أول أمس، زوج يقتلع عيني زوجته أمام أطفالهما داخل منزلهما بجهة بومهل اثر خلاف جدّ بينهما حول مصاريف العائلة.. بعدها بساعات قليلة وبجهة صفاقس طبيب يقتل زوجته وطفلهما بعد مشاكل بينهما كانت ستفضي إلى الطلاق..، قبلها بأسبوع وبجهة البحر الأزرق بالمرسى زوج يطعن زوجته بسكين ويُرديها قتيلة أمام أبنائهما بسبب خلافات عائلية بينهما.. ومنذ بضعة أسابيع عون أمن بولاية الكاف يفرغ ذخيرة مسدسه الوظيفي في جسد زوجته بعد أن تقدمت بشكاية ضده في العنف الزوجي..
كل هذه الاعتداءات الشنيعة التي تذهب ضحيتها النساء، ومنها الاعتداء باقتلاع العيون والذي تكرر في أكثر من قضية في الأشهر الأخيرة، يؤكد مرة أخرى أن العنف الزوجي في تونس بدأ يتخذ منحى خطيرا ووحشيا، ويثبت ما ذهبت إليه في وقت سابق جمعية النساء الديمقراطيات أن هناك امرأة تفقد حياتها كل أسبوع! .. عنف زوجي تحول إلى ظاهرة خطيرة تهدد حياة النساء بشكل جدي وزادت هذه الظاهرة خطورة وانتشارا مع جائحة كورونا وطول فترات الحجر الصحي، ولم يستطع قانون 58 لمناهضة العنف ضد النساء بعد أربع سنوات من دخوله حيز التنفيذ من تقليص الظاهرة أو الحد منها لأسباب متعددة سنتعرض لها تباعا، كما يؤشر هذا العنف المتنامي على مدى انهيار مؤسسة الزواج في تونس التي تفرض وضعها تحت مجهر البحث والدراسة لإيجاد الحلول التي تحمي الطرفان في هذه المؤسسة والأهم تحمي الأطفال وتوفير بيئة تربية سليمة قادرة على حماية أجيال المستقبل.
ويبقى أخطر ما في العنف الزوجي هو هذا التوجه الى التعود عليه والتطبيع مع الظاهرة التي لم تعد تستفز أحدا ما عدا بعض الجمعيات الحقوقية والمدافعة عن النساء والتي تناضل يوميا للإحاطة بالنساء المعنفات، وهذه اللامبالاة تجد لها تفسيرا وتبريرا في العقلية الذكورية التي تسيطر على المجتمع، حيث أشارت دراسة حول ادراج النوع الاجتماعي في السياسات المحلية، أعدتها جمعية أصوات نساء أن 14 بالمائة من الرجال المستجوبين يشرعون لهذا العنف الزوجي ولا يرونه جريمة أو سلوكا مشينا يعاقب عليه القانون.
ورغم أن قانون 58 لمناهضة العنف ضد المرأة، فرض توفر فرق أمنية مختصة تستمع للنساء المعنفات وتوفر لهن الحماية، وبلغ عددها 130 فرقة متخصصة، إلا أن نجاعة هذه الفرق في الواقع بقيت محدودة حيث شهدت أحداث العنف ضد المرأة تزايدا خاصة زمن جائحة كورونا، حيث بلغت حالات العنف المسلط على النساء في منوبة لوحدها زمن الكوفيد 4333 حالة بعد ان كانت لا تتجاوز 1000 حالة في 2019 وولاية منوبة هي مجرد عينة للكثير من الولايات التي تشهد ارتفاعا خطيرا في عدد حالات العنف ضد النساء المسجلة في الأشهر الأخيرة وبالأساس منذ بداية الجائحة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأسر بالإضافة الى الحجر الصحي الذي خلق مشاكل عائلية كبيرة انتهى عدد كبير منها بجرائم فظيعة.
