إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج لـ"الصباح": لن نقبل أبدا أن يُحلّ ملف الهجرة على حساب بلادنا.. وسياستنا الخارجية تقوم على تنويع الشركاء الاستراتيجيين

 

-لم تقم أي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإصدار تعليق رسمي بخصوص علاقاتنا مع بقية شركائنا

-نبحث عن شراكات اقتصادية جديدة مع الدول الشقيقة والصديقة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية..

-لا توجد دبلوماسية اقتصادية بل هناك دبلوماسية واحدة وموحّدة للبلاد

-جلب الاستثمارات الجديدة وخلق الأسواق غير التقليدية رهين التسريع في تحيين الإطار القانوني للاستثمار

-هناك خطة تفكير لفتح بعثة ديبلوماسية جديدة في ماليزيا

 تونس-الصباح

سياسات تونس الخارجية وانفتاحها على أسواق جديدة.. معضلة الهجرة غير النظامية.. انفتاح تونس على القارة السمراء.. إلى جانب الوضع في ليبيا ومدى تداعياته على تونس، كانت تلك أبرز المحاور التي أتى عليها وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمّار في حوار خص به "الصباح".

وقد انساب الحديث تلقائيا آتيا في البداية على سلسلة الزيارات الأخيرة التي كان قد أداها الوزير إلى كل من البرازيل وبوركينافاسو وكوريا، ليشير في هذا الخصوص إلى أن هذه الزيارات تندرج في إطار سياسة تونس الخارجية القائمة على الانفتاح على الفضاءات الجديدة وتنويع الشراكات من خلال تطوير علاقات التعاون مع بلدان القارة الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية مع المحافظة على مصالحها ومستوى التعاون مع شركائها التقليديين.

اللقاء تعرّض أيضا إلى "القلق الأوروبي" من تقارب تونس مع المحور الروسي -الصيني ليشدّد الوزير في هذا الإطار على تمسك تونس باستقلالية السيادة الوطنية في صناعة القرار الداخلي وعدم قبولها أي تدخل من أي جهة موضحا أنه لم يقم أي من شركاء تونس من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإصدار تعليق رسمي بخصوص علاقاتنا مع بقية شركائنا. أما بخصوص المخاوف من إمكانية أن يكون حل ملف الهجرة غير النظامية على حساب الدولة التونسية فقد نفى الوزير ذلك بشدة، وفيما يلي نص الحوار.

أجرت الحوار: منال حرزي

 *البرازيل كانت آخر وجهة لكم.. لماذا هذا التوقيت بالذات ولماذا البرازيل كوجهة.. وما هو أفق التعاون بين البلدين؟

-البرازيل اليوم من أهم الفاعلين الدوليين على المستويين الاقتصادي والسياسي، فهي الرئيسة الحالية لمجموعة العشرين وستتولّى السنة القادمة رئاسة مجموعة "البريكس" إلى جانب رئاستها خلال الفترة القادمة لمجموعة "المركوسور" واحتضانها لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP 30).

الزيارة كانت بدعوة من وزير العلاقات الخارجيّة بجمهوريّة البرازيل الاتحادية وتندرج في إطار الحركية والديناميكية التي استعادتها الدبلوماسية التونسية وتنويع الشراكات مع شركاء تونس في الشرق والغرب.

تم التحضير لهذه الزيارة منذ مدة ووقعت برمجتها بالاتفاق مع الجانب البرازيلي ليتزامن مع افتتاح المكتب التجاري والقنصلي بمدينة ساو باولو وتنظيم المنتدى الاقتصادي التونسي البرازيلي يوم11 جويلية الجاري بالتعاون مع الغرفة التجارية العربية البرازيلية وبمشاركة وفد هام من رجال الأعمال والصناعيين التونسيين قاده رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالإضافة إلى إعادة تفعيل مجلس الأعمال التونسي البرازيلي.

كانت هذه الزيارة فرصة للتأكيد على متانة علاقات الصداقة التي تجمع البلدين ولفتح آفاق جديدة للتعاون والشراكة بينهما.

 ثم إن اختيار البرازيل لم يكن بمحض الصدفة وإنما لعدّة عوامل من بينها سعي تونس إلى استعادة موقعها الطبيعي كأحد أهمّ مزوّدي السوق البرازيلية بالأسمدة الكيمائية بعد ما فقدت هذه المكانة خلال العشرية الأخيرة. هنالك أيضا العديد من المجالات التي يمكن تطويرها بالتعاون مع البرازيل وخاصة منها المجال الصحي والصيدلي، وقد كانت هذه الزيارة فرصة للرئيس المدير العام للصيدلية المركزية للتوقيع على مذكرة تفاهم مع اتحاد الصناعات الدوائية البرازيلي. وبالتّوازي مع ذلك هنالك تطابق في مواقف البلدين بشأن مختلف القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني.

هناك أيضا انسجام بين الموقفين التونسي والبرازيلي تجاه عديد القضايا الدّولية الأخرى مثل مكافحة التغيّرات المناخية والأمن الغذائي ومكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية، إلى جانب ضرورة وضع مقاربة جديدة لطرق ووسائل العمل الدّولي متعدّد الأطراف في بعديها السياسي والمالي بما يكرّس القيم المشتركة للبشريّة المتمثّلة في السلام والتّنمية والعدل والإنصاف والدّيمقراطية والحرية.

وتم الاتّفاق أيضا خلال هذه الزيارة على تنظيم الدورة الخامسة للمشاورات السياسية في موفّى هذه السنة، والدورة الرابعة للجنة المشتركة مطلع السنة القادمة إضافة إلى الاستعداد لإتمام زيارات على أعلى مستوى.

*قبل البرازيل كانت لكم عديد الزيارات على غرار بوركينافاسو وكوريا عن ماذا أسفرت هذه الزيارات.. وهل هو توجه مرسوم للسياسة الخارجية قصد تحريك وإضفاء المزيد من النجاعة على الديبلوماسية التونسية؟

-هو ليس توجّها، فتونس لطالما كانت تسعى إلى تنمية علاقاتها مع كل شركائها، ربما قد يٌمثل توجها جديدا في حال تمت مقارنته بفترة سابقة أين انحصرت العلاقات الخارجية في شريك أو اثنين تقليديين.

تونس كبلد منفتح كانت دائما له علاقات مع جميع الشركاء في العالم، وبالتالي يتعين على شركائنا تفهم الأمر وأخذه بعين الاعتبار.

 بالفعل، قمت مؤخرا بزيارات رسمية إلى كل من بوركينافاسو وكوريا وقبلها إلى الكاميرون وهي تندرج في إطار تنفيذ التوجّهات العامة للسياسة الخارجية التي يضبطها رئيس الجمهورية، وتعمل وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج على تجسيمها على أرض الواقع. وهي توجهات تتمثل بالأساس في تنويع الشركاء الاستراتيجيين لبلادنا والبحث عن شراكات اقتصادية جديدة مع الدول الشقيقة والصديقة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية... على الصعيد الإفريقي مكّنت زيارتي للكاميرون وبوركينافاسو من إضفاء حركية جديدة على التعاون بعد فترة من الركود، حيث توجّت أشغال اللجان المشتركة بالتّوقيع على 14 اتفاقية تعاون شملت مجالات الاستثمار والصناعة والسياحة، والصناعات التقليدية والتكوين المهني والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ والشباب والرياضة .

