عرّت الموجة الاخيرة من انتشار فيروس كورونا في تونس غياب هام أو تقريبا نهاية غير متوقعة للوعي المجتمعي في تونس.. الاستهتار، اللامبالاة تؤكد ان "الوعي قتل فينا" من السبب وهل اصبح التونسي يتحدى الموت؟ ولماذا وصل الى هذه الحالة؟ اسئلة على الرغم من اهميتها الا اننا لا نجد لها اجوبة وسط الانتشار الواسع لفيروس كورونا كانتشار النار في الهشيم.
ولايات تحتضر اطلق على بعضها الولايات الشهيدة وهي عناوين تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد ونشرات الاخبار الى جانب فتح البلاتوهات للبحث في اسباب بلوغنا مرحلة اللاعودة بسبب كورونا لكن يبقى غياب الوعي هو المحدد الرئيسي في المعركة المصيرية مع هذا الوباء.
اليوم تونس تعيش على وقع ازمات سياسية وصعوبات اقتصادية واجتماعية وكل هذه العوامل يرجح المختصون في علم النفس ان يكون لها وقع في التقليل من درجة الوعي المواطني لخطر الوباء.
لا يمكن ان نتجاهل موجة السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي التي رافقت موجة كورونا في مختلف مراحلها والتي تتواصل الى اليوم فكثيرا ما يراها العديد من التونسيين انها كذبة الحكومات والعالم باسره في حين يعتبر البعض الاخر ان وباء كورونا ارحم من وباء السياسة الذي نخر البلاد لسنوات طويلة .
ورغم سن قوانين ردعية وزجرية للسيطرة انتشار الوباء واتخاذ إجراءات استباقية وبالتدرج مثل حظر التجول، الحجر الصحي العام، سحب رخص القيادة للمُخالفين الا ان ذلك لم يحد من تفشي الفيروس في اغلب الولايات وبدرجة خطورة متفاوتة.
وبهذا الانتشار الواسع للفيروس يتساءل العديد عن الفرق بين الموجة الاولى والوضع الوبائي الحالي وهنا يجيب المختص في علم الاجتماع سامي نصر بانه في الاول تم وضع استراتيجية اتصالية فعالة لدرجة ان كل تونسي استوعبها ودخلت الى مخياله وتصرف وفقا لذلك فما حصل خلال بداية انتشار وباء كورونا في السنة الفارطة بكامل تراب الجمهورية لا يعادل ما يحدث اليوم في حي صغير في احد الولايات الاكثر انتشارات للفيروس في الوقت الحالي.
ورأى دكتور علم الاجتماع بان المخيال الجمعي في تونس أقوى بكثير من الواقع، لأنه خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا وعلى المستوى الواقعي لم نشهد عددا كبيرة من المصابين ولا من الوفيات، ومع ذلك عاش الشعب التونسي أزمة مخيال جمعي حادة، انعكست اساسا من خلال اخذ الاحتياطات اللازمة داخل المنازل وخارجها مع المحافظة على كل البروتوكولاتت الصحية من تعقيم واقبال على الكمامات كما تجنّدت الدولة والسلط الجهوية والبلديات وخاصة المجتمع المدني لمجابهة هذه الأزمة.
في حين في الموجة الثانية والموجات التالية وخاصة التي تمر بها البلاد اليوم، نعيش أزمة واقعية حادة وفي غاية الخطورة على مستوى عدد الإصابات والوفيات ومعدلات أعمار الضحايا ودرجة انتشار الجائحة… ولكن لم نعيش أزمة مخيال جمعي لذلك فان السياسة الاتصالية المعتمدة وخصوصية الشعب التونسي هي التي جعلت أزمة المخيال اقوى وأكثر شراسة من أزمة الواقع وعلى هذا الاساس لا يجب الاستهانة بمخيال الشعوب سواء أكانت صحيحة ام خاطئة، كما أن حسن إدارة الأزمات لا يتوقف فقط على نجاعة القرارات التي يتم اتخاذها بقدر ما تتوقف على نجاعة السياسة الاتصالية المعتمدة، من وجهة نظر محدثنا
كما اعتبر نصر انه في "سوسيولوجيا الجمهوري" يمكن ان نتحدث عن "عدوى الانضباط" الذي شهدناه مع الموجة الاولى للفيروس و"عدوى الاستهتار" الذي نشهده الان مع موجة اشد خطورة وانتشار والتي تغذت اساسا بسبب تصرفات اصحاب السلطة من تجمهر الاحزاب وتنظيم التظاهرات السياسية الى جانب بغياب شبه كلي لدور المجتمع المدني الذي كان فاعلا في الموجة الاولى لسبب اساسي وهو السطو على مجهوداته من قبل البلديات لذلك نعتبر ما يحصل ليس فقط استهتارا مواطنيا بل استهتار سلطوي انعكس على الجمهور.