إحصائيات صادمة وإجراءات منحازة
منذ مدة نشرت جمعية النساء الديمقراطيات دراسة حول العنف زمن الكوفيد وقد كشفت الدراسة أن العنف الزوجي هو الأكثر شيوعا بنسبة 67 بالمائة بما يشير بوضوح الى أن الفضاء الزوجي والعائلي تحول في أيام الجائحة الى فضاء غير آمن وأكثر تهديد للنساء، وهذا العنف تضمن العنف الجنسي بالإضافة الى الاعتداء المادي واللفظي والطرد من المنزل الى غيرها من الممارسات العدوانية التي ينتهجها عدد كبير من الأزواج بقطع النظر على المستوى العلمي او الاجتماعي، ولو أن عدم الاستقلالية المادية للمرأة كانت من أبرز الأسباب التي تقف خلف صمت عدد كبير من النساء عن العنف الذي يتعرضن له بشكل متكرر من أزواجهن .
كما أفادت أرقام لوزارة المرأة الى حدود نهاية 2020 أن العنف ضد النساء، تضاعف 7 مرات وأنه تم الإبلاغ عن أكثر من 7000 حالة من حالات العنف وذلك من خلال الرقم المجاني لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن. وأن النيابة العمومية حققت في 4 آلاف و263 قضية، تتعلق بالعنف ضدّ المرأة والطفل خلال الحجر، وسجلت 5 آلاف و111 متّهما في هذه القضايا.. ولكن الملفت والخطير هو ارتفاع نسب الإفلات من العقاب في هذه الجرائم.
واعتبر الرئيسة السابقة لـلجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس إنّ "هناك تباينا كبيرا بين قانون 2017 والممارسات المؤسساتية والاجتماعية حيث اعتبرت أن هناك تحديات تواجه النساء ضحايا العنف في تتبع المعتدي ويواجهن صعوبات مؤسساتية مثل الوصم من قبل أعوان الضابطة العدلية وسوء المعاملة والتحيز الجنساني لبعض القضاة وغياب مكاتب للإرشاد القانوني أو خلايا لاستقبال وتوجيه النساء ضحايا العنف في المحاكم إضافة إلى عدم التمتع بالحق في الإعانة العدلية بصفة آلية وعدم وضوح إجراءاتها وبطئها وطول مدة التقاضي وغياب التخصص لدى القضاة في مجال العنف المسلط على النساء وغياب دوائر قضائية متخصصة دون الأخذ بعين الاعتبار لخصوصية الضحايا مما يشكل عائقا مضاعفا لإنصاف النساء.
أما على مستوى التطبيق القضائي للقانون عدد 58، فان جمعية النساء الديمقراطيات التي تشتغل بشكل مستمر على العنف ضد النساء، بعد دخوله حيز النفاذ، أنه وعلى مستوى جرائم العنف الزوجي وبالرغم من ارتفاع نسبة العنف المادي ضد النساء إلا انه لا توجد رغبة ولا إرادة لمقاومته من قبل بعض القضاة ويرجع ذلك للعقلية الذكورية للبعض منهم القائمة على جواز تأديب الزوج لزوجته وإلقاء المسؤولية في التسبب فيه على النساء ! كما تمت ملاحظة تسامح على مستوى الأحكام الصادرة بالمقارنة مع أفعال العنف المشتكى بها وينتفع المعنِّفون في أغلب الأحيان بظروف تخفيف حتى في الحالات التي يشدد فيها المشرع العقاب، بالإضافة الى أنه لا توجد أحكام تدين الاغتصاب الزوجي الذي يعتبر من أفعال الاعتداء المسكوت عنها رغم تأثيرها على نفسية المرأة وتماسك الاسرة .
وتواصل الاعتداءات الوحشية التي تتعرض لها النساء في الفضاء العائلي من طرف الزوج، يفرض اليوم، تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي تتخذ أبعادا خطيرة اليوم، وباتت من أسباب موت النساء، خاصة بعد أربع سنوات من دخول قانون مناهضة العنف ضد المرأة والذي ما يزال عاجزا الى حد الآن عن توفير الحماية اللازمة.