كانت لي أيضا عدّة لقاءات هامة خلال هاتين الزيارتين مع كبار المسؤولين تمّ خلالها تبادل وجهات النظر حول عدد من المسائل والقضايا الإقليمية والدولية وفي مقدّمتها حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، كما أتاحت أيضا فرصة التأكيد على أهمية التعاون والتنسيق لمجابهة التحديات الراهنة على مستوى القارّة على غرار محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية.

وهنا أنوّه أن هذا الملف كان عنصرا قارّا في محادثاتي مع كبار المسؤولين في الكاميرون وبوركينافاسو حيث لمسنا تفهّما للإجراءات التي اتخذتها بلادنا لمواجهة تداعيات هذه الظاهرة والتي تستدعي قدرا كبيرا من التنسيق والتعاون وتضافر جهود كافة الدول والمنظمات الدولية المعنية.

 فيما يتعلق بكوريا كنت قد شاركت ضمن الوفد الذي ترأّسه رئيس الحكومة في أشغال القمّة الكورية- الإفريقية المنعقدة بسيول يومي 4 و5 جوان 2024 وتم بهذه المناسبة إجراء مباحثات مثمرة مع المسؤولين الكوريين والاتفاق على دعم التعاون بين الجانبين في مجالات واعدة على غرار تكنولوجيات الاتصال وتنمية القدرات. كما تم التأكيد على الرغبة في مزيد تطوير التعاون الثلاثي بين تونس وكوريا والدول الإفريقية حيث أعربت الحكومة الكورية عن استعدادها للنظر في إمكانية تمويل عدد من المشاريع في تونس إذا ما تمّ تقديم طلبات في الغرض.

وهذه الزيارة هي أيضا تجسيم لسياسة تونس الخارجية القائمة على الانفتاح على الفضاءات الجديدة وتنويع الشراكات من خلال تطوير علاقات التعاون مع بلدان القارة الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية، وذلك مع المحافظة على مصالحها ومستوى التعاون مع شركائها التقليديين.

*في ثنايا هذه الزيارات إلى أي مدى كانت تونس بعيدة عن سياسة المحاور ومختلف أشكال الاصطفاف التي "اتهمتكم" بها بعض الأطراف؟

-أؤكد حرص بلادنا على إرساء منوال تنموي يقوم على توسيع قاعدة الشراكات وتوثيق التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف في إطار انفتاحها على مختلف القوى الإقليمية والدّولية بمنأى عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية وباستخلاص الدروس من العقود الماضية، بوصلتها في ذلك الاصطفاف وراء الشرعية الدّولية ومناصرة القضايا العادلة والثبات على المواقف المبدئية التي لا تشوبها المصالح الآنيّة والضيّقة المبنيّة على المدى القصير.

*بادرت تونس مؤخرا بتنظيم عديد المنتديات الاقتصادية الإفريقية الكبرى.. فهل أن بوصلة تونس اليوم تتجه نحو القارة السمراء؟

-يٌعدّ إعادة تموقع تونس في القارّة والتوجه نحو السوق الإفريقية خيارًا استراتيجيا وطنيًا وأولويةً من أولويات السياسة الخارجية التونسية، وقد تجلّى ذلك من خلال تبنّي تونس مقاربة جديدة للقارة الإفريقية كشريك استراتيجي تتجاوز النّظرة التقليدية لإفريقيا باعتبارها مجرّد سوق.

إلى جانب انضمام تونس إلى أهم كتلتين اقتصاديتين إفريقيتين وهما "كوميسا" و"زليكاف" والذي يندرج أيضا ضمن مقاربة مبنية على تنمية التعاون والشراكة الاقتصادية والتكامل الإفريقي. وهنا لا بد أن أنوه بالدور الهام الذي تقوم به بعثاتنا الدبلوماسية في إفريقيا باعتبارها شبكة دعم للصادرات إلى السوق الإفريقية بالتنسيق مع الوزارات وهياكل الدعم الاقتصادي. وعلى الرغم من قلة الموارد فقد تمّ فتح سفارتين جديدتين خلال السنوات الأخيرة بكل من نيروبي وواقادوقو وذلك في إطار تعزيز حضورنا الدبلوماسي في إفريقيا جنوب الصحراء. الكفاءات التونسية أيضا تمثل ثروة بشرية وقوة ناعمة في إفريقيا خاصة في مجالي التعليم العالي والصحة.

أذكر أن هذا الاهتمام بإفريقيا لا يتعارض مع ترسيخ وتوسيع شراكاتنا وعلاقاتنا مع شركائنا التقليديين ولا يتضارب كذلك مع توجّهاتنا الجديدة كالانفتاح على آسيا والقوى الاقتصاديّة الصاعدة مثل الصّين وبلدان أمريكا الجنوبيّة كالبرازيل التّي تمثّل بالنسبة إلينا سوقا واعدة.

 *اليوم تطال تونس تحفّظات من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب انفتاح تونس على الشّرق، تحفظات بشأن ما اعتبرته تقاربا مٌقلقا مع المحور الروسي الصيني.. ما رأيكم؟

-أوّلا وقبل كلّ شيء أود أن أذكّر بأحد ثوابت السّياسة الخارجية: وهو تمسّك بلادنا باستقلالية السّيادة الوطنية في صناعة القرار الدّاخلي وعدم تقبّلها لأيّ تدخل من أيّ جهة. وعليه لم تتوان تونس في تذكير جميع شركائها بأهمية بناء علاقات نديّة قِوامُها الاحترام المُتبادل وعدم التّدخل في الشّؤون الدّاخلية واحترام الخيارات السّيادية والتأكيد على أن لهذا التوجّه المساندة المطلقة من الأغلبية الساحقة من التونسيين.

لم يقم أي من شركاء تونس من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإصدار تعليق رسمي بخصوص علاقاتنا مع بقية شركائنا.

ثم إن تونس وفي إطار تمسكها بمرجعيات وثوابت الديبلوماسية التونسية تعمل على المحافظة وبشكل مستقلّ على علاقاتها مع كافة شركائها التقليديين بما فيهم الاتّحاد الأوروبي الذي تربطه بتونس علاقات تاريخية وإستراتيجية.

أذكر أنه في خضم التّحديات المطروحة تتزايد الحاجة إلى بلورة فرص تعاون جديدة من خلال الانفتاح على الجميع وذلك خدمة للمصالح الوطنيّة العليا. لذلك تسعى الدبلوماسية التونسية إلى تنويع شراكاتها السياسية والاقتصادية وبناء علاقات متينة مع جميع الشّركاء من خلال فتح آفاق جديدة سواء في محيط تونس الجغرافي المباشر أو البعيد. وقد تُرجم هذا التّوجه من خلال رفع نسق الزّيارات الرّسمية إلى العديد من الدّول الشقيقة والصّديقة.

*بعد سد مختلف الشغورات ماذا تنتظرون اليوم من الديبلوماسية التونسية؟

-شهدت سنة 2023 أكبر حركة سنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية (54 رئيس بعثة: 35 سفيرا، 8 قناصل عامين و11 قنصلا).