وشدد مختص علم الاجتماع ان مشكل الوعي لا يتحمل مسؤوليته المواطن فقط بل السلطة السياسية التي ساهمت في "قتل هذا الوعي" في داخل كل تونسي فهي لم تتعظ من التمرد على القوانين وعدم الانضباط لإجراءات الحكومية ونذكر ان وزير الشؤون الاجتماعية قال سابقا ان نسبة الانضباط للإجراءات المتخذة لمجابهة فيروس الكوفيد 19 لم تتعدى 5 بالمائة وبذلك فنسبة فشل الحكومة من خلال عملية حسابية بسيطة تقدر بـ95 بالمائة.
في مستوى آخر قال نصر "كنت في السابق قد شككت في "علمية" اللجنة العلمية التي لم تعتمد بعد على دراسات احصائية دقيقة في ضبط انتشار الوباء من خلال رصد تفشي الوباء في المساجد ووسائل النقل وغيرها وبذلك اعتبر قرارات المنع هي قرارات "مزاجية" وليست ناتجة عن بحث علمي دقيق كما يجب الانتقال من قرارات السلط المركزية او الجهوية الى قرارات قطاعية.
واضاف نصر باننا في تونس نعيش "ازمة" في ادارة الازمة وهذا نتج عنه تمرد وعدم احترام للإجراءات لذلك أدعو إلى "حجر" الكلام عن بعض الاطباء لانهم ساهموا وهذا طبعا لا ينسحب على الجميع لكن تضارب التصريحات والظهور المكثف والافتاء في الوباء من مختلف الجوانب ساهم بشكل او باخر في تشتيت الوعي المواطني ان لم نقل قتله.
تعاطي التونسيين مع الوباء تؤكده نظريات علم النفس الاجتماعي الذي يدرس سلوك المجموعات في المجتمع وليس الأفراد لأنه من المستحيل عزل السلوك الفردي من محيطه الاجتماعي.
جهاد الكلبوسي
تونس – الصباح
عرّت الموجة الاخيرة من انتشار فيروس كورونا في تونس غياب هام أو تقريبا نهاية غير متوقعة للوعي المجتمعي في تونس.. الاستهتار، اللامبالاة تؤكد ان "الوعي قتل فينا" من السبب وهل اصبح التونسي يتحدى الموت؟ ولماذا وصل الى هذه الحالة؟ اسئلة على الرغم من اهميتها الا اننا لا نجد لها اجوبة وسط الانتشار الواسع لفيروس كورونا كانتشار النار في الهشيم.
ولايات تحتضر اطلق على بعضها الولايات الشهيدة وهي عناوين تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد ونشرات الاخبار الى جانب فتح البلاتوهات للبحث في اسباب بلوغنا مرحلة اللاعودة بسبب كورونا لكن يبقى غياب الوعي هو المحدد الرئيسي في المعركة المصيرية مع هذا الوباء.
اليوم تونس تعيش على وقع ازمات سياسية وصعوبات اقتصادية واجتماعية وكل هذه العوامل يرجح المختصون في علم النفس ان يكون لها وقع في التقليل من درجة الوعي المواطني لخطر الوباء.
لا يمكن ان نتجاهل موجة السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي التي رافقت موجة كورونا في مختلف مراحلها والتي تتواصل الى اليوم فكثيرا ما يراها العديد من التونسيين انها كذبة الحكومات والعالم باسره في حين يعتبر البعض الاخر ان وباء كورونا ارحم من وباء السياسة الذي نخر البلاد لسنوات طويلة .
ورغم سن قوانين ردعية وزجرية للسيطرة انتشار الوباء واتخاذ إجراءات استباقية وبالتدرج مثل حظر التجول، الحجر الصحي العام، سحب رخص القيادة للمُخالفين الا ان ذلك لم يحد من تفشي الفيروس في اغلب الولايات وبدرجة خطورة متفاوتة.
وبهذا الانتشار الواسع للفيروس يتساءل العديد عن الفرق بين الموجة الاولى والوضع الوبائي الحالي وهنا يجيب المختص في علم الاجتماع سامي نصر بانه في الاول تم وضع استراتيجية اتصالية فعالة لدرجة ان كل تونسي استوعبها ودخلت الى مخياله وتصرف وفقا لذلك فما حصل خلال بداية انتشار وباء كورونا في السنة الفارطة بكامل تراب الجمهورية لا يعادل ما يحدث اليوم في حي صغير في احد الولايات الاكثر انتشارات للفيروس في الوقت الحالي.