منية العرفاوي
تونس- الصباح
أول أمس، زوج يقتلع عيني زوجته أمام أطفالهما داخل منزلهما بجهة بومهل اثر خلاف جدّ بينهما حول مصاريف العائلة.. بعدها بساعات قليلة وبجهة صفاقس طبيب يقتل زوجته وطفلهما بعد مشاكل بينهما كانت ستفضي إلى الطلاق..، قبلها بأسبوع وبجهة البحر الأزرق بالمرسى زوج يطعن زوجته بسكين ويُرديها قتيلة أمام أبنائهما بسبب خلافات عائلية بينهما.. ومنذ بضعة أسابيع عون أمن بولاية الكاف يفرغ ذخيرة مسدسه الوظيفي في جسد زوجته بعد أن تقدمت بشكاية ضده في العنف الزوجي..
كل هذه الاعتداءات الشنيعة التي تذهب ضحيتها النساء، ومنها الاعتداء باقتلاع العيون والذي تكرر في أكثر من قضية في الأشهر الأخيرة، يؤكد مرة أخرى أن العنف الزوجي في تونس بدأ يتخذ منحى خطيرا ووحشيا، ويثبت ما ذهبت إليه في وقت سابق جمعية النساء الديمقراطيات أن هناك امرأة تفقد حياتها كل أسبوع! .. عنف زوجي تحول إلى ظاهرة خطيرة تهدد حياة النساء بشكل جدي وزادت هذه الظاهرة خطورة وانتشارا مع جائحة كورونا وطول فترات الحجر الصحي، ولم يستطع قانون 58 لمناهضة العنف ضد النساء بعد أربع سنوات من دخوله حيز التنفيذ من تقليص الظاهرة أو الحد منها لأسباب متعددة سنتعرض لها تباعا، كما يؤشر هذا العنف المتنامي على مدى انهيار مؤسسة الزواج في تونس التي تفرض وضعها تحت مجهر البحث والدراسة لإيجاد الحلول التي تحمي الطرفان في هذه المؤسسة والأهم تحمي الأطفال وتوفير بيئة تربية سليمة قادرة على حماية أجيال المستقبل.
ويبقى أخطر ما في العنف الزوجي هو هذا التوجه الى التعود عليه والتطبيع مع الظاهرة التي لم تعد تستفز أحدا ما عدا بعض الجمعيات الحقوقية والمدافعة عن النساء والتي تناضل يوميا للإحاطة بالنساء المعنفات، وهذه اللامبالاة تجد لها تفسيرا وتبريرا في العقلية الذكورية التي تسيطر على المجتمع، حيث أشارت دراسة حول ادراج النوع الاجتماعي في السياسات المحلية، أعدتها جمعية أصوات نساء أن 14 بالمائة من الرجال المستجوبين يشرعون لهذا العنف الزوجي ولا يرونه جريمة أو سلوكا مشينا يعاقب عليه القانون.
ورغم أن قانون 58 لمناهضة العنف ضد المرأة، فرض توفر فرق أمنية مختصة تستمع للنساء المعنفات وتوفر لهن الحماية، وبلغ عددها 130 فرقة متخصصة، إلا أن نجاعة هذه الفرق في الواقع بقيت محدودة حيث شهدت أحداث العنف ضد المرأة تزايدا خاصة زمن جائحة كورونا، حيث بلغت حالات العنف المسلط على النساء في منوبة لوحدها زمن الكوفيد 4333 حالة بعد ان كانت لا تتجاوز 1000 حالة في 2019 وولاية منوبة هي مجرد عينة للكثير من الولايات التي تشهد ارتفاعا خطيرا في عدد حالات العنف ضد النساء المسجلة في الأشهر الأخيرة وبالأساس منذ بداية الجائحة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأسر بالإضافة الى الحجر الصحي الذي خلق مشاكل عائلية كبيرة انتهى عدد كبير منها بجرائم فظيعة.