حاليا هنالك شغورات عادية (أي فترة نهاية مهام على أن يتم لاحقا سد الشغورات). وهنالك خطة تفكير لفتح بعثة ديبلوماسية جديدة في ماليزيا وربما في بعض بلدان إفريقية أخرى. والوزارة تسعى إلى تأمين أفضل الظروف الممكنة للنجاح في الداخل وفي الخارج رغم الموارد المحدودة وضغوطات المالية العمومية وهي تجري تقييما دوريا للأداء وتتطلع إلى أن يكون رؤساء البعثات على قدر الثقة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم .

*إلى أي حد تعتقدون اليوم أن الديبلوماسية التونسية بصدد التعافي واستعادة بريقها خاصة بعد الأداء الذي وصفته بعض الأطراف بالهزيل خلال العشرية الأخيرة؟

-في المطلق لطالما كانت الديبلوماسية التونسية رصينة وناجعة وناجحة. لكن الجميع يدرك الأوضاع التي عاشتها البلاد بعد 2011، وبالتالي تعمل الدبلوماسية التونسية على تجاوز إخلالات وهنات الفترة الماضية وخاصة خلال السنوات القليلة الفارطة، وعلى استعادة حيويتها ودورها الطبيعي بوصفها خط الدفاع الأول عن مصالح تونس وفاعلا رئيسيا في جلب الاستثمارات وتعزيز حضور المنتجات والشركات التونسية في الأسواق التقليدية واستكشاف أسواق جديدة وربط جسور التواصل الثقافي والحضاري مع البلدان الشقيقة والصديقة وشعوبها في إطار تقوية العلاقات الاقتصادية والثقافية بالتنسيق مع هياكل الدعم المعنية.

 *اليوم ورغم الجهود المبذولة إلا أنه ما يزال الكثير أمام الديبلوماسية الاقتصادية.. فما هي أبرز الإشكاليات التي تواجهها بما يحول دون جلب استثمارات جديدة وخلق أسواق غير تقليدية؟

-أولا أود التأكيد على نقطة أساسيّة: لا توجد دبلوماسية اقتصادية.. هناك دبلوماسية واحدة وموحّدة للبلاد.

ومن هذا المنطلق تسعى الوزارة لتطوير وتوضيح العمل الذي تقوم به في إطار علاقاتها الاقتصادية والوقوف على الإشكاليات المطروحة التي تعترضها والمتمثلة بالأساس في التحرّك المنفرد وتشتت الجهود.

كما تعمل حاليا على تحسيس جميع الهياكل المتداخلة في المجال الاقتصادي بضرورة مزيد التنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة والأطراف المتدخلة لاسيّما هياكل الدعم التي لها تمثيليات في الخارج والقطاع الخاص والعمل سويّا من أجل إرساء إستراتيجية موحّدة في المجال الاقتصادي وتفادي تشتيت التحركات والنشاطات والتنسيق أكثر من أجل تقديم مشاريع ذات جدوى وقابلة للتنفيذ يمكن طرحها على الشركاء والمانحين الدوليين من أجل الحصول على التمويلات اللازمة.

الجهود قائمة أيضا على العمل على ضرورة تحسين كافة الخدمات المتعلقة بالبنية التحتية والأمن والديوانة والنقل والاتصالات والتكنولوجيا والخدمات الإدارية وتقليص مدة الانتظار.

ثم انه لابد من الإشارة إلى أن جلب الاستثمارات الجديدة وخلق الأسواق غير التقليدية رهين التسريع بتحيين الإطار القانوني للاستثمار في تونس حيث من الضروري أن يشمل تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالاستثمار وتقديم حوافز ضريبية وتوفير بيئة قانونية تضمن الشفافية والعدالة والسرعة اللازمة في التعاملات الاقتصادية، هذا دون التغافل على أن تحيين الإطار القانوني للاستثمار لابدّ من أن يتلاءم مع التحديات الاقتصادية الحالية والتطورات السريعة في السوق العالمية .

إنّ خلق أسواق جديدة يرتبط بالأساس بالتغطية الدبلوماسية وبتوفر الخطوط الجوية المباشرة لنقل المسافرين والبضائع، ولمزيد التحرك في جميع أنحاء العالم والتعريف بالمنتجات والصناعات التونسية التي من الممكن أن تستقطب اهتمام المستهلك في العالم لا بدّ من توفر المزيد من الإمكانيات المادية والبشرية وسياسة ترويجية موحّدة بين مختلف المتدخلين.

*تنظم الوزارة يومي6 و7 أوت القادم "منتدى تونس للكفاءات بالخارج" وكنتم قد تحدثتم عن إنشاء مقاربة جديدة في العلاقة مع المواطنين المغتربين من خلال تيسير انخراطهم بطريقة أفضل في مسار تنمية البلاد.. كيف ذلك وهل من إستراتيجية عمل واضحة في الأفق؟

-هذا المنتدى الذي يحظى باهتمام كبير من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد سيجمع بين الكفاءات التونسية في الخارج التي تعدّ أحد أهمّ مواردنا الوطنية وتمثّل جسرا يربط بين تونس والعالم تتنقّل معه ثقافتنا وهويتنا ورسالة بلادنا إلى أقصى بقاع الأرض.

ويتنزل هذا المنتدى في إطار رؤيتنا الجديدة في التواصل مع أبناء الجالية التونسية بالخارج بكل فئاتها بما في ذلك الاهتمام بالكفاءات والباحثين ورجال الأعمال وانتهاج طريقة تفاعلية معهم وتحميلهم المسؤولية تجاه بلادهم بما يساعد على الاستجابة أكثر إلى تطلعاتهم وتمكينهم من المساهمة في دعم المجهود التنموي لبلادنا وإبلاغ صوت تونس في الخارج.

 ويقوم هذا المنتدى على مقاربة تشاركية تهدف إلى تجاوز الصورة النمطية التقليدية لدور التونسيين في الخارج الذين نؤمن بأنّهم قوة اقتراح فاعلة ملتزمة بخدمة بلادنا. ونسعى بذلك إلى تحفيز الكفاءات التونسية في الخارج وتشجيعها على المشاركة الإيجابية في المسار التنموي لتونس بالطريقة التي تراها مناسبة وناجعة.

 كما يهدف إلى مزيد التشبيك بين كفاءاتنا بالخارج بمختلف اختصاصاتها ومواقعها، بما يضفي المزيد من النجاعة والفاعلية على دورها كقوة ناعمة داعمة لمصالح بلادها.

*انعقد مؤخرا في ليبيا وبمشاركة رئيس الحكومة مؤتمر دولي لمناقشة خطة إفريقية-أوروبية لمكافحة الهجرة غير النظامية.. برأيكم كيف ستواجه تونس اليوم ملف المهاجرين الأفارقة غير النظاميين المعقد والذي يثير الكثير من الجدل في الداخل وفي الخارج؟

-يٌعدّ "منتدى الهجرة المتوسطية" فرصة جديدة لإلقاء الضوء على تعقيدات ملف الهجرة غير النظامية ومحاولة متجددة لإرساء تعاون دولي في هذا المجال يكون أكثر عدالة ومسؤولية.