ورأى دكتور علم الاجتماع بان المخيال الجمعي في تونس أقوى بكثير من الواقع، لأنه خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا وعلى المستوى الواقعي لم نشهد عددا كبيرة من المصابين ولا من الوفيات، ومع ذلك عاش الشعب التونسي أزمة مخيال جمعي حادة، انعكست اساسا من خلال اخذ الاحتياطات اللازمة داخل المنازل وخارجها مع المحافظة على كل البروتوكولاتت الصحية من تعقيم واقبال على الكمامات كما تجنّدت الدولة والسلط الجهوية والبلديات وخاصة المجتمع المدني لمجابهة هذه الأزمة.
في حين في الموجة الثانية والموجات التالية وخاصة التي تمر بها البلاد اليوم، نعيش أزمة واقعية حادة وفي غاية الخطورة على مستوى عدد الإصابات والوفيات ومعدلات أعمار الضحايا ودرجة انتشار الجائحة… ولكن لم نعيش أزمة مخيال جمعي لذلك فان السياسة الاتصالية المعتمدة وخصوصية الشعب التونسي هي التي جعلت أزمة المخيال اقوى وأكثر شراسة من أزمة الواقع وعلى هذا الاساس لا يجب الاستهانة بمخيال الشعوب سواء أكانت صحيحة ام خاطئة، كما أن حسن إدارة الأزمات لا يتوقف فقط على نجاعة القرارات التي يتم اتخاذها بقدر ما تتوقف على نجاعة السياسة الاتصالية المعتمدة، من وجهة نظر محدثنا
كما اعتبر نصر انه في "سوسيولوجيا الجمهوري" يمكن ان نتحدث عن "عدوى الانضباط" الذي شهدناه مع الموجة الاولى للفيروس و"عدوى الاستهتار" الذي نشهده الان مع موجة اشد خطورة وانتشار والتي تغذت اساسا بسبب تصرفات اصحاب السلطة من تجمهر الاحزاب وتنظيم التظاهرات السياسية الى جانب بغياب شبه كلي لدور المجتمع المدني الذي كان فاعلا في الموجة الاولى لسبب اساسي وهو السطو على مجهوداته من قبل البلديات لذلك نعتبر ما يحصل ليس فقط استهتارا مواطنيا بل استهتار سلطوي انعكس على الجمهور.
وشدد مختص علم الاجتماع ان مشكل الوعي لا يتحمل مسؤوليته المواطن فقط بل السلطة السياسية التي ساهمت في "قتل هذا الوعي" في داخل كل تونسي فهي لم تتعظ من التمرد على القوانين وعدم الانضباط لإجراءات الحكومية ونذكر ان وزير الشؤون الاجتماعية قال سابقا ان نسبة الانضباط للإجراءات المتخذة لمجابهة فيروس الكوفيد 19 لم تتعدى 5 بالمائة وبذلك فنسبة فشل الحكومة من خلال عملية حسابية بسيطة تقدر بـ95 بالمائة.
في مستوى آخر قال نصر "كنت في السابق قد شككت في "علمية" اللجنة العلمية التي لم تعتمد بعد على دراسات احصائية دقيقة في ضبط انتشار الوباء من خلال رصد تفشي الوباء في المساجد ووسائل النقل وغيرها وبذلك اعتبر قرارات المنع هي قرارات "مزاجية" وليست ناتجة عن بحث علمي دقيق كما يجب الانتقال من قرارات السلط المركزية او الجهوية الى قرارات قطاعية.
واضاف نصر باننا في تونس نعيش "ازمة" في ادارة الازمة وهذا نتج عنه تمرد وعدم احترام للإجراءات لذلك أدعو إلى "حجر" الكلام عن بعض الاطباء لانهم ساهموا وهذا طبعا لا ينسحب على الجميع لكن تضارب التصريحات والظهور المكثف والافتاء في الوباء من مختلف الجوانب ساهم بشكل او باخر في تشتيت الوعي المواطني ان لم نقل قتله.
تعاطي التونسيين مع الوباء تؤكده نظريات علم النفس الاجتماعي الذي يدرس سلوك المجموعات في المجتمع وليس الأفراد لأنه من المستحيل عزل السلوك الفردي من محيطه الاجتماعي.