إحصائيات صادمة وإجراءات منحازة
منذ مدة نشرت جمعية النساء الديمقراطيات دراسة حول العنف زمن الكوفيد وقد كشفت الدراسة أن العنف الزوجي هو الأكثر شيوعا بنسبة 67 بالمائة بما يشير بوضوح الى أن الفضاء الزوجي والعائلي تحول في أيام الجائحة الى فضاء غير آمن وأكثر تهديد للنساء، وهذا العنف تضمن العنف الجنسي بالإضافة الى الاعتداء المادي واللفظي والطرد من المنزل الى غيرها من الممارسات العدوانية التي ينتهجها عدد كبير من الأزواج بقطع النظر على المستوى العلمي او الاجتماعي، ولو أن عدم الاستقلالية المادية للمرأة كانت من أبرز الأسباب التي تقف خلف صمت عدد كبير من النساء عن العنف الذي يتعرضن له بشكل متكرر من أزواجهن .
كما أفادت أرقام لوزارة المرأة الى حدود نهاية 2020 أن العنف ضد النساء، تضاعف 7 مرات وأنه تم الإبلاغ عن أكثر من 7000 حالة من حالات العنف وذلك من خلال الرقم المجاني لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن. وأن النيابة العمومية حققت في 4 آلاف و263 قضية، تتعلق بالعنف ضدّ المرأة والطفل خلال الحجر، وسجلت 5 آلاف و111 متّهما في هذه القضايا.. ولكن الملفت والخطير هو ارتفاع نسب الإفلات من العقاب في هذه الجرائم.
واعتبر الرئيسة السابقة لـلجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس إنّ "هناك تباينا كبيرا بين قانون 2017 والممارسات المؤسساتية والاجتماعية حيث اعتبرت أن هناك تحديات تواجه النساء ضحايا العنف في تتبع المعتدي ويواجهن صعوبات مؤسساتية مثل الوصم من قبل أعوان الضابطة العدلية وسوء المعاملة والتحيز الجنساني لبعض القضاة وغياب مكاتب للإرشاد القانوني أو خلايا لاستقبال وتوجيه النساء ضحايا العنف في المحاكم إضافة إلى عدم التمتع بالحق في الإعانة العدلية بصفة آلية وعدم وضوح إجراءاتها وبطئها وطول مدة التقاضي وغياب التخصص لدى القضاة في مجال العنف المسلط على النساء وغياب دوائر قضائية متخصصة دون الأخذ بعين الاعتبار لخصوصية الضحايا مما يشكل عائقا مضاعفا لإنصاف النساء.
أما على مستوى التطبيق القضائي للقانون عدد 58، فان جمعية النساء الديمقراطيات التي تشتغل بشكل مستمر على العنف ضد النساء، بعد دخوله حيز النفاذ، أنه وعلى مستوى جرائم العنف الزوجي وبالرغم من ارتفاع نسبة العنف المادي ضد النساء إلا انه لا توجد رغبة ولا إرادة لمقاومته من قبل بعض القضاة ويرجع ذلك للعقلية الذكورية للبعض منهم القائمة على جواز تأديب الزوج لزوجته وإلقاء المسؤولية في التسبب فيه على النساء ! كما تمت ملاحظة تسامح على مستوى الأحكام الصادرة بالمقارنة مع أفعال العنف المشتكى بها وينتفع المعنِّفون في أغلب الأحيان بظروف تخفيف حتى في الحالات التي يشدد فيها المشرع العقاب، بالإضافة الى أنه لا توجد أحكام تدين الاغتصاب الزوجي الذي يعتبر من أفعال الاعتداء المسكوت عنها رغم تأثيرها على نفسية المرأة وتماسك الاسرة .
وتواصل الاعتداءات الوحشية التي تتعرض لها النساء في الفضاء العائلي من طرف الزوج، يفرض اليوم، تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي تتخذ أبعادا خطيرة اليوم، وباتت من أسباب موت النساء، خاصة بعد أربع سنوات من دخول قانون مناهضة العنف ضد المرأة والذي ما يزال عاجزا الى حد الآن عن توفير الحماية اللازمة.