ومن هذا المنطلق تسعى تونس إلى حلّ معضلة الهجرة الإفريقية الوافدة عبر تسليط الضوء على أسبابها العميقة والدعوة إلى مقاربة دولية تشاركية في وضع حلول دائمة وعادلة. وهو ما يفسّر انخراطها في كافة المسارات الدولية والإقليمية للتعاون الأوروبي-الإفريقي التي تتناول هذه الظاهرة بالدراسة والحل على غرار مسارات الرباط والخرطوم، ومشاركتها في كافة التظاهرات والملتقيات التي ترنو إلى الحدّ من تفاقمها حتى لو تقاطعت في أهدافها مع مسارات أخرى.

 تقوم المقاربة التونسية بخصوص قضايا الهجرة غير النظامية على مواقف مبدئية حددها رئيس الجمهورية وهي كالتالي:

رفض تونس إقامة منصات إنزال على أراضيها للمهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء مع التقيد بالتزاماتها الإنسانية والدولية القائمة على احترام مبادئ حقوق الإنسان ورفض العودة القسرية للمهاجرين غير النظاميين.

 رفض اعتماد صيغة الرحلات الجماعية لعمليات الترحيل مع رفض إعادة ترحيل مواطني دول أخرى، هذا بالتوازي مع التصدي للتنظيمات الإجرامية العاملة في مجال الهجرة السرّية والاتّجار بالبشر.

كما ترفض تونس أن تكون حارسة لحدود غير حدودها أو تكون ممرا للعبور أو مكانا للتوطين.

فضلا عن معالجة الأسباب العميقة للهجرة ضمن مقاربة شاملة ومتضامنة وعدم الاكتفاء بالمعالجة الأمنية أو معالجة النتائج.

*تستعد تونس لاحتضان قمة مسار روما.. هل من تفاصيل حول هذه القمة وعن موعدها؟

-لم يتم بعد تحديد موعد لهذه القمة، لكننا نبقى منفتحين على جميع المسارات والجهود التي تفضي إلى معالجة إشكالية الهجرة غير النظامية .

*هناك اليوم مخاوف من أن يكون حل ملف الهجرة على حساب الدولة التونسية.. ما تعليقكم؟

-لا لن يحدث ذلك مطلقا. ولا نقبل أبدا أن يُحلّ أي ملف على حساب مصالح بلادنا فنحن نعمل على بلورة حلّ جماعي يخدم مصالح كل الأطراف وفي إطار مقاربة شاملة ومتضامنة قوامها مواصلة التشاور والتعاون مع شركائها على المستويين الثنائي ومتعدّد الأطراف ضمن المسارات التي انخرطت فيها (مسارات الخرطوم والرباط الخاصة بالتعاون بين أوروبا وإفريقيا في مجالات الهجرة) والمساهمة في صياغة أجنداتها ومواعيدها.

إلى جانب متابعة تنفيذ مذكرة التفاهم بشأن الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي الموقعة بقرطاج في 16 جويلية 2023 وتجسيد المشاريع المتفق عليها فضلا عن تنفيذ الأهداف المضمّنة في مسار روما المنبثق عن المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة المنعقد بروما في 3 جويلية 2023 بمبادرة من رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، ورئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني، ضمن خطة عمل وبرامج تنفيذية يتم التقدم في صياغتها في إطار الإعداد للمرحلة الثانية من هذا المؤتمر الذي سيتم تنظيمه بتونس على مستوى القمّة.

هذا بالتوازي مع تعزيز الاتفاقيات مع الشركاء الأوروبيين في مجال تأطير الهجرة النظامية وفتح آفاق أمام الخبرات واليد العاملة التونسية للعمل والتنقّل ضمن إطار قانوني يضمن سلامتهم وحقوقهم.

*في ظل اللقاءات التشاورية بين تونس والجزائر وليبيا.. أي مصير للاتحاد المغاربي وهل تعتبرون أن هذا التكتل وفي ظل التحديات الراهنة أصبح اليوم خيارا ضروريا وإلى أي مدى يٌمكن له أن يكون ناجعا في ظل الأوضاع غير المستقرة التي تعيشها ليبيا؟

-اللقاءات الثلاثية بين تونس وليبيا والجزائر هي اجتماعات ذات طابع تشاوري هدفها الارتقاء بالعلاقات وتفعيل التعاون المشترك وفق خطط عمل جديدة وذات بعد يعزز التنمية والشراكة الإستراتيجية.

كما تندرج في إطار الحرص المشترك لقادة البلدان الثلاثة على تعزيز التشاور والتنسيق حيال التحديات الأمنية ومجابهة المخاطر التي تحدق ببلداننا جراء استفحال ظاهرة الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود.

ومثلما ورد في بيان اجتماع القمة الأول بتونس في 22 أفريل 2024 فإن الآلية التشاورية الثلاثية تحرص على إقامة علاقات مع البلدان والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى في إطار الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما أنها تبقى مفتوحة على كل إرادة سياسية صادقة ومخلصة تتقاسم ذات الأولويات للمشاركة البناءة في دفع العمل الجماعي المشترك وإثرائه، بعيدا عن سياسة المحاور ومخاطر التدخلات الخارجية. هذه الآلية التشاورية لا تشكّل بديلا عن اتحاد المغرب العربي الذي يظل خيارا استراتيجيا ومكسبا حضاريا تعمل تونس وبقية الدول الأعضاء الشقيقة على تجسيده وتجاوز الصعوبات التي تعيق سير تفعيل أدائه.

*أي تداعيات لعدم استقرار الأوضاع في ليبيا على تونس، ثم إننا اليوم نشهد تفعيلا لقرارات فتح وإعادة غلق لمعبر رأس جدير.. أين يكمن الإشكال؟

-نؤمن بأن أمن ليبيا وتونس متلازمان، وأن كل ما من شأنه أن ينفع ليبيا ينفعنا وما قد يضرّها لا سمح الله يؤثّر فينا.

أثبتت الأحداث الجارية في ليبيا صدق وصواب المقاربة التونسية في التعاطي مع تطورات الأوضاع في هذا البلد الشقيق، حيث حرصت بلادنا على تعزيز علاقاتها الثنائية مع ليبيا في كافة المجالات، ودعّمت كافة المبادرات الرامية إلى إيجاد تسوية للأزمة في ليبيا ورعت مختلف المحادثات بين الأشقاء الليبيين من أجل مساعدتهم على التوصل للحلول التي يرتضونها لبلدهم دون التدخل في شؤونهم، الأمر الذي جلب لها ثقة وتقدير واحترام كافة مكونات الشعب الليبي الشقيق وكذلك الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية.

    ونحن في تونس على ثقة تامة في قدرة الليبيين على تجاوز الظرف الراهن والتوصل للتوافقات الضرورية لضمان أفضل الظروف لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية وإنجاحها، كما نجدد استعدادنا الكامل لدعم الحوار الليبي- الليبي بهدف التوصل إلى التسوية المناسبة التي تكفل تحقيق الأمن والاستقرار في دولة ليبيا وتحافظ على وحدتها وسيادتها، بعيدا عن التدخلات الأجنبية.

أما فيما يخص معبر رأس الجدير فان الأمر يتجاوز الجانب التونسي .

