورية والعنف الأسري والزواج القسري والثقافة والعادات التقليدية والتناول الإعلامي المسيء للنساء وغيرها من العوامل".

تشريعات محل جدل

لا يمكن أن يمر الاحتفاء بالذكري 68 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 13 أوت 1956، والتي اقترن العيد الوطني للمرأة بتاريخ إصدارها، كما مثلت لعقود واجهة الخيار الإصلاحي التحديثي وحتى الثوري المنتصر لحقوق النساء بعد الاستقلال، دون الإشارة إلى أن هذه المجلة اعتبرها البعض في السنوات الأخيرة بحاجة لمزيد التعديل باتجاه تحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل والقضاء على كل أشكال التمييز.

وكانت مبادرة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في 13 أوت 2017 بتأسيس لجنة، لإعداد تقرير يتضمن جملة من المقترحات التشريعية المتعلقة بالحريات الفردية، منطلقا لطرح نقاش مجتمعي جديد حول مكاسب المرأة في تونس لا سيما حول موضوع المساواة في الميراث .

ورغم أن اللجنة قدمت تقريرها في 2018 إلا أنه ظل حبرا على ورق في ظل جدل واسع وممانعة بدت واضحة لطرح مثل هذه المواضيع في سياقات لا تنسجم مع حاجيات وتحديات وواقع بعض الفئات من النساء في تونس على غرار المرأة الريفية والمرأة الفلاحة والمرأة في مواقع القرار .

م.ي

 

 

 

 

 

منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية..   جدل التشريعات لفائدة المرأة متواصل

 

تونس-الصباح

مازالت مكانة ومكاسب المرأة التونسية الاستثناء في المحيط العربي وحتى الإقليمي رغم تنامي التحديات في ظل وضع عام تمر به البلاد منذ فترة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا أثر دون شك على واقع المرأة وعمق الحاجة إلى مزيد التفكير في "الاستثمار في النساء، فتونس في أشد الحاجة لهن" كما دعت إلى ذلك مؤخرا رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي.

واليوم وبمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التونسية الذي يوافق الذكرى الثامنة والستين لإصدار مجلّة الأحوال الشخصية تتواصل المطالبة بتعزيز مكاسب المرأة وحمايتها لا سيما على مستوى تفعيل بعض القوانين التي مثلت ثورة تشريعية لصالح النساء عند إقراراها لكنها تواجه عقبات في التنفيذ مما قلل من فاعليتها في تحقق المساواة الكاملة للمرأة مع الرجل والاهم حمايتها من العنف سواء داخل محيط الأسرة أو خارجها.

لا أحد ينكر تعزيز مكاسب المرأة التشريعية على امتداد السنوات الأخيرة على أكثر من صعيد. ففي 2015 واثر تنقيح القانون عدد 40 الصادر سنة 1975 والمتعلق باستخراج جوازات ووثائق السفر، تم إلغاء كل ما هو تمييز بخصوص استخراج جواز سفر القاصر أو سحب جواز السفر أو الترخيص في سفر القاصر إلى الخارج، وأصبح بذلك سفر القاصر خاضعا إلى ترخيص أحد الوالدين أو الولي أو الأم الحاضنة بعد أن كان حصرا على الأب.

من المكاسب أيضا وفي إطار "تكريس حق حرية اختيار القرين" تم في 2017 إلغاء منشور 1973 وبالتالي "كل النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي" حيث كان القانون يشترط للاعتراف بزواج تونسية مسلمة برجل غير مسلم وجوب تقديم شهادة تثبت اعتناق الرجل للإسلام.

قانون 58

ومثلت مصادقة البرلمان في 2017 على القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. ثورة تشريعية في تقدير الكثير من الأصوات النسوية والحقوقية حينها. لكن الممارسة على ارض الواقع منذ اقرار قانون 58 مثلت عائقا أمام تحقيق القانون لمقاصده.

واليوم تتعالى الأصوات برفع العقبات أمام القانون 58 لا سيما وان مظاهر وضحايا العنف ضد النساء تتفاقم بشكل مخيف في المجتمع . ومن المطالب ضرورة توحيد فقه القضاء التونسي في باب الحماية عند تطبيق القانون الأساسي عدد 58 لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي تتفاوت فيه القرارات من محكمة الى أخرى مع الدعوة إلى التنسيق بين الوزارات بهدف تركيز السياسات والبرامج لمكافحة العنف ضد النساء " في غياب وزارة التربية التي لم تضع برامج جديدة من أجل إرساء هذه السياسة... وأيضا في ظل الدور الإعلامي المحدود بل هناك من المختصين من يعتبرون الإعلام أحد أسباب التشجيع على العنف.

وليس من المبالغة في شي الإقرار بأن موضوع العنف ضد المرأة والعنف بين الأزواج، والأسري بشكل عام يعد اليوم أكبر وأبرز تحد يطالب الجميع بالانكباب على معالجته لأنه تحول إلى ظاهرة وفق المعطيات والأرقام وتكفي الإشارة هنا إلى انه عشية إحياء عيد المرأة تناقلت أمس وسائل الإعلام ملابسات جريمة قتل بشعة بحي النصر من ولاية أريانة ذهبت ضحيتها زوجة ووالدتها على يد زوجها.

وتبين الأرقام تزايد حالات العنف والقتل ضد النساء خلال السنوات الأخيرة، حيث قُتلت السنة الفارطة ما لا يقل عن 25 امرأة، و15 امرأة عام 2022.

وتشير دراسة عن تعداد جرائم قتل النساء العام الماضي بعنوان “سكوتنا قاتل” قام بها الاتحاد الوطني للمرأة إلى قتل 25 سيدة، 54 في المائة منهن على يد أزواجهن.

واعتبر التقرير السنوي حول جرائم قتل النساء لسنة 2023، أن "ظاهرة قتل النساء في تونس، غالبا ما تكون ناتجة عن التمييز الجنساني والسيطرة الذكورية والعنف الأسري والزواج القسري والثقافة والعادات التقليدية والتناول الإعلامي المسيء للنساء وغيرها من العوامل".

تشريعات محل جدل

لا يمكن أن يمر الاحتفاء بالذكري 68 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 13 أوت 1956، والتي اقترن العيد الوطني للمرأة بتاريخ إصدارها، كما مثلت لعقود واجهة الخيار الإصلاحي التحديثي وحتى الثوري المنتصر لحقوق النساء بعد الاستقلال، دون الإشارة إلى أن هذه المجلة اعتبرها البعض في السنوات الأخيرة بحاجة لمزيد التعديل باتجاه تحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل والقضاء على كل أشكال التمييز.

وكانت مبادرة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في 13 أوت 2017 بتأسيس لجنة، لإعداد تقرير يتضمن جملة من المقترحات التشريعية المتعلقة بالحريات الفردية، منطلقا لطرح نقاش مجتمعي جديد حول مكاسب المرأة في تونس لا سيما حول موضوع المساواة في الميراث .

ورغم أن اللجنة قدمت تقريرها في 2018 إلا أنه ظل حبرا على ورق في ظل جدل واسع وممانعة بدت واضحة لطرح مثل هذه المواضيع في سياقات لا تنسجم مع حاجيات وتحديات وواقع بعض الفئات من النساء في تونس على غرار المرأة الريفية والمرأة الفلاحة والمرأة في مواقع القرار .

م.ي