هذا المعبر مهم للبلدين ونأمل أن يتم تجاوز الإشكال لاسيما انه ليس لدينا أية إشكاليات في تونس بما من شانه أن ينعكس سلبا على وضعية رأس جدير.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج لـ"الصباح":   لن نقبل أبدا أن يُحلّ ملف الهجرة على حساب بلادنا.. وسياستنا الخارجية تقوم على تنويع الشركاء الاستراتيجيين

 

-لم تقم أي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإصدار تعليق رسمي بخصوص علاقاتنا مع بقية شركائنا

-نبحث عن شراكات اقتصادية جديدة مع الدول الشقيقة والصديقة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية..

-لا توجد دبلوماسية اقتصادية بل هناك دبلوماسية واحدة وموحّدة للبلاد

-جلب الاستثمارات الجديدة وخلق الأسواق غير التقليدية رهين التسريع في تحيين الإطار القانوني للاستثمار

-هناك خطة تفكير لفتح بعثة ديبلوماسية جديدة في ماليزيا

 تونس-الصباح

سياسات تونس الخارجية وانفتاحها على أسواق جديدة.. معضلة الهجرة غير النظامية.. انفتاح تونس على القارة السمراء.. إلى جانب الوضع في ليبيا ومدى تداعياته على تونس، كانت تلك أبرز المحاور التي أتى عليها وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمّار في حوار خص به "الصباح".

وقد انساب الحديث تلقائيا آتيا في البداية على سلسلة الزيارات الأخيرة التي كان قد أداها الوزير إلى كل من البرازيل وبوركينافاسو وكوريا، ليشير في هذا الخصوص إلى أن هذه الزيارات تندرج في إطار سياسة تونس الخارجية القائمة على الانفتاح على الفضاءات الجديدة وتنويع الشراكات من خلال تطوير علاقات التعاون مع بلدان القارة الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية مع المحافظة على مصالحها ومستوى التعاون مع شركائها التقليديين.

اللقاء تعرّض أيضا إلى "القلق الأوروبي" من تقارب تونس مع المحور الروسي -الصيني ليشدّد الوزير في هذا الإطار على تمسك تونس باستقلالية السيادة الوطنية في صناعة القرار الداخلي وعدم قبولها أي تدخل من أي جهة موضحا أنه لم يقم أي من شركاء تونس من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإصدار تعليق رسمي بخصوص علاقاتنا مع بقية شركائنا. أما بخصوص المخاوف من إمكانية أن يكون حل ملف الهجرة غير النظامية على حساب الدولة التونسية فقد نفى الوزير ذلك بشدة، وفيما يلي نص الحوار.

أجرت الحوار: منال حرزي

 *البرازيل كانت آخر وجهة لكم.. لماذا هذا التوقيت بالذات ولماذا البرازيل كوجهة.. وما هو أفق التعاون بين البلدين؟

-البرازيل اليوم من أهم الفاعلين الدوليين على المستويين الاقتصادي والسياسي، فهي الرئيسة الحالية لمجموعة العشرين وستتولّى السنة القادمة رئاسة مجموعة "البريكس" إلى جانب رئاستها خلال الفترة القادمة لمجموعة "المركوسور" واحتضانها لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP 30).

الزيارة كانت بدعوة من وزير العلاقات الخارجيّة بجمهوريّة البرازيل الاتحادية وتندرج في إطار الحركية والديناميكية التي استعادتها الدبلوماسية التونسية وتنويع الشراكات مع شركاء تونس في الشرق والغرب.

تم التحضير لهذه الزيارة منذ مدة ووقعت برمجتها بالاتفاق مع الجانب البرازيلي ليتزامن مع افتتاح المكتب التجاري والقنصلي بمدينة ساو باولو وتنظيم المنتدى الاقتصادي التونسي البرازيلي يوم11 جويلية الجاري بالتعاون مع الغرفة التجارية العربية البرازيلية وبمشاركة وفد هام من رجال الأعمال والصناعيين التونسيين قاده رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالإضافة إلى إعادة تفعيل مجلس الأعمال التونسي البرازيلي.

كانت هذه الزيارة فرصة للتأكيد على متانة علاقات الصداقة التي تجمع البلدين ولفتح آفاق جديدة للتعاون والشراكة بينهما.

 ثم إن اختيار البرازيل لم يكن بمحض الصدفة وإنما لعدّة عوامل من بينها سعي تونس إلى استعادة موقعها الطبيعي كأحد أهمّ مزوّدي السوق البرازيلية بالأسمدة الكيمائية بعد ما فقدت هذه المكانة خلال العشرية الأخيرة. هنالك أيضا العديد من المجالات التي يمكن تطويرها بالتعاون مع البرازيل وخاصة منها المجال الصحي والصيدلي، وقد كانت هذه الزيارة فرصة للرئيس المدير العام للصيدلية المركزية للتوقيع على مذكرة تفاهم مع اتحاد الصناعات الدوائية البرازيلي. وبالتّوازي مع ذلك هنالك تطابق في مواقف البلدين بشأن مختلف القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني.

هناك أيضا انسجام بين الموقفين التونسي والبرازيلي تجاه عديد القضايا الدّولية الأخرى مثل مكافحة التغيّرات المناخية والأمن الغذائي ومكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية، إلى جانب ضرورة وضع مقاربة جديدة لطرق ووسائل العمل الدّولي متعدّد الأطراف في بعديها السياسي والمالي بما يكرّس القيم المشتركة للبشريّة المتمثّلة في السلام والتّنمية والعدل والإنصاف والدّيمقراطية والحرية.

وتم الاتّفاق أيضا خلال هذه الزيارة على تنظيم الدورة الخامسة للمشاورات السياسية في موفّى هذه السنة، والدورة الرابعة للجنة المشتركة مطلع السنة القادمة إضافة إلى الاستعداد لإتمام زيارات على أعلى مستوى.

*قبل البرازيل كانت لكم عديد الزيارات على غرار بوركينافاسو وكوريا عن ماذا أسفرت هذه الزيارات.. وهل هو توجه مرسوم للسياسة الخارجية قصد تحريك وإضفاء المزيد من النجاعة على الديبلوماسية التونسية؟

-هو ليس توجّها، فتونس لطالما كانت تسعى إلى تنمية علاقاتها مع كل شركائها، ربما قد يٌمثل توجها جديدا في حال تمت مقارنته بفترة سابقة أين انحصرت العلاقات الخارجية في شريك أو اثنين تقليديين.

تونس كبلد منفتح كانت دائما له علاقات مع جميع الشركاء في العالم، وبالتالي يتعين على شركائنا تفهم الأمر وأخذه بعين الاعتبار.

 بالفعل، قمت مؤخرا بزيارات رسمية إلى كل من بوركينافاسو وكوريا وقبلها إلى الكاميرون وهي تندرج في إطار تنفيذ التوجّهات العامة للسياسة الخارجية التي يضبطها رئيس الجمهورية، وتعمل وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج على تجسيمها على أرض الواقع. وهي توجهات تتمثل بالأساس في تنويع الشركاء الاستراتيجيين لبلادنا والبحث عن شراكات اقتصادية جديدة مع الدول الشقيقة والصديقة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية... على الصعيد الإفريقي مكّنت زيارتي للكاميرون وبوركينافاسو من إضفاء حركية جديدة على التعاون بعد فترة من الركود، حيث توجّت أشغال اللجان المشتركة بالتّوقيع على 14 اتفاقية تعاون شملت مجالات الاستثمار والصناعة والسياحة، والصناعات التقليدية والتكوين المهني والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ والشباب والرياضة .

كانت لي أيضا عدّة لقاءات هامة خلال هاتين الزيارتين مع كبار المسؤولين تمّ خلالها تبادل وجهات النظر حول عدد من المسائل والقضايا الإقليمية والدولية وفي مقدّمتها حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، كما أتاحت أيضا فرصة التأكيد على أهمية التعاون والتنسيق لمجابهة التحديات الراهنة على مستوى القارّة على غرار محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية.

وهنا أنوّه أن هذا الملف كان عنصرا قارّا في محادثاتي مع كبار المسؤولين في الكاميرون وبوركينافاسو حيث لمسنا تفهّما للإجراءات التي اتخذتها بلادنا لمواجهة تداعيات هذه الظاهرة والتي تستدعي قدرا كبيرا من التنسيق والتعاون وتضافر جهود كافة الدول والمنظمات الدولية المعنية.

 فيما يتعلق بكوريا كنت قد شاركت ضمن الوفد الذي ترأّسه رئيس الحكومة في أشغال القمّة الكورية- الإفريقية المنعقدة بسيول يومي 4 و5 جوان 2024 وتم بهذه المناسبة إجراء مباحثات مثمرة مع المسؤولين الكوريين والاتفاق على دعم التعاون بين الجانبين في مجالات واعدة على غرار تكنولوجيات الاتصال وتنمية القدرات. كما تم التأكيد على الرغبة في مزيد تطوير التعاون الثلاثي بين تونس وكوريا والدول الإفريقية حيث أعربت الحكومة الكورية عن استعدادها للنظر في إمكانية تمويل عدد من المشاريع في تونس إذا ما تمّ تقديم طلبات في الغرض.

وهذه الزيارة هي أيضا تجسيم لسياسة تونس الخارجية القائمة على الانفتاح على الفضاءات الجديدة وتنويع الشراكات من خلال تطوير علاقات التعاون مع بلدان القارة الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية، وذلك مع المحافظة على مصالحها ومستوى التعاون مع شركائها التقليديين.

*في ثنايا هذه الزيارات إلى أي مدى كانت تونس بعيدة عن سياسة المحاور ومختلف أشكال الاصطفاف التي "اتهمتكم" بها بعض الأطراف؟

-أؤكد حرص بلادنا على إرساء منوال تنموي يقوم على توسيع قاعدة الشراكات وتوثيق التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف في إطار انفتاحها على مختلف القوى الإقليمية والدّولية بمنأى عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية وباستخلاص الدروس من العقود الماضية، بوصلتها في ذلك الاصطفاف وراء الشرعية الدّولية ومناصرة القضايا العادلة والثبات على المواقف المبدئية التي لا تشوبها المصالح الآنيّة والضيّقة المبنيّة على المدى القصير.

*بادرت تونس مؤخرا بتنظيم عديد المنتديات الاقتصادية الإفريقية الكبرى.. فهل أن بوصلة تونس اليوم تتجه نحو القارة السمراء؟

-يٌعدّ إعادة تموقع تونس في القارّة والتوجه نحو السوق الإفريقية خيارًا استراتيجيا وطنيًا وأولويةً من أولويات السياسة الخارجية التونسية، وقد تجلّى ذلك من خلال تبنّي تونس مقاربة جديدة للقارة الإفريقية كشريك استراتيجي تتجاوز النّظرة التقليدية لإفريقيا باعتبارها مجرّد سوق.

إلى جانب انضمام تونس إلى أهم كتلتين اقتصاديتين إفريقيتين وهما "كوميسا" و"زليكاف" والذي يندرج أيضا ضمن مقاربة مبنية على تنمية التعاون والشراكة الاقتصادية والتكامل الإفريقي. وهنا لا بد أن أنوه بالدور الهام الذي تقوم به بعثاتنا الدبلوماسية في إفريقيا باعتبارها شبكة دعم للصادرات إلى السوق الإفريقية بالتنسيق مع الوزارات وهياكل الدعم الاقتصادي. وعلى الرغم من قلة الموارد فقد تمّ فتح سفارتين جديدتين خلال السنوات الأخيرة بكل من نيروبي وواقادوقو وذلك في إطار تعزيز حضورنا الدبلوماسي في إفريقيا جنوب الصحراء. الكفاءات التونسية أيضا تمثل ثروة بشرية وقوة ناعمة في إفريقيا خاصة في مجالي التعليم العالي والصحة.

أذكر أن هذا الاهتمام بإفريقيا لا يتعارض مع ترسيخ وتوسيع شراكاتنا وعلاقاتنا مع شركائنا التقليديين ولا يتضارب كذلك مع توجّهاتنا الجديدة كالانفتاح على آسيا والقوى الاقتصاديّة الصاعدة مثل الصّين وبلدان أمريكا الجنوبيّة كالبرازيل التّي تمثّل بالنسبة إلينا سوقا واعدة.

 *اليوم تطال تونس تحفّظات من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب انفتاح تونس على الشّرق، تحفظات بشأن ما اعتبرته تقاربا مٌقلقا مع المحور الروسي الصيني.. ما رأيكم؟

-أوّلا وقبل كلّ شيء أود أن أذكّر بأحد ثوابت السّياسة الخارجية: وهو تمسّك بلادنا باستقلالية السّيادة الوطنية في صناعة القرار الدّاخلي وعدم تقبّلها لأيّ تدخل من أيّ جهة. وعليه لم تتوان تونس في تذكير جميع شركائها بأهمية بناء علاقات نديّة قِوامُها الاحترام المُتبادل وعدم التّدخل في الشّؤون الدّاخلية واحترام الخيارات السّيادية والتأكيد على أن لهذا التوجّه المساندة المطلقة من الأغلبية الساحقة من التونسيين.

لم يقم أي من شركاء تونس من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإصدار تعليق رسمي بخصوص علاقاتنا مع بقية شركائنا.

ثم إن تونس وفي إطار تمسكها بمرجعيات وثوابت الديبلوماسية التونسية تعمل على المحافظة وبشكل مستقلّ على علاقاتها مع كافة شركائها التقليديين بما فيهم الاتّحاد الأوروبي الذي تربطه بتونس علاقات تاريخية وإستراتيجية.

أذكر أنه في خضم التّحديات المطروحة تتزايد الحاجة إلى بلورة فرص تعاون جديدة من خلال الانفتاح على الجميع وذلك خدمة للمصالح الوطنيّة العليا. لذلك تسعى الدبلوماسية التونسية إلى تنويع شراكاتها السياسية والاقتصادية وبناء علاقات متينة مع جميع الشّركاء من خلال فتح آفاق جديدة سواء في محيط تونس الجغرافي المباشر أو البعيد. وقد تُرجم هذا التّوجه من خلال رفع نسق الزّيارات الرّسمية إلى العديد من الدّول الشقيقة والصّديقة.

*بعد سد مختلف الشغورات ماذا تنتظرون اليوم من الديبلوماسية التونسية؟

-شهدت سنة 2023 أكبر حركة سنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية (54 رئيس بعثة: 35 سفيرا، 8 قناصل عامين و11 قنصلا).

حاليا هنالك شغورات عادية (أي فترة نهاية مهام على أن يتم لاحقا سد الشغورات). وهنالك خطة تفكير لفتح بعثة ديبلوماسية جديدة في ماليزيا وربما في بعض بلدان إفريقية أخرى. والوزارة تسعى إلى تأمين أفضل الظروف الممكنة للنجاح في الداخل وفي الخارج رغم الموارد المحدودة وضغوطات المالية العمومية وهي تجري تقييما دوريا للأداء وتتطلع إلى أن يكون رؤساء البعثات على قدر الثقة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم .

*إلى أي حد تعتقدون اليوم أن الديبلوماسية التونسية بصدد التعافي واستعادة بريقها خاصة بعد الأداء الذي وصفته بعض الأطراف بالهزيل خلال العشرية الأخيرة؟

-في المطلق لطالما كانت الديبلوماسية التونسية رصينة وناجعة وناجحة. لكن الجميع يدرك الأوضاع التي عاشتها البلاد بعد 2011، وبالتالي تعمل الدبلوماسية التونسية على تجاوز إخلالات وهنات الفترة الماضية وخاصة خلال السنوات القليلة الفارطة، وعلى استعادة حيويتها ودورها الطبيعي بوصفها خط الدفاع الأول عن مصالح تونس وفاعلا رئيسيا في جلب الاستثمارات وتعزيز حضور المنتجات والشركات التونسية في الأسواق التقليدية واستكشاف أسواق جديدة وربط جسور التواصل الثقافي والحضاري مع البلدان الشقيقة والصديقة وشعوبها في إطار تقوية العلاقات الاقتصادية والثقافية بالتنسيق مع هياكل الدعم المعنية.

 *اليوم ورغم الجهود المبذولة إلا أنه ما يزال الكثير أمام الديبلوماسية الاقتصادية.. فما هي أبرز الإشكاليات التي تواجهها بما يحول دون جلب استثمارات جديدة وخلق أسواق غير تقليدية؟

-أولا أود التأكيد على نقطة أساسيّة: لا توجد دبلوماسية اقتصادية.. هناك دبلوماسية واحدة وموحّدة للبلاد.

ومن هذا المنطلق تسعى الوزارة لتطوير وتوضيح العمل الذي تقوم به في إطار علاقاتها الاقتصادية والوقوف على الإشكاليات المطروحة التي تعترضها والمتمثلة بالأساس في التحرّك المنفرد وتشتت الجهود.

كما تعمل حاليا على تحسيس جميع الهياكل المتداخلة في المجال الاقتصادي بضرورة مزيد التنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة والأطراف المتدخلة لاسيّما هياكل الدعم التي لها تمثيليات في الخارج والقطاع الخاص والعمل سويّا من أجل إرساء إستراتيجية موحّدة في المجال الاقتصادي وتفادي تشتيت التحركات والنشاطات والتنسيق أكثر من أجل تقديم مشاريع ذات جدوى وقابلة للتنفيذ يمكن طرحها على الشركاء والمانحين الدوليين من أجل الحصول على التمويلات اللازمة.

الجهود قائمة أيضا على العمل على ضرورة تحسين كافة الخدمات المتعلقة بالبنية التحتية والأمن والديوانة والنقل والاتصالات والتكنولوجيا والخدمات الإدارية وتقليص مدة الانتظار.

ثم انه لابد من الإشارة إلى أن جلب الاستثمارات الجديدة وخلق الأسواق غير التقليدية رهين التسريع بتحيين الإطار القانوني للاستثمار في تونس حيث من الضروري أن يشمل تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالاستثمار وتقديم حوافز ضريبية وتوفير بيئة قانونية تضمن الشفافية والعدالة والسرعة اللازمة في التعاملات الاقتصادية، هذا دون التغافل على أن تحيين الإطار القانوني للاستثمار لابدّ من أن يتلاءم مع التحديات الاقتصادية الحالية والتطورات السريعة في السوق العالمية .

إنّ خلق أسواق جديدة يرتبط بالأساس بالتغطية الدبلوماسية وبتوفر الخطوط الجوية المباشرة لنقل المسافرين والبضائع، ولمزيد التحرك في جميع أنحاء العالم والتعريف بالمنتجات والصناعات التونسية التي من الممكن أن تستقطب اهتمام المستهلك في العالم لا بدّ من توفر المزيد من الإمكانيات المادية والبشرية وسياسة ترويجية موحّدة بين مختلف المتدخلين.

*تنظم الوزارة يومي6 و7 أوت القادم "منتدى تونس للكفاءات بالخارج" وكنتم قد تحدثتم عن إنشاء مقاربة جديدة في العلاقة مع المواطنين المغتربين من خلال تيسير انخراطهم بطريقة أفضل في مسار تنمية البلاد.. كيف ذلك وهل من إستراتيجية عمل واضحة في الأفق؟

-هذا المنتدى الذي يحظى باهتمام كبير من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد سيجمع بين الكفاءات التونسية في الخارج التي تعدّ أحد أهمّ مواردنا الوطنية وتمثّل جسرا يربط بين تونس والعالم تتنقّل معه ثقافتنا وهويتنا ورسالة بلادنا إلى أقصى بقاع الأرض.

ويتنزل هذا المنتدى في إطار رؤيتنا الجديدة في التواصل مع أبناء الجالية التونسية بالخارج بكل فئاتها بما في ذلك الاهتمام بالكفاءات والباحثين ورجال الأعمال وانتهاج طريقة تفاعلية معهم وتحميلهم المسؤولية تجاه بلادهم بما يساعد على الاستجابة أكثر إلى تطلعاتهم وتمكينهم من المساهمة في دعم المجهود التنموي لبلادنا وإبلاغ صوت تونس في الخارج.

 ويقوم هذا المنتدى على مقاربة تشاركية تهدف إلى تجاوز الصورة النمطية التقليدية لدور التونسيين في الخارج الذين نؤمن بأنّهم قوة اقتراح فاعلة ملتزمة بخدمة بلادنا. ونسعى بذلك إلى تحفيز الكفاءات التونسية في الخارج وتشجيعها على المشاركة الإيجابية في المسار التنموي لتونس بالطريقة التي تراها مناسبة وناجعة.

 كما يهدف إلى مزيد التشبيك بين كفاءاتنا بالخارج بمختلف اختصاصاتها ومواقعها، بما يضفي المزيد من النجاعة والفاعلية على دورها كقوة ناعمة داعمة لمصالح بلادها.

*انعقد مؤخرا في ليبيا وبمشاركة رئيس الحكومة مؤتمر دولي لمناقشة خطة إفريقية-أوروبية لمكافحة الهجرة غير النظامية.. برأيكم كيف ستواجه تونس اليوم ملف المهاجرين الأفارقة غير النظاميين المعقد والذي يثير الكثير من الجدل في الداخل وفي الخارج؟

-يٌعدّ "منتدى الهجرة المتوسطية" فرصة جديدة لإلقاء الضوء على تعقيدات ملف الهجرة غير النظامية ومحاولة متجددة لإرساء تعاون دولي في هذا المجال يكون أكثر عدالة ومسؤولية.

ومن هذا المنطلق تسعى تونس إلى حلّ معضلة الهجرة الإفريقية الوافدة عبر تسليط الضوء على أسبابها العميقة والدعوة إلى مقاربة دولية تشاركية في وضع حلول دائمة وعادلة. وهو ما يفسّر انخراطها في كافة المسارات الدولية والإقليمية للتعاون الأوروبي-الإفريقي التي تتناول هذه الظاهرة بالدراسة والحل على غرار مسارات الرباط والخرطوم، ومشاركتها في كافة التظاهرات والملتقيات التي ترنو إلى الحدّ من تفاقمها حتى لو تقاطعت في أهدافها مع مسارات أخرى.

 تقوم المقاربة التونسية بخصوص قضايا الهجرة غير النظامية على مواقف مبدئية حددها رئيس الجمهورية وهي كالتالي:

رفض تونس إقامة منصات إنزال على أراضيها للمهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء مع التقيد بالتزاماتها الإنسانية والدولية القائمة على احترام مبادئ حقوق الإنسان ورفض العودة القسرية للمهاجرين غير النظاميين.

 رفض اعتماد صيغة الرحلات الجماعية لعمليات الترحيل مع رفض إعادة ترحيل مواطني دول أخرى، هذا بالتوازي مع التصدي للتنظيمات الإجرامية العاملة في مجال الهجرة السرّية والاتّجار بالبشر.

كما ترفض تونس أن تكون حارسة لحدود غير حدودها أو تكون ممرا للعبور أو مكانا للتوطين.

فضلا عن معالجة الأسباب العميقة للهجرة ضمن مقاربة شاملة ومتضامنة وعدم الاكتفاء بالمعالجة الأمنية أو معالجة النتائج.

*تستعد تونس لاحتضان قمة مسار روما.. هل من تفاصيل حول هذه القمة وعن موعدها؟

-لم يتم بعد تحديد موعد لهذه القمة، لكننا نبقى منفتحين على جميع المسارات والجهود التي تفضي إلى معالجة إشكالية الهجرة غير النظامية .

*هناك اليوم مخاوف من أن يكون حل ملف الهجرة على حساب الدولة التونسية.. ما تعليقكم؟

-لا لن يحدث ذلك مطلقا. ولا نقبل أبدا أن يُحلّ أي ملف على حساب مصالح بلادنا فنحن نعمل على بلورة حلّ جماعي يخدم مصالح كل الأطراف وفي إطار مقاربة شاملة ومتضامنة قوامها مواصلة التشاور والتعاون مع شركائها على المستويين الثنائي ومتعدّد الأطراف ضمن المسارات التي انخرطت فيها (مسارات الخرطوم والرباط الخاصة بالتعاون بين أوروبا وإفريقيا في مجالات الهجرة) والمساهمة في صياغة أجنداتها ومواعيدها.

إلى جانب متابعة تنفيذ مذكرة التفاهم بشأن الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي الموقعة بقرطاج في 16 جويلية 2023 وتجسيد المشاريع المتفق عليها فضلا عن تنفيذ الأهداف المضمّنة في مسار روما المنبثق عن المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة المنعقد بروما في 3 جويلية 2023 بمبادرة من رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، ورئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني، ضمن خطة عمل وبرامج تنفيذية يتم التقدم في صياغتها في إطار الإعداد للمرحلة الثانية من هذا المؤتمر الذي سيتم تنظيمه بتونس على مستوى القمّة.

هذا بالتوازي مع تعزيز الاتفاقيات مع الشركاء الأوروبيين في مجال تأطير الهجرة النظامية وفتح آفاق أمام الخبرات واليد العاملة التونسية للعمل والتنقّل ضمن إطار قانوني يضمن سلامتهم وحقوقهم.

*في ظل اللقاءات التشاورية بين تونس والجزائر وليبيا.. أي مصير للاتحاد المغاربي وهل تعتبرون أن هذا التكتل وفي ظل التحديات الراهنة أصبح اليوم خيارا ضروريا وإلى أي مدى يٌمكن له أن يكون ناجعا في ظل الأوضاع غير المستقرة التي تعيشها ليبيا؟

-اللقاءات الثلاثية بين تونس وليبيا والجزائر هي اجتماعات ذات طابع تشاوري هدفها الارتقاء بالعلاقات وتفعيل التعاون المشترك وفق خطط عمل جديدة وذات بعد يعزز التنمية والشراكة الإستراتيجية.

كما تندرج في إطار الحرص المشترك لقادة البلدان الثلاثة على تعزيز التشاور والتنسيق حيال التحديات الأمنية ومجابهة المخاطر التي تحدق ببلداننا جراء استفحال ظاهرة الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود.

ومثلما ورد في بيان اجتماع القمة الأول بتونس في 22 أفريل 2024 فإن الآلية التشاورية الثلاثية تحرص على إقامة علاقات مع البلدان والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى في إطار الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما أنها تبقى مفتوحة على كل إرادة سياسية صادقة ومخلصة تتقاسم ذات الأولويات للمشاركة البناءة في دفع العمل الجماعي المشترك وإثرائه، بعيدا عن سياسة المحاور ومخاطر التدخلات الخارجية. هذه الآلية التشاورية لا تشكّل بديلا عن اتحاد المغرب العربي الذي يظل خيارا استراتيجيا ومكسبا حضاريا تعمل تونس وبقية الدول الأعضاء الشقيقة على تجسيده وتجاوز الصعوبات التي تعيق سير تفعيل أدائه.

*أي تداعيات لعدم استقرار الأوضاع في ليبيا على تونس، ثم إننا اليوم نشهد تفعيلا لقرارات فتح وإعادة غلق لمعبر رأس جدير.. أين يكمن الإشكال؟

-نؤمن بأن أمن ليبيا وتونس متلازمان، وأن كل ما من شأنه أن ينفع ليبيا ينفعنا وما قد يضرّها لا سمح الله يؤثّر فينا.

أثبتت الأحداث الجارية في ليبيا صدق وصواب المقاربة التونسية في التعاطي مع تطورات الأوضاع في هذا البلد الشقيق، حيث حرصت بلادنا على تعزيز علاقاتها الثنائية مع ليبيا في كافة المجالات، ودعّمت كافة المبادرات الرامية إلى إيجاد تسوية للأزمة في ليبيا ورعت مختلف المحادثات بين الأشقاء الليبيين من أجل مساعدتهم على التوصل للحلول التي يرتضونها لبلدهم دون التدخل في شؤونهم، الأمر الذي جلب لها ثقة وتقدير واحترام كافة مكونات الشعب الليبي الشقيق وكذلك الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية.

    ونحن في تونس على ثقة تامة في قدرة الليبيين على تجاوز الظرف الراهن والتوصل للتوافقات الضرورية لضمان أفضل الظروف لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية وإنجاحها، كما نجدد استعدادنا الكامل لدعم الحوار الليبي- الليبي بهدف التوصل إلى التسوية المناسبة التي تكفل تحقيق الأمن والاستقرار في دولة ليبيا وتحافظ على وحدتها وسيادتها، بعيدا عن التدخلات الأجنبية.

أما فيما يخص معبر رأس الجدير فان الأمر يتجاوز الجانب التونسي .

هذا المعبر مهم للبلدين ونأمل أن يتم تجاوز الإشكال لاسيما انه ليس لدينا أية إشكاليات في تونس بما من شانه أن ينعكس سلبا على وضعية رأس جدير